رواية أباطرة الغرام الفصل الرابع 4 بقلم آية محمد رفعت
رواية أباطرة الغرام الجزء الرابع
رواية أباطرة الغرام البارت الرابع
رواية أباطرة الغرام الحلقة الرابعة
ألتقت عينيه بخاصتها، يتأمل جمال عينيها، في حين ازدادت دقات قلبها، ترى حب طفولتها، لم يسكن قلبها أحد سواه، همست ندى لذاتها بألمٍ ممزوج بحنين:
– أنت زي ما أنت متغيرتش وسيم مفيش حاجة اتغيرت إلا عينيك فيها كمية حزن و أسى.
قاطع هذا الصمت سؤال عصام المقتضب:
– عاملة إيه يا ندى؟!
حاولت ندى السيطرة على مشاعرها ونبرة صوتها:
– الحمد لله يا عصام، أنت أخبارك إيه؟
أجابها عصام بابتسامةٍ مريرة:
– عايش زي ما أنتِ شايفة.
قاطع حديثهم خالد الذي هتف بسعادة:
– ندى حبيبتي وحشتني أوي ياروحي.
تصنعت ندى الحزن مرددة بدلالٍ:
– ماهو باين مجتش حتى تاخدني من المطار!
رمق خالد نظرة مغتاظة لعصام قائلاً:
– أعمل إيه كان عندي اجتماع وكنت هخلصه وأجيلك أهو متزعليش يا قلبي.
حركت رأسها في نفي تردد متبسمة:
– مش هزعل بس بشرط تخرجني وتلففني مصر حتة حتة.
قبل جبين شقيقته مردفًا بحنو:
– أوعدك يا قلبي بكرة هخرجك.
حركت رأسها بايجابية تتمتم بمرحٍ :
– حيث كدا ماشي.
تسأل عصام بتعجب من اختفاء ياسمين:
– هي ياسمين مش كانت معاكي، هي فين؟!
نظرت له وللحزن المختزل في عينيه والذي يعكر صفو زرقتها تجيب بهدوءٍ:
– تحت مرضتش تطلع معايا
دخل آسر إلى من يقفون في رواق الشركة المقابل لمكتب خالد هاتفًا:
_ خالد في مزز موت يلاه حاجة أخر حلاوة.
أصدر صفيرًا عالي في حين حرك خالد رأسه يمنةً ويسرة ، الجميع يفشل في لجم ذلك الطائش، في كل مرةٍ يعود بها ، يجلب لهم مصيبةً من نوعٍ آخر ، والآن نساء، هذا ما ينقصهم حقاً.
ظهر السأم على قسمات وجه خالد مغمغمًا :
– يا بني أتهد… اتهد حرام عليك ، بدل ما عصام ينفخك، أنا ذنبي إيه أعيش وسط ولد طايش وأخوه الجبار ، ده أنا خايف ينولني من المدعكة اللي بتحصل ما بينكم حاجة.
تصنع القوة كعادته ، عقله المرح لا يبالي لما يحدث، يرد باستطراء
– ينفخ مين أنا هصطاد واحدة من دول دا أنا آسر الدالي.
عاد عصام من شروده ، الذي غطّ به في بحر ذكرياته مع مالكة قلبه “لميس” شقيقة سها:
– بيقولك إيه الزفت ده؟
لكز خالد آسر في قدمه ، وينظر إليه محذرًا من أفعاله الطائشة وخاصةً أمام عصام ، يقول بتدارك:
– ها.. ولا حاجة.
ظهر صوت ندى مجددًا بعد أن كانت هي الأخرى تتفرس عصام بحزن يجتاح قلبها:
– خالد، فين عمو وبابا عايزة أسلم عليهم؟!
أعاد عصام ترتيب الأوراق يجيبها بدلًا عن خالد:
– تعالي يا ندي وأنا أخدك المكتب أنا رايح هناك.
أومأت برأسها موافقة، تنسحب معه تخطو معه خطواتٍ متناغمة نحو مكتب والديهما.
**********
في غرفة المكتب، يجلس أحمد ومحمد ، يراجعان بعض الملفات المتعلقة بالعمل ويناقشان أشياء خاصة به، ليسمعا صوت مقبض الباب يُفتح فتظهر من خلفه أميرة الزمان “ندى” التي اندفعت بسعادةٍ نحو كليهما ، وخاصة أحمد الذي انسدت في حضنه تشدد من ضمه، تهمس بخفوت:
– وحشتني عمي.
سمع صدى همسها ليشدد من ضمها، يراها كابنته يسمين ، ليرد همسها بصوته الحنون وهو يقبّل جبينها:
– ندى حبيبتي وحشتني أوي.
تفحصهما محمد بسعادة، ابنته لديها والدين ، ظهر حزنًا مصطنع على وجهه مرددًا:
– أخص عليكي يا ندى يعني دخلة تدوري على عمك وأبوكي لاء!
توجهت نحو والدها الذي يقف قبالتها مباشرة، تردف بمرحٍ:
– دا أنت الكوم الكبير يا بابا يا عسل.
عانقت والدها تشدد من ضمه، تقبل ظاهر يده ورأسه، ليرد قبلتها بأخرى على جبينها قائلاً
– روح قلب بابا.
***********
في غرفة خالد..
نام آسر على ظهره، يتأوه بألمٍ، في حين حمل خالد بين يديه كيسًا من الثلج يضعه موضع الكدمات في وجهه، ليصرخ متأوهًا:
-آآآآه.
ضحك خالد ونبراته يغزوها الشماتة، هتف خالد بين ضحكاته وهو يرفع الثلج قليلًا عن وجهه:
– تستاهل مش عاملي فيها الدنجوان.
أعاد وضع الكيس المثلج بقوةٍ موضع الكدمة ، ليرتفع صراخ آسر وترتفع نبرة هتافه:
– آآآآه براحة ياعم في أيه!
فرك وجهه بكيس الثلج يحدثه بنبرة ساخرة:
– أحمد ربنا أن أنا جيت في الوقت المناسب وانتشلتك من ايدين البودي جارد.
ازداد تألمه وهو يتذكر كيف انقض عليه الرجل ذو العضلات يسدد له لكماتٍ عدة في مواضع مختلفة من جسمه ، ليردف بصوتٍ متعب:
– آآآآه… أديه تقيلة ابن الإيه.
ارتفع ضحكة خالد الشامتة ، يحدثه بنبرةٍ محذرة:
– عشان تحرم تعاكس حد تاني دي لو سها شمت خبر هتقتلك.
نهض آسر في جلسته ببطء وألم ، ينظر لخالد الذي يكتم ضحكاته ، باغته بسؤالٍ مندهش:
– أنت شمتان فيا يا خالد؟!
انفلتت ضحكات خالد لتملأ المكان، يجيبه بضحكٍ لا يزال عالق به:
– بصراحة آه.
أرتفع صوت آسر بفخرٍ مزيف:
– شوفتني وأنا متعلق فوق كتاف العملاق ده.
تعالت ضحكة خالد ليبتسم آسر إليه، حاول خالد السيطرة على ضحكه مرددًا بسخطٍ :
– شكلك كان مسخرة، مستخدمتش نفوذك ليه زي ماقولت!
سقط آسر على ظهره مجددًا، يتأوه قائلاً:
– ما أنا قولتله أنت عارف أنت بتكلم مين أنا آسر الدالي.
حرك خالد الثلج إلى موضع كدمةٍ أخرى وهو يتابع استجوابه:
– أكيد سابك بعد الجملة دي.
نظر إليه آسر نظرة متعبة، ليردف بسخرية قائلاً:
– لا دا أتوصى بالضرب زيادة دا أنا كلت علقة، حتى سيادة الوالد طول حياتي معملهاش معايا ، ولا حتى في مسيرتي التعليمية.
ازدادت ضحكات خالد، ليضع كيس الثلج جانبًا، ثم يأتي بمرهماً ليضعه موضع الكدمات فيخففها ويزيلها.
تمتم خالد بشماتةٍ وهو يضع بعض هذا المرهم:
– تستاهل ، ياريته….
– خالد أنت هنا وأنا بدور عليك! إيه ده مين اللي عمل فيك كدا يازفت؟!
قاطع حديثه دخول عصام الذي تفاجأ بحال أخيه، ليرد آسر على سؤاله بتأوه:
– بعد عنك إلهي ما تشوفها دخلت في هضبة إنما إيه يا واد ياعصام حاجة إيه طول.. بعرض.. بتضاريس السطح كدا آه والله يا عصوص.
انفرغ ثغره لما يسمعه ولما يراه على وجهه الذي اختفت معالمه بفعل الكدمات التي أصابته، يهدر به عصام غيظًا لاستهتاره:
– نزل رجلك يا حيوان واتعدل مش مكسوف من نفسك وأنت مضروب!
مد خالد ذراعه خوفًا من تقدم عصام لآسر فيؤذيه أكثر ، خاصةً و أن حالته الآن لا تسمح بذلك، فيقول مهدئًا:
– خلاص يا عصام حصل خير.
نظر عصام لخالد بغضب ووجه حديثه الصارخ إليه محذرًا:
– أسكت يا خالد… قدامي يا حيلتها وريني مين اللي دشدشك كده.
رد آسر باستياء وألم ، فهو لا يستطيع التحرك:
– بلاش يا عصام ده مش بنى آدم ده دبابة ماشية تدوس على خلق الله.
سحبه عصام نحوه ليسنده على الأرض وقال بحدة:
– ولا أمشي وأنت ساكت.
انسحب عصام مع آسر إلى المكان المنشود، ليلقن “البوص” ذلك الأحمق الذي تجرأ على شقيقه، بالأحرى فردًا من أفراد الدالي وتسبب له بألمٍ بهذا الشكل.
أشار آسر لرجلٍ يبدو كدبابةٍ حربيةٍ ضخمة، تفتك بمن يقترب منها ويمسها بسوء:
– هو اللي هناك ده.
حدثه عصام بنبرةٍ حازمة:
– تعال ورايا.
حرك رأسه بنفيٍ، يردد آسر متصنعًا الحكمة:
– ليه هو أنا غبي عشان أروح للموت برجلي.. روح يا أخويا وأنا وعد مني ليك عشان بس أنت أخويا الكبير أول ما تضبط والرجل يخلص عليك آجي ألم اللي فاضل منك وأوديك المستشفى.
استنشط عصام غضبًا لبلاهة أخيه، دفعه أمامه قائلاً بحدة:
– قدامي يا زفت.
ارتعب آسر من قرره، يردف بفزعٍ:
– حرام عليك يا عصام… أنا قولتك هاتلي حقي… أنا متنازل ياجدع.
شد عصام آسر من قميصه ويتقدم للدبابة من وجهة نظر آسر
تحدث الرجل بعجرفةٍ:
– أنت جيت تاني يا روح أمك تعال ، يا روح ماما تعالي أنتِ جايبة أختك يا بيضة تدفع عنك…
وقبل أن يكمل كلامه كان عصام انقض عليه وأصبح هذا الرجل طريح الأرض.
وضع آسر كفه أمام فمه بوضع الصدمة، ثم هتف بسعادة ممزوجة ببلاهة:
– الله أكبر، الله أكبر الدبابة وقعت يا جدعان.. ومن أول بوكس الله أكبر.
زمجر عصام بصوتٍ غاضب:
– بس يا حيوان فضحتنا إيه رايح تحرر سينا قدامي.
وضع آسر يده على فمه مرددًا بخوفٍ:
– حاضر.
حاول الرجل أن يحرك جسده ، ليركله آسر بقدمه فيعود جثةً على الأرض، يغمغم ساخرًا:
– أوعى تتحرك من مكانك عشان ده كسر في الرقبة يا ضنايا.
سحبه عصام من ياقة قميصه من الخلف، يردف بنفذ صبر:
– يالا يا زفت.
_ثواني بس
قالها آسر وهو يخرج هاتفه من جيبه ليفتح الكاميرا الأمامية ويميل جسده ليظهر هو و “الدبابة البشرية” في الصورة ، يبتسم آسر ويركل الرجل في قدمه قائلًا:
– ابتسم عشان الصورة تطلع حلوة هنزلها على النت… يا سلام أسر الدالي يهزم غوريلا يا حلاوة.
اتسعت عيني عصام بصدمةٍ، فصرخ به قائلًا:
-أنت بتتهبب إيه؟!
ألتقط آسر الصورة وهو يرد بعفوية:
– باخد سلفي بلاش.
مسح عصام على وجهه باختناق من هذا المجنون سوف يسبب له الجلطة بتصرفاته الطائشة، ارتفع صوت عصام مجددًا:
– سلفي هنا قدامي يا آسر ، والله أنيمك جانبه جثة هامدة. وأحطلك الصور معك في القبر. أخفى آسر هاتفه خوفًا يردف وهو يتقدم معه:
– على إيه اتفضل سيادتك.
سارا خلفه، يهمس لنفسه بصوت يكاد يكون مسموع:
– نهار مش فايت دا واقع الرجل من أول ضربة لازم أحذر منه دا خطير جدًا.
***********
داخل شركة الدالي، وبالتحديد في غرفة خالد يجلس وإلى أمامه عادل الذي يلقي أوامر أحمد الدالي إليه:
– خالد الوفد وصل وأحمد بيه بيقول لازم أنت وآسر وعصام تلبسوا نفس اللبس.
أنهى قوله بأن مدّ إلى خالد ثلاثة قمصان بذات اللون وذات التصميم، الذي تناولها خالد منه مدهشًا وسأله:
– ليه يعني؟!
عادل برسميةٍ تامة:
_علمي علمك.
وضع القمصان على الأريكة الموجودة إلى جانب المكتب ، وسمح بانصراف عادل ليحدث نفسه قائلاً:
_ أعرف منين هما فين توم وجيري دول.
غادر مكتبه ليبحث عنهما حتى وجد آسر يمشي كالمغيب، دون وعيٍ لما يحدث حوله.
:_آسر….آسر….
هتف بها خالد دون جواب الآخر فيمسك ذراعه قائلًا:
– آسر.
عاد آسر من شروده فإلتفت إليه كالمفزوع:
– إيـــه فين!
منحه خالد نظرة مستنكرة، يغمغم:
– فين إيه يابني بندهلك من ساعتها.
التفت آسر يمينًا ويسارًا ثم قال بحذر:
– واد يا خالد كويس إنك جيت أنا عايزك في موضوع مهم تعالى مكتبك آمن.
نظر له خالد باستياء ، “مكتبك آمن”، “, موضوع مهم” حتماً أنها مصيبة جديدة، فما كان من خالد أن يتنفس بحنقٍ، يترجم خاطره قولاً:
– مهم وأمان أوعى تكون عملت بلوة تانية.
آسر وهو يسحبه من كفه نحو مكتبه:
– تعالى بس.
**********
في مكتب خالد..
جلس هو وآسر الذي شرع حديثه بصوتٍ خافت:
– اسمع يا خالد أنت أخويا وحبيبي ولازم تفهم.
نظر له خالد بتوجس ، فنبرة صوت الطائش تحمل قدرًا عاليًا من الجدية والحزم:
– في إيه يابني؟!
آسر ينظر يمينه ويساره، وكأنه يخشى ملاقاة أحدٍ ، وخوفًا من أن يسترق أحدٌ السمع فيوصله لل”البوص”.
_أنت عليك حكم يا ابني؟ ما تخلص قلقتني.
قالها خالد بقلقٍ لحالة آسر التي لا تنذر بخيرٍ أبدًا، فيرد عليه الآخر بذات النبرة الخافتة:
-عصام..
تسأل خالد بعدم فهم:
– ماله؟!
أجابه آسر بجدية واضحة:
– مش بني آدم زينا.
اتسع عيني خالد بصدمة لحديثه العقيم سيتسبب بجلطة لأحد أفراد العائلة، فيطبق قول مثلٍ قديم ” خد المجنون لحد باب البيت” ويتابع حديثه مع آسر ، حيث يسأله بصدمة مصطنعة، وصوت علا قليلاً:
– يا رجل إزاي؟!
اجابه آسر وهو يبسط راحته أمامه فمه يحثه على الصمت، ثم تلفت إلى جانبيه مجددًا ليردف:
– زي ما بقولك كدا.
تمالك خالد أعصابه، ليرد بصوتٍ خافت مجددًا:
– ودي اكتشافتها لوحدك ولا حد قالك؟!
أجابه آسر بنبرةٍ يتشحها الفخر:
– لا لوحدي.
تنفس خالد ليريح أعصابه قليلاً ثم سأله مجددًا:
– إزاي؟!
حدثه آسر وقد بدأ يقص لخالد ما حدث معه وعصام عندما ذهبا لرؤية تلك الدبابة البشرية:
– ضرب الرجل ضربة واحدة جابه بالأرض، وأنا واقف منشكح أوي أن عصام هيتربى ، أخيراً هيتضرب، نفسي أشوفه بيتضرب، دخل على الراجل وهو واقف هادي خالص وبحركة واحدة جابه بالأرض، إحنا لازم نهرب يا خالد دا مالوش آمان ممكن يخلص علينا في ثانية فهمت.. دا كان عايز يموتني جنب الجثة.
قطب خالد جابيه بعدم فهم مرددًا:
– إزاي ؟
اكد آسر حديثه بقول:
– آه والله وأنا بخد سلفي المهم نهرب يا صاحبي قبل ما…
نهض سريعًا، يردد بجدية:
– سلام أنا هروح أحضر شنطتي عشان أخلع وكرم أخلاق مني هحجزلك جانبي مكان في الطايرة.
حرك خالد بايجابية، يردد متصنعًا شكره:
– بجد مش عارف أشكرك إزاي يا حبيبي.
عادت نبرة آسر المرحة:
– عادي يا اسطا أنا ماشي سلام عشان ألحق.
خرج آسر من المكتب، ليعود خالد بظهره ليريحه على الأريكة ، يفرك جبينه بكفه، أنفاسه تتسارع، هذه المرة نجح أيضاً في التحكم في أعصابه أمام آسر وغبائه، دخل عصام إليه بعد أن لمح خروج آسر من غرفته ليقول بعد أن جلس :
– خالد، الواد ده كان عندك ليه؟!
لايزال يفرك جبينه، يجيبه بتعبٍ:
– الواد ده اتجنن رسمي يا معلم ولازم نلحقه.
أسند عصام ظهره هو الآخر على الأريكة:
– وإيه الجديد ما هو غبي من يومه.
– لا دا عدّى مرحلة الغباء بكتير ألحقه بسرعة محضر هدومه وهيهرب.
قالها خالد من بين أنفاسه وهو يحاول تنظيمها، ليرد عصام بتعجبٍ:
– هيهرب ليه ومن مين؟!
ابتسم خالد بسخطٍ، يجيبه بتهكم:
– منك بيقول إنك مش بني آدم زينا.
زفر عصام بحنق بالغ:
– هي حالته ساءت أوي كدا؟!
حرك رأسه بايجابية يجيبه بجدية:
– لازم نعالجه الوفد جاي النهاردة ولازم نكون في استقباله النهاردة.
دخل عصام وخالد إلى مكتب آسر، فوجداه يفتح الخزنة المالية، ويدس في جيوبه المال ، زفر عصام غاضبًا يردد بحدة:
– أنت رايح فين يا غبي أنت؟!
اجابه آسر متلعثمًا:
– أبداً، دا أنا، آه بيقولوا في حرامية فـ بأمن على الفلوس يعني.
رفع عصام حاجبه باستنكار، ثم ردد بسخطٍ:
– حرامية هنا في الشركة!
ازداد توتر آسر، لتظهر حبات العرق على جبينه:
– هم اللي بيقولوا مش أنا.
كظم عصام غيظه، يردف من بين أسنانه:
– قدامي يا آسر الله يهديك.
صرخ آسر بخوفٍ:
– عايز تعمل فيا إيه يا عصام؟!
سحبه عصام دون جواب من ياقة قميصه الخلفية مرددًا:
– قدامي يا آسر حفاظًا على سلامتنا احنا الاتنين.
لمح آسر خالد ليظهر له ما حدث فيقول بنبرةٍ آسفة:
– أهلًا ياخالد لحقت توصل الأخبار إني ههرب، كنت بسمع إن الخيانة بتيجي من أقرب الناس لينا بس متوقعتش إنه تكون أنت، أنت يا….
قاطعه عصام بصوتٍ مخيف:
– أسمع يا أسر النهاردة الوفد الألماني هييجي أي غلطة هتحصل هعلقك مكان النجف اللي فوق دا سمعت!
حرك رأسه بايجابية مرددًا:
-حاضر.
ضحك خالد قائلاً:
– يالا نلبس الزي الموحد.
نظر آسر بدهشة، مرددًا بسخطٍ:
-ليه طالعين رحلة؟!
وجه عصام ضربةً إليه عند مؤخرة رأسه “قفاه” قائلاً:
– انجز.
أردف آسر بتحذير:
– ابعد إيدك أنت وهو أنا اللي اختار الأول وأنتم ابقوا خدوا اللي يفيض.
ضحك خالد بسخرية، يردد:
– تختار إيه يا غبي بقولك زي موحد.
نظر عصام محو خالد، يردف بحزم:
– خلاص يا خالد خد يا آسر اللي أنت عايزه.
انطقى آسر إحدى الملابس يردد ببلاهة:
– هاخد ده.
تناول الآخرين ما بقي أمامهما ودلف كلٌّ منهم ليبدل ثيابه، وبعد دقائق ظهر ثلاثتهم ، كلٌ بأناقته عدا آسر الذي بدا وكأنه غارقاً في ثيابه، يكتم خالد ضحكته ، ولكن لم يستطع كتم إطرائه الذي رافقه بغمزة قائلاً:
– شكلك مسخرة أوي يا آسر.
حدثه آسر بغيظٍ:
-اتمسخر يا اخويا اتمسخر ما أبو حميد جايب مقاستكم وناسي أن في غلابة وسطكم.
قال ذلك مشيرًا إلى عضلاتهما الضخمة، والبذلات الثلاث تحمل مقاسهما، في حين تبدو كبيرة جدًا لآسر.
************
وفي صالة الاجتماعات تجلس “مايا اورورا” ابنة صاحب أكبر سلاسل مصانع أورورا للاستيراد والتصدير فهي المالكة الوحيدة لكل تلك المملكة، مما يزيدها غرورًا وتكبر أمام الجميع ، تجلس مع والدها يتناقشان مع أحمد الدالي ومحمد أخيه في مشروع العمل الجديد الذي ينشأ بين الشركتين.
قال جون اورورا ببسمة طفيفة:
– لقد سعدتً بالعمل معك سيد أحمد.
اجابه أحمد بنبرة مماثلة:
– وأنا أيضاً شرفٌ كبيرٌ لي أن يكون هناك عملٌ وتعاونٌ مشترك مع حضرتكَ.
ردد جون بابتسامةٍ عملية:
-أحب أن أعرفك بـ ابنتي الوحيدة مايا.
أومأ برأسه مُرحِباً بها :
-أنرتِ مقرنا ابنتي ، أهلاً بكِ ،تشرفتُ بمعرفتكِ.
اجابته مايا بعنجهية تعدي إحدى خصلات شعرها المتمردة عن وجهها :
– الشرف لي سيد أحمد.
باشر أحمد بتعريف الحضور على السيد جون وابنته قائلاً:
– هذا خالد ابن أخي ومدير إدارة شركات الدالي للاستيراد والتصدير ، وهذا آسر ابني الأصغر.
حرك جون رأسه مبتسمًا يردد بهدوءٍ:
– تشرفت بمعرفتكما… أهذا الذي يزلزل ويرعب الرجال ، من يطلقون عليه “البوص”.؟
اتسعت أحمد ابتسامته، يحرك رأسه بنفيٍ، مرددًا بتوضيح :
– لا، البوص هو ابني الأكبر عصام هو في الخارج يجري مكالمة وسينضم إلينا.
قطع كلامهما دخول عصام بأناقته المعهودة ، أشار أحمد بكل فخر نحو عصام مرددًا:
– ها هو “البوص” .
نهض عن مكانه ويقترب منه ليصافحه قائلًا بعمليةٍ:
– تشرفت بمعرفتك سيد عصام لقد سمعتُ عنك كثيرًا.
لاحظ آسر نظرات مايا تتفرس عصام وتمشط عينيها عليه بنظراتها شديدة الجرأة، فهمس بأذن خالد:
– خالد، البت هتاكل عصام بعينيها.
نظر لها خالد نظرة اشمئزاز فقد كانت تنظر لعصام بجرأةٍ واضحة حتى أن الجميع لاحظ ذلك، عقد الاجتماع، وانتهى بوعد تفكير بالرد بأقرب وقتٍ ممكن ، وعاد الجميع إلى القصر.
***************
اجتمع أفراد إمبراطورية الدالي كعادتهم حول المائدة الكبيرة، والتي يترأسها “أحمد الدالي” وإلى يمينه أخوه محمد، ويساره، تجلس هي زوجته التي احتفظت بجمالها رغم تقدم سنها “أمال” ويتتابع بعد ذلك أفراد العائلة في جوٍّ بهيج.
تناول أحمد لقمةً من طبقه، ثم أردف بعد أن ابتلعها بسعادةٍ:
_ أنا سعيد جدًا أن ندى قررت تستقر هنا أخيرًا.
وجد صدى سعادته في عيني والدتها “سهير” التي هزت رأسها مؤكدةً لما قاله، لتهتف مؤكدة:
_ أيوا يا أحمد ، دا أنا قلبي كان بتقطع عليها، مش عارفة قضت عليها سنين الغربة في وحدتها إزاي ؟
غمزت “سها” بعينها لياسمين التي تجلس قبالتها تردف بمرحٍ:
_ إحنا رجعنا الثلاثي المرح تاني.
ظهرت بسمة العذبة على وجه ياسمين، فتبدو كشمسٍ مشرقة في جوٍّ ربيعيٍّ صافي، تعلق بسعادة:
_ الرباعي …أنتِ نسيتي آسر ولا إيه؟
_آسر راجل.
قالتها سها لياسمين التي اتسعت ابتسامتها فهي على درايةٍ تامة لشجارتهما الدائمة، وبسبب معاملة سها بحدةٍ معه، توجه بصرها لوالدها وعمها، تلقي بطلبلها على مسمعهما:
_ بابا.. عمو بنفع نخرج بكره أنا و ندى نتفسح.
نظرت ندى لأخيها الذي يجلس إلى جانبها وملعقة تدور في الطبق دون أن يتناول شيئًا، يبدو شاردًا، يسبح في أفكاره ، ليعود إلى واقعه بعد لكزة ندى إليه بسنِّ الشوكة، تلك الحركة التي لطالما أثارت غيظه في طفولته، نظى إليها بغيظٍ لتكمل ما قالته لحظة شروده:
_يعني تصرّ عليا أنزل ، وتوعدني في خروجات وفسح وفي الآخر شكلك كده؟ إيه يا دوك سحبنا منك الأضواء برجعتنا ولا عايش دور المضطهد المنبوذ في العيلة دي؟
ابتسم بوهنٍ ، دون فهم مقصدها ولكن جملتها الأولى تظهر أنها تريد أن تخرج معه في نزهة ، فيسمع صوت عمه كحبل نجاة حتى لا يُسأل عما به:
_ خلاص يا ولاد بكرة هنخرج كلنا في فيلا المزرعة نقضي كم يوم هناك.
غمرت السعادة وجوه الجميع ، قد جاءت هذه العطلة في وقتها ليريح الجميع صخب روحه وضجيج عقله، غمز آسر والدته قائلاً في محاولة قلبها على والد:
_ شوفتي يا آمال أبو حميد هيفسحنا في المزرعة عشان خاطر ندى وأنتِ كنت هتموتي وتروحي وهو يقولك مش فاضين، شايفة بيفرق بينك إزاي؟ شكلك بقا وحش أووي يا أمولة، البت ندى واخدة الأضواء من الكل مش بس من خالد.
مصمصت والدته شفتيها، ثم ردد برودٍ تحبط خطة آسر:
_ وإيه يعني دي ندوش دي بنتي حبيبتي ، معزتها من معزة ياسو.
ضحكت الفتيات على محاولته التي باءت بالفشل، فتهتف سها بسخريةٍ شامتة:
_ هدف جديد ولكن في مرمى آسر، شكلك بقى وحش وأنت بتفشل توقع بين طنط وعمو.
ابتسم أحمد لما يدور حوله من مناقشات و مشاغبات بالحديث بينهم ، فيميل بنظره للصامت الذي يركز في طعامه فقط ، آلام قلبه لفقدان ابنه للروح، “عصام” أكثر فردٍ في العائلة يحتاج للترويح عن نفسه، ليفصل نفسه عن ضغط العمل، ويفصل عقله عن التفكير بمعشوقته الفقيدة “لميس”، ولكن ما الذي سيفصل قلبه عنها ، فالقلب ما له من سلطان، خرج اسمه من بين شفتي والده فيرفع رأسه بانتباه يصغي لما يطلبه منه:
_ عصام ظبط أمور الشركة اليوم عشان تقعد معنا يومين تلاتة في بيت المزرعة وكمان عشان ندى تشوف الدنيا.
أومأ برأسه موافقاً لأمر والده ، يجيبه بهدوءٍ:
_ حاضر يا بابا.
اعتلت السعادة محيا الجميع ، وخاصةً ندى التي نهضت من مكانها راكضةً نحو عمها مطوقة رقبته بذراعيها من الخلف، وتطبع قبلةً على إحدى وجنتيه ،وتشكره بسعادة:
_حبيبي يا عمو ربنا يخليك ليا يارب.
انفرج شفتاه بابتسامةٍ ، ليُربت على كفها قائلاً:
_ ويخليكم ويحميكم ليا ، مين ليا غيركم أفضي وقتي عشانه.
ضيق آسر عينيه مصوبًا إياها إلى والده وندى ، ويهتف بحزنٍ مزيف:
_ أخص عليك يا أبو حميد يا وحش كدا أسوره حبيبك يتحايل عليك عشان نص يوم إجازة وتيجي البت دي تأثر عليك.
ضحك من حوله، لتظهر ندى طرف لسانها بسخرية منه، تردف بتشفي:
_ أنت رزل أووي يا آسر.
حمل آسر تفاحةً من طبق الفاكهة الكبير وسط الطاولة، يريد أن يصوبها نحو ندى التي أخفت رأسها خلف عمها، مرددًا بغيظٍ:
_ لمي نفسك يابت بدل…
_ بتهدد مين يالا؟!
زمجر بها خالد يتطلع نحو أسر بحدة، اعاد آسر التفاحة موضعها يجيبه متلعثمًا:
_ إيه يا خالود بهزر.
_لا متهزرش.
هتف بها بصرامةٍ، ليعود الضحك يسيطر على وجوههم، ويبدأون بمناقشة الأمور وإعداد لائحة للفتيات بتجهيز ما يلزم لمرافقتهن في الطريق إلى المزرعة ، غافلين عن الجسد ذو الروح الشارد، يتذكرها في أحد الأيام في بيت المزرعة.
******
في إحدى الغرف في بيت المزرعة، والتي يبدو أنها غرفة لإحدى الفتيات من طلائها الوردي الهادئ ، كانت “لميس” تتوسط الفراش بشعرها المموج ، وتحتضن وسادتها بين يديها، عقلها شارد بمن لبى نداء قلبها العاشق، فولج بخطواتٍ هادئة ليجلس على ركبيته أمام الهيئة الملائكية التي أمامه، أصابعه تتخلل خصلات شعرها ، وصوته الحنون يتسرب إليها عبر أحلامها :
_إحنا جينا نغير جو ولا ننام؟
تململت في فراشها ،وعادت للغط في سباتٍ لكنها أفاقت عندما نهض ليجلس على طرف السرير ، فجذبها لتنهض على ساقيها، فتحت عينيها بانزعاجٍ، لتجد كلماته الباسمة تخبرها:
_ صباح الخير يا روح قلبي، إيه كل ده نوم ، هتجوز غيبوبة؟
ضحكتها الخافتة المشبعة بآثار نومها ، خطفت قلبه مجدداً ، ليعلنها حبيبة قلبه للمرة التي لا يدري عددها ، اعتدلت في وقفتها، وشبكت أصابعها بأصابعه وهي تردد:
_ حاجة زي كدا، عارف هتعمل إيه النهاردة؟!
ضيق عينيه في محاولةٍ صادقة ليتذكر ما عليه فعله:
_ إيه؟!
شهيق دراميٌّ يصدح منها، فترد بنبرة ساخطة:
_ أخص عليك يا عصام أنا زعلانة ، معقول نسيت؟!
نظر إليها ولحزنها الذي لاح على قسمات وجهها وقال مستفهمًا:
_ بجد مش عارف أنتِ بتتكلمي على إيه؟!
دفعته بقبضتها وهمت بالرحيل ، وهي تردد باستياءٍ:
_ ماشي يا سيادة المقدم أروح أنام أحسن ما حزني يبتلعك وأنت واقف!!
طوقها بقوة وسحبها نحوه ،فنظرت لسماء عينيه الصافية، سماء لها وحدها تحلّق فيها كطير حر ، لا قيود ولا حدود ، تسمع صوته الهامس ، وأنفاس وجه الحارة تلفح وجهها:
_ مش لما أفهم انا زعلتك في أيه!
ابتعدت عنه ونظرات الصدمة تكتسح وجهها الممزوج بحمرة خجل،فمطت شفتيها باستياء طفولي قائلة:
_ أنت وعدتني هتعلمني السباحة.
لاح وعده أمامه ، فضرب جبينه بكفه آسفًا:
_ أوبس نسيت.
دفعته بعيدًا عنها وبنفس نبرتها الحزينة قالت:
_ أوعى أنت عمرك ما وفيت بوعدك ليا.
اتسعت عيناه بدهشة لوصفه هكذا ، فما كان منه إلا أن نهض خلفها يحملها بين ذراعيه ، شهقت بصدمة ، وتطلعت بحيرة لعينيه المتوعدتين فقال:
_ انتي شايفاني كده ، أوكي أنا هوريكي هعمل فيكي إيه.
تتوالى قبضاتها الرقيقة على صدره وهي تهتف بصراخ رقيق :
_ نزلني متزعلنيش منك أكتر من كده!
ضحك بمكر وهو يهز رأسه نافيًا ، ليزداد تدافع قبضاتها على صدره ، وهتافها:
_ نزلني بقولك ، نزلني.
تحرك بها تجاه المسبح خارج البيت، وهو لا يبالي لهتافها ولكماتها ، لاحظت توقفه فجأة، فنظرت إليه بتوجس ، ومكره يلوح في عينيه علنًا، فسألها بصوتٍ ماكر فحيح:
_تحبي أنزلك؟!
مطت شفتيها بحزن ، وهزت رأسها بحزن قائلة:
_ أيوا نزلني؟
ضحك بصوته كله ، فتفحصت المكان من حولها، لتتفاجئ بوجودها جوار مسبح السباحة ، وفجأة التقى جسدها بالمياه بعد ان قذفها داخله،وما أن لحق بها حتى طوقت رقبته بذراعيها متشبثةً به ، وعينيها تنظر من حولها بصدمة يتبعها سعادة ، فتصدح ضحكاتها، وترفقها ضحكاته .
_أنا بحبك على فكرة.
قالتلها بنبرتها العاشقة ، فففلت يده عنها، لتبقى فقط متمسكة برقبته ، ويزيح خصلات شعرها التي التصقت بجانب وجهها بفعل المياه.
_أنا عمري ما أسيبك زعلانة مني ، أنتي حبيبتي ومراتي وكل ما أملك .
همسه اليها زداد تشبثها به، حبًا ، أمانًا، وفجأة أشارت له بقلق:
_انا غيرت رأيي مش عايزة أتعلم ، خلاص عايزة أطلع ، حاسة اني هغرق.
_ متبقيش جبانة دا أنتِ هتبقي حرم المقدم عصام الدالي يعني لازم تكوني شجاعة.
رد عليها بثقة وهو يبدد خوفها بأمان كلماته التي بثت في قلبها شجاعة بقربه ، تطمئن به ،عاد خوفها ليسيطر عليها فقالت بخوف وتشبثها يزداد به:
_ أنا جبانة طلعني أنا خايفة.
أحاط خصرها بذراعيه يقربها منه، ويطمئنها بثقة:
_سيبي نفسك للمياه وهي هترفعك.
فعلت ما طلبه منها لتطفو بعدها على سطح الماء معه يحركان قدميهما بتناغم ، فساعدها على الحركة، وبعد ساعات قليلة ، خرج من الماء لتبقى هي على حافة المسبح لتشير اليه بالعودة اليها، فتساءل بدهشة:
_أيه؟
حركت رأسها بتعالي:
_شيلني.
ضيق عصام عينيه بمكر وقال بنبرته الخبيثة:
_ أنتِ خدتي عليا بقا!
حركت رأسها موافقة لكلامه وقالت مقلّدة جملةً شهيرة:
_ شيل يا طويل العمر شيل.
ارتفعت ضحكاتهما، فانحنى بجسده وحملها بين ذراعيه مجدداً ، فمالت على رقبته وهي تهمس:
_بحبك.
**********
:_عصام ،عصام أنت يابني روحت فين؟!
هتف بها والده ينتشله من شروده، فتسقط ملعقته في الطبق ويرد بوهنٍ:
_ نعم يا بابا.
لاحظ أحمد حالته، وعلم أن طيفها يلوح بذكرياته أمامه، منحه نظرة مطولة، ثم قال أحمد بهدوءٍ ينهض نحو المكتب:
_ تعالى جوه في المكتب عايز أنقاشك في شوية حاجات في الشغل أنت وخالد.
حرّك رأسه موافقًا، ثم أشار لفنجان القهوة أمامه قائلًا:
_ حاضر هشرب القهوة وأجي.
همهم أحمد موافقًا، وانسحب نحو مكتبه ليعود الجميع إلى مشاجراتهم الكلامية، تفزع سها عندما وجدت نفسها تقذف بنواة زيتون ، فتنظر لآسر بصدمة، تردد بذهولٍ:
_ إيه يا آسر ، مش هتبطل حركاتك التافهة دي.
تمتم أسر بغيظٍ منها:
_ هما شهرين بالكتير وبعد كده مش هتقدري تفوتي باب القصر من كتر الأكل اللي أنتِ بتاكليه ده، بقيت أخاف منك يا بت لحسن أصحى بعد الزواج ألاقي نفسي ناقص إيد ولا رجل.
نظر عصام إليه بحزم، متمتمًا بحدة:
_ بس يا آسر.
تراقص حاجبي سها لنصرة عصام لها، فتقول مستهينةً به:
_شايف أخوك العسل ده مش عارفة مطلعتش زيه ليه؟
تبادل نظرات الاشمئزاز بينها وبين عصام ، ليرد عليها بكل ثقة:
_ ده هو اللي يتمنى يبقى زييّ.
كظم خالد ضحكته بكفه وهو يتذكر اصابة آسر قبل يومين عندما تعرض للضرب من قبل “بودي جارد” ، ليسكته بكفه الآخر:
_ بس يا آسر يا حبيبي، كلنا عارفين أنت مين؟
اردف عصام بسخرية تغمسها جدية ملامحه:
_ سيبه يا خالد كمل يا أستاذ آسر
توجهت ندى بنظراتها لعصام، فتجذب انتباهه بسؤال:
_ عصام هو أنت هتيجي معانا بكرة؟!
نظر إليها وللمروج الخضراء في عينيها ثم أغمض عينيه يجيب بهدوءٍ:
_ هاجي بعدكم لما أخلص شوية حاجات في الشركة.
نهضت ياسمين عن المائدة بعد حمدت ربها ومسحت فمها بالمنديل المخصص، تودعهم بتحية المساء التي ردها الجميع لها عدا صاحب عيون الزيتون فلايزال غاضبًا منها ولما فعلتها. وبعد مغادرتها بدقائق نهض عصام عن السفرة ويصطحب خالد قائلاً:
_ تعالى يا خالد نشوف بابا.
وانسحبا عن المائدة نحو المكتب الخاص بوالده ، تتابع انسحابهم واحدًا تلو الآخر ، ليذهبوا في نومٍ عميق .
بعد ساعة استيقظ آسر من نومه عطِشًا، نظر إلى دورق الماء الزجاجي إلى جانب رأسه على الكومود ليجده فارغًا، نهض بعينيه الناعستين وشبه مستيقظتين تجاه المطبخ ليشرب من الثلاجة. وما إن تناول الكوب بين يديه يرتشف الماء، حتى لاحظ خيالًا يظهر من نافذة المطبخ المطلة على الحديقة.
_ سلام قولًا من رب رحيم يامـــــا.
علا صراخه بعد محاولاتٍ شديدة في الثبات ولكنه فشل، يراه يتقدم منه ببطءٍ:
_عفريت الحقوني، عفريت الحقوني.
ركض بسرعة البرق تجاه غرفة المعيشة، ليسقط بعدها مغشيًا عليه، تجمع جميع أفراد العائلة حوله بعد سماع هشيم الزجاج وصراخه المتتابع، يقف أحمد إلى جانبه يربت على وجهه ليوقظه من غشيته، تتابع نداؤه دون أي رد، لاحظ خالد تقدم عصام نحوه يحمل دورق الماء قائلاً:
_ لو سمحت يا بابا ابعد كده
يبتعد أحمد ليرش عصام الماء على وجه آسر الذي استيقظ مفزوعًا يتابع الصراخ بآخر ما تفوه به قبل أن يغشى عليه:
_ عفريت الحقوني.
قبض أحمد على كتفه ليُهدئ من روعه قائلاً:
_ أهدى يا ابني وقولنا في ايه؟!
شرع آسر بقص ما حدث معه قبل قليل:
_ أنا نازل أشرب لقيت عفريتة شعرها نازل على عينها وبتقربلي وكأنها عايزة تخنقوني شكلها بشع.
صمت الجميع برهةً ، لينظروا لتلك التي تفرك يديها ببعضهما البعض ووجهها قد سحب لون الدم منه، فما كان منها إلا أن ترد بتلعثم:
_ سلامتك يا حبيبي دي أنا كنت قايمة من النوم جعانة.
ساد الصمت بينهم لينهض آسر وهو ينظر لأبيه مترجيًا إياه:
_ بابا أنا مش عايز أتجوز كتر خيركم يا جماعة أنا خلاص مبسوط كده، لو سمحتِ طلقيني… أقصد خدي دبلتك وابعدي عني.
اقترب سها منه وقد خافت من صدق قوله ، لتقول مدافعة عن حبها له:
_ لا يا آسر مش هسبيك.
نظر إليها برعبٍ، ثم ينظر لوالده يتوسل إليه:
_ لا سيبني أنا اللي بقولك أهو، يا بابا حرام عليك أنت عايز ترميني الرمية السودة دي..أنا مش هتجوز على جثتي.
ظهر اليأس جليًا على ملامح أحمد ، فقال بيأسٍ يعتريه غضب:
_روح يا زفت نام دلوقتي ونتكلم بعدين يالا يا بنات كل واحدة على أوضتها.
انسحبت الفتيات إلى غرفهن ليبقى أحمد مع الشباب، يناظره آسر وعيناه يملؤها التوسل:
_ يا بابا أنا بعد اللي حصلي دا معتش أصلح للجواز خالص ده أنا لو فكيت سوستة الفستان يبقى فضل وعدل من ربنا.
ظهرت ضحكة خالد وسط هذا الجو الجاد، فصدع صوت عام الحازم:
_أسر روح اتخمد بدل ما أخمدك بطريقتي فاهم؟!
رمقه بنظرة متحسرة، ثم قال بقهرٍ:
_ خلاص ياخويا حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم يالا يا خالد عشان هنام جنبك يا حبيبي.
انفعل خالد فجأة لما سمعه من آسر:
_ حيلك حيلك ، لا يا حلو نام جنب أخوك.
نظر آسر لعصام الذي بدا كجلادٍ سيقضي عليه إناقترب منه، لينتهي به الحال، في غرفة والديه يقف أمام الباب ليطرده والده من الباب قائلاً:
_ أمشي يا زفت من هنا…
قاطعه آمال بنبرتها الحنونة وعاطفة أمومتها تغلب عليها قائلة:
_ سبيه يا أحمد الولد اتخض جامد وخايف.
دخل آسر الغرفة بعد سماح والدته بذلك ليندس إلى جانبها، يحتضنها كطفلٍ صغير، وهو يهتف بمرح:
_ جدعة يا أمولة، أبو لهب معندوش دم هو وابنه.
نظر إليه والده بغيظ، ليضربه على قدمه بكفه قائلاً:
_أقوم يالا على أوضتك.
تشبث آسر بذراع أمه بقوة، يردد بسعادةٍ تشع في عينيه:
_ لاء أنا مبسوط كدا وأمولة مبسوطة صح يا أمولة ؟!
طبعت قبلةً على جبين ولدها المدلل وتؤكد قوله بقولها:
_صح يا قلب أمولة.
زفر أحمد بحنق لما يفعله هذا الطائش فرفع يديه موضع دعاء مناجيًا ربه:
_ يارب ارحمني من الولد ده هيموتني ناقص عمر.
نظر إليه آسر بثقةٍ، ثم تمتم ببرودٍ يمزجه بلاهة:
_ مش عاجبك طلقني..
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أباطرة الغرام)