رواية وبالحب اهتديت الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سلمى خالد (سماسيمو)
رواية وبالحب اهتديت الجزء الرابع والعشرون
رواية وبالحب اهتديت البارت الرابع والعشرون

رواية وبالحب اهتديت الحلقة الرابعة والعشرون
(انتهاء القضية2)
طاف التوتر بملامحه، نبضات قلبه المرتجفة خلف ضلوعه تزداد، نظر باتجاه والدته التي تترجل من السيارة تنظر له بضحكة ماكرة، متمتمة:
_ أخر مرة شوفتك خايف كده لما شيلت في الثانوية عامة وخايف أبوك يعرف.
عبست ملامحه ينظر لها بضيقٍ ناطقًا:
_ يعني ملقتيش ذكرى غير دي وتفكريني بيها.
علقت بضحكةٍ ساخرة:
_ اتوكس دا أنت ببجحتك وغباءك داخل تقول بركيلي شيلت مادة واحدة مش اتنين زي السنة اللي فاتت وفضحت نفسك قدام أبوك.
نظر لها بحرجٍ متذكرًا دخوله بصياحٍ للردهة بما فعله بالنتيجة تحصيله، أشارت له متمتمة:
_ اتنيل قدامي يا عاصم لما نشوف عروستك.
نظر لها بتوتر يردد بقلقٍ:
_ أنا عارف إنها مش مثالية ليكِ بس صدقيني هتحبيها.
ربتت على كفه تتمتم بهدوءٍ:
_ أنا بين كفتين الكفة الأولى اللي حكيته مش عجبني وأنا أم عايزة ابني مع نسب يشرف والكفة التانية راحتك وسعادتك.
منحته بسمة صغيرة تتمتم برضا:
_ وكفة راحتك هي اللي هتفوز بس أشوف البنت الأول.
ابتسم عاصم براحةٍ يقبل يد والدته بحبٍ، ثم صعد معها إلى الأعلى حتى وصلا الاثنان إلى الغرفة المطلوبة ليطرق على الباب بخفةٍ…
ضبطت من هندمت حجابها بتوترٍ، لا تعلم أتبتسم أم تحزن ولكن تحب لحظاتها معه، نظرت باتجاه الباب ببسمة خجولة ولكن تبخرت بعدما رأت سيدة في منتصف العمر ترتدي ملابس محتشمة أنيقة، علمت على الفور أنها من طبقة غير التي بها هي تحمل رُقي بطريقة سيرها فماذا عن تحدثها!
ابتسمت لها بتوترٍ ما أن رأت بسمتها الحنونة، تتقدم منها أسفل نظرت عاصم السعيدة، تردد لها بحنوٍ:
_ حمدلله على السلامة.
أومأت لها وتين بتوترٍ تجيب:
_ الله يسلم حضرتك.
نظرت نادية نحوه بجدية قائلة بهدوءٍ:
_ هاتلنا حاجة نشربها يا عاصم.
ارتجف قلب وتين أكثر يزداد خوفها عندما رأت عاصم يغادر الغرفة يفطن رغبة والدته بالانفراد بها، ثم رأتها تنظر لها ببسمة ضاحكة قائلة:
_ مبعضش على فكرة.
تملكها الحرج من ملامحها الملتاعة، تجيبها بارتباكٍ:
_ لا مش قصدي أنا متوترة بس.
ربتت على كتفها بحنوٍ تردد بهدوءٍ:
_ عارفة إنك خايفة مني لأرفضك… بس جاية اتكلم معاكِ في حاجة.
نظرت لها وتين باهتمامٍ، لتسترسل نادية بهدوءٍ تام:
_ أنا أبني أهم حاجة عندي يا وتين… لو راحته معاكِ أنا مش هقف ضدها… يمكن موضوع عيلتك بنسبة ليا مضايقني بس بإيدك تثبتي العكس.
راقبت انفعالات وتين التي تبدلت للهفة سريعة تنتظر أن تخبرها بما تفعل، استطارد مبتسمة براحةٍ:
_ إنك تكوني زوجة صالحة لعاصم… تسعي لسعادته وتقفي في ضهره وأنا هكون لكِ أم وصديقة وهتقي الله فيكِ.
نظرت لها وتين بسعادةٍ متمتمة بفرحة:
_ حاضر والله هعمل اللي أقدر عليه عشان يفضل فرحان.
أومأت برضا لها، ثم أضافت بترقب:
_ أنا عايشة لوحدي وكنت هطلب منك لو تيجوا تعيشوا معايا بدل ما تاخدوا شقة لوحدكم.
أعتدلت وتين حتى استطاعت تمسك بكفها تقبلها برضا قائلة وسط ذهول نادية:
_ أنا ميرضنيش أبدًا إن حضرتك تعيشي لوحدك.
اتسعت ابتسامة نادية تنظر لها برضا، بينما دلف عاصم حاملًا بعض المشروبات لهم، يراقب ملامحهم لتومئ والدته برضا قائلة بحبٍ بعدما ربتت على كتف وتين:
_عروستك زي القمر يا عاصم.
تهلل سرير عاصم، بينما خجلت وتين من كلماتها تشعر براحةٍ لها، ليبدأ عاصم بالحديث معها وبما يريدوه في زفافهما فلم يرغب بخطوبةٍ متحججًا بأنه قضى وقت كبير معها.
**********
أوقف السيارة أسفل البنية التي يقطنون بها، ينظر لملامح وجهها الباكية بقوةٍ، يتذكر كلماتها عن خطيبها الراحل أحمد “بريئة من قتلك يا أحمد”
هل كانت تحبه؟ ألهذه الدرجة لم تستطع تخطيه؟ إذا لم تتخطاه فماذا يعني لها الآن؟
نفض تلك الكلمات عن رأسه كما لو كانت غبار، يترجل من السيارة بصمتٍ دون أضافة كلمة، يفتح لها الباب بهدوءٍ يمد كفه ليمسك بكفها بعدما رفضت أن تنظر له، تلك النوبة المفاجئة جعلتها تشعر بالخزى من الجميع، أفسدت سعادة زوجتين بحفلة زواجهما.
دلفت للشقة تسير بخطواتٍ متمهلة لغرفتها تشعر بحزنٍ منها، دلفت إلى غرفتها تنظر لوجهها بالمرآة، ثم نزعت حجابها بهدوءٍ، ولكن سقط بصرها على صدرها تضع يدها على قلبها، تتذكر تلك الغصة التي تقبضها كلما أتت النوبة، تسربت دموعها بغزارةٍ تضرب صدرها بقوةٍ، تردد بهستيرية:
_ سبيني بقى وأبعدي عني… أبعدي عني.
دلف غفران إلى الغرفة بعدما استمع لصوتها يعلو بشهقاتٍ باكية، ولكنه تفاجأ بها تضرب صدرها بقوةٍ، أسرع لها يمسكها بقوةٍ يمنعها من الاستمرار بضرب قائلًا بغضب:
_ أنتِ مجنونة بتعملي ايه؟
بدأت بدفعه بقوةٍ تصرخ به بألمٍ:
_ أيوة مجنونة… أنا مجنونة بجد.
صمتت تهدأ حركتها بعدما ضمها بقوةٍ أكبر ليمنع حركاتها العشوائية، تسترسل بصوتٍ يأن بألمٍ وبكائها يزداد:
_ الدليل قدامك دمرت فرحة صاحبك ومراته بالنوبة اللي بتجيلي.
رفعت بصرها نحوه ولا تزال الدموع تقطر من عينيها، تتمتم بألمٍ:
_ طلقني يا غفران أنا منفعكش… النوبة دي هتفضل تجيلي ومش هعرف اتعالج منها.
تعالت شهقاتها بألمٍ، يرتجف جسدها مما تحمله من أثقال، بينما حاول غفران أن يسحبها كي يجلسا فقد فاق ألم قدمه بقوةٍ، وما أن استطاع اجلسها حتى ردد بحنوٍ:
_ لو شايفة إنك مجنونة فأنتِ متجوزة واحد مجنون بيكِ برضو.
منحها غمزه صغيرة وكأنها مفتاح لإظهار بسمتها، تنظر وتفكر كيف يستطيع اخرج بسمتها وسط عتمة حزنها، بادلها الابتسامة ولكنها حزينة ينظر لها بهدوءٍ ولكنه زائف خلف صراخ قلبه بالألم، فهمس لها بنبرة حزينة فقد حانت لحظة المواجهة:
_ افتكرتيه؟
أومأت بصمتٍ، ليسترسل غفران بألم:
_ ولسه بتحبيه؟
حدقت به بصدمةٍ، تتجمد الدموع بحدقتيه، لم تستطع أن تجيبه ولكنها استطاعت أن تزيح عينيها عنه، في حين تألم غفران من فهمه لإجابتها، ليبوح بما أخفاه ليهدأ ضميره من العذاب:
_ كنت خايف من اللحظة دي..
أخذ نفسًا عميقًا ثم أخرجه بتمهلٍ يسترسل بحزنٍ:
_ روحت لدكتور اللي عمتي بتابع معاه وقالي لزمًا تيجي عشان الذاكرة ترجعلك، بس وقتها مقدرتش أجيبك وترجعلك الذاكرة لتطلبي الطلاق وخاصةً إني عارف إن أحمد هو حبك الأول فخوفت حُب أحمد يرجعلك تاني ومتتقبلنيش.
حدقت به بصدمةٍ مرة أخرى ولكن تلك المرة تنزع كفه عنها، ليكمل غفران بألمٍ بعدما نظر ليدها المرتعشة بعيدًا عنه:
_ أنا عيشت أسوأ رفض في حياتي… وفكرة إنك مراتي ومتقبلة عرجتي خلاني أناني ومودتكيش لدكتور من بدري.
_ يعني لما جبتني لهنا وخبيت مكانك عن عاصم كان عشان ذاكرتي مترجعش!
نطقت بهدوءٍ مميت، في حين أومأ غفران لها يكمل بزفيرٍ مختنق:
_ كنت ببعدك عن أي شخص هيساعدك تفتكري ومن ضمنهم عاصم بس الغريب إنك شوفتيه ومفتكرتيش.
صمت عن الحديث يتابع ملامحها المتجمدة بصلابة غريبة، ليضيف بسخرية:
_ لكن اللي معملتش حسابه إن فرح صحبي يكون في نفس المكان اللي حصلت فيه الحادثة.. الحاجة الوحيدة اللي مفكرتش فيها ركزت في كل التفاصيل إلا دي.
نظرت له بصمتٍ ألمه، ليسترسل لها بندمٍ:
_ عارف إني غلطت بس غصب عني… أنا حبيتك يا فاطمة والقلب لما بيحب بيتصرف بجنون فكرة أنه حبك الأول خلتني متجنن.
حركت رأسها برفضٍ له تنهض من جواره، بينما شعر غفران بتأزم موقفه معها، ليردد بحزنٍ يعود يمسك بكفها مجددًا بتشبث:
_ طب ردي عليا أو أعمل حاجة!
نظرت بحدقتيه بعمقٍ، ثم ليده المتشبثة بها وكأنها على وشك الهروب، تردف بهدوءٍ:
_ أحمد فعلًا كان حبي الأول…
ما أن وقعت تلك الكلمات على مسمعه حتى تجمد جسده، يترك كفها وهو يستشف اجابتها، بينما راقبت فاطمة ما فعله لتردد ببسمةٍ صغيرة مرهقة:
_ بس أنت الحب الحقيقي يا غفران والحب الحقيقي بيكون أقوى من الأول.
جحظت عينيه بصدمةٍ، ينظر وجهها المتعب من البكاء ولكن مبتسم له بحب، لتتقدم نحوه هامسة بحب:
_ لو هتعاتب عاشق على حاجة فـ على اللي معملهوش مش اللي بيعمله.
تأملها بقوةٍ وكأن يحاول قراءة ما تفكر به، لتجيب فاطمة سؤاله الطائف بوجهه وكأنه مكتوب بورقة:
_ أنا عارفة إنك مستغرب رد فعلي وإني المفروض اعاتبك… بس اللي متعرفهوش إنك قدمتلي كتير أوي بإنك تبعد عقلي من إنه يفتكر.
نظر لها بعدم فهم، لتقترب منه قائلة ببسمةٍ هادئة:
_ كنت هفضل عايشة بذنب موت أحمد لما الذاكرة ترجعلي وكانت حالتي هتسوء إنما الذاكرة رجعتلي بالوقت اللي برائتي ظهرت فيه وإني مليش ذنب في موته.
ابتسم غفران بحبٍ لها، لتسترسل فاطمة تضع تدثر وجهها بصدره:
_ جوازنا هيكمل يا غفران مفيش حاجة في الدنيا هتفرق بينا.
إلى تلك النقطة وأصبحت الحياة ذات لون أخر، كان عاشقًا ينبض قلبه باسمها كما لو كانت سمفونية تعزف على أوتاره، لتُكتب بتلك اللحظة كلماته على وثيقتها وتصبح زوجته أمام الله.
***********
طرقت بخفةٍ على الباب، ثم حركت مقبضه بعدما استمعت لابنتها تسمح بالدخول، رسمت بسمة طفيفة حزينة عندما رأتها بتلك الحالة، وجهها الشاحب، هالات السوداء تلتهم عينيها كما لو كانت فجوة فضائية سوداء، جسدها الهزيل للغاية، تقدمت لها تجلس جوارها على الفراش تردد بحنوٍ:
_ لزمًا تبقي قوية يا سيليا مش هينفع حالتك كده!
نظرت لها بألمٍ واضح، تجيبها بمرارةٍ:
_ مش عارفة يا ماما مش عارفة… أنا اتعلقت بيه أوي.
زفرت زينب بصوتٍ مسموع ثم قالت بجدية:
_ طب بعد اللي هقوله عايزاكِ تفكري بعقلك وقلبك مش قلبك بس يا سيليا.
نظرت لها بترقب متمتمة بعدما أشعلت القلق بداخلها:
_ في ايه يا ماما؟ عمار كويس؟
طاف الحزن بحدقتيها، تجيبها بنفيٍ:
_أنا روحت لـ صباح بيتها بعد ما رنت عليا ومنهارة إن ابنها هيسافر، وأنا لما روحت ليه عمل زي ما بتقولي كده خلاني اتجننت عليه ورميت حاجته اللي كان مهتم بيها، ووسط الحاجة لمحت ورقة لروشتة دكتور زميل باباكي في المستشفى، فسألته مين مردش عليا، خدت بعضي ومشيت وروحت المستشفى سألته وعرفت إن عمار عنده مشاكل في الجهاز المناعي ودا هيخليه أصم.
شهقت سيليا بعدما وقوع أخر كلمة على مسمعها، تسترسل زينب بحزنٍ:
_ يعني كل اللي عمار بيعمله مش رفض ليكِ كان مريض ومحدش كان حاسس بيه… بس دلوقتي لزمًا تفكري عايزة تكملي ولا لاء؟
أدمعت عين سيليا تنظر لوالدتها بشدة قائلة بتأكيد:
_ عمري ما هتخلى عنه… لو أعرف تعبه كنت بدون تردد وقفت معاه… ماما عمار مش شخص معجبة بيه وخلاص أنا بجد حبيته… حبيت وقوفه جنبي ووجوده في حياتي.. لو سبته مش هعرف أكون لغيره.
أومأت لها بتفهمٍ فهي ذاقت مرارة فراقها عن زوجها ولم تستطع أن تصبح لغيره وها هي ابنتها تتذوق مرارة البُعد، ولكن سيتغير كل هذا ربما الحقيقة المُعلنة رغم الألم منها إلا أنها تصلح كثيرًا من الأشياء أفسدتها أُكذوبة نسجها العقل ليحتمي من الألم.
***********
توالت الأيام لم يفق الجد جبران من غيبوبته ولكن استمر خليل والباقيين بزيارته، في حين استعد عامر لأمتحاناته فأصبح اليوم هي الليلة الأخيرة لمراجعة أول مادة بامتحانات الثانوية عامة..
ارتدى ملابس مكونة من بنطال أسود، وقميص أبيض يعد حقيبة سفره كي يعود للبلدة يكمل باقي امتحاناته، حمل حقيبته ينطلق للخارج فأخذها جبران عنه قائلًا ببسمة صغيرة:
_ هات عنك يا دكتور.
رسم بسمة صغيرة على معالم وجهه المنهكة من شدة التعب، طيلة هذا الشهر كان يبذل مجهودًا مضاعف ليعوض ما حدث بالأشهر السابقة، استدار لينظر لملك التي تقف بالزاوية بعيدًا، تتجعد ملامحها بحزنٍ على عدم قدرتها لرؤية عامر شهرًا كاملًا، انطلق صوبها يردف بحنو:
_ يرضيكِ أسافر زعلان؟
نفت برأسها سريعًا يردف لها بحنوٍ:
_ طب ابتسمي عشان تصبريني على الأيام اللي داخلها لوحدي.
حركت ملك رأسها بضيقٍ تردد بعبوس:
_ أنت مش لوحدك أنا دعيت ربنا إنه يساعدك ويخلي الملايكة معاك.
تضخم حبها ود لو استطاع ضمها ولكن الصبر مفتاح الفرج، همس لها بحبٍ:
_ كلها شهر واحد وأجيلك يا ملك وهنفضل سوا علطول ومش هسيبك تاني.
شعرت بصدق حديثه، لتزحف بسمة صغيرة قائلة:
_ شهر واحد بس!
أومأ لها بتأكيد:
_ واحد بس.
اتسعت ابتسامتها له تردد بسعادة:
_ خلاص وأنا كل يوم هدعي لربنا عشان تيجي بسرعة.
بادلها الابتسامة ثم تحرك نحو غفران الذي سحبه وسط صدمته إلى صدره يضمه بحب أخوي قائلًا له:
_ إن الله لا يضيع أجر من أحسن عمله… أعمل كل جهدك لأخر دقيقة وربنا هينصرك.
ربما تلك الضمة هي أيضًا معنى أخر للتئام الجروح، أدمعت عين عامر يدثر نفسه داخل غفران كطفل صغير ضائع، يهمس بصوتٍ مبحوح:
_ خايف يا غفران!
ربت غفران بحنوٍ، يردد بصوتٍ جاد:
_ أنا عند حسن ظن عبدي بيّ… ثق في ربنا وتوكل عليه واللي ربنا كتبه هيكون.
زفر عامر يستمع لحديثه، ثم أومأ له بتفهمٍ لنصيحته، تحرك يقف على اعتاب الشقة يرتدي حذؤه وما أن انتهى حتى رأى ظل يظهر تدريجيًا رفع بصره ليرى من!
فما كان سوى والده يبتسم بحنوٍ قائلًا:
_ أنت أخر العنقود وزي ما وقفت مع أخواتك لحد ما اتخرجوا هكون معاك.. يلا عشان تلحق تنام وتقوم بكرة مركز.
نظر له عامر بصدمةٍ، لم يتوقع قدوم والده له، فقد ظن أنه سيبقى إلى جوار جده، ليردد مشيرًا بسبابته قائلًا:
_ طب وجدي؟
ربت خليل على كتفه قائلًا بحنو:
_ اخواتك موجدين هنا معه.. لزمًا أكون معاك في رحلة زي دي.
ارتمى عامر بأحضانه حقًا هذا الدعم بذلك الوقت لم ولن يُنسى، ظن أنه لن يجد أحد بعدما تفككوا ولكن خاب ظنه ورأهم جميعًا بأقوى دعم لهم، أتت يقين وفاطمة سويًا بصوتٍ واحد:
_ أوعى تنسى التوت يا عامر.
استدار لهما يضحك بشدةٍ على ما كان يفعله بالبلدة، لتردد فاطمة له بحنو:
_ ربنا يوفقك يا عامر.
ثم رددت خلفها يقين:
_ ادخل بقلب جامد كده وكل سندوتشات الكبدة اللي عملاه في اللانش بوكس بتاعك.
ضحك على حديثها ثم أومأ ليغادر مع والده إلى البلدة، يقود السيارة جبران يدعون له بالنجاح والتوفيق.
*********
صباحًا..
وقفت أمام الباب تنظر لوالدتها بتوترٍ، ولكنها ربتت على كفها تومئ لها بحنوٍ أن تستمر، فتحت لهما صباح ببسمة مبهجة تردد بسعادة:
_ تعالي يا حبيبتي ادخلي.
دلفت سيليا تقبل صباح ثم تاليها زينب، وجلسوا بالردهة لتتحدث صباح بعد ترحيب:
_ الحمدلله الدكتور جوزك عطل سفر عمار يا زينب.
ابتسمت لها بودٍ تردد بغمز:
_ طب ايه فين عمار؟
نهضت صباح سريعًا تدلف للغرفة، تعلم أنها مهما طرقت لن يسمعها، ثم اختفت دقائق بالداخل، ظلت سيليا تختلس النظر للباب ثم اتسعت عينيها بصدمةٍ من شكل عمار الهزيل، فأصبح أشبه بالمدمن للممنوعات، انتفضت من مكانها تردد بخوف:
_ ايه اللي حصله دا؟
ابتسمت صباح بحزنٍ تجيبها بألمٍ:
_ من يوم ما بعد عنك وهو كده.
أمسكت سيليا بالهاتف تكتب عليه بعض الرسائل ثم مدت يدها تعطي الهاتف لعمار الذي تناوله بتعجبٍ منها، قرأ ما بها..
” ليه كده يا عمار مقولتش ليه على التعب اللي عندك؟ ”
نظر لها بحزنٍ، ثم بدأت بالرد عليها وإعطائها الهاتف، فقرأت بألمٍ..
” أقولك إني بقيت أصم ومنفعش؟ دا أنتِ لو بتستنجدي بيا عمري ما هلحقك لأني مش بسمع؟ ولا هعرف أتكلم معاكِ.”
أدمعت عينيها بحزنٍ، ثم كتبت على الهاتف مرة أخرى ومدت له..
” قلبك يا عمار هيحس بيا… ولو على الكلام ممكن نتعلم لغة الإشارة ونتكلم.. كل حاجة ليها حل إلا البُعد يا عمار”
نظر للرسالة بتردد لاحظته لتسرع بإمساك الهاتف عنه تكتب سريعًا، ثم مدت يدها له ليكمل قرأتها:
“شايف بقينا إزاي لا أنا عارفة أكمل ولا أنتَ كويس… خلينا نكمل مع بعض ونجرب سوا”
نظر للرسالة ببسمة بدأت تطوف على محياه، ليكتب بحبٍ ثم يمد الهاتف لها..
” هو إحنا قولنا كتب الكتاب امتى”
اتسعت عينيها تنظر له سريعًا، ليبدأ هو بالضحك عليها بوضوح، نظرت سيليا لوالدتها وصباح اللتان تنظران بدهشة وسعادة، ثم قالت:
_ بيسألني كنا اتفقنا على كتب الكتاب امتى؟
احتضنت صباح زينب بسعادة بالغة تردف بحمدٍ:
_ أحمدك وأشكر فضلك يارب.
لتتحرك سيليا باتجاه والدتها التي ضمتها بحبٍ تنظر لعمار بإماءة صغيرة ترفق بسمة رضا، ليبادلها الإماءة مع ابتسامة هادئة، يتأمل سعادتهم جميعًا بهذا القرار، تخلله الندم على ما أضاعه بالأيام السابقة ولكن يحمد الله أنه الآن اتخذ القرار الصحيح بعد ظهور الحقيقة لزينب واللحاق به.
**********
بدأت امتحانات عامر التي استعد لها، يذاكر بجدية واضحة ولكن كلما تخلله اليأس يتذكر دعم أشقائه وزوجاتهم ليستعيد طاقته، اتصالاتهم المستمرة له، وقوف والده معه ومساعدته له بالاستذكار دروسه، استمرت تلك الرحلة شهرًا كاملًا حتى استطاع العودة مجددًا إلى القاهرة.
بدأ بالذهاب للعمل مع اخواته محاولًا الابتعاد عن تفكيره بالنتيجة، فأصبح يساعد غفران بالتنقل إلى الشركة ونقل الملفات التي لن يستطيع الذهاب بها، حتى أتى اليوم الموعود لتتجمع الأسرة بشقة غفران تلك المرة جميعهم يجلسون بالردهة…
“الآن ظهور نتيجة الثانوية عامة على الموقع…. ”
وقعت عينيه على تلك الكلمة، لترتجف يديه قبل أن يضغط على ذلك الرابط، نظر باتجاه غفران ثم مد يده بالهاتف قائلًا بتوترٍ ظاهر:
_ خد هاتها أنت أنا مش قادر.
أومأ غفران بتفهمٍ ثم أمسك عنه الهاتف ليبدأ بتسجيل رقم الجلوس الخاص به ينتظر تحميل الموقع لنتيجته بينما أتت فاطمة تحمل بعض المشروبات الباردة بهذا الجو القائظ، تجلس جوار غفران تنظر للهاتف ثم أدمعت عينيها تضع كفها على فمها، نهض غفران مبتسمًا بعدما ناول جبران الهاتف يردد بسعادةٍ لشقيقه:
_ مبارك يا دكتور عامر… 90.5%.
أدمعت عيني عامر من رحمة الله به، وهبط بالأرض ساجدًا على ما آتاه به ربه، ثم نهض ليضمه غفران ثم والده ومن خلفه جبران جميعهم تتوالى المباركات له، ثم هتفت فاطمة ببسمة فرحة:
_ بالمناسبة السعيدة دي أنا وغفران جيبنا هدية صغيرة ليكِ يا عامر.
ذهبت لتحضر هدية مستطيلية مغلفة، تمدها لعامر الذي تناولها بفضولٍ، لتقف فاطمة جوار غفران الذي حاوطها بذراعه، وما أن فتحها حتى رأى جهاز حاسوب من ماركة عالمية ( آبل)، اتسعت ابتسامته أكثر ليبدأ كلًا من جبران ويقين بإعطائه مستطيلًا أصغر، قام أيضًا بفتحه ليظهر هاتف بأحداث أصدار لماركة ريلمي، بينما تقدم والده يعطيه صندوق صغير للغاية، تعجب منه عامر يردف بمزاحٍ:
_ أكيد جوهرة تمنها مليون جنية.
رمقه خليل بنظرة مغتاظة قائلًا:
_ هاتها هي خسارة فيك.
ضحك عامر يتشبث بها بقوةٍ، ثم أمسك بالعلبة الصغيرة وفتحها ليجد مفتاح خاص بسيارة، اتسعت عينيه بصدمةٍ ثم نظر لوالده الذي ردد:
_ طلبتها مني كتير وقولت دي أحسن مناسبة أجبهالك فيها.
اندفع نحو والده بحبٍ يردد بشكرٍ أثناء ضمه:
_ شكرًا يا بابا.
ابتسم له خليل يضمه بحنانٍ بالغ، ثم استمع لاسمه ينادى من الخلف، خرج من أحضان والده ينظر خلفه ببسمة متسعة، فما كانت سوى ملك تمسك بلوحة صغيرة قائلة بخجل:
_ رسمتها عشانك.
اتسعت عينيه بسعادةٍ، يمسكها سريعًا يتأملها بحبٍ، فما كانت سوى زهور تنبت من كفين متمسكان ببعضهما، عاد ينظر لها قائلًا:
_ خلي بالك أنتِ بتجريني اتجوزك وهما هنا مش هيلقوا عريس أحسن مني.
ضحك الجميع على كلمات عامر ولكن قاطعهم صوت اتصال الهاتف، أجاب خليل بهدوءٍ ولكن اتسعت عينيه يردد الحمد لله كثيرًا، نظر له الجميع فقال بسعادةٍ:
_ أول الغيث قطرة… وربنا أكرمنا بالغيث.
لم يفهم الجميع ما أراد حتى قال:
_ جدكم فاق.
تمت بحمد الله.
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالحب اهتديت)