روايات

رواية هل الضربة قاضية الفصل الثامن عشر 18 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية الفصل الثامن عشر 18 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية البارت الثامن عشر

رواية هل الضربة قاضية الجزء الثامن عشر

هل الضربة قاضية
هل الضربة قاضية

رواية هل الضربة قاضية الحلقة الثامنة عشر

صارت كل أشياءها على أتم استعداد وحبيبة نفسها قد استعدت، لم تتوقف هاجر عن البكاء رغم كل محاولات حبيبة في المزاح معها، لكن قد فاق ذلك طاقتها فهي أصلًا تتألم وقد تعبت من الوجع وسأمت من كثرة الكتمان.
هبطت حبيبة الدرج، قررت انتظار السيارة في الشارع بعيدًا عن هذا البيت وتبعتها هاجر التي يُسمع لشهقاتها صوت، وما أن خرجتا من مدخل البيت حتى وجدتا نادية ورباب تخرجان من بيت رياض لتسلمان على حبيبة.
وما أن رأتهما حبيبة حتى اتجهت ناحيتهما لتسلم عليهما محاولة رسم ابتسامة مزيفة على وجهها لكنها فشلت في ذلك، وكان من السهل على أم رياض قراءة حبيبة وما ألمَّ بها.
وما أن اقتربت حبيبة من نادية حتى تعانقتا بشدة، رغم حداثة معرفتهما ببعضهما البعض لكنهما قد تعلقتا ببعض، فنادية قد أحبتها هي وهاجر كرباب بنتها بحق، تعاملت معهما من ذلك المنطلق وبتلقائية فتسللت ودخلت لقلبي الفتاتين بمنتهى السهولة، وما زاد من تعلق نادية ما وجدته من انجذاب رياض لحبيبة وإن كان لم يتخذ أي خطوة ولا حتى قد اعترف بذلك.
كانت حبيبة تشدد في عناقها بنادية ومهما كتمت بكاءها لكنه خرج في هيئة شهقات مسموعة وارتجافة في شفتيها، فقد وجدت فيها روح أمها الراحلة وأيضًا اشتمت فيها رائحة رياض، وكذلك فعلت مع رباب وقد زاد ذلك من أسي الأم وابنتها فهما شعرتا بحجم معاناة تلك الفتاة.
ثم ابتعدت عنهما ماسحة على وجهها، أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء لتخفي فيه ارتجافة صوتها: أشوف وشكم بخير يا جماعة، إدعولي من فضلكم، مش هوصيكم على هاجر.
فأسرعت نادية قائلة بصوتٍ حانٍ: يا حبيبتي إطمني، هاجر في عيني ما تخافيش عليها، وزي ما اتفقنا رياض هيسافر بكرة وهي هتيجي تقعد معايا نونّس بعض، والله دي معزّتكم من معزّة رباب بنتي! خلي بالك إنت من نفسك وهنكلمك ع النت كل يوم بالفيديو يعني هنبقى مع بعض ومش هتحسي بالغربة.
فابتسمت حبيبة قائلة: تسلميلي والله! القلوب عند بعضها يا أمي.
فابتهجت نادية وقالت: أيوة بأه أخيرًا قُلتيها، تروحي وتيجي بالسلامة يا ضنايا!
عناقٌ آخر لكل واحدة منهن ثم أخيرًا انصرفت، عادة مصرية متأصّلة فنظل نسلّم على بعضنا في نفس اللقاء مدة تقارب مدة لقاءنا بالكامل!
التفتت نادية لهاجر الباكية تحدثها: يلا حبيبتي تعالي ارتاحي شوية.
فأجابتها هاجر بصوتها المختنق من أثر البكاء: معلش سامحيني حضرتك عايزة أمشي ف الهوا شوية وبعد كده هيبقى يادوب ميعاد الشيفت.
فابتسمت نادية وربتت عليها قائلة: ماشي يا حبيبتي براحتك ساعة كده وأبقى أتصل أطمن عليكِ، خلي بالك من نفسك حبيبتي.
ثم انصرفت هاجر هي الأخرى فوقفت نادية تضع إحدى يديها فوق الأخرى مع صوت تنهيدة عالية.
فقالت رباب: وهو فين رياض؟! تصورت ألاقيه واقف يوصلها ولّا حتى يسلّم عليها!
فتمصمصت نادية بشفتيها ثم قالت بأسى ممزوجٍ بغيظ: أنا عارفة خِفِي راح فين م النجمة الموكوس ابن الموكوسة ده! خلفة هم!
فأجابتها رباب: والله ابنك ده عايز كتالوج عشان الواحد يتعامل! ربنا يخليك يا طرّوق يا حبيبي ولا يحرمني منك! مهما عمل ف الآخر بعرف أبلفه وآكل بعقله حلاوة، مش رياض اللي لا حد فاهمه ولا تلاقيه هو فاهم نفسه أصلًا، حاجة تعلّ!
فالتفتت إليها نادية ورفعت حاجبها بامتعاق قائلة: أنا وبس اللي أقول لكن إنت تسكتي وتتكتمي خالص ده أخوكِ الكبير يا هبلة يا بت الهبلة!
فقالت بتذمر: يا ماما!
فقالت نادية بأسلوبٍ آمر: بلا ماما ولا بابا، إتفضلي إطلعي خلينا نخلّص البامية اللي فوق دي.
فقالت محاولةً الاعتراض: طب والله حبيبة وهاجر نفدوا من حفلة البامية دي !
فتابعت نادية: الأيام جاية كتير لسه هنخش على البسلة والفاصوليا والخرشوف والكرنب والقرنبيط…. الشتا داخل وشغله كتير.
فقالت ولازالت تحاول الاعتراض: يا ماما محسساني إننا هندخل على مراحل ولا حُقبات تاريخية، وبعدين بسلة إيه! ده في درج مليان بسلة فوق!
فأجابتها: لسه فاضل كام شهر عبال مايجي وقت التخزين، وإنت عارفة رياض بيحب البسلة ف الأكل كله وبيحب الأكل الصحي وبياكل خضار كتير، وبعدين إنت مالك يا موكوسة إنتِ! ما إنتِ بتيجي وبتاخدي من هنا، ولا عايزاني نشتري م الخضار المجمد اللي لا نعرف عملوه إزاي ولا نقّوه إزاي! وتلاقي البامية مش متقمّعة عدل وعندها شلل الأطفال وكيس الخضار يادوب أد الكف ما يملاش العين !
– خلصتِ يا حبيبتي! طب والبنتين دول ذنبهم إيه!
– مالكيش دعوة إنت هم بيحبوني وبيسمعوا كلامي، وبعدين حبيبة زي رياض بتاكل خضار كتير ولازم تعرف طبعه ولا عايزاها تأكله م الخضار الجاهز ده!
فتابعتها بتعجب: هو ليه محسساني إنهم هيتجوزوا الشهر الجاي؟!
فابتسمت نادية ونظرت لأعلى قائلة بتمني: يسمع من بؤك ربنا ! ده يبقى يوم المنى، بس يجي الأول!
ثم قالت: يلا عشان كمان جايبة زيتون تفاحي حكاية عايزة أملّح نصه وأسوّد نصه، نخلّص البامية نقعد نشقق الزيتون.
فقالت: بصي يا ماما أنا هاخد العيال وأمشي ومش جاية تاني.
فردت عليها بتهكم: أحسن! بالسلامة يا بنت بطني، هاجر بكرة هتقعد معايا وهتريحني ومش هتقولّي على حاجة لأ.
فضربت كفًا بالآخر وقالت: طب حبيبة ومنظّرة عليها! هاجر بأه إيه إستبن ولا إيه!
فتأففت وقالت: أنا بحب الاتنين، إيه اللي يزعّلك ف كده!
– ف الحقيقة هو مش هيزعلني أنا، ربنا يستر و ما يعزّلوش بدري بدري!
فجحظت عينا نادية ثم قالت بقلق: إسكتي وجعتي قلبي أحسن يعملوها بحق وحقيق!
ثم قالت : إمشي إطلعي أدامي هتفرجي علينا الناس.
فابتسمت بسماجة وقالت: لا يا حبيبتي هم إتفرجوا وسمعوا وعملوا كل حاجة، لسه فاكرة يا نادية!
فضمت قبضة يدها وقالت بغيظ: فوتي أدامي بدل ما أوضبك، قال عيلة مخلفة عيال هتربيهم إزاي يا فالحة إنتِ؟! خلفة هم!
فأسرعت رباب متجهة لأعلى وتبعتها أمها متمتمة بسبابات.
أما حبيبة فقد ذهبت لمكان مجئ الحافلة التي ستذهب بالفريق إلى المطار، فركبت وسلّمت على الجميع ثم جلست في أبعد مقعد تتنفس بصعوبة شاعرة بوجعٍ شديد يعتصر قلبها.
تتذكر نفسها هذا الصباح عندما وقفت خلف النافذة، نظرت فرأته يخرج متسللًا ومتلفّتًا كأنما يخفي نفسه من أحدهم، بل هو مؤكد يخفي نفسه منها، ألهذه الدرجة لا يريدها ولا يرغب حتى برؤيتها ولا حتى التصنّع بتوديعها!
ثم تعود لتؤنّب نفسها أن لماذا يتوجب عليه فعل ذلك! ولماذا من الأساس تشغل نفسها به وبأفعاله؟! إن شاء ليودعها وإن لم يشاء فلا بأس في ذلك… لكن هيهات، هاهي تعاود المعاتبة من جديد وبسبب ذلك ازداد ألمها ووخذات قلبها.
وصلت الحافلة إلى المطار، هبطت حبيبة مثل الجميع، ساروا جميعًا بحقائبهم يسلّمون جوازات سفرهم لإجراء الإجراءات اللازمة قبل السفر حتى أخيرًا انتهوا جميعًا، جلسوا في صالة الانتظار ومن بينهم حبيبة والتي لا تزال غارقة في أفكارها وأحاسيسها المتضادة وآلامها التي تكاد تفتك بها.
وما أن بدأت تتحرك متجهة إلى الصالة الخارجية ثم إلى الطائرة استوقفها نداء أحدهم! صوتًا تعرفه جيدًا!بل تحفظه عن ظهر قلب! صوتًا تشتاق له أذنيها!
بل عقلها وقلبها وكل كيانها!
تصنّمت في مكانها، فقدت كل سيطرة على نفسها، فهذا القلب يدق بسرعة شديدة تود لو تمسك به لألا يقفز من بين ضلوعها، تجمّدت دموعها حتى جفنيها قد تجمدا أيضًا، تنفست ببطء وصعوبة شعرت كأنما نسيت كيف تتنفس وكيف تلتفت للخلف ! كانت تود لو تتجاهله لكنها لم تقوى، تود أن تلكّمه على تجاهله لها وإهداره لكرامتها لكن لم يعد لها سلطة على قبضتيها، تريد حتى أن توبخه وتسمعه مرّ الكلام لكنها قد نسيت الكلام ولم تقوى على شيء.
كل ما فعلته أن استدارت نحوه مباشرةً فوجدته خلفها مباشرةً فمدت يدها لتصافحه، فتصافحا بشدة وشدد على كفيها.
كانت تنظر له ببلاهة ولاوعي، يدها في حضن يده لتسري تلك القشعريرة في سائر بدنها وبدنه أيضًا، طلت دموعها من خلف عدسة عينيها مهددة بالنزول، عضّت على شفتيها لألا ترتعشان أو تصدرا أي شهقات، شعرت أن روحها في كفها الذي يمسكه بكفه الآن.
حدقت فيه وتفحصته بعينيها كأنما لم تراه من قبل، شعرت كأن روحه تعانق روحها الآن، لكن الغريب أمنيتها التي هلّت عليها فجأة!
تفاجأت بنفسها تتمنى أن تغوص بين ذراعيه الآن وتبكي بحرقة وتحظى بعناقٍ عميق! لم تصدق كيف راودتها مثل تلك الفكرة المنحرفة! تصورت ماذا لو قرأ أفكارها فماذا سيقول عنها ؟!
لم يختلف حال رياض عنها، فما أن دخل المطار باحثًا عنها كالمجنون هنا وهناك وفي كل اتجاه حتى أخيرًا وجدها، اقترب منها وناداها فتوقفت لفترة من الوقت ثم التفتت ناظرة إليه ليفقد هو الآخر سيطرته على كل جوارحه.
وما أن تصافحا بقوة حتى شعر كأنما قد غاب عن وعيه، نظر إليها متفحّصًا كل إنشٍ فيها كأنما يراجع حفظه لألا ينساه، رغم أن تلك الملامح مصاحبة له منذ أن رآها لأول مرة منذ شهورٍ طويلة، لم تفارقه في صحوه ولا في أحلامه.
كم تمنى أن يقترب ويدفن وجهه في عنقها الرائع متمتعًا باستنشاق عطره لاثمًا بشفتيه عنقها أو متذوقًا حلاوة شهد كرزتيها!
ظلا على وضعهما ينظران لبعضهما البعض وأيديهما لا زالت متصافحة ممسكة كل منهما الآخر بقوة، صوت الأنفاس المتلاحقة صار مسموعًا وكأن كل منهما قد جاء ركضًا من مسافةٍ بعيدة، لكن لم يتحدث أيهما أو ينطقا ببنت كلمة.
هيا يا رياض حدّثها! كلمها! أخبرها بلهيب أشواقك! صارحها بحبك اللانهائي! هيا اسحبها من كفها وضمها إليك صدقني لن تؤذيك بأي لكمة ولا أي ردة فعل قاسية، ودعها ولو بكلماتٍ رقيقة.
لكن لا زالا على وضعهما لا يتحركان كأن على رأسيهما الطير…
وبعد مرور فترة، إذا بأحدهم ينادي حبيبة لتركب الطائرة، فسحبت كفها من بين كفه بأسى ثم نظرت لأسفل، بعدها استدارت وسارت مبتعدة حتى اختفت من محيط نظره.
ظل هو واقفًا مكانه ناظرًا أمامه لحيث اختفت ويده أمامه لازالت ممدودة، ثم رفعها إليه ببطء ناظرًا إليها مكان يدها وسلامها فقبضها محتضنًا الهواء!

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى