رواية أسد مشكى الفصل الثامن 8 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت الثامن
رواية أسد مشكى الجزء الثامن
رواية أسد مشكى الحلقة الثامنة
#الفصل_الثامن | يبغونها عوجًا |
قبل القراءة تفاعل بالتصويت ومتنسوش رأيكم بعد القراءة….
صلوا على نبي الرحمة
ظلت جالسة بنفس الوضعية دون أن تحرك نظراتها بعيدًا عن موضع سجودها، وهو جوارها ينتظر أن تعطيه نظرة واحدة، يأمل أن يرى انعكاس صورته في عيونها، لكن وكأن توبة كانت تعلم غايته، إذ ظلت محتفظة بوضعيتها تسبح على أصابعها وهي لا تعطيه أي اهتمام ..
ظل جالسًا طويلًا في انتظار ردًا منها حتى مل ليتأفف بصوت شبه مسموع :
_ ألا تعتقدين أن تجاهلك لي وقاحة سمو الأميرة، لا أعتقد أن التقاليد الملكية تخبرك أن تبعدي عيونك عن محدثك ؟!
كان يرغو ويزبد بغيظ شديد وهي فقط استمرت في التسبيح والاستغفار، وحينما انتهت مما تفعل، استدارت له تنظر في وجهه ثواني تحاول تذكر أين رأته، لتتسع بسمته وقد أعطته واخيرًا اهتمامًا يستحقه رجل بمكانته، لكن فجأة أبعدت عيونها عن وجهه :
_ غادر .
كلمة واحدة نطقت بها ولم تضف لها أخرى لتشتعل أعين الرجل وبقوة حتى كاد ينقض عليها، ضغط على يده بغضب شديد قبل أن ترتسم بسمة مغتاظة على فمه يهمس بفحيح :
– ماذا ؟؟ يبدو أن سمو الأمير قد أعجبك لدرجة أنك تكتفين به عن الرجال و……
وقبل أن يكمل جملته المسمومة وجد صفعة قوية تهبط أعلى وجهه وصوت توبة يصدح في المكان بأكمله وقد اشتد غضبها :
_ غـــــــــــــــــــادر .
اشتعلت أعين الرجل وهو ما يزال ينظر ارضًا وقد اشتدت عيونه، اهتز صدره بغضب شديد يرفع عيونه لها يرميها بنظرة مرعبة وفي ثواني كانت الصفعة التي وجهتها له تُرد لها اثنتين وبقوة مضاعفة، ثم مد يده يجذبها من حجابها يصرخ في وجهها بجنون :
_ أيتها القذرة من تحسبين نفسك ؟؟ بضاعة مزجاة غير مرغوب بكِ، حتى زوجك سئم النظر في وجهك والقاكِ هنا ليلتقطك الأمير، ومنذ اشتراكِ لم يخطو حتى للغرفة وكأنه يشمئز النظر في وجهك أيتها الـ ***** .
أغمضت توبة عيونها تحاول التحمل وعدم البكاء، ليس أمامه على الأقل، يمكنها فقط التخلص منه، ومن ثم تمنح نفسها حرية الانهيار ورثاء ذاتها .
ابتسمت بصعوبة من بين دموعها المكتومة :
_ حديثك متعارض يا سيد، منذ دقائق كنت تغرد أنني لا أرى سوى ذلك الرجل ملمحًا إلى وجود شيء خاطئ بيننا في حديثك راميًا إياي بالباطل، والآن بنفسك تردد أنه منذ اشتراني كما تدعي لم يخطو للغرفة، ألا ترى نفسك متناقضًا ؟!
ختمت حديثها مبتسمة في وجهه وهو ما يزال يمسك شعرها، وحينما رأى نظراتها ابتسم لها بسمة مقيتة، ثم اقترب من وجهها لتبعد هي رأسها بإشمئزاز، بينما هو لم يهتم حتى وهو يردد :
_ يومًا ما، يومًا ما ستخضعين سمو الأميرة وستأتيني بقدميكِ تلقين بنفسك أسفل أقدامي .
_ ابترها ولا أفعل .
نظر لها بعدم فهم لثواني قبل أن تردد هي ببسمة مستفزة :
_ أقدامك، ابتر أقدامك ولا القي بنفسي اسفلها، تمامًا كما حدث مع ذلك الخنزير الذي فقد ذراعه ذلك اليوم .
أبعدها الرجل يلقيها بقوة بعيدًا عنه، ثم صرخ في وجهها :
_ تتكبرين وكأنكِ ما تزالين أميرة وفي قصر والدك، افيقي أنتِ هنا في الجحر .
رددت توبة وهي تتنفس بصوت مرتفع تسارع لتعديل وضعية حجابها :
_ يظل الأمير اميرًا ولو خرج من قصره، كما يظل الخنزير خنزيرًا ولو خرج من وحله .
عض الرجل شفتيه وكاد يتحرك صوبها لولا أن قاطعت امرأة حديثهما وهي تهتف بضيق :
_ هيا زهير قبل أن يعود ذلك الرجل مجددًا، أخذت أكثر من وقتك .
ختمت حديثها وهي تشير له ليخرج وقد كانت هي نفسها المرأة التي تدير المكان، وقد سمحت خصيصًا لزهير بالدخول علها تقتص من ذلك الرجل الذي وصفهم بالقذرين لأجلها .
رماها زهير بنظرة مميتة بادلته هي النظرة بأخرى مبتسمة، ثم أشارت له بعيونها أن يخرج :
_ غادر يا حقير .
توعد لها زهير بصمت، ثم تحرك خارج المكان بغضب شديد، بينما ألقت لها السيدة بنظرة تقيمية، ومن ثم خرجت وأغلقت الباب بسرعة خلفها تاركة توبة تحدق بالباب ثواني قبل أن تسقط ارضًا تدفن وجهها بين قدميها تتأوه بخفوت وقد كانت خدودها تنبض بألم مريع، وقد شعرت بها تحترق، تحسستها ودموعها تسيل دون شعور، رغمًا عنها قارنت في هذه اللحظة بين أميرة سبز المدللة والتي لم يكن والدها يرفض لها مطلبًا، وبين توبة الفتاة التي تتعرض لكل أنواع الإهانة والذل .
هتفت دون شعور باكية بقهر وحسرة :
_ أبي أين أنت؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة واحدة رنّ صداها في المكان لينتفض جسد أنمار دون شعور بعيدًا عن سلمى التي تماسكت وهي ترميه بنظرة حانقة تنفض موضع يده على خصرها وكأن ثعبان كان ملتفًا عليه، ترميه بنظرات مشتعلة وكم تمنيت لو أن أرسلان لم يأت لتقطع يده .
لكن ذهبت أمنيتها ادراج الرياح حينما وجدت فجأة جسد أرسلان يخفي مشهد ذلك الرجل الغريب عن عيونها، وقد وقف أمامها يمنع عنها رؤية ما سيحدث وكأن المشهد الذي يعرض ليس مناسبًا لها .
مدّ أنمار يده يبتسم بسمة واسعة وكأنه لم يفعل شيئًا للتو :
_ مرحبًا أرسلان.
ولم يخجله أرسلان ويرد يده خائبة، بل سارع يقبض عليها كما يقبض الأسد على فريسته، يضغط عليها بقوة عنيفة وهو يردد من بين أسنانه:
_ لا مرحبًا بك أيها الانمار، فوق أنك تقف في قصري وبلادي التي سبق وهنتها، تعديت على حرمات نسائي ومددت يدك لها بلمسة ؟! أي وغد متبجح أنت أنمار ؟؟
صمت يضغط على يد أنمار الذي سارع يحاول أبعد يده عن يد أرسلان، لكن هيهات، مال عليه أرسلان يهمس بصوت مخيف :
_ خسئت وخسئت وخسئت أنت وكل من ينحدر من سلالتك، امرأتي خط أحمر، تلك اليد التي لمستها سأقطعها لك أيها الـ
_ جلالة الملك .
اشتعلت عيون أرسلان وهو يستدير لها ببطء ينتظر منها اعتراضًا ليشتعل غضبًا أكثر، لكن كل ما خرج من سلمى في تلك اللحظة هي همسة صغيرة له وبصوت منخفض :
_ واليد الأخرى من فضلك .
اتسعت بسمة أرسلان بقوة قبل أن يعود لأنمار مجددًا، يجذبه من يده الأخرى بقوة وهو يردد :
_ هيا أنمار تعال صوب قاعة الرجال وتصرف كواحد منهم لمرة واحدة على الأقل .
ختم حديثه بإهانة مبطنة، ثم استدار صوب سلمى يرمقها بعيون ضيقة وكأنه يقيمها، لتمتد يده الحرة دون شعور وهو ينزل القلنسوة أكثر وأكثر لتغطي وجهها بالكامل عدا ذقنها ثم ردد بحنق وغضب مكبوت :
– سنتحدث في هذا الأمر لاحقًا جلالة الملكة .
ردد أنمار بصدمة وكأنه لم يستوعب بعد ما يحدث حوله :
– جلالة الملكة ؟؟
_ ماذا ؟؟ هل لدى سيادتك اعتراض ؟؟
رماه أنمار بعدم فهم ثم ردد وهو يحاول تمالك نفسه :
_ أوه لم ادرك أنك تزوجت، و….مبارك لك، لم نتعرف جلالة الملكة أنا…….
قاطعه أرسلان وهو يدفع به للخلف :
_ ومنذ متى وكنا نتعرف على النساء يا هذا، عيونك ارضًا ويدك جوارك قبل أن تفقدها والتزم حدودك ولا تتعدى الخطوط الحمراء هنا .
ابتسم له أنمار بسخرية ثم هتف بصوت خافت لم يسمعه سوى أرسلان وقد كانت سلمى ما تزال تلتزم الصمت خلفه لا تود التدخل في حديثهم :
_ ويا ترى ما هي تلك الحدود ؟؟ المرأة خلفك ؟؟
صمت حين أبصر نظرات أرسلان والذي حدق به ثواني قبل أن يستدير صوب سلمى بهدوء يردد بصوت خافت :
– استأذنك هناك بعض الأحاديث الجانبية التي عليّ مناقشتها مع أنمار بشكل ضروري .
اشتعل غضب أنمار وازداد صوت تنفسه ولم يكد يتحدث كلمة حتى تجاهله أرسلان، ينظر صوب سلمى مشيرًا لها بعينه أن تتحرك :
_ إذا سمحتي اذهبي حيث النساء جلالتك وحينما انتهي لنا حديث طويل .
ختم كلماته وكأنه يتوعد لها، وفي الحقيقة هو لم يكن فهو يدرك أن لا ذنب لها بقذارة أنمار الذي كادت يده تترك أثرًا على خصرها على ذكر الأمر ضغط على يده أكثر وبغضب أكبر، ثم دفعه أمامه وهو يردد :
– هيا تعال معي قبل أن أفقد المتبقي من صبري .
استدار مع نهاية حديثه ونظر صوب سلمى، ثم أشار لها بعيونه أن تتحرك محذرًا، بينما هي ابتسمت لها بسمة مستفزة، ومن ثم لوحت له بشكل جعل ملامحه تزداد غضبًا زافرًا بضيق شديد وهو ينظر أمامه هامسًا بصوت منخفض :
– صبرًا حتى ينتهي كل هذا يا امرأة …..
كان يتحرك مع أنمار في الممر حتى انحرف في طريقه صوب القاعة الخاصة بالرجال وحينما تأكد أنه اختفى عن الأنظار مع أنمار، حتى دفع جسد الأخير بقوة ضاربًا ظهره في الجدار خلفه يضع ذراعه أمام رقبته يكاد يخنقه .
مال عليه أرسلان يهمس له بصوت منخفض وملامح سوداوية وهو يحدق في عيونه وكأنه يوصل لها رسائل غير قابلة للنقاش .
_ ملكة مشكى ….. المرأة التي كانت تقف خلفي هي ملكة مشكى والتي ستحترمها رغم أنفك، زوجتي ليست مجرد حدود يا هذا، بل هي رأسك التي سأدحرجها أسفل أقدامي إن تجرأت على تعديكِ حرمتها، والنظر لها نظرة لا تعجبني، أو لنقل النظر لها بشكل عام، شيئان لا تمزح بهما معي أو تقترب منهما كي لا اتناسى آدميتي واعاملك معاملة تستحقها، بلادي وامرأتي، اعتقد أن كلماتي تبدو واضحة لك صحيح…. أنمار؟؟
كان مع كل كلمة يزيد من الضغط على رقبة أنمار، والاخير يعيش معاناة خالصة وهو يحاول الفكاك من بين قبضته، تنفس أنمار بصوت مرتفع وهو يبعد عنه يد أرسلان بصعوبة واخيرًا، ثم هتف من بين أنفاسه اللاهثة :
– ومتى تعديت حدودي أرسلان، أنت حقًا تبالغ، كل ما في الأمر أنها كادت تسقط وكانت تلك رد فعل طبيعية مني و….
اصمته أرسلان وهو يشير له بإصبعه:
_ الملك أرسلان بيجان، ما كان لي أن تتساوى مكانتي بخاصتك أنمار، لذا احفظ الألقاب بيننا، نحن لسنا رفاق لتنادي اسمي مجردًا .
اشتعلت عيون أنمار ولم يكد يتحدث حتى ابتعد عنه أرسلان، ثم أشار له بعيونه على قاعة الاجتماعات:
– ألحق بي لننتهي من كل هذا .
ومن بعد هذه الكلمات اختفى جسد أرسلان وعيون أنمار تلحق به بشكل غامض غريب، قبل أن يعدل من وضعية ثيابه ويلحق به بخطوات هادئة لا تشي بشيء ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إلى أين فاطمة ؟!
توقفت عن التحرك وهي تحمل طبق حلوى صنعته صباح اليوم خصيصًا لأجل المعتصم بالله، ابتسمت بسمة صغيرة وهي تنظر صوب والدتها تفكر في حجة تخرج بها، وقبل التحدث أبصرت والدتها ترتدي ثياب غير تلك المعتادة داخل المنزل :
_ هل أنتِ على وشك الخروج ؟؟
هزت والدتها رأسها وهي تتحرك صوب الحذاء الخاص بها ترتديه، ثم رفعت عيونها لابنتها، تتحرك صوبها تعدل من وضعية حجابها تخفي خصلاتها داخله، ثم تحركت واحضرت محرمة وأخذت تمسح لها وجهها :
– نعم، ذاهبة في زيارة لإحدى النساء هنا، لن اتأخر سأعود بعد ساعة أو اثنتين، صحيح أين تذهبين لم تخبريني ؟!
ابتسمت فاطمة بسمة صغيرة، ثم همست وهي تبعد عيونها عن والدتها :
_ إلى العمل مع الخالة ألطاف، ألم تخبريني أنكِ وافقتي على عملي معها في القصر ؟؟
حملت والدتها المفتاح وهي تتحرك مع ابنتها خارج المنزل تتنهد بتعب شديد :
_ يا ابنتي لا يهون عليّ تعبك وما تفعلينه ؟؟ أخبرتك أنني أنا من سيذهب للعمل .
_ لا أمي، أنتِ مريضة ولا تقدرين على شقاء العمل، ثم لا تقلقي أنا اعتني بنفسي جيدًا، فقط كوني بخير واصنعي لنا طعامًا جيدًا، كله يهون لأعود إلى المنزل أجدك في انتظاري مع أبي وأخي وطعام ساخن لذيذ .
توقفت أقدام تولاي ” والدة فاطمة ” عن الحركة تحدق في ملامح ابنتها وقد شعرت أنها تخسرها شيئًا فشيء، الفتاة ما يزال عقلها سجين لحظة خروج والدها وشقيقها للصلاة قبل حريق المنزل .
تنهدت بصوت مرتفع وهي لا تدري كيف تساعدها لتخطي كل ذلك، تشعر بالعجز، هل هناك أدوية أو اعشاب تجعلها تتخطى كل ذلك ؟
_ أمي ؟؟ أنا أتحدث معكِ وأنتِ لا تجيبين .
رفعت والدتها عيونها لها، ابتلعت لها ريقها تحاول الحديث قبل أن تبصر ألطاف تقترب منهم وهي تتحدث ببسمة واسعة :
_ هيا يا ابنتي، هل أنتِ جاهزة للذهاب ؟؟؟؟؟
هزت فاطمة رأسها تودع والدتها بسرعة وهي تضم طبق الحلوى لصدرها متحركة مع ألطاف التي كانت تراقبها بحنان شديد وتسير معها صوب القصر تدعو لها بالرزق والسعادة …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إذن يا المعتصم ..
رفع المعتصم عيونه بسرعة ينظر صوب سالار مرددًا باحترام شديد ولهفة :
_ أوامرك يا قائد؟؟
ابتسم له سالار يربت على كتفه بحنان :
_ أي قائد يا المعتصم، أنت الآن قائد كذلك، لا تنس مكانتك، أنت الآن قائد جيوش مشكى .
_ معاذ الله أن أكبر عليك يا قائد، ستظل قائدي لنهاية العمر .
ابتسم له سالار بامتنان لكلماته، يهز رأسه له :
_ اتشرف بك تلميذًا يا المعتصم، أخبرني كيف تسير الحياة هنا مع أرسلان ؟؟
هز المعتصم رأسه بهدوء ولم ينتبه لأرسلان الذي دخل المكان كالعاصفة، إذ كان ظهره جهة باب الدخول ..
توقفت أقدام أرسلان ببطء حين سمع جملة سالار، والذي أضاف بعد جملته الأولى بخبث حينما أبصر وصول أرسلان :
_ اعلم أنني أثقلت عليك بالكثير حين ألقيت بك في مشكى مع أرسلان، أعانك الله على الحياة معه يا بني .
نظر له المعتصم ثواني قبل أن ينفي برأسه يتحدث بجدية كبيرة ونبرة صادقة وإخلاص كبير لملكه :
_ سيظل ما فعلته معي دين في رقبتي لنهاية حياتي يا قائد، فأنت لم تمنحني مكانة يطمح لها الكثيرون فقط، بل منحتني حياة جديدة ابني بها ذاتي، أما فيما يخص الملك أرسلان، فرفقته أفضل ما رزقني الله به في حياتي، فالله يشهد أنه لم يقصر يومًا معي أو يقلل من شأني أو حتى دفعني للندم ثانية، بل عاملني كما لو أنني عشت طوال عمري بهذا المنصب واستحققته ..
_ وأنت كذلك يا المعتصم، من سواك يستحق أن يكون قائدًا لجيوشي ؟؟ والله لا امنحن مكانتك لسواك ولا يستحقها غيرك .
كان أرسلان يتحدث بجدية كبيرة وملامح حانقة وهو ينظر صوب سالار يردد بدفاع عن المعتصم وكأنه أب أزعج البعض صغاره :
– مالك والمعتصم سالار ؟؟ دع قائد جيوشي وشأنه.
ابتسم له سالار يردد باستفزاز :
_ في الحقيقة كنت افكر في إرسال أحد رجال الجيش ذوي الخبرة لمساعدتك واستعادة المعتصم لجيش سفيد .
تشنجت ملامح أرسلان يضرب الطاولة بقوة وهو يهتف في وجه سالار :
_ وهل ترى الأمر لعبة ؟؟ تمازحني أنت ؟؟ هذا قائد جيوشي وليس سلاح اعيرك إياه.
_ المعتصم من تلاميــــ
_ المعتصم من مشكى، تسير به دماء مشكى وسيظل في مشكى حتى تفنى روحه، ولا تطيل الحديث في الأمر، كي لا ينتهي بيننا الأمر بتحطيم ما تبقى من قصري على رؤوس من به سالار .
اتسعت بسمة سالار وبشدة وقد أبصر بعيونه نجاح ما سعى له، لتدب الراحة في صدره، ولم يكد يتحدث حتى وجد الجميع أنمار يدخل للقاعة بهدوء شديد وهو يهتف بنبرة جادة وبسمة صغيرة :
_ مرحبًا بالجميع، عساكم في أفضل حال .
سحب أرسلان مقعده، ثم جلس عليه بكل هدوء، يجيب ببسمة واسعة وهو يستند بيديه على الطاولة أمامه:
_ والله كنا قبل أن تأتي أنت، هيا اجلس هنا.
ختم حديثه يشير صوب مقعد يقع في نهاية الطاولة وكأنه ينفي أنمار بعيدًا عنهم.
ابتسم سالار يعود بظهره للخلف يعجبه ما يرى مرددًا جوار إيفان:
_ كان أرسلان سيموت إن لم يجبه بحديث لاذع .
هز إيفان رأسه يبتسم بسمة جانبية ساخرة :
– دعه يخرج ما يعتمر بصدره أفضل للجميع كي لا ينفجر بنا .
تحدث آزار وهو يضرب على الطاولة يفتتح الحديث فيما حدث :
_ دعكم من الأحاديث الجانبية ولننتهي فيما جئنا لأجله، الهجمات والضربات الأخيرة التي سقطت أعلى رؤوس الجميع تهدد أمن الممالك ولا أعتقد أن ما حدث أمر يمكن تجاوزه .
استمع له الجميع بانصات قبل أن ينهض ازار من مكانه يدور حول مقعد، ثم اخرج من حقيبته التي يضعها خلف مقعده خارطة كبيرة ألقاها أمام الجميع يشير صوب نقطة تقع في منتصفها :
_ مقر الهجمات كان بالتحديد في الأطراف الشمالية من آبى، أي على بعد بعض الكيلومترات من حدودنا مع الغابة الشمالية التي تفصل مملكتي عن مملكة سبز، لقد جاءت الهجمات من جهة سبز .
ضاقت عيون إيفان وهو يتحدث بنبرة عادية يحاول تخمين ما يحدث :
_ هل يعقل أن تكون سبز مقرهم الحالي؟
انتفض أنمار من كلمات إيفان ينفي بسرعة ما يرمي إليه الأخير :
_ غير صحيح، سبز مملكة لا يخطوها فاسق مثل هؤلاء .
اتسعت بسمة أرسلان وفتح فمه ليتحدث، ولم يتمكن من كبت كلماته :
_ عجبًا لايخطوها فاسق، ويحكمها فاسق، ذلك الكاذب الفاسـ…
لكن المعتصم تدارك الأمر وهو يمسك يده يهمس له برجاء يقطع كلماته وبسرعة كبيرة :
_ أرجوك لا، أتوسل إليك لا تكمل كلمتك لنمرر الاجتماع على خير .
التوى ثغر أرسلان يضرب الطاولة وهو ينفخ بضيق شديد :
_ لا أحد هنا يتهمك يا أنمار، نحن هنا للبحث عن رأس الأفعى وقطعها .
ختم حديثه وهو يسحب سيفه يلقي به بعنف على الطاولة بشكل غير متوقع لأنمار الذي انتفض للخلف ليرفع أرسلان حاجبه مبتسمًا بسمة جانبية هاتفًا :
_ إذن دعونا نتحدث في خطة لما يحدث معنا يا سادة ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إذن ما الذي تطالبني به الآن وليد، أنا لا افهم ما تقصده ؟!
دفع الوليد بعض الطعام أمام نزار وهو يربت على كتفه ببسمة يتحدث له بنبرة ودودة هادئة، فلطالما كان نزار من أكثر الأشخاص المقربين له :
_ فقط تناول طعامك وبعدها نكمل حديثنا .
دفع نزار الطعام بعيدًا عنه، ثم رفع عيونه للوليد مجددًا :
_ اعذرني فأنا لا يمكنني تناول شيء طالما هناك ما يشغلني، لذا هلا نختصر كل هذا وتخبرني ما قصدته بحاجتك لمهارتي ؟؟
رمقه الوليد ثواني بعيون ضبابية غامضة قبل أن يخرج تنهيدة مرتفعة أتبعها بكلمات جمدت الدماء بعروق نزار :
_ نريد منك صنع سم قوي المفعول ..
اشتدت ملامح نزار يحاول معرفة ما المزيد :
_ سم قوي المفعول ؟؟ لماذا ؟؟ هل هناك حيوانات شرسة تـ
قاطعه الوليد وهو يخبره بصوت منخفض :
_ لأجل الحرب القادمة .
_ لأجل الحرب القادمة؟ وما دخل السموم بالحروب يا الوليد ؟؟ ما الذي تقصده أنت، حديثك غامض لا أفهم منه شيئًا ..
_ لا يمكنني التوضيح أكثر نزار، هل ستساعدنا أم ماذا ؟؟
نظر له نزار طويلًا قبل أن ينهض ينظر له من علياه وصدره يعلو ويهبط بغضب :
_ ماذا .
نطق كلمته وهو يتحرك خارج المكان دون إضافة لولا يد الوليد الذي امسك به يوقفه عن التحرك، يزفر بصوت مرتفع :
_ نزار فقط لا تتسرع، أنا أخرجتك من ورطتك وخاطرت برجالنا لأجل تحريرك بعدما تعهدت للقادة هنا أنك ستكون ذو قيمة لنا في هذه الحرب .
ابعد نزار يده عنه يهتف بجدية وهو يحدق بعيونه وكأنه يتحداه :
_ وأنا لست بيدقًا يحركه قادتك دون معرفة ما يحدث حولي، سألتني صنع سم وسألتك السبب، حين تخبرني السبب سأفكر في مساعدتكم .
أنهى حديثه يتحرك خارج المكان دون الالتفات للوليد والذي صاح بنفاذ صبر :
_ نزار أنت لا تدرك ما تفعله، لا يمكنك تحديهم سوف يؤذونك، هم سيحصلون منك على هذا السم بأي طريقة كانت فلا تجبرهم أن تكون بطريقة لن تعجبك .
لكن نزار كان قد غادر بالفعل دون اهتمام، يشعر بالاختناق وكأن هناك صخرة تقبع أعلى صدره، ولم يشعر بنفسه سوى وهو متوقف أمام منزله، أو منزلها لا يدري حقًا لمن المكان فهو لا يطأه سوى مرات قليلة، المرات التي يشعر فيها بحاجة ملحة لمجالسة شخص نقي، المرات التي يشعر فيها بحاجته لتنفس هواء غير ملوث بالمعاصي، كهذه المرة .
توقف يتنفس بصوت مرتفع ولا يدري بأي حجة يطرق عليها الباب، لكنه فعل بالفعل وطرقه ..
ثواني ولم يصل له رد كعادته فلحق طرقته الاولى بالثانية ومن ثم الثالثة ومن بعدها دخل يخفض رأسه يبحث عن حجة للنطق بها .
_ مرحبًا هل تودين تناول الطعام الآن أم تنتظرين لبعد الصلاة ؟؟
لم تصل له إجابة وكان متوقعًا في الحقيقة، لكن الغير متوقع هو سماعه لصوت شهقات مكبوتة يصدر من أحد أركان الغرفة .
رفع رأسه بسرعة يبحث عنها حتى ابصرها تخفض رأسها بين قدميها وجسدها ينتفض بشكل غريب .
ضيق ما بين حاجبيه لا يفهم الخطب يتقدم منها خطوات قليلة مرددًا بصوت خافت :
_ سمو الأميرة؟ أنتِ بخير ؟؟
ولا رد ….
مجددًا ناداها .
ومجددًا نفس الصمت منها .
هنا وازداد رعبه وهو يقترب منها يجلس على عقبيه بالقرب من جسدها مع تركه مسافة مناسبة بينهما، يميل برأسه وكأنه يحاول الوصول لوجهها :
_ توبة ؟!
ارتفعت شهقات توبة أكثر وأكثر حتى بدأ صوت الشهقات يصدح في المكان، واخيرًا رفعت توبة وجهها ببطء له ليبصرها نزار الذي بدأت عيونه تتسع بشكل جنوني وهو يبصر خيط من الدماء جوار فمها وعلامات أصابع غليظة يزين وجهها، شعر بصدره ينتفض كحدة انتفاضات جسدها .
_ دعني وحدي رجاءً..
ختمت حديثها وقد بدأ بكاؤها يزداد أكثر وأكثر، ليشعر نزار بالجحيم يشتعل داخل صدره، يحاول إيجاد كلمات للتحدث بها، لكن لثواني عجز عن ذلك .
واخيرًا وبعد دقائق نطق بما أحرق صدره :
_ من ؟؟
نظرت له توبة بندم فهم ليكرر نزار كلماته بصوت غاضب رغم أنه كان منخفضًا :
_ من فعل بكِ هذا ؟؟
فجأة انفجرت توبة في البكاء وكأن والدها يسألها من ضربها من الفتية، تردد دون شعور من بين بكائها :
_ لا اعلم….لا اعلم رجل ضخم اشقر ذو لحية ضخمة وهناك …..هناك جرح غائر جوار عيونه .
وكان هذا الوصف كافيًا لنزار الذي تركها وتحرك بعيدًا عنها متوعدًا، وقد اشتد غضبه أضعاف مضاعفة، المرأة التي تعهد أمام الله ونفسه أن يساعدها حتى يخرجها من هذا المستنقع تُهان وتُضرب بهذا الشكل وقد اعتبرها هو مسؤوليته، خرج لا يبصر أمامه إلا السواد يبحث بعيونه بين الرجال عن رجل بنفس المواصفات التي ذكرتها واستمر بحثه دقائق حتى أبصره يجلس مع بعض الرجال، وقبل أن يستوعب المحيطين به ما يحدث كان جسد الرجل يسقط بينهم وجسد نزار يعلوه وقد انقض يضرب وجهه ضربات متتالية يفرغ به غضبه، ولم يستطع أحد أبعاده عن الرجل ..
ليركض أحد الرجال بسرعة كبيرة صوب الوليد وكل مرة استطاع نطقه هو :
_ الرجل الذي احضرته يكاد يقتل زهير في الخارج ……..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أخي لن يعجبه ما نفعل الآن صدقوني قد يحيل المملكة لرماد فوق رؤوسنا جميعًا …
كانت تلك الجملة خارجة من فم كهرمان التي لا تدرك كيف طاوعها عقلها لتجاوز أوامر شقيقها بالخروج من القصر دون حراس، أو حتى كيف وافقت على الخروج دون إعلام زوجها الذي كان مشغولًا بالمناسبة مع زوجها في اجتماعًا مهمًا لا تشعر أنه سينتهي قبل غروب الشمس وقد وصل لهم اصوات صاخبة خارجة من القاعة وقد بدا الأمر، كما لو أن الرجال في الداخل يتقاتلون .
وتبارك التي كانت قد اختبرت ما يحدث سابقًا كانت تدرك أن الأمر سينتهي بإيجاد سالار لها في ورطة يجرها جرًا صوب الغرفة، ومن ثم يستمر في الصراخ لدقائق قبل أن يهدأ ويبدأ السؤال عن حالتها، لذا قالت بهدوء:
_ حسنًا لست قلقة في الحقيقة فشقيقك لن يتوجه لي بكلمة .
صمتت تكمل بهمس لذاتها :
_ سالار هيقوم بالواجب وهيوجه ليا كلمات .
نفخت سلمى بلا اهتمام وهي تتحرك معهم تتفقد أسواق المدينة حولها باهتمام :
_ من الأساس شقيقك يفعل ذلك في اليوم العادي دون سبب، لذا لا ريب من إعطاءه سبب مقنع للأمر.
ختمت حديثها وهي تنظر لموزي الذي يعلو كتفها بكل هدوء ولطف :
_ صحيح موزي ؟؟
أصدر موزي صوتًا مستمتعًا بما يرى حوله وقد أغرته كل هذه الأشياء والفواكه حوله ولولا تحذيرات سلمى له كل ثانية بعيونها لكان عاث فسادًا في المكان بأكمله .
همست تبارك لكهرمان بصوت خافت :
_ تستطيع التحدث لغة القرود .
أطلقت سلمى ضحكة شبه مرتفعة جعلت أعين تبارك تتسع، بينما كهرمان ابتسمت تردد :
_ احترسي حين الهمس تبارك، فيبدو أن عزيزتنا سلمى تمتلك حاسة سمع أخي .
نظرت لها سلمى بحنق لتهز كهرمان كتفها مبتسمة :
_ هذه حقيقة، أخي يمتلك حاسة سمع حادة مرعبة .
بدأت تتلمس الأقمشة وهي تردد بنبرة عادية :
_ ربما لتدريبات ابي المكثفة له في طفولته، كان يتدرب أيامًا طويلة دون الرؤية يعتمد فقط على سمعه، وعليه صد الضربات الموجهة له وإلا ليتحمل وجعها .
ارتعش جسد تبارك تتذكر ذلك النوع من التدريبات الذي كانت تفشل به فشلًا ذريعًا حتى هذه اللحظة، بينما سلمى لم تكن متعجبة مما تسمع، أولم تطلع بالفعل على طفولة أرسلان القاسية، والده كان يتعامل معه معاملة الجندي في ساحة الحرب، لا تتذكر أن الرجل تلقى لحظة حنان واحدة طوال سطور الكتاب وصفحاته التي تتخطى الخمسة الآلاف صفحة .
ورغم كل ذلك هي كانت تدرك وبكل سهولة أي نوع من الشخصيات هو أرسلان وكيف تتعامل معه .
_ شقيقك ليس مسكين كهرمان …
ابتسمت كهرمان وهي تمسك طرف فستان من تلك الاثواب التقليدية عندهم تردد :
_ لا ليس كذلك ولا أنصحك بوصفه هذا الوصف أمام عيونه فسيكون رده عليكِ واحدًا ولا أنصحك بسماعه .
_ خسئتِ أنتِ واشباهك الاربعون .
استدارت لها كهرمان بصدمة تتساءل بعيونها عن معرفتها للجملة، وكأنها لا تدرك أن أخيها يسير بين الجميع موزعًا إياها عليهم .
اقتربت سلمى من الثوب تتحسه ببسمة جانبية دون إجابة الأسئلة التي تطرحها عيون كهرمان، تتلمس الثوب بإعجاب شديد فقد كان اسود مع بعض النقوش الفضية اللامعة على الأطراف .
نظرت له ثواني قبل أن تهمس بنبرة مريبة :
_ اعجبني هذا الثوب سأبتاعه لأجل زفافي من شقيقك .
اتسعت أعين كهرمان أكثر وكذلك تبارك التي حدقت في سلمى بعدم فهم، هل أعلنت للتو موافقتها الصريحة على زواجها من أرسلان أم ماذا ؟؟
وسلمى لم تهتم بشرح شيء فقط أشارت للرجل أن يضعه في حقيبة، ثم أخرجت بعض النقود التي تحملها في جيب بنطالها لتستوعب فجأة أنها تحمل عملة بلدها المحلية .
ويبدو أن كهرمان أدركت الأمر لتتدخل بسرعة تقول بلطف شديد :
_ إذن اسمحي أن يكون الثوب هدية مني لكِ عزيزتي، فأنا شقيقة زوجك في النهاية .
ختمت حديثها بنبرة خبث قابلتها سلمى بنفس مقدار الخبث الذي يملئ شخصيتها الثانية، بينما تبارك تنظر لهما بخوف وقد شعرت فجأة بالريبة منهما تتراجع للخلف …
وعلى بعد صغير في نفس السوق كان البعض يندمج بالشعب يلقي كلمات هنا وهناك، البعض يتحدث عن أوضاع المملكة والبعض الآخر يردد كلمات منتقاة بعناية ويبدو أن حرب النفوس بدأت بالفعل .
إذ وصلت لمسامع الفتيات بعض الكلمات المترامية من رجل وامرأة جوارهما وهما يتحدثان بصوت شبه مسموع :
_ والله ما أعلمه هو أنه إن لم يكن على قدر منصبه فليدعه لشخص يستحقه، وراثة العرش هي ما اوصلتنا لما نحن عليه .
_ ما الذي تتحدثين به أنتِ، بعد كل ما فعله وما يفعله لأجلنا ؟؟ أنتِ يا امرأة ناكرة للجميل .
تدخل رجل آخر وكأنه جاء نجدة للمرأة التي شعرت بالعجز عن الرد :
– فعل ماذا هذا واجبه وأكثر، انظر أين كنا وكيف اصبحنا ؟؟ نحن نحتاج لملك قوي يحكمنا يستطيع أن ينهض بالبلاد .
توقفت يد كهرمان عما تفعل وهي تنظر صوب السيدة والرجل بنظرات متعجبة وعقلها يحاول إنكار ما وصل له من كلمات مترامية بالطبع هذه الكلمات ليست على أخيها.
وتبارك تتابع ما يحدث لا تفهم شيئًا، لكن كل ما تدركه أن أرسلان الذي سمعت عنه من إيفان سابقًا وسالار لاحقًا لم يكن بأي شكل من الأشكال نفسه الرجل الذي يتحدثون عنه .
بينما كانت سلمى تتابع بأعين حادة ما يحدث وقد ابتعدت عيونها عن وجه السيدة تدور في الوجوه حولها وقد بدأت تدرس ردات فعل أجسادهم التي بدأت تتحفز وكأن عقولهم وجدت أخيرًا شيء تلقي بعجزهم عليه ..
كانت نظرات سريعة استطاعت سلمى أن تدرس بها ما يدور حولها، كل النظرات كانت واحدة نظرات، عدا القليل فقط من النظرات التي استطاعت تمييزها من بين الجميع .
رفعت حاجبها وهي تعود بنظرها صوب الرجل الذي كان يتحدث بكل تبجح يساند المرأة فيما تقول بكل جوارحه :
_ أنتم فقط عصبة من الجبناء يخدعكم ببعض الفتات الذي يلقيه لكم والقليل من الرعاية التي يوفرها، البلاد تحتاج لقائد حقيقي في غمضة عين ينهض بها و…..
_ مثلك .
توقف الرجل عن التحدث فجأة حين سمع تلك الكلمة التي اخترقت الأجواء بشكل حاد جاعلة جميع الأعين تتحول صوبها، امرأة بثوب غريب ومعطف اسود تغطي به رأسها تحمل على كتفها قرد يرمق الجميع بضيق وكأن ما يحدث لا يرضيه ..
ابتسمت سلمى بسمة واسعة وهي تقترب خطوات قليلة تحت أعين الرجل المتعجبة حتى توقفت على بعد صغير منه تتحدث معه بنبرة خرجت جادة مؤيدة حتى شعرت كهرمان أنها توافقهم الأمر.
_ معك حق، هذه البلاد بالفعل تحتاج لمن ينهض بها في غمضة عين، لذا إذا كنت تعلم ما عليك فعله لماذا لا ننصبك ملكًا علينا ؟؟
توتر الرجل تحت نظرات سلمى التي تكاد تثقب روحه وهي تتحدث له بصوت مسموع :
_ اغمض عيونك وتخيل معي للحظة أنك الملك هنا، أنت ملكنا والكلمة الأولى والأخيرة لك في في هذه اللحظة، ما رأيك ؟!
نظرت للجميع تنتظر منهم تأييدًا ثم أكملت :
_ والآن معك من الوقت مقدار غمضة عين هيا اصلح لي الخراب المحيط بنا جلالة الملك .
اتسعت عين الرجل وتوتر من نظرات سلمى التي كانت وكأنها تخبره بعيونها أنها تدرك ما يفعل وأي غرض جاء به، توتر جسده واهتز بشكل واضح لسلمى التي ارتسمت بسمة على جنب فمها وهي تطقطق إصبعين تهتف ببسمة :
_ انتهت مهلتك كملك ولم تقدم لنا سوى صمتًا، أي نوع من الملوك أنت مولاي ؟؟ عار عليك .
رفعت عيونها صوب الجميع تمر بعيونها عليهم قبل أن تتوقف على بعضهم، عدد معين من الأشخاص فقط من اطالت النظر بهم حتى توتروا وبشدة وقد شعروا للحظة أنها كشفت هويتهم .
لكن كل ما في الأمر أن سلمى فقط التقطت نظرات أعينهم وحركات أجسادهم وردات فعلهم المتباينة عمن يحيط بهم، فتعجبتها ليس إلا .
استقامت تسجل وجوههم في عقلها، ثم قالت رغم جهلها لطريقة حكم أرسلان الفعلية، لكنها تدرك أي نوع من الأشخاص هو، وبأي شكل من الأشكال يحكم، وتحت أي ظرف هو ليس ذلك المتخاذل الذي يتحدثون عنه :
_ من العار أن تتجمعوا وتعقدوا احاديثًا كهذه في حين أن الملك لا ينام ليلته فقط ليؤمن لكم صباح هادئ، تتحدثون وكأنه يحكم البلاد منذ يومين ولا تعلمون عنه شيئًا، على حد علمي فقد حكمكم منذ سنوات طويلة ولم اسمع شكوى واحدة في سنوات الرغد، عجبًا برزت لكم ألسنة في السنوات العجاف ؟؟ اخجلوا من أنفسكم .
ختمت حديثها تستدير صوب البائع تحمل منه حقيبة ثوبها، ثم أشارت صوب تبارك المصدومة مما فعلت وكهرمان السعيدة بما سمعت وقد كانت على وشك الرد، لكن رد سلمى اصمتهم واصمتها وانجدهم من لسانها .
تحركت مع سلمى وهي تردد في نفسها بسعادة :
– يبدو أن اخي احسن الاختيار ووجد توأمًا له بشكل حرفي، فأنتِ تمتلكين نفس اللسان تقريبًا.
رددت تبارك في أعقابهم :
_ مرحى لمشكى حصلت على ملك وملكة مرعبين ……
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضرب إيفان الطاولة بغضب شديد وقد استطاع أن يثير هذا الحوار سخطه وغضبه واخيرًا، شيء استطاع استخراج جنون إيفان من داخله .
وكم كان هذا مشهدًا ممتعًا لأعين أرسلان الذي عاد بظهره للخلف يترك ضفة القيادة لإيفان الذي صاح بجنون في وجه أنمار :
_ نفـــــعــــل مـــــــاذا ؟؟ هـــل جننـــت ؟؟
تنهد أنمار بصوت مرتفع وهو يمسح وجهه وقد سأم من كل هذا، فهو منذ اشتد الحوار وهو يتلقى غضب آزار تارة، وجنون أرسلان تارة، والآن عليه التعامل مع سخط إيفان، كان يعلم أن اقتراحه لن يلقى صداه لديهم، لكنها كانت محاولة أخيرة قبل فعل ما خطط له .
_ فقط أهدأ رجاءً ظننتك ستكون الوحيد العاقل بينهم وقد اتضح أن سالار هو افضلكم في هذا الأمر.
هز سالار رأسه بكل هدوء يردد بنبرة عادية ليس وكأنه ينبس بتهديد أو ما شابه :
_ لا أنا فقط لا أحب أن أفزع زوجتي بمظهر الدماء التي تلتصق بثيابي، أنت تدرك كم هو صعب استخراجها من نسيج الثياب صحيح ؟!
نظر له أنمار وهو يفكر في كلمات سالار وقبل أن يجد ردًا سمع ضربة آزار على الطاولة وهو يهتف بصوت حاد :
_ ما تدعونا له الآن إن لم تحمله وتخرج من هنا سأحرص على حجز فراش لك في الغرفة المجاورة لبارق واستولى أنا على بلاده واضمها لآبى لحين يستيقظ .
تحركت أعين أنمار بفزع صوب آزار يرفض ما يسمع :
_ أنت لن تجرأ على ذلك .
_ جربني .
مسح إيفان وجهه يحاول الهدوء وهو ينظر لعيون أنمار :
_ دعونا لا نتسرع يا رجال ربما فهمنا مقصده بشكل خاطئ، بالطبع أنمار لا يقصد بحديثه أن نعقد معاهدة سلام مع هؤلاء الكفار ونعترف بهم مملكة خامسة ونمنحهم جزء من كل مملكة لنعطيهم حقهم كبشر بيننا، بالطبع لا يقصد ذلك .
نظر له أنمار وهو يحاول إخراج كلمات تكون لها أقل تأثير عليهم، وحتى الآن لم يرى بعد ردة فعل أرسلان والذي كان على عكس المتوقع أقلهم حدة في ردة فعله .
_ فقط لنفكر في الأمر، اعتقد أن طريق الحروب سيعود علينا بخسائر كثيرة وعلى الشعوب اختيار السلام هو اسلم الحلول معهم .
ختم حديثه يدور بين الجميع بعيونه ينتظر منهم ردًا وقد الجمهم بعرضه، أنمار يحاول لعب دور حمامة سلام الآن ودفعهم للاعتراف بالمتمردين وإقامة مملكة لهم داخل ممالكهم .
توقفت عيون أنمار على أرسلان وكأنه ينتظر منه ردًا على حديثه، لكن كل ما فعله أرسلان هو أنه مال بنصف جسده العلوي صوب حذائه لينتفض جسد أنمار بسرعة للخلف متحركًا عن مقعده بشكل أثار انتباه الجميع له .
أما عن أرسلان فهو فقط عدّل من وضعية حذائه بهدوء، ثم اعتدل بنصف جسده ينظر للجميع ببسمة، ثم أشار لأنمار أن يجلس :
– اجلس عزيزي، لا تخف لا انتوي تلويث حذاء آخر لي .
صمت أرسلان ثانية، ثم نهض عن مقعده يتحرك صوب أنمار يردد بهدوء :
_ أو لا تتعب نفسك بالجلوس فأنت ستغادر على أية حال، هيا خارج بلادي يا حثالة .
ومن بعد تلك الكلمات امسك أنمار من ثيابه بإهانة كبيرة يجره معه صوب خارج القاعة بقوة مرعبة وتحرك به يهبط الدرج بشكل كاد يسقط أنمار مرات عديدة، والاخير فقط يهدد ويحذر بشكل مستميت .
حتى وصل أرسلان لبوابة القصر ودفع بأنمار صوب البوابة يهتف بصوت جهوري :
– حراس …. اخرجوا هذا الحثالة من القصر والبلاد بأكملها كي لا يدنس رمالها، القوه خارجًا ولا تسمحوا له بأن يطأها مجددًا.
نظر له أنمار نظرات مميتة وقد بدأ كل الغضب في صدره يتجمع حول أرسلان تحديدًا :
– ستندم على هذا أرسلان …
ارتج القصر بصوت أرسلان المرتفع والذي هدر بنبرة مرعبة جعلت المعتصم يتمسك بسور القصر وهو يتابع بأعين متسعة وقد ركض بسرعة كي يتحكم في أرسلان إذا ما تجاوز غضبه حدود العقل :
_ خســــئت وخســـئ قولك وعملك أيها الخسيس، ما كان لي أن أندم على شيء الله وكيلي به، الندم هذا سأسقيه لك كاسات إن لم تغادر قصري في هذه اللحظة، تبغونها عوجًا أنت وجماعتك بدل أن تصلحوا في الأرض، مصيركم اكفان على يدي …
ومن بعد كلماته لم يبصر أحدهم جسد أنمار الذي امتطى حصانه وأخذ رجاله الذي كانوا ينتظرونه على بوابة القصر مع باقي حراس الملوك، وقد كان قائد جيوش سبز معه، يتبعه بحصانه مبتسمًا بتشفي واضح، وقبل اغلاق بوابات مشكى بشكل كامل استدار الرجل يلقي بتحية لأرسلان وكأنه يشكر صنيعه .
بينما أرسلان فقط يقف أمام البوابة يتنفس بصوت مرتفع لولا صوت المعتصم الذي همس له :
_ مولاي هل أنت بخير ؟؟
_ نعم، لكنهم لن يكونوا كذلك .
وبمجرد انتهاء جملته أبصر الابواب تُفتح من جديد ليعقد حاجبيه بترقب للقادم، فأبصر آخر من توقع أن يعبر تلك البوابة في هذه اللحظة .
زوجة أرسلان وشقيقته، وزوجته المستقبلية ويبدو أنهن حضروا بالفعل ما حدث منذ ثواني……
_ ما الذي يحدث هنا وأين كانوا ؟؟؟؟؟؟؟؟
ابتسمت كهرمان وهي تراقبهم تهمس :
_ حسنًا هذا لقاء لم أكن أتوقعه .
رفعت عيونها صوب الاعلى وكأنها تبحث عن أحدهم حتى استقرت على جسد إيفان الذي كان يراقبها بعدم فهم وهو يعقد حاجبيه يتساءل بصمت عما يحدث لتتسع بسمة كهرمان تتحرك بعيدًا عن الجميع تردد :
_ أنا أفضل ردة فعل زوجي أكثر في هذه اللحظة، لذا استأذنكم يا سادة .
خفضت رأسها في تحية صامتة ثم تحركت تاركة تبارك تنظر حولها كما التائهة لا تدرك ما يجب فعله، لتقرر في النهاية أن تتبعها مرددة :
_ اختار نفس الاختيار، بالاذن منكم .
رحلت تاركة سلمى تقف وحيدة في مرمى أعين أرسلان الذي ما تزال توابع الاشتعال ظاهرة على ملامح وقبضته المبيضة لشدة ضغطه عليها، حتى أن موزي ارتعب من نظراته ليقفز بسرعة من كتف سلمى يتحرك بعيدًا صوب الأشجار ويبدو أنه قرر أن يقضي المتبقى من عمره في البراري حيث لا تطاله يد أرسلان الباطشة والذي أصبح كابوسًا متحركًا للقرد المسكين .
_ حتى أنت يا موزي ؟!
رفعت عيونها ببطء صوب أرسلان الذي كان يبدو متحفزًا لتبتسم له تنظر حولها بعدم فهم :
_ أنت لا تنتظر ردًا مني صحيح ؟؟
وكانت إجابته على سؤالها سؤال آخر يلقيه على مسامعها :
_ هل خرجتي للعاصمة بمثل هذه الثياب وبمعطفي الخاص آنسة سلمى ؟؟؟؟
تحركت عيون سلمى صوب جسدها الذي يلتف في فستان ابيض بزهور وردية يغطي كامل جسدها وقد كانت حريصة على انتقائه للخروج، وعليه حذاء رياضي ابيض مريح، واخيرًا معطف أرسلان السحري الذي تسير به بين الجميع كما لو كان يساعدها في الاختفاء، رفعت عيونها ببطء صوبه تمنحه أكثر بسماتها لطفًا تردد بصوت هادئ رقيق :
_ اتمنى ألا تمتلك اعتراض على ذلك مولاي .
_ بلى افعل مولاتي، أفعل ونصف..
هزت كتفها بهدوء تتحرك للداخل :
_ إذن هذه مشكتلك جلالة الملك وليست خاصتي .
ابتسم لها أرسلان بسمة صغيرة جعلتها تتعجب الأمر، لكنها أكملت طريقها صوب الداخل، لكن فجأة توقفت حين أبصرت امرأة تتحرك صوبها بتحفز شديد وبسمة غريبة مرتسمة على فمها، توقفت جوار أرسلان تردد بنبرة لم تخطأها أذن سلمى :
_ مولاي الطعام جاهز لك ولضيوفك .
ولم ينظر لها أرسلان حتى أو يستدير فقط هز رأسه شاكرًا بصوت منخفض وقبل الرحيل تحدث بصوت هادئ للعاملة:
_ افضل في المرات القادمة أن تخبري أحد الحراس وهو سيأتي ليخبرني، وشكرًا مجددًا …
رحلت الفتاة بهدوء بعدما هزت رأسها بطاعة، بينما سلمى تقف تنظر لظهره ثواني نظرات غامضة، ثم تحركت من المكان بأكمله وهو فقط تنفس بصوت مرتفع يتحدث للمعتصم جواره والذي كان يراقبه ما يحدث بصمت .
_ ابدأ بتحضيرات الزفاف يا المعتصم، فهذه اللعبة لن تستمر طويلًا ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس في ركنها المفضل داخل الغرفة تصل لها اصوات صرخات في الخارج وأصوات الرجال تعلو والنساء تولول كما لو أن حربًا اندلعت .
صوت صراخ نزار يصل لها واضحًا يلقي تهديدات ويرمي بكلمات قاسية على مسامع الجميع وأخيرًا صمت عم المكان إلا من بعض التمتمات..
سمعت صوت طرق على باب الغرفة ثلاث مرات لتدرك أنه هو فلا أحد في هذا المكان يمتلك لباقة كافية ليطرق الباب على امرأة عداه، ليثير بذلك تساؤلها حول هويته التي يخفيها أسفل قناعه .
دخل نزار المكان تاركًا الباب مفتوح خلفه، يتحرك بهدوء شديد صوبها، حتى احتفظ بمسافة مناسبة بينهم وجلس ارضًا على عقبيه ينظر لها دقائق طويلة بصمت قتله في النهاية بكلمات معدودة :
_ أنا آسف.
رفعت عيونها له بعدم فهم وقد بدا الجهل واضحًا على معالمه ليكمل دون أن ينتظر تعليقًا منها :
_ اعتذر على ما حدث، تعهدت بحمايتك لحين إخراجك من هنا، وفشلت في أول خطوة، لقد ….لقد كسرت له اليد التي امتدت لكِ، اعتذر منكِ .
سقطت دمعة من عيون توبة وهي تبعد وجهها عنه تحاول كبت بكاء ظنه هو وجعًا أو غضبًا، لكنه في الحقيقة كان قهرًا وحسرة أن كلمات المواساة وفزعة الرجولة لم تخرج من زوجها، بل من غريب ..
العجيب أن زوجها والذي من المفترض أن يلعب هذا الدور كان هو من ألقى بها من الأساس في هذه الحياة الغريبة عليها .
نظر لها نزار ولم يدر ما يجب قوله، لذا اعتمد الصمت لغة بينهما وجلس ارضًا أمامها يراقبها بهدوء، ثم ابعد عيونه عنها صوب النافذة يشرد منها وهو يفكر في القادم، المستقبل يزداد ظلامًا والحياة تضيق عليه، تنهد بصوت مرتفع ولم يكد يزفر شهيقه حتى سمع صوتها الخافت تتحدث بصوب ابح ربما لكثرة البكاء ..
_ لقد قتل طفلي ….
شعر نزار بعقله يتوقف عن العمل فجأة، وهو يستدير لها يحدق في عيونها منتظرًا أن تضحك أو على الأقل تفسر له تلك الجملة الغريبة .
لكن كل ما خرج منها هو كلمات قليلة مذبوحة :
_ سمعت البعض هنا يتحدثون عن الأمر، عن ولد أنمار المسكين الذي قُتل بسبب تجبر والده، لقد …لقد أراده الانضمام لهم وحينما بكى الطفل للعودة إلي قُتل بضربة خاطئة من أحد الرجال، لقد ….لقد قتل طفلي، قتل طفلي الذي كادت روحي تخرج حين ولادته….. قتلوه .
الآن يدرك نزار سبب انفجارها ذلك اليوم في البكاء حين أشار لطفلها، راقبها بفم مفتوح بعض الشيء وأعين شاخصة ووجه شاحب، يحاول أن يبتلع الصدمة، ارتجف صدره وانتفض جسده من بشاعة التخيل، الطفل لا يعنيه ويشعر بجسده بأكمله ينتفض بغضب فما بالكم بوالدته .
دفنت وجهها بين قدميها وهي تهتف من بين صرخاتها المكبوتة داخل صدرها :
_ دمر عالمي ودمر حياتي، سمم والدي وقتل طفلي وألقى بي في مستنقعه، وأخذ بلادي لقد دمرنا بالكامل، لقد دمرنا ..
ابتلع نزار ريقه وهو لا يدري كيف يهون ما حدث عليها، فقط يغمض عيونه يستغفر ربه، ظن أنه يمتلك أكبر ابتلاء في هذه الحياة، ولا يعلم أن هناك من يمتلك ابتلاءً يفوق ابتلاءه، الله يختبرها بصبرها ومما رأى خلال الأيام السابقة فقد نجحت وبامتياز، أما عنه فالله اختبره بإيمانه والنتيجة ……
_ سأقتص لكِ .
رفعت توبة عيونها له ليهتف بصوت خافت خرج بصعوبة بسبب غصته التي يكتمها:
_ سأقتص لك منه أميرة توبة .
نظرت له توبة بعيون باكية حمراء وكأنها تسأله صدق وعده، وحين ابصرت نظراته هتفت بصوت خافت موجوع :
_ أنا أريد…. أريد أن انتقم منه بنفسه، لا أحد له حق الانتقام منه سواي أنا فقط ..
هز رأسه لها وقد أخذ عهدًا صامتًا على نفسه في هذه اللحظة أنه سيفعل المستحيل كي يحضره لها أسفل أقدامها تأخذ منه قصاصها كيفما شاءت .
أبعدت توبة عيونها عنه بهدوء شديد حينما تأكدت أنه وافق على ما قالت، أبعدت عيونها وشردت بعيدًا عنه وجسدها ما يزال يرتجف، وهو صمت يستمتع بالاجواء الهادئة في المكان عكس صخب الخارج، وربما كان هذا هو سببه جلوسه هنا رغم معرفته أنه لا يمكنه ذلك، يخشى الخروج والتلوث بمشهد يؤذيه أو أن يسمع كلمة سيئة في الخارج، يأبى ترك الدفء والمغادرة .
فجأة خرج من أفكاره على سؤالها الذي جذب انتباهه :
_ ذلك الرجل الاشقر، أخبرني كلمة لا افهم معناها حتى الآن…
نظر لها منتظرًا أن توضح له ما يقصد، لتنظر هي في عيونه وكأنها تتحداه أن ينكر شيئًا :
_ لقد سمعته يخبرني إن كنت استمتع برفقة الأمير ..
صمتت تنظر له وقد شحب وجهه لتهمس بهدوء :
_ أي أمير يقصد ؟؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يراقب سماء المملكة التي امتلئت بالنجوم يبتسم براحة مؤقتة منحها لنفسه في مثل هذا الوقت من الليل حيث الجميع نيام بعد انتهاء يوم شاق آخر .
اغمض عيونه يستنشق أكبر قدر من الهواء وقد شعر فجأة بالانتشاء، وزاد الأمر حين مرت نسمة هواء منعشة تحرك خصلاته السوداء الكثيفة .
كان النظر له في هذه الحالة الغريبة عليه متعة كبيرة لعيونها، الرجل كان فتنة بحد ذاتها، نوع يشبه رجال المافيا والعصابات الخطيرين والوسيمين والاقوياء، لكن النوع الصالح منهم، فمن المجحف أن تشبه هذا الرجل وما يفعل بالمافيا .
تنهدت بصوت منخفض تستغفر ربها تبعد عيونها عنه، تتقدم منه دون شعور تضم سترة شتوية خاصة بها وتضع القبعة أعلى رأسها تخفي كامل شعرها وقد أغلقت سحابها حتى ذقنها تقريبًا.
_ مساء الخير …
فتح أرسلان عيونه ببطء وهو يستدير صوبها ينظر لها نظرة صغيرة قبل أن يبعد عيونه عنها يجيب بهدوء :
_ مساء الخير آنسة سلمى، أراكِ تسيرين في وقت متأخر من الليل حيث من المفترض أنكِ نائمة في هذا الوقت .
_ لا رغبة لي بالنوم الآن أشعر برغبة قوية في استنشاق بعض الهواء .
هز رأسه وصمت لتتحرك صوب النافذة حيث يجلس على النتوء الصخري الذي يخرج منها تنظر له نظرات طويلة جعلته يرفع حاجبه بضيق منها ومن تأملها له، هذه المرأة حقًا لا تدرك ما تفعل.
وفجأة نطقت ببرتغالية خالصة دون شعور منها :
_ أنت تمتلك أكثر ملامح جذابة بهذا العالم أتعلم هذا ؟؟
انظر لها أرسلان بعدم فهم يحاول تحليل ما سمع منذ ثواني منها، قبل أن يهز رأسه بحنق :
_ توقفي عن حديثك الاعجمي هذا وحدثيني بلسان عربي .
ابتسمت له سلمى ترفع حاجبه وما تزال تحتفظ بلسانها الاعجمي كما يقول :
_ يبدو أنك مشتاق لسماعي اتغزل بك بالعربية كي تقيم عليّ الحد وتقذف بي من النافذة جلالة الملك .
_ أيتها الاعجمية .
ضحكت سلمى بصوت منخفض وهي تبعد عيونها عنه لتسمعه يردد :
_ اذهبي للنوم الآن.
_ أخبرتك أنني لا ارغب بالنوم، فقط اود الجلوس أو ربما ابحث عن شيء مثير للأهتمام هنا افعله، أخبرني ما الذي تفعله حين تشعر بالملل ؟؟
وكانت الإجابة منه تلقائية دون شعور :
_ اقاتل ..
اتسعت عيون سلمى ثواني قبل أن تلين ملامحها مبتسمة بسمة واسعة :
_ يبدو هذا خيارًا جيدًا تود قتالي ؟؟
تشنج وجه أرسلان وهو ينظر لها باستهانة وقد كانت أول نظرة له منذ جاءت إليه :
_ أنتِ بالطبع تمزحين معي، صدقيني أنتِ لا تريدين أن تفعلي ذلك ..
_ بلى أريد، هل تخشى أن تتجرع خسارة مني ؟؟
_ بل أخشى أن تتجرعي آهات مني .
ختم حديثه يشير لها بالابتعاد :
_ والآن رجاءً تحركي بعيدًا فلا قبل لي بقضاء ليلتي في صراع معكِ.
_ ما الذي ستخسره إن بارزتني ؟؟ ربما تأتيك الفرصة وتتخلص مني واريحك.
رفع أرسلان وجهه ينظر لها ثواني قبل أن يجيب بنبرة جعلت جسدها يرتجف رجفة سريعة :
_ أنا إن أردت التخلص منك كان بإمكاني إعادتك ببساطة لعالمك.
_ ما الذي يجعلك تحتفظ بي إذن ؟!
نظر لها طويلًا قبل أن يهبط من الشرفة يتحرك صوبها يقف أمامها ثواني يشرف عليها بجسده، ومن ثم ابتسم يردد :
_ تعرفين طريق ساحة القتال أم ارشدك لها ؟!
ابتسمت له ترفع حاجبها بخبث تحركه بشكل عابث وقد اعجبتها هذه اللعبة معه، تهتف بمزاح واضح :
_ هل اعتبر تهربك من الإجابة انبهارًا وتمسكًا بي مولاي ؟؟
نظر لها أرسلان ثواني قبل أن يرتفع طرف شفتيه فيما يشبه بسمة صغيرة، ومن ثم همس لها بنبرة اجشة وهو يبعد عيونه عنها وبلهجته الفارسية :
_ شاید ” ربما ”
ختم كلمته يستدير قبل حتى أن تفكر في معنى الكلمة التي نطق بها، تحرك بعيدًا عنها يشير بيده دون أن يستدير لها حتى :
_ ودّعي موزك العزيز واتركي وصيتك والحقي بي آنسة سلمى .
ابتسمت سلمى بعدم تصديق وهي تحاول أن تستوعب ما قال، ربما ؟؟ ربما حقًا ؟؟ هل فهمت للتو معنى كلمته ؟؟ ربما أخطأت، عليها التأكد من الأمر سريعًا، لكن قبلها هناك قتال عليها الفوز به ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
متسطح على الفراش بجسده، لكن روحه بعيدة عنه، روحه هناك مع تلك الشقراء الصغيرة والتي وبدون شعور منها أو حتى منه جعلته حارسًا شخصيًا لها طوال النهار كلما حانت له فرصة بين الاجتماعات..
الأمر يزداد تعقيدًا وسوءًا عليه التصرف بشكل أكبر تعقل، هل الأمر له علاقة بأنها كانت المرأة الاولى التي يتعامل معها بهذا القرب في حياته ؟! هل عليه التوقف عن الأمر، هو حاول بالفعل، لكن دون شعور يبدأ عقله الغبي في رسم صور لها وهي تلقي نفسها في مصائب بعيدًا عنه، الفتاة برقة الزهور وبحماقة الاطفال، والله لو كان الأمر بيده لذهب إلى والدتها وعاتبها على تركها لها بالخارج وحدها في هذا العالم القاسي .
اغمض المعتصم عيونه يتذكر ما حدث منذ ساعات، هذه الفتاة ستكون سبب لنهايتها أو حتى نهايته ….
_ يا المعتصم …
توقفت أقدام المعتصم فجأة في منتصف القصر وهو يغمض عيونه وقد شعر بأنه على وشك فقدان تحكمه بنفسه، نظر حوله يبحث عن أحد ربما انتبه لندائها عليه باسمه، ليحمد أن لا أحد فعل .
استدار ببطء صوب جسدها الذي يتحرك ناحيته بسرعة كبيرة تحمل بين يديها قطة صغيرة، نفسها القطة التي سبق واهدتها له، من أين احضرتها ؟!
وصلت له لتبتسم بلطف وهي تقول :
_ أنظر ماذا وجدت ؟! هرة صغيرة تشبه خاصتك، فكرت ربما تود الاعتناء بها مع قطتك .
كانت تتحدث بلطف وهي تنظر له بترقب .
الأمر بدأ يزداد بشكل ملحوظ، هذه الفتاة تفعل الفعلة وتنساها بعد خمس ثواني كحد أقصى وهذا ليس طبيعيًا، نظر بيدها ثم رفع عيونه لها يردد :
_ فاطمة كم مرة أخبرتك ألا تناديني باسمي وألا تتباسطي مع الغرباء في الحديث ؟؟
نظرت له فاطمة ثواني قبل أن تفهم ما يرمي إليه لتعود خطوة للخلف تضم القطة لها بخجل من كلماته :
_ لا أذكر أنك فعلت، امي هي من تخبرني ذلك طوال الوقت وليس أنت، ثم أنت لست غريبًا أنت…. أنت….. أنت….
كانت تحاول إيجاد وصف له يبعد عنها اتهامه ويصفه، لكن لحظة تفكير مع نفسها وجدت أنه…محق، من هو لتفعل كل هذا معه .
سقطت دمعة من عيونها، دمعة إدراك لما يحدث حولها تهتف بصوت ابح موجوع في محاولة يائسة للحفاظ على الإنسان الوحيد الذي ساعدها :
_ المعتصم …. أنت المعتصم الذي يساعدني .
كبت المعتصم تأوهًا كاد يخرج من حلقه وهو يبعد وجهه عنها يمسحه بضيق من نفسه قبل أن يكون منها، كله خطأ منه منذ البداية، اقترب منها بشكل ما كان عليه أن يفعله …
ابتلع ريقه حين أبصر الدموع تكاد تخرج من عيونها ليهمس :
_ فاطمة .
للتو فقط كانت يحذرها من نزع الألقاب، لكن يبدو أن لقلبه رأي آخر في هذا القرار .
رفعت عيونها الدامعة له تهمس بصوت خافت :
_ أنا آسفة لم أقصد أن اتخطى حدودي معك.
ابتسم لها يحاول تهوين ما يحدث :
_ لا بأس، هيا اعطني الهرة أنا سأعتني بها .
مسحت فاطمة دموعها تمد يدها بالقطة له هامسة :
_ اعتني بها فهي وحيدة …..مثلي .
فتح المعتصم عيونه ينتفض عن فراشه يسحب نفسه قسرًا من تلك اللحظات، عليه شغل نفسه بأي شيء غيرها، كالكوارث التي تحدث في المملكة، أو الحرب الوشيكة، أو خطط أرسلان التي ستحيل البلاد لرماد، أو حتى ترتيب مواعيد رحيل فاطمة ليراقبها كعادتها ويتأكد أن والدتها تتسلمها سالمة دون انـ….ها نحن نتود مجددًا يا المعتصم عدنا لنقطة البداية ..
دفن وجهه في الوسادة يكبت صرخة غضب عالية ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تقف أمام جدار ملئ بالسيوف على مختلف أنواعها تحاول معرفة أي نوع ستتمكن من حمله والتعامل معه، مع العلم أنها لا تفقه شيء في المبارزة.
لكن هل تعترف ؟؟ لا
هل تستسلم له ؟! أيضًا لا .
واخيرًا استقرت على سيف يبدو مناسبًا لقبضتها الصغيرة الرقيقة التي لم تحمل شيئًا بتلك الخشونة، هذا إن تغاضينا بالطبع عن بعض الأسلحة والسكاكين التي كانت تنتزعها مع بعض المجرمين يوميًا، فنعم يدها الرقيقة لم تمس شيئًا بهذه الخشونة .
سمعت صوت اقدام خلفها جعلها تستدير ببطء، لتبصر أرسلان يتقدم من الساحة ببطء، وحينما دخلها ابتسم لها بسمة صغيرة يتحرك صوب جدار الأسلحة يمد يده للأعلى ينتزع سيفًا محددًا جعل عيونها تتسع، نعم كان أكثر السيوف رعبًا في الجدار …
تحركت عيونها بصدمة مع السيف حتى استقر بين قبضته تردد بذهول وهي تقارن بين سيفها الرقيق وخاصته المرعب :
_ عجبًا أنت تأخذ الأمر على محمل الجد، هل تخطط للتخلص مني حقًا ؟؟
ابتسم لها أرسلان بسمة صغيرة :
_ لا تقلقي هذا السيف غير مؤلم بقدر سيفي الخاص بالحروب .
أبعدت سلمى عيونها عن الجدار تنظر في وجهه مرددة بصدمة :
_ سيفك الخاص بالحروب ؟؟ هل تمزح معي ؟!
هز أرسلان رأسه ينفي كلمتها وهو يعيد خصلاته بأكملها للخلف كي لا تعيق قتاله مع المرأة أمامه، يجيب بجدية :
_ لا امازح النساء عادة، لكن ربما في المستقبل إن كتب لك الله أن يُسبق اسمك بالملكة، قد افعل .
تحرك صوب منتصف الساحة بخطوات رشيقة قوية يرفع أكمام ثوبه الاسود يردد بهدوء شديد ونبرة مازحة رغم الجدية الواضحة على ملامحه :
_ بالطبع لن اقاتلك بسيفي الخاص، فذلك السيف مخصص فقط للحروب وقد تشبع بدماء الكافرين والقذرين، ولن أسمح له أن يمسّك ويلوثك إذا اصبتك بضربة .
اتسع فم سلمى بقوة وهي تسمع كلماته، هو يتحدث بجدية، حقًا يفعل .
_ كم أنت…. شهم!
ابتسم لها أرسلان يتخذ وضعية قتال يشير لها أن تقترب منه :
_ سأمنحك فرصة الضربة الأولى وهذا كرم لا يناله مني الكثيرون صدقيني .
تقدمت منه سلمة وهي تحمل السيف بيد واحدة حتى توقفت في منتصف الساحة أمامه تنظر له تارة وللسيف تارة وكأنها تنتظر أن يتحرك سيفها معتمدًا على ذاته ويقاتل ذلك المتوحش الذي أبصرت كيف يكون قتاله الفعلي، الرجل كان مرعبًا وحشيًا في ساحة الحرب .
رفع السيف بصعوبة بعض الشيء ليرفع حاجبه ساخرًا، والتقطت هي نظراته تردد بصوت حانق :
_ لا تنظر لي بهذا الشكل، فهذه أول مرة اتعامل مع هذا النوع من السيوف، أنا بالفعل اقاتل بالسيوف لعلمك، لكنني لا استخدم هذا النوع الكبير، احتاج لفرصة كي اتأقلم معه .
رفع أرسلان سيفه بكل سهولة يحركه أمام عيونها لتحرك مرددًا ببساطة :
_ هذا السيف مخصص للصغار الذين ندربهم هنا .
رمشت سلمى وهي تنظر له ثواني، قبل أن تحرك عيونها صوب السيف لتدرك الان سبب كونه أصغرهم حجًا واقلهم حدة، ابتسمت بسمة واسعة رقيقة ترفع عيونها له بلطف وكأنها قررت فجأة أن تستخدم سلاح آخر ضده، لطفها ورقتها التي لطالما اذابت الرجال
لكن أرسلان رفع حاجبه بسخرية وقد تشنجت ملامحه يهتف لها :
_ حقًا ؟؟
التوى وجه سلمى لتعلو الشراسة ملامحها وارسلان يتابع تحول المرأة في ثانية ليدرك الآن أنها ربما تكون مختلة بالفعل …مثله .
وهذا …أعجبه وبشدة .
_ أول مرة تحملين سيف صحيح ؟!
نظرت له سلمى بحنق تردد بضيق من نظراته المستفزة تلك :
_ كان من المفترض أن تدرك أن امرأة بمثل رقتي لا قبل لها بمثل تلك الأشياء جلالة الملك .
أطلق أرسلان صوتًا ساخرًا من حنجرته، ثم ردد ببسمة غير مصدقة :
_ امرأة بمثل رقتك ؟؟ يا امرأة لقد ابصرتك بأم عينيّ تضربين رجلًا ضعف حجمك حتى كادت رأسه تنفجر، اقسم أنه كان يمتلك رقة أكثر منك في تلك اللحظة .
رفعت له سلمى عيونها بشر وهي تكره أن يراها خشنة بهذا الشكل وينتزع منها صفاتها التي تميزها كأنثى، هذا وهو ابصرها تضرب رجلًا، حمدًا لله أنه لم يبصر كيف تتعامل مع مرضاها عادة .
_ ما الذي تريد الوصول له أنت ؟!
نظر لها أرسلان ثواني قبل أن يبتسم لها مشيرًا بعيونه صوب سيفها :
_ احملي سيفك سأعلمك ..
نظرت له سلمى بصدمة من جملته، هل أرسلان من ذلك النوع الصبور الذي قد يعلم شخصًا ما شيئًا ؟!
ولا تدرك أن هذا الرجل كان من الصبر الذي جعله يعلم كهرمان القتال منذ كانت طفلة متذمرة وقد علّم نصف الصغار هنا كذلك .
فإن كان هناك من ييبرع في كونه معلم قتال فهو أرسلان..
هناك الكثير لم تكتشفه بعد بهذا الرجل المخفوف بالاسرار .
_ ستفعل ؟؟
_ نعم، يمكنني ذلك .
_ ستضيع وقتك في تعليمي القتال بالسيف .
نظر لها نظرة غامضة قبل أن يهتف بجملة لم تدركها جيدًا :
_ ليس مضيعة للوقت صدقيني، بل شيء ضروري عليكِ معرفته هنا، المبارزة والتصويب والخيل، كل تلك الأمور عليكِ تعلمها وأنا بنفسي سأحرص على ذلك .
لم تفهم سلمى ما قاله لكنها تذكرت فجأة كلمات تبارك حين أخبرتها أنها جاءت هنا وتعلمت كل ذلك، مهلًا هل هذه مهرات ضرورية لجميع الفتيات هنا ؟!
وكان تخمينًا نصفه صحيح، فهي ضرورية بالفعل للفتيات …الاميرات والملكات منهن فقط .
مد أرسلان يده أمامها وهو يمسك سيفه، ثم قبض عليه تحت نظراتها :
_ انظري لاصابعي كيف تلتف حول قبضة السيف، بهذا الشكل تمسكينه وليس كما تفعلينه، مدي يدك واريني كيف تفعلين .
ودون شعور منها مدت سلمى يدها أمامه تقلده، ليبتسم أرسلان بسمة صغيرة، ثم تراجع خطوة للخلف يرفع سيفه في وضعية محددة يأمرها بعيونه أن تفعل المثل، وكذلك فعلت ليبتسم لها يشير لها أن تحركه :
_ ضعي كل قوتك به وحركيه صوبي .
نظرت له بعدم فهم ليوضح أكثر:
_ هاجميني .
نظرت له بقلق ليهز رأسه يشير لها أن تنفذ ما قاله، وهي فقط تقدمت منه تحرك السيف صوبه ليصده بيد واحدة وبسهولة :
_ كانت هذه أضعف ضربة وُجهت لي في حياتي كلها، أين قوتك ؟!
رمته سلمى بنظرات حانقة :
_ أنت لا تساعدني هكذا، من المفترض عليك أن تشجعني وتمنحني دعمًا، ولو كان كاذبًا، هذه مرتي الأولى.
_ أنا لا أدعم الفاشلين الذين يبررون فشلهم بأنها مرتهم الأولى، بل ادعم هؤلاء الذين يتحدون مرتهم الأولى لتكون الافضل لهم .
تقدمت منه سلمى تهمس بغضب :
_ من تصف بالفاشل ؟!
_ حضرتكِ ..
رفعت سلمى سيفها وهي تهجم عليه بضربة غير محسوبة وكأن شيطان تلبسها، لتتسع بسمة أرسلان وقد تحقق ما أراده .
صد الضربة الخاصة بها وهو يميل للخلف قليلًا ينظر لها مرددًا بنظرة جانبية :
_ اريني ما لديكِ يا امرأة ….
وهكذا ثواني فقط وبدأت اصوات السيوف المتصادمة تعلو في المكان بأكمله وقد دفع أرسلان سلمى لتعلم القتال دون شعور أنها تتعلم من الأساس .
يصد ضرباتها بكل مهارة وهو مبتسم بسمة واسعة بدت لها مستفزة، لكنها في الحقيقة كانت سعيدة بها ….
لكن يبدو أن من كان يراقب كل ذلك من مكان بعيد لم يكن بمثل سعادة أرسلان وسلمى، بل كان أقرب للاحتراق منه للسعادة .
تحركت الفتاة بعيدًا عنهم وهي تشعر يصدرها يحترق ودموعها تهبط بقهر شديد، ليتها ما راقبته وجاءت خلفه، ليتها فقط ذهبت للنوم لتغوص بين اغطيتها واحلامها به .
عاشت عمرًا تحلم به، وجاءت أخرى يومًا لتحقق كامل أحلامها .
دفعت باب غرفتها والقت نفسها بين الأغطية تكتم صرخاتها المقهورة، أحلامها تضيع من بين أناملها كل شيء يضيع منها .
بدأ صوت بكائها يعلو وهي تهتف :
_ ليس بعد كل هذا …ليس بعد كل هذا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أنا لا افهم ما تقصده أنمار، امرأة من؟! وقصر من ؟!
أبعد أنمار عيونه عن النافذة وهو ينظر في وجه أحد رجاله وقد كانت ملامحه مرعبة في هذه اللحظة، تلقى اليوم إهانة لن ينساها ما عاش، هذا اليوم سيظل محفورًا في رأسه، ولن يسمح أن يمر بسلام على أرسلان، بل سيجعله ندبة في حياته كما فعل معه .
رفع الكأس يرتشف منه بعض الرشفات قبل أن يبعده ويردد بصوت خافت أجش:
_ سنبدأ بتنفيذ الجزء الثاني من الخطة نهاية هذه الممالك ستكون على يدي، رفضوا السلام المزعوم، إذن سأمنحهم حربًا ضروس ..
سكت وكأنه يفكر في شيء آخر وكأن الحرب لا تطفئ نيرانه، وكأن انتقامه لن يهدأ بهذه السهولة، وكأن دمار الحرب والضحايا الذين ستروح أرواحهم هدر لن يكفيهم، سيريهم جميعًا سيؤذيهم في أغلى ما يمتلكون، وما أغلى من وطنهم سوى نسائهم، وستكون البداية مع أرسلان هذا الحقير الذي يمثل شوكة في خاصرته .
_ اليوم في قصر أرسلان قابلت امرأة جميلة، تلك المرأة تهمه، المرأة تعني الكثير له، لقد رأيت ذلك في عيونه، لقد كاد يفقد عقله حين ابصرني معها ..
صمت ينظر للرجل في عيونه يضغط على كل حرف من حروف كلماته وقد قرر أن يتبع نفس خطته مع زوجته، إن كانت تلك المرأة تعنيه فلا هي أعلى من زوجته ولا أعز منها، ستكون كزوجته، ستتلقى نفس مصيرها :
_ تلك المرأة الغريبة في قصر أرسلان، والتي يدعي أنها زوجته، أريدها اليوم قبل الغد، ءأتوني بها ……….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شيئان لا يتسامحون بهما، بلادهم، ونسائهم ……
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أسد مشكى)