رواية وبالحب اهتديت الفصل السابع عشر 17 بقلم سلمى خالد (سماسيمو)
رواية وبالحب اهتديت الجزء السابع عشر
رواية وبالحب اهتديت البارت السابع عشر

رواية وبالحب اهتديت الحلقة السابعة عشر
( خوف ثم…!)
الخوف مرض نفسي يصيب الانسان من ضغوط الحياة، ولكني أرى أنه نسيجًا لأفكارٍ واهميةٍ ترسخت بالعقل من خبراتٍ مؤلمة ربما نتذكر بعضها وربما يدفعنا عقلنا اللاوعي لأشياء لا نعلم لماذا نفكر بها؟
رجفة أصابت كفها بعدما احتضنها بكفه، تسير معه بخطواتٍ متمهلة للغاية، تختلس النظر له خفية لترى معالم وجهه ولكنها كانت متهجمة… مقتضبة، وصل بها إلى سيارة ثم ساعدها لتدلف بها وما ان استقرت حتى استدار ليدلف هو الأخرى، وبلحظاتٍ اندفعت السيارة بطريقٍ معاكس للمنزل، ارتجف جسد فاطمة للغاية تشعر بالخوف لِم غير طريق عودتهما؟ ملامحه التي لا تزال مقتضبة؟ كلماته أنه لابُد من اصلاح الخطأ… هل سيطلقها؟ عند تلك النقطة اتسعت عينيها وشعرت بألمٍ يغزو قلبها فيمزقه إرابًا.
تجمعت الدموع بمقلتيها حتى سالت على وجنتيها، تشعر بغصةٍ تقبض على صدرها، أغمضت عينيها تحاول كبح شهقاتها حتى لا يراها، ولكن هيهات استمع لصوت نحيبها الضعيف ليرمقها بنظرة سريعة فارتسمت الدهشة على معالمه يعود يركز بصره على الطريق متمتمًا بجديةٍ:
_ أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟
كأنه ضوء الأخضر لتلك النوبة بالانطلاق، تعلو شهقاتها أكثر وأكثر حتى توقف غفران بجانب الطريق يرمقه بنظراتٍ قلقة مما هي به، رجفة شفتيها وانفاسها التي بدأت بتقاطع، أمسك كفها سريعًا مرددًا:
_ اهدي يا فاطمة؟ خدي نفسك براحة يلا وانا معاكي.
لم تهدأ حالتها بل ازدادت سوءًا حتى أتتها تلك النوبة بالمرة السابقة، وضعت يدها على صدرها تحاول السيطرة على تلك الآلام المتفرقة بصدرها، تلتقط انفاسها بصعوبةٍ بالغة، ينتفض جسدها بالكامل.
ازداد قلق غفران عليها ليترجل من السيارة سريعًا يتجه نحو الباب بجهة فاطمة ثم قام بفتحه يمسك يدها يدفعه إلى خارج السيارة، لم تستطع الوقوف فكانت قدامها كالهلام لتسقط أرضًا فجلس خلفها مباشرةً يضمها بقوةٍ يحاول نزع كفها الموضوع على صدرها، يهمس بدفئٍ بالرغم من القلق الذي نهش قلبه:
_ خدي نفسك براحة يا فاطمة… أنا موجود معاكِ… غفران معاكي يا فاطمة اهوه.
ضغط على كفها قليلًا لتشعر بوجوده ودفء جسده، يسترسل بحنو:
_ أنا عمري ما هسيبك يا فاطمة.
بث الدفء داخلها، تشعر بهدوء تلك الرجفة التي دامت خمس دقائق كاملين، انسحب الألم من صدرها حتى أصبحت قادرة على التنفس براحةٍ، بينما زفر غفران براحةٍ بعدما استكن جسدها داخل أحضانه فأصبحت تستند بظهرها على صدره ورأسها على كتفه، نظر غفران لما هي به ثم شعر بها ترفع ذاتها عنه ليساعدها بالابتعاد، نهض من مكانه مستندًا على السيارة وساعد فاطمة بالنهوض حتى دلفت للسيارة مجددًا.
أغلق الباب مجددًا ولكن تلك المرة لم يتحرك بالسيارة بل استدار نحو فاطمة التي لا تزال تذرف الدموع ترجع رأسها للخلف، ليمد كفه يزيح تلك الدموع من وجنتها بلطفٍ، يردد بحنوٍ:
_ ايه اللي بيحصلك دا يا فاطمة؟ ليه بتتخنقي وبتتعبي كده؟
_ بانك اتاك (panic attack )
تلفظت بتلك الكلمات بشحوبٍ واضح، في حين عقد غفران حاجبيه بتعجب يعيد تكرر كلماتها:
_ بانك اتاك؟
فتحت عينيها تنظر له بضعفٍ واضح، تردد بصوتٍ مختنق… مبحوح:
_ عندي نوبة ذعر يا غفران… النوبة دي بتجيلي فجأة مش بعرف اتنفس وصدري بيوجعني وجسمي كله بيترعش وبيتنفض جامد بتفضل دقائق وبعدها بتروح بس لزما أعمل تمارين تنفس وأبعد عن أي حاجة ممكن تزود النوبة دي وبتزيد لو حالتي النفسية سيئة.
دُهش غفران من حديثها، لأول مرة يعلم انها تعاني بمثل تلك الحالة، تأملت فاطمة طريقته بعدما علم، فالتقطت أذنها سؤاله الهادئ:
_ الحالة دي من بدري؟
نفت برأسها ذلك، تشعر بألمٍ يغزو رأسها متمتمة في محاولة تذكر:
_ مش عارفة بس أول مرة كانت معاك بعد قطع الكتاب.
قطب جبينه من اجابتها المتناقضة، ليردد بشك:
_ أمال مش عارفة إزاي؟
نظرت له بأعينٍ زائغة تجيبه بوهنٍ بعدما تملك من التعب:
_ حاسه انها كانت بتجيلي بس مش فاكرة حاجة زي كده ممكن وأنا صغيرة ومش فاكرة.
أومأ غفران ثم استدار ليدير محرك السيارة ولكن رأى كف فاطمة موضوع على يده، ادار رأسه ينظر لها بتعجب، لتردد برجفة واضحة:
_ هو أنت لدرجة دي مش عايزني في حياتك!
تأملها بهدوءٍ ينافي ما قالته، ليردف بغموضٍ:
_ أنتِ شايفة ايه؟
ازاحت كفها عنه، تلتمع عينيها بالدموع مجددًا، تمتم بصوتٍ متحشرج غلبته دموعها بعدما أشاحت بوجهها:
_ مش عايزة أشوف حاجة.
_ يكون أفضل برضو.
انتهى من تفوه تلك الكلمات اللاذعة ثم تحرك بسيارته مكملًا هذا الطريق الغريب والذي لا يعلم عنه أحد شيء.
***********
تحركت عينيه مع دخول الممرضات والطبيب ليسيطروا على حالة الهياج التي تلبست ما أن رأته، تشنج جسدها بالكامل، تنظر للجميع برهبةٍ وذعر، تحاول تحريك يدها بعدما قُبضت بقوةٍ من الممرضات، تتلوث ملابسها أثر هذا الجرح الذي لم يبرأ.
هدأت تشنجاتها بعدما حقنها الطبيب بمواد مهدئة، ثم غادر الغرفة يلقي تعليمات مشددة على الممرضة التي اومأت بايجابية لتنفيذ أمره، تحرك عاصم مع الطبيب إلى خارج الغرفة ينظر له منتظرًا تفسير لما فعلته، فزفر الطبيب بصوتٍ مسموع متمتمًا:
_ بص يا حضرة الظابط البنت دي اتعرضت لإعتداء بالضرب عنيف جدًا ودا سبب الحالة اللي حضرتك شوفتها دلوقتي… وهي لزمًا تروح مصحة نفسية لأنها لو فضلت كده ممكن تأذي نفسها ولا سيما أن الجرح رجع فتح وهي مهتمتش وتقريبًا كانت بتعافر لحاجة معينة.
قطب عاصم ما بين حاجبيه، يتسأل بهدوءٍ:
_ حاجة ايه؟
نفى الطبيب برأسه علمه بها ناطقًا:
_ مقدرش اعرف حاجة زي كده غير لما تفوق وكمان تتعرض على دكتور نفسي.
تفهم عاصم حديثه، ثم استأذن الطبيب منه وغادر بينما بقى عاصم مكانه أمام غرفتها، ألقى نظرة سريعة ما أن رأها الممرضة تغادر الغرفة، ثم أُغلق الباب ليتحرك من مكانه يهمس بذاته:
_ يا ترى أنتِ ايه اللي وراكِ يا آنسة!
************
ارتجف جسدها برعبٍ ما أن سمعته ينطق بتلك الجمُلة، بينما علقت دموع الأخرى بحدقتيها وهي ترى دلوفه للغرفة ولكن بشكلٍ مخيف للغاية، ينتوي على قتل أحد تلك الليلة، استدارت أميرة تنظر لجبران بارتباك قائلة بتلعثم:
_ أ.. أنا دخلت هنا عشان اتكلم معاها.
_ مين سمحلك تدخلي أصلًا؟
نطق تلك الكلمات بهسيسٍ مخيف، أرعب كلا الفتاتان، يرتجف جسدهما بوضوح أمامه، حاولت الإجابة على سؤاله ولكن جف حلقها وتبخرت الكلمات من عقلها، ليعيد جبران سؤاله بصوتٍ عالي مخيف بعدما وقف أمامها مباشرةً:
_ قولت مين سمحلك تدخلي الأوضة؟
انتفض جسدها وتراجعت للخلف برهبةٍ، تنظر له بذعرٍ واضح مجيبة:
_ يقين… يقين سمحتلي أدخل.
نظر إلى يقين التي جحظت عينيها بصدمةٍ من كذبتها، تنظر لعيني جبران اللتان تُطلقان سهامًا قاتلة، عروق وجهه البارز بوضوح تكاد تنفجر من شدة الانفعال، حركت يقين رأسها بنفيٍ سريع تغرق الدموع وجنتيها قائلة:
_ لالالا والله ما حصل!
عاد بنظره إلى أميرة يهسهس محتدًا:
_ اديني مبرر واحد يخليني اترتجع عن اللي بتعمليه!
اشتعلت الغيرة بقلبها كلما تذكرت دلوف يقين بسهولة وعدم قدرتها على الدلوف، لتتمتم بحقدٍ واضح:
_ وأشمعنا هي تدخل!
رفع جبران حاجبه باستنكارٍ منها بينما ركزت يقين حواسها لتستمع لاجابته التي رفض أن يجيب عليها بالماضي:
_ وأنتِ مال أهلك؟
لم تتحمل أميرة طريقته لتتقدم لخطواتها نحوه قائلة بعصبية:
_ هو ايه اللي مالي بقولك اشمعنا تدخلها وأنا لاء؟
ابتسم ببرودٍ لها، تتهجم ملامح روايدًا روايدًا مجيبًا بكلماتٍ ألتقتطها يقين سريعًا بسعادة:
_ عشان بقرف من الكل إلا هي.
نشوة النصر تغطي ملامحها، تتلاءم بعض جروحها منه بينما حدقته أميرة بحقدٍ واضح، تردف بغضبٍ جامح:
_ هو إيه اللي بقرف من كل إلا هي! اشمعنا هي ولا أنت بتتلكك عشان مجنون!
أسودت عينيه بشدةٍ بعدما استمع لتلك الكلمة التي قيلت له مرارًا وتكرارًا، عانى منها لسنوات من أصدقائه وجميع من حوله حتى أقاربه ينعتونه بالمجنون والملبوس لأجل هوسه بالتنظيم والنظافة، وما ذنبي إن كنت لا استطيع مساعدتي بعدما أصبحت سنين حياتي عُجاف!
انتفضت يقين من أعلى الفراش تراه يتقدم من أميرة بطريقةٍ مخيفة دبت الرعب بها، تقف أمامه بتعبٍ قائلة بصوتٍ مرتجف:
_ عشان خاطري يا جبران سيبها تمشي ومش هتدخل الأوضة تاني.
تلبست به شياطين الغضب لم يعد يرى أمامه سواها الآن لابُد من تحطيمها لتبتعد عن الغرفة تمامًا، أصبحت تهدده الآن بدلوفها كهفه، رأت يقين ملامحه المتهجمة ونظراته التي لم تحِد عن أميرة تُطلق منها سهامًا لو كانت حقيقية لقُتلت للتو، لم يأتِ بعقلها سوى شيء واحد لتصرخ بألمٍ زائف تمسك برأسها بشدة، وبالفعل نجحت خطتها لينتفض جبران من صوتها يسرع بأمساكها قبل ان تهوى بجسدها على الأرض.
هروالت أميرة من أمامهما ولكن قبل خروجها ألقت نظرة حاقدة تقطر بالشر بعدما رأته يحملها بخفةٍ خاشية عليها، غادرت الغرفة تتوعد بجنونٍ لهما، بينما همس جبران قلقًا:
_ لسه تعبانة… إجيب دكتور؟
ابتسمت يقين ببعض التعب الظاهر أثر ما تعرضت له من زكام معلقة:
_ دا على أساس هتسيبه يدخل الأوضة!
بادلها الابتسامة ثم ما كاد أن ينهض من مكانه حتى شعرت يقين بالخوف أن يذهب خلف أميرة مجددًا لتردف بقلق:
_ أنت رايح فين؟
نظر لحالة الخوف الواضحة على معالمها، أحب تمسكها به… خشيتها من أن يتركها فيفعل شيءٍ خاطئ يدمره، انحنى بجزعه العلوي يهمس جوار أذنها:
_ متخفيش هروح أغير وأنضف الأوضة مكان ما الهانم دخلت… مش محتاجة تمثلي التعب تاني.
أعتدل بوقفته مجددًا، يغمز لها بعينيه، في حين حدقته بصدمةٍ يعتريها حرج منه، ولكن بدأ تخللها الغضب من كونها يخدعها أمامها فصاحت ناطقة بكلماتٍ غاضبة:
_ يعني كنت بتضحك علينا أحنا الاتنين وطلعت لا بتقرف ولا حاجة صح وأنا الهبلة اللي خوفت عليك؟
نظر لها تعلق بثغره بسمة تسلية لأخر ما قالته، يرد بمكرٍ:
_ أولًا أنا فعلًا عندي استعداد أروح وراها عشان دخولها الأوضة بس هسكت عشان خليتك تتحركي وتقفي معايا ثانيًا متقوليش على مراتي هبلة لو سمحت.
رفعت حاجبه باستنكار مغمغمة:
_ والله!
أومأ برأسه يسترسل حديثه الماكر:
_ أيوة طبعًا مراتي لا يمكن تكون هبلة أبدًا.
:_ أمال هتكون ايه غير كده؟
قالتها بتهكم، ليعلق بصوتٍ رجولي هادئ صادق:
_ستكون حبيبتي التي ليس لها شبيه… وقرة عيني دون بديل ستكون حبيبة جبران الأولى والأخير.
تجمد جسدها أثر كلماته الحنونة الصادقة، تشعر بمدى مصدقيتها، يرتجف قلبها من سماعها، ولكن لِمَ يؤلمها قلبها هكذا؟ أدمعت عينيها تضع يدها على صدرها من تلك الغصة التي قبضت على صدرها، نظر لها جبران وفهم ما تمر به ليردف بندمٍ واضح:
_ هو جبران وحش لدرجة دي ومستحقش تسامحيه… ميستحقش فرصة تاني؟
نظرت له بتشويشٍ، ترى ذلك الندم بحدقتيه لِما فعله، ولكن عجز لسانها عن النطق، ابتسم جبران بحزنٍ ثم استدار ليغادر ولكن ردد بنبرة متألمة مواليًا ظهره لها:
_ عايزك تعرفي أنك الوحيدة اللي غلبت وسواسي ودخلت حياتي وسابت بصمة في كل حاجة ومكنش في قبلك ولا هيكون في بعدك.
غادر إلى الشرفة يحاول ترتيب أفكاره مجددًا بينما نظرت له يقين ودقات قلبها تنبض بعنفٍ، جسدها يرتجف من لُطف أحاطها به، ولكن ماذا عساها أن تفعل الآن؟
***********
لا تعلم بأي مكان هي، لم ترَ لافتة أو أي شيء لتعلم أين هي الآن تلك الغفوة السريعة التي قضتها بالسيارة حجبت معرفتها بالمكان، نظرت له يسحب عكازه من الخلف ثم يترجل من السيارة، لتماثله في الفعل، يسقط بصرها على تلك البناية الهادئة للغاية بمنطقة معزولة بعض الشيء، همست بصوتٍ مرتجف:
_هـ.. هو أحـنا هنا ليه؟
رمقها بنظرة متهكمة ثم استند على عكازه يعرج إلى دخل المبنى حتى وصل إلى المصعد دلف بداخله ونظر إلى فاطمة الواقفة أمامه تفرك كفيها ببعضهما بتوترٍ، قال ساخرًا:
_ الهانم عايزة عزومة؟
ابتلعت سخريته منها وردت بحزنٍ:
_ بخاف أركب الاسانسير.
نظر لها قليلًا، ثم زفر بصوتٍ مسموع، ليغادر المصعد ويتحرك نحو الدرج قائلًا:
_ أظن السلم العادي ينفع.
اتسعت عينيها من كونه سيصعد الدرج العادي لتردف بقلق:
_ بلاش عشان رجلك هتتعب.
_ يلا اطلعي يا فاطمة أخلصي.
قالها بنفذ صبر منها، بينما حدجته بنظرة غاضبة ثم صعدت خلفه على الدرج، كانت خطواتًا بطيئة للغاية ولكنها فرصة لأن تتأمله، ترى فعلته معها فلم يتركها رغم عجزه لأن يصعدا سُلم فـ لِمَ قال أنه سيصلح ما فعله؟
وصل أخيرًا للطابق المطلوب ليدلف بهِ كلاهما، وما أن أغلق باب الشقة حتى انتفض جسدها أثر صوت الباب، نظر لها غفران ساخرًا يردد بصوتٍ متهكم:
_ للدرجة دي طلعت بخوف… مكنتش أعرف إني بالبشاعة دي يا فاطمة هانم.
تحرك بغصةٍ من أمامها يدلف إلى إحدى الغرف، بينما نهرت فاطمة نفسها من حديثه فهي لم ترِد هكذا ولكن أصبحت تخشى كل شيء، تحركت خلفه إلى حيث يجلس تطرق الباب بخفةٍ وما أن استمعت لسماحه بالدلوف حتى دخلت الغرفة ولكن سرعان ما أشاحت بوجهها بعيدًا بعدما رأته لا يزال يمسك بقميصه وجزعه العلوي عاري، فهتفت بتلعثم:
_ آسفة بس أنت قولت ادخلي.
علق بكلماتٍ ذات مغزى:
_ تقريبًا نسيتي إني جوزك يعني لا بعُض ولا بضرب… عامةً أنا خلصت.
فهمت مقصده ويشعر بتوتر حاد يقتحم رأسها، تعود بنظرها له لتجده يضع عكازه جانبًا يجلس على الأريكة بتلك الغرفة ذات طابع رجلي أكثر، رددت فاطمة بحيرة متخلية عن ثوب التوتر:
_ هو احنا فين كده؟
– وبتسألي ليه خايفة أقتلك ومحدش يوصلك؟
قالها بسخطٍ ظاهر على معالم وجهه، لتصيح الأخرى باختناق:
_ خلاص بقى يا غفران أنا تعبت.
حدجها بنظرةٍ معاتبة قائلًا:
_ تعبتي من شوية كلام… لكن نظرات الشك وقلة الثقة بينا وأنك تلجيء لغيري دي عادي بنسبة ليكِ صح؟
حركت رأسها بنفيٍ، تذرف الدموع بغزارة، تجيبه بصوتٍ مبحوح:
_ لا والله بس قلبي وجعني وأنا شايفة جواب غرامي لخطيبتك الأولى محتفظ بيه في دولابك… حسيت إنك لسه بتحن ليها وخاصةً أنها كل شوية تقولي أنك بتحبها لسه… أنا مقصدش كل دا والله ما اقصد.
وضعت وجهها بين راحتي يدها تنحب بصوتٍ مسموع، بينما زفر غفران بضيقٍ من رؤيتها هكذا، يتوعد بذات اللحظة للمدعوة هناء، لينهض بتعبٍ واضح من قدمه، فهذا السُلم أرهق قدمه العرجاء وظهره كثيرًا، ثم وصل لها حتى وقف أمامها يمسك كفيها الموضوعان على وجهها يسحبها ببطءٍ قائلًا بحنو:
_ أنا جبتك هنا عشان نبعد عن هناء واخواتها يا فاطمة مش عشان أطلقك واسيبك.
علّت شهقاتها لتكسر سيف الصمت، تنظر لغفران ببعض السعادة قائلة من بين شهقاتها:
_ يعني مش هطلقني زي ما كنت بتقول؟
قطب جبينه بتعجبٍ يعلق باستنكار:
_ أنا قولت هصلح غلطتي مش هروح أخربها على دماغي يا فاطمة!
ضحكت على تعليقه، بينما ابتسم غفران بعدما رأها تضحك هكذا ولكن تشنجت معالم وجهه بألم حينما أته شد عضلي، ليضع يده على قدمه سريعًا، توقفت عن الضحك ما أن لاحظت معالمه لتسرع بأمساك كفه قائلة بندمٍ:
_ تعالى طيب نريح شوية.
وبالفعل قبل مساعدتها يتحرك ببطءٍ شديد نحو الفراش ليستريح عليه ثم جلس عليه، لتقوم فاطمة بالانحناء لرفع قدمه ولكن منعها غفران قائلًا بجدية يتخللها بعض الألم:
_ لاء متوطيش كده تاني… شوية كده والألم هيروح وهرفعها.
نظرت له بجدية تمثل طريقته بالحديث قائلة وهي تمسك بقدمه:
_ تقريبًا نسيت إني مراتك يعني لزمًا أكون معاك مش أتفرج عليك.. بس عامة أنا خلصت.
زحفت بسمة صغيرة لشفته ولكن أنقلبت لضحكات رجولية عالية بعدما غمزت بإحدى حدقتيها، تلتمع عينيه بسعادةٍ هادئة، ثم تحركت فاطمة من أمامه حتى وقفت أمام المرآة تنزع حجابها ثم تنفست براحة بعدما تخلل الهواء خصلات شعرها ورقبتها لتتنفس من جديد، تمنت لو استطاعت سؤاله ولكن خشيت أن يظن بها السوء، بينما فهم غفران تغير معالمها لشرود ليردف بهدوءٍ:
_ أنا أجرت الشقة دي لينا عشان نقعد فيها فترة ونبعد عن دوشة البيت هناك يا فاطمة… وكمان لأن وزارة الزراعة شافت البحث بتاعي وطلبت تقابلني.
اتسعت عينيها بسعادةٍ واضحة تستدير نحوه، تقترب منه حتى جلست على حافة الفراش قائلة بحماس:
_ بجد دا عشان البحث بتاع الأرض والدتك؟
نفى برأسه ناطقًا بما حدث:
_ لاء كنت عامل بحث تاني إزاي أزود محصول الأرض في الموسم بتاعه قبل الحصاد.
تبدلت مشاعرها لانبهار واهتمام لمثل هذا الموضوع لتتمتم بحماس:
_ طب ما تحكيلي عملت ايه؟
ابتسم لها بحبورٍ ثم قال:
_ طب ايه رأيك في كوبايتين شاي وأحكيلك فكرة البحث من أولها لأخرها.
أومأت برأسها ثم نهضت تتحرك نحو الباب ولكنها توقفت فجأة تدير رقبتها نحوه قائلة:
_ هو في حاجة هنا؟
أجابها مغمضًا عينيه واضعًا ساعده فوق وجهه مجيبًا:
_ عيب في حقي سؤال زي دا.
رفعت حاجبها من ثقته الزائدة تردد بسخطٍ:
_ دا اسمه غرور بقى ولا ايه؟
رفع ذراعه عن وجهه ينظر لها بجانب عينيه قائلًا:
_ ثقة اسمها ثقة في النفس.
حركت رأسها بنفيٍ من غروره فمنذ أن رأته ترى به كبرياء عالي لا يكسره شيء، استدارت لتغادر الغرفة ولكن اوقفها صوت غفران ناطقًا:
_ على فكرة الثقة دي جت لما فاطمة دخلت حياة غفران خليل.
زحفت بسمة ذات دلال لشفتيها دون أن تلتفت له، تشعر بمزيجٍ من السعادة والحب له، تحركت ناطقة سريعًا قبل خروجها:
_ طب ما أنا عارفة.
ضحك غفران بعدما نطقت بتلك الكلمات التي فهم معناها بلحظتها، بينما وقفت فاطمة بالمطبخ تضحك بخفوتٍ ثم بدأت تبحث عن قنينة معدنية لتضع بها الماء وتصنع الشاي لهما، وبالفعل استغرقت بعض الوقت حتى أتت بالأشياء صانعة بعض سندوتشات الجبنة معها، تسير بالحامل المعدني لداخل الغرفة، ثم وضعته على الكومدينو بجوار غفران وحملت قدحها واستدارت لتجلس بالجهة الأخرى إلى جواره، تنظر نحو غفران باهتمامٍ واضح ليبدأ بشرح فكرة بحثه ومن أين أتى بها.
نعم هي لا تفقه شيء فيما يقوله ولكن تشعر باستمتاع من كونه يحدثها بشغفٍ على ما يحبه، تتأمل شكله فيرتشف تارة ويكمل حديثه تارة أخرى، إلى أن وضعت القدح بعدما فرغ جانبًا و اضجعت بظهرها على ظهر السرير تتثائب بنعاسٍ واضح، حتى سقط رأسها على كتف غفران أثناء شرحه لها على الهاتف إحدى المعادلات التي أجرها، تفاجأ بثُقل رأسها ثم ابتسم لها متأملًا إياها بحب، يضع هاتفه بعيدًا ثم أزاحها قليلًا رافعًا ذراعه ليسقط رأسها على صدره، أحاطها بحنانٍ دافئ ثم قبل رأسها يغمض عينيه بسكينةٍ تامة.
**********
_ بتقفل تلفونك يا غفران دا وسايب صاحبك مع البلاوة دي.
مشاعر الضيق تعتري صدره، يسير بطريقه إلى تلك المصحة بعدما نقل الطبيب تلك الفتاة من المشفى أثناء نومها بتأثير إحدى المهدئات، يزفر باختناقٍ واضح مغمغمًا:
_ أنا نفسي أعرف لو في حد وراها ليه مبعتش لحد دلوقتي!
وصل أخيرًا لغرفة الطبيب المشرف عن حالتها، يخبر مساعدته بالدلوف لرغبته بمقابلته، وبالفعل دلف سريعًا بعدما رأت الكارنية الخاص بالشرطة، جلس على المقعد متمتمًا بصوتٍ جاد:
_ ممكن توضحلي حالة المريضة اللي جاتلكم امبارح؟
اومأ الطبيب بايجابية، يرفع عدستيه مجيبًا:
_ بص يا حضرة الظابط الآنسة اللي جت ظهر من التقرير المستشفى انه اعتداء حاد وعنيف بالضرب وفي حالتها دي تقريب اتعذبت لوقت طويل وبعدها ضربوا بالمسدس بس هنعرف التفاصيل أكتر لما تفوق ونتكلم معاها وعشان كده هتلاقي عندها نوع من الصدمة النفسية حادة… لكن متقلقش في دكتورة هتابع معاها بإذن الله وأول ما حالتها تسمح بأن حد يقابلها هبعت لحضرتك.
تنهد عاصم بتعبٍ من ذهابه وعودته دون الحصول على أي خيط يوصله لما حدث مع تلك الفتاة ومن خلفها، نهض من مكانه وغادر الغرفة ثم صعد للطابق الذي تقبع به تلك المسكينة، ضحية ذئاب متوحشة ليس للرحمة سبيل بينهم، يدلف الغرفة مع إحدى الممرضات يقف أمامها، يهمس بهدوء:
_ دا حتى اسمك مش عارفه… اتمنى تفوقي وتحكي اللي حصلك يا… يا آنسة.
*************
بقيت مكانها تتأمل ذهابه واحضاره لبعض أدوات التنظيف التي يحتفظ بها دائمًا، يمسح كل بقعة وقفت بها أميرة بوجهٍ عابس حزين، نعم تعلم سر عبوسه فهي من أوقعته بوحة الحزن، لا تعلم ما الذي يعيق علاقتهما ولكن بالحقيقة هي لا تريد تركه، باللحظة التي فكرة بها بهذا الموضوع شعرت بانخلاع قلبها، تنبض ألمًا فلن تنكر لحظات السعادة التي أغرقها بها، حنانه الدفئ معاها، حتى عندما دلفت أميرة لها لتغيظها رد لها كامل حقها، حمحمت بصوتٍ هادئ:
_ جبران.
توقف عما يفعله قليلًا، ثم عاد يكمل دون الرد لها، لتشعر يقين بالغيظ من تجاهله لها، ولكن هدأت ذاتها حتى لا تصبح العُقدة أكثر تعقيدًا فهتفت بجدية زائف:
_ طب لو سمحت رجعلي قلبي اللي معاك.
كادت أن تزحف بسمة صغيرة لشفتيه عندما استمع لحدثها، ولكن كبحها بصعوبةٍ قائلًا بجدية مماثلة:
_ حتى لو اتخصمنا قلبك هيفضل معايا.
تسللت البسمة لشفتيها دون عناء، ولكن تذكرت طريقته معها ووجه الموجه إلى حيث يعمل لتردف بعبوسٍ:
_ طب على فكرة أنا اللي زعلانة مش أنتَ متقلبش الترابيزة!
إلى هنا ولم يستطع منع ابتسامته، لينظر لها بعدما ترك ما بيده ينهض باتجاهها، يردف بصوتٍ رجولي هادئ:
_ ولما أنتِ لسه زعلانة بتكلميني ليه مستنتيش أصالحك ليه؟
توترت معالم وجهها بوضوحٍ أمام حدقتيه الماكرتين، تهمهم بتلعثم:
_ما أنا يمكن زودتها حبة صغننة أوي أوي أوي وقولت جوزي حبيبي زعلان ولزمًا أشوفه عشان مش هيعبرني.
رفع جبران حاجبه باستنكار، بينما نظرت له يقين ببراءة زائفة قائلة:
_ ايه يا جوزي يا حبيبي؟
ضيق جبران حدقتيه ثم قال بهدوءٍ يعيد أدوات التنظيف مكانها مجددًا:
_ جوزي وحبيبي في جملة واحدة أنتِ عارفة يا يقين أنتِ بتُجري ناعم دلوقتي ليه…
نظرت له باهتمامٍ ليكمل جبران ببسمةٍ مستفزة:
_عشان عارفة إنك هتاكلي بالجزمة كمان شوية.
شهقت بصدمةٍ من حديثه، تتبدل ملامحها لأخرى غاضبة فهي أرادت مصالحته ولكن بطريقةٍ تجعله يغضب فيعتذر منها ويعودا كما كانا ولكن انقلب السحر على الساحر وجعلها تستنشط غضبًا، ابتسم جبران على طريقتها التي فهمها سريعًا ثم ارتفع رنين هاتفه لينظر إليه ثم غادر الغرفة تاركًا إياها تزداد براكين غضبها، فكلما مرت ثانية يزداد غضبها منه حتى عاد جبران ومعه بعض حقائب للطعام، وضعها جانبًا وحمل أحد الأطباق والملعقة وتقدم نحو يقين التي أشاحت بوجهها بعيدًا ليهتف جبران بحنو:
_ يلا عشان تاكلي الشوربة دي سخنة.
لم تجِب عليه بل اتخذت حاجز الصمت بينهما، نظر لها جبران قليلًا ثم زحفت بسمة ماكرة لشفتيه قائلًا:
_ براحتك أنا عامل لمصلحتك عشان متتعبيش تاني ومتحسيش بحاجة وحرارتك تعلى وأنا بنفسي احميكي…
قاطع حديثه شهقتها الخجولة منه، تصيح بخجلٍ واضح:
_ عيب اللي بتقوله دا ثم إزاي أصلًا تعمل كده مخلتش فاطمة ليه هي اللي تساعدني؟
نظر لها باستنكارٍ متمتمًا:
_ نعم! وأنا اكتع مثلًا مش قادر اساعدك؟
ازدادت حُمرة وجنتيها من حديثها معه بهذا الموضوع، لتتمتم بحرجٍ:
_ لا بس ميصحش تساعدني كانت أختى أحسن.
زفر بحدةٍ من رغبتها بالابتعاد، ليسألها بنفذ صبر:
_ يعني أنا لو تعبت زيك هتجيبي عامر يساعدني؟
توترت من سؤاله، يتلون وجهها بالكامل بحُمرة الخجل، بينما أخذ جبران نفسًا عميقًا يطلقه بتروي قائلًا:
_ يقين طالما أنتِ متجوزة لا أختك ولا أمك نفسها ليهم حق يشوفكي… الوحيد اللي يساعدك بس جوزك.
نظرت له ببعض الصدمة يتغلفها خجل واضح، قائلة بتوتر:
_ لالا دي أمي هي اللي ولدتني على فكرة وكمان أحنا بنات زي بعض.
وضع الطبق جانبًا ينظر له بهدوءٍ ثم قال بنبرةٍ دافئة:
_ عايز أقولك حتى أمك اللي والدتك مينفعش تشوفك بعد ما كبرتي خلاص… زي ما قولتلك الوحيد اللي ليه كامل الحق في كده جوزك.
حاول التحدث بتعفف حتى لا يحرجها وخاصةً جهلها لهذا الموضوع، فقطبت جبينها بعدم اقتناع، ليسترسل جبران بهدوءٍ:
_ متعرفيش إن حتى البنات بينهم وبين بعضهم مينفعش يبصوا على عورتهم ولما تقعدي معاهم تداري عورتك.
اتسعت عينيها بصدمةٍ، قائلة بنفي:
_ لالا معرفش ثم ليه أصلًا اخبي شعري؟
نفى جبران برأسه يوضح مقصده لها:
_ لا يا يقين على حسب ما عرفت في الفقة إن المرأة للمرأة لا يجوز رؤية ما بين السورة والركبة عشان زي ما أنتِ عارفة ممكن يحصل أثارة شهوة.
تعجبت من قوله فهذا يعني أن بعض ما ترتديه أمام والدتها وشقيقتيها سيمنع، لتردد بمقاومة لاعتقادها:
_ أنا مش بصدق غير لما يكون في حديث قوي او آية قرآنية يا جبران.
ابتسم لها ثم نهض يحضر المصحف الخاص به للقراءة به، ثم عاد به نحوها قائلًا:
_ بصي يا يقين قبل ما أقول الآية عايزك تعرفي إن الأقول اتعددت في الجزء دا فيما عدا حتة العورة دي…
ثم أكمل بفتح كتاب الله يرتل آية قرآنية التي أرد قولها ليثبت قوله:
_ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ.
نظر ليقين التي استمعت للآية بتركيزٍ كبير ثم اندهشت بعدما انتهى ليردد جبران ببسمةٍ هادئة:
_ صدق الله العظيم والعلماء فسروا دا بـ موضوع الزينة زي الحلق والكحل والأسورة والسلسة… بمعنى ايدكِ لحد كوعك ورقبتك ووشك ورجلك لحد ركبتك بس هما اللي يظهروا الباقي لاء… ها يا يقين محتاجة دليل تاني؟
نفت برأسها تشعر بالحرج من رفضها الطويل، يينما راعى جبران خجلها وأحضر الطبق مرددًا بحنو:
_تعالي يلا عشان ناكل.
تناولت منه الطعام دون أن تضيف كلمة، بينما حدثها جبران عدة مواضيع حتى استطاع جذبها بالكلام وتبخر خجلها منه قليلًا، ولكن ما أنساها خجلها تفهمه لها وليس أحاديثه المختلفة، فتألف الأرواح ليس بهينٍ لأن يصنع.
************
لم يتوقف عقرب الساعة بل تحرك لتدور الأيام سريعًا، فتمضي دون شعور أحد بها، ولكن انغماس عامر بدورسه ومعه ملك التي بدأت امتحاناتها، فاطمة التي اندمجت بالشقة مع غفران وأحبت ذلك الجو الذي هيئه لهما، بينما جبران الذي تفنن في رسم البسمة لشفتي يقين دون علمه بما يدور حوله.
************
نهض من مكتبه حاملًا بعض الأوراق بحقيبته، يضع السيجار بين شفتيه الغليظتين، يتحرك إلى خارج تلك الشقة الخاصة به لا تعلم زوجته عنها شيء، يقف أمام المصعد ينتظر صعوده وما أن رأه حتى فُتح الباب، ولكن جحظت عينيه بخوفٍ، يرى تلك السكين التي تلمع من انعكاس الضوء، يتراجع إلى الخلف قائلًا:
_ لالالا متعملش كده… قولتلك هجبلك فلوسك كلها بس تسكت ومتقولش حاجة عن بنتي سُهى.
ابتسم الأخر بشرٍ ثم قال ببرودٍ تمر سريعًا بقوةٍ على رقبته ليذبح:
_ مع السلامة يا كامل بيه.
تناثرت الدماء من حوله، تجحظ عيني كامل بقوةٍ، يسقط طريح الأرض بعدما انتزعت روحه دون حساب لرؤية ذلك الشبح الخفي.
**********
هبطت إلى الأسفل بعدما شعرت بتحسن حالتها الصحية، تسير نحو المطبخ لتطهو اليوم لهما، فهي ظلت قعيدة الفراش لعدة الأيام وأصابهما الملل من تناول الطعام الجاهز، لتبدأ بإعداد بعض الأطعمة الخفيفة، تنتظر عودة جبران بالمساء بعدما غادر لقاء أحد اصدقائه، ولكن تلك المرة ستتأكد من الطعام، بدأت باحضار المكونات وإعداد الطعام حتى أوشكت على الإنتهاء ولكن ارتفع صوت رجولي خبيث:
_ الجميل بيعمل ايه في المطبخ لوحده؟
تضايقت يقين من كلمته لها وطريقته التي تثير اشمئزازها في التقرب لها، لتهتف بصوتٍ جاد حاد:
_ لو سمحت يا استاذ نادر احتفظ بالألقاب بينا وسبني أخلص اللي ورايا واتفضل من هنا.
رفع نادر حاجبه، ثم تقدم لداخل المطبخ بخطواتٍ مسموعة قصد اسماعها ليثير رعبها، وبالفعل نجح بتلك الخطة لتستدير تراه يتقدم منها وعلى محياه بسمة خبيثة، تراجعت للخلف قائلة بنبرة مذعورة:
_ أنت بتقرب ليه أطلع برة بدل ما أصوت وألم البيت عليك!
_ أحب الشرس اللي زيك كده… بس هتنادي أميرة أختي اللي وزتني على كده ولا عم شوقي اللي بعته يشتري حاجة ولا جوزك المبجل اللي مش هيرجع دلوقتي ولا اختك المتوحدة ولا هوني اختي واللي على قلبها زي العسل لما أكسر مناخيرك وعلى فكرة هي قفلت علينا باب المطبخ كويس أوي فقوليلي مين بظبط عشان لو كده اناديه يتفرج علينا واحنا مع بعض.
ارتجف جسدها بشدةٍ، تنظر له بخوفٍ واضح، ولكن انتفض بذعرٍ وهي تراه يبدأ بحل أزرار قميصه واحد تلو الأخر، يحاصرها بأخر زاوية المطبخ حتى لا تستطيع الفرار منه يهمس برغبةٍ عمياء:
_دا أحنا نقضي وقت عنب.
************
:_ بقولك إيه يا خليل سبني أنا هتصرف مع حفيدي كويس… وهقوله بطريقتي ان مراته كانت مخطوبة وقتلت خطيبها وهي فاقدة الذاكرة دلوقتي.
اندفع الجد جبران بتلك الكلمات بعصبيةٍ، بعد مكالمة طويلة عن اخبار غفران بحقيقة فاطمة، ولكن تبخرت كل العصبية وحلت صدمة تيبس جسده على أثرها ما أن سمع صوته يعلو من خلفه:
_ أنت إزاي متقوليش حاجة زي دي؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالحب اهتديت)