رواية نيران نجع الهوى الفصل السابع 7 بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى البارت السابع
رواية نيران نجع الهوى الجزء السابع
رواية نيران نجع الهوى الحلقة السابعة
تظهر القسوة الطاغية ولــكــن القلب سيبقى عاشق حتى فناء الروح”
توهجت أعين عمران الجبالي بصدمة غير مصدق فعلتها وكيف تجرأت لرفع يدها عليه؟! يعلم أنها قوية ذات شراسة فائقة تطغى على شخصيتها، لكنها دومًا تهابه وتحترمه بضراوة، اليوم هي تخلت عن كل ذلك وصفعته!!.
عمران الجبالي تم صفعه من فتاة! يا لها من رواية يتحاكى بها أهل نجع العمدة طيلة حياتهم، كان الشرر يتطاير من عينيه الكاحلة والتوعد يملأه تجاهها ينوى ان يثأر لحقه ليجعلها تفكر جيدًا قبل فعل أي شئ تفكر أنها أمامه وهو ليست شخص هين لتفعل هكذا وتنسى ذاتها.
أغمضت عينيها بضعف وأخذت يدها ترتعش وقد أصابها الذهول مما فعلت ولم يخطر يومًا على بالها أن تصفع عمران الجبالي وتقف أمامه تعارضه انكمشت على ذاتها برعب يملأ نظراتها وقلبها المرتجف بداخلها.
لم يشعر بذاته سوى وهو يقبض فوق ذراعها ويسحبه خلفه ظهرها ضاغطًا عليه بضراوة كاد أن يكسره فتأوهت بين يديه لكنه لم يهتم لأمرها مغمغمًا بهمس كفحيح الأفعى السام بالقرب من أذنيها:
– أنتي مش جد اللي عملتيه كنك متعرفيش أنك واجفة جدام عمران اللچبالي ويدّك اترفعت عليه يبقى تستاهل الجطع.
شعرت برعشة قوية تسري في جسدها بأكملع ترتجف بين يديه بتوتر مغمغمة بنبرة لاهثة متقطعة محاولة تبرير فعلتها بعدما تشعر باقتراب موتها على يده:
– مـ… مجصديش اعمل إكده أني… أني بس زعلت من حديتك عنيّ وكُمان كيف هتتچوزني وأني مرت أخوك.
دفعها بقوة للأمام كانت ستسقط لولا أنها حاولت توازن ذاتها وهي ترمقه منتظرة رد فعله لكن بداخلها تتمنى الركض بعيدًا هاربة من أمامه، لا تعلم لماذا هو قاسٍ هكذا؟! لم تراه يومًا يفعل شئ في محله.
كان يوزع نظراته عليها بقسوة كادت أن تنهي حياتها وأجابها بتهكم ساخرًا لم يخلُ من قسوته المظلمة:
– وأني جولت إيه يخلي اللي كيفك يرفع يده عليّ عاد.
ليتابع بغضب اكبر يعميه والدماء تغلى داخله:
– اللي يعمل إكده يبجى أخرته الموت، اعجلي وحطي عجلك في راسك مبجتيش لساتك مرت أخويّ فهتبجي مرتي أنى.
انكمشت فوق ذاتها بتوتر شاعرة بفرار الكلمات منها مبتلعة ريقها بخوف وأردفت بنبرة خافتة يملأها الخوف:
– أني مجصديش اعمل إكده حجك على راسيّ بس كيف بدك تتچوزني أني كنت هبجى مرت حسن أخوك حسن الچبالي.
احتل الغضب ملامحه وازداد متنهدًا بحرارة حيث كانت أنفاسه تلفح وجهها وهي ترمقه بعدم اطمئنان فتابع حديثه بحدة صارمة:
– ودلوك هتبجي مرتي أني مش حسن جولت معتفهميش.
عادت شراستها مرة أخرى لتظهر أنيابها معلنة رفضها أمامه مغمغمة بقوة غاضبة:
– وأني مش موافجة عالحديت الماسخ دِه عمرها ما هتحصل الچواز هيُبجى بالغصب عاد.
ترى النيران تنبعث من عينيه كادت أن تحرق الأخضر الذي حولهما وتحرقها هي أولًا فابتعدت عنه بخطواتها إلى الخلف وقبل أن تتحدث كان غمغم هو بقسوة ضارية:
– الله في سماه يا عهد وعهد عليا ليوم الدين ما هتبجي لحد غير لـ عمران الچبالي بالرضا أو بالغصب.
أكمل حديثه بنبرة ساخرة ذات مغزى آخر يهددها به:
– وجصاد دِه هنُبجى نجف چار حسن واساعده غير إكده لاه ايه جولك.
علمت أنه يضع زواجها منه أمام خروج شقيقه ولن يتنازل عن ذلك اعتلت شهقاتها الباكية وهي تشعر ذاتها مُقيدة لا تعلم ماذا تفعل؟! لا تريده لكن كيف ستواجهه وبذلك هي تدمر حياة حبيبها، مواجهتها له ورفضها لن يؤذيها هي، ستخضع للموافقة عنوة بقلب مقهور كاد أن يتوقف من فرط الحزن والظلم الشاعرة بهما..
أغمضت عينيها بقوة باكية وشفتيها ترتعش بضعف وهي تحرك رأسها نافية لكن لسانها يتفوه بالموافقة مرغم عليها، مغمغمة بتوتر ونبرة مهزوزة:
– مـ…موافجة…بـ.. بس تساعد حسن من اللي هو فيه.
شعر بالغضب وكأن قبضة قوية تعتصر قلبه وهو يرى حبها الكبير لـ شقيقه الذي دفعها للتضحية بذاتها مقابل حريته ودفع الحزن عنه، لماذا شقيقه وليس هو؟! ماذا فعل لها لينال ذلك الحب الكبير بدلًا عنه؟
حاول ألا يظهر مشاعره أمامها فتابع حديثه بغضب ملتهب:
– حضري حالك يا عروسة كمان ليلتين وهتبجي مرتي.
وقفت ترمقه بذهول وآثار الصدمة تبدي بوضوح فوق ملامح وجهها الباكي مكررة حديثه بخفوت وعدم تصديق:
– لـ… ليلتين كيف يعني أنت خابر عتجول ايه يا سي عمران؟!
لم يبالي بحديثها مغمغمًا بجدية شديدة:
– كيف بجية الناس ليلتين وهعملك ليلة كبيرة يتحدت عنيها أهل النچع كلياته.
وقفت مترددة محاولة معه لتأجيل الأمر كيف بعد يومين فقط وستصبح زوجة لشخص مثله!! هو قاسي تهابه كيف ستعيش معه وتصبح زوجته؟ أيعقل هي كانت زوجة لشقيقه من قبل والآن ستصبح زوجته هو؟ لكن لا يوجد مقارنة بينه وبين حسن بالطبع ابتسمت بمرارة عندما تذكرت حسن وأفعاله معها كيف كان يغمرها بحديثه العاشق الحاني لكن ذلك قاسي لا يعرف الحب مثلما ترى أو كما يظهر هو للجميع.
وقف يعلم ما يدور بداخلها لكنها حمقاء لا تعلم طبيعة شخصيته يا لها من ذات حظ وافر جعلت عمران الجبالي يهواها يتمنى أن يرى القليل منها ينتظر رؤية ابتسامتها الخلابة لكنه حاول أن يتحكم في ذاته بمهارة ليخفي حقيقة مشاعره وما بداخله تجاهها..
قطعت هي أفكاره ونظراته المصوبة نحوها مغمغمة بتوتر والخوف سيجعل قلبها يتوقف:
– مش شايف أن إكده الچواز هيبجى بسرعة وميصُحش إكده والنـ..
ابتسم ببرود مانعًا إياها من مواصلة حديثها مغمغمًا باقتضاب حاد:
– لاه هو بعد ليلتين كيف ما جولت حضري حالك.
لازالت تحاول أن تجد طريقة لإنهاء الأمر لكنها لم تصل لشئ فتمتمت معترضة بقلق:
– أني مش عاوزة ليالي ولا حاچة هنتچوز سُكيتي..
غمغم بإصرار يعيد حديثه بجدية مشددًا فوقه ما يتفوهه:
– أني جولت هعمل ليلة يُبجى هتتعمَل عمران الچبالي مهيتچوز سُكيتي بلاش خربطة عجل أُمال.
تأفأفت بضيق منتهدة بحرارة غاضبة عندما علمت إصراره لتنفيذ ما يريده عنوة كما اعتاد يسير حديثه على الجميع دون الإهتمام لرغباتهم كما يفعل معها، لم تجد حل أمامها سوى الخضوع إليه لتنقذ حسن ستضحي بذاتها وتقبل زواجها من ذلك الشخص القاسي الذي تبغضه، ذلك الشخص المتسبب في تدمير سعادتها وفرحها لم يهتم بشقيقه إذًا ماذا سيفعل معها!..
اومأت برأسها أمامًا معلنة خضوعها التام له الآن حتى تصل لما تريد لكن قبل أن تذهب تطلعت نحوه مغمغمة بشراسة:
– بس هتساعد حسن من اللي هو فيه كيف ما جولت مش حديت وخلاص.
ابتسامة باردة زينت ثغره ونظراته مثبتة نحوها تخترقها، ليجيبها بحدة:
– وأني مبجولش حديت وانتي خابرة إكده زين والا كان زمانك متچوزة دلوك كيف ما كنتوا رايدة انتي وحسن، يلا يا عروسة عشان تلحجي تچهزي جالك اومال.
اعتلى صدرها بضيق وسارت من أمامه بخطوات غاضبة ملتقطة أنفاسها بصعداء وهي تفكر في ذلك المأزق التي سقطت فيه ولا تعلم كيف ستسير حياتها معه بحكمه تلتهب بنيرانه المتأهبة..!
اثناء سيرها لذهابها المنزل وجدت إحدى السيدات تشير عليها وتهمهم ببعض الكلمات والأخرى تضحك تؤيدها كما اعتادت على رؤية ذلك المشهد منذُ ما حدث لكنها لم تستطع الصمت تلك المرة وقفت أمامها صائحة بغضب:
– اجفلي خشمك ميصحش إكده عيب تتتحدتي على واحدة جد بناتك يا ست سعاد.
أجابتها معترضة بغضب وهي ترمقها بازدراء:
– سيرة بناتي متچيش على لسانك بوشك الشوم دِه خليتي اللاخوات يخسروا بعضيهم.
رفعت حاجبها بغضب ولم تشعر بذاتها سوى وهي تتحدث بغضب متوعدة:
– مش عيب برضك تتحدتي إكده مع مرت كبير النچع ولا معرفتيش لساتك أن دخلتي على سي عمران الچبالي كمان ليلتين.
ألقت صدمة أمام الجميع جعلت الصمت يعم في المكان وسارت مبتسمة بغرور وهي مبتسمة بانتصار بعدما ثأرت لحقها وأخرست الجميع ليتوقفوا عن ثرثرتهم عنها كما أنها رواية تتحاكى على ألسنة الجميع دون ملل..
أخذ الجميع يتحاكى عما تفوهت لم يوجد شخص في نجع العمدة إلا وعلم بخبر زواج عهد من كبير النجع..
❈-❈-❈
في المنزل الصغير الخاص بعهد كانت تجلس باكية داخل أحضان إيمان التي تحاول تهدئتها وهي تشعر بالشفقة، بينما هي تردد كلمتها بضعف خافت بعدما شعرت بإجبارها على الرضوخ لطلبه الذي سيُنهي حريتها، وتظل مقيدة بين أنيابه الحادة التي تمزقها بقسوة:
– مرايداهوش، ومش موافجة على چوازي منيه أني رايدة
حسن وجلبي معاه… مش دِه اللي هبجى مرته ده ظالم مفتري بيستجوى عالخلج.
حاولت إيمان التحدث معها بتعقل بعدما رأت دموعها تنهمر بغزارة كالمياة الجارية دون توقف:
– برضك اللي عتجوليه مش صُح سي عمران مهواش إكده محدش راحله من أهل النچع ورده مكسور وظلمه، أني بس مخابراش عيعمل إكده ليه وياكي انتي.
حركت رأسها نافية معقبة بعدم اقتناع وصورته بداخلها لن تتغير ستظل تراه قاسي متلذذ بدموع الآخرين وبداخله ظلم وقوة تجبر النجع بأكمله للسير كما يهوى:
– دِه هو الكسرة والظلم بنفسيه جلبي معيكرهش جَدُّه يا إيمان، هو اللي دمر فرحتي وكسرها من غير رحمة خلى سيرتي على لسان الكل ودلوك عيكمل عليّ بچوازي منيه.
تشعر بالحزن لأجلها، وهي تعلم جيدًا نتيجة الزواج بالإجبار خاصة لشخص تبغضه مثلما يحدث مع تلك المسكينة الباكية لكنها تحاول أن تخفف الأمر عليها بهدوء:
– كنك نسيتي لما وجف ويانا لما المخفي حازم كان چايب الداية ووجفله وجفة صُح خلته ميجدرش يعمل حاچة مهواش ظالم كيف ما عتجولي إكده.
ضربت فوق وجنتيها بقوة ناعية حظها السئ صائحة بصوت منتحب لاهث:
– نـ… ناويلي كان بيتحدت بـ شر كنه رايد يجتلني بعد ما اتچوزه ناويلي على شر.
حاولت أن تتوقف وتمسح دموعها لتصبر ذاتها بعدم اقتناع، بعدما كادت أن تفقد عقلها في سبيل تفكيرها الزائد لحياتها المجهولة معه:
– بس أني ممكن أعمل أكتر من إكده لچل عيون حسن وخروچه من اللي هو فيه، هتحمل أي حاچة هيعملها فيا.
قبل أن تتحدث إيمان لترد عليها اقتحم حازم الغرفة بوجه متشنج غاضب والشرر يتطاير من عينيه انتفضت إيمان مرتبكة بخوف بعدما رأت وعيده لها صاح بها غاضبًا:
– اخرچي يا إيمان وهملينا دلوك رايد اتحدت وياها.
اومأت برأسها أمامًا مرتبكة بقلق، وسارت متجهة نحو الخارج بعدم اطمئنان مربتة فوق كتفه عدة مرات معقبة بتوتر وخوف على عهد الباكية حتى الآن:
– اتحدت براحة وياها البنتة عتبكي ومهياش ناجصة وچع جلب.
دفعها بقوة غاضبًا صائحًا بحدة أخرسته:
– مش جولت همليني، رايد اتحدت مع خيتي يُبجى تخرچي وتجفلي خشمك.
تأوهت بضعف لكنها لم ترد عليه بل سارت في صمت نحو الخارج تنفذ ما طلبه منها، بينما هو وقف يتطلع نحو عهد بغضب لم تبالِ و تهتم لوجوده أمامها، فغمغم غاضبًا منفعلًا عليها:
– ايه الحديت الداير بين أهل النچع.
نفضت أفكارها سريعًا لتستطع التحدث معه متطلعة نحوه بضيق متسائلة بجدية:
– عيجولوا ايه اهل النچع هما على طول بيتحدتوا ايه اللي چد دلوك من ميتى بيجفوا عن الحديت.
اقترب منها غاضبًا قابضًا بقوة فوق ذراعها كاد أن يكسره معقبًا باهتياج:
– چوازك من عمران الچبالي، الكل عيتحدت على چوازك منيه، ايه الحديت الماسخ دِه.
دفعته بقوة إلى الخلف ليبتعد عنها، وهبت واقفة أمامه مغمغمة بشراسة:
– اه صُح هو جالي أنه رايد يتچوزني بعد ليلتين وأني وافجت.
جنّ جنونه عليها غاضبًا ليسرع قابضًا فوق ذراعها بقبضة حديدية غاضبة يجذبها إلى الخلف بقوة مغمغمًا بلهجة حادة منفعلة:
– وافجتي منك لحالك إكده، ملكيش حاكم ولا كبير إياك ده أني هجتلك.
تأوهت بين يديه متألمة لكنها لم تهتم بل حاولت دفعه بغضب معقبة بتوعد:
– بعد عنيّ وهملني لحالي، اديته موافجتي خلاص يعني أنا دلوك مرت عمران الچبالي وأنت بتمد يدّك عليا.
ازداد غضبه منها بعد تهديدها له ووقوفها أمامه دون رهبة وخوف فرفع يده عاليًا بغضب يعميه وصفعها بقوة أطاحتها أرضًا لكنها لم تخمد ظلت تطالعه وهي ساقطة أرضًا بينما هو يرمقها شامتًا معقبًا على فعلته بعجرفة:
– وأني اخوكي يعني الكلمة كلمتي أني مش هتعلي عليا يا عهد، ووجت ما تعملي دِه يُبجى هكسر شوكتك وانتي خابرة زين أني أجدر اعملها ومحدش هيجولي حاچة عشان بربي واحدة جليلة الحيا والرباية كيفك.
لم تستطع أن تظل صامتة هكذا بل نهضت مسرعة لتقف قبالته صائحة بغضب تدافع عن ذاتها:
– وانا جولتلك جبل سابج وبجولها دلوك أني زينة البنتة في النچع كلياته ولازمن تفهم ده زين اللي كيفك هو اللي عيحتاچ رباية، اطلع برة وهملني لحالي ملكش صالح بيا.
قبل أن يفعل شيء، وجد إيمان تفتح باب الغرفة مغمغمة بتوتر والخوف مسيطر فوق وجهها:
– سي عمران جاعد برة وعيجول أنه رايدك.
سرعان ما تحولت ملامحه وظهر الخوف عليه لكنه حاول أن يسيطر على ذاته وهو يرمق عهد بغضب معنفها فهو الآن يأتي بسبب حديثها الكاذب وثرثرتها التي تفوهت بها أمام اهل النجع، حاول السيطرة على ذاته وأسرع متوجه نحوه بتوتر وذعر يحاول التفكير فيما سيتفوه ليخرج من ذلك المأزق.
بينما عهد فسقطت أرضًا بضعف تشعر كأنها تعيش داخل بئر من الظلمات القوية تدمر حياتها وتسعى دومًا لإفساد سعادتها دون أن تعلم السبب، كل ما تريده يُسلب منها عنوة، سعادتها، بسمتها، فرحها ليحل محلهم الحزن، والقهر والضيق يلازمونها طيلة حياتها لكن الآن الأمر يزداد صعوبة عليها.
بعد أن ذاقت مذاق الحب وسعادته، كيف يداوي جراحها المؤلمة ويخفي ندبات فؤادها المتواجدة منذُ نعومة أظافرها لكن كل ذلك يُسلب منها في وقت واحد وتعيش بقهرها من جديد..
تلتقط أنفاسها بصعداء وهي تشعر أن الهواء ينفذ حولها مثل كل شئ تحتاجه، لا تعلم هل هي تعيسة الحظ أم دون حظ من الأساس!.. ابتسامة مريرة زينت محياها تخفي بين طياتها العديد من الحزن والألم.. فليس كل مَن يبتسم سعيد هناك مَن يبتسم قهرًا منهمكًا بين أحزانه المريرة.
ولج حازم حيثُ يجلس عمران ينتظره فغمغم مرحبًا به بحرارة:
– اهلا وسهلا يا سي عمران يا ألف مَرحب الدار مش جد المجام والله نورتنا.
غمغم بأسف معتذرًا، وهو يخفض بصره أرضًا بخجل خوفًا مما سيفعله معه بعد فعلة أخته الكاذبة:
– أني خابر أن چيتك بسبب الحديت الماسخ اللي جالته عهد بس أني مسكتش على حديتها وربيتها عليه، وهكسرلك رجبتها كُمان متزعلش حالك.
قطب عمران جبينه بعدم فهم لكن سرعان ما استحوذ القلق عليه خوفًا من أن يكون قد أصابها شيء، فغمغم بحدة مشددة:
– حديت ايه الماسخ، اتچنيت إياك چوازي من خيتك بجى حديت ماسخ.
ازداد غضبه أكثر متوعد إليه بحدة، والشرر يتطاير من عينيه:
– وتكسر رجبة مين مرت عمران الچبالي محدش يجدر يتحدت وياها واصل أو يرفع عينه فيها.
ألجمت الصدمة لسانه وتوقف عقله عن التفكير وهو يرمقه مذهولًا بعدم فهم وهناك سؤال واحد يراوده كـيـف؟! كيف سيتزوج من أخته، عهد ستصبح زوجة لكبير النجع كيف! هذا ما لا يصدقه عقل هو بالكاد صدق أمر زواجها من حسن الجبالي عندما رأى حبه الكبير لها وعشقه الصادق الذي كان يدفعه للتضحية بذاته مقابل حمايتها وتنفيذ ما تريده.
لكن عمران فلمَ؟ هو لا يحبها ولم يفعل شئ يومًا لأجلها والآن يباغت الجميع بأمر زواجه منها وبتلك السرعة، عندما طال صمته وتفكيره في الأمر غمغم عمران بجدية:
– أني چاي دلوك لچل أني أعمل بالاصول وأطلب يدّها منيك ونسمع موافجتها من تاني.
اومأ حازم برأسه أمامًا ليسرع في الرد عليه مبتسمًا حتى لا يثير غضبه:
– وهو في حديت من بعد حديتك يا كَبير لازمن توافج هو حد يجدر يجول غير إكده اللي أنت رايده هيحصُل.
ابتسم عمران ببرود ليواصل حديثه مرة أخرى بغرور:
– طب إيه مش هنبل الشربات اومال والعروسة تطل علينا.
اومأ برأسه أمامًا عدة مرات مهمهمًا بخفوت ولازال الذهول يسيطر عليه وهو يقف لا يفقه شئ وما الذي تغير في الأمر، لكن لم يكن هُناك وقت للفهم أو تفسير شئ وهو يقف أمام عمران الجبالي:
– اه اه طبعا كل اللي عتجوله ده لازمن يحصُل.
توجه نحو الداخل ليخبر زوجته بما ستفعل وأسرعت تلبي ما يريد تدلف الغرفة وهي تحمل أكواب الشربات مطلقة الزغاريد العالية المعلنة عن الفرح ولكن على عكس المتوقع كانت عهد تستمع إليهم شاعرة بانقباض قوي في قلبها المنكسر بداخلها وقد تحطم تمامًا كلما يرتفع أصوات الفرحة والبهجة يزداد قلبها حزنًا وألمًا.
توجهت نحو الخارج بصحبة إيمان التي تحثها على فعل ذلك بإصرار خوفًا من أن يصيبها شئ عندما رأت نظرات عمران الباحثة عنها بجدية قاسية:
– متجلجيش أني معاكي ومعهملكيش واصل اهدي يا خيتي.
اومأت برأسها أمامًا وسارت بصمت نحو الخارج ليتحدث عمران ببرود وهو يعلم جيدًا ما تشعر به، والذي يبدو بوضوح من عينيها حبيسة الدموع:
– مبروك يا عهد يا ست النچع كلياته.
نهض مقتربًا منها بأعين ملتمعة لكن ملامحه حتى لا يشعر أحد بما داخله نحوها لكن فجأة تحولت ملامحه إلى الغضب وعينيه مثبتة نحوها تشعر كما لو أن النيران تنبعث من نظراته ظنّت أن غضبه الآن منها فحركت رأسها نافية عدة مرات متحركة بخطواتها نحو الخلف بقلب يملؤه الرهبة والخوف، لكنه أسرع يقبض فوق ذراعها ليعيدها أمامه كما كانت متفحصًا لملامح وجهها بدقة والغضب ينبعث منه أسرعت تتمسك بوشاحها لتغطي شعرها كاملًا خوفًا من نظراته المفترسة.
وأخيرًا وجدته يقطع ذلك الصمت السائد مغمغمًا بقسوة غاضبة متطلع نحوها بحدة:
– مين اللي رفع يدّه عليكي إكده؟
ظلت واقفة صامتة متعجبة من حديثه وسبب غضبه متطلعة نحو أخيها بقلق ولا تعلم كيف تخبره فوجدته يصيح بها غاضبًا:
– جولي مين اللي اتچن وعمل إكده الله في سماه ما هرحمه.
أغمضت عينيها بضعف وقد أصابها الرعب من لهجته الغاضبة لتردف بتوتر خافت:
– حـ… حازم أخويّ كنا عنتحدت و.. وعمل إكده.
لعنها حازم بداخله يود قتلها في تلك الوهلة لكن كيف؟! لن يستطع أن يفعل شئ وقد امتلكه الرعب خوفًا مما سيفعله عمران به..
توجهت نظراته نحو حازم بغضب صائحًا:
– ادخلي أنتي ومرت أخوكي چوة ومتچيش إهنيه جبل أما اجولك.
شعرت بالخوف من نظراته وحديثه، فتمتمت بتوتر ونبرة لاهثة متقطعة:
– خـ… خلاص يا سي عمران محصُلش حاچة ده أني اللـ..
قبل أن تواصل ثرثرتها لتدافع عنه قطعها صائحًا بحدة:
– اعملي اللي جولته، معحبش اعيد حديتي مرة تانية يلا هملينا.
أسرعت تفر هاربة من أمامه بصحبة إيمان وأغلقت الغرفة خلفها ملتقطة أنفاسها بصعداء، لا تعلم كيف ستكون زوجته وهي لا تطيق الوقوف معه بضع دقائق، كيف ستتعامل مع شخص مثله لا يعلم سوى الغضب والحدة، بداخلها العديد من الأفكار والمشاعر المسيطرة عليها تدفعها للهروب من المكان كاملًا لكن ما يمنعها هو حـسـن بالطبع كيف ستهرب وتتركه في ذلك المأزق وهي السبب فيما حدث له، هي على استعداد للتضحية بروحها لأجله.
تحدثت إيمان بقلق متطلعة نحو الباب المغلق الذي يمنعها من معرفة ما سيفعله عمران:
– عيعمل إيه في حازم بعد اللي عمله؟
رمشت عهد بأهدابها عدة مرات لتخرج من أفكارها المسيطرة عليها مغمغمة بتوتر:
– مخبراش هو دِه حد عيعرف هو عيفكر في إيه.
في الخارج اقترب عمران من حازم وأسرع يمسكه من أطراف ثيابه بتوعد غاضب مغمغمًا بقسوة:
– مش جولتلك جبل سابج ملكش صالح بعهد ويدّك متترفعش عليها عتهمش حديتي وتعمل فيها إكده.
أنهى حديثه وهو يلكمه بعنف كان سيسقط لولا قبضة عمران القوية فوق جلبابه، قبل أن يفعل به شئ آخر تحدث مسرعًا يحاول الدفاع عن ذاته بتوتر:
– أ.. اني مكنش جصدي اعمل إكده بس جولت أنها عتجول أي حديت لچل أن الناس توجف حديت عنيها مخابرش أنك رايد تتچوزها بحج.
القاه عمران أرضًا بعنف مغمغمًا بقسوة:
– كل اللي عتجوله ده معيهمنيش دلوك، عهد هتبجى مرتي ومحدش يجدر يرفع يده عليها مفهوم.
اومأ برأسه امامًا عدة مرات معقبًا بخوف ونبرة مهزوزة:
– غلطة ومعادتش هتكرر تاني، حجك على راسي يا سي عمران.
لم يرد عليه بل غمغم بجدية وهو يرمقه ببرود:
– بعد ليلتين هتچوزها كيف ما عيدور بين أهل النچع.
أنهى حديثه تاركًا حفنة من المال فوق المنضدة معقبًا بهدوء وتعقل:
– دول لـ عهد لچل ما تچيب كل اللي رايداه.
أكمل بتوعد عندما رأى عينيه تلتمع نحو المال بطمع:
– الله في سماه لو حد غير عهد خدهم لأكون جابض روحه بيدّي.
أسرع حازم يتطلع أرضًا دون أن يعقب ويرد على حديثه مقررًا تنفيذ ما أمر به خوفًا مما سيفعله والجميع يعلم عمران الجبالي ومدى قسوته الواسعة.
سار عمران نحو الخارج بعدما أنهى ما جاء لأجله مبتسمًا لكونها ستصبح زوجته وأخيرًا سيتحقق ما كان يريده، يشعر بسعادة ساحقة بذلك اليوم الذي طال انتظاره وأصبح تحقيقه شبه مستحيل.
خرجت عهد عندما استمعت إلى صوت غلق الباب تطلعت نحو أخيها، وعلمت ما فعله به لكنها لم تهتم تعلم أنه لمَ يفعل ذلك لأجلها؟ تعلم أنه فقط يريد إثبات قوته ونفوذه بفرض هيمنته على الجميع ليعلموا مَن هو عمران الجبالي، تطلعت أيضًا نحو المال المتواجد فوق المنضدة متعجبة وسألت بدهشة:
– فلوس مين ديه يا حازم؟
حاول التغلب على مطامعه القوية خوفًا من رد فعل عمران، فأخبرها ما قاله بضيق غاضب:
– سي عمران هملهم ليكي وجال تچيبي كل الناجص.
تطلعت نحوهم بضيق وملامح غاضبة مغمغمة بكبرياء:
– وأني مرايداش منّيه حاچة واصل.
هبّ واقفًا أمامها غاضبًا ليصيح بها بعنف حاد متوعد:
– خوديهم كيف ما جال، واسمعي اللي عيجوله بلاش چنان أومال.
تناولت حفنة المال، وسارت متوجهة نحو غرفتها بخطوات غاضبة غالقة الباب خلفها بقوة وقد انهارت جميع حصونها جلست أرضًا تبكي بعنف تفكر في مواجهة مصيرها القادم مع عمران.. وهي لا تعلم كيف ستتزوج من شخص وقلبها يهوى شخص آخر، وليس شخص عادي بل قلبها عاشق لشقيقه!! كيف ستفعلها وكيف ستعيش معه!..
بداخلها رهبة كبيرة مما ستعيشه ولما سيحدث معها، كاد الخوف أن يجعل قلبها يتوقف تمامًا لما سيحدث لها، عقلها سيصيبه الجنون من فرط التفكير فيما ستواجهه بعد إتمام زواجها عليه وكيف.
❈-❈-❈
ولج عمران المنزل الخاص به ليتفاجأ على الفور بوجود والدته أمامه، بحانب عمته كانت تطالعه بغضب والشرر يتطاير من عينيها هبت واقفة أمامه بغضب متسائلة:
– ايه الحديت الماسخ اللي عيدور بين أهل النچع عاد؟
قطب جبينه ووقف يبادلها نظراتها بملامح جامدة وأجابها ببرود:
– ايه الماسخ في اللي عيدور يمّا، چوازي بجى حديت ماسخ أومال.
صاحت بغضب بعدما علمت صِحة ما وصل إليها، فأكفهرت ملامح وجهها متوعدة لما يحدث:
– آه حديت ماسخ، رايد تتچوز مرت أخوك اتجنيت إياك، أخوك مرمي مسچون، وبدل تساعده تجوم تتچوز مرته.
لم يهتم بحديثها بل صاح بحدة قاسية يصحح حديثها بنيران الغيرة المشتعلة:
– مبجتش لساتها مرته يمّا، هتّبجى مرتي أني چهزي حالك يمّا عشان تحضري ليلة ولدك.
لوت شفايفها بغضب شديد معقبة برفض قاطع بإصرار كبير على عدم إتمام زواج تلك الفتاة المشؤومة ودخولها إلى عائلة الجبالي:
– مش دي اللي تبجى مرتك، اختار زين اللي من مجامك البت دي مهياش داخلة عيلتي، ولا البيت إهنيه سامع يا عمران.
اومأ برأسه أمامًا متفهمًا حديثها وأجابها بجدية:
– هجعد أنى وهي في مكان تاني خلاص إكده، حضري حالك يمّا عشان رايدك تبجي ويايا.
سار من أمامها بخطوات واسعة، وجسد متشنج غاضب بعدما رأى عدم تقبل والدته وإصرارها على الرفض بالرغم من دعمها السابق لشقيقه من زواجه منها، لكنه قرر ألا يهتم لكل ذلك سيفعل ما يريده ويتزوجها، ستصبح ملكه، عـهـد زوجة عمران الجبالي كبير نجع العمدة كم تمنى أن يستمع لتلك الجملة لكنه كان يراها صعبة الآن قرر ألا يتنازل عنها دون أن يهتم لرأي الجميع أولهم هي..!
لن يهتم إلى الأمر ولن يلتفت لأحد سوى لتنفيذ رغبته بإتمام زواجه منها..
اقتربت نعمة منها بمكر وهي تلوى شفتيها بعدم رضا وكعادتها تلقي سمومها داخل عقلها:
– كيف يعني مهيجعدش معانا، چرا لعجلك إيه أومال، انتي رايدة البت ديه تبعده عنينا، فتحي عنيكي يا فهيمة مش إكده عتهمليلها ولدك عالچاهز.
تطلعت أمامها وبدأت تفكر في حديثها ونتيجة ما ستفعله وما ستفعله تلك الحية مع ولدها بعدما تتركه لها تتلاعب بعقله وتبعده عنها، حركت رأسها نافية بإصرار وعينيها تلتمع بالشر مغمغمة بغضب حاد:
– معاكي حج يا نعمة هطلع اجوله ميهملش سرايا الچبالي والبت ديه مهسكتلهاش واصل، هربيها من چديد على يدّي جليلة الرباية والحيا.
أكملت حديثها بتهكم ساخرة:
– جال عتحب حسن وچاية تطمن عليه بت هنية.
تتذكر بكاءها بحرقة على حسن متعجبة لأمرها وموافقتها للزواج من عمران شقيقه، بالطبع هي فقط لن تهتم لأمر أحد سواها كانت تُظهر حبها لحسن حتى وصلت لما تريده وعندما انفلتت الأمور من يديها، أصبحت تفكر في الزواج من عمران لتحقيق مطامعها، لكنها لن تدعها تفعل ما تريده ستقف لها وتحاربها، ستجعلها تندم على أفعالها وعلى اليوم التي فكرت فيه على تدمير عائلة الجبالي بزواجها من ابناء العائلة.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين…
جاء اليوم المنتظر لـ عمران والذي طال انتظاره على قلبه المحترق بلوعة العشق بعدما أنهكه لوعة الفراق الحارقة والذي ظنّ أنه سيكون حليفه لولا فعلته الماكرة التي قلبت الأمر بالنجع رأسًا على عقب ليحصل عليها ويجعل شقيقه يعلم كم نفوذه الهائل ليفكر جيدًا قبل أن يتحدى شخص مثله.
لا يصدق أن ساعات قليلة فقط تفصله عن الزواج منها، ستحمل اسمه، وتصبح زوجته مثلما كان يريد منذُ أن وقعت عينيه عليها ورآها.
كان يقف أمام المرآه يرتدي جلبابه الأبيض حيثُ يفضل، يطالع هيئته مبتسمًا بسعادة لم يستطع أن يوصفها وقد فاقت جميع الحدود، لأول مرة يشعر بالسعادة تدلف فؤاده المغرم الذي لم يرَ الحب سوى عندما رأى عيني تلك المعهودة، معهودة قلبه التي تسلب أنفاسه وروحه، سيترك لها فؤاده لتتلاعب بأوتاره كما تهوى.
يفكر فيما سيفعله اليوم معها، وكيف ستصبح زوجته قولًا وفعلًا وسيصك ملكيته عليها، كم تمنى أن يختطف شفتيها الساحرة في قبلة عاشقة لم تحمل سوى الهوى والعشق الصادق كان يسيطر على ذاته بصعوبة ليمتنع عن فعلها، العديد من الأفكار السعيدة تراوده تجعله ينسى حقيقة الأمر وأفعاله الخادعة التي جعلته يحصل عليها عنوة، ينسى طبيعة شخصيتها الحادة ذات كبرياء كبير، يتناسى أنها تفعل ذلك فقط من أجل مساعدة حبيبها وليس لأجله، سعادته تعميه عن رؤية العديد من الأشياء الأخرى التي ستفسد مخططاته العاشقة بالطبع.
بينما كانت عهد تجلس في ذلك اليوم وكأنها ستحضر مراسم وفاتها وليس زواجها، أغمضت عينيها الباكية بغزارة كالمطر، وحقًا ما تفكر به صحيح فزواجها من عمران الجبالي مثل وفاتها كيف تفرح! هل أحد يفرح بدخوله لعالم سيصبح فيه مسلوب الإرادة، سجينة وملكه مثلما يقول، وهو يفعل ذلك انتقامًا منها على تحديه وتمسكها بزواجها من شقيقه، لكنها مضطرة على الموافقة حتى تفدي حسن وتنهي تلك الأزمة الواعرة.
كادت تُصاب بالجنون من فرط تفكيرها لما سيحدث لها على يد ذلك القاسي المتجرد من الرحمة، تحرك رأسها نافية وبداخلها شيء يدفعها لتوقف الأمر وإعلان رغبتها الرافضة صراحةً، هي في الحقيقة لم تخشَ رد فعله ولم تخاف على ذاتها لكنها تخاف على حسن.
أغمضت عينيها بقوة محاولة أن تحث ذاتها لإستكمال ما تفعله، وجدت إيمان تربت بحنان فوق كتفها مغمغمة بهدوء وهي تشعر بالشفقة لما يحدث مع تلك المسكينة:
: اهدي يا خيتي في عروسة برضك عتبكي وهي كيف البدر إكده.
حاولت أن تمسح دموعها بعناية حتى لا تفسد من زينتها وعهد صامتة لم تبدِ أي رد فعل، تقف كالصنم تعد ذاتها لما ستفعله وهي تعلم أن بفعلتها ستنتهى قصة حبها الكبير مع مَن أحبت وتفعل كل ذلك لأجله لكنها ستفديه بروحها لن تدعه يظل هكذا وهي في يدها مساعدته حتى وإن كان ذلك سيجلب لها الحزن والقهر ستفعلها.
وقفت أمام المرآه تطالع ذاتها وهي بثوبها الأبيض للمرة الثانية لكن تلك المرة تختلف تمامًا تتذكر ابتسامتها السعيدة من قبل والآن يحل محلها دموعها التي لم تجف منذُ أن علمت، كانت من قبل عروس مزينة بمهارة وسعادتها فوق وجهها لكن اليوم هي جسد فقط بلا روح، لم تهتم بهيئتها ولا بأي شئ تريد التخلص من تلك المهمة الكبيرة وهي ترى أن كل ذلك لا داعي له، هو يريدها انتقامًا منها ومن شقيقه، تعلم أنه سيذيقها العذاب على يده دون رحمة، ستبقى أسيرة لبراثن ابن الجبالي ولم تتحرر من قبضته سوى بفناء روحها.
أغمضت عينيها بقوة وهُناك شئ قوي يدفعها للصراخ حتى تُخرج كل ما بداخلها، لكن هيهات مَن سيهتم لأمرها سيقولون أنها جنّت كعادتهم يتحدثون على كل شئ بالسوء دون النظر لحالة الآخرين ومشاعرهم المنكسرة مثلما حدث معها من قبل، لا أحد اهتم لحزنها وهدم فرحتها بقدر اهتمامهم بالحديث عنها وعن حظها المشؤوم كما يُقال…
ظلت غريقة بين أفكارها المميتة متمنية أن تجد مَن ينتشلها ويرحمها بدلًا من ذلك العذاب الذي كُتب على جبينها وتعيشه الآن..
في الخارج جميع البنات تنتظرها بالزغاريد والفرحة الكبيرة لمَ لا؟ فكبير النجع والمسؤول عنهم سيتزوج في حفلة كبيرة أقام بها الذبائح بوفرة لأجلها، ليلة يشهدها أهل نجع العُمدة من كبيرهم إلى صغيرهم.
ومع قول الشيخ الشهير بعد إتمام كل زيجة ودعواته المباركة لهما:
– بارك الله لكما، وبارك عليكما وچمع بينكما في خير..
أنطلقت الطلقات النارية تشق سمعها معلنة قدومه وإتمام زواجها منه، حركت رأسها بعدم تصديق ويدور داخلها سؤال واحد، هل حقّا هي الآن أصبحت زوجته؟ لكن كيف!.. كانت تنتظر أي شيء ليفسد تلك الليلة لكنها تمت على خير، لن يهمها ما سيحدث بعدما أصبحت زوجته، فقد كانت تعيش على أمل إفساد الليلة لكن الآن جميع أحلامها تدمرت.
سارت نحو الخارج شاعرة بثقل كبير في خطواتها، وكأنها ستدلف بقدميها إلى جهنم ونارها.
وقف يتطلع نحوها بأعين ملتمعة وقد أطال النظر بها لعدة دقائق مستمتعًا بجمالها الخلاب الذي خطف أنفاسه، تلك الفاتنة التي أسرته بفتنتها تسلب الآن جميع حواسه وتجعل نبضات فؤاده تدق بعنف كالطبول مقيم الإحتفالات بداخله، اقترب منها طابعًا قبلة عاشقة فوق جبهتها، فاعتلت صوت الزغاريد ممَن حولهما، مغمغمًا بنبرة عاشقة شغوفة لأول مرة تستمع إليها منه:
– كيف البدر ليلة تمامه، عمر عيني ما هتشوف أچمل منيكي.
ليكمل جملته بنبرة خافتة بينه وبين ذاته لم تستمع إليها:
– مبروك عليا يا عهد جلبي.
سارت معه نحو الخارج، ووقفت فهيمة ترحب بها على مضض ونظراتها تعبر عن عدم رضاها وتوعدها لتلك الفتاة لكن مهلًا ستجعلها هي ترى ألوان العذاب كاملة دون رحمة مثلما فعلت في عائلتها بمكرها ومخططاتها الخبيثة، حاولت ألا تظهر نواياها أمام الجميع فسارت مقتربة لتباركلها على مضض بلهجة مشددة جامدة:
– مُبارك عليكي ولدي، ودخولك لعيلة الچبالي كيف ما كنتي راسمة يا بِت هنية.
اقتربت تقبلها وتحتضنها هامسة بشر، وحدة ويديها تضغط بقوة مؤلمة فوق ذراعها:
– وصلتي للي رايداه وريني كيف ههملك تتهني ليلة.
بادلتها عهد نظراتها بضعف مندهشة من طريقتها الجامدة معها وتلك القسوة التي ترمقها بها، كيف تخبرها أنها تضحي وتفعل كل ذلك لأجل إنقاذ ولدها، هي لم تفكر يومًا في عمران ولم توافق عليه، لكنها فعلتها لأجل حسن دون النظر لذاتها.
انتهت ليلتها بعد إحتفالات عديدة، وسارت معه نحو الداخل، كانت تدلف المنزل بخطى متهالكة وقد دب الرعب أوصالها مما ستعيشه بداخل ذلك المكان، جميع الرجال يقفون في الخارج بطلب من أخيها الأحمق ليفتخر بها أمام الجميع وينهي حديثهم عنها..
غمغمت والدته قبل أن يدلف بها الغرفة بلهجة حادة مرتفعة ونظراتها مصوبة نحوها:
– ادخل ياولدي لچل ما تچيبلنا البشارة ونتوكد منيها.
كانت ترمقها بنظرات ذات مغزى لكن حديثها جعلها ترتعب والخوف ملأ قلبها، وقد بدأت دموعها تسيل من جديد بغزارة أسرعت تفر هاربة داخل الغرفة تختبئ من نظراتها وتحاول تهدئة ذاتها استعدادًا لما سيفعله بها، لكنها لم تستطع وقد سيطر عليها الخوف الذي جعل جسدها يرتجف، ووجها يشحب كشحوب الموتى، تنتظر قدومه ومعه انتظار موتها.
تفاجأت به يولج الغرفة هو الآخر بوجه جامد مكهفر كعادته وأغلق الباب خلفه بقوة جعلتها تنتفض، تفاجأ بحالتها فاقترب منها وهو يرمقها بدهشة متعجب سبب بكائها القوي وقد أصابه الخوف عليها، وهي تضع يدها فوق فمها مانعة صوت شهقاتها القادر على شق جدران المنزل بالكامل، فوقف أمامها يسألها في ذهول تام:
– اللي حصُل عاد خلاكي تبكي إكده؟ مانتي كنتي زينة.
هبت واقفة بسرعة البرق عندما رأته يقترب منها وأسرعت مبتعدة عنه رامقة إياه باشمئزاز وغضب، وتناولت السكين الحاد الذي كان بحانب الطعام واضعة إياها فوق عنقها لتهرب منه، وقد علمت أن ذلك هو الحل الوحيد لإنهاء مصيرها السيء، معقبة على فعلتها بنبرة مرتعشة لاهثة:
– بعّد عني وملكش صالح بيا… والله لو جربتلي لاكون مموتة حالي ومعيهمنيش هي خلصت إكده يا سي عمران.
التمعت عينيه بغضب كبير وهو يراها تهدده، ولم يسبق لأحد فعلها، فعلتها أثارت جنونه وغضبه الكبير، رفضها له بوضوح جعله يستشاط غضبًا متوعد لتلك الحمقاء، مَن هي بترفض اقترابه؟ تهدده بقتل ذاتها إذا اقترب عليها فعلها لأنه سيقترب عنوة، سيحصل على ما أراد في النهاية لكن بطريقة صعبة ستبقى خالدة داخل ذهنها إن عاشت.
هي مَن جعلته يفقد سيطرته على ذاته وعليها تحمل عواقب فعلتها الوخيمة، التمعت عينيه بالشر مقتربًا نحوها بقسوة ليرد عليها:
– يُبجى هتموتي فعلًا يا عروسة كيف مانتي رايدة بس على يدّي.
وجدته في لحظة يجذبها بعنف، ينتزع السكين من يديها، ويرفعه هو عليها بقوة فتفاجأت مما يفعله وقد ألجمت الصدمة لسانها أغمضت عينيها ولسانها تفوه بالشهادة مستسلمة تمامًا له، ولما سيفعله معها حتى إن كان سيُنهي روحها مثلما ينوى.
بالفعل لم يتردد ولم يفكر وقد أعماه الغضب، لم يشعر بذاته سوى وهو يغرز السكين بها بقوة جعلت صرخاتها ترتفع بينما هو لم يبالِ وقف يشاهد الدماء التي تسيل منها ومن الحب ما قتل أكثر ما ينطبق عليهما، مَن عاش طوال حياته ينتظر اقترابها بلوعة وقلب عاشق هو مَن طعنها وسلب روحها.
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران نجع الهوى)