روايات

رواية مهمة زواج الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الجزء الثاني والخمسون

رواية مهمة زواج البارت الثاني والخمسون

مهمة زواج
مهمة زواج

رواية مهمة زواج الحلقة الثانية والخمسون

في مكتب النائب العام
يجلس أدهم أمام مكتب خشبي ضخم، يواجه أحد وكلاء النيابة الذي ينظر إليه باهتمام بعد أن استمع لادعاءاته. بجواره آسر الذي بدا وجهه جادًا وكأنه يؤيد كل كلمة يقولها أدهم.

+

أدهم (بصوت ثابت وقوي):
ــ “سيادة المستشار… اللي بطلبه مش مجرد بلاغ. دي حياة إنسانة اتدمرت، وهوية اتطمست بفعل فاعل. نديم مش بس لقى مراتي بعد الحادثة، ده خدها وغيّر هويتها واستغل فقدانها للذاكرة لحساب مصلحته.”

+

وكيل النيابة (بهدوء متفحص):
ــ “الكلام ده خطير، يا أدهم بيه… عندك أدلة تثبت اللي بتقوله؟”

+

آسر (يتدخل بجدية):
ــ “الشكوك عندنا مش من فراغ… عندنا أسماء مستشفيات زرناها وتفاصيل عن مدير مستشفى في القصاصين اسمه شاكر… هو الشخص اللي استقبل الحالة وقت الحادثة… وفيه تصرفات مريبة بتأكد إن فيه جريمة تستر كبيرة حصلت هناك.”

+

وكيل النيابة (بتفكير عميق):
ــ “لو فعلاً فيه جريمة زي اللي بتقولوا عليها، هنحتاج نتحرك فورًا.”

+

أدهم (بحزم):
ــ “أنا بطلب أمر تفتيش للمستشفى، وللمكتب الإداري الخاص بشاكر… متأكد إننا هنلاقي الأدلة اللي تدين نديم.”

+

يهز وكيل النيابة رأسه موافقًا ثم ينادي على أحد المسؤولين.

+

وكيل النيابة (بصوت حازم):
ــ “جهزوا قوة للتفتيش، وعايز مذكرة توقيف لكل من تثبت إدانته، وبالذات شاكر.”

+


في مكتب شاكر بمستشفى الإسماعيلية..

+

كانت عقارب الساعة تُعلن عن اقتراب منتصف الليل. ساد الصمت في الأرجاء إلا من صوت خطوات شاكر المُرتبكة ذهابًا وإيابًا. كان وجهه مُبللًا بالعرق، وعيناه تمتلئان بالخوف، كمن يعلم أن نهايته تقترب.

+

توقف أخيرًا عند المكتب، التقط هاتفه بتردد، بحث عن رقم “نديم” في قائمة الاتصال، ثم ضغطه بأصابع مرتعشة. انتظر للحظات، وكأن الزمن يرفض أن يتحرك.

+

نديم (يرد بصوت هادئ ومهيمن):
ــ “خير يا شاكر؟ اتصلت بيا في وقت مش مناسب.”

+

شاكر (بصوت مرتعش وخافت):
ــ “نديم… الوضع خرج عن السيطرة… جالي اتنين ظباط واحد اسمه أدهم و التاني آسر… سألو عن حالة…. ألارا… كانوا عارفين كل حاجة تقريبًا… وسألوني بوقاحة إذا كنت عارف الحقيقة ولا لأ… بعدهم على طول ظهرت ألارا بنفسها، وكانت عايزة تعرف عن نفسها! أنا حسيت إني اتفضحت.”

+

نديم (ببرود مريب):
ــ “وإيه اللي قلته لهم؟ عرفت تهديهم؟”

+

شاكر (ينهار، يرفع صوته بتوتر):
ــ “إنت مش فاهم! أنا ما قدرتش… حاولت أتهرب، قلت كلام مُبهم، لكنهم ما صدقونيش… أدهم بالذات عينه كانت مبحلقة فيّا، كأنه بيقرأ أفكاري. بصراحة أنا مش قادر أتحمل الضغط دا، لو اكتشفوا اللي عملناه هنروح في داهية!”

 

نديم (بنبرة منخفضة وخطيرة):
ــ “شاكر… اهدى… لو فقدت أعصابك هتبوّظ كل حاجة. أنا مش هسمح لحد يكشف الموضوع.”

+

شاكر (يصرخ، يضرب المكتب بقبضته):
ــ “مش هتسمح إيه!؟ الراجل دا بيدور في كل مكان. وأنا لو لبّست التهمة لوحدي مش هرحمك، فاهم! فاهم يا نديم؟! إنت اللي جرّيتني ورا المصيبة دي!”

+

نديم (بهدوء قاتل يقطعه بردود محسوبة):
ــ “شاكر… لم نفسك. أنت كنت عارف من الأول… و خدت نصيبك، مش كده؟.. دلوقتي وقت أزمة، مش وقت خوف… كل الملفات عندك محفوظة ولا لسه عندك فوضى في أوراقك زي زمان؟”

+

شاكر (بذعر):
ــ “كل حاجة عندي في المكتب… لكن لو أدهم جالي تاني، ممكن يفتش المكان… هو ورايا ورايا يا نديم! لازم نشيل الملفات دي من هنا فورًا.”

+

نديم (بصوت صارم):
ــ “هات الملفات اللي عندك، وهنقابل بعض الليلة في المكان اللي عارفينه… ولا تفكر تقول حاجة لأي مخلوق. فاهم؟ لو وقعت… هتكون أنت السبب في كل ده.”

+

شاكر (بصوت مخنوق):
ــ “أنت بتكلمني كأن حياتي ما تهمكش… لو وقعنا، اللي هيتكشف مش بس تغيير هوية اللي اسمها ندى دي… اللي هيعرفوه أكتر من كده… عمليات التستر اللي كنا بنعملها هنا هتفضحنا، وانت عارف دا كويس.”

+

نديم (يضحك بهدوء مستفز):
ــ “عشان كده لازم تبقى ذكي… إنت من البداية كنت مجرد ترس في الماكينة يا شاكر. متقلقش، أنا مش هسيبك.”

+

شاكر (يمسك برأسه بيديه، يصرخ هامسًا):
ــ “كفاية يا نديم… كفاية. أنا مش قادر أتحمل. أدهم مش هيهد لحد ما يوصل لكل حاجة… وحتى ألارا، في عينيها حيرة غريبة، كأنها بدأت تفتكر… أنا كنت دايما شايفها مسكينة… لكن شكلنا صنعنا منها وحش هيفترسنا.”

+

نديم (بصوت حاسم ينهي المكالمة):
ــ ” الوحش هو اللي خوفك بيصنعه… خلص اللي قلت لك عليه، وإلا… هتتمنّى إنك ما كنتش عرفتني من الأول.”

+

انتهت المكالمة بصوت الإغلاق البارد من الطرف الآخر. وقف شاكر مكانه للحظات، وكأن قدميه لم تعودا تحملانه. رفع رأسه ببطء نحو النافذة الزجاجية لمكتبه، يتأمل المدينة المظلمة التي بدت كأنها تراقبه بصمت ساخر.

+

شاكر (يهمس لنفسه):
ــ “مش هقدر أهرب… مش هقدر أهرب من اللي عملناه.”

+

توجه نحو خزانة الملفات المعدنية، أخرج مفتاحًا من درج المكتب، وفتحها. كانت الأوراق مُرتبة بعناية تامة. أخرج الملفات الخاصة بـ”ندى” ووضعها في حقيبة سوداء جلدية، بينما عينيه لا تتوقفان عن التوجه نحو الباب، خشية أن ينفتح فجأة ويدخل أدهم أو آسر.

+

بينما كان شاكر منهمكًا في جمع الملفات بسرعة جنونية. رمى الحقيبة الجلدية على المكتب، وبدأ يُكدس الأوراق بيدين مرتعشتين، بينما عيناه بين الحين والآخر تتجه نحو الساعة المثبتة على الحائط.

+

 

 

 

شاكر (يهمس لنفسه بتوتر):
ــ “لازم أخرج قبل ما حد يشوفني… نديم مستني الملفات، ولو وقعت… هو كمان هيقلب عليّا.”

+

بينما يُغلق الحقيبة ويستعد للرحيل، سمع فجأة صوت خطوات سريعة تتردد في الممرات. توقف قلبه لوهلة، وتصبب العرق من جبينه. اقتربت الأصوات أكثر فأكثر، حتى سمع صوت رجل صارم ينادي بصوت مرتفع:

+

أحد رجال الشرطة:
ــ “قوة التفتيش هنا! افتح الباب فورًا!”

+

تسمر شاكر في مكانه، يُحاول البحث عن مخرج. نظر نحو النافذة لكنه أدرك أنها مُغلقة بإحكام، ثم ارتد نظره نحو الباب الذي بدأ يُطرق بقوة.

+

شاكر (بصوت خافت):
ــ “أنا ضعت… خلاص ضعت.”

+

دفع الباب بعنف، ودخل رجال الشرطة يتقدمهم آسر وأدهم. وقف شاكر في مكانه كالتمثال، وجهه شاحب وعيناه تائهتان.

+

أدهم (بغضب مكبوت):
ــ “كنت ناوي تهرب يا شاكر؟.. كنت فاكر إنك هتلحق تخرج بالادلة؟”

+

آسر (يتفحص الحقيبة المفتوحة على المكتب):
ــ “واضح إنك كنت بتحاول تخفي كل حاجة… لكن فات الأوان.”

+

شاكر (يحاول التماسك، بصوت مرتجف):
ــ “أنا… أنا ما عملتش حاجة غلط… الملفات دي مجرد أوراق إدارية…”

+

أدهم (يقاطعه، يتقدم نحوه بحدة):
ــ “كفاية كدب يا شاكر! كل حاجة هتتكشف… لو عندك ذرة عقل، تتكلم دلوقتي وتعترف قبل ما ييجي دور نديم ويرميك في النار لوحدك.”

+

ينهار شاكر تمامًا، يقع جالسًا على الكرسي بوجه مرهق، ويدفن وجهه بين يديه.

+

شاكر (يبكي وهو ينهار):
ــ “ما كنتش عارف إني هتورط للدرجة دي… نديم هو اللي بدأ كل حاجة… أنا بس سمعت كلامه… قال لي إن البنت دي مالهاش أهل ولا حد هيدور عليها… أقسم بالله ما كنت أعرف إني هوصل لكدا!”

+

آسر (بصوت صارم):
ــ “كل كلمة هتقولها هنكتبها في المحضر، وكل تفاصيل هتدين نديم معاك.”

+

أدهم (يهمس لنفسه بنبرة انتصار):
ــ “الحقيقة أخيرًا بتبان… وندى، حقي و حقك هييجي ليكي مهما حصل.”

+

بينما يتجه رجال الشرطة للقبض على شاكر، يُخرج آسر هاتفه ويتصل بوكيل النيابة ليُبلغه بما عثروا عليه. المشهد ينتهي بصوت أقدام رجال الشرطة يُخرجون شاكر مقيدًا، وأدهم يقف في منتصف المكتب، ينظر نحو الحقيبة المغلقة، وكأنها تحمل كل الإجابات التي كان يبحث عنها.

+


توجهت القوة على الفور الى فيلا نديم – مصر الجديدة في الليل المتأخر و أدهم و آسر كانا في المقدمة..

+

هدوء الفيلا المتكلف ينكسر فجأة بصوت سيارات الشرطة التي تحاصر المكان. رجال الأمن يترجلون بسرعة، يطرقون الباب بعنف.

+

في الداخل، كان نديم منهمكًا في جمع أوراقه من الخزانة الجلدية بمكتبه، قلبه يخفق بعنف وهو يحاول أن يلملم ما يمكنه من أسراره. قطع صوته رنين هاتفه.

+

 

نديم (بصوت مرتجف وهو يرد على شاكر):
ــ “إنت فين يا شاكر؟ الدنيا كلها بتولع من حواليا!”

+

شاكر (مذعورًا من الطرف الآخر):
ــ “ما عرفتش أهرب يا نديم… أدهم وراه ورقة خيطتني خلاص… ما تسيبش أي حاجة تدينك!”

+

نديم (بغضب هامس):
ــ “إنت السبب في اللي أنا فيه! كنت لازم تتصرف من زمان!”

+

لم ينته نديم من جملته حتى ارتج الباب تحت ضربات الشرطة.. صرخة حادة من أحد الضباط كانت كفيلة بتجميد دمه.

+

أحد الضباط:
ــ “افتح الباب فورًا وإلا هنكسره!”

+

حاول نديم تمالك أعصابه وهو يهرع نحو باب الغرفة ليغلقه بالمفتاح، لكن الأوان قد فات. رجال الشرطة اندفعوا إلى الداخل، وأدهم وآسر يقفان خلفهم.

+

أدهم (يتقدم بثبات، عينيه مشتعلة بالغضب):
ــ “فاكر إنك هتهرب يا نديم؟”

+

نديم (بصوت جاف وهو يحاول التماسك):
ــ “إيه اللي جابك هنا؟! ما فيش حاجة تثبت إني غلطان.”

+

في هذه اللحظة، هبطت ألارا من الدرج، ملابسها المنزلية تعكس فوضى أفكارها، وعينيها زائغتان من القلق. كانت قد سمعت كل شيء تقريبًا.

+

ألارا (بصوت مهزوز):
ــ “إيه اللي بيحصل هنا؟! أدهم… إنت بتعمل إيه؟”

+

أدهم (بصوت حاد لكنه يهدأ قليلًا وهو ينظر إليها):
ــ “كنتى بتدوري على نفسك… أهو هنا هتلاقي كل الإجابات.”

+

تتراجع ألارا خطوة، تتوجه بنظراتها إلى نديم الذي كان ينظر لها بوجه شاحب.

+

ألارا (بصوت متقطع):
ــ “إنت كنت مخبي عني حاجة… صح؟ كنت طول الوقت حاسة إن حياتي مش بتاعتي… أنا مش ألارا، مش كده؟”

+

نديم (يحاول المقاطعة بصوت ضعيف):
ــ “كفاية يا ألارا! مش وقته الكلام ده!”

+

أدهم (بغضب):
ــ “قول الحقيقة! خليها تسمعك بعينها… مش كفاية اللي عملته فيها؟”

+

ينكسر نديم تحت الضغط. يجلس على كرسي قريب منه، يمرر كفه على وجهه بتعب وكأنه سقط عن كاهله جبل. ينظر لألارا نظرة طويلة مشحونة بالندم.

+

نديم (بصوت خافت):
ــ “إنتي عايزة تعرفي مين إنتي؟ طيب… هقول الحقيقة كاملة.”

+

أدهم (بحدة):
ــ “قول.”

+

نديم (يأخذ نفسًا عميقًا):
ــ “من سنتين، كنت راجع من زيارة لصديق في القصاصين… كان بيملك مستشفى استثماري هناك. الطريق كان ضلمة وهادي… سمعت صوت أنين… أنزل ألاقيكي إنتي… كنتي مرمية وسط الأرض الزراعية، و هدومك متقطعة… كنتي بين الحياة والموت..
وفجأة افتكرت الحادثة اللي ماتت فيها بنتي ألارا في تركيا الحادثة اللي دمرت حياتي كلها…كنت مخبي خبر موتها عن أخويا و مكنتش عارف أتصرف ازاي في املاكي لو عرف انها ماتت.. كان بيحاول معايا بكل الطرق انه يجوزها لمروان و انا كنت بتهرب منه..كان هيقتلني لو عرف ان بنتي ماتت في سبيل انه يورثني ”

+

 

ألارا (بدهشة ودموع تملأ عينيها):
ــ “وبعدين؟!”

+

نديم (بصوت منكسر):
ــ “أخدتك على مستشفى الدكتور شاكر… كنتي فاقدة الذاكرة… ما فيش اسم ولا أهل ولا هوية… وقتها، حسيت إن القدر قدملي حل لمشكلتي… كنت خايف من ابو مروان.. أخويا ده كان وحش… لو عرف إن ألارا بنتي ماتت، كان هياخد كل حاجة…. كان يقدر يقتلني عشان الميراