روايات

رواية وبالحب اهتديت الفصل الرابع 4 بقلم سلمى خالد (سماسيمو)

رواية وبالحب اهتديت الفصل الرابع 4 بقلم سلمى خالد (سماسيمو)

رواية وبالحب اهتديت الجزء الرابع

رواية وبالحب اهتديت البارت الرابع

وبالحب اهتديت
وبالحب اهتديت

رواية وبالحب اهتديت الحلقة الرابعة

(صَفعةٌ مُؤلِمة)
الحياة ما هي إلا لحظات تمر علينا سواء رضينا أم أبينا، فهي مستمرة لا يوقفها شيء، ولكن من بين تلك اللحظات تمر علينا لحظة واحدة تصبح فارقة بحياتنا، تحول تلك الشخصية الحنونة الطيبة.. إلى أخر أكثر جمودًا وشدة ربما يصل الأمر للقسوة لا نشعر بما نفعله خشية من أن نقع بما وقعنا به سابقًا، ولكن لعل هناك لحظة تغيرنا كوننا أكثر جمودًا لأفضلنا حنوٍ.
أسرع بلف ذراعه حول كتيفها يضمها لصدره بعدما ارتجف جسدها بشكلٍ ملحوظ، يبتسم بهدوءٍ يخفي خلفها مكروه، يزيد من ضغط يديه كلما حاولت الابتعاد يهمس بصوتٍ وصل لمسمعها فقط:
_ اسمعي الكلام أفضل من الحركات العبيطة دي لأني مش هسيبك.
استكنت حركتها ولكن لا تزال رجفتها ظاهرة، هي لم تكن ضعيفة هكذا؟ ما الذي حدث؟
هبط غفران بنظره لفاطمة يتأملها بهدوءٍ، في حين بقيت هي لا تعلم ما هذا الشعور الغريب الذي داهمها ولكنها قررت أن ترفع رأسها لتنظر له وتراه عن قرب وما أن رفعت بصرها حتى التقت عينهما في لغة لا يفهمها سواهما، ظلت تتأمل ملامحه الهادئة، وجهه القاسي ولكن لِمَ شعورها أنه ليس هكذا تضاعف بداخلها! بينما بقى غفران عالقًا بحدقتيها، يتأمل تلك الطيبة المزروعة بداخلها، ليصبح الآن بين صراعين هما هي ليست هناء والأخر أنها هناء ولا بُد أن ينتقم..
قاطع تلك اللحظة صوت عامر يهتف بحماس يدير شاشة هاتفه لهما:
_ لقت حتة صورة ليكم خيال.. هبقى ابعتهالك يا غفران وأنتِ كمان يا فاطمة هبعتهالك بس هظبطها كده واعملها eidt (تعديل).
انتفضت فاطمة من مكانها بتوترٍ ممزوج بخجلٍ، ثم كادت أن تبتعد ولكن يد غفران كانت بمثابة أصفاد تقيدها، أومأ غفران لعامر وأشار له أن يغادر، في حين همس غفران بجدية:
_ اثبتي يا فاطمة أنا مش هاكلك.. وحاليًا أنتِ مراتي يعني مكانك الطبيعي هنا..
لم تعلق على حديثه، ليستفزه صمتها منذ أن رأها ليهتف بسخطٍ:
_ هي القطة كلت لسانك النهاردة!
ابتلعت لعابها بتوترٍ، وبدأت بفرك كفيها، ليزيد غفران من ضغطه عليها حتى اصدرت فاطمة تأوّه ضعيفة هامسة بضيق:
_ أنت بتوجعني كده!
:_ طلع ليكِ صوت اهوه!
قالها رافعًا أحد حاجبيه، في حين اشاحت فاطمة بوجهها بعيدًا رافضة الحديث معه، تأمل غفران طريقتها لبرهةٍ، ثم قال بهدوءٍ مخيف وهو يمد يده يدير وجهها قسرًا ولكن من يراه يظنه يدير وجهها بطريقةٍ لطيفة:
_ لما اكلمك متفكريش تعملي كده تاني.. وبلاش ترفعي من نفسك أوي وتشوفي نفسك وأنتِ ولا حاجة!
اختتم جملته الأخير بإهانة واضحة، لتلتفت نحوه فاطمة بذهولٍ من طريقته، ثم ضحكت ساخرة قائلة:
_ وأنا هستنى منك إيه وأنت مش شاطر غير في إهانة الست!
أمسك كف يدها يشدها له لتنفلت قدمها وتستند برأسها على صدره وكذلك يدها، ليقول بهمسٍ:
_ شاطرة.. وأنتِ الوحيدة اللي هتتحملي ذنب كل اللي حصلي.
رفعت رأسها عن صدره وهي ترى مكره في جذبها دون شعور أحد مستغلًا انشغل الجميع بقدوم يقين، ولكن لم تفهم المغزى من جملته، شعرت بوجود خطبٍ ما به، فدائمًا يريد فعل شيء ولكن لا يريحه، تنهدت بتعبٍ من اهلاك رأسها بهذا الكم من التفكير، وقررت أن تريح رأسها على صدره متناسية قليلًا ما تمر به تتأمل شقيقتها وهي تقف أمام جبران، ولكن ما أثار تعجب غفران هي حركة فاطمة فمن يراها يظنها ترتاح له ولم يكن يجبرها على الزواج، فماذا حدث!
*********
اغتصبت يقين البسمة وهي واقفة أمام جبران، تنظر له بحنقٍ مخفي، في حين قبض جبران على يد يقين بعدما سلمها له جده، يهمس لها باستفزازٍ:
_ اهدي على نفسك لحسن شميت ريحة شياطك.
حدجته يقين بنظرةٍ شرسة، تهتف بصوتٍ متعصب:
_ قسمًا بالله اطلع الشياط دا عليك وعلى الفرح كله وأخليها ليلة ولعة علينا.. أبعد عن وشي ياض أنت.
اغتاظ جبران من طريقتها، ليحسبها بقوةٍ نحوه، شهقت يقين بصدمةٍ، ثم وجدته يضمها، لتحاول أبعده بخجلٍ من تصفق الجميع لهم:
_أبعد عيب كده!
ابتسم جبران لطريقتها وهمس بأذنها:
_ أمال المأذون مهمته ايه هنا! ما عشان ميبقاش عيب.
لم تستطع فعل شيء لتقف ساكنة تخاف أن تنظر للجميع، وما كاد أن يبعدها جبران عنه، حتى وجدها تتشبث بسترته، تخفي وجهها بصدره قائلة بخجلٍ:
_ لاء.. أنا محرجة ابصلهم.
نظر لها بذهولٍ ولكنه ضحك بشدةٍ عليها، فقد لانت له تلك الحركة لا يعلم لِمَ شعر بسعادة من كونها تختبئ به، ضربت يقين على صدره تتذمر بحديثها ولا تزال تخفي وجهها به:
_ بطل تضحك عليا كده.. أنا مش طايقك بجد!
ابتسم بخبثٍ بعدما خطرت بباله فكرة ما، يقرر أن تصبح حياتهما كالقط والفأر، همس بأذنها بـ مكرٍ:
_ طب بما إنك مش طيقاني تعالي اخليكي مطقنيش أكتر.
تعجبت يقين من حديثه الماكر وما كادت أن ترفع رأسها لتنظر له، حتى وجدت ذاتها مرفوعة بالهواء، تشهق بصدمةٍ مما فعله، نظرت حولها بذهولٍ لتجدهم جميعًا يصفقون ويصرخون بسعادة لهما، وكأنهما تزوجا عن حب وليس زواج تقليدي..
غمز عامر نحو يقين يردد بضحكٍ:
_ اوعى يا ست يقين.. الحب ولع في الدرة.
التهمت السخونة وجهها، ليشع بحُمرة الخجل، دفنت وجهها برقبته تهمس وكأنها على وشك البكاء:
_ أخلص امشي من هنا ولا سبني امشي.. احرجتني يا اسمك ايه!
اتسعت عين جبران من حديثها، ولكنه قرر اكمل غيظها للنهاية، ليرتفع صوته قائلًا:
_ عن اذنكم يا جماعة بقى مش فاضيين.
فتحت يقين عينيها بصدمةٍ، ليتجمد جسدها من أثر كلماته، بقت على تلك الحالة حتى صعد بها جبران إلى غرفته التي أعدها جده لتصبح مجهزة لهما، وضعها على الأرض وقبل أن يفلت يده عنها كانت أسنانها قد التقطتها بعضةٍ قوية، ليصرخ جبران بألمٍ متمتمًا:
_ ابعدي يا بت.. ابعدي يا بت العضاضة.
ابتعدت يقين عنه بعدما وضعت كامل غضبها بتلك العضة، نظرت له بتشفيٍ هاتفة:
_ أحسن تستاهل.. عشان تبقى تشيل وتقل ادبك تاني.
نظر لها جبران بغضبٍ وقد اسودت عينيه بطريقة مخيفة، ثم عاد بنظرة إلى سترته وشعر باشمئزاز منها، نزعها عنه ثم نظر لذراعه ليجدها قد جُرح وبها بعض الدماء، عاد بنظره لها ليجد بوجهها الندم، كادت أن تتحدث قائلة:
_ أنا آسفة مكـآآآ..
قاطعها حينما قال بغضبٍ مخيف ارهبها وجعلها تتراجع للخلف:
_ أنتِ ايه كمية الغباء دي.. وجاية بكل بساطة بعد ما بوظي الجاكت بقرف بوقك ودراعي اتعور تقولي آسفة.. اصرفها من انهي بنك.. بقولك ايه يا بت أنتِ غبائك اللي بتشتغلي بيه مع الكل دا مش عليا.. واحمدي ربنا إني دخلتك اوضتي لأن مفيش مخلوق بيدخلها..
رأى دموعها تتساقط بشدة، تلتمع حدقتيها بصدمةٍ ممزوج بألمٍ حاد يعتصر قلبها، ليستدير جبران سريعًا كي لا يلين قلبه مسترسلًا باستهزاء:
_ وياريت تبطلي غباء شوية عشان أكتر من كده مش ضامن رد فعلي.. فبلاش تخليني ارمي اليمين عليكي وأحنا لسه مكتوب كتابنا.
ربما لو كان لانكسار القلب صوت لسمعه كل من بالكرة الأرضية، سقطت دموعها بصمتٍ، تضع يدها على شفتيها لتكبح تلك الشهقة المميتة من الخروج، في حين دلف جبران إلى المرحاض الخاص بغرفته ليبدل ملابسه هاربًا من نظراتها التي تيقظ ضميره وتقتله.
**************
وصلت فاطمة مع غفران إلى غرفتهما، تبتسم بحزنٍ وهي تتذكر حديث غفران لجدها قبل زواجهما..
***
:_ أنا وفاطمة متفقين أن مفيش تغيرات في الأوضة ولا فرح عايزينه حاجة هادية لكتب كتاب وخلاص مش ضروري فرح.
قالها غفران بهدوءٍ غير متناسب مع حديثهم المتحمس، وقعت الصدمة على رأس فاطمة كحجرة حادة، في حين نظر الجد جبران له متمتمًا بضيق:
_ يعني ايه مش عايز فرح ولا تغير اوضتك! وازاى هي توافق على حاجة زي كده!
نظرت له فاطمة بأعينٍ زائغة تشعر باختناقٍ مما يفعله، ولكن تتذكر تهديده لها لتصبح كفريسة سهل للصيد، ارتفع صوت ناهد وهي تنظر لغفران ولم يأت بتفكيرها شيء سوى أنه لا يرغب بأن يكون صاحب السخرية بالزفاف:
_ خلاص يا بابا مدام موافقين سبهم مع بعض وأنا كمان مش عايزة فرح كنت عايزة اقول نخليها على الضيق مش كده ولا إيه يا فاطمة؟!
ابتسم غفران براحةٍ ما إن انضمت له ناهد، في حين حل الذهول على ملامح فاطمة وهي تؤيد حديث غفران، وكأنها متفقة معه، ابتسمت بحزنٍ لهما ثم قالت قبل أن تنهض:
_ اللي أنتم شايفينه اعملوه عن اذنكم.
***
ازاح غفران الباب ثم وقف جانبًا يردد بجمود وهو يرفع عكازه يشير لها بالدلوف:
_ ادخلي مش هنقضي اليوم كله على الباب.
دلفت إلى غرفته بتوترٍ تشعر برهبةٍ من الغرفة، فألوانها متناسقة بين الأزرق الداكن والفاتح، تحمل طابع ذكوري، بها سراحة ولكن مكسورة مرآتها، وكذلك أريكة كبيرة وخزانة ملابس وسريرًا واسع كلهم مرتبين بعنايةٍ واضحة.
انتفض جسدها بخوفٍ بعدما أغلق الباب، يلقي عكازه جانبًا بنفورٍ، ثم جلس على الفراش ينزع حذاؤه عن قدمه العرج، تتغير ملامحه لألمٍ منها، لاحظت فاطمة تشنجاته، لتقترب منه قائلة بتوترٍ:
_ أنت كويس؟ رجلك بتوجعك؟
نظر لها بقليلٍ من السخط، ثم قال وهو ينهض مجددًا مقتربًا من الخزانة:
_ ياريت لو شوفتيني بموت متدخلش.. واللي هتعيشي معايا عليه.. إنك تسمعي كلامي وبس مفهوم.
تراجعت فاطمة بضيقٍ من طريقته، لتهتف بكلماتٍ ظهر بها ضيقها:
_ اتكلم معايا بطريقة احسن من كده؟ أنا مراتك على فكرة؟
استدار لها غفران يتطلع لها عن كسب، ثم ضحك بقوةٍ يردد باستهزاءٍ:
_ مراتي! أنتِ صدقتي نفسك وفاكرة نفسك ست وتتحبي.. أنتِ مفكيش شيء يتحب للأسف و كلها كام شهر واطلقك وارميكي زي رمية الكلاب.
تألم قلبها من حديثه، حتى لو لم تحبه ولكن لن تسمح له بأن يهين كرمتها، لتردد بسخرية مماثلة:
_ بجد! والله افتكر نفسي ست البنات وفيا كتير يتحب.. كفاية انك جريت ورايا عشان تخليني اتجوزك بطريقة حقيرة أوي الصراحة.. ودلوقتي مش معترف بيا.. متقلبش الآية يا غفران عشان هتخسر.
شعر غفران بغضبٍ من حديثها، ليتقرب منها بتلك العرجة ولكنه كاد أن يتعصر لتنتفض فاطمة تسرع نحوه لتسانده في محاولة لتقديم المساعدة، دفعها بعيدًا عنها لتقع هي على السراحة، تدلف يدها بالمرآة ذات زجاج مكسور لتنجرح بقوة، نظر لها غفران بعدائية واضحة ثم قال:
_ لو فكرتي تقربي مني تاني صدقيني هتندمي ندم عمرك.. أنتِ اخرك هنا عشان بس تتكسري زي ما اتكسرت منكم.
تركها حاملًا ملابسه، يغادر إلى المرحاض سريعًا يختفي به لعله يقدر على مواجهتها، لم يتخيل قوتها في الرد، في حين تأملت فاطمة اختفائه، ثم نظرت ليدها المجروحة ووضعت بها بعض المنديل الورقية ليقف نزيفها، وما أن خرج غفران حتى دلفت هي كي تعقم يدها جيدًا وتعالج جرحها، ثم خرجت من المرحاض ترتدي ملابس قطينة واسعة مكونة من بنطال و تي- شيرت كامل، وتركت شعرها العنان، ذهبت إلى الأريكة لتنام عليها تحاول الابتعاد عنه قدر المستطاع.
***********
صباحًا..
هبطت ملك ومعها ناهد إلى الردهة بعد ليلةً مرهقة بالأمس، يجلسان سويًا مع والدها وأخيه وابنه عامر، لتهتف تحية الصباح:
_ صباح الخير.
اجابوا عليها بهدوءٍ، ثم أتت سيدة تدعى أم عبده تضع لها قدح الشاي ولابنتها الحليب، لتبتسم لها ناهد قائلة:
_ تسلم ايدك يا أم عبده.
منحتها ابتسامة ثم ذهبت للمطبخ لتعد طعام الافطار إلى العرائس، فقد احضرها الجد جبران لتساعدهم بعدما أتت ابنته ناهد وبناتها، نهض الجد جبران يحمد الله اتباع للسنة بعد انتهاء من الطعام وقال بهدوءٍ:
_ لما تخلصي يا ناهد تعالي أنتِ وخليل الأوضة.
اومأت بإيجابية، في حين نهض خليل يجيبه وهو ينفض يده:
_ أنا خلصت أكل خلاص وجاي مع حضرتك.
وبالفعل ذهبا الأثنان لغرفة المكتب، بينما بقيت ناهد تتناول بهدوءٍ حتى ردد عامر بحرجٍ:
_ عمتو.
نظرت له ناهد ولكن تعجبت من الحرج الظاهر على ملامحه، ليسترسل عامر باعتذار:
_ أنا آسف على أول مرة جيتي فيها وصرخت بصوتي وقلقت ملك.
ابتسمت له بحنوٍ قائلة:
_ مش زعلانة منك يا حبيبي أنت ابني وعارفة انك متعرفش.
اسرع عامر بالحديث في حماس:
_بس متقلقيش قرأت كله حاجة عن مرض ملك وعرفت اتعامل معاها ازاي.
منحته نظرة رضا، تهتف بحبٍ:
_ ربنا يباركلي فيك يارب.. معلش خلي بالك منها لحد ما أشوف بابا.
اومأ عامر بجدية، بينما نهضت من مكانها لتذهب إلى والدها، نظر عامر إلى ملك ثم قال وهو يرى السماعات التي تضعها لتعزل الصوت مستندة على كتفها:
_ ملك.
لم تجيبه، ليعيد منادتها عدة مرات حتى استجابت له نظرت بحدقتيه ثم بدأت تدور بحدقتيها بعيدًا، ليتحدث عامر بتوتر:
_ أنا آسف يا ملك مقصدش اضايقك أول مرة جيتي فيها.
لم تجيبه ملك وظلت على حالتها تفرك كفيها، ليكمل عامر ظنًا أنها لم تسامحه:
_ أنا عارف انك مضايقة مني وزعلانة بس صدقيني مقصدش.. بصي هثبتلك إني مقصدش لما ندخل مدرسة.. اصل جدو ناوي يقدملك في مدرسة جنبي للثانوي المبنى جنب المبنى ووقتها…
:_ أنا مزعلتش منك أصلًا.
قالتها ملك مقاطعة حديثه، في حين ابتسم عامر بسعادة لاستجابته لحديثه، أسرع مجددًا ليحدثها قائلًا بحبورٍ:
_ طب بتحبي تعملي إيه!
نظرت له بأعينٍ زائغة ثم حولت بصرها بعيدًا مجددًا، تصمت لوقتٍ كان كفيل بأن يعطي لعامر اليأس من ردها ولكنها اجابت:
_ بحب ارسم.. الرسم حلو أوي وبحط اللي بشوف فيه.
اشرقت بسمة أخرى لوجهه، ليهتف بحماسٍ:
_طب تعالي ورهاني كده.
نهضت ملك معاه تضع السماعات خاشية من سماع صوتٍ ما، تسير بخطواتها الثابتة إلى الأعلى، بينما ابتسم عامر بسعادة وهو يرى استجابتها بعدما علم أن مريض التوحد يحب الحديث عن نفسه.
**********
:_ نسافر اربع شهور ازاي يا بابا أنا عايزة اطمن على البنات!
قالتها ناهد بذهولٍ من حديثه، في حين ردد جبران بحزمٍ:
_ أنتِ هتسافري مع اخوكِ عشان تشوفي مالك ومحدش هيعرف يحافظ على مالك غيرك.. وأنا موجود مع بناتك ولا أنا مش كفاية يا ناهد؟
نظرت له بحرجٍ تردد بكلماتٍ معتذرة:
_ لا مقصدش طبعًا.. بس ملك يعني أخاف اسيبها والدراسة خلاص فاضلها ايام وتدخل.
اجابها بهدوءٍ وسط صمت خليل:
_ متقلقيش عليها أنا موجود وعامر هوصيه عليها.
تنهدت ناهد بتعبٍ من قرارات والدها الغريبة، لتومأ برأسها في إيجابية، ثم نهضت تردد بحزنٍ:
_ طب هطلع اجهز الشنطة واطمن على البنات قبل ما امشي بكرة الصبح.
تحركت من أمام والدها بعدما منحها موافقة، في حين انتظر خليل خروجها ثم قال بدهشة:
_ أزاي يا بابا هتمسكها الشغل اللي في القاهرة؟ طب خليها تشتغل في الحسابات اللي في كوم شبين جنبنا.
حرك جبران رأسه بنفيٍ يردد بهدوءٍ:
_ لاء لزما ناهد تعتمد على نفسها وتخرج برة دايرة اللي حطت نفسها فيها.. اختك بتضيع نفسها وبناتها بخوفها الزيادة وبقت بتأذيهم من غير ما تحس.. أنت هتكون معاها عشان اطمن إنها مش لوحدها وبعد كده هقولك تعمل ايه.
تنهد خليل بحزنٍ على حال شقيقته، ثم تذكر أمر غفران ليهتف بقلق:
_ طب مش هتقول لغفران أن فاطمة كانت مخطوبة قبل كده وفقدت الذاكرة.. أنا خايف عليها من ابني لأنه معقد من البنات بعد اللي منها لله هناء عملته فيه.
صمت جبران قليلًا ثم قال بشرودٍ:
_ ابنك مش هيقدر يأذيها يمكن بيحاول إنه يأذي.. وأنا عارف أنه اجبرها تتجوزه بس عشان رفضته في الأول إنما لو فاطمة سكتت كان هو اللي قفل الموضوع.. فاطمة الشخص الوحيد اللي أثق فيه إنه يرجع لغفران عقله تاني وميبصش للاعاقة بتاعته.. بس لزما دا يحصل قبل ما الذاكرة ترجعلها تاني عشان وقت ما ترجع غفران يكون معاها.
منحه خليل نظرة قلق في حين حدث جبران بنقطة فارغة بشرودٍ واضح يفكر فيما سيفعله!
***********
ألمٌ بدأ يداهم جبينه، يشعر كمن ضرب على رأسه بمطرقة، فتح عينيه بصعوبةٍ، ثم نظر للنافذة ليجد الشمس في ظُهرها، تنهد بتعبٍ ثم مد يده لينظر إلى الهاتف فوجده قد نفذ شاحنه لينهض من على الفراش بهدوءٍ، يضعه بالشاحن وما أن اتصل بالشاحن حتى اشعله مجددًا ليرى أن الساعة قد قاربت للعصر، عاد يجلس على الفراش بإرهاق واضح، ثم ادار رأسه نحو الأريكة ليجد فاطمة نائمة عليه، لا يعلم كيف زحفت تلك البسمة له، ولكن رؤية حجم الأريكة التي لا تتسع له واسعة على حجم فاطمة جعله يبتسم.
تأملها قليلًا ثم نهض بترددٍ واضح، يقترب منها ببطءٍ يحارب ذاته بألا يقترب ولكن ملامحها الهادئة، شعرها المموج جعله يرغب بأن يلامسه، اقترب منها يتأملها بدقةٍ ثم لاحظ يدها المجروحة، تعجب قليلًا من جرح يدها فهو لم يقترب منها، وما كاد أن يُفيقها ليعلم سر هذا الجرح حتى تذكر دفعه لها بقوةٍ أثناء محاولتها لمساندته، نظر نحو المرآة ليجد تلك القطعة الملوثة بدمائها، ذهب نحوها وامسكها بيده يتأملها قليلًا، نعم يريد الانتقام ولكن لم يخطط أبدًا لأن يؤذيها جسديًا، أغمض عينيه وهو يعيش بهذا الصراع لا يريد أذيتها ولكن ألم جرحه مما حدث بالماضي جعله يرغب بقتل أي امرأة أمامه!
تسارعت وتيرة انفاسه يقبض على الزجاجة بقوةٍ ليجرح ذاته كما فعل بها، يريد أن يرى هل هذا الجرح سيؤلمها أم هو عادي؟، علت بسمة ساخرة شفتيه وهو يرى قطرات الدماء تتساقط من يده ولم يؤلمه هذا الجرح!
همس قائلًا بسخطٍ:
_ حتى وجع ايدي مقدرش يشيل وجع قلبي.
فتح يديه ببطءٍ ينظر لكفه المذبوح، ولكن شهقة خرجت منها وهي تقف أمامه تردد وهي تشير على دمائه:
_ د..دم ايدك.. اتـ.. اتعورت.
نظر لها ولملامحها الملتاعة، ولم ينطق بكلمة، بينما ذهبت فاطمة سريعًا تحضر علبة الإسعافات الأولية بعدما أفاقت من صدمتها، عادت تضعها على الفراش وتتقدم نحوه قائلة بتوجسٍ من أن يدفعها مجددًا:
_ أن بس هنضف الجرح مش أكتر.
لم يتحدث بقى ساكنًا، يتأمل رهبتها منه، أهذا يريحه أم لا؟ لا يعلم ما الذي يريد؟ نعم رَغِبَ بالانتقام ولكن هذا لم يشعره بالسعادة بل رهبتها منه ضايقته!
نزعت منه تلك الزجاجة بحذرٍ تخشى منه وعليه، ثم وضعتها جانبًا وهي تراقبه بتوترٍ من أن ينقلب حاله، سحبت يده لتجلسه على الفراش كي تستطيع تنظيف، وبالفعل بدأت مهمتها حتى وجدت اصابعه مذبوحة بقوة وكذلك بطن كفه، لتهتف بكلماتٍ منغمسة في توترها:
_ على فكرة لزما تروح المستشفى عشان تتخيط.
أغمض غفران حدقتيه ببسمة متعبة، يجيبها بنبرة خالية من المشاعر:
_ مش فارقة يا فاطمة.. لفيها وخلاص!
:_ هو أنت بتعمل كده ليه؟ ايه اللي يخليك تتجوزني غصب وتكلمني كده وتبهدلني وكمان مبهدل نفسك ومش عايز تعالج ايدك؟
قالتها بانفعالٍ شديد، تنظر لحدقتيه باحثة عن اجابة، في حين نزع غفران يده منها، يهتف ببرودٍ:
_ اجابة السؤال دا كفيلة تدمر حياتك فقومي من وشي ومتدخليش في اللي ميخصكيش.
عادت تمسك بكفه في عنفٍ، تحدثه بغضبٍ ظاهر:
_ لا بقى أنا مش لعبة تدخلني حياتك وتلعب بيها زي ما انت عايز! قولي سبب واحد يخليك تهدد بنت عمتك اللي من لحمك ودمك بطريقة قذرة كده!
نفض غفران يده عنها بقوةٍ لتعود وتنزف مرة أخرى، تسود حدقتيه بطريقة مخيفة، يردد وهو يقترب منها بملامحه التي تهجمت:
_ لا أنتِ لعبة في ايدي ولعبة غبية بتتحرك زي ما أنا عايز.. بدليل أنك صدقتي حوار الصور اللي ملهوش أصل ولا عملته.. ولو كنت رفضتي مكنتش هنفذ تهديدي لأنك في النهاية بنت عمتي..
اقترب من اذنها وسط صدمتها وجسدها المرتجف منه، هامسًا بطريقة غريبة:
_ ومراتي يعني ملك غفران.. ووجودك هنا عشان تتأذي وبس.
ابتعد عنها يتأمل ملامحها المتألمة، عينيها اللتان تلتمعان بدموعٍ، ثم همست بصوتٍ مبحوح:
_ ليه؟ ليه تأذيني كده؟!
تأمل ملامحها الباكية، وتذكر ملامحه التي بكت منذ اربع سنوات بعدما تلقى جرحًا قاسٍ من خطيبته السابقة، تلك الدمعة التي هبطت من حدقتيه أمامها عندما اشعرته بعجزه، زحفت بسمة ألم لمحياه هاتفًا بمرارة الماضي:
_ عشان نفس الأذى اللي اتأذيته زمان منكم.. بس للأسف واحد بس هيشيل المشاريب وأنتِ اللي اختارتي تشيليها مش أنا.
نهض من أمامها يسير بقدمه العرجاء نحو المرحاض، ولكن ببطءٍ كي لا يقع مجددًا أمامها، يدلف إلى الحمام تاركًا تلك الدمعة تهبط، ولكن لم يأبَ كبريائه أن يسقط دمعةً أخرى، تقدم نحو المرحاض يتطلع لعينيه اللتان تلونا بحُمرة، في حين بقيت فاطمة تتأمل اختفائه بدموعٍ متساقطة حتى نهضت لتبدل ملابسها.
***************
نظرت إلى نقطة فارغة بعيدة عن السرير، تجلس ضامه قدمها لصدرها، تتذكر كل كلمة ألقاها عليها، تتذكر والدتها التي قست بالحديث قبل زفافهما، تزداد ضربت قلبها بقوةٍ وكأنه يريد الصراخ ليخرج آهات بداخلها، فاقت من شرودها على صوت جبران الذي هتف بدهشة عندما نهض من نومه:
_ أنتِ ايه اللي مقعدك كده؟!
لم تنظر له بل نهضت دون أن تجيبه لتحضر ملابسها، ولكن اوقفها جبران بنبرة غاضبة ممسكًا ذراعها كي لا تخطو مجددًا تاركة إياه:
_ هو أنا مش بكلمك؟!
منحته نظرة نافرة، تجيبه نازعة يدها عنه:
_ عشان بقيت بقرف اتكلم معاك.
كادت أن ترحل تاركة إياه، ولكنه قبض على يدها بقوةٍ ألمتها، يهتف بنبرةٍ مخيفة:
_ عدي اللي قولتيه تاني!
ظهر الألم على ملامحها ولكنها نظرت بحدقتيه قائلة باشمئزاز:
_ بقرف اكلمك.. سمعت ولا اقآآآ..
دفعها بعيدًا عنه يتنفس بصوتٍ مسموع قائلًا بانفعال:
_ اخفي من وشي وإلا قسمًا بالله رد فعلي هيكون أسود نقطة في حياتك!
ركضت يقين إلى الحمام وهي تشعر بالذعر من ملامحه، تتسرب دموعها دون أن تشعر، بينما مسح جبران على وجهه ثم غادر إلى الشرفة ليتنفس قليلًا ولكن لم يريحه هذا الهواء، لذا قرر أن يمارس هوايته، انطلق نحو خزانته يرتدي ملابسه ثم غادر من الغرفة تاركًا إياها ولم يلاحظ ناهد التي رأته يسير مثل الإعصار.
دلفت سريعًا لغرفة الخاص بهما وهي تشعر بالقلق، لتجد ابنتها تجفف شعرها بعدما أخذت حمامًا تخفي خلفه حزنها، ولكنها تفاجأت بوالدتها التي هتفت:
_ أنتِ عملتي ايه في جبران خلتيه يخرج من الأوضة؟!
نظرت لها يقين بعدم استيعاب متمتمة:
_ خرج! خرج إزاي؟!
اشتعل الغضب بحدقتي ناهد قائلة بعصبية:
_ في واحدة مش عارفة جوزها خرج فين؟!
نظرت لها يقين ببرودٍ تجيبها وهي تجلس على الفراش:
_ آه أنا معرفش خرج في انهي داهية.
ازداد غضب ناهد بقوةٍ تتقدم نحوها بعصبية قائلة بغضب جامح:
_ احترمي نفسك وأنتِ بتتكلمي عن جوزك.. هفضل افهم في دماغك اللي زي الحجر دي لأمتى.. بطلي غباء شوية.
لم تتحمل يقين حديثها، مرّ شريطًا سريع لكل الحديث السيء عنها ثم حديث الأخرين ليكتمل بحديث جبران القاسي واختتمت هي النهاية بكلماتها، انتفضت من مكانها بغضبٍ قائلة بحدة دون ادراك:
_ ملكيش دعوة بيا.. اعمل اللي أنا عايزاه مش رميتني زي الكلبة ليه وخلتني مسواش حاجة يبقى متتكلميش معايا ولا تقولي غبية تاني لأني مش غبية
بدأ صوت يقين يعلو بانفعالٍ تردد بحدة دون وعي:
_ أنا مش غبية.. أنا مش غبية.. أنا مآآآ..
صمتت أثر صفعة قوية تلقتها من والدتها ولكن تلك المرة كانت أقوى لترى نزيف دماء من فمها، لم تستطع يقين وضع يدها مكان الصفعة ولكنها نظرت لوالدتها بصدمةٍ، للمرة الثانية تصفعها بقوةٍ أكبر عن ذي قبل، ادارت وجهها لتتقابل مع عيني والدتها التي قالت برجفة وهي ترى حدقتي ابنتها الممتلئتان بدموع:
_ اخر مرة اسمع صوتك يعلى.. وجوزك دا تشيليه فوق راسك لأنه هيستحمل غباءك وطريقتك ولو في يوم فكر يطلقك يبقى ملكش مكان بينا أنتِ فاهمة!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالحب اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى