رواية مهمة زواج الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم دعاء فؤاد
رواية مهمة زواج الجزء السابع والثلاثون
رواية مهمة زواج البارت السابع والثلاثون

رواية مهمة زواج الحلقة السابعة والثلاثون
قبيل الظهيرة كانت ندى تجلس بالميكروباص برفقة رجل ضخم تابع لتلك العصابة في طريقها إلى محافظة الإسماعيليّة..
قبل الوصول إلى الوجهة المقصودة استوقف ذلك الرجل السائق ليقف به في طريق خالي تماما من المباني السكنية كما أنه حرص ذلك الرجل على خلوه أيضا من الكاميرات بما فيها كاميرات الرصد “الرادار”.
نزل الرجل و نزلت خلفه ندى ثم سار بها بضع خطوات حتى اختفت السيارة ثم أوقفها على جانب خالي قائلا بنبرة غليظة:
ـــ اطلعي بالأمانة يلا..
فتحت حقيبة يدها و استخرجت فلاشة ناولته إياها، فأخذها و دسها في جيب سترته ليقول بنبرة تحذيرية:
الباشا بيقولك لو في يوم اكتشفنا انك سايبة نسخة منها سواء ع اللاب بتاعك او اي لاب تاني او حتى طبعاها على ورق هيولع فيكي و في بيت أدهم باللي فيه… و محدش هيقدر يكتشف انها حريقة بفعل فاعل.
ابتلعت ريقها بخوف ثم هزت رأسها و هي تقول: ـ لا أنا منسختهاش خالص… لأنكو سبق و حذرتوني من كدا… و انا عملت كل حاجة بالحرف. أومأ و هو يعطيها شريحة اتصالات ثم قال بغلظة:
خودي الشريحة دي بمجرد ما توصلي الشقة اللي قولنالك عليها هتكسري شريحتك و تحطي دي مكانها… و حذاري تحتفظي بأي أرقام غير أرقامنا احنا بس… دلوقتي هتمشي من الاتجاه دا حوالي نص كيلو هتلاقي طريق رئيسي هتاخدي من هناك تاكسي و تقوليله على عنوان الشقة في القصاصين… و متحاوليش تتصرفي من دماغك لأن احنا عنينا عليكي و مراقبينك…
هزت رأسها بايجاب، ليتركها الرجل و يسير في اتجاه معاكس، شعرت حينها أن الأرض تهيم بها و كأنها في كابوس مزعج تتمنى لو ينتهي سريعا و تعود لحصنها الآمن و حضنها الدافئ مع أدهم.
فعلت كما قال لها و أشارت لتاكسي كانت به فتاة في نفس عمرها تقريباً تجلس في الكرسي الأمامي بجوار السائق، فركبت بالمقعد الخلفي بعدما أملته العنوان و قد كانت نفس وجهته.
بعدما ركبت ندى شعر السائق المسن الذي كان قد تجاوز الخمسين عام بأن هنالك سيارة سوداء مفيمة بالكامل تتتبعه منذ ركوب ندى الأمر الذي أثار قلقه و شكوكه حول تلك الفتاة و لكنه حاول تجاوز الأمر و استمر في طريقه..
حينها أسندت ندى رأسها للخلف و أغمضت عينيها و كأنها تحاول النوم لتعود بذاكرتها الى أحداث ذلك اليوم المشؤم، اليوم الذي فكرت فيه ان تعود لاستكمال دراستها بكلية الصيدلة و ليتها لم تفعل…..
فتحت عينيها بعدما استردت وعيها لتجد نفسها مقيدة بكرسي خشبي متين في غرفة خالية تماما بها ضوء خافت للغاية و أمامها شاشة كبيرة و سماعة معلقة…
ليأتيها صوت غليظ قائلا:
ـــ أهلا يا بنت أنور عبد الحميد…فين الفلاشة اللي ابوكي مسيف عليها بياناتنا.
ردت بنبرة واثقة:
ـــ فلاشة ايه؟!..بابا الله يرحمه مسابش معايا حاجة..و مكانش بيعرفني اي حاجة عن شغله.
صاح الرجل بانفعال:
ـــ الفلاشة معاكي يا بنت…..احنا متأكدين انها معاكي..احنا قلبنا بيتكو اللي امريكا حتة حتة و مش لاقيينها..دا معناه انها معاكي انتي..
ردت بثقة متناهية:
ـــ قولتلك مش معايا حاجة..
أتاه صوته الذي قد تحول لفحيح أفعى:
ـــ تمام يا بنت انور…أنا مش هتعب نفسي معاكي..و معنديش وقت أضيعه أكتر من كدا..بس انتي كدا اللي جبتيه لنفسك..
ردت بنبرة واثقة شجاعة:
ـــ ايه؟!..هتعملوا فيا ايه يعني؟!…هتقتلوني زي ما قتلتوا بابا و ماما؟!…عادي اقتلوني..معادش عندي حاجة أبكي عليها و مش فارق معايا…على الأقل هموت شهيدة..
رد الآخر بنبرة ذات مغذى:
ـــ متأكدة انك معندكيش حاجة تبكي عليها؟!
ردت بثقة:
ـــ ايوة معنديش…أغلى اتنين عندي راحوا خلاص..
ـــ ولا حتى أدهم؟!
انقبض قلبها حين أتى بذكره، ما معنى ذلك؟!.. هل سيساومها على حياته؟!
تحدث بانتصار بعدما استطاع أن يرى ملامحها الثابتة تتحول للخوف:
ـــ اعرض الفيديو..
لتضيئ الشاشة الكبيرة بذلك المقطع سابق الذكر “أدهم يترجل من سيارته بعدما وصل مبنى العمليات و هناك أعلى مبنى مرتفع مقابل لمبنى العمليات الخاصة رجل ملثم يصوب سلاح الكلاشنكوف ناحية رأس أدهم و تلك النقطة الحمراء تتحرك مع حركة رأسه الى أن اختفى داخل المبنى”
اسود وجه ندى حين رأت ذلك المقطع و بهتت ملامحها، بعدما استطاع ذلك الرجل هزيمتها و كسر عنادها بذلك المقطع، لياتيها صوته البغيض قائلا بتهديد و وعيد:
ـــ القناص اللي انتي شايفاه دا مستني بس اشارة مني عشان يفرتك دماغ حبيب القلب…فكري كدا بالعقل… مش هتخسري حاجة لو سلمتينا الفلاشة.. انما لو فضلتي معاندة يبقى تقري الفاتحة على روح أدهم..
حاولت قدر الامكان ان تستعيد ثباتها لتقول:
ـــ انتو لو عايزين تقتلوه كنتو قتلتوه من زمان… مش هتقتلوه لمجرد انكم تهددوني..
رد الرجل بجدية:
ـــ قتله مش هيهمنا في حاجة.. بالعكس هيفتح عنين الحكومة علينا و احنا مش عايزين ندخل في مهاترات ملهاش داعي معاهم… بس لو لزم الأمر اننا نقتله في سبيل حصولنا على الفلاشة دي هنقتله.. لأن السبب يستاهل المناوشة مع الحكومة… طبعاً انتي عارفة الفلاشة دي فيها ايه؟!
ردت بنبرة مليئة بالكره و الغل لتلك العصابة الجائرة:
ـــ طبعاً…رجال أعمال و موظفين مهمين في الدولة بيدعوا الفضيلة و حب البلد و المساهمة في تعميرها و هما في الحقيقة أكتر ناس بتهدم و بتفسد فيها… ناس مش بتفكر غير في نفسها و بس.. عايزين يكبروا بأي طريقة.. سواء كانت مشروعة او لأ.. مش فارق معاهم الحلال من الحرام.. تجارة اعضاء ماشي.. تجارة سلاح و مخدرات ميضرش.. قتل و تهديد و عمليات قنص كله شغال.. اهم حاجة…
قاطعها بصرخة قوية أجفلت منها:
ـــ اخرسي… خلي خطبك و محاضراتك لنفسك يا ست الحكيمة.. صحيح تربية أنور عبد الحميد.. بس شكلك نسيتي الفيديو… شغله تاني يابني..
ظهر المقطع مرة أخرى ليسترسل الرجل بنبرة شريرة للغاية:
ـــ انتي يا اللي اسمك ندى… احنا مبنهددش… احنا بنفذ علطول.. هتسلمينا الفلاشة ولا أكلم القناص قدامك حالا ينفذ القنص.. و مش هتمشي من هنا غير لما تشوفي أدهم باشا و هو بيضرب بالكلاشنكوف و بيطلع في الروح.
صرخت بفزع:
ـــ لااااا… أدهم لااااا
ابتسم الآخر بانتصار:
ـــ يعني أفهم من كدا انك هتسلمينا الفلاشة؟!
ابتلعت رمقها و هي تشعر بالحسرة و الهزيمة، فقد قاموا بالضغط على نقطة ضعفها بدهاء، لتنكس رأسها بانكسار و هي تقول:
ـــ هسلمهالك…
ثم رفعت رأسها لتقول بشراسة:
ـــ بس حذاري تقرب منه… انت فاهم..
