رواية أحببت فريستي الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم بسمة مجدي
رواية أحببت فريستي الجزء الخامس والثلاثون
رواية أحببت فريستي البارت الخامس والثلاثون
رواية أحببت فريستي الحلقة الخامسة والثلاثون
_تحرر (الأخير) _
_ 35_
لتنهض وتخرج من الغرفة فلم تجد أحد سارت ببطء وخطوات مترنحة فهي علي الأغلب لم تنهض منذ شهور لتصعد الي الدور العلوي حتي وصلت الي سطح المبني ، سارت بخطوات متمهلة…شاردة بذلك الرداء الأبيض الخاص بالمرضي وخصلاتها السوداء تغطي ظهرها وغروب الشمس ينعكس علي عينيها الزرقاء لتقترب من الحافة وترفع قدمها ببطء ليصلها صوته الساخر :
– لسه بردو بتحاولي تهربي مش بتزهقي ؟
التفتت له بحده قائلة وهي ترفع القدم الأخري :
– ملكش دعوة بيا !
اقترب بهدوء لتحذره بحده :
– اياك تقرب ! ومتحاولش تقنعني اني انزل…انا بقيت جثة من غير روح فوفر كلامك ملوش لازمة !
نفي برأسه لتصدم به يصعد ويقف بجوارها قائلاً ببرود :
– لا فاكس الجو القديم بتاع انزلي ولااا متسبنيش وبتاع…دلوقتي في حاجات اجدد واحسن زي…اننا هننتحر مع بعض دلوقتي … !!!
صدمها بحديثه ليخفق قلبها وتتحول عيناها للضياع والتشتت هامسه :
– طب وولادك ؟
اجابها بلا مبالاة مشدداً علي كلمته الأولي :
– ولادنا…ربنا يتولاهم ، ايه الي هيحصلهم مثلا ؟ هيترموا في دار أيتام ؟ هيشوفوا ايام سودا ؟ هيتحرموا من جو الاسرة والاب والام ؟ طب وايه يعني ما احنا كمان اتحرمنا منه !
ابتلعت ريقها بتعب ليكمل :
– انت عيشتي مع اب وحش وبيكرهك ومامتك تعبت من الوجع وربنا رحمها وانا مفرقتش كتير امي كانت مشغولة ازاي تأذي اخواتي وتاخد بتارها وابويا كان مشغول بتأنيب ضميره وسلبيته !
اجابته بضعف وأعين شارده وكأنها طفلة مذنبة وتبرر فعلتها :
– انا…تعبت…وهي وحشتني أوي!
طالعها بأعين حزينة فهو أدري بحالتها وان حديثها صادر من قلبها المتعب والرياح تلامس وجههم بقوة ليهتف :
– وانتي فاكرة ان الموت بالطريقة دي راحة ؟ عذاب الدنيا ومهما شوفتي فيه ارحم مليون مرة من عذاب جهنم !
سالت دموعها هامسه بتقطع :
– انا م…مريضة ! هأذيك وهأذي عيالك…انا حمل تقيل محدش ينفع يستحمله…انا شوفت محسن بيموت قدام عنيا ومتحركتش ! انت كنت بتموت قدامي ومساعدتكش ! انا مش فاكرة ايه الي حصل بس الي متأكدة منه اني مش السبب في انقاذك…
سالت دموعه رغماً عنه من حديثها المتألم خاصة عند حديثها عن “والدها” الذي لم يعلم عنه شيئاً ليخفي صدمته قائلاً :
– لو كنت فعلاً مؤذية كنتي سيبتي ابنك يموت !
Flash back.
وضعه بجوار فراشها وخرج من الغرفة لتغمض عيناها بقوة محاولة تجاهل وجوده وهي تحتضن جسدها بحماية ليتسلل الي مسامعها صوت بكاءه الأشبه بمواء القطط ، ضعيف…خافت…متألم! وهي خير من يميز الأصوات المتألمة نفت برأسها وهي ترفع الغطاء علي وجهها وتضع كفيها علي أذنها حتي لا تستمع له حتي بدأت تبكي هي الأخري! ثم مددت كفها بارتعاش ورجفة تعتريها لتتلمس وجهه بحذر ورهبة! قربته قليلاً من جسده ليفتح عيونه الزرقاء المماثلة لعينيها ليخفق قلبها بشدة! لتهمس بتقطع وارتباك كطفلة صغيرة :
– م…متعيطش !
اعتدلت قليلاً لتحمله بارتجاف وحذر وكأنها تحمل قطعة زجاج! تخاف ان تكسرها ليهدأ بكاء الصغير ما ان حملته وهو يطالعها بتلك الأعين الجميلة لتهمس مرة أخري وكأنه سيجيبها! :
– أأا …انت ابني…انا ؟
فاضت عيناها بالدموع حين أمسك اصبعها بكفه الصغير ذو الملمس الناعم لترتسم ابتسامة شاحبه علي وجهها وروحها المتعبة لتبدأ في محاولة ارضاعه بحيرة وتشتت ظلت لبضع دقائق حتي استطاعت فعلها ليخلد الصغير الي النوم بعد ان ارضعته وقد انتظرها ليومان! قبلت الصغير الساكن بلا صوت بلطف وأعين لامعة وهي تغادر الغرفة…
End flah back
خصلاتها السوداء بتموجاتها الناعمة تتطاير حول وجهها بفعل الرياح ووجها أحمر من الارتباك لتصيح بعصبية متوترة من معرفته للأمر فقد ظنت انهم سيعلمون بذلك بعد انتحارها :
– انت ليه مش عايز تفهم ؟ انا معدتش نافعة انا جثة ! فاهم يعني ايه جثة ؟ يعني نفس خارج ونفس داخل…انا فشلت اكون زوجة كويسة وبنت كويسة وهفشل اكون ام كويسة ! انا معادش عندي طاقة لأي حاجة…انا عصبية ومتكبرة ومليانة كلاكيع وعقد والناس كلها بتخاف مني ومعنديش قلب !
اجابها بابتسامة صادقة :
– وانا بارد وكنت عديم المسؤولية ولسه بتعلمها جديد وعرفت ستات بعدد شهر راسي قبلك…وبحبك !
نظرت له بيأس ليشبك اصابع كفه مع اصابعها هامساً بنبرة عاشقة :
– بحبك وقابلك بكل عيوبك زي ما انتي بتحبيني بالظبط…اديني فرصة ادخل دنيتك واشوف تعبك…رغم حبك ليا عمرك ما حكتيلي حاسة بايه ولا ايه الكوابيس الي بتشوفيها كنت بتهربي من تعبك وبتخبيه عني…
ظلت تبكي في صمت وهي تستمع لكلماته التي تضرب صميم قلبها تنهد ليتراجع للخلف وينزل عن سور السطح وهو يمد كفه لها هامساً بصدق :
– سبيني أداوي جروحك يا ميرا وخلينا نبدأ من جديد !
ابتسمت ساخرة وخرج صوتها متحشرج هامساً يحكي سطوراً من ألم :
– فات الأوان…جروحي عاملة زي السلسلة الي تحس انها بتسحبك لتحت…وانا…انا وصلت للقاع !
التفتت له تطالعه بأعين شاردة متعبة وابتسامة شاحبه وكأنها لا تشعر بتلك الدموع التي تنهمر بغزارة علي وجنتيها أثارت قلقه هامسه بحروف ضائعة يتخللها ألم ينبع من وجدانها :
– بـ…بحبك !
اتسعت عيناه وارتفعت نبضات قلبه برعب! وهو يري جسدها يميل للأمام وهي تفتح ذراعيها للهواء و تغمض عيناها بقوة وتستسلم لمصيرها الذي اختارته لأول مرة بلا تدخل القدر!
لكنه كان الأسرع ليلتقط ذراعها قبل السقوط ويسحبها ليسقط كلاهما علي الارض وهي فوقه احتضنها بقوة وهو يلهث بعنف فتلك المختلة كادت ان تتركه في لحظات! لن يكذب ان قال انها اصعب اللحظات في حياته ليعتدل ويعكس وضعهم لتكون هي اسفله ليقبض علي خصلاتها هادراً بعنف وعصبية :
– اقسم بالله مجنونة وهتجنيني معاكي ! انتي واخدة بالك انك كنت هتسبيني ؟ كنتي هتموتي ؟ وانا الي قلت بتعرف غلاوتها عندي يخربيت دماغك !
نظرت له بنظرات مشتعلة لتصرخ به وهي تحاول دفعه :
– ابعد عني…ملكش دعوة انا حره !
صاح بها بعصبية ولم تحركه حركاتها الضعيفة للتملص من بين يديه :
– لولا تعبك وحالتك والله مكنت سبت فيكي حتة سليمة واجدعها دكتور مش هيعرف يلصمك !
التمعت عيناها بشراسه هادرة :
– جرب كده تعملها وتمد ايدك عليا وانا اكسرهالك يا ابن فريدة !
اندهشت من ردة فعله فللعجب ابتسم! ولم يكن يبتسم سوي لعودة شراستها التي بات يعشقها واشتاق لها حق دفن رأسه برقبتها تحت صدمتها ليهمس بتعب وابتسامته تزين ثغره :
– وحشتني يا ضبش !
حاولت ابعاده بعصبية وهي تصرخ :
– ابعد عني…ابعد بقولك انا بكرهك!
لم يبتعد وظل محتضناً اياها لتبدأ قواها بالضعف وتهدأ حركتها وتجهش ببكاء مرير وهي تتعلق بعنقه وقد اشتاقت له هي الأخرى وبشدة ليكون مشهداً تعجز الكلمات عن وصفه بكاءها العالي الذي تزداد وتيرته وكأنها تشكو له ما يؤلمها وهو ايضاً يبكي من أجلها وفرحة لعودتها بكي كلاهما كما لم يبكوا من قبل لكنه تعاهد سراً ان تكون هذه اخر مرة تعرف الدموع الطريق اليهم…
*****
ابتسمت لها بحنان قائلة :
– زهرة انا مش همنع وجودك هنا انا خلاص تخطيت الموضوع وفهمتك وانا مقدرة ان الظروف الي كنتي فيها هي الي خلتك تفكري كده…
ابتسمت لها الأخرى بدورها وهي تحمل حقيبتها قائلة بصدق :
– انا عارفة…بس ده الأحسن صدقيني انا محتاجة اركز في دراستي زي ما دانيال باشا قالي وبعدين انا هاجي في الاجازات مش هسيبكم بردو…
ردت بهدوء ومازال شعلة بسيطة من الغيرة تعتمر بداخلها رغماً عنها :
– زي ما تحبي…
دلف الي المنزل ليقترب ويهتف بجدية حنونة :
– رغم عدم موافقتي لدخولك مدرسة داخلية الا انني احترم قرارك يا صغيرة لكن تذكري سأظل دوماً افضل اب وأفضل اخ قد تحتاجيه يوماً فقط اياك ان تتردي في اللجوء الي في اي مشكلة تواجهك !
ابتسمت بدموع وهي تمنع نفسها بصعوبة الا ترتمي بين ذراعيه وتودعه وليس كحبيب بل كأب فهي بالفعل ادركت ان مشاعرها الاولي ذهبت ادراج الرياح هي لا ترغب سوي باحتواءها كأب لتودعهم مسرعة :
– انا اتأخرت…يلا ربنا يسعدكم ويهنيكم سوا…
خرجت مسرعة لتمسح دموعها فهي حقاً كانت بحاجة لأسرة لكن هذه ليست الاسرة المناسبة لها تماسكت لتصعد الي السيارة وهي تقرر ان تصنع مستقبلاً أفضل والا يشغلها سوي دراستها ستتغير…ستتمرد علي تلك القيود التي صنعها قدرها ولن تلتفت الي الوراء فقط ستمضي بطريقها…
*****
وصلت الي منزلهم وهي تتمسك بذراعه برهبة فهي لم تري الضوء لأكثر من تسعة اشهر وهو يحمل الصغيرين ومجرد ما ان انفتح الباب لتجد اسرته الصغيرة تنتظرهم “سارة” و”الياس” و”داني” و”ليلي”
لتقترب شقيقته الكبرى سريعاً وهي تسحبها لتحتضنها قائلة بدموع :
– حمدلله علي سلامتك يا ميرا…متعرفيش وحشتيني ازاي
ابتسمت لها بارتباك وهي تنكمش خلفه ليأتي دور “ليلي” التي هتفت بابتسامة :
– حمدلله علي سلامتك يا ميرا انتي وقلب عمتو الصغننين ….
قالتها وهي تحمل الصغيرة وتداعبها بلطف ليقترب “دانيال” و”الياس” مصافحين “يوسف” وهتف هو بإنجليزيته :
– اهلا بعودتك سيدة ميرا …
قاطع حديثهم هتاف “ليلي” بحماس :
– يا قلبي شوفتوا عنيها دي نفس عنيك يا يوسف بس صغيرة خالص…
ابتسم لها الجميع ليردف “يوسف” بمرح :
– عدل ربنا الباشا الصغير خد عنين مامته والانسة العصبية دي خدت عنيا انا…
التف الجميع حول الأطفال لتهتف “سارة” بابتسامة :
– طب سمتوهم ايه ؟
اجابها وهو يتطلع لجميلته المرتبكة بحب :
– نجاة وآسر…
اقترب “دانيال” من ليلي ليهمس بأذنها بعبث :
– بعد رؤية هذه الرضيعة انا لن اتنازل عن واحدة مثلها واريدها مشاغبة ذات شعر بلون العسل تماماً كوالدتها ، اريد نسختك المصغرة !
ابتسمت بخجل وهي تلكزه وبداخلها تتمني مثله ان تحضر طفلة تشبهها حتي تساعدها في مكائدها ضد والدها ثم ضحكت بخفوت علي افكارها المجنونة..
بعد قليل غادر الجميع ليبقوا وحدهم كادت تدلف الي غرفتها ليمسك كفها قائلاً بلطف :
– استني يا ميرا…
نظرت له باستفهام ليسحبها خلفه ولوا الي غرفتهم ليباغتها بسؤاله :
– صليتي قبل كده ؟
شحبت من سؤاله المفاجئ لتردف بارتباك :
– لأ…
اجابها بهدوء :
– ولا انا !
ليسحبها الي المرحاض ويهتف بابتسامة هادئة :
– انا في الفترة الي فاتت دي اتعلمت ازاي اصلي وازاي اتوضي بس مصلتش…كنت مستني ناخد الخطوة دي سوا او مكانش عندي الشجاعة الكافية اني اخدها لوحدي…
طالعته بعدم تصديق وبدأت الدموع تترقرق بعينيها ليبدأ بتعليمها الوضوء كطفلة صغيرة ثم توضأ كلاهما ليغيب ويحضر لها عباءة وحجاب رقيق كان قد اشتراهم مؤخراً لتصلي بها ارتدتهم بارتباك لتسير خلفه حتي وضع سجادة الصلاة لتقف خلفه وهو يصلي بصوت عال حتي تردد خلفه انتهي كلاهما من الصلاة ليمسك كفها ويداعبه بحنان قائلاً :
– حاسه بايه ؟
اجابته بصدق :
– حاسه براحه غريبة محستش بيها من زمان…
ابتسم قائلاً بهدوء :
– احنا قولنا هنبدأ من جديد وهنواظب علي الصلاة وعلي العلاج بتاعك والجلسات مع الدكتورة ، ايدي في ايدك وهنساعد بعض انا محتاجلك زي مانتي محتجالي بالظبط الطريق طويل بس هنمشيه سوا…
لم ترد سوي بكلمة واحدة هامسه بحروف تقطر عشقاً :
– بحبك !
ولأول مرة في حالة فريدة من نوعها لا يتغير العاشق لأجل معشوقته بل يتغيرا سوياً لأجل كل منهم ليبدأ طريقهم بأيدي متشابكة في ترميم ارواحهم المنكسرة التي خطت عليها خطوط الزمان فقيل قديماً اذا لم يصلح الزمان ما احدثه من كسور بين ثنايا روحك سأحطم روحي كالزجاج المنثور وأصلح بها ما فرغ من روحك المظلمة…
*****
… بعد مرور خمس سنوات …
دلف الي المنزل بعصبية مفرطة لتقف والدته في طريقه قائلة بارتباك :
– الياس حبيبي كويس انك جيت كنت عايزاك تركبلي اللمبة بتاعة أوضة المخزن علشان باظت !
قبض علي كفه بعصبية قائلا‘ من بين اسنانه :
– بقولك يا حاجة وسعي من سكتي مش هتداري عليهم زي كل مرة !
لمح الصغير يركض لأعلي ليصيح بتوعد وهو يلحقه :
– خد يالا فاكر اني مش هعرف اجيبك يا بتاع ميس انشراح ؟
كاد يصعد خلفه لتقف بطريقه “سارة” وهي تهتف بدلال مبالغ به لا يليق بها :
– انت جيت يا الياس…وحشتني…كل ده تأخير ؟
رفع حاجبه بتعجب ليهتف باستغراب :
– ده علي اساس انك كده بتتدلعي ولا دي بوادر اغماء ؟ اخفي من وشي انتي كمان يا سارة الله لا يسيئك…
احمر وجهها بحرج ليبعدها عن طريقه ويصعد الي الأعلى دلف الي الغرف يبحث عنهم بلا جدوي حتي استوقفه صوت بخزانة ملابسة فتحها ليجد صغيرته الشقية مختبئة بها وتخبئ وجهها بين كفيها ليهتف بتوعد :
– قفشتك يا ام اتنين من خمسين !
صرخت بفزع ليسحبها من ملابسها من الخلف كالمجرمين! صائحاً بعصبية :
– الهانم كانت بتبيع لبن طول السنة ؟ لعبت في ورقتها البخت علشان تجيب الدرجة دي ؟
اخفت ضحكتها لتجيبه ببراءة كالقطط :
– أصل الامتحان كان صعب يا بابي والمستر اصلاً مستقصدني قلتله انا بنت المقدم الياس راح مشوحلي بأيده كدهو علي اساس مش هامه يعني …
قالتها وهي تلوح بيدها ليهتف بغيظ :
– يابت بطلي لماضة اعمل فيكي ايه بس…
سحبت نفسها لتركض الي الخارج سريعاً وهو يلحقها بعصبية ليجد “مازن” يركض الي الأسفل ليخلع حذائه ويلقيه عليه هادراً :
– تعالالي يا عاقل يا كبير يالي مبوظهم…
هبط الي أسفل ليجدهم جميعاً منكمشين ببعضهم خوفاً من غضبه لتهتف والدته سريعاً بغضب :
– جري يا الياس مربي للعيال الرعب ليه ؟ بقولك ايه احفادي محدش هيجي جمبهم لحسن اسيبلك البيت ومحدش يعرفلي طريق !
رفع حاجبه بدهشة لتؤيدها “سارة” قائلة بحزن مصطنع :
– ايوة يا ماما وانا كمان هاخد بنتي وولادي وهاجي معاكي مهو محدش بيهتم بينا في البيت ده !
لتشرع في بكاء زائف ووالدته كذلك حتي تلك الصغيرة الشقية انضمت لهم ليهتف من بين اسنانه :
– مهو دلعك انتي وامي ده الي مبوظهم…مش عارف اربي عيالي بسببكم !
ليكمل بعصبية :
– البيه الكبير عاملي بلطجي وماشي يضرب اي حد يكلم يزن او تقي المدرسة كلها بقت تخاف تقرب منهم والمدرسين بيشتكوا والبيه الصغير سي روميو راح يحب مدرسته الي عندها 30 سنة ومقضيها ورد وغراميات ودور العاشق الولهان ! ولا السنيورة الي الاصفار منورة ودرجاتها في النازل !
لتصيح “سارة” بغيرة :
– وانت عرفت منين ان عندها 30 سنة يا سي الياس ؟
ضرب كفه بالأخر قائلاً بدهشة :
– احنا في ايه ولا في ايه يا سارة بقولك مصايب عيالك وانتي تقوليلي مدرسة ومش عارف ايه !
دفعها برفق ليجلس علي الاريكة بضيق وهو يكتف ساعديه امام صدره ليقترب منه الجميع فتجلس والدته بجانبه وزوجته من الجهة الأخري و”يزن” و “تقي” جلسا علي ركبتيهما امامه و”مازن” وقف خلفه لتقبله والدته من وجنته قائلة بابتسامة :
– متزعلش نفسك يا الياس…
لتقبله “سارة” من الجهة الأخرى قائلة برقة :
– خلاص بقي يا الياس…
لتقبل صغيرته كفه وهو مازال عابساً قائلة ببراءتها المحببة الي قلبه :
– انا اسفة يا بابي اوعدك هذاكر وهجيب درجات احسن بس انت متفضلش زعلان…
ليقبل “يزن” كفه الاخر قائلاً بضيق طفيف :
– اخر مرة يا بابا مش هبعت لميس انشراح جوابات تاني…
ليقول “مازن” بأسف :
– اسف يا بابا هحاول اتمالك اعصابي بعد كده…
ابتسم رغماً عنه قائلاً بمرح متحسراً علي حاله :
– دانتوا مش بتاكلوا بعقلي حلاوة دانتوا بتطفحوهالي طفح !
ضحك الجميع وهم يحتضنوه بقوة وهو يضحك من هجومهم فحقاً لا يستطيع ان يغضب منهم لوقت طويل طالما اجتمعوا عليه فتلك أسرته الصغيرة التي يعشقها فهذا عوض الله وما أجمله عوض…
*****
ابتسمت بخجل وهي تستعد بذلك الفستان الوردي القصير لتضع اللمسات الاخيرة بمساحيق التجميل لتخرج من الغرفة ما ان استمعت لغلق الباب لتجده يتمتم بضيق :
– الزحمة…مش معقوله…والسواقين…بيتخانقوا علي كل مشكلة…في الساعة !
ضحكت بخفوت علي لغته العربية التي مازالت ضعيفة نوعاً ما فهي الي الان تجمع كلمتين من حديثه لتكون جملة مفيدة! لتهتف بمرح :
– ايه الي مزعلك بس يا انجليزي ؟
ابتسم تلقائياً ما ان رأها ليسحبها ويجلس علي قدميه كعادته ويحكي لها يومه ليهتف بلغته :
– يا اللهي لقد اشتقت للندن كثيراً وتلك البرودة انا اكتشف شيئاً جديداً كل يوم بهذه البلاد !
عبست قائلة بعتاب رقيق :
– آدم مش اتفقنا منتكلمش انجلش تاني علشان تتعود علي العربي ؟
تأفف بضيق قائلاً بتقطع :
– حاضر…مش…هتكلم انجليزي…واتكلمت…عربي
ضحكت بخفوت لتهمس بجانب أذنه :
– انا قررت افك الحظر وابسطك !
ابتسم قائلاً بعدم فهم :
– يعني ايه ابسطتك ؟
مالت علي مرة اخرى هامسه بعبث :
– يعني انا حامل و هجبلك مصيبة تانية شبهي يا انجليزي !
صاح باستنكار مندهش :
– انتي تمزحين ؟ انتي حقاً حامل ؟
ضحكت من صدمته فهي قد قررت تأجيل الانجاب ليستمتعوا بحياتهم سوياً وقد كانت تنهي دراستها التي اهملتها بالأحداث الماضية ليحملها ويدلف الي الغرفة يضعها علي الفراش قائلاً بتوتر وانفعال :
– من اليوم لا أعمال منزلية ولا خروج من المنزل و…وسأحضر كتباً كثيرة لكيفية التعامل مع الأطفال…حسناً…وسنذهب الي أفضل طبيبة بالبلاد او سأحضر طبيبة من الخارج وأيضاً…
امسكت وجهه هامسة بلطف بلغته فرغم رغبتها في تعلمه العربية الا انها مازالت تعشق لغته كما تعشق كل ما يخصه :
– ششش…اهدأ عزيزي…انا بخير…لا تقلق ستكون افضل اب لها مثلما كنت لي ، أنسيت طفلتك الاولي ؟
ابتسم ابتسامته الجذابة وهو يضم رأسها لصدره قائلاً بحب :
– ومن ينسي طفلة مثلك صغيرتي ؟
هتفت بعبوس بسيط :
– هل ستناديها صغيرتي وتدللها اكثر مني ؟
اتسعت ابتسامتها هامساً بعبث :
– لا ادري…لكن ربما أفعل ان كانت تحمل عينيكي البندقية او تحمل نفس ابتسامتك ويحمر وجهها حين تغضب ربما سأفعل حينها لكنك ستظلين مدللتي الأولي مهما أنجبتي…قطتي البرية !
*****
جلست علي ركبتيها والدموع تنساب ساخنة علي وجنتيها لتهمس بشرود وابتسامة بسيطة :
– يوسف كويس…وآسر تاعبني شوية في المذاكرة ونجاة باقت شقية اوي…انا مبسوطة بس لسه الصورة ناقصة…محتجاكي جمبي…كبرت وبقيت ام ولسه محتاجة حضنك يهون عليا…
قرأت الفاتحة بدموع لتمسح وجهها وتميل لتقبل قبرها باشتياق ومازالت تحسد ترابه الذي احتضن جسدها بدلاً منها شعرت بيده علي كتفها لتنهض ببطء وتندفع بين ذراعيه تتشبث به بتعب فقد اصرت طبيبتها ان تتقبل الماضي ويجب عليها ان تزور قبر والدتها الذي امتنعت عنه لسنوات برهبة الان صارت تأتي من الحين للأخر ليربت علي ظهرهاً بحنان هامساً :
– خلاص كفاية كده يا حبيبتي يلا بينا نروح !
اومأت لتسير برفقته وهو يلف ذراعه حول خصرها بحماية لتنظر خلفها بشرود لذلك التراب الذي لطالما خشته وارتجف بدنها حين تسمع سيرته اليوم تأتيه بلا خوف بلا انهيارات فقط اشتياق لمن فقدتهم ، صعدت سيارتهم ليهتف محاولاً الهاءها :
– علفكرة بنتك باقت عصبية اوي نعمل ايه في جيناتك دي انا مبقتش عارف اتعامل معاها ؟
ابتسمت بشحوب لمحاولاته التي تدركها جيداً لتهتف بصدق :
– يوسف…انا كويسة !
اوقف سيارته جانباً ليمسك كفها قائلاً بلطف :
– عارف يا ميرا…احنا عدينا كتير…كنا فين وبقينا فين…انا عايز اشوف ابتسامتك عالطول…ابتسامتك الي بتخلي قلبي يتنطط زي المراهقين لحد دلوقتي….
ابتسمت بخجل ليكمل بعبث وهو يهمس بأذنها :
– بس ده ميمنعش انك لسه ضبش !
لكمته بكتفه قائلة بعبوس :
– انت مش هتبطل الاسم ده ؟ ابنك اول امبارح جاي يقولي يعني ايه ضبش يا مامي !
كتم ضحكته ليميل ويهمس بخفوت خطير :
– انتي اد الضربة دي ؟
ابتسمت بمكر لترفع حاجبها قائلة بتحدي :
– اه ومبخافش علفكرة !
ابتسم بغموض ليرفع هاتفه قائلاً :
– ايوة يا لولة بقولك يا قلب أخوكي ابقي خلي حوزك يعدي علي البيت وياخد العيال علشان هغيب اسبوع كده ! هبقي اقولك بعدين…
قطبت جبينها قائلة بدهشة :
– اسبوع ايه ؟ ليه هنروح فين ؟
اعاد تشغيل السيارة لينطلق بها بسرعته الجنونية المعتادة قائلاً بخبث :
– طالعين علي الساحل يا روحي اصلها كبرت في دماغي بصراحة !
ضحكت بدهشة من جنونه لتهتف بابتسامة ماكرة وهي تغمز له :
– ناوي علي ايه ؟
التوي ثغره بابتسامة جانبية قائلاً بخفوت غامض وهو يرد لها غمزتها :
– ناوي علي كل خير يا مزتي !
* تمت بحمد الله *
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحببت فريستي)