روايات

رواية هل الضربة قاضية الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية البارت السابع والثلاثون

رواية هل الضربة قاضية الجزء السابع والثلاثون

هل الضربة قاضية
هل الضربة قاضية

رواية هل الضربة قاضية الحلقة السابعة والثلاثون

كانت هاجر تضع كوبها الفارغ على المنضدة وبدا عليها أنه قد أصابها الدوار من تلك الانحناءة فلحقها نبيل قبل أن تسقط، وفجأة صارت بين يديه!
تعلقت العيون في لقاءٍ طويل بين عتابٍ، شوقٍ، حنينٍ وأمنياتٍ كثيرة لم يعد لها مكان على أرض الواقع، ويبدو أنها ستظل فقط في عالم الأمنيات.
تمنى أن يجذبها إليه أكثر ويضمها، لكن تلك الحمى قد أنهكت جسده فجعلت الوجع ينهش في كل مفصلٍ، فأغمض عينيه وفتحهما من جديد محاولًا أن يبقى على صموده.
أما هي فقد تسببت تلك الحمى التي تسري فيها بارتعاشة في كل جسدها، شعر بها بين يديه وبالفعل بدأت تشعر وكأنها بحاجة لمن يحمل عنها رأسها التي يفتك بها الوجع، بل تريد من يحملها الآن ويضعها في فراشها كالأطفال.
بدأت تبعد نفسها ببطء لتذهب قبل أن تخر مغشيًّا عليها، شعرت بالفعل أنها ابتعدت لكنها لا تزال واقفة مكانها، أغمضت عينيها هي الأخرى وفتحهما، فوضع يده تلقائيًّا على جبهتها فتفاجأ بحرارتها العالية.
فقال لها بلهفة: إنتِ سخنة!
فأومأت برأسها وبدأت بالفعل تتحرك ذاهبة إلى غرفتها، كانت تترنح لكنها كانت تمسك بالأشياء، وكذلك فعل هو الآخر .
صعد الاثنان هكذا بحالتهما المذرية على مرئى من أعين حبيبة وشاهندة وهما في قمة الأسى والحزن على حالهما.
بينما نبيل ظلّ واقفًا يراقبها حتى دخلت غرفتها وأغلقت بابها، فأغمض عينيه بألمٍ شديد وهاهي قد تجمعت عليه كل آلامه، آلام جسده وقلبه.
صعد بضع درجات فوجد عمته تخرج من غرفتها متجهة إلى غرفة أبيه فأشار لها بابتسامة ميتة ثم دخل غرفته.
أغلق بابه خلفه وسار مترنحًا متسنّدًا على كل شيء حتى وصل إلى حمام غرفته الخاص ففتح صنبور الماء وانحني برأسه ينكّسها في الحوض وترك الماء الفاتر يجري فوق رأسه لفترة من الزمن.
لا يدري إن كان يُخفض تلك الحرارة أم يزيل كم الألم الذي يعيقه عن التفكير.
وبعد ذلك أغلق الماء، سحب منشفة ووضعها فوق رأسه ثم اتجه نحو فراشه فأخذ قرص دواء ثم دثّر نفسه وذهب في سباتٍ عميق.
أما هاجر فدخلت غرفتها وازدادت ارتعاشات جسدها كأنها في شهر طوبة، ثم ارتدت معطفًا ثقيلًا ودخلت به في فراشها ودثّرت نفسها بالأغطية ولا زالت ترتعش، ويبدو أن الحرارة قد بلغت مبلغها فبدأت تخترف منادية على نبيل بصوتٍ متقطع مرتعش: نبيل… ما تسبنيش… هموت من غيرك…
وبعد صعود نبيل وهاجر وهما مترنحَين، نظرت حبيبة إلى شاهندة وقالت مشيرة عليهما: الاتنين دول عيّانين ببعض على فكرة.
فأجابت شاهندة: باين جدًا على فكرة.
ثم التفتت لأختها التي يبدو وأنها شردت قليلًا، فقالت لها مشاكسة: جرى إيه يا عم الحبيب!
فانتبهت لها حبيبة ونظرت إليها مبتسمة ولم تعقب، فانقضت عليها أختها تشاكسها وتلكزها قائلة: هتقولي! قولي يلا!
فقاطعتها ممسكة يديها: بلاش معايا الحركات دي إنتِ مش أدي.
ثم قالت: بت يا شاهي ما تيجي أدرّبك بوكس.
فقالت: لا شكرًا، قولي لي بأه عمرك عييتي قبل كده من حب سي رياض بتاعك ده؟
فوضعت يدها على فم أختها قائلة: إيه الفضايح دي!
فهمست شاهندة بمزاح: طب قولي.
فضحكت حبيبة من هيئة أختها ثم شردت بهيام وقالت: مرة فعلًا زعلت منه وصبحت عيّانة، سخنت ورقدت ف السرير وكنت داخلة عل ماتش النهائي في بطولة أسبانيا، سبحان الله! فُزت بأعجوبة، بس وأنا بحييّ الجمهور لاقيته واقف أدامي، جالي مخصوص من تركيا لأسبانيا بدل ما يرجع مصر، بصراحة كان نفسي أضربه، طول الماتش كنت شايفاه أدامي بدل الخصم وفضلت أضرب بغل، بس بعد ما لاقيته تراجعت.
فسألتها شاهندة: بتحبيه أوي كده؟
فابتسمت وقالت: غيرني أوي يا شاهي، بجد مش مصدقة إني أنا حبيبة بتاعة زمان اللي كانت مجرد صخرة لحد ما دخل حياتي و غيرها كلها.
فقالت شاهندة: لا مصدقة، ما عندنا صخرة تانية بتعاني فوق بعد ما لانت وأهي اطربأت فوق دماغه.
فتابعت حبيبة على مضض: حقّا مراته دي يتفاتلها بلاد، وهي فين على كده؟!
فأجابتها: لا دي خرجت من بدري، كان شكلها رايح النادي.
فجزت حبيبة على أسنانها وقالت بغيظ: نادي! وسايباه راقد فوق كده! يا مين يناولني زمارة رقبتها.
فقالت: يا ستي قلبك أبيض.
سكتت قليلًا ثم قالت: باقولك يا بيبو، إنتِ صحيح عزمتِ رياض مش كده!
فأجابتها بابتسامة عريضة: أيوة استأذنت نبيل وعزمته هو وكل أهله.
ثم تنهّدت بهيام، فتابعت شاهندة قائلة بتردد: يعني عزمتِ إيهاب!
فأجابتها: يا بنتي بقولك عزمته هو وأهله وإيهاب ده يبقى…
ثم نظرت لأختها وضيقت عينيها وقالت: وبتسألي عن إيهاب ليه يا ترى؟!
فأجابتها بتوتر واضح: لا أبدًا، بس أصل يعني، ده مجرد سؤال خطر على بالي.
فأعادت حبيبة الكلام بعدم تصديق: مجرد سؤال خطر على بالك! إنتِ بتكلميه يا شاهي!
سكتت قليلًا ثم أومأت برأسها أن نعم وأسرعت بقولها: بس مجرد كلام عادي يعني.
ثم تساءلت قائلة: هو إيهاب مش كويس؟
فأشارت لقلب أختها قائلة: في حاجة هنا؟
فأجابتها : لا طبعًا…
ثم تراجعت قائلة: آه…
ثم قالت زافرة: مش عارفة يا حبيبة! مش عارفة حاجة!
فضحكت منها أختها ثم قالت وهي تضرب كفًا بكف: ده إيه الخيبة دي! يعني بتحسي بإيه يا هبلة! مبسوطة! زعلانة! مخنوقة… إيه!
سكتت قليلًا ثم قالت: بحس إني عايزة أتكلم معاه، وببقى مبسوطة وهو بيكلمني، لكن بصده دايمًا، بخاف يكون بيلعب بي، ولو غاب وما كلمنيش أبقى هتجنن لكن برضو ما اتصلش ولما هو يكلمني أعمل نفسي متفاجأة ولا على بالي ، ده يبقى إيه!
ضمت حبيبة ساعديها أمام صدرها ولم تعقب و بعد فترة قالت: ما أختك خيبة برضو فضلت مش عارفة راسي من رجلي أد إيه!
فأكملت شاهندة قائلة: وعندنا خيبة تالتة فوق.
فقالت حبيبة وهي تضحك: وأديكِ انضميتِ لثلاثية الخيبات المتحدة.
فضحكتا معًا ثم قالت حبيبة: طب نخلي عندنا دم ونروح نشوف الناس العيانين دول.
فأجبت شاهندة وهي تنهض: يلا بينا.
فاتجهتا لغرفة هاجر فوجدتاها لا تزال ترتعش وتخترف باسم أخيهما فنظرتا لبعضهما البعض في أسى، وبدأت حبيبة بعمل الكمادات لها.
تركتها وتسللت ناحية غرفة أخيها فوجدت عمتها خارجة من غرفته مغلقة الباب خلفها هامسة: أخوكِ نايم، ربنا يقويه عل هو فيه!
فهمست شاهندة: بينادي عليها برضو!
فأومأت برأسها زافرة بأسى، فاتجهتا إلى غرفة هاجر للاطمئنان عليها.
مر اليوم وتحسنت حالة الاثنين نسبيًا لكن لم يخرج أيهما وبالطبع لم تتحدث أي منهن بشأن تلك الخطرفة، لكن هاجر كانت تتذكر وقوفها بين يديه كأنها لا زالت تشعر بيديه تمسك خصرها حتى الآن! لكنها نوت الاختفاء.
جاء المساء وحبيبة وشاهندة تجلسان مع عمتهما تتسامرن معًا فدخلت عليهن صافي آتية من الخارج.
_ بونسوار!
فنظرت كلًا منهن للأخرى ولم تعقب إلا أن العمة قوت أجابتها بغيظ: يعني خرجتِ إمبارح وإنتِ لسه جاية م السفر وقمتِ إنهاردة خرجتِ من بدري برضو رغم إن جوزك تعبان تقومي كمان تقعدي اليوم كله برة!
فقالت بلامبالاة وهي تعبث بخصلات شعرها الرمادية: أنا مش دكتورة يا أنتي هعمله إيه يعني! وبعدين عشان يحرّم ينام في الجنينة تاني.
فهمست حبيبة لشاهندة وهي تشدد على يدها: سبيني عليها أجيبها من شعرها المعجّز ده.
فقالت متأوهة: آي آي! سيبي إيدي وجعتيني.
فتركتها فأمسكت شاهندة بساعدها تدلكه من أثر مسكة حبيبة ثم لكزتها وقالت: وجعتيني يا باردة.
فأجابتها حبيبة بتحذير مصطنع: ما بلاش تحضري العفريت!
فالتفتت إليها صافي وقد سمعتها فصاحت بتعالي: عفريت إيه ودجل وشعوذة إيه يا إنتِ!
فقالت حبيبة: ما قلتلك سبيني عليها.
فنهضت صافي متأففة لتصعد إلى غرفتها قائلة: بونوي! أنا تعبت أوي إنهاردة مش قادرة.
فأعادت حبيبة قولتها بغيظ: طب سبوني عليها الله يخليكم!
فضحكت شاهندة والعمة من هيئة حبيبة فضحكت هي الأخرى.
مرت بضع أيام وكان كلًا من هاجر ونبيل قد شُفيا وقد عاد نبيل بالفعل لعمله بينما هاجر حرصت ألا تخرج من غرفتها متحججة بقرب موعد الإمتحان وبالطبع لم تذهب إلى الشركة بعكس حبيبة وشاهندة.
جاء يوم الحفل والجميع يستعد لذلك الحفل الذي ستحضره حبيبة لأول مرة كواحدة من أبناء عائلة القاضي.
وقفت شاهندة أمام مرآتها تتطلع لهيئتها بفستانها البنفسجي الداكن الضيق حتى الخصر ثم هبط باتساع قليل بعد ذلك، ظهر القليل من كتفيها وذات أكمامٍ مفرغة، جمعت شعرها لأعلى وعلى وجهها مساحيق تجميل هادئة أظهرت ملامحها فبدت رائعة.
بينما هاجر والتي ارتدت فستانًا يشبه فستان شاهندة فهما لهما نفس القوام لكن كان لون الفستان أسود وجمعت شعرها للخلف مع القليل من مساحيق التجميل ورغم روعتها إلا إنها لم تخفي ملامح الشجن التي تطل منها فوضعت طلاء شفاه أحمر اللون ربما يعطيها إشراقًا أكثر، لكنه زاد من ملامحها الباهتة.
أما حبيبة فقد ارتدت فستانًا من اللون الجنزاري المائل للإخضرار ضيق من الأعلى حتى الخصر لكنه هبط باتساعًا أكثر فقوامها أقل من قوام شاهندة وهاجر، بالإضافة لجزءٍ خلفي من الفستان تمسكه في يدها، وأيضًا ظهر جزء من كتفيها وذات أكمامٍ مفرغة وجمعت بعض خصلات شعرها للخلف وتركت الباقي منسدلًا مموجًا مع القليل من مساحيق التجميل.
نظرت لنفسها بانبهارٍ شديد، شعرت بنفسها أميرة ولا ينقصها سوى التاج، لا تدري سر سعادتها هل لأنها المرة الأولى التي تحضر مثل تلك الحفلات؟ أو يُقام لها حفل عيد ميلاد؟ أو لأنها المرة الأولى التي ترتدي مثل هذا الفستان وتطل بمثل هذه الهيئة؟
أو ربما بسبب لقاءها أخيرًا مع رياض؟ فقد طال الغياب وزاد الشوق!
حاولت تخيل لقاءه، تخيلته عندما يراها ويرى هيئتها… فابتسمت تلقائيًّا وطلّت غمازتاها على وجنتيها معلنة استقبال الحبيب.
أما نبيل فقد وقف يصفف شعره بحرفية بعد ارتدائه لبذته السوداء وقميصه الأسود الذي اختاره ملائمًا حالته التي صارت ملازمته.
فاقتربت صافي نحوه وخرجت من جانبها خبيرة التجميل خارج الغرفة وقد انتهت من تصفيف شعرها وتجميلها لكنها لم ترتدي فستانها بعد.
فالتفت إليها نبيل قائلًا: إنتِ لسه ما لبستيش!
فأجابته: أنا أعتبر خلصت.
ثم وقفت أمام المرآة جواره لكنها كانت تتغنج بجسدها وتتحرك للجانبين مشاهدة هيئتها وصاحت بكبى: أجنن طبعًا! مش كده!
فأجاب باقتضاب: أكيد.
فالتفتت نحوه فجأة وصاحت فيه مشيرة إليه بطرف إصبعها: إيه اللي إنت لابسه ده! غيّر غيّر! دي ما تليقش على فستاني، إلبس البدلة البني أنا فستاني دهبي.
فزفر وقال: سوري ما هو سيادتك ما قلتيش لون فستانك عشان أعمل حسابي.
فقالت بدلال: سوري، مش مهم غيّر؛ حتى نكون لايقين على بعض.
فزفر وقال ناثرًا عطره: لايقين على بعض بالبدلة والفستان! أنا خلصت خلاص، ياريت تخلصي إنتِ كمان عشان الناس منتظرة تحت.
فقالت بتعالي: وماله يستنوا! أنا صافي نشأت القاضي حفيدة القاضي باشا وحرم نبيل القاضي يعني كوين، يعني الكل يجي ويستناني لحد ما انزل على أقل من مهلي.
ثم قالت: يا خسارة! بطّلوا التحية الملكية، واو! لو كنت نزلت والكل ينحني لي! مش أنزل ألاقي شوية حَوَش رعاع من العامة ماليين القصر.
فصاح محذرًا: يا ريت تخلي بالك إن اللي بتتكلمي عنها دي تبقي أختي اللي هي بنت عمك يعني برضو من عيلة القاضي.
فقالت على مضض: آه وماله، لكن ده ما يمنعش إنها عزمت ناس شعبية ولّا الفالجر دي كمان اللي مقعدنها فالقصر إسمها إيه كده…
فقاطعها قائلًا: لحد كده وكفاية! مش عاجبينك ما تحتكيش بيهم!
ثم همَّ بالخروج فنادت عليه: إيه يا بيبي! مش تستني عشان تنزل معايا!
فقال بغيظٍ شديد: أنا نازل خليكِ إنتِ على مهلك يا حضرة الكوين.
ثم خرج صافقًا الباب خلفه، فلم تبالي ووقفت تتغنج بهيئتها وتتغزل بجمالها قائلة: طب والله زي القمر! والله أجنن! و أحلى من أحلى كوين…
ثم قبلت نفسها في المرآة: إمواه!

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى