رواية وجه بلا قناع الفصل الحادي عشر 11 بقلم سامية السيد
رواية وجه بلا قناع الجزء الحادي عشر
رواية وجه بلا قناع البارت الحادي عشر

رواية وجه بلا قناع الحلقة الحادية عشر
أحيانًا يعمي الطمع بصيرتنا، فننسى طريقنا، ونتجاهل كل الإشارات التي تنبهنا إلى الخطر. قد يكون التحذير واضحًا، لكن الطمع يضع غشاءً فوق أعيننا، فلا نرى سوى ما نريده، متجاهلين الحقيقة التي تصرخ أمامنا.
كانت ميرنا واقفة أمام فؤاد، تتأمله بنظرة ممتزجة بالغضب والرجاء. كانت قد تعبت من المراوغة، ومن تأجيله المستمر للأمور التي تهمها. تقدمت خطوة نحوه، وكأنها تحاول اختراق جدار الصمت الذي يحيط به، وقالت بجديّة، محاولة إخفاء إحباطها:
سيبك من نور دلوقتي، إحنا لازم نتجوز رسمي.
لم يكن ردّه كما توقعت، بل كان مليئًا بالنفور والتململ. رفع نظره إليها بضيق واضح، وكأنه يبحث عن طريقة لإنهاء الحديث دون مواجهة، ثم قال وهو يشيح بوجهه عنها:
ميرنا، مش وقته خالص دلوقتي… ياريت تمشي انا قولتلك هتجوزك لما اخذ الشركة.
قالت بصوت مرتجف، يعكس إحساسها بالخذلان:
يافؤاد، خلاص، انت ليه بتعاند كده؟
تبدل ضيقه إلى غضب، وكأنه شعر أن الحديث أصبح يشكل ضغطًا عليه. زفر بحدة قبل أن يرد بصوت خالٍ من أي تعاطف:
بعاند؟ ده حقي! وبعدين هما معاهم كتير، مجتش على الشركة بقى !
ثم التفت مبتعدًا عنها، تاركًا إياها غارقة في مشاعرها المتناقضة، بين حبها له ورغبتها في التمسك به، وبين إحساسها بأنه لن يكون لها يومًا.
♡في مكان آخر♡
كانت نور تجلس على مكتبها، تحاول التركيز على عملها، لكنها لم تستطع منع أفكارها من التشوش. كانت الليلة الماضية ثقيلة على قلبها، ولم تتوقع أن تزداد الأمور تعقيدًا هذا الصباح.
وفجأة، قطع تفكيرها صوت مألوف، جعل قلبها يخفق بغير إرادتها. رفعت رأسها ببطء، لتجد جاسر واقفًا أمامها، ينظر إليها بابتسامته المعتادة، تلك التي لم تتغير رغم مرور السنوات.
قال بصوت هادئ، يحمل شيئًا من المزاح:
جاي أطمن عليكِ، وبعدين ليه جيتي النهارده ؟
نظرت إليه، محاولة إخفاء مشاعرها، ثم أجابته بابتسامة خفيفة، رغم أنها كانت تعلم أنه سيلاحظ اضطرابها:
فيك الخير طبعًا. الحمد لله، محصلش حاجة. مكنتش تعبت نفسك وجيت لي المستشفى.
لاحظ توترها، فتقدم خطوة نحوها، يراقبها بنظرة متفحصة قبل أن يقول بصوت منخفض لكنه حازم:
نور، انتِ مالك متوترة كده؟
حاولت التماسك، لكنها لم تستطع. تنهدت ببطء، ثم قالت بصوت خافت، يحمل في طياته الكثير من القلق:
مش متوترة… بس بابا شافني امبارح، افتكر إني أنا كلمتك.
ابتسم، وكأنه كان يتوقع ذلك، ثم قال بنبرة لا تخلو من المرح:
آه، ما هو كلمني امبارح. نور، بصراحة، أنا عايز أرجع ليكِ. يا ستي، أنا موافق إنك تشتغلي، بس بشرط.
جمدت في مكانها، لم تكن تتوقع منه هذا الكلام بعد كل هذه السنوات. شعرت بقلبها يختلج، لكنها حاولت أن تبقى متماسكة. رفعت حاجبيها بدهشة، وسألته بصوت متردد، محاولة إخفاء لهفتها:
شرط إيه؟! قصدي… انت بتتكلم جد؟ بعد خمس سنين حابب ترجع؟ جاسر، انت متخيل بتقول ايه؟
لم يبدُ عليه التردد، بل كان ثابتًا في موقفه. نظر إليها بعيون تحمل مزيجًا من الحزن والحنين، ثم قال بابتسامة باهتة:
خمس سنين… بصراحة، اتأخرنا خالص. بس الحب عمره ما يموت، لو عدى عليه ألف سنة، مش خمس سنين بس.
تبدلت نظرتها إلى العتاب، وكأنها تحاول أن تذكره بالألم الذي عانت منه. قالت بصوت منخفض لكنه حاد:
جاسر، انسى الموضوع خلاص. معندناش أطفال علشان نفكر بالحب والكلام ده. عمومًا، الوقت كفيل ينهي كل حاجة حلوة كانت.
لم يستسلم بسهولة، بل اقترب منها أكثر، وكأنه يحاول اختراق الجدار الذي بنته بينهما، ثم قال بجديّة واضحة:
نور، بالله ما تكابري أكتر من كده. أنا عارفك، فاهمك. عارف إني اتسرعت لما قلتلك إني مش حابب تكملي تعليمك، وانتِ كمان اتسرعتي لما رفضتي طلبي. بس صدقيني، كنت خايف عليكي من الناس.
رفعت نظرها إليه، وعيناها تعكسان وجعًا دفينًا لم تنجح السنوات في محوه. قالت بصوت خافت، لكنه كان ممتلئًا بالعتاب:
بس مخفتش عليَّ من أفكاري، صح؟ سبتني طول الوقت أفكر أنا في إيه غلطت. عمومًا، يا جاسر، أنا شايفة إن الموضوع انتهى، مش لازم نفتحه تاني.
ساد الصمت للحظات، قبل أن يتراجع للخلف، وكأن كلماته فقدت تأثيرها عليها. زفر ببطء، ثم قال بحزن حقيقي:
تمام… بعد إذنك. أنا آسف، بس كنت مفكر إنك لسه بتحبيني… بس فعلاً، الوقت بينسي زي ما قلتي.
راقبته وهو يخرج، يغلق الباب خلفه بقوة، وكأنه يحاول أن يترك خلفه كل المشاعر التي كادت أن تعيده إليها. جلست على أقرب كرسي، وضعت يدها على صدرها، تحاول أن تهدئ ضربات قلبها المتسارعة.
♡في مكان آخر♡
كان هشام يجلس في مقهى قديم، يحتسي مشروبه الساخن وهو ينظر إلى صديقه يحيى، الذي عاد من السفر بعد سنوات من الغياب.
قال هشام بابتسامة دافئة:
الحمد لله، والله! بس انت كنت مختفي فين؟
ضحك يحيى وهز رأسه قبل أن يجيب:
آه، سافرت، اشتغلت، لقيت الحال واقف، فنزلت بلدي أحسن.
ضحك هشام وقال مازحًا:
بلدك أحسن بكتير فعلًا! بس بصراحة، كانت أحلى أيام أيام المدرسة… بجد، نفسي نرجع تاني إحنا والشباب.
تنهد يحيى بحزن، وكأنه يتذكر أصدقاءه الذين ابتعد عنهم بمرور الوقت، ثم قال:
ياريت والله! كمان جاسر وحشني جدًا… هو شغال فين؟ ولا إيه حاله؟
أجابه هشام:
شغال مهندس، ما هو دخل كلية هندسة معايا. هو كويس، بس بقالي فترة كبيرة مش بكلمه.
نظر إليه يحيى باستغراب، ثم قال:
ليه؟! حتى انتوا كنتوا زي الإخوات!
ابتسم هشام ابتسامة حزينة قبل أن يقول:
لحد دلوقتي والله، بس الواحد مر بفترة صعبة بعد فيها عن الكل… بس الحمد لله إنها عدت على خير..
♡في مكان اخر ♡
بعد مرور بعض الوقت، عادت نور إلى المنزل. كانت غارقة في أفكارها، تحاول استيعاب ما حدث، لكنها لم تستطع الوصول إلى قرار واضح. الحيرة التي شعرت بها هذه المرة كانت مختلفة، مربكة بشكل لم تعهده من قبل.
دخلت غرفتها بخطوات مثقلة، ثم رمت حقيبتها على السرير وجلست بتعب. وضعت يديها على وجهها للحظات، وكأنها تحاول تهدئة العاصفة التي تدور في عقلها.
لم تمضِ سوى لحظات حتى فُتح الباب برفق، وظهر والدها عند العتبة، ينظر إليها بحنان. تقدم نحوها مبتسمًا، وقال بصوت دافئ:
حبيبتي، حمد الله على السلامة.
رفعت رأسها نحوه، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة، واحتضنته بحنان قائلة:
الله يسلمك يا بابا.
ابتعد عنها قليلًا، وتأمل وجهها بتمعن، ثم قال بنبرة قلقة:
متغيرة… مش عادتك! شكلك تعبان.
أخفضت نور عينيها قليلًا، وكأنها لا تريد أن يرى ما يدور داخلها. أخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت بصوت خافت، يكشف عن قلقها:
جاسر كلمك، صح؟
أومأ والدها برأسه بابتسامة هادئة، وقال بهدوء وهو يجلس بجانبها:
أيوه، كلمني… بس المهم رأيك انتِ، يا نور.
رفع عينيه إليها، منتظرًا إجابة تكشف عما يدور في داخلها. لكن نور لم تكن قادرة على الرد بسهولة، فقط تنهدت ببطء، وهي ما زالت تبحث عن إجابة لهذا السؤال الذي يعصف بعقلها.
“هل تعتقدون أن نور ستوافق على العودة لجاسر، أم أن الماضي سيمنعها؟”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وجه بلا قناع)