روايات

رواية وبالحب اهتديت الفصل الثاني عشر 12 بقلم سلمى خالد (سماسيمو)

رواية وبالحب اهتديت الفصل الثاني عشر 12 بقلم سلمى خالد (سماسيمو)

رواية وبالحب اهتديت الجزء الثاني عشر

رواية وبالحب اهتديت البارت الثاني عشر

وبالحب اهتديت
وبالحب اهتديت

رواية وبالحب اهتديت الحلقة الثانية عشر

(غصة الماضي 2)
سأعود يومًا لأفضل مما كنت عليه ولكن لا تتركيني!
وقعت تلك الكلمات كنصلٍ قاتل على المتخفي خلف شجرة، بينما كالصخرة عليها، تنظر لتلك السيدة بذهولٍ لنطقها مثل تلك الكلمات، تغيّرت معالم وجهها لأخر حازمة جادة، ترد بكلماتٍ منمقة:
_ مع أن الكلام دا يخصني أنا وغفران بس ومحدش له حق يدخل في حياتنا لكن هرد على حضرتك وهقولك إن غفران لا يعيبه شيء… احنا الاتنين تقبّلنا بعض بعيوب بعض… هو في نظري كامل ولو جه صف رجاله قدامي وهو معاهم عيني مش بتشوف غيره… هو قدر يخليني أشوفه وأحبه… عصبي شوية طب حضرتك متعرفيش أنا فيا عيب ايه وهو مستحمله… غفران لو لفيت الدنيا بحالها مش هلاقي زيه لأن ببساطة هو الراجل المثالي بنسبة ليا ولو رجعت بالزمن تاني هختار غفران.
شعرت تلك السيدة بالحرج تنظر لصديقتها الواقفة جوارها ترسل لها نظرات عتاب، بينما الصدمة تعتري ملامح غفران خلف تلك الشجرة، اردفت تلك السيدة بحرجٍ:
_ مقصدش يا حبيبتي أنا بس من حبي ليكِ يعني وكده واكمن خطيبته سابته بعد اعاقته فقولنا أنه يعني مفيش واحدة تستحمله.
اشتعلت نيران الغضب داخلها ولكن حاولت السيطرة عليها حتى لا تفقد الموقف وتصبح ذات خُلق سيئة:
_ زي ما قولتلك غفران مفهوش شيء يكسف أو يخليني اتحرج منه لا هو بيشرب مخدرات ولا تاجر سلاح ولا انسان فاشل وضايع… دا مثقف وفخورة كوني مراته وهو جوزي واختلافه مع خطيبته دا شيء عادي هو مش أول واحد يخطب ويسيب خطيبته أو خطيبته تسيبه.
ابتسمت لها تلك بحبورٍ، تربت على كفها برضا قائلة:
_ ربنا يهدي سرك يا بنتي ويكون لك ذرية صالحة… ونعمة الزوجة والتربية… ومتأخذنيش في الكلام فوتك بعافية.
اومأت لها فاطمة مبتسمة، تراه تغادر من المنزل تتحدث مع صديقتها في حين كان يقف خلف الشجرة يشعر بصدمةٍ وراحةٍ من حديثها، لم يتوقع رؤيتها له بتلك الطريقة، لم تشعر بالحرج كخطيبته، وضع يده على صدره يشعر بأن جدار ثقته بنفسه الذي هُدم رممته بحديثها، استدار ينظر لها فوجدها تحمل حقائب الحليب والبيض وتدلف بها إلى المطبخ من الجهة الخلفية، ليعود هو مكانه يسير بخطواتٍ متمهلة ولكن عقله لا يفكر سوى بحديثها الذي يتكرر مرارًا فترتسم البهجة على شفتيه دون وعي منه، يدرك تفكيره الخطأ بها، صعد غرفته ثم انطلق نحو الخزانة يخرج منها حقيبة التي تحوي اوراق الخاصة بأبحاث قديمة، يهتف بجدية:
_ خلاص كده لزمًا تظهر للنور وأبدأ اشتغل من تاني.
***********
عبست ملامحها منذ رفضه لأن تختبئ هي ويذهب هو لاحضار ما تريده فاطمة، نظر لها عامر بجانب عينيه ثم قال بنبرة ساخطة:
_ ماشي مع بنت اختي عشان موافقتش ادخل السوق لوحدي؟
لم ترد عليه متجاهلة حديثه، بينما زفر عامر بتذمر واضح لطريقتها، يردد بهدوءٍ زائف:
_ خلاص يا يقين بقى دا أنتِ يا قادرة حلفتي ما تقفي على بياع وتشتري وهتخلينا أعمل كل حاجة وكمان مش عايزة تيجي الإفترى له ناسه بصحيح.
رفعت حاجبها باستنكار لحديثه، بينما تراجع عامر قبل أن يسترسل بسخطه:
_خلاص يا مرات اخويا… عايز اسألك على حاجة كده؟
تنهدت يقين قليلًا تردف بعبوسٍ:
_ عايز ايه؟
مسح على وجهه يعد إلى الرقم خمسة، ثم قال بجدية واضحة:
_ هي علاقتكم بملك عاملة إزاي؟
نظرت له بدهشةٍ من طبيعة السؤال، ولكن تذكرت حياتهم المفككة تمامًا، بُعد المسافات بينهم بالرغم من جلوسهم في منزل واحد، الفاصل بينهما حائط فقط ولكن بين وصال قلوبهم جبال ضخمة، رددت ببسمةٍ حزينة:
_ حياتنا غريبة أوي… فاطمة هادية أوي وبعيدة عن الكل بس حنينة ولما تلاقي حد في مشكلة بتساعده بس طبيعتها بتبقى في دراستها وعشان هي شاطرة في الدراسة كانت معتزلة شوية… أما بنسبة ليا فكانت ماما شيفاني غبية ومينفعش اتعامل مع حد حتى ملك وعشان كده كل ما اقرب منها تبعدني وتقولي
“ابعدي عنها أنتِ غبية ومش هتعرفي تتعاملي معاها وهي عايزة معاملة خاصة”
فكنت بضايق وأبعد عنها، وطبعًا ماما كانت شديدة مع ملك أوي وأغلب يوم ملك يا في المدرسة أو في مركز العلاج بتاعها.
استمع لحديثها باهتمامٍ شديد، ثم فهم سر رسمة ملك للتفكك الأسري، شعر بمعاناتها ووحدتها التي اقتصرت على المركز العلاج فقط، ابتسم بحزنٍ عليها عندما أتت لم تستجب في البداية ولكن مع مرور الوقت بدأت تستجيب له قليلًا وبدأ بالتحسن عليها، تنهد عامر بصوتٍ مسموع، ثم قال بشكرٍ:
_ شكرًا يا يقين.
نظرت له بفضولٍ شديد متسائلة:
_ طب قولي بقى بتسأل ليه؟
نظر لها قليلًا يفكر هل يخبرها أم يخفي هذا السر، ولكن لابُد من أن يعود الوصال بينهم، ردد عامر بزفيرٍ:
_ من مدة كده ملك ورتني لوح رسمتها كان فيها معنى لجملة كانت ” من لم يجد الآمان وسط أسرته سيظل يرتجف إلى الأبد…!” وقتها عرفت إنها بتعاني من حاجة بس مرضتش تقول وعشان كده سألتك ودلوقتي فهمت ليه ملك حاسه بالخوف منكم.
شعرت يقين بغصةٍ تقبض صدرها، هذا أيضًا شعورها، لقد أفقدتهم والدتهما شعورهما بالأمان، أدمعت عين يقين بصمتٍ تحاول أن تصمد أمام عامر حتى تعود للمنزل، بينما لاحظ عامر صمتها وظن أنها تلوم نفسها ليسرع بالحديث في لطف:
_ متزعليش يا يقين… بصي أنتوا ارجعوا اتكلموا معها تاني وهي هتحس بالأمان واهتموا بيها، أنا لما جبران سأل عليا وعلى دروسي فرحت أوي بسؤاله ونسيت اهماله ليا وبُعده عني.
قطبت يقين جبينها، تنظر نحو عامر بتعجب قائلة:
_ هو جبران مكنش بيسأل عليك؟
حرك رأسه بنفيٍ، يجيب بحزنٍ:
_ لاء مكنش بيسأل خالص ولا هو ولا غفران…
ثم لانت ملامحه لأخرى هادئة، تحمل طفيف السعادة بنبرته:
_ بس يوم الفطار الجماعي غفران قالي جملة مُشجعة وجبران سأل عليا واحنا راجعين من الصلاة وبقى يشجعني عشان أكمل.
زحفت بسمة صغيرة لثغرها، يرفرف قلبها سعادة بعد سماع حديث عامر، أحقًا جبران يحبها؟، قد ذهب لعامر ليهتم به كما اهتمت بعد حديثهما، يفعل ما يريح قلبها ولا يتعبها، أنه أماني هذه الجملة الوحيدة التي رغبة بقولها له، أتت صورته بذهنها لتزداد بسمتها اتساعًا تنظر نحو عامر قائلة بحماسٍ:
_ لسه فاضل كتير على السوق عايزة اروح بسرعة!
حرك رأسه بنفي يشير نحو الشارع، نظرت يقين للشارع ثم تذكرت الدجاجة لتزداد لعابها بتوترٍ بعدما تبخر الحماس وحل الخوف مكانه، تقدم الأثنان نحو الطريق السوق ثم وقفت يقين خلف عامر قائلة ببسمة متوترة:
_طب معلش عدي كده وادخل الأول كده.
نظرلها متعجبًا ثم تحرك إلى داخل هذا الطريق وما أن وقف حتى استدار ينظر إلى يقين قائلًا:
_ اهوه ماله؟
ضيقت عينيها قليلًا ثم شعرت بالشك من دلوفها، ولكن قررت السير ببطء وما أن خطت بقدمها خطوة واحدة حتى انطلقت دجاجة على وجه عامر مما جعله يصرخ بصوتٍ عالي قائلًا:
_ ألحقوني… ألحقوني… حد يشيل فرخة جاكي شان.
أسرع هذا الصبي كالمرة السابقة ثم أمسك بدجاجة عن وجه عامر الذي تأوه من أظافرها، بينما ضربت يقين كفها بالأخر لتصدر تصفيقة عالية تردد:
_ كنت عارفة أن في غدر والفرخة دي مش هتجيبها البر.
تقدمت نحو عامر الذي وضع يده على وجهه باشمئزاز تردف بنبرةٍ مواسية:
_ معلش يا عامر… بتوجع شوية وبعدها بتخف تعالى ندخل نجيب طماطم وخضرة وورق عنب وبتنجان عشان نروح.
أدمعت عين عامر قائلًا بصوتٍ يمثله كالباكي:
_ أنا صعبان عليا نفسي اللي اتهانت في السوق دي.
اومأت يقين بتفهمٍ لما مر به، تسير للداخل معه قائلة:
_ معلش يا عامر اهي جت على اد الفرخة وضوافرها بس مجتش ست متسواش بصلة وراحت شتماك في نص السوق وفضحتك اكتر.
نظر له قليلًا ثم شعر بأن حديثها صحيح، انطلق سويًا نحو بائع الطماطم ثم وقفت يقين تسأل عن سعرها لتجده يخبرها:
_ الكيلو ب30
نظرت يقين نحو عامر قائلة بهمسٍ:
_ هينفع نفاصل معه ولا إيه؟
منحها نظرة ثقة ممزوجة بغرورٍ، يضبط لياقته قائلًا:
_ اتفرجي واتعلمي مني إزاي نفاصل.
رفعت يقين حاجبها من طريقتها المغرورة، بينما هتف عامر بجدية بالغة:
_ خلاص يا كبير هناخد منك ال3 بـ100 ج.
نظر له البائع بذهولٍ من شدة غبائه، بينما اتسعت عين يقين بصدمةٍ من جملته، لتسرع بالحديث:
_ أنت بتقول ايه! التلاتة كيلو ب90 ج يا أهبل رايح تقوله هاخدهم بـ 100 ج بتديله عشرة جنية هدية غباءك يا عامر.
نظر لها قليلًا، ثم حك مؤخرة رأسه بحرجٍ يردد متراجعًا للخلف:
_ المسرح تبعك يا بشمهندس و أنا هقف في الركن اعيط على فرخة جاكي شان اللي كلت وشي و العبط اللي قولته من شوية.
تراجع عامر للزاوية بجوار محل مغلق، بينما منحته يقين نظرة غاضبة ساخطة ثم بدأت بشراء ما تريد وتعطي لعامر الأكياس ليحملها.
************
وصل كلاهما إلى البيت بعدما انتهى من عملية التسوق، يدلفان نحو المطبخ سريعًا يردف عامر بتعب واضح:
_ دا أنا طلع عيني في السوق الحاجة اهيه.
ضحكت فاطمة بخفةٍ عليه، تتفقد محتويات الحقائب إلى أن اطمئنت، ثم قالت وهي تخرج الباذنجان وورق العنب والفلفل:
_ طب يلا يا حلوين تعالوا معايا ساعدوني عشان نخلص تأوير المحشي وحشيه ولفه.
اتسعت عين يقين بصدمةٍ، بينما وضع عامر يده على رأسه ثم افترش الأرض بتعبٍ واضح قائلًا ومعالم وجهه تحمل الصدمة:
_ أنا في تالتة ثانوي يا ناس… تالتة ثانوي ارحموني شوية… انتم فاهمين الموضوع غلط…
توقف عن الحديث بعدما أتى أشعار لهاتفه، فتحه سريعًا ثم اتسعت عينيه بصدمةٍ قائلًا:
_ ايه المدرس دا قلبه مات خلاص… ستك لسه ميتة وأنت منزل الحصة عادي كده! هو في ايه؟
قطبت كلًا من يقين وفاطمة جبينها من كلمات عامر، لتردف يقين بتعجب:
_ في ايه؟
نظر لها بحسرة يغلق الهاتف، ثم نهض من الأرض يجيبه بصوتٍ مغتاظ:
_ المستر جدته لسه ميتة الصبح خلاص… لقيناه رفع المحاضرة اللي علينا عادي وفي شامل عليها… دا جلط نص الدفعة بعملته دي عشان كلنا مخلصناش المتراكم علينا وورانا شامل.
ابتسمت له فاطمة بحبورٍ تتمتم بتضرعٍ:
_ ربنا يجبر بخاطرك يارب يا عامر وتنجح بالمجموع اللي نفسك فيه… خلاص اطلع أنت.
ابتسم لها عامر بامتنان لتلك الدعوات، ثم قال وهو يلقي الهاتف بعيدًا على أحد المقاعد:
_ لالالا دي قاعدة نسوان واوعى الفسق بقى… أنا راشق معاكم بس هحشي البتنجان عشان مش حافظ غير لفة الحشيش.
اتسعت عين يقين من حديثه، تنظر له بغضبٍ بعدما منحته فاطمة موافقة ماكرة:
_ طب يلا يا عامر أنت ويقين غيروا هدومكم واغسلوا ايديكم وتعالوا.
أسرع نحو غرفته بحماسٍ، بينما انطلقت فاطمة تكمل باقي ما تفعله، اندفع عامر نحو غرفته، بينما دلفت يقين للغرفة وما أن أغلقت الباب ودلفت إلى الداخل حتى رأت حقيبة سفر صغيرة، رفعت حاجبيها بتعجبٍ منها، ولكن اختفى تعجبها وهي ترى جبران يأتي من الشرفة بعدما أنهى مكالمته، لتشير نحو الحقيبة متسائلة:
_ هي الشنطة دي لمين؟
اجابها مبتسمًا:
_ ليا، هسافر لجدي عشان الشغل بتاعه واسلمه الأوراق خاصة بالحسابات.
ألتمع الحزن بعينيها تنظر نحو بضيقٍ، ثم تمتم بحزنٍ:
_ هو لزمًا تسافر؟ مينفعش حد ياخد الورق مكانك؟
ضيق عينيه قليلًا من نبرتها الحزينة، أهي تحزن لمغادرته! زفر قليلًا يسخر على حاله وتلك الأوهام، ثم قال ببسمةٍ زائفة:
_ مش هينفع يا وجه الأرنب عشان جدي طلبني كمان وأهو ترتاحي من واحد زي منكد عليكي.
اندفعت يقين نحو تحتضنه سريعًا، تبكي بصوتٍ مسموع قائلة:
_ لاء متسبنيش.
تجمد جسد جبران بصدمةٍ غزت جسده بالكامل، ولكن زيادة تشبثها به جعله يفيق من تلك الصدمة يرفع ذراعيه يربت على ظهرها بحنوٍ قائلًا:
_ صدقيني لو عليا هختارك أنتِ بس أوقات الظروف بتحكم علينا بحاجات نعملها عشان نوصل لشط الأمان.
لم تجيب على حديث بل ظلت تشهق بنحيبٍ، بينما أبعدها جبران عنه ينظر لوجهها الباكي، والذي بدأ بالأحمرار بقوةٍ، يردد بصوتٍ حنون:
_ يا يقين هما يومين وهاجي علطول مش هتأخر عليكي.
رفعت ظهر يدها لتزيل دموعها، تنظر له قليلًا، ثم قالت بين شهقاتها:
_ يو.. يومين بس صح!
اومأ برأسه سريعًا كي تتوقف، بينما استرسلت يقين بحزنٍ واضح:
_ يومين يا جبران بس لو بقوا يومين وساعة هتتعب أوي عشان نتصالح.
اتسعت ابتسامته من طريقتها، وشعر بالسعادة من تعلقها به، ليندفع بالسؤال يملأه مشاعر مشوشة:
_ هو أنتِ اتعلقتي بيا؟
حدقت به قليلًا بعدما استمعت لسؤاله، تشعر بأنها لو اخطأت سوف يحدث كالمرة السابقة، ابتسمت بحياءٍ تهبط ببصرها للأسفل قائلة:
_ يعني.. شكلي كده اتعلقت بيك.
لم يشعر بذاته وهو يسحبها ليعود لضمها مرة أخرى ولكن تلك المرة بسعادةٍ بالغة منه، شهقت يقين مما حدث بلحظة ثم ولكن استمعت لحديث يردد:
_ أوعى تبعدي قلبك عن قلبي عشان هو عايش بنبضاتك.
زحفت بسمة خجولة لشفتيها بعدما لمس دفيء كلماته قلبها، فأزاح بعض من برودته المكنونة بداخله، أغمضت عينيها تتمنى لو يظل قلبها يتعافي هكذا ويرتاح مما رأه منذ طفولته.
**********
:_ هتمسك المقوار كده وتدخل بطرفه أول مرة لحد ربعه كده، وبعدها تخرجه وتكمل بقيت النص دايرة دي وتدخل وتلف وتخرج… تدخل وتلف وتخرج يا عامر وأوعى تخرم الباتجان فاهم كل خرم عليه ضريبة.
تحدثت بتلك الكلمات الموضحة لما يفعله وكذلك تحمل تهديد صريح إذا اخطأ، تحرك عامر ليمسك عنها الأداة ثم أمسك بالباذنجان وبدأ بفعل ما قالته، ألقت فاطمة نظرة رضا ثم تحرك كي تبدأ بوضع ورق العنب في المياه الساخنة بعدما قطفت الأعواد منها، ولكن قبل أن تضع الأوراق بالمياه ارتفع صوت عامر متمتمًا:
_ فاطمة أنا خرمت بتنجانه اعمل إيه؟
أغمضت فاطمة عينيها بارهاقٍ ثم قالت تنظر له بأعينٍ تحمل الصبر:
_ كمل يا عامر وخلي بالك دا بتنجان مش واحد صاحبك هتغزه.
اومأ عامر مرة أخرى وأمسك بالباذنجان الأخرى وبدأ يكمل ما تعلمه حتى نجح وانتهى منها، زفرت فاطمة بارتياح واستدارت لتكمل ما بدأت وتنتهي كي تلف الأوراق وتصبح جاهزة عند حضور ملك ولكن ارتفع صوت عامر مجددًا يردف ببلاهةٍ:
_ فاطمة أنا خرمت باتجانة اعمل إيه!
صكت على اسنانها بغضبٍ، تحاول السيطرة على انفعالاتها، تردف بصعوبةٍ بعدما حاولت السيطرة على تلك النوبة الغاضبة:
_ سيبها يا عامر وادخل على اللي بعدها ورجاءًا يا عامر خلي بالك.
اومأ مرة أخرى وتركها وبدأ بغيرها، تنظر له بجدية لترى ماذا يفعل، ولكن انتهى عامر منها بسلام، زفرت براحةٍ ثم استدارت لتضع ورق العنب وتنتهي من تلك المهمة ولكن قبل أن يمس الماء الساخن ارتفع صوت عامر بتلك البلاهة:
_ فاطمة أنا خرمت بتنجان تاني!
تركت فاطمة الأوراق تمسح على وجهها بغضبٍ جامح، تشعر أنها على وشك قتله، تهمس بنفسها:
_ شكلك عايزني استخدام اسلوب ماما يا عامر كل خرم عليه خرطوم.
استدرات له بأعين تنفذ نارًا لينتفض عامر من مكانه بخوفٍ، غمغمت بنبرةٍ محتدة:
_عــــامر لو قولتلي تاني أن في بتنجان اتخرم صدقني همشي معاك بسياسة هتكرها أوي.
ازدرد لعابه بذعرٍ، بينما أكملت فاطمة بشرٍ:
_ هجيب الخرطوم وألسوعك بيه.
اتسعت عين عامر برعبٍ، يحرك رأسه بنفيٍ سريع، ثم انطلق لمقعده يبدأ بالانتهاء من الباذنجان، بينما استدارت فاطمة لتكمل باقي ما تفعله حتى انضمت لها يقين التي رأت عامر يركز كامل بصره على ما يفعله دون الالتفات يمينًا أو يسارًا، همهمت يقين بتعجبٍ ولا يزال بصره يسقط على عامر:
_ أنـا جيت يا فاطمة اعمل إيه؟
:_ اغسلي الخضرة يلا وقطعيها عشان نحطها على الرز ونحشي.
اومأت برأسها بايجابية، ولكن لم تسيطر على فضولها لتتمتم سريعًا:
_ هو عامر عامل كده ليه؟
استدارت لها تنظر لها بأعينٍ يملأها الشر، تجيبها بتهديدٍ صريح:
_ عشان قولتله لو خرم بتنجان تاني هجيب الخرطوم واضربه بيه يا يقين سامعة!
شعرت أن التهديد موجه لها أيضًا لتفر من أمامها هاربة تمسك بالخضرة كي تغسلها ثم تبدأ بتقطيعها، ليندمج جميعهم بالعمل دون أن يقاطعهم أحد حتى انتهوا جميعًا من عملية حشي الخضروات، نظر لهم عامر بارهاقٍ ثم قال وهو ينهض من مكانه:
_ آآه يا غضاريفي ياما… آآآه جسمي كله نمل فجأة… دي قاعدة تكفير ذنوب مش الفسق اللي في دماغي.
ضحكت كلًا من فاطمة ويقين عليه، لينهضا سويًا ويكملان باقي مهمتهما، بينما تحرك عامر نحو الخارج يتأوه كثيرًا حتى وصل لغرفته وبدل ثيابه وانطلق ليحضر ملك من أول يوم دراسي.
**********
( منها لله ربنا ينتقم منها على اللي عملته فيك يا عاصم)
كلماتٌ انطلقت من فمها بعدما احترق قلبه خوفًا على ابنها، بينما أغلق عاصم حقيبة سفره قائلًا ببسمةٍ حزينة:
_ عادي يا أمي خدي على دا هي عشان ليها أبوها ليه اسمه في البلد ومكتفاش أنه ينقلني من القضية لاء وكمان نقلني من المديرية كلها.
تقدمت منه السيدة ( نادية) تمسك بكفه والدموع لا تزال تفيض من حدقتيها تردد بقهرٍ:
_ كل دا عشان حققت في القضية وعرفت الحقيقة وأنها هي اللي قتلت مش صحبتها.
زفر عاصم بضيقٍ من تذكر كلمات ذلك الرجل له ” سيرة بنتي لو جت في أي مكان صدقني هتندم وأول حاجة هتندم عليها والدتك… المرة دي هكتفي بقرصة ودان”، نفض تلك الكلمات من رأسه بعد ارتفع صوت شهقات والدتها، ليمسك كفها بحنوٍ مرددًا:
_ متقلقيش يا أمي دي قرصة ودن وهرجع تاني… بس قسمًا بالله لأحسره على بنته وهي في السجن.
مسحت نادية دموعها ولكن لا تزال شهقاتها موجودة، لينهض عاصم من أعلى الفراش يمسك كف والدته وينطلق بها نحو الردهة قائلًا بمرح:
_ طب يلا يا ست الكل عشان ناكل بقى لحسن أنا هفتان.
ضحكت بخفوتٍ عليه ثم جلسا على الطاولة التي تحمل اربعة مقاعد كان منها مقعد لوالده ولكن رحل كما سيرحل الجميع.
************
أبدلت ملك ملابسها بعدما احضرها عامر من المدرسة، تهبط من الدرج بهدوءٍ حتى وصلت للطاولة التي يجلس عليها الجميع، اشارت فاطمة لها قائلة:
_ يلا يا ملوكتي عشان تاكلي دا محشي وفراخ.
تحركت ملك نحو مقعدها، بينما رددت يقين ببسمةٍ حنونة:
_ عملتي ايه في أول يوم؟
نظرت ملك لما تفعله فاطمة، تضع لها الكثير من الباذنجان المحشي وقطعة من الدجاج، ثم اجابتهم قائلة:
_ مفيش حاجة… أنا قعدت في الديسك لوحدي وفي ميس اسماء حبتني وعرفت عندي ايه في المذاكرة.
أومأت فاطمة لها بايجابية تبتسم لها بحبور، ثم استدارت نحو غفران قائلة بتلك البسمة التي لا تزال تزين ثغرها:
_ تحب اغرفلك ورق عنب يا غفران؟
أومأ برأسه لها، ولكن لأول مرة يبادلها الابتسامة، لتبدأ فاطمة بوضع القليل من أصابع ورق العنب والباذنجان المحشي وقطعة دجاج، وضعت الطبق أمامه وما كادت أن تمسك بطبقها حتى أمسك غفران كفها مرددًا:
_ لا كلي معايا… مش الأكل الجماعة مفيد برضو وأنا بحب أفيدك أوي!
نظرت له قليلًا بذهول، ليبتسم لها بمكرٍ يغمز لها، كبحت ضحكتها لطريقته، وبدأت بتناول الطعام معه تشاركه الطبق، بينما وضعت يقين أصابع ورق العنب لجبران دون أن تسأله، تعجب جبران من كونها وضعت النوع المفضل له ليسألها بتعجبٍ:
_ عرفتي منين إني بحب الورق عنب اكتر؟
نظرت له بمشاكسةٍ، ثم غمزت له قائلة:
_ اللي يسأل ميتوهش ولا إيه!
ضحك عليها وغمز لها أيضًا ولكن بمكرٍ متمتمًا:
_ هقولك بقى بس لما نطلع.
اختفت بسمتها سريعًا ونظرت له بتوترٍ من طريقته وبدأت بالأكل تتحاشي النظر له، في حين التهم عامر طبقه وبدأ بتعبئة الطبق مجددًا ويتناوله بنهمٍ حتى انتهوا من الغداء وانطلقوا جميعًا إلى حيث يريدون ولكن أخذ غفران فاطمة وانطلق بها حاملًا حقيبته إلى أرض والدته، ثم جلس على الصخرة وإلى جواره فاطمة التي شد يدها كي تجلس إلى جواره ولكن التعجب يرتسم على ملامحها من صمته طيلة الطريق، قاطع هذا الهدوء صوت غفران متمتمًا:
_ دلوقتي بتسألي سؤال هو إيه اللي خلاها يجبني هنا مش كده؟
اومأت برأسها دون صوت، بينما استرسل غفران ببسمةٍ حزينة يحدق بعينيها اللتان تجهلان ما يريده:
_ في مرة سألتني ليه بأذيكي كده؟ وقولتلك عشان أذيتوني مسألتيش نفسك مين اللي أذت غفران وعملتله ايه؟
نظرت له بحرجٍ تجيبه بكلماتٍ حاذرة:
_ يعني عشان خطيبتك سابتك بعد الحادثة وبعتتلك جواب بكده؟
ابتسم لها غفران لسذاجة ما قالته، ثم انحنى يخرج بعض الأوراق من حقيبته، يمد يده لها بتلك الأوراق ثم قال بصوتٍ مختنق:
_ طب خدي دول كده شوفيهم.
قطبت جبينها بتعجبٍ، تمسك الأوراق من كفه ثم بدأت بالنظر بها ولكن سرعان ما اتسعت حدقتيها بصدمةٍ من تلك الكلمات القاسية التي تُهينه بعجز قدمه وأخرى لا يمكن لإنسان أن يتحملها، اغرورقت عينيها بالدموع وهي تتأمل كلمات تلك الأوراق، تحركها واحده تلو الأخرى إلى أن تساقط الدمع من عينيها، نظرت نحو غفران الذي ردد بنبرةٍ مبحوحة:
_ وقت الحادثة قالتلي أنا مش هكمل معاك لأنك عاجز ومنظري قدام الناس أنت هتدمره وفعلا خلعت الدبلة ومشيت وسابتني، وقتها اتصدمت أوي حسيت بأد ايه الدنيا كسرتني… تخيلي تقومي من حادثة عايزة دعم نفسي فيجي أقرب شخص ليكي أو اللي فاكراه أقرب شخص ليكي يقولك آسف بس أنت عاجز… وقتها مكنتش حاسس بحاجة غير وجع وجع مخليني ساكت وبس.
صمت قليلًا بعدما شعر بطغيان هذا الألم على صوته، يجمع شتات نفسه ليكمل باقي حديثه عن غصة بالماضي ولكن لا تزال تقبض عليه داخل أصفاد مظلمة:
_ قعدت في المستشفى كام يوم وبعدها روحت البيت وكله عرف أن بنت خالي سابتني عشان الإعاقة… وعشان والدي طيب زيادة كان فاكر إني اتعصبت عليها مع إني منطقتش وقرر يعزمها هي وخالي ويجوا يقعدوا يمكن الأمور تتصلح، وجم وأنا كنت قاعد في اوضتي، بس سمعت صوتها وحاولت اقوم من غير العكاز معرفتش فاستخدمته ونزلت عشان أشوفها جت ليه…
صمت يبتسم بسخطٍ على سذاجة تفكيره، ثم قال بنبرةٍ متألمة:
_ وعشان أنا كنت غبي فكرتها عايزة ترجع بس طلع العكس وجت تعايرني… استغلت اختفاء خالي وبابا ووقفت قدامي بتتريق على العكاز اللي بستخدمه…
****
( مش قادر تنزل من غير عكازك يا غفران… مش قولتلك أنت هتهين شكلي قدام الناس ومتنفعش تكون زوج لأن مفيش واحدة هتقبل بيك)
قالت تلك الكلمات ببرودٍ، بينما نظر لها بأعينٍ منغمسة بالألم، ثم قال يدافع عن نفسه:
_ دا تفكير ناقص منك يا هناء.
اطلقت ضحكة ساخرة على حديثه ثم فجأة ركلت بقدمها عكازه ليسقط غفران أرضًا أمام قدمها، ابتسمت هناء بشرٍ تتمتم بسخرية واضحة:
_ تؤ تؤ تؤ ايه اللي موقعك قدام رجلي يا غفران… اوعي تقولي إنك عشان عاجز ومش قادر تقف على رجلك العرجة وقعت من ضربة في العكاز.
نظرت لجسده الذي لا يزال يفترش الأرض ولكن يتكئ على كفيه محاولًا استيعاب صدمة ما حدث، نظرت له هناء ثم هبطت إلى أن وصلت لمستواه تردف بكلماتٍ قاسية:
_ الضربة دي هتاخدها من أي بني أدم في الشارع لما تخرج… من الأطفال اللي في الشارع وتقع كده زي ما واقع قدامي وتخيل بقى الناس وهي بتشفق عليك يا غفران… عايز تفهمني أن في واحدة هتقبل واحد كل يوم ناس بتبصله بشفقة عشان عاجز بعرجته!
لو كان نصل يمزق به فلن يشعل بكم هذا الألم، هذه هي مرته الأول التي تدمع عينيه حتى سقطت منه الدموع، لن يتحمل شفقة من أحد لن يتحمل حديث أحد بتلك الطريقة، تركته هناء مغادرة الردهة، بينما بقى غفران على وضعه إلى أن أتى عامر له قائلًا:
_ غفران مالك؟ ايه اللي حصل؟
كاد عامر أن يساعده في النهوض ولكن دفعه غفران بعيدًا يردد بصوتٍ صارخ:
_ مش عايز شفقة من حد.
زحف نحو الأريكة ثم تشبث بها حتى نهض من مكانه، يسير نحو عكازه ولكن يستند على أثاث المنزل، حتى وصل له أمسك عكازه وانطلق نحو غرفته يغلق على نفسه جيدًا ولكن أغلق باب غرفته وفتح جفونه لتسيل دموعه بصمتٍ، هبط ببصره نحو عكازه المسنود عليه ثم دفعه بعيدًا عنه، فنظر أمامه بكبرياءٍ مجروح ثم حاول التحرك ولكنه سقط على الأرض كما سقط بالأسفل، فتهشمت أخر ذرة كرامة له بعدما دهستها هناء ابنة خاله.
****
صوت شهقات مكتومة حاولت السيطرة عليها، بينما برزت عروق غفران بقوةٍ أثناء حديثه، ينظر نحو فاطمة التي ينتفض جسدها من رغبته في اطلاق تلك الشهقات، استرسل غفران حديثه بصوتٍ مختنق:
_ عدت أول سنة ومحدش يعرف باللي حصل بينا وهي سافرت بس كانت كل شوية تبعتلي رسالة ورق عشان تفضل معايا وفعلًا كل ورقة باخدها وبقرأها بشيلها عشان أفضل عارف أن جنس حوا مينفعش أأمانة له تاني… عيشت في الضغط دا اربع سنين لحد ما فقدت ثقتي في نفسي وكل عيلتي ومبقتش أثق في حد.
نظرت له فاطمة بفهمٍ، تحقق حديث طبيبتها هو بالفعل يخفي الكثير، أمسكت فاطمة كفه تنظر له بدفئٍ بعدما كبحت دموعها تحاول أن تثبت نظرتها به وأنه ليس بناقص كما قالت الأخرى:
_ عمري ما شوفت فيك حاجة ناقصة يا غفران… كل مشاكلي معاك طريقتك معايا وكان أول لقاء بينا مكنش أحسن حاجة ولا حتى طريقة جوازنا صدقني يا غفران ان…
قاطعها غفران قبل أن تسترسل حديثها قائلًا ببسمةٍ ولكنها باهته أثر ما رواه:
_ مصدقك يا فاطمة من غير ما تقولي… أنتِ أول واحدة أثق فيها وتبقى محل ثقتي.
نظرت له بدهشةٍ من تصديقه لها، بينما أكمل غفران ضاغطًا على كفها بحبٍ:
_ عشان شوفت ردك على بياعة اللبن.
اتسعت عينيها بصدمةٍ ما أن علمت أنه استمع لحديثهن، ربت غفران على كفها ببسمةٍ هادئة متمتمًا:
_ صحيح مكنتش عايز اسمع كلام الناس بس كلامك بنى جزء من قلبي.
ابتسمت له فاطمة بحنوٍ، ثم تذكرت أفعاله فقالت بصوتٍ مرتبك:
_ حقيقي أنا مكنتش أعرف كل دا يا غفران بس لسه خايفة شوية منك لأن أنت عارف يعني اللي حصل.
زفر غفران بصوتٍ مسموع ثم قال بنبرةٍ تأكيدية:
_ كل خوفك هيختفي يا فاطمة سبيني أصلح اللي باظ دا.
نهض غفران من مكانه يمسك بكفها، يردد بصوتٍ يحمل السعادة:
_ النهاردة محتاج وجودك جنبي قررت أخد عينة من الأرض وأعالجها وهقفل كل صفحات الماضي.
**********
لو أردنا غلق صفحات الماضي فلابد من أن تواجهها حتى لا تسقط عليك بمنتصف الطريق.
وقفت أمام الباب جوار شقيقتها وشقيقها تنظر للمنزل بتعاليٍ واضح وما أن رأت عامر يتحرك بالكتاب ولم يلاحظها حتى هتفت بصوتٍ يملؤه المكر:
_ عامر.
تجمد جسده من وقع هذا الصوت، يحرك رأسه بنفيٍ متمتمًا:
_ يارب تطلع تهيؤات الكيميا وميطلعش اللي في دماغي بجد.
:_ لا يا عامر بجد بنت خالك رجعت من السفر هوني رجعت ليكم تاني.
لطم عامر على احدى وجنتيه يستدير ليرى هناء وإلى جوارها اشقائها، ليعلم أن اليوم ستبدأ ساحة لحرب جديدة!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالحب اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى