رواية هل الضربة قاضية الفصل التاسع عشر 19 بقلم نهال عبدالواحد
رواية هل الضربة قاضية البارت التاسع عشر
رواية هل الضربة قاضية الجزء التاسع عشر
رواية هل الضربة قاضية الحلقة التاسعة عشر
ظل رياض واقفًا مكانه ناظرًا أمامه لحيث اختفت ويده أمامه لا زالت ممدودة، ثم رفعها إليه ببطء ناظرًا إليها مكان يدها وسلامها فقبض عليها محتضنًا الهواء بكفه.
شعر بنفسه وقد عاد بخفي حُنين، لم يفهم لماذا حمل نفسه وجاء إلى هنا! وبعد كل ذلك لم يفعل أي شيء ولم ينطق بأي حرف سوى أن ناداها باسمها، تُرى أي عقلٍ هذا؟!
حتى نفسه لم يعد يفهمها أو يستطيع تفسير تصرفاته هذه! لقد جُن بحق أم ماذا دهاه؟! لماذا لم يقوى حتى الآن أن يتخذ قرارًا؟! ربما إن فعل ذلك استراح وأراح الجميع، لكن من الغريب أنه لم يفطن لتلك النقطة حتى الآن!
ثم عاد من حيث جاء وإن ظن إنه بعد رؤيتها سيرتاح لكنه قد تعب أضعافًا، وزادت أوجاع القلب تكاد تكون مهلكة ودواء القلب ليس بيد أي شخص سوى شخصٍ بعينه، إذن فكن في تعبك وأوجاعك بما تستحق، ألست من فعلت؟! فلتتحمل!
أما حبيبة فاتجهت مع الجموع إلى الطائرة، صعدت درجات السلم، دخلت وجلست جوار أحد النوافذ، لا زالت في حالة من الشرود والبلاهة، ولا زال ذلك الكائن بالجانب الأيسر يدق بأشد ما يكون لدرجة أشعرتها بالهلاك من قوة ضرباته.
لقد تأكدت وتيقنت أنها ومع كل أسفها تحبه بل قد تفاقمت درجة ذلك العشق الأهوج ففاقت كل التوقعات وفوق طاقتها بصورة مفاجأة!
وهاهي تؤنّب نفسها وتعنّفها، كيف سكتِ وانتظرتِ حتى حدث ما حدث؟! كيف سمحتِ لقلبك أن يحب؟
كيف تركتيه يستسلم هكذا لرجل؟! وهاهو يتحكم بك و ربما استغلك وأذلّك!
ليجيب قلبها لكن لا طاقة لي ببعاده أو فراقه، ولا أعرف كيف سأتحمل ذلك البعاد طوال تلك الفترة!
فهاجم العقل بل ستقوي وتفعليها، طالما كان ذلك القلب طيلة حياتك مجرد صخرة، وإن كنتِ سهوتِ عنه حتى سقط في هواه صريعًا فذلك البعاد كفيل بكل شيء فكما يقولون في البعد جفاء، وماذا لو كان الجفاء هو صفة متأصلة فيكِ؟!
ترجاه قلبها أن لا تكن قاسيًا هكذا، لا تأخذ دور السيّاف رجاءً لا تبتر عنق هذا الحب، فحبه وإن كان مؤلمًا ففيه حلاوة وسحر لا طاقة لي بمقاومته.
فأكمل عقلها هجومه أن هل نسيتِ سر مأساتك وعذابك في دنياكِ؟! إنه رجل!
تُرى ماذا بعد كل هذا الحب؟ مؤكد زواج ثم ماذا؟!
طفل!
ألا يستوقفك ذلك ويذكّرك بشيءٍ هام، لقد قالها أمامك مرارًا أنه يقدّس العزوبية والحرية ولا يحب القيود ولا تحمّل مسؤولية زواج وأسرة، ألم تفهمي بعد معنى ذلك؟!
حتى وإن بادلك الشعور ولم يقوى على مقاومتك فلن يتحمّل، ومؤكد سيرحل ويتركك أنتِ وطفلك، مثلما فعل غيره!
إذن قد فهمتك يا أمي، كيف أحببتيه كل ذلك الحب لكنه لم يقوى على المسؤولية فتركنا نصارع وحدنا في وجه الحياة! وأنتِ ببلاهتك وحمقك ترغبين في إعادة الكَرّة!
إن كانت أمك المتصالحة مع نفسها ومع حياتها قد أنتجت معقدة ممتلئة بكم عقدها النفسية مثلك! إذن فماذا ستنتجين أيتها المعقدة عندما يفوتك ويرحل لأنه لا طاقة له بتحمل أي شيء؟!
إذن قد صدر الحكم وعليكِ اتباع عقلك، ماذا لو تألمتِ؟!
فهذه طبيعتك، وهذه حياتك بين الأوجاع والآلام، ومع مرور الزمن ستعودي صخرة كما كنتِ بل أشد من أشد صخرة.
وكما يقول المثل الشهير: «وجع ساعة ولا كل ساعة.»
وصلت حبيبة مع فريقها إلى مدينة (طرّكونة) المطلة على البحر المتوسط وبها الكثير من المناطق الأثرية مثل الجدران الرومانية، القلعة والسيرك الروماني كما يكثر فيها أماكن الترفيه، السياحة والشواطئ الترفيهية.
لكن حبيبة كانت غالبية وقتها ما بين الفندق ومكان التدريب، كانت تتفانى في تمارينها لآخر لحظة ولم تضع في أولوياتها اختيار الترفيه والسياحة، وأقصى ما تفعله إن كان لديها بعض الوقت هو السير على شاطئ البحر وقت الغروب إن أمكن لها ذلك.
وهاهي تلعب مباراة بعد المباراة محققة الفوز وأحرزت من الميداليات، وفي الليل تتحدث قليلًا مع هاجر ونادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهاجر قد أقامت عند نادية في بيتها باستمرار عقب سفر رياض وإيهاب بعد سفر حبيبة.
كان رياض وإيهاب قد سافرا إلى مدينة (كوانزو) بالصين وها هما ماكثان فيها منذ قرابة الأسبوعين، وكان رياض يتحدث إلى أمه يوميًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد علم أن هاجر مقيمة مع أمه وتتحدث إلى حبيبة يوميًا فحاول تقصّي أخبارها بطريقة غير مباشرة كما ظنّ هو وكأنه لا يدري مدى مكر أمه خاصةً في مثل تلك الأمور!
وذات ليلة وكان النوم يجافي حبيبة وقد أنهت هاجر حديثها باكرًا لأنها مرهقة وتريد النوم، ورغم تمارين حبيبة الشاقة وكانت في اليوم التالي لديها مباراة والمفترض أن تنام باكرًا هي الأخرى.
وبينما كانت تتصفح مواقع التواصل الإجتماعي إذ لمحت منشور وقد نشره رياض على صفحته الشخصية توًا وبتلقائية منها قد صنعت له إعجاب.
وما أن وجدها نشطة حتى تجرأ واتصل بها وضغط بالخطأ على الاتصال المرئي، ولم يأبه لذلك إلا عندما وجدها قد فتحت وأجابت عليه.
بالطبع هي قد أجابت عليه لتقنع نفسها أن كل شيء قد انتهى وها هي قد تخطت أي إحساسٍ أحمق.
أما هو فقد كان مشتاقًا إليها بالفعل، لكن هذا ما شعرت به بمجرد إجابتها لاتصاله وكأن كل وعودها مع نفسها كانت سرابًا في الهواء.
ابتهج اثنانتهما بمجرد رؤية كل منهما للآخر، فقد نسيا كل شيء وأي شيء خاصةً هواجس العقل المتحكم فيهما! فلا عتاب ولا جدال أو حتى مشاكسة، فقط شوق واشتياق، حب ولوعة ولهيب نبض.
فهتف وعيناه لامعتان بشدة ونبضات قلبه تتسارع وأنفاسه متلاحقة: حبيبة!
لتجيبه بصوتها الناعم المتحشرج من الشوق والمفاجأة وقد أكد عصيانه لرغباتها ولأوامر ذلك العقل الديكتاتور: رياض!
فأكمل بنفس حالته العاشقة: عاملة إيه؟ مبروك عل ماتشات اللي فاتت، وعقبال الباقي كمان، متابع أخبارك والفيديوهات اللي نزلتيها على صفحتك، فرحان بيكِ أوي! حقيقي حاجة تشرف يا بنت بلدي!
فابتسمت وقالت بتحرج وخجلٍ ظاهر: الله يبارك فيك… شكرًا.
ثم اختفت ابتسامتها وهي تحملق فيه بقلق قائلة: مالك يا رياض إنت تعبان ولا ده م الكاميرا والإضاءة ولا إيه؟!
فابتسم بهدوء ليخفي التعب والشحوب الظاهر على وجهه ثم أجاب: خاسس شوية من قلة الأكل.
فأسرعت بلهفة واضحة في نبرة صوتها: وليه ما بتاكلش؟! تعبان ولا إيه؟
فأجاب بهدوء: أصل هنا الأكل لعنة، بياكلوا صراصير ودود ف كل حتة وطول ما أنا ماشي بلاقيهم واقفين بيسوهم ف الشارع زي الدرة والبطاطا عندنا، قرفت بجد وحاسس بجناحتهم بتلعب ف زوري.
فضحكت وقالت متأففة: بس كتك القرف!
فضحك ثم تابع قائلًا: أمال لو عرفتِ اللي حصل، أنا وإيهاب نزلنا السوبر ماركت نجيب أي معلبات ولّا جبنة، لاقينا نوع عيش شكله يجنن روحنا جبناه وروّحنا بيه هناكل بقلب جامد بأه، أنا كان عندي استعداد آكل العيش حاف من شكله اللي يفتح النفس، يادوب بقطع العيش ألاقيه محشي صراصير ! ده ولا كأنه بالمكسرات! وعنها قرفت من كل حاجة.
فضحكت وصاحت متقززة: طب مفيش مطاعم عربية ولا مصرية هناك؟!
فقال: مصرية إيه! وقال أنا رايح بتكلم بقلب جامد وبقول( from Eygpt )أم الدنيا بأه و(pyramids )، طلعوا لا يعرفوا (Eygpt ) ولا ال (pyramids ) ولا سمعوا عنها، بس في هنا مطاعم عربية فيه مطاعم يمنية ولبنانية.
فتسآلت: وإنت بتتكلم معاهم إزاي طيب؟! بتعرف صيني!
فأجابها بمزاح: نيهاوو!
ثم ضحك وأكمل قائلًا: لا فيه مترجم بيتكلم إنجليزي، هنا البلد مقفولة والناس كلها بتنام م النجمة، لو نزلت الشارع الساعة تسعة مساءً ألاقي البلد نامت، عمار يا مصر!
فابتسمت قائلة: هتقولي! ده الناس بتفضل قاعدة عل كورنيش ولا كأني وفجأة تلاقي النهار طلع، كبار وستات وأطفال وكل المقاسات.
فرفع حاجبيه بدهشة وقال مضيقًا أحد عينيه: وإنتِ اش عرفك؟ ولا سهرتِ قبل كده للصبح إن شاء الله ؟!
فضحكت بشدة أربكته ثم قالت: دي هاجر وأفكارها اللي تودي ف داهية، مرة كان يوم خميس وقالتلي تعالي نتمشى عل بحر وللأسف سمعت كلامها وقعدنا وجبنا لب وهاتك يا لَك ومن حوار لحوار، وبدأت أحس إن الجو غريب لكن قولت ف نفسي ما الناس كلها قعدة والدنيا زحمة أهي أكيد بيتهيألي إحنا لسه بدري، و هوب لاقيت النهار طلع…
ثم تسآلت قائلة: طب جاي عندك ليه؟! بتعمل إيه في الصين يعني؟!
فأجابها بعملية: بصراحة أول مرة أعملها، كنت الأول بسافر فرنسا بجيب الشغل من هناك، بس قالولي ممكن أعمل شغل تقليد هنا ف الصين ومكسبه كويس، فباخد كام حتة أصلية وهم هنا بيقلدوها بالمللي، و تتباع هاي كوبي بيبقى شغلها وتقفيلها نضيف أوي وسعرها أقل كتير من الأصلي، يخلص الشغل وأشحنه وطارق في مصر يستلمه، لسه بأه هطلع بعد كده على (إسطامبول) في تركيا هنجيب شغل تاني.
فزمت شفتيها وهي تومئ برأسها بتفهّم : ربنا يوفقكم ويوسع رزقكم!
ثم قالت ببعض الشفقة المخلوطة بالحنان: بس إنت عدمت خالص يا بني، كل أي حاجة نواشف ولا فواكه حتى، هتتعب كده!
فابتسم قائلًا: في فواكه كتير وبحاول أجيب وآكل بس جاتلي قرفة خلاص، بفضل أبص جوة الحاجة لما بتقرف، إتقرفت من كل حاجة حتى م الناس.
وإذا بصوت ضحك إيهاب يأتيه عن بُعد في نفس الغرفة قائلًا: بأمارة ما قرفت م الموزّة!
فشهقت وصاحت حبيبة: موزّة!
فضحك إيهاب وقهقه بشدة وتابع: ويقولي لا دي بتاكل صراصير، قولتله وماله هي بتاكل صراصير وإنت بتاكل فسيخ.
فوجمت ثم سألته: إنت بتاكل فسيخ يا رياض؟!
فأومأ برأسه مبتسمًا: فسيخ وملوحة كلابي كمان .
ثم قال بتأثّر: بس والله قرفت بجد م البلد هنا! مش جاي هنا تاني أديني باقولك أهو.
قال الأخيرة موجّهًا حديثه ملتفتًا لإيهاب ثم عاد ناظرًا لشاشة الحاسوب الصغير وقال بتعب: نفسي الكام يوم اللي فاضلين دول يخلصوا بأه.
فأومأت بوجهها وقالت بإشفاق: يا روحي! والله صعبت عليّ!
وهنا تداركت ما قالته فتوقفت، وجمت وتسارعت ضربات قلبها، سرت قشعريرة في جسدها، تورد خديها بشدة وتحرّكت بؤبؤتيها بسرعة يمينًا ويسارًا ثم قالت متلعثمة: طب.. طب.. تصبح على خير…
**”
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)