روايات

رواية آصرة العزايزة الفصل الرابع عشر 14 بقلم نهال مصطفى

رواية آصرة العزايزة الفصل الرابع عشر 14 بقلم نهال مصطفى

رواية آصرة العزايزة الجزء الرابع عشر

رواية آصرة العزايزة البارت الرابع عشر

آصرة العزايزة
آصرة العزايزة

رواية آصرة العزايزة الحلقة الرابعة عشر

وصف أحدهم ذات مرة شعور الهزيمة قائلًا :
‏الوضع أشبه بأن أستعين بصبري فأجده قد نفذ فأستعين بعاطفتي فأرى فؤادي فارغًا وألتفت حولي فأرى العدم يتلبّس كل الأشياء التي كانت هُنا..!
-أنا وقلبي الحزين صرنا نراقب العالم من وراء نافذة غرفتي لإننا فقدنا قدرتنا على مخالطة البشر ..
#نهال_مصطفى
•••••••••••
كُل قصص الحُب التي اندلعت نيرانها بالأفق ابتدت بمجرد لعبة ظريفة ، الإفراط بالنظر ، الغرق في التفكيـر ، حلم عابر ولكنه استوطن بصدرك ، كلمة قيلت دون أن تنتوي حُبًا ولكن القلب تعلق بها كقشاية نجاة له من هذه الغرق .. لعبة عبثية جمعت اثنين وورطتتهم ببعضهما البعض !!
راقت لها العبث بقوانين اللعبة وقالت بجزل طفولي مبطن بالتحدي:
-مادام أنتَ شايف كده ، أيه رأيك نجرب !!!!!
لم تتلقى ردًا على طلبها إلا صمتًا يميزه ابتسامة خفية لا تُرى ولكنها تُحس ، ترجمها عقلها على أنها قبول لعرضها وقالت بشغف لا ينتهي :
-يبقى نجرب أظن مفيش مستحيل أكتر من حالتنا ، بس مش هنطوف زي ما هما كانوا بيعملوا عشان حرام طبعًا .. بس هنعمـل حاجة تانـية تحقق الأسطورة !!!!
انكمش حاجبيه وضاقت حِدقة أعينه وبرزانـه ما بين رفض علقـه و حماس قلبـه الذي اعتاد النمطيـة والحكمـة ؛ قال :
-كيـف يعني!!
أشرقت الشمس من ثغرهـا المبتسـم إثر قبوله لقواعد اللعبة التي لا تدرك لماذا يشغلها أمر اثبات أسطورة كهذه لعقله المتحجر ، لِمَ كل هذه الفرحة التي تلبست بها فجأة !! نزعت خاتم أصبعهـا الرقيق من البلاتين ، ونظرت ليسـاره التي تحوي على خاتم فضي ذو حجر كريم باللون الأسود وقالت مستأذنـة :
-هيضايقك لو خدته !!
يبدو أنه اعتاد على التخلي عن أشياءه الخاصـة ، نزعه بسهولة من يده وقال :
-عادي عندي غيرو كتير …
توقفت ليلة على ضفـة استغناءه المغلفة بالاعتيادية ، كمن اعتاد التخلي دومًا وسألته :
-شكلك مش من الأشخاص اللي بتتعلق بالأشياء .. عكسي خالص .
رد بحكمتـه التي استمدها من تخليـه الدائم في سبيل الآخرين :
-مِش صح ، لو علقنـا قلوبنا بكُل حاچة في نهايـة الطريق هتلاقي قلبك خالي ، لان مفيش شيء مكتوبـله الأبديـة كله راحل وبالتالي هترحل معاه قُلوبنا اللي اتعلقت فيه ..
سبحت عينيها الحائرة في موج خيباته التي لا يطلع عليها أحد وقالت بتخابث كي تنبش بدواخله :
-واضح إنك خسرت حاجات كتيـرة في حياتك وصلتك للمرحلة دي !!
خفق قلبـه مشتهيًا فتح صفحاته أمامها ولكن شموخـه ، استهانته بالوجع الذي أكل قلبه دون أن يعترف بذلك ، تجبره على كل الفضفضة ولكنّه لم يعد من شكاة الأطلال الذين يمجدون حزنهـم دائما .. شخص مثله درب علقه أن يكون أقوى من كل العواطف التي تحيط بهِ كي لا يسخر نفسـه التي تجبره أن يكون قويـًا طول الوقت .. تحمحم بهدوء :
-هاه هتصوري !!
نظرت له بـ شرود وهي تحاول قراءة حزن تلك الأعين التي تُكابر في إخفائه وقالت بلطف :
-الخاتم !!
مد لها الخاتـم ذو الحجر الأسود .. أخذت منه الخاتم وظلت تعبث به في كل أصابعها لتُقارنه بحجم يدها الطفولية وقالت بمزاحِ :
-أيدك كبيرة أوي ..
ثم وضعت براحة يدها خاتمها وخاتمـه وشدت خيطًا من شالها الصوف المرمي على كتفها وشرعت في ربط الخواتم ببعضهما تحت نظراته الساخطة على فعلها والذي لا يبادلها إلا ابتسامات السخرية متجاهلًا صدح عقله الذي يدق ناقوسه برأسه ؛ ما هذا العبث الذي تفعله يا رجل !! وإلى أي مرسى تود أن تذهب !!
انتهت ليلة من عَقد الخواتم ببعضهما ثم رفعت جفونها إلى لتردف مبررة له بمرح عندما لاحظت شروده :
-أنت مستغرب ليه !! إحنا بنجرب وبنلعب بس ..آكيد أنا وأنتَ مش هنتجوز بجد يعني والكلام ده .. دي چيم .
حك ذقنـه وبتلك النظرات الثابتة التي تُمطر عليها من مُقلتيـه رد بثغره الباسم :
-زين إنك عارفة …
-هااه !!
ثم أخذت نفسًا مسموعًا وقالت :
-المفروض إني هروح اقدم الخواتم دي لـ ساكمت .
-وهيعمل بيها أيه !!
-أول ما تمر عليـه ليلة قمريـة الخواتم هتتختفي ..
رفع حاجبه الكثيف بهزء :
-يعني مش هتتنشل لا دي هتختفي .. !!
-ممكن ما تتريقش ، عشان ساكمت لو حس إنك بتتريق هـ….
قاطعها بمزاح وهو يدنو منها خطوة سُلحفية :
-هيسخطني قِرد !!!
ضربت رائحة عِطره بسقف رأسها وكان صدى الأثر بقلبهـا الذي أخفق بتوجس وهي تقول بعتب:
-أهو لسه بتتريق أهو !! عمومًا براحتـك .. خليك فاكر أنا حذرتك .
ثم ركضت من أمامه بعجـل لتكمل طقوس لعبتها التي تعتبرونها حُجة لقلوبهم التي تعلقت وتعانقت ببعضها البعض منذ اللقاء الأول ولكنها هذه ألاعيب القلب … فرغت ليلة من سرد أساطيرها ثم وعادت إليه وشغلت كاميرتها وثبتتها بمكان مـا على السور الحجري وطلبت منه :
-كُل اللي هتعمله تدوس هنا وقت ما أخلص !!
جلس على السور بجوار الكاميرا وهما الاثنان يرقبونها بأعينهم القوية ، أعين تسجل التفاصيل بالكارت المدمج وأعين أخرى تحفر تفاصيلها بين خلايـا عقلـه .. أشعل سيجارته وشرعت هي في استراد شخصيتها وروحها أمام الكاميرا .. شد نفس من سيجارته ثم أوقف التسجيل وقال بنصح :
-خلى راسك مرفوعة ..
تحمحمت عاملة بنصيحته وهي ترفع رأسها وسألته :
-كده تمام !!
أومئ بخفوت وهو يعيد تشغيل الكاميرا ، ما شرعت في قول جملة أولية عن المعبد ، فأوقف التجسيل قائلًا بنصح إثر بروز عروق رقبتها :
-أرخي كتافك عشان محدش يحس إنك متوترة ..
أخذت نفسًا عميقا بجفون مُغلقة وتقبلت نصيحته على الرحب والسعة ومع ابتسامة طفيفة :
-أنا أصلًا مش متوتـرة ..
رد بهدوء وهو يضغط على الزر :
-أنا عارف بقول لك أيه .. يلا كملي ..
عادت لمواصلة حديثها ولم يمر عشرون ثانية حتى عاد لإيقاف التسجيل مرة أخرى :
-بلاش تلمسي وشك وشعرك كل شوية ، هتشتتي انتباه اللي عـيتفرچ..
اتسعت إبتسامتها لاهتمامه بأصغر التفاصيل كي تخرج صورتها في أكمل وجـه ؛ سألته :
-في أي ملاحظات تانية عشان كل ما تفصلني بنسي كنت هقول أيه !!
مسك الكاميـرا وحذف تلك المحاولات الأوليـة ثم غرس أعين بتلك الشاشة الصغيرة التي تعكس صورتها باهتمام مفضلًا أن يقوم هو بتصويرها بدلًا من وضع الكاميرا ثابتًا ، شاور بكفه كي تبدأ من جديد قائلًا برزانة وثبات :
-من أول وچديد يلا .
•••••••••••
” وشبكنـا بدبلتـه وقرينـا فاتحتـه ،وعرفنا نيتـه ”
كانت زينة تغرد كالبومة في جميع أرجاء فوق رؤوس الجميع وبالأخص ” نغم ” الجالسـة بأحد أركان المنزل إثر إلحاح زوجة خالها تُشاهد التلفاز كي تخرج من حالة الحزن التي تعيشها مع جدران غرفتها .. ولكن ذلك لم يشتت حزنها عن تلك الورطة التي تورطتها ، جلست زينة بجوار أمها وهي تحكي لها بصوت مرتفع :
-تعرفي ياما طول الليل انا وهارون نتحددوا .. طلع كلامو حلو قوي ياما .. ورسايل كلها حُب ..
ثم اقتربت من أمها أكثر بشغف مضاعف :
-تعرفي طلع عيقول كلام من اللي عيدوخ ياما سمعته من إهنه واتقلبت نمت مدرتش بروحي .. الحب طلع حِلو قوي ياما ..
لم تمهل أمها الفرصة للحديث بل قاطعتها وهي تلوح بذراعيها اللاتي يكسوهن الأساور الذهبية :
-وقالي هخلص كل مصالحـي واچيلك چري نتعشوا سوا يا زينـة .. چاي عشاني ياما ..
خناجر حادة كانت تُطعن بقلب” نغم “حتى تذكرت سرد تفاصيل ليلة أمس وهي تتوسل لخالها أن يرفض زواجها من هاشم :
#فلاش_باك ..
-ياخالي وغلاوة أمي عِندك أنا مش رايدة هاشم ولا عاوزة اتچوز من أصلـو ؛ كلم الحچ خليفة وقوله البت مش موافقة .
كانت الدموع تسيل من مُقلتيها وصوتها يرتجف من شدة الحزن والضعف الذي تعاني منه ، فهي لا تمتلك شخصًا واحدًا من أهلها يساندها ، لا أب ولا أم ولا أخ يحمل معها قفة الحيـاة الثقيلة .. انفجر خالها بامتعاض:
-وه وه وه .. !! أنتِ عاوزانا نكسروا كلمة خليفة العزايزي دي تطير فيها رقاب.. وبعدين ماله هاشم ديه بنات النجع كلمهم يتمنوه .
أوصدت أبواب العشق لأخيه بقلبها وقالت بهزل :
-عيقولوا عليه واعر ، وطبعه چافي .. وأنا مش عاوزة واحد يچيلي يومين في الشهر ويعاود عـ شغله .. أحب على يدك يا خالي بلاش تورطني وتكسر قلبي وتچوزني واحد مش رايداه .
رق قلبه لضعف تلك المسكينة فوثب من مكانه ليُربت على كتفهـا بحنان :
-يابتي هاشم زين وكلهم تربية صفية أختي، وبعدين ما أنتِ اتقدملك كتير وأنا كنت ارفضه لانهم مش مناسبين لك .. أما هاشم ارفضه ليه !! ده من كبرات النجع .
-عشان مش عاوزاه ..
-طب أقعدي معاه واتفقوا ولو كُنتي لسه مش عاوزاه أنا هيبقى لي حديت تاني مع صفيـة ..ومحدش هيچبرك على حاچة ..
فاقت ” نغم ” من شرودها حول حديثها مع خالها على صوت ” نوال ” التي تُخبرها :
-ست نغـم ، سي هاشم بيه عاوز يشوفك بره ..
اشتعلت نيران الغيرة في قلب زينة التي دارت بجسدها كله صوب نغم وأردف بنبرة كهينة :
-أومال مش عاوزة ومچبورة ومعرفش أيه وفي الأخر چايلها من صباحية ربنـا .. شايفة مكر البنات ياما ..
خرجت أمها عن صمتها وهي تنتظر غروب نغم من مكانهم وقالت بعتب :
-ما تلمي روحك يا زينة ، مالك طايحة إكده ومحدش هامك ، داري على شمعتك تقيد يا حبيبتي وبلاش تزعلي نغم بحديتك الماسخ دهوت !!
-هي دي هتحس ولا عندها دم ، دي كُلها دموع تماسيح يااما سيبك منيها ..
••
-“خيـر يا هاشم بيـه ”
وقفت نغم أمامه بعدما جاءت لعنده بخُطى المجبور على رؤيته وهي تحمل بقلبها غصة إجبارها عليه كما تحمل غصة لقائهم هذا .. رفع هاشم سبابته وبدون أي مقدمات للقاءهم الذي لا يتكرر إلا مرة كُل عام في مجلس العائلة :
-شوفي يا نغم ، أنتِ بت خالتي وعلى رأسي ورأس رچالة وحريم النچع كُله بـس …
فقاطعته إثر إعتراضه على وضعهم الساطع من وجهه ثم من يديه الموضوعة فوق حزامه الجلدي ، من توتره البينّ وكأن واقفًا على موقد من لهب وقالت :
-واضح إنك مچبور زيي !!
راق له دخولها بأصل الموضوع بدون مقدمات وقال :
-زين قوي ؛ قص الحديت أبرك من ترقيعـه ..
هزت رأسها بِثقل :
-والمطلوب مني عشان نفضوها سيرة !!
-ريحتيني ، يعني إنتِ كمان مش عاوزة يبقى خلصانين ..
جاوبت بشحوب وجهها :
-أنا كلمت خالي وقولتله أنا مش راضية بس هو يهمه رضا أبوك ..
-يبقى تكلميه تاني وتالت عشان خليفة العزايزي مستحيل يكسر كلمة قالها .. وتصممي على رأيك..
فأكملت حديثها وهي تتأكد من إحكام حجاب رأسها :
-يعني رميت الكورة في مِلعبي !! متعتلش هّم الچوازة دي مش هتتم ..
تنهد بارتياح لتحسس نسيم سُحب الحرية تقترب منه ؛ فقال بامتنان :
-هيبقى چميل مش هنسهولك طول عمري .. وربنا يرزقك بالأحسن مني ..
بادلته بابتسامة جامدة لا تحمل إلا الخيبة :
-مافارقاش .. عن إذنك ..
••••••••••••
~دوار خليـفة العزايزي .
-“مالك يا حچ ؛ متأخد ليـه ؟”
جاءت أحلام صاحبة الظهر المنحني لعنده إثر رؤيته جالسًا مستندًا على عكازه بعقل شارد في ملكوت الله ، رفع جفونه لعندها وقال بحزن وخيم :
-كلمت حـد من كام يوم معرفة يدعبس على أخبار الچوهري ، لساته قافل معايا وقالي إنه مات من زمن ، وولده كَمان مات من ٤ سنين .. حسيت الدنيا اتقفلت في وشي يا أحلام ، وشكلُ السِر هيدفن معاي ..
خيم اليأس فوق ملامحها وهي تردد بأسفٍ :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ..
ثم هز رأسـه بخيبة أمل :
-من ساعتها وراسي دارت ، بس عرفت أن مرة ولده داكتورة كبيرة فـ سكَندريـيـه ، هاخد چاير ونروحولها بعد فرح هيـام ..
تعلقت أحلام بقشة الأمل كالغريق:
-طب ما زين ديه يا حچ ، يمكن عِنديها علم بحماها ولا چوزها كان يعرف حاچة عن أبوه !!
-ولو معندهاش !! يبقى خِلصنا والسر هيموت مع اللي ماتوا يا أحلام ..
أسهبت أحلام فكرًا بالأمر وقالت بخزى :
-المشكلة أن البت كبرت وياعالم فين أراضيها متچوزة ، حية ولا ميتـة ..
أكمل بيأس :
-اتربت في الشارع ولا في ملجئ !! موتها كان أهون يا أحلام من مصيرها المچهول اللي عايشاه ..
-ربك حنين قـوي يا حچ ، واللي نچاها من الموت آكيد كاتبلها قضا تاني يليق برحمته .. بس ..
وقف على أخر كلمة لها متسائلًا :
-بس أيه يا أحلام !!
-إمبارح خطرت على بالي قصة البت دي ، إحنا لو لقيناها هيكون ايه حلها !! البت كيف هترچعلنا ويرچعلها حقها ..
تأوه الشيخ لِثقل الهـم على عاتقـه وقال :
-لو مكنش موتها يبقى عدلها تتچوز واحد من الوِلد من ولادي لإني سترت على اللي عمله ماهر ، ديه غيـر الفديـة اللي هتدفع .. بس المُصيبة مين هيوافق يشيل شيلة زي دي يتعايـر بيها هو وولاده لآخر العمر .. العـار يده طايلـة يا أحلام والظُلم واقع واقـع ..
ربتت أحلام على كتفه مواسيـة :
-أقولك أيه يا حچ سيبها لتدابير ربك ، هو القادر يحلها بطريقـة محدش يتخيلهـا .. أحنا نشوفوا كلام الست الداكتورة دي ويمكن يكون عندها الحـل ..
بُتر ساق الحديث بقدوم ” رؤوف ” الذي ألقى عليهما التحيـة وقال متسائلًا :
-أومال هارون فينـهُ .. بكلمو مش بيـرد ..
تفوه أبيه :
-أنا مش واعي له من الصُبح ، يمكن راح المُصنع !!
جاء جابـر يركض إليهم وهو يحمل قُفة مشاكل النجع :
-يا حچ خليفـة سي هارون فين البلد والع حريقـة .. مُشكلة كبيرة ولازمًا تتحـل ..
-هات العواقب سليمة يا ولدي !!
فتدخلت أحلام مستفسـرة :
-بالحق هارون راح فين ، ده حتى مصبحش عليّ !!
ثم نظرت لجابر :
-سألت هيثم عليه يا چابر؟! بس هو يعني سي هارون معاودش لحد دِلوق !!
غمغمت أحلام لتفهم منه :
-يعني أنتَ شوفته الصُبح ؟!!
خر جابر معترفًا :
-أيـوة ، كان طالع هو والاستاذة الصبح وقال مش هيعوق .. افتكرته جيـه ..
هزت أحلام رأسها وهي تُطلع خليفة بشك يحوم حول حدق عينيها وقالت لتغير مجرى الحديث :
-ما تقعد يا رؤوف يا حبيبي واقف ليـه !!
-لا يا عمتي ، هابقى أفوت عليكم بعد العشية يكون هارون عاود .. عن أذنكم .
ما انصرف كُل من جابر ورؤوف الذي جاء ليعرض على هارون أزمته مع نجاة كي يتوصلون لحل ، فجاء هيثم من الباب الخلفي للحديقة التي يجلس بها خليفة بجوار أحلام ليقول متسائلًا :
-أحلام ؛ هارون فين ؟!
-راح مع المذيعة مشوار ولسه معاودش ..
تخابثت أعين هيثم الماكرة :
-مشوار لروحهم !! من غيري ؟! طب يا هِرن يا وِلد صفية ..!!
ثم رفع نبرة صوته قائلًا لإعلام ابيه :
-النقالات الچديدة دخلت المخازن وكانوا عاوزين أمضته ..
••••••••••
~بأحد المقاهي الشعبية ..
-شوفت اللي حُصل !! قال لك البت فتحت راس راجل طول بعرض ..
فأتبع الآخر بشماتـة :
-ومش بس إكده دي زفته بفضيحـة هو وناسه .. وخلت سيرتهم على كل لسان ..
فأكمل الآخر :
-وحتى المچلس ما عرف ياخد معاه حق ولا باطل ، والمصيبة يا أخوي عامل فيها سبع رچالة وحُرمة علمت عليه بقُلة ..
جهر الرجال بضحك متعمدين إثارة غيرة بكـر وإشعال النيران بجوفه ، حتى جاءت الجملة الآخيرة ففجرت براكينه :
-وجاي يقعد چار الرچالة !! ده أخره قاعدة حريم يتعلم فيها فنون الطبخ ..
ثار غضب بكر فأصبح كالعاصفة التي ضربت بلدة على حين غُرة ، هجم على ياقة جلباب الرجل الساخر منه وهو يعنفه قائلًا :
-أنتَ ادبيت في رأسك !! أنت ما تعرفش أنا مين !!
فقهقه الآخر بسخرية :
-هتكون مين !! المضروب بالقُلة والمصفـوع من مراة !!
لكمه” بكر” نيران غضبه حتى هجم عليـه بقية الرفاق ليفصلونه عن صديقهم الذي صاح :
-بدل ما چاي تتشطر علينا روح اتشطر على اللي خلت سيرتك لبانـة وسط الخلق …
تجمهر الرجال بوجه بكر الذي أحس بضعف قوته أمام جمعهم وهو يراقب سخريتهم منه واستهتارهم بهِ ومعايرته بما فعلته ابنة عمه ، فأشار لهم :
-بكرة تعرفوا مين هو بكر فياض ، هعلمكم الأدب نفر نفر ..
-بدل ما تعلمنا أحنا روح اتشطر على بت عمك اللي ماشية مع ولاد خليفة العزايزي وهتخلي وشك في الأرض من الكسوف ..
فأكمل الأخر ساخرًا :
-ماهي مش هتسيب العُمد وترضى ببكار .. ما لو مش كد الشيل واتنين حريم قُولنا نشيلو إحنا بت عمك خسارة وأهو جحا أولى بلحم توره ..
لم يستجدي نتيجة من انفعاله إلا انها ثار أكثر على رقية ابنة عمه وبات تاره معها أكبر من روثها وطمعه بل أصبحت سُمعته بسببها علكة تتبادلها الأفواه .. بكر مثله كمثل أي رجل ضعيف الشخصية عندما يهزم من الجميع يحمل رصاص خيبته ليفرغها بالنساء .. جر طرف جلبابه متوعدًا :
-أما وريتك يا رقية …؟!
••••••••••••
~لأقصـر ..
قال أحدهم ذات مرة :
“يتبيَّن لك في نهاية المطاف وآخر المساعي، أن لذَّة العيش ما كانت في الوصُول بقدر ما كانت في عيش اللحظة واختلاسها، والاستمتاع بما في يديك الآن، موكلاً الغد والمُستقبل إلى ما حملته أقدارك”
كانت تجلس بداخل صندوق سيارته الخلفي بأقدام متدليـة كطفلة في كنف أبيها تتناول ” ساندوتش من الشاورما ” الملفوف بين يديها الصغيرة وهي تُسدد لذلك الواقف بجوارها النظر وتعبر عن مدى سعادتها :
-أنا تعبتك النهـاردة ومعطلاك عن شُغلك كمان ، وحاجة كمان الشاورما تجنن ، أنتَ بتيجي هنـا على طول !
لكت اللقمة في فمـه وهو يتابع طريقة شفتيها و نطقها للكلمات فيزيده رغبة في سماع المزيد ، صمت لبرهة متلقيًا حديثها بثغر باسم :
-المصالح مسيرها هتتقضي ، اليوم بكرة بعده .. هتخلص ؛ المهم تخلصي اللي چيتي عشانو ..
-أنتَ صح .
أيدته بسعة صدر وأعين لا تتزحزح من عليه ، فغيرت مجرى الحديث متسائلة :
-لما اتقابلنا في القسم أنت ليه قولت لشريف إني ضيفتك وكذبت عليه ، ليه عملت كده ؟!
كاد أن يتفوه ولكنه هرولت لتُقاطعه :
-جاوب بصراحة ، أنتَ كُنت قاصد تبوظ لي حياتي !!
انتظرها حتى تنهي جملتهـا التي ختمتها بقطمة من الخبز بيدها ثم هبت متذكرة وهي تخفي أثر الطعام من فاهها بلهفة :
-وحاجة كمان ، أنتَ ليه كذبت عليا وماقولتش إنك العُمدة في أول مرة اتقابلنا فيها .. ؟!
رفع حاجبه مستفسرًا :
-خلصتي ولا في أسئلة تانية ؟!
بخفه روح أجابته :
-خلصت !!
اتكئ على طرف سيارته وقال بصوت رخيم :
-في القسم ؛ مكنتش مقصودة ولما شوفتك افتكرت إنك چاية كضيفة متوقعتش إنك خطيبته .. وكنت بغلوش على عملتي فجات فيكي لحسن حظك ..
-يعني أنت ضربت عليهم نار بجد؟!
-كان تار بايت ولازمًا يترد ، أصلو العبد لله سداد حقوق ..
ثم دار بوجهه لعندها وأتبع بفخامة :
-وأخد الحق ده حِرفة ..
تأرجحت عينيها من فوق لتحت ثم قالت بمزاح :
-يعني استغليتني ، يعني ليا عندك أنا كمان حق .
-و أديني بـ رُده !!
ملء الضحك فاها :
-أيوة صح !! وبعدين .. إجابة السؤال التاني بقا ؟!
فكر للحظة بالأمر لمواجهة نفسه بتلـك الحقيقة وعن السبب الرئيس لانكاره عن صفته الأصلية ؛ حتى قال :
-يمكن كُنت مفكر إني مش هقابلك تاني ..
ردت بعفوية :
-وده يديك الحق تكذب ؟!
ثم غمغمت بهدوء وكإنها تعد ترتيب الكلمات برأسها قبل النطق بهـا :
-يعني ده يدينا الحق إننا نكذب على أي حد متأكدين إننا مش هنقابلو تاني !!
برر موقفه :
-طالما مش هنشوفه تاني يبقى هيفيده بإيه يعرفني ؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا غير مقتنعة برأيه وأكملت بشرود :
-بالعكس ؛ شايفـة إنهم أكتر ناس ليها الحق أننا نعرفهم ونفتح لهم قلوبنا ونحكي لهم عن نفسنا لإنهم أكتر ناس هيدونا نصيحة حقيقية ، من غير حقد ولا غيره ، شايفة أن أصدق المشاعر بتكون بين الناس اللي مش هيتقابلو تانية لانهم عارفين ده فييدوا كل حاجة بصدق ..
داعب خصلة من شعـرها وأكملت :
-زي طنت اللي بنقابلها في المترو ، عمو اللي بيقرأ الجنرال في القطر ، الست الليدي الشيك اللي بنشوفها في الطيارة و اللي شايفة الحياة من فوق وبمنتهي الحُرية !! إحنا كمان محتاجين رأيهم ..
تناول آخر قطعة من خبزه ثم تخلص من ورقها بسلة المهملات المعلقة بأحد الأعمدة ، عاد إليها وهو ينفض كفيـه متأهبًا لإمساك زجاجة المـاء وقال :
-غلط ، ربنا خلق لك عينين وعقل تشوفي بيهم الحياة ، محدش هيشوفلك حياتك بعينه هو !! النصايح دي بتكون انعكاس لفكر وبيئة شخص مناسبة لحياته هو مش ليكِ أنتِ !
رغم إقناعه بوجهة نظره لكنها جاءت لتُعارضه بشكل راقي :
-يمكن ده تفكيرك عشان أنتَ مثلا بتفكر بعقلك طول الوقت ، أما أنا شايفـة الحياة دايمًا بقلبي وبس .. عشان كده وجهات نظرنا مختلفة!
فرغ من ارتشاف الماء وقال :
-وديه بردك مش صح !! خصوصًا في مهنتك ، لازمًا عقلك يكون شغال طول الوقت ..
-أنتَ بتشتغل أيه ، غير عُمدة لبلدكم .. لان عارفة أنا الموضوع ده ؟!بس آكيد كنت تشتغل حاجة جمبها.
قفزت على جراحه بأظافر رجلها الناعمـة فخدشت جرحًا جديدًا بدون نية منها ، طافت عينيه بمكان حولهم والكائن خلف المعبد ، تعلقت أعينه بسرب الطير الذي يطير من فوق رؤوسهم كـطيران أحلامه ككل ليلة وقال بهدوء :
-كنت مُعيد في كُلية حقوق ، اشتغلت ٥ سنين بعد ما خلصت چيشي وظروف للعمدية خلتني أسيبها .
وثبت من مكانها لتلمس الأرض بانبهار :
-واو !! كُنت معيد في الجامعة !! ده بجد عشان كده عندك الكتب دي كلها ، يعني أنتَ كنت بدرس للطلبة وكده ؟! وسبتها ليه ؟! هو ماينفعش تبقى دكتور الصبح وعُمدة بعد الضهر ؟!
أراد أن يطوي صفحات ماضيه ولا يحبذا العبث بداخلهم ، فـمد يده لأعلي ليقفل صندوق السيارة متحاشيًا النظر إليها :
-يلا عشان نلحقوا نعاودوا قبل العصر ..
تمتمت بفضول ينعكس ببؤبؤ عينيها المتسعة :
-أنتَ ما جاوبتش على سؤالي على فكرة !!
رد باختصار حاملًا غصته :
-لا مينفعش ..
-ماينفعش تجاوب ولا ماينفعش تبقى دكتور وعمدة ؟!
غير مجرى الحديث متسائلًا بأعينه التي يغازلها خيوط الشمس :
-عچبتك الشاورما ؟!
-لذيذة …
هزت رأسها بإعجاب وكأنه ذكرها أن تأخذ منها لقمة جديدة ، حيث هتفت متسائلة :
-شكلي كان حلو في الڤيديو !!
رد بنمطية لعجزه عن المبالغة في الوصف :
-عادي …
-نعم يعني مكنتش حلوة ؟!
تحرك نحو مقعد القيادة فلحقت به :
-انا قولت إكده !!
قفلت باب سيارته الذي فتح بتمرد على اسلوبه المتجافي :
-لا ما قولتش ، بس ممكن ترد وتقولي كنت حلوة ، حلوة خالص ، مبهرة ، تجنني !! ولا أنت ما بتعرفش تقول كلام حلو !!
-لا أنا معرفش أكدب ..
ردت جملتها بصميم قلبها وهي تعارضه بتمرد على تماديه في الوصف :
-لا أحيـه بقا !!
جحظت عينيه لتلقائيتها في قول الكلمة فتراجعت للخلف حتى ارتطم ظهرها بأحد نوافذ السيارة وأتبعت بحس فكاهي :
-اه اكدب عادي ، أنا بحب اللي يكدب عليا مادام هيبالغ في حبي !!
ثم تعرقلت بخناجر أهدابه بالمتراقصة وحكت جدار عنقها مصلحة الأمر :
-قصدي في مدحي …
رفع حاجبه الأيسر وبنبرته الآمرة مشيرا لسيارته :
-اركبي .
عارضته بإصرار وهي ترفع كفها بوجهه لتسهب بالأمر :
-لا استنى كده !! أنتَ شكلك مش بتعرف تتعامل مع ليدز (ladies )خالص !
استند كفه على سقف السيارة خلفه محافظًا على قانون المسافات بينهما وقال برزانة متعمدًا اثارة استفزازها :
-وهما فينهم دول ؟! مش شايف حاچة قِدامي ؟! ولا قصدك على الخواچات اللي شوفناهم چوه ؟!
رفعت جفونها لتتشابك بأنظاره إثر استهتاره بأنوثتها ورقتها وقالت بنبرة متقطعة :
-هو أنت شايفني بشنب قُدامك !!
انفجر ضاحكًا لأنه توصل لمـا يريده معها ولا يعرف سببه ، لماذا يراوغها دومًا ، لمَ تناسى أشغالـه بجوارها !! لِم يُلاطفها ويجاريها في الحوار وكأنها رفاق من زمن !! لِم كل هذا الوقت لها وهي أول إمراة بعد أحلام ترافقه السير والخروج !! لِم هي ؟!!
ذابت في صحن ضحكته المتفجرة والتي ادت إلى انكماش ملامح وجهه وهي يضرب كف على الأخر لعفويتها الزائدة والتي تاهت في رد فعله عليها بين رجولته الطاغية وبين روحه الفكاهية التي يضحك بها ، لتخرج عن صمتها وعن فصل الإعجاب به متناسية سبب خناقتهم الأساسي لتردف بتيهٍ :
-ضحكتك حلوة على فكرة …..
أبلتع مجاملتها اللطيفة وهو يمسح بالمنديل قطرات العرق المتصببة من جبهتـه ليقول برسميـة :
-ربنا يعزك ..
أدركت للتو ما قالتـه وكيف تمادت في مدحه ، فلهثت لتُبرر بعفوية :
-لما تشوف حاجة حلوة اتعلم تقول عليها حلوة ، وتمدحهـا ، زي ما أنا عملت بالظبط ..
تلاقت الأعين لتُكذب أقاويـل الألسن المزيفة والتي تنطق بكلماتٍ تتنافى مع منطوق القلوب التي دعت أمرها لمرايا العيون التي خُلقت بنقاء طفل لم تندس روحه الأيام .. يبدو أن الاثنان جاءا خير مُعلم لبعضهما ، جاءت لتؤثر بطباعه القاسيـة واستخدامه الدائم لسيف القوة وتجاهله لحقيقة خلق قلبه الذي يفيض بالشعور غير إنه خُلق ليضخ دمًا فقط ، جاءت لتعلمـه بأن للقلوب زهور يفوح عِطرها من بوابات الكلمات ، أما عنه جاء إليه ليعيـد تشكيلها من جديد بصورة أقوى ، أخشـن ، أشرس لمواجهة أنياب الحياة التي تمضغنا بين فكيها … قطع وصال النظرات الفائضة بينهم وأردف بهدوء تـام :
-اركبي …..
•••••••••••
-” أيوة يا ما ، إحنا وصلنا للخياطة أهو وهيام عتقيس الچلاليب ”
أردفت هاچر جُملتها الأخيرة وهي تقفـل باب السيدة التي يخيطون عندها ملابسهم باستمرار والواقع مكانها بخارج نجع العزايزة ، خرجا الأخين معًا برفقـة نجاة التي وصلتهم بسيارتها ، ردت صفية الغارقة في رص جهاز ابنتها :
-طب متعوقوش ، وخلي نچاة تسوق على مِهلها ولا ابعتلكم واحد من الوِلد !!
-لا ياما مفيش داعي ، هتخلص ونعاودوا طوالي ..
-طب لاغيني كُل هبابة..
لبت هاجر طلب أمها بطاعـة وهي تتحرك صوب سيارة نجاة المصفوفة لتأتي بالحقيبة الأخرى التي بدها ملابسهم ” للحنة ” مالت لتأخذ السلة البلاستيكية من داخل السيارة فإذن بسيارة متعمدة تسيرت بأقصى سرعة لتلمس عجلاتها بؤرة المياة فنثرت قطرات الماء الملوثة على هاجر التي هبت صارخة :
-الله يخربيتك أنت غبي !!
توقفت السيارة على جنب فظهر منها شريف الذي نزع نظارته وأقبل إليها متعذرًا :
-أسف ، كنت بتكلم في التليفون ومخدتش بالي..
رمت السلة من يدها بداخل السيارة وصاحت بوجهه :
-والله !! يعني سايق وبتتحدتت في المحمول ولابس نضارة شمس وكمان عاوز تاخد بالك !! هتاخد بالك من ايه ولا ايه يا حضرة أنت !!
استغل شريف أسلوبه الاستغلالي ليميل قليلًا نحوها ويقول معتذرًا :
-أخد بالي أن في قمـر واقف على شمالي !!
لم يتحرك بها شعرة إثر رومانسيته المزيفة وقالت بسخط :
-لا أنت بس خلي بالك من الطريق وهنكون شاركين لخدماتك والله !!
ثم استدارت لتأخذ حقيبة الملابسة فاقترب منها خطوة وقال :
-قولت أسف وبعدين هو القمر زعلان ليـه ؟!
لملمت جمر غضبها :
-لا دا أنت قاصد يتقل منك !
رسم ضحكته المُخادعة على محياه وهو يقول :
-بتزعلك قمر !! طيب ما تقوليلي اسمك ونتعرف وو
صفعت باب السيارة بقوة وهي تهتف بغضب :
-شكلك جاي تتسلى ، بس حظك جابك مع الشخص الغلط ..
مد يده ليصافحها وبنفس الملامح الخبيثة :
-الرائد شريف أبو العلا ، رئيس المباحث هنا .
لم يتحرك بداخلها ساكن رغم وسامته التي يبالغ في وصفها بنات مدينته ؛ إلا أنها استقبلته إعزازه بنفسه بتقليـل وقالت ناصحة :
-طب خاف على دبورتك وكُل عيش في بلدنا أحسن أخواتي لو شموا ريحتك هيطيروك أنت وهي !!
كانت تلك آخر جُملة تفوهت بها هاجر لتلقي بداخله شرارة حبه لاستكمال اللعبة التي قطعها على نفسـه عندما تحرى عن هارون وأخوته وعلم بهوية هاجر الذي أخذ يتتبع خُطاهم منذ خروجهم من كمين النجع وكأنها قُدمت له على طبق من فضـة ، ارتدى نظارته الشمسية وقال بمكر وهو يحرق ظهرها بأسهم أنظاره الشريرة :
-كده يحلو اللعب ..
•••••••••••••
~أمام منزل الحج أبو الفضـل .
يتوارى ” بكر” خلف أحد الأشجار منتظرًا رحيـل ” هلال ” الذي أحضر كافة الطلبـات التي تحتاجها السيدة صفاء وألح أن يأتي بها بنفسه بعد صلاة الظهر ، في اللحظـة التي غادرت فيها سيارته من البيت جر الأخير ذيول مكره وهو يصفع باب بيتهم بعداونية :
-عاچبك أنتِ المسخرة دي !! راچل غريب داخل خارچ بيت عمي وأنا زي الأطرش في الزفة !! اسمعي يا رِقية أنت وأمك ومن غير يمين ، ما هيخلص الأسبوع إلا وأنت مرتي وفي بيتي ، ووريني هلال وِلد خليفة هيعمل ايه !!
ثم رفس الباب الذي يختبأ خلفه الام وابنتها :
-عال والله بقا صاحب البيت جاي رايح على راحته ؟! ومداري ورا العمة والچلابية وياعالم ناويين على أيه ولا بيچي إهنه ليه !! ديه في خيالك يا رقية !! وولد خليفة أنا هعملو الأدب ، وشرف أمي ما هسيبكم تتهنوا ..
صاحت أمها من وراء الباب المقفول :
-ياولدي حرام عليك ديه كلام يخربيب بيوت يا بكر .. وحد الله .
صاح متوعدًا :
-وأنتوا لسه شوفتوا خربان بيوت !! دانا هطربقها على روس الكُل ، بحق بتك اللي خلتني مقدرش أرفع راسي في النچع أنا هوريها ….
هتفت رقية بغل وهي تسند رأسها على الباب وتتلصص السمع :
-ولا تقدر تعمل حاچة وأعلى ما في خيلك أركبه ، و يلا غور من إهنه …
-هتشوفي يا رقية ، ورحمة أبوكي وأبويّ
لهخليكي تحفي وراي عشان اتچوزك …
هتفت متعمدة إثارة غضبه :
-خف جعجعة وحِل عن سمانا وإلا المرة دي هقل منك بحق وحقيقي يا بكر ..
لهث أمام بيتهم ليقول آخر جملته :
-هتشوفي ، هتشوفي يا رقية يا بت عمي ، أما خليت راسك المرفوعة دي في الوحل مبقاش بكر ولد فياض ..
••••••••••••••
حـل المسـاء وعاد هارون برفقـة ليلة إلى بيت العزايزة وما أن رأت ليلة غرفتها تناست تمامًا أمر الأقراص المهدئه حيث اكتفت بنزع حذائها والتوسد بنتصف فراشها من مشقة رحلتها التي لم تخلٌ من شِجارها مع هارون ومخالفته الرأي دومًا، أما عنـه انطلق في أرجاء نجعه لمباشـرة بقية مهامه المتراكمـة فوق رأسه بمساعدة هيثـم أخيـه … أما عن هاشم الذي اطمئن قلبه رفض نغم له وأحس بأن غُمة صدره قد انزاحت ، كان جالسًا برفقة رؤوف بحديقة منزلهم يتحاورن حول الأخبار والأحداث الناشبة بسيناء وغيرها من مشاكل البدو بمرسى علم حتى غيـر رؤوف مجرى الحوار الدائر بينهم :
-هارون فين من أول اليوم !! هو الواد ده خطب ومش هنعرفوا نتلايمو عليه ؟!
أشعل هاشم سيجارته التي رماها بفمه وقال :
-لا مش هارون أخوي ، بيقولوا في مشكلة بيحلها.. قولي ناوي على أيه مع نجاة!!
تنهد رؤوف بكلل :
-كُل خير ، على فكرة أنا فكرت في رأيك ولو اتقفلت الدنيا هعمل زي ما قولت لي !!
عارضه هاشم :
-وفكرك نجاة هتوافق !!
-لازم توافق ، مفيش حل !!
دعبس هاشم وراء مخططه الذي يخفيه كي يرى عواقبه بعين ابن عمه :
-ولو اتكشف !!
-ايه هيقتلونا !! ولا هيطردونا من النجع ؟! كله وجع يا هاشم ، ومفيش وجع زي وجع القلب.
شجعه هاشم قائلًا :
-وأنا شاهد … قول يلا وهتلاقيني في ضهرك ..
جاء صوت حمحمة هارون في تلك اللحظة فهمس له رؤوف محذرًا :
-اقطم على الحديت هارون جيـه ….
شد هارون مقعده وشارك مجلسهم قائلًا :
-متجمعين عند النبـي .. خير !!
-أخيرا ظهرت ؟! فينك من بدري ..
سحب سيجارة من عُلبة أخيه وأشعلها بضيق بعد ما تجاهل اتصال زينة وقال :
-إهي مصالح !! عاودت ميتى !!
هاشم بانفعال:
-الصبح .. واتفاجأت امك قرت فاتحتي .. صفية مش هتبطل حركاتها دي يا هارون !!
تأفف هارون من تصرفات أمه التي تود أن تورطهما دوما وقال :
-أهي دبستك معاي ، يلا اهي چوازة والسلام كبر راسك .. نغم چدعة .
-بس أنا مش رايد نغم يا هارون ، ولما اتحدتت معاها لقيتها هي كمان مش رايدة .. هو الچواز بالغصبانيـة ؟!
-يبقى أخلع خفيف خفيف قبل ما تتورط ..
كاد أن يجوابه ولكن قطعه رنين هاتفه باسم ” البكباشي ” فأخذ هاتفه على الفور وانسحاب مستأذنًا :
-معاي مكالمة ، اسيبكم ..
أفسح هاشم الساحة لابن عمه كي ينفرد بأخيه ، فاستغل رؤوف الأمر ومال نحـوه :
-هارون عاوزك ..
-خير !!
-عاوز اتچوز نجاة !
قاطعه هارون ليذكـره :
-وانت داري بالأعراف ، لو اختارتك تسيب ولدها لناسه ، ومفتكرش نجاة هتضحى بولدها ..
-ما هو لازمًا يكون في حل !!
نفض هارون عبق سيجارته بالأرض واكمل :
-أخو جوزها لو سمع انها غاوية چواز هيتجوزها هو والحق معاه ..
-هارون عقولك نشوفو حل مش تعقدها !! ديه ظلم .
رد هارون بكلل إثر صداع رأسه الذي يصدح من طول يومه :
-والله يا رؤوف لو حليتها ودي مع ناس چوزها انا معاك ، محدش هيعارضك وتبقى شفعت في المسكينة دي ..
ثم وثب قائلًا :
-انا هروح أنام عشان مش واعي قِدامي ..
••••••••••••
~بعد مرور يـوم …
‏‫
جاءت الليـلة الموعود وهي ليـلة ” الحِنة ” للعروس .. دقت الطبول بدوار العزايزة واجتمع النسوة بساحـة القصر تحت أجواء من المرح والفرحـة وصدح أصواتهم المهللة .. كانت ” ليلة ” بغُرفـة هاجر تقيـس جلبابها الأحمر القاتم الصعيـدي الذي تناقس مع بِنيتها الأنثوية ومنحهـا مظهرًا جذابًا وأنيقًا .. توقفت أمام المراة لتعقـد حزام خصرها المطرز بمساعدة هاجر التي تَشيد بجمالها وتناسب الزي لها .. فرغت من عقد رابطة خصرها وهي تتأمل جمالها المعكوس بالمرآة :
-يعني بجـد شكلي طالع حلو !!
ترنحت هاجر في جلبابها الأزرق الجميل وقال بإنبهار :
-تقولي للقمر قوم وليلة تقعد مطرحك ..
لملمت شعرها للوراء وهي تشبك الخصل ببعضهما بـ” التوكة ” الفضيـة ثم وضعت القليل من الحمرة فوق ملامحها ليبرز جمالهـا وبراءتها أكثـر .. فتدخلت هاجر قائلة :
-يلا تعالـي نشوفوا العروسـة ..
تابعتها ليـلة بمرحٍ بعد ما قضت ليلتها مع الفتيات تشاركهم فرحتهم والضحك والرقص وغيرها من التفاصيل، رغم انشغال وقتها وعقلها التام بما يُحيط حولها إلا انا أعينها طول الوقت كانت تبحث عن هارون ، تفتش عنه هنا وهناك ، تعلقت أعينها بمدخل الباب الذي لا يأتي به أبدًا طول النهار ، لا تعلم سبب تلك التصرفات المراهقة التي تغمرها كأنها فتاة صاحبة السادسة عشر عام ولكنها بررت لنفسها بإنها تشعر بالغربة في ذلك المكان الذي لا تألف غيره ، غيره هو هارون العزايزي ..
قطعت الممر الخاص بالطابق العلـوي لتصل للغرفة التي تقطن بها العروس مع أحدى فتيات النجع المختصة بتزينها ، دخلت هاجر الغرفة وما أن وطأت أقدامها بالداخل اطلقت العديد من الزغاريد وكلمات التهئنة والمباركات حتى تدخلت نجاة التي تعد رسومات الحنة :
-عقبال فرحتنا بيكي يا هاچر …
قبلت هاجر أختها صاحبة الشعر المفرود والحمرة الخفيفة وقالت :
-عروستي القمر …
-عقبال فرحتي بيكي يا حبيبتي مع اللي يستاهلك …
هنا جاء صوت ضـرب النيران من كل صوب وحدب ، ركضت أحدى الفتيات نحو النافذة وصاحت :
-هارون بيه وهاشم بيه عيضربوا نار ..
لم تكبح فضـولها أكثر من ذلك بل هرولت نحو النافذة لتراه في جلبابه الأبيض رافع فوهة سلاحه لأعلى ويفجر العديد من الطلقـات بالهواء ، فجأة تحولت عينيها الباحثة عنه إلى أعين ثابته تتأمله بإعجاب وانبهار بتلك المعالم الرجوليـة الجذابـة وهو ينافس هاشم أخيه بضرب النار بين أجواء لطيفة من الفرح والمرح .. لقد تبدأ الرحلة القلبية نحو الغـرق عندما تقف على حـد عينيـه وتُطيل النظر بعد فترة طويلة من البحث .. جاءت هاجر من خلفها لتهتف بفخر بأخوتها :
-أچمد أخوات عروسة في الدنيا ..
في تلك اللحظة فُتح الباب بصوت الزغاريـد المندلعة من زينـة وهي تُهلل بسعادة لا توصف ، اول ما فعلت رفعت وشاح رأسها لتتباهى بشعرها الطويل المموج أطرافه وهي تصيح :
-عروستنا الزينة وجمالها ديه جاي من ورد جنينة..
ثم مالت على هيام وعانقتها وهي تُقبلها :
-الف بركة يااحلى عروسـة ..
تحمحمت هاجـر بضيق عندما رأت زينة التي لا تتقبلها أبدًا وقالت باختناق :
-اهي زينة الهم چات ..
تفاجأت ليلة من ذم هاجر لخطيبة أخيها وقالت بهمس:
-أنتِ مش بتحبيها ولا ايه !!
تمتمت هاجر بحذر ألا يصل صوتها إليهـا :
-زينة هبلة بس مشكلتها مش عاوزة حد يشوف غيرها ، هي وبس في اي قعدة ، شايفة نفسها مفيش بت في حلاوتها .. وو
فابتلعت هاجر بقية كلماتها وهي تدنو من هاجر لتعانق ، وما أن رأت ليلة بجوارها عاندت وبكيد نساء لكزتها بكوعها في كتفه فابتعد ليله عنهم متأوهة من شدة الضـربة التي نالتها منها بغيظها ، ضمت زينة هاجر عنوة وهي تربت على ظهرها :
-عقبالك يا داكتورة .. عقبالك يا ست البنات .
عاتبها ليـلة بغيظ :
-مش تاخدي بالك الله !!
ابتعدت عن هاجر وهي تعتذر لها عن عدم رؤيتها المزيفة :
-ااه هو أنتِ ، دا أنتِ لسه مأنسانا !
بادلتها ليلة بابتسامة مزيفة :
-ااه لسه ، ده لو مش هيضايقك..
اكتفت زينة بنظرة كريهة لها من رأسها للكاحل وهي تعبث بشعرها لتُقلد “ليـلة” وتسريحة شعرها ونظرت لهاجـر وقالت :
-هارون لساته مكلمني وقالي اتوحشتك يا زينة ومتعوقيش ومستنيكي عشان عيتوحشني .
أسبلت هاجر أعينها بسخط :
-غريبة ، هارون مش بالخفـة دي والهطل داه !! كنك مجودة هبابة يا زينة؟؟
اخفت زينة غصة خيبتها وأكاذيبها وقالت بغنج متعمدة إثارة غيرة ليلة وهي تحدق بها :
-الحب ياهاجر يعمل أكتر من إكده ، مش عاوزة أقولك من امبارح وهو رن رن خوتني مكالمات كنه مش مصدق أنو فاتحتنا اتقرت ..
تدخلت ليـلة بعفوية وهي ترجع خصلة من شعرها خلف أذنها وقالت:
-غريبة ، أنا كنت مع هارون بيه في لاقصر إمبارح طول اليوم مستأذنش ولا دقيقة انه يكلمك !! أنا مش بكذبك بس ممكن يكون اتصل بيكي فعلا لما رجعنا .. أو أنا مخدتش بالي كُنت مشغولة بالتصوير !!
جحظت عيني زينة بنيران الغيرة:
-يعني ايه أنتِ وهارون لحالكم في لأقصر !!!!
فأكملت هاجر بخبث :
-ليه !! هو وهو عيكلمك طول اليوم إمبارح موقعش بلسانه وقالك إنه في لاقصر !!
هنا تدخلت نجاة بعد ما تبادلن كل من هاجر وليلة الضحك على عبث ملامحها فجأة وهي تستشيط غضبًا وقالت:
-يلا ننزلو ، الكل مستنينا تحت وبطلو حديت فاضي …
~بالأسفـل .
انسحب هاشم من أجواء الأحتفال مع رجال قبيلته وأخوته ليتوارى خلف أحد الأشجار ليتحدث مع رغد التي هاتفته لتبارك له على فرحة أخته وتمدح بجمال هيئته من خلال الصور التي أرسلها لها قبل قليل .. غادرت رغد غرفتها لتنتقل للشرفة وهي تقول :
-أيه الجدع القمر ده اللي أنا متجوزاه، هاشم اياك واحدة تعاكسك كده ولا كده !!
تحمحم هاشم وبرقت عينيه :
-لا متخافيش قلبي مش واعي لوحدة غيرك ، خلي اللي يقول يقول..
-يعني اتعاكست!!
فكر للحظة ليثير معالم غيرتها:
-أكيد ، وأنا شوية ولا ايه، لسه متعاكس من حتة ست كيف البدر ، جمالها جمال فرس عربي أصيل ..
رسمت الضحكة على محياها وهي تعبث بشعرها:
-افضل كده كُل بعقلي حلاوة .. عمومًا هعديها ..
-ولو معدتيهاش هجيلك ونعيدوها سوا..
سألته بدلالٍ:
-هي أيه دي بقا ؟!
تحمحم ليخشن صوته ويرسخ معالم وجهه وهو يقول بثبات :
-ليلة إمبارح ..
اطلقت ضحكة انثوية مثيرة زلزلت أوصال قلبه وسألها :
-منزلتيش الشغل .
-بكرة باذن الله ياحبيبي هنزل ، بالحق يا هاشم عايزة أقولك أن مامي مش بتكلمني وزعلانة موت على الفازة بتاعتها وأنا بجد مش عارفة أعملها أيه !!
رد بمزاح :
-هتزعلها شوية وتفك، قوليلها البني آدمين عتموت يا سامية مچتش على الفازة ..
هبت معاتبة :
-كله من شقاوتك يا سيادة الرائد .. وفي الأخر أصل رغد عندها فرط حركة .. مامي بدأت تصدق بجد وعاوزة تاخدني لدكتور !!
-المصيبة لو كانت صدقت بجد يبقى هي اللي محتاچة تروح لدكتور!!
-ياسلام ده ليه بقا؟!
-أصل التكسير ده مش بيحصل غير في وچودي يبقى الحِدق يفهم ، ولا أبوكي مكنش يكسر !!
شهقت بدهشة من شدة وقاحته وقالت بعتب :
-هاشم أنا كل يوم بتأكد أن صفية كسلت تربيك أمشي كده ، وبعدين اسمه باباكي ، هعلم فيك لامتى مش. كفاية لهجتك اللي بتتغير ١٨٠ درجة دي !!
رفع حاجبه ليمازحها بلطفٍ:
-ماهو لو اسمه بابي يبقى مكنش بيكسر فعلًا ، وسامية معذورة ..
أحمر وجهها من جُرئته الزائدة وقالت بانفعال :
-أنت قليل الأدب … ويلا بقا باي باي ..
-استنى !!
-أيه تاني ؟؟
تفوه مستغلًا لكنته الصعيديه في صيغة الأمر:
-عاوزك تطلبي لنا أوردر چديد المرة دي لأجل القديم جيه على هواي ..
ردت بانفعال والضحك يرج صدرها :
-هاشم ، بكرهكك …
~على الجهـة الأخرى .
كان هلال واقفًا برفقة هيثم أخيه الذي يتلصص النظر من الفتيات اللاتي يقبلن على دوارهم بأفواج من كل صوب وحدب ، تهامس في آذان هلال الواقف في صف الرجال يرحب بالمدعوين :
-هو أنا ما ينفعش أروح أقف جار صفية وأرحب بالضيوف بردك ..
حدجه بنظرة حادة فبرر هيثم موقفه مستخدمًا حبه للموسيقى :
-معاك أن دولت ضيوف لكن الـ هناك دفوف ..
حذره هِلال بهمس وهو يصافح أحد الرجال :
-تأدب !!
-يعني لو تأدبت هتكافئ و هتوديني ؟!
استغفر هِلال بسـره ثم دعا له :
-أسأل المولى عز وچل أن يصلح لك شأنك ..
رفع هيثم كفيه للسماء ليُؤمم وراء دعاء أخيه فوقعت عينيه على دخول رقية وأمها فصاح هيثم فارحًا :
-رقية چات ..
بدون إرادة منه تزحزت عينياه على تلك التي ترتدي فستانها الفضفاض وحجابها الطويل وتقف بمحاذاة أمها تتبادل السلامات مع الحجة صفية التي ضمتها لحضنها ، هرول هيثم لعندهم متجاهلًا نداء هِلال المتهامس ، فحركه عقله للانسياق خلف أخيه أو على الأجرح تحرك مُتبعًا خُطى قلبه الذي نبض بحروف اسمها من شدق أخيه ، هلل هيثم مرحبًا بتلك السيدة وابنتها:
-يادي النور ، الداكتورة رقيـة وخالتي صفاء نورونا إحنا على إكده اكتفينا معازيم أصلو جم اللي بيهم كُلهم..
تمتمت صفية بضحك:
-يحظك ياهيثم ، تملي يحب يضحك ويهزر متاخديش منه كلمتين چد .
ربتت صفاء على كتفه لتمدحه :
-بس يسلم يدك يا زين ما ربيتي يا أم هارون ، هيثم ديه ولدي اللي مخلفتوش ..
ثم لمحت هِلال ينضم لمجمعهم؛ فأشادت بخلقه :
-وكله كوم والشيخ هِلال ديه كوم لوحده، راچل مچدع وشهم بصحيح .. يبارك لليد اللي ربت.
أطرق هِلال وجهه بالأرض بعد ما اختلس نظرة من الجميلة الواقفة بجوار أمها :
-حيا الله من آتانا وتعطر بقدوه أرضنا ..
مال هيثم على مسامعه بتخابث :
-أنتَ أيه چابك ، هارون هيحش رقابنا ..
ضغط على مقدمة حذائه المخفية تحت جلبابه الفضفاض كي يصمت وتمتم بوجه باسم:
-كيف حالك يا أخت رقية والعاقبة لكِ ..
لكزه هيثم بعظى :
-إكده هتطفش منك .. أنت شكلك حافظ مش فاهم هتچرسنا يخربيتك.
ضغط هلال على حذائه مرة آخرى كي يصمت وهو يتلقى رد رقية بسعة صدر :
-الله يبارك فيك يا مولانا ..
ثم مالت على مسامع أمها :
-مش يالا ياما ندخلوا ..
هتف هيثم باعتراض :
-ليه ما أنتو واقفين ، دي جمعة مش هتتكرر تاني ، ده الشيخ هلال بنفسه چاي يستقبلكم !!
ثم حك رأسه وهو يغمغم :
-” ويُعك ”
ردت صفاء :
-فوق راسي يا ولدي ، تشكر كُل مفهومية .
ربتت صفية على كتفـها :
-دا أنتِ اللي نورتينا ، محدش عيشوفك غير فالأفراح أنتِ والبت القمر دي .. اتفضلوا اتفضلوا ..
دار هيثم لأخيه ليعاتبه :
-أنت چاي وراي ليه ! عشان تقولها العاقبة لكِ !! أنتَ أحول ؟!
انكمشت معالم هِلال بجدية وهو ينكر قطعًا اتهام أخيه :
-جئت لاراقب أفعالك كي لا تغرق بجُب الفتنة !
غمز له هيثم بطرف عينه :
-والله ما حد غرقان بجُب الفتنة غيرك ..
ثم رفع طاقية الأزهرية وهمس بأذانه ناصحًا ليعديها بعد ما يفرغ خبث جُملته :
-لما تيچي تصيع متصعش على صايع !!!
~على الجهة الأخرى .
مال هارون على آذان هاشم الذي يسأله بحدة :
-كُنت فين ومهملني !!
شد ياقة جلبابه برزانة :
-شُغل يا هارون يا أخوي ، شغل يجيب كُساح ..
رفع هارون حاجبـه بسخرية :
-لا يا راچل !!
تمتم بآذان أخيه يتهامس مرتديًا زي الشكوى :
-زي ما بقولك ، كسر وشيل وحط وهد خيم ووقع عواميد وفتش وقطع وشد أجزاء واضرب .. أخوك شقيان ..
-قلب أمك !!
-ااه والله … صُعبت عليك .
رد عليه هارون بمكر :
-لا .. بس اظبط ..
-ما ليك عليّ حلفان ، أخوك شقيان..
في تلك اللحظة رن هاتف هارون بأحد المكالمات المنتظرة فهمس لهاشم بحرص عندما اطلع على هوية المُتصل :
-خليك چار أبوك ..
انسحب بعيدًا عن صخب الطبول والأصوات وقال :
-أيوة يا سميـر ..
قال له الأخر :
-هارون بيه بعتلك رسالة على رقمك ، افتح شوفها ..
على الفور ؛ فتح هارون أحد مواقع التواصل الاجتماعي ( الواتساب ) ليجد رسالة صوتية من سيمر أحد الأشخاص اللذين يثق بهم ثقة عمياء ويعتبر حلاقـه ومرشده السري والذي يأتي له بجُملة الأخبار عم يدور بالنجع و رغم إعلان الكراهية المزيفة بينهما في النجع بأكمله والمتعارف عليها بكره سمير الشديد لحكم هارون وأخوته ، ولقد كلفـه هارون بالتلصص على نوايا ” ضيا ” المشكوك بها ، لقد وجد رسالة صوتية مُسجلة .. فضغط عليها وقرب الصوت من مسامعه ليأتيه صوت ضيا قائلًا ويبدو علي نبرته السُكر :
-ما ليك عليّ حلفان يا سمير لاخدلك حق عينك اللي طيرهالك هارون و لاخلي رقبة رچالة خلفية العزايزة في الطين ، وما في حد هيبقى الكبير غيري ، اظبط ساعتك بالدقِيقة واتلقى اللي هيجرالهم مني ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية آصرة العزايزة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى