رواية وجه بلا قناع الفصل الرابع عشر 14 بقلم سامية السيد
رواية وجه بلا قناع الجزء الرابع عشر
رواية وجه بلا قناع البارت الرابع عشر

رواية وجه بلا قناع الحلقة الرابعة عشر
كنتُ خائفة من أن أضع نفسي في موضع الأمل، فيخيب أملي مرة أخرى.
لكن كلماته جعلتني ألتفت إليه… نعم، ربما قال شيئًا مستحيلًا… ربما قال شيئًا لم أكن أتوقعه…
“البقاء لله.”
كانت دموعي ما تزال عالقة، لا تسقط تمامًا، ولا تجف. نظرتُ إلى الجميع، رأيتُ الحزن يملأ أعينهم، ثم قال أبي بصوت مرتعش:
“يا دكتور… حاول تاني، بالله عليك.”
لكن الطبيب لم يجب، فقط نظر إلينا بحزن، ثم أكمل سيره خارج الغرفة.
دخل الجميع إلى الغرفة، بعضهم يبكي، وبعضهم يصرخ، أما أنا… فقد كنت أتمنى أن يكون مجرد كابوس، مجرد حلم سيء سأستيقظ منه. لكن لا… لم يكن كذلك. كانت الحقيقة أمامي واضحة، قاسية، جارحة.
لحظات السعادة قليلة… قليلة جدًا.
انهرتُ على الأرض أبكي بكل قوتي. شعرتُ بيدٍ على كتفي، نظرتُ لأجد أخي واقفًا، وجهه مليء بالحزن، لكنه كان يحاول مواساتي، رغم أنه هو نفسه يحتاج لمن يواسيه.
“نور… الموت حق، كلنا هنذوقه.”
نظر إليّ بحزن، ثم أضاف:
— “أنا عايزك تكوني أقوى، جاسر خسارة في الدنيا دي.”
لم أستطع تحمّل كلماته، ركضت مسرعةً إلى الغرفة… ربما أسرع مما ينبغي. أغلقت الباب، أبعدت الجميع، نظرت إلى جسده المسجّى أمامي.
اقتربتُ منه، أمسكتُ يده الباردة، حاولتُ أن أوقظه، أن أصرخ في وجهه ليعود، لكنه لم يتحرك.
“أنا هحاول… أنا هحاول… بالله عليكم، لا تبكوا! جاسر لسه موجود!”
شعرتُ بيد أبي تحتضنني بلطف، حاول تهدئتي، لكنني كنتُ أودّع جاسر للمرة الأخيرة… ربما كنت أودّع نفسي معه.
مرّ عامٌ على فراقه.
نعم، عامٌ كامل، لكن الألم لم يفارقني لحظة. كلما تذكرت وداعه، انهمرت دموعي بحرقة، وكأن روحي ما زالت عالقة هناك، في تلك اللحظة التي خسرته فيها.
كم من الفرص أضعتها لنعود كما كنا؟ كم من مرة كان يمكنني التمسك به أكثر؟ لكنني كنت أرفض… كنت أضع مستقبلي فوق لحظات السعادة. كنت أعتقد أن الحياة ستمنحنا فرصة أخرى، لكنها لم تفعل.
لكن رغم كل شيء، ربما كان لي عزاءٌ صغير… فواد مات في السجن، وميرنا جُنّت. كان هذا عقاب الله لهما في الدنيا، أما في الآخرة، فالله أعدل.
كنت غارقةً في أفكاري عندما فتح أبي الباب. كانت عيناه تحملان رجاءً ممزوجًا بالحزن وهو يقول:
“نور، بترجاكي، وافقي على رياض… شاب محترم جدًا.”
نظرت إليه بحزن وأجبت بصوت خافت:
“بابا، مش وقته دلوقتي خالص.”
تنهد أبي وقال بحزن:
“والله قلت له إنك مش موافقة، لكنه أصرّ على مقابلتك. حاولي تقابليه.”
نظرت له بوضوح وأنا أتمسك بألمي:
“بابا، مش عايزة أعلّق حد بيا، وأنا مش قد المسؤولية. بالله عليك، حاول تقوله ما يجيش.”
اقترب مني، وضع يده على كتفي بلطف وقال:
“نور، فرصة… علشاني. نفسي أشوفك عروسة، خلاص اللي حصل حصل، انسي!”
ضحكت بسخرية، ابتسمت بحزن، ثم قلت بصوت متهدج:
“أنسى؟! بالله عليك، قولي، أنسى إزاي؟”
ربّت على كتفي بحنان، وقال بصوت هادئ:
“عارف إنه صعب، بس مفيش بيد حيلة غير أننا نقبل الواقع. نور، اخلعي الدبلة من إيدك… بكرة تشوفي رياض.”
نظرت إلى الدبلة التي في يدي، مرّرت أصابعي عليها كأنها قطعة من روحي، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة وقلت:
“مستحيل، يا بابا… مستحيل أخلعها. وبعدين… جاسر هيزعل.”
هزّ رأسه بحزن وقال:
— “جاسر خلاص، يا نور… مش هيزعل. ولو كان هيزعل، فبس علشانك… علشان رافضة تعيشي حياتك.”
لم أستطع الرد، فقط أغمضت عيني، كأنني أهرب من الواقع… كأنني أنتظر منه أن يعود.
في اليوم التالي، أقنعني أبي بالخروج.
جلستُ وانا أشعر بضيق شديد، وكأن شيئًا ما يضغط على صدري. كنت هناك جسدًا بلا روح، حتى سمعت صوتًا مألوفًا يناديني:
“نور…”
رفعت رأسي ببطء… تجمدت ملامحي… ثم همست بذهول:
“جاسر؟!”
ابتسم وقال:
“أيوه… جاسر.”
بكيتُ بحرقة، شعرت أنني أختنق، قلت بصوت مرتجف:
“ليه مشيت؟ ليه سبتني؟ وبعدين… أنت وعدتني!”
نظر إليّ بحنان وقال:
“وعدتك… طول ما أنا عايش يانور.”
توقفتُ للحظة، شعرتُ بالهواء يضيق من حولي… ثم همست:
“لا… ممتش! فاهم؟ ممتش!”
لكنني فجأة، وجدتُ نفسي بين ذراعي أبي، يهزني بلطف وهو يقول:
“نور، خلاص، يابنتي… خلاص.”
نظرتُ حولي، لم يكن هناك أحد، لم يكن هناك سوى رياض ينظر إليّ بحزن، ثم قال:
“نور… اهدي، لو مش موافقة خلاص، مش لازم.”
لكنني سمعت صوت جاسر من جديد… نعم، صوته واضحٌ في رأسي:
“نور، وافقي… علشاني، وافقي.”
نظرتُ إلى رياض، لا أعلم كيف خرجت الكلمة من فمي، لكنني قلتها دون تفكير:
“موافقة.”
شعرتُ براحة غريبة، وكأنني أخيرًا أغلقت بابًا كان مفتوحًا على جرحٍ لا يلتئم. ربما كانت الأرواح تجالسنا… ربما كانت تشعر بنا… وربما، كان صفاء قلوبنا هو الوجه الحقيقي لنا جميعًا.
مرت السنوات، لم يكن من السهل أن أبدأ من جديد، لكنني فعلت… تزوجت رياض، وبمرور الوقت، بدأت أجد في وجوده سندًا كنتُ بحاجة اليه . لم يكن جاسر، نفسه، لكنه كان حاضرًا بطريقته، بصبره، واحتوائه لي .
أما هشام، فقد تزوج هو الآخر… كان يستحق السعادة، وأعتقد أنه وجدها أخيرًا.
في إحدى الليالي، كنت أجلس على شرفة منزلي، أنظر إلى السماء، أتأمل النجوم التي لطالما أخبرت جاسر أنها تذكرني به. ابتسمت بهدوء وهمست:
“جاسر… أنا بخير.”
وربما، في مكانٍ ما بعيد، كان يسمعني… وكان يبتسم أيضًا.
الحياة تستمر، والألم يهدأ، لكن الذكرى تبقى… تبقى فقط لتذكرنا أننا عشنا، أننا أحببنا، وأننا في النهاية، تعلمنا كيف نمضي قدمًا.
في النهاية…….
قد تحمل كل شيء بوجهك الحقيقي، قد تبكي، قد تضعف، قد تخسر، لكنك لن تخدع نفسك أبدًا.
في النهاية، الأقنعة تسقط، والزيف يزول، ولا يبقى سوى حقيقتك… وجهك الذي تحمل به آلامك وانتصاراتك، خيباتك وأحلامك، دون خوف، دون تزييف.
أن تكون حقيقيًا… هذا هو الانتصار الوحيد الذي لا يُهزم.
تمت
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وجه بلا قناع)