رواية هل الضربة قاضية الفصل السابع عشر 17 بقلم نهال عبدالواحد
رواية هل الضربة قاضية البارت السابع عشر
رواية هل الضربة قاضية الجزء السابع عشر
رواية هل الضربة قاضية الحلقة السابعة عشر
بعد مرور بعض الوقت على تلك الحالة بادر مصطفى قائلًا بعد أن تأكد من انصراف حبيبة: وبعدين!
لا زال رياض شاردًا وذا هيئةً متعَبةً يصارع نفسه أشد مصارعة، فأكمل مصطفى مشفقًا: بجد مش فاهمك! لما إنت بتحبها كده ليه بتكابر ومعذب نفسك ومعذبها، ومعذبنا كلنا؟!
فرفع إليه عينيه وصاح باستنكار مبالغ فيه: حب إيه اللي بتقول عليه ده! دي مجرد بنت ومحتاجة لراجل يقف جنبها وبس! يعني موقف رجولة وشهامة مش أكتر من كده، ليه بتفسروها على هواكم؟!
-إنت بتضحك عليّ ولا على نفسك؟! ما تفوق بأه! حبيبة وهاجر مش مجرد اتنين بيشتغلوا عندي، لا دول إخواتي، بنات جدعة وأخلاق رغم كل الظروف اللي مروا بيها، ومش هسمح لأي حد ولا حتى إنت إنك توجع واحدة منهم.
– وإنت شايف إني ندل للدرجة دي! أنا عمري ما لعبت ببنت ولا رسمت على أي واحدة و دايمًا كنت صريح، إننا مجرد صحاب.
– إنت هتستعبط! ما تفوق يا بابا! كل الحكاية إنك بتأمّن نفسك بشياكة، لكن إحنا هنا عايشين في مصر، يعني مفيش حاجة معترف بيها إسمها إن واحدة ليها صديق ولد، والدليل على كده بعدهم كلهم عنك بمجرد إن واحدة فيهم تتخطب.
– إنت عايز مني إيه! كلكم عايزين مني إيه! ولّا فاهمين إني مش واخد بالي من نظراتكم وتلميحاتكم المستفزة!
– بس بس! وقبل ما تقول مش هتجوز وأنا عاشق العزوبية وتحيا العزوبية، قبل كده حاجة ودلوقتي حاجة تانية خالص، صحيح الست الوالدة كانت شاغلة نفسها إنها تدورلك على عروسة، لكن ده حقها، أم يا أخي وعايزة تطمن على ابنها وكل عمايلها دي بدافع الأمومة، دوافع الأمومة والأبوة بتتكون بمجرد مجي الطفل اللي هو حتة منك للدنيا، بتحس إنك دايمًا شايل همه في كل مراحل حياته، ومن أول يوم له في الدنيا وإنت عقلك ما بيوقفش وبتفكر في مستقبله، وإنت خلصت تعليم واتوفقت ف شغلك يبقى ليه ما تتجوزش ويبقى لك بيت و أسرة؟!
لكن رغم كده كنت معاك إن صعب توافق على أي واحدة لمجرد إنها مجايب أمك، لكن المرة دي البنت من طرفك ودخلت قلبك بشهادتنا كلنا وبإحساسك اللي دايمًا شايفه ف عينيك أدامها، من أول مرة جيت هنا وشوفتها وقررت إنك تغير لبس البنات كلهم عشان خاطرها هي، كل مرة وهي موجودة في نفس المكان مش هحكيلك عن عينك اللي منين ما تروح وراها، عينيك اللي جواها كل الشوق والحب والإحتواء ليها ولا بتفزع أد إيه لما تشوفها زعلانة ولا حزينة، عينيك اللي كان لو لها لسان كانت نطقت، ولا عن طريقة كلامكم مع بعض، حبيبة مش حبيبة اللي أعرفها وهي بتتكلم معاك، كل واحد فيكم حد تاني مع التاني، ولا أد إيه إنت بطلع ف الروح أدامي لمجرد إنها مسافرة!
– كل دي هواجس في دماغك وبس.
– بص يا ابن الناس، صحيح موضوع زي ده محتاج لتفكير كبير وعميق، المفروض فعلًا نحكم عقلنا قبل ما ناخد قرار مصيري كده، وعارف إنها بتكون مرحلة صعبة لينا قبل ما ناخد قرار وإحنا بنتأكد إن كل الشواهد والأحداث بتقول إن هو ده نصك التاني هو ده اللي تختاره وتكمل معاه، وأهي فرصة سفرك وسفرها، أديكم هتبعدوا عن بعض وتفكروا براحتكم من غير ضغط، بس رجاءً لما توصل لقرار لازم تنفذه وبمصداقية مع نفسك أولًا، خليك صادق مع نفسك لأن عِنادك ده هيؤذيك ويؤذيها، معقول ما وجعكش شكلها! ما وجعكش قهرتها وهي حاسة إنها بتشحت سلامك! ده ذوقيًّا حتى بحق معرفتكم وجيرِتكم تقولها أشوف وشك بخير، إزاي قدرت توجعها عادي كده؟! إزاي قدرت تجرح كرامتها كده؟! مع إنك عارف أد إيه هي عزيزة النفس!
فنهض رياض مسرعًا وانصرف.
أما حبيبة فقد خرجت من المطعم تركض مسرعة وهي تتتمالك نفسها ألا تبكي، حتى وصلت إلى البيت، اتجهت تكمل جمع أشياءها وإعداد حقائبها، كانت تبدو غريبة للغاية، كانت هاجر تتابعها بعينها في إشفاقٍ شديد، تود لو تفهم ماذا ألم بها؟!
وحتى وإن كانت تدرك السبب لكنها لا تزال تجهل سر بُعد رياض عنها، وما أن انتهت حبيبة حتى التفتت إلى هاجر الجالسة والمتابعة لها، تنظر نحوها لكن تحدق في الفراغ، وهاجر لا زالت تنظر إليها ولا تدري ماذا تفعل معها؟!
حتى قطعت حبيبة ذلك الصمت وقالت وصوتها يتعثّر في دمعها، ودمعها يتحشرج في صوتها: خلي بالك من نفسك يا هاجر، إن شاء الله تكون آخر مرة أسافر لوحدي، بعد كده رجلك على رجلي، إن شاء الله أول ما أرجع هدور على سكن تاني أحسن وف حتة أحلى ونعزّل فيه.
فقالت هاجر بفجأة: ليه؟! ده إحنا لسه معزّلين! ومش هنلاقي حاجة فرصة كده.
فأسرعت حبيبة قائلة: لا إطمني الفرص كتير.
– طب و الست نادية! أنا ارتاحت لها وحبيتها أوي.
– وأنا كمان والله! بس خلاص كفاية كده، ما ينفعش نفضل ساكنين هنا.
فاقتربت منها هاجر وربتت على كتفها وقالت برفق: مالك بس! أول مرة أشوفك بالحالة دي!
بكت حبيبة كأشد ما يكون وهاجر لا تدري ماذا حدث و لا حتى حبيبة نفسها تدري ما بها! فضمتها هاجر إليها ولا تزال تربت عليها.
فقالت بصوت مختلطًا بالبكاء: أنا ماليش غيرك يا هاجر، ماليش غيرك ومش عايزة أبقى لوحدي، مش عارفة ليه كل حاجة بتضيع مني؟! ليه كل الشواهد ضدي ولازم يبعدوا ويسيبوني عشان ف الآخر تبقى القشة دي هي السبب اللي بيبعدوا بيها عني، عايزين يكسروني! أنا ما طلبتش من حد يقرب أصلًا وطول الوقت بعافر عشان ما حدش يقرب، يبقى ليه دايمًا اللي بيقرب ده بيرجع يبعد و يسيبني؟! أنا فيّ إيه عشان الكل يسيبني؟! فيّ إيه؟! فيّ إيه؟!
هتفت الأخيرة ببكاءٍ شديد، فضمتها إليها، ربتت عليها قائلة برفق: مين يا حبيبتي بس اللي بيبعد عنك؟
وهنا انتبهت حبيبة فجأة وابتلعت ريقها، مسحت دموعها بسرعة، ثم همت واقفة فوقفت هاجر معها في حالة تعجب شديد لما تجده من تصرفات حبيبة غير المفهومة على الإطلاق وكأنما قد أصابها جنون أو ربما مسٌّ شيطاني.
نظرت في ساعتها والتفتت تتمم على أشياءها من جديد ولم يعد يُسمع إلا صوت شهقاتها من أثر البكاء.
فقالت هاجر: كان نفسي أوصلك للمطار.
فأجابتها: إطمني تحركاتي مع عربية الفريق، خلي بالك من نفسك.
وتعانقتا بشدة وبدأت هاجر هي الأخرى تبكي، فقالت حبيبة: هتخليكِ مع طنط نادية زي ما اتفقنا بعد ما…
وتوقفت قليلًا، ثم استعادت أنفاسها وقالت: بعد ما ابنها يسافر، وكمان تقدري تكلميني عشان النت اللي عندها زي ما قالتلنا، أول ما يكون مش ورايا تمرين هفتح وهكون أون لاين وهستناكِ تكلميني.
ثم قالت لتخفف الوضع عن ابنة خالتها: وخلي بالك عشان أول ما هرجع إن شاء الله هقدملك ف الجامعة المفتوحة وهتكملي تعليمك حتى لو غصب عنك، خدي الشهادة وخليها معاكِ هي سلاحك.
فابتسمت هاجر وسط دموعها وقالت: إحنا ف إيه ولا ف إيه!
– ما تهربيش! هتتعلمي يعني هتتعملي! حتى لو بقى عندك ستين سنة! يلا بأه قوليلي نفسك ف إيه أجيبهولك…
رددت الأخيرة وهي تجبر ضحكتها على الظهور حاكمة على نبرة صوتها بالمزاح، فضحكت هاجر وخبطتها بخفة على كتفها قائلة: أخيرًا إفتكرتي! يا شيخة نكدتِ عل واحد.
فوضعت يديها على خصرها وقالت: وهديكِ علقة مقدمًا ما أنا هسافر وهتتحرمي مني، يبقى أعوضك قبل ما أمشي.
فقفزت هاجر مبتعدة قبل أن تصيبها حبيبة، فانطلقت خلفها حبيبة وتعالى صوت ملاحقتهما، ضحكاتهما وصراخات طفولية منهما…
****
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)