رواية أزهار بلا مأوى الفصل الخامس عشر 15 بقلم نورا سعد
رواية أزهار بلا مأوى الجزء الخامس عشر
رواية أزهار بلا مأوى البارت الخامس عشر
رواية أزهار بلا مأوى الحلقة الخامسة عشر
٠- مين ده يا “ليلى”؟؟
من الواضح أنه أستشف الوضع، نظفت حلقها بتوتر شديد وهي تضم الصبي لها وتقول:
– ده “ياسين” يا “عامر” ولد معايا في الدار.
– و؟؟؟
كان هذا سؤال “عامر” الهادئ والذي جعل البرودة تسرى في جسدها، ولكنها استجمعت جميع قواها، تقدمت خطوة بعدما أزاحت الصبي لكي يكون خلفها وقالت له بثباتٍ مُزيف:
– وده الولد اللي قررت اتكفّل بيه يا “عامر”.
جملة بسيطة كانت قادرة على تحوّله لشخصٍ أخر، عيونه جحظت وكأنها على وشك الخروج من محجرها، ملامحه تشنجت وكأنه صُعق بماس كهربائي، حتى عروق عنقه برزت، أرتجفت الأخرى؛ مما جعلها تُخفي “ياسين” خلف ظهرها جيدًا في محاولة منها لحمايته من هذا الأعصار الذي على وشك الأنفجار للتو، وتأكد حدسها عندما أقترب “عامر” منها خطوة ثم صرخ فيها بصوتٍ جهوري جعل الطفل ينتفض ومعه “ليلى” التي غمضت عينيها سريعًا تستمع له قائلًا:
– أنتِ شكلك أتجننتِ صح؟؟ بتاخدي قرارات من دماغك يا “ليلى”؟؟ جيبالي عيل ابن شوارع وتقوليلي هتكفّل بيه؟؟ أنتِ عجزك عن الخلفة خلاكي تخرفي ولا إيه؟
لم تكُن كلمات فقط؛ بل كانت خناجر مسمومه تُغرز في موضع قلبها دون رحمة، لسانها عجز عن أداةٍ مُهمته الطبيعية، وهو لم يصمت، غضب أكثر عندما رأها تصمت هكذا؛ ولم ترُد على تساؤلاته المُهينة! مسكها من مُعظمها وهو يهزها بعُنف مواصلًا:
– ما تردي عليا بلعتي لسانك ليه؟؟
تآوت الأخرى بألم بسبب ألم يدها، بينما “عامر” لم يهتم لذلك، فقط دفعها بعيدًا عن ذلك الطفل لكي يظهر “ياسين” أمامه وجسده يرتجف، رفرف الصبي بأهدابه بسُرعة كبيرة وهو يحملق في “عامر” برعب، بينما الأخر مسكه من معظمه بعنف ثم صاح فيه بغضب أعمى:
– أنا مش عايزة أشوف وشك هنا تاني؛ أنت سامعني؟؟ لو شوفتك في أي مكان أنا مش هسيبك، غور روح للشارع اللي جيت مِنه، غور.
ختم كلماته وهو يدفعه بعنف في إتجاه الباب، مع صراخ “ليلى” عليه أن لا يفعل ذلك، ولكنه لم يستمع لها، صرخ عليها أن تصمت وبالفعل هي صمتت بقلة حيلة؛ تنظر “لياسين” بضعفٍ والعبرات تهبط من مقلتيها بعنف، بينما الأخر لم يتحمل الأهانة أكثر من ذلك، وقف عند الباب ثم رمقها بنظراتٍ تحمل في طياتها الألآف من المشاعر والكلمات الحزينة، وقبل أن يقرر الرحيل حملق فيها وهو يشملها بنظراتٍ مُنكسرة مُعاتبه، ثم صرخ فيها ودموعه تُقرر التحرر من تقيدها:
– ليه يا مس؟؟؟ ليه خلتيني أوعدك أن مسبكيش وأنتِ اللي ناوية تسبيني؟ ليه قررتي تكسريني مع أني قولتلك أني بخاف من كل الناس؟؟ أنا عملتلك إيه لكل ده؟؟
ختم كلماته وهو شِبه ينهار، تركها وهبط على الدرك وهو شِبه يركض ركضًا، حاولت أن تتبعه وتصرخ عليه أن يتوقف، أن ينتظرها لكي تعتذر له عن ما حدث؛ ولكنه لم يعطيها الفرصة، ولم يكن هو فقط؛ فكانت يد “عامر” تمسكها بعنف عندما حاولت الركض خلفه، مسكها من معظمها ودفعها للداخل بعصبية شديدة وهو يصرخ عليها قائلًا:
– أنتِ رايحة فين؟؟ ما كفاية جنان بقى!
هُنا فقط وصرخت لحالها بأن يكفي كل ما حدث، حواسها أعطتها أشارة أنذار، ومع تلك الأشارة كانت تفلت يدها منه بعنف ثم صرخت فيه بكُل غضب السنين الماضية:
– هو أنت إية؟؟ ليه كل حاجة بتبص لنفسك وبس؟؟؟
ليه مش بتفكر في حاجة غير أنت وبس! أنت متجوز، أنت ليك شريك حياة، أنت مش عايش في الكون عشان يكون ماشي على كيفك وهواك!
كاد أن يتحدث ولكنها قاطعته، أعطته ظهرها وتحركت خطوات للأمام دموعها هبطت دون أن تشعر لكنها شبكت يديها في بعضهما لكي تسيطر على رجفة جسدها واستطرد بشرود:
– أنت فاكر يا عامر أنت أتجوزتني ليه؟؟
لم تعطيه الفرصة للرد ولا للتفكير حتى، استدارت له سريعًا وهي ترسم بسمة عجيبة على ثغرها رغم الدموع التي تُزين وجنتيها وواصلت:
– عشان ترضي أهلك، أنا عارفة كويس أسبابك، فكرة أن أهلك كانوا بيتخانقوا معاك أن قطر الجواز هيفوتك وعمرك هيروح في الشغل، فكرة أنك في أول مقابلة لينا قولتلي أنا بحب الشغل زي عنيا بالظبط! تعرف أني كنت زيك؟؟
لم يرد عليها، أدرك أنها تُريد أن تفرغ شُحنة غضبها كاملة في وجهه، عُلم أنها حاليًا وصلت لحافة الأنهيار! صمت وهي نظرت له وضحكت! صوت ضحكاتها كان يدوي في المكان بشكلٍ آثار تعجبه، أقتربت منه وهي مازالت تضحك ثم قالت له:
– تعرف أن أنا كمان أتجوزتك عشان أهلي؟؟
ثوانٍ وتحولت ملامحها، تهجمت ملامحها سريعًا، أنكمشت ملامحها ثم صرخت في وجهه بغضب نابع من قساوة الأيام:
– أنا أتجوزتك عشان أخلص من زن الناس والعيلة وكلام الناس! عشان مبقاس عانس!
صمتت…صمتت ثم واصلت بنبرة رخيمة هادئة لكنها تُقطر وجعًا وظُلمًا:
– أتجوزتك عشان مبقاس عانس في نظر المجتمع؛ ومكنتش أعرف أن الضريبة أني هكون تعيسه باقي حياتي!
انتهت من كلماتها ثم ظلت تتنفس بعنف، أنفاسها تهدكت بشِدة، وقبل أن تضيف حرفًا أخر تكلم هو بنبرةٍ هادئة:
– أنا وأنتِ أتجوزنا بعض عشان غاية يا “ليلى” مينفعش نيجي دلوقت ونقول ليه! أحنا كنا عارفين.
-وأنا تعبت يا عامر، الغاية من سنين كانت غاية أهلي، دلوقت أنا عايزة ألبي غايتي أنا، جيه الوقت اللي أشوف فيه مصلحتي الشخصية زي ما أنت بتعمل دايمًا.
ختمت كلماتها وهي تأخذ حقيبتها وتمسح وجهها بياطن يدها ثم أتجهت نحو باب منزلها، ولكنها قبل أن ترحل سألها هو:
– يعني إيه؟
استدارت له بهدوء وهي تُجيبه:
– يعني غايتي دلوقت هي “ياسين”
لم يعجبهُ كلماتها، رمقها بنظراتٍ مُشتعله وهو يقول لها:
– لو نزلتي من هنا يا “ليلى” اللي بنا هينتهي، اللي في دماغك ده شيء مش عاقل ومش طبيعي، ومستحيل أقبل بيه.
لم تهتم لكلماته، كل ما فعلته أنها ابتسمت بسخرية وهي تُعقب على كلماته قائلة:
– تفتكر كلامك ده هيفرق معايا؟؟
ختمت كلماتها ثم ركضت نحو الدرك سريعًا، سنوات كثيرة مرت أمام عينيها، أيامًا وليالي كانوا يمرون عليها وهي تُشبيه الأموات، تتذكر جيدًا أن حياتها لم تبدأ إلا من ثلاث سنوات فقط، منذ وطأت قدمها سوق العمل، العمل الذي كان أول شيء تختاره بكامل إرادتها منذ نعومة أظافرها! ظلت تتجول في الشوارع دون وجهه مُحددة حتى هدأت قليلًا، وقفت تلتقط أنفاسها ثم أجرت اتصال بصديقتها “سلمى” تتأكد منها أن “ياسين” وصل لعندها، لكنها تصنمت عندما سمعت كلمات صديقتها وهي تقول لها:
– “ياسين” لسه مجاش يا “ليلى” هو مش معاكِ؟؟
صدمة أخرى تقع فوق رأسها، تشتت والرعب تملك منها، أحساسها بالأهمال يسيطر عليها، قالت “لسلمى” ما حدث باختصار شديد ثم غلقت معاها المكالمة وهي تنظر حولها بهلع، لا تدرى أين تذهب، ولكنها أخذتها قدمها للتجوّل في الشوارع المحيطة بمنزلها؛ لعبها تعثر عليه وتعتذر له عن كل شيء حدث رغمًا عنها.
********
ولكن عند “سلمى” فبعدما غلقت المكالمة مع صديقتها تصنمت من الصدمة، كل ما فعلته أنها رحلت من المكان سريعًا تاركه خلفها “زياد” الذي كان يقف معها للتو يحدثها عن سيب مجيئه للدار؛ غير مُباليه لصياحه عليها ولا على ركضه خلفها، خرجت من الدار بحذر شديد لكي لا تلفت نظر السيدة “سهام” عليها، وقفت في منتصف الشارع لا تعلم أين تذهب، ولكنها تذكرت أن “ليلى” تبحث عنه في الشوارع القريبة من منزلها؛ إذن أنسب حل أنها تبحث عنه في الشوارع القريبة من الدار، ظلت تبحث عنه هُنا وهناك، كانت تدخل من الشوارع الخاصة بطريق منزل “ليلى” أمله أنها تقابله في طريقها.
أما “زياد” فركض خلفها وهو لا يعلم ماذا حدث من الأساس، كان يترجل خلفها لكنها أختفت من أمام عينه في لحظات، ظل واقف في منتصف الشارع يبحث عنها بعيناه، وعندما يأس ضرب كفًا على كف وهو ينظر في الفراغ أمامه، لا يعلم ماذا أصابها، وقبل أن يتحرك من مكانه سمع صوت أنين مكتوم، وكأن هناك من يبكي بصمت، ظل يبحث عن ذلك الصوت حتى رأى طفلًا صغير يجلس خلف سيارة ويبكي بصمت، أقترب مِنه بحذر وهو يسأله برفق:
– مالك يا حبيبي؟
كان الطفل يخفي وجهه بركبتيه لذلك صوت بكاءه كان مكتوم، ولكنه مع سماع صوتًا قريبًا منه رفع وجهه له ببُطيءٍ؛ ليتفاجأ الأخر أنه “ياسين”، أقترب منه سريعًا وهو ينحني على ركبتيه أمامه وسأله بلهفةٍ شديدة:
– “ياسين”! مالك يا حبيبي قاعد كده ليه؟ وليه بتعيط؟
كانت الرؤية مشوشة، لكنها أضحت واضحة بالنسبة له بعدما دقق النظر فيه، كابتن “زياد” المُدرب الذي يدربه كرة القدم هو وزملائه، نظر له ودموعه مازالت تنهمر منه، وبشفتان يرتجفان قال له:
– أنا مشيت من عند مس “ليلى” ومش عارف أرجع الدار يا كابتن.
هُنا فقط وفهم الأخر ما يحدث حوله، أومأ له وهو يعتدل لكي يجلس بجانبه على ذلك الرصيف، وقبل أن ينطق سمع “ياسين” يسأله:
– تعرف ترجعني للدار تاني يا كابتن؟
قالها والعبرات تتلألأ في مقلتيه، ابتسم له “ذياد” وهو يربت على كِتفه وقال له برفق:
– وأنت بقى سبت مس “ليلى” ليه؟ متعرفش أنها هي دلوقت قالبه الدنيا عليك وعماله تدور عليك في الشوارع هي ومس “سلمى”
نظر له سريعًا غير مُصدق ما قِيل، وبملامح مصدومة كان يقول له:
– أنتَ عرفت منين؟
وبهدوء أجابه:
– منهم…منا كنت بدور عليك معاهم.
صمت وهو يراقب تعابير وجهه بدِقة، تذكر “سلمى” لذلك خرّج هاتفه لكي يجرى يُطمئن “سلمى” على “ياسين” مسك الهاتف وهو يقول له:
– صحيح أنا نسيت أكلمها وأقولها أني لقيتك.
انتهى من جملته وهو يضع الهاتف على أذنه ينتظرها تُجيب وفور ردها عليه قال هو سريعًا:
– أسمعيني يا “سلمى” “ياسين”معايا متقلقيش، وطمني “ليلى.
سمع نبرتها اللتي تحولت كليًا في لحظات، ابتسم وقال لها أنه سوف يأتي برفقته، ولكنها طلبت منه أنه ينتظرهم هو والطفل في الحديقة التي تقع بجانب الدار أغلق معها الهاتف ثم نظر “لياسين” الذي كانت عيناه متعلقه عليه طوال مدة المكالمة، نظر له “ذياد” وهو يتنهد ويُشبك يداه في بعضمها ثم سأله:
– مقولتليش بقى ليه سبت المس بتاعتك؟
وبحُزن خيّم على ملامحه قال وهو يكسي رأسه للأسفل:
– عشان هي خلَفِت وعدها ليا.
– أزاي؟
تنهد الطفل وهو يحاول أن يكبد دموعه ولكنه قال بحُزنٍ:
– كانت وعداني أني هعيش معاها، بس رجعت في كلامها وجيه واحد النهاردة زعقلي وطردني وأنا معملتوش حاجة.
أنصدم الأخر! الأن فقط ربط خيوط الحكاية لكي توضح في ذهنه، ورغم فهمه للأمر وما حدث؛ لكنه كان مصدوم، كيف عليها أن تأخء قرار مثل هذا؟ من الواضح أنها قوية… فمن يقرر أن يدخل في معركة وسط المجتمع فهو بالتأكيد قوي، قوي لأكبر حد ممكن! لم يخرج من دوامة أفكاره بسهولة كما سُلب إليها، ولكن من أنتشله منها صوت “ياسين” الذي استطرد قائلًا بنبرة باكية حزينة:
– هي ليه قالتلي حاجة هي عارفه أنها مش هتنفذها؟ أنت عارف أني كنت هبلغ صحابي النهاردة أني هسيبهم….كنت أول لما أجي من مشواري معاها هروح أحكلهم.
طبقة رقيقة شفافه أحاطت عسليتاه، شهقة باكية فلتت منه تزامنًا مع سقوط دموعه، وقبل أن يسمع من الأخر كلمة واحدة تُطيب خاطره المبتور كان هو يواصل بقلبٍ طفل أنفطر:
– أنا كنت فرحان أوي لما قالتلي تعالى هفرجك على بيتك الجديد…فرحت أوي أن هيكون ليا بيت زي كل الناس! بس أكتشفت النهاردة أن اللي زيّ أنا وصحابي من منحقهم يفرحوا…ولا حتى يحلموا يا كابتن.
ختم كلماته وهو يرفع وجهه الغارق بالدموع جهته؛ كان “زياد” على وشك البكاء هو الأخر، كان يود أن يشاركه الحُزن وليته يستطيع أن ينتشل من قلبه كل الخذلان الذي بهِ، استطاع أن يتحكم في زمام مشاعره، مسك وجه الصغير بكفي يداه يمسح دموعه بأبهامه وهو مُبتسم، وبنبرة صادقة كان يقول له:
– أوعى تقول كده تاني يا “ياسين” أنت جميل وكل شيء جمل في الدنيا أتخلث عشانك، الفرحة أتخلقت عشان قلبك…قلبك الأبيض الجميل.
ابتسم باتساع أكثر ثم داعب خصلاته الناعمة وهو مازال يحدق في مقلتيه العاذبتان اللذان يغلفهم الحُزن وقال له برفق:
– وعلى فكرة أنو فهمت غلط موضوع مس “ليلى” .
كان الصبي مُنتبه لحديث “زياد” جيدًا، كانت عيناه تسأله كيف هذا، وقلبه يُريد أن يخبره أنها لم تخذله؛ وبالفعل أستجاب له “زياد” وقال له وهو ينهض ويمد له كف يده لكي يتحركان لتلك الحديقة:
– أنت مين اللي زعقلك يا “ياسين”؟
كان “ياسين” نهض معه وبدأ اثنتيهم في السير إلى وجهتهم، نظر له الصبي وأجابه:
– الرجل اللي دخل علينا.
– زعقلك أنت بس؟
هُنا ورجع الولد بنظره للطريق؛ صمت لحظات ثم أجابه:
– لا؛ زعق للمس كمان؛ ده زعقلها أوي وكان عمال يشتمها!
وبهدوء شديد ودون النظر للطفل كان يقول له:
– معنى كده أن هي كمان حصلها حاجة تضايق يا “ياسين” الرجل جيه زعقلكم أنتوا الأتنين.
وقبل أن يعطيه فرصة للتفكير سأله من جديد:
– لما زعقلك هي سكتت؟
وسريعًا كان يدافع عنها بكل عزم قائلًا:
– لا، حاولت تسكته وتمنعه، وحاولت تيجي ورايا كمان.
هنا فقط ووقف “زياد” في مكانه بعدما وصلوا للحديقة، كسى على ركبتيه لكي يصل لقامة “ياسين” الذي مسكه من كتفيه وقال له برفق ولين:
– يبقى هي حاولت تمنع اللي كان بيأذيك يا “ياسين” هي مخلفِتش وعدها زي ما بتقول؛ هي بس بتواجه مشاكل عشان خاطر تعرف تنفذ الوعد ده، وأول المشاكل دي كانت النهاردة، تفتكر بقى أنت المفروض تقف معاها وسط المشاكل دي عشان تساعدها تنفذ وعدها؛ ولا تتخلى عنها وتقول وأنا مالي؟؟
كلماته ظلت تُرن في ذهنه، حديثه منطقي، هي لم تضايقه بكلمة واحدة، ولم تَمِس مشاعره بسوء؛ هي فقط كانت تقدم له كل شعور جيد في الحياة؛ إذن هي تستحق أن يتمسك بها كما هي مُتمسكه بهِ! كانت ملامح “ياسين” خير دليل أنه نجح في مهمته البسيطة، وقبل أن يتفوه “ياسين” بشيء، كان “زياد” يقول له:
– على فكرة مس “ليلى” عماله تعيط عليك وفكراك أنك زعلت منها ومشيت.
ختم كلماته تزامنًا مع ظهور “ليلى” التي تركض نحوهم بلهفةٍ شديدة وترافقها “سلمى” ركضت نحو “ياسين” بسرعة شديدة ثم ألتقطته داخل أحضانها وهي تعتذرله من كل قلبها، والأخر أستجاب لها وأستكان داخل مسكنه الدافئ، ووسط أعتذارها المُتكرر له خرج هو من أحضانها ومسح دموعها المُنهمره بأنامله الصغيرة وهو يقول لها بابتسامة عاذبة أذابت لها كل الحُزن الذي كان في قلبها:
– أنا اللي أسف، أنا مكنش قصدي أزعلك مِني، أنا هفضل دايمًا معاكِ وهحل معاكِ كل المشاكل ومش هسيبك وأمشي.
كلماته طيّبت لها جروحًا كثيرة! وكأن كلماته بلسمًا يداوى جروح القلوب المُنكسرة لأشلاء! عجز لسانها عن الرد، ولكن كل ما استطاعت أن تتفوه بهِ هي جملة واحدة:
– وأنا هواجهه العالم كله عشانك.
كل هذا حدث تحت أنظار “زياد” وسلمى التي كانت ترمقه بنظراتٍ فخوره؛ بالتأكيد هو من تحدث معه؛ ومن الواضح أيضًا أنه فطينًا بصورة مُبهرة، فمن يستطيع أن يفهم كل ما حدث من خلال كلمات بسيطة صادرة من طفلًا صغير وأيضًا يستطيع أن يحل الوضع بتلك السلاسة؛ فمن خلال ما قصته عليها “ليلى” تدرج أن “ياسين” كان مُستاء منها ومن كل ما حدث؛ إذن ما قلب الموازين هكذا غير هذا الخبيث الطيب، ابتسمت له ولم تنطق بشيء، دقائق فقط وأنتقلوا جميعهم للدار .
********
أخيرًا ألتقطوا الفتيات أنفاسهم بهدوء، أخذت “ليلى” “ياسين” وأنضمت للأطفال، بينما “سلمى” فأخيرًا أنفردت “بزياد” بمفردهم، أقتربت منه وسألته وعلى محياها ابتسامة لطيفة:
– براڤو عليك أنك عرفت تتعامل مع الموقف.
بادلها بابستامة لطيفة هو الأخر وأجابها ببساطة:
– أنا مش تلميذ برضه؛ أكيد بعرف أتدارك الموقف.
ختم بكلماته بغمزة خبيثة، بينما هي فدارت وجهها تضع خصلة كانت تداعب وجهها خلف أذنها وهي تقول له بعدما نظفت حلقها:
– مقولتليش صحيح كان إيه سبب الزيارة؟
وقف أمامها وبثباث أجابها:
– الحقيقة أني نسيت أعرفك بنفسي كويس؛ أنا “زياد خلف الله” صاحب محتوى على الأنستجرام وعندي عدد لا بأس بهِ يعني؛ محتوايا يخُص شغلي شوية وهو التدريب، بقدم معلومات تخُص الشباب وهكذا.
ابتسمت له ولكنها كانت مازالت على جهل بما يرمي عليه؛ فقالت له سريعًا:
– مفهمتش برضه.
ضحك بصوتٍ عالٍ على رد فعلها السريع، لاحظ امتعاض ملامحها فرد عليها سريعًا وهو يبتلع ضحكاته:
– منا لسه هقولك أهو أنتِ مُتسرعة ليه بس.
أحرجها الوقح! ورغم ذلك تدارك سريعًا الموقف واستطرد قائلًا:
– أنا قولت بصراحة أني لازم أساعدكم بأي شكل أقدر عليه؛ أصل مينفعش أشوف خدمة أنسانية جميلة زي دي بنات بيقدموها لأطفال وأنا محاولش أساعد بحاجة بسيطة.
صمت وهو يرى ملامح البلاهه ترتسم على وجهها من جديد؛ لذلك واصل:
– أنا أمبارح ظبطت الصور اللي خدتها مع الأولاد في التدريب وقولت أني هنزلها عندي وهعرف الناس عليكم، وهسلط الضوء على الدار الفترة الجاية وهوضح كل شيء بتعملوه مع الأطفال، وقولت أن طبعًا لازم أول داتا تكون معايا هي صور للمكان اللي عايشين فيه الأطفال؛ فقولت أجي النهاردة أزور الأولاد وأخد كام صورة ليهم.
تحمست الأخرى لكلماته، كان بداخلها مشاعر متخبطة، هناك أمتنان وهناك حماس، وأخرى فخر بهِ؛ ولكن كل تلك المشاعر لخصتها هي بنظرة لطيفة وكلمات ألطف:
– شكرًا بجد لأهتمام ده يا أستاذ “ذياد”
بادلها تلك الابتسامة وقال لها:
– طيب مش المفروض نقول لمديرة الدار؟
وبالفعل تحركا سويًا نحو مكتب الأستاذة “سهام” دخلت أولًا “سلمى” وعرفتها على “زياد” ثم أعطته المجال لكي يحدث ويقترح عليها فكرته البسيطة لدعم الأطفال والدار؛ وفي نهاية حديثه قال لها:
– الفديوهات دي أنا متأكد أنها هتساعد الدار بشكل كبير؛ ومن خلالها بإذن الله هيكون في تبرعات تقدروا تساعدوا بيها الأولاد أكتر وأكتر.
كانت السيدة فخورة بهم كثيرًا؛ وبفرحة تعلو ملامحها كانت تقول له:
– أنا بجد مش عارفه أقولك إيه على موقفك النبيل ده، بس بإذن الله كل ده يترد ليك في ميزان حسانتك.
ابتسم لها بوّدٍ ولم يعلق، وقبل أن تتفوه هي بشيء كانت “ليلى” تطرق على الباب لكي تنضم لهم، وقبل أن تفهم أي شيء كانت السيدة “سهام” تستدير لهم وتقول موجه حديثها “لليلى”
– كويس أوي يا ” ليلى” أنك جيتي، في كلمتين عايزة أقولهم ولازم تسمعيهم.
وضعت ” ليلى” يدها على قلبها برعب؛ هل صديقتها قصّت على السيدة ما حدث؟؟ هل ذلك الشاب أخبرها أنها مُهمله وغير مسئولة على طفلٍ صغير؟ ولكن السيدة حطمت جميع أفكارها السوداء عندما قالت لهم بفخرٍ يتراقص في مقلتيها:
– حقيقي يا “سلمى” أنتِ و”ليلى” قدوة لكل أخصائي في المجال ده، أجتهادك وأنتمائكم للمكان وللأولاد أنا مشوفتش زيه قبل كده، حقيقي يبخت أهلكم بيكم يولاد، أنا عمري ما هنسى كمية الفضائل اللي حصلت عليها بسببكم وبسبب شغلكم معايا، من أول اللي حصل مع الأولاد؛ ولحد اللي بيحصل وهيحصل للدار بسبب سعيكم ومحبتكم الكبيرة دي، الست شهور خلصوا بسرعة البرق؛ يمكن ده أخر أسبوع لينا سوا، بس أنا متأكدة أننا هنفضل شغالين مع بعض
كانت كلمات بسيطة ولكنها قشعرت لهم بدنهم، كلٌ منهم شخص وأخيرًا أنه له قيمة! أنه فعال في هذه الدنيا، وبشكرٍ شديد كانت “ليلى” تقول لها”
– بجد أحنا اللي بنشكرك أنك سمحتلنا نعدي بالتجربة دي؛ حرفيًا أحنا دخلنا المؤسسة دي حاجة وهنخرج منها حاجة تانية خالص، أحنا أتولدنا من جديد على يد الأطفال دي يا أستاذة “سهام”
وبعد فقرة الشكر والحب الفياضة هذا؛ وقفت “ليلى” وشكرت “زياد” عن موقفه وعن أنقاذه للموقف ثم رحلت لكي تقضي الباقي من الوقت مع الأولاد؛ فهي أصبحت تستغل كل دقيقة لكي تكتسب من هؤلاء الملائكة صفة أو مهارة جديدة!
وآهٍ للعجب! الكبير هو من يتعلم من الصغير؛ ولكن ما المانع إذا كان الكبير يحتاج إلى صفاتٍ جديدة نقيّة تُضاق لكي تُطهر قلبه؟
بعد خروج “سلمى” من مكتب ” سهام” أختفت عن الانظار دون مقدمات ولا مُبرر، كانت تريد أن تختلي بحالها؛ فجلست في حديقة الدار بالتحديد أسفل شجرة كبيرة أوراقها تُظلل عليها حرارة الشمس الحارقة، ولكنها لم تتنهى بذلك الوحدة كثيرًا؛ فجاء “زياد” وأقتحم خلوتها هذه، وللعجب أنها كانت تبكي!
تصنم في مكانه لا يدرى ماذا يفعل، يشعر أنه أحرجها؛ أو بمعنى أصح أقتحم خصوصيتها، ولكنه على أيّ حال هو قد فعل؛ إذ عليه أن يُصلح ما قام بإفساده.
فور شعورها بوجود أحدهم في ذات المكان خفت وجهها بكفي يديها سريعًا؛ تحاول مسح دموعها قبل أن يلاحظ؛ ولكنها كانت محاولة فاشلة “فزياد” قاطعها عن تلك المهمة وهو يقول لها:
– هو في حاجة ضايقتك؟
– لا لا، أنا بس حبيت أقعد لوحدي.
قالتها سريعًا وهي تمسح بقايا دموعها، وبأقتحام خصوصيتها للمرة الثانية في ذات الثانية كان يسألها:
– بس أنتِ كنتِ بتعيطي!
لا تعلم بماذا شعرت بالتحديد، لا تدرى إذا كان غضب بسبب تطفله أو أنه فرحة بسبب ملاحظته لأختفائها من الأساس؟ وفي كل الأحوال هي تنهدت بثقلٍ وهي تقول له:
– عادي، مش أول مرة.
كانت كلمات غبية منها، هكذا قالت لحالها بعدما تفوهت بهم؛ فهكذا هي تقول له هيا اسألني ماذا بي! وكأن ذلك كانت رغبتها من الأساس! رغبتها منذ سنوات وسنوات أن يسألها أحدهم عن ماذا بها! فهي تريد أن تُفصح عن كل ما في صدرها، تُريد أن تلقي ذلك الحِمب الثقيل وتتخلص منه! ومن الواضح أنها قررت أن يكون “زياد” هو ذلك الشخص الذي ستلقي عليه همومها ! وبالفعل سألها بكل أهتمام وشغف قائلًا لها :
– على فكرة أنا ممكن أسمعك، عايز أعرف أنتِ ليه مش فرحانة بعد كل الإنجازات العظيمة اللي أنتِ عملتيها دي!
ودون مقدمات ولا حتى تفكير كانت تبتسم له بسخرية وهي تقول له:
– إنجازات؟ الإنجازات دي في نظري أنا وأنت بس، لكن في نظرهم هما كلام فاضي ولعب عيال.
– هما مين؟
وبشرودٍ، وبعقلٍ سُحب لسنواتٍ كثيرة كانت تقول له:
– من يوم ما مجبتش مجموع في الثانوية العامة وأنا كده، فاشلة؛ رغم أي نجاح بنجحه أنا برضه فاشلة.
تنهدت وهي تنظر في نقطة فارغة أمامها ثم استطرد قائلة:
– حتى لما خلصت كليتي وقررت أعمل دبلومة عشان أكون أخصائية نفسية؛ برضه أتقالي أني فاشلة ومهما عملت أسمي دخلت كلية قاع! كلية أداب!
ضحكت ضحكات متقطعة على حالها وهي تواصل:
– خلصت الدبلومة وخدت الشهادة وكورسات ودورات قد كده وبرضه لسه فاشلة! خدت كارنية مزاولة المهنة وبرضه فاشلة! أتعينت في مؤسسة حكومية كخصائية نفسية وبرضه فاشلة!
هُنا فقط واستدارت له، ركزت في مقلتيه ثم واصلت بخواءٍ:
– محدش شايفني أني بعمل إنجازات غيركم يا “ذياد” أنا أول لما بخرج من الباب ده برجع “سلمى” الفاشلة!
انتظرها حتى انتهت من كل شيء وقرر أن يتدخل، وبابتسامة كبيرة عكس الساخرة التي تُزين وجهها كان يقول لها:
– بس اللي بيحب يشوف نفسه فاشل بيشوفها فاشله حتى لو هي رئيسة جمهورية! واللي عايز يشوف نفسه شاطر وبيسعى هيسقف لنفسه أول لما يصحى من النوم في معاده يا “سلمى”!
لم تفهم منه شيء! عقدت حاجبيها مع أمتعاض ملامحها؛ وقبل أن تعقب على شيء كان هو يقول لها:
– لو أنتِ شايفه أنك مأنجزتيش مع الأطفال دول حاجة تبقى أنتِ فعلًا فاشلة، لو أنتِ شايفه أن الأولاد دي مستفدتش بحاجة خلال الفترة اللي كنتِ معاهم تبقي فعلًا فاشلة، شوفي أنتِ حققتي إيه هنا وفي كل مكان روحتيه يا “سلمى” وبعدها أحكمي على نفسك أنتِ فاشلة ولا شاطرة…. ومتنسيش أن كل واحد فينا بيعكس صورته للناس من خلال نظرته لنفسه .
وبذات الشرود الذي أصابها سألته:
– يعني إيه؟
– يعني لو أنتِ شايفه نغسك شاطرة، وبتعملي إنجازات، وأن أختيارات صح مش غلط؛ فالناس هتشوفك بنفس نظرتك لنفسك؛ مينفعش تكوني أنتِ مش بتحبي نفسك يا “سلمى” وتطلبي من الناس أنها تحبك!
انتهى من كلماته ثم استأذن منها أنه سوف يرحل لأنه تأخر عن مواعيد التدريبات الخاصة بهِ، وقبل أن يرحل قال لها وهو يمد له يده:
– عايزك تعرفي أنك شاطرة وقوية أوي يا “سلمى” أنتِ حقيقي أشطر سلمى.
ختم كلماته وهو يمنحها ابتسامة كبيرة هادئة، كانت رأسها على وشك الأنفجار، كل حرفٍ تفوه بهِ عقلها يوزنه ويحلله! كل كلماته فعلت الأفاعيل في عقلها؛ وكأنها خضعت لعملية غسيل مخ! …ولكنه كان غسيل لأفكارها المسمومة؛ أظن أن جميعنا نحتاج لهذه النوع من الغسيل يا عزيزي!
********
كانت “ليلى” تقف وسط الأولاد والفرحة لا تسع أجنحتها من فرط سعادتها، “فسمير” أصبح الأن متعافى كُليًا؛ وها هو يمارس حياته كما أي طفلًا في سنه، و “مالك” أيضًا اتسطاع أن يتجاوز مخاوفه والأنتصار عليها أيضًا؛ فمن يصدق أن الذي يركض خلف الصبيّة لكي يدغدغهم هو “مالك” الذي كان يرتعب من فكرة أن يلمسه أحد! من الواضح أن المحاضرات التوعوية التي قامت بها هي وصديقتها نجحت بشكل ملحوظ؛ وبعد مرور شهور حسدت اليوم النتيجة، و”ياسين” مازال هو الرُكن الهادئ فيهم، مازل يعيش دور الأب الذي يحتوي أولاده بأجنحاته رغم كمية الندوب التي في قلبه! ابتسمت لهم وهي تراهم يلعبون بسعادة، ولأن عادةً لم تستمر سعادتها لمدة طويلة؛ فجاءها المكالمة التي كانت تنتظرها منذ بداية اليوم…
ردت على الهاتف وأستقبلت صياح والدتها بصدرٍ رحب؛ فهي متوقعة كل حرفٍ سوف يُقال، وهي مستعدة أتم استعداد لتلك المواجهة، ودعت الأطفال ثم استأذنت من السيدة “سهام” أنها سوف ترحل لأمر هام، بعد وقت كانت وصلت أمام ذلك البناية القديمة؛ تلك البناية التي لم تزورها منذ سنة تقريبًا! دائمًا تتشاجر مع والدتها، ولكن تلك المشاجرة كانت مُختلفة؛ فذلك اليوم هي أنفجرت فيهم بسبب كل ما يحدث لها، والكارثة الأكبر أنها قالت لهم أن زوجها العزيز يرفض أن يسعى لكي يُلبي لها رغبتها في الأمومة! والمُثير للسخرية أنهم استقبلوا انفجارها هذا ببرودٍ شديد! في هذا الوقت بالتحديد وهي شعرت أنها لم تنتمي لذلك المكان، أصبحت تنفُر منهم؛ بعدما بدأت تتأقلم مع الوضع كما نصحتها والدتها؛ وها هي تعود من جديد لكي تستقبل نصائح أخرى ولكنها من نوع أخر…وها هي تطرق على باب المنزل ووالدتها العزيزة بملامحها المُمتعضه، وبابتسامة كبيرة كانت تقول لها “ليلى”
– ازيك يا ماما؟ أتمنى تكوني كويسة .
هكذا شدت فتيل الاشتعال الخاص بها، وبصوتٍ غاضب كانت تصرخ عليها قائلة:
– هكون كويسة أزاي وأنا مخلفة بنت زيك؟؟ إيه اللي حصل ده يا “ليلى” ها؟؟ إيه اللي حصل ده؟؟
ختمت كلماتها وهي تمسكها من معظمها بعنف، ولكن الأخرى وبحركة غير متوقعة من الأم كانت تسحب ذرعيها منها وهي تصيح فيها بغضب مماثل:
– عملت إيه يا أمي؟؟ أختارت! لأول مرة أقرر أني أختار حاجة تخصني؛ فيها حاجة دي؟؟
– تروحي تجبيلنا عيل من الشارع وتقولي هخليه يعيش معاكِ! أنتِ مجنونة؟؟
هكذا واجهتها بغضب، ولكن “ليلى” لم تتأثر بحرفٍ واحد، كل ما فعلته أنها ابتسمت ساخرة وقالت وهي تعطي لها ظهرها:
– أنا أتحجنت فعلًا لما سلمت ليكم حياتي عشان تشكلوها على كيفكم؛ أنا دلوقت بعقل!
وبتهجم شديد كانت تقول لها:
– ليه إيه إن شاء الله؟ على الأقل جوزناكِ وخلينا يكون ليكِ بيت…البيت اللي أنتِ عايزة تخربيه.
– بيت! بيت عايشة فيه لوحدي صح؟
سخرت بها وهي تستدير لها، وقفت أمامها وهي تنظر لعينيها مباشرةً ثم صرخت فيها بكل قوتها وكأنها تُخرج في تلك اللحظة كبت سنوات منها:
– عمالين تشكلوا ليت حياتي وكأني عروسة! أدخلي يا “ليلى” علمي دخلت “ليلى” علمي مع أنها مش بتفهم حرف في المواد العلمية، أدخلي يا “ليلى” الكلية دي عشان قريبة؛ مع أن “ليلى” جايبه مجموع كلية كان نفسها فيها! بس مينفعش عشان من وجهة نظرهم دي كلية للولاد بس! أتجوزي ده، عيشي هنا، قولي حاضر ونعم وطيب وبس! لحد ما بقيت مسخ!
كانت دموعها تسابق كلماتها بشكل هستيري؛ مما جعلها غير قادرة على التنفس بشكل طبيعي! ولكن رغم ذلك واصلت؛ فهي قررت أن اليوم سيتحرر كل حزن كانت تكبته داخل جدران قلبها منذ سنوات:
– حتى لما قولت تعبت محدش سمعني! محدش قالي هساعدك! محدش قالي أي حاجة من دي! وجاية دلوقت تقفي قدام أول قرار أخده وأنتِ عارفه أنه هيسعدني!
ختمت كلماتها وأجهشت في نوبة بكاء مريرة، ورغم رغبة والدتها العارمة في أحتضانها لكنها تماسكت؛ وبجمود ظاهري كانت تقول لها:
– بس ” عامر” قال أنه لو متراجعتيش عن قرارك هيطلقك يا “ليلى” هيطلقك وأنا مبقتش حِمل أني أصرف عليكِ أنتِ وأخوكِ الشحط اللي قاعد جوه؛ مش هتكوني أنتِ وهو عليايا بنتي كده يبقى حرام!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أزهار بلا مأوى)