ـــ تمام.. لو انتي فعلا خايفة عليه و مش عايزانا نقرب منه هتنفذي اللي هنقولك عليه بالحرف، فهزت رأسها بموافقة و هي متجهمة الملامح ليسرد لها أوامره بالاختفاء من حياة أدهم الى الأبد و كان هدفه من ذلك هو ضمان عدم حصوله على ما بالفلاشة من معلومات من شأنها القضاء على رجال المافيا المستترين خلف قناع النزاهة و الوطنية، و امرها بعدم ترك أي دليل خلفها يدل على تواصلها معهم حتى لا ينبش عشهم، و بالطبع مع التهديد المستمر بقتله إن أخطأت او خالفت التعليمات..
عادت ندى الى البيت متهدلة الكتفين بعدما عصبوا عينيها مرة أخرى و أعادوها الى الجامعة، و طيلة الطريق تفكر في كيفية تنفيذ تلك الأوامر المجحفة، كيف ستتحمل فراقه…
أبعدما ضحكت لهما الدنيا و كادا أن يندمجا كما الأزواج الطبيعين تحدث تلك المصيبة و يفترقا؟!
إذن إن كان الفراق محتوم حفاظا على حياته… فلا بد ألا يتعلق بها… فإن حدث و تم زواجهما ثم افترقت عنه فحتما سيصعب الفراق و ستتفاقم الحسرة في قلبيهما خاصة و ان حملت في قطعة منه، لا تدري حينها كيف ستسير الأمور…لا هي لن تتهور و تسمح لنفسها بحمل طفل بين أحشائها ان خرج للحياة ربما يرى العذاب لاحقًا …لا بد و ان تحافظ على مسافة جيدة بينهما حتى لا تقتلهما الحسرة حين يحين الانفصال.
عادت من ذكرياتها المؤلمة لتنحدر دموع الحزن من مآقيها فتنتبه انها مازالت بالتاكسي..
زداد قلق السائق أكثر حين كان يغير اتجاهاته و مازالت السيارة أيضاً تسير خلفه أينما اتجه و كأنها تطارده، فتوجه بالحديث لندى قائلا بحدة:
ـــ خير يا استاذة… انتي عاملة عملة ولا قاتلة قتيل ولا انتي حكايتك ايه بالظبط؟!
شهقت الفتاة بجواره و هي تقول بعتاب:
ـــ ايه الكلام دا بس يا اسطى.. دي البنت شكلها غلبانة و في حالها..
حمحمت ندى لترد بتوتر:
ـــ في ايه ياسطى ليه كدا؟
رد بغلظة:
ـــ ماهو من ساعة ما ركبتي و في عربية متفيمة ماشية ورايا… لا يا بنتي كدا مش هينفع.. انا راجل على باب الله و بربي في كوم لحم و مش ناقص لبش..
قال جملته و قد بدأ في تقليل سرعته استعدادا للوقوف..
ـــ انا هنزلك على الطريق هنا و خودي تاكسي تاني ولا انتي حرة..
ردت الفتاة الغريبة:
ـــ استهدى بالله ياسطى هتنزلها فين… دا طريق زراعي و شبه مقطوع.
ـــ خلص الكلام يا استاذة.. انا عايز اروح لعيالي سليم..
و حين وقفت السيارة على جانب طريق زراعي من الناحيتين وقفت الأخرى ليقول أحدهم من داخلها:
ـــ نفذ..
لم تكد ندى تفتح باب السيارة و تنزل بقدمها على الأرض و بيدها حقيبتها حتى انفجر التاكسي في الحال مُصدرا دوي عالي و اختفت ملامح السيارة و من بها داخل غيمة كبيرة جدا سوداء تتخللها ألسنة من اللهب، فادار الآخر السيارة السوداء و انطلق بها سريعا قبل أن تلتم حولها السيارات الأخرى و يُكشف أمرهم. ….
حين ابتعدت تلك السيارة كثيراً عن مكان الحادث قام السائق بالاتصال بسيده و حين أتاه رد الطرف الآخر قال ببسمة شريرة:
ـــ تم يا باشا… التاكسي ولع باللي فيه و محدش هيقدر يتعرف عليهم أساسا لأنهم ببساطة كدا اتفحموا….. اتصلوا بالمطافي و الاسعاف بس على ما يوصلوا العربية هتكون بقت تراب.
اقتربت الشمس من المغيب و لم تأتي ندى بعد و كانت تيسير في غاية القلق، خاصة أنها اتصلت بها عشرات المرات و لم ترد
و حين لم تجدا بدا من اخبار أدهم اتصلت به و أخبرته فقام بالاتصال بها أيضاً عشرات المرات الى أن رد أخيراً رجل غريب فقال له:
ـــ مع حضرتك النقيب محمد مصطفى من قسم القصاصين..
قطب جبينه بدهشة، ما الذي أتي بهاتف زوجته الي هذا المكان و مع ذلك الرجل، فرد بقلق بالغ:
ـــ أنا الرائد أدهم من العمليات الخاصة… حضرتك التليفون دا بتاع مراتي.. انا عايز أفهم ايه اللي وصله للقصاصين و هي فين دلوقتي؟
سكت الضابط الغريب قليلا ثم قال بأسف:
ـــ الحقيقة يافندم احنا لاقينا شنطة المدام جنب تاكسي مولع بالسواق و الراكب اللي فيه..للأسف الجثتين متفحمين و مش عارفين اذا كانت الشنطة دي تخص الجثة اللي كانت راكبة جنب السواق ولا لأ… فيا ريت حضرتك تيجي بنفسك تعاين الجثة و تأكدلنا هي ولا لأ؟!
كاد الهاتف أن يسقط من يده من فرط رعبه عليها، لا يصدق ما يسمعه بأذنيه، و كأنه داخل كابوس مزعج ليقول أخيراً بعدما ابتلع غصة مؤلمة بحلقة:
ـــ العنوان فين بالظبط؟!
أملاه الضابط العنوان بالتفصيل ثم خرج راكضا من غرفة مكتبه ليصطدم بآسر في الرواق الخارجي فاوقفه يسأله بقلق:
ـــ على فين يا أدهم.. بتجري كدا ليه؟!
رد عليه و هو يلتقط أنفاسه بصعوبة:
ـــ سيبني دلوقتي يا آسر…رايح أدور على ندى
تركه و ركض الى خارج المبني ليلحق به آسر و يركب السيارة بجواره ليصرخ أدهم بنفاذ صبر:
ـــ انزل انت رايح فين؟…انت عارف انا رايح على فين دلوقتي؟
ـــ مش هسيبك لو هتدور عليها في المريخ.
لم يجادله أدهم كثيرا فقد كان في حالة رثة لا تسمح له بذلك و انطلق بالسيارة على أقصى سرعة مرتادا طريق القاهرة الاسماعيلية..
ـــ ايه اللي حصل يا أدهم..
رد و هو يقود:
ـــ معرفش.. انا لاقيت ماما بتكلمني و بتقول ان ندى لحد دلوقتي مرجعتش من الجامعة و بترن عليها كتير و مبتردش… رنيت عليها كذا مرة لحد ما ظابط في قسم القصاصين رد عليا و قالي انهم لقيو شنطتها مرمية جنب عربية تاكس مولعة باللي فيها و مش عارفين اذا كانت صاحبة الشنطة كانت في العربية ولا لأ..
انقبض قلبه حين تخيل انه فقدها تماما كما فقد حبيبته، ثم سأله باستغراب:
ـــ طاب ايه اللي هيوديها المكان البعيد دا؟!
أخذ أدهم يضرب تارة القيادة بكفه و هو يصرخ:
ــ معرفش.. معرفش.. ماهو دا اللي هيجنني… ندى ماتعرفش تروح أي مكان لوحدها… متعرفش غير الطريق من البيت للجامعة و من الجامعة للبيت… مكانتش بتخرج أصلا من يوم ما اتجوزنا…
أشفق آسر عليه و على ما أصابه من ذعر و رعب، بينما أدهم قد انفلتت أعصابه للغاية حتى أنه كاد أن يصطدم بما حولة من سيارات عدة مرات فصرخ به آسر في آخر مرة:
ـــ وقف العربية يا أدهم.. وقفها و سيبني أنا اسوق… انت أعصابك بايظة و مش مركز أساسا في الطريق..
اوقفها بطريقة مباغتة على جانب الطريق حتى أن احتكاك الاطارات بالأسفلت أصدر صريرا عاليا فارتد أدهم للخلف و هو يغمض عينيه متنفسا بوتيرة عالية من فرط قسوة التوقعات التي تَرِد على عقله، و لكنه نزل سريعا في الوقت الذي نزل فيه آسر ليستقل مقعد السائق و يجلس أدهم مكانه، فأدار السيارة و انطلق بها بسرعة عالية و لكنه كان أكثر تركيزا على الطريق. …..
أثناء السير بطريقهما الى محافظة الاسماعيلية قام أدهم بعدة اتصالات منها اتصاله باللواء سامي مديره لكي يساعده في تلك الورطة ربما يأتي له بمعلومة يفك بها شفرة الأحداث المبهمة
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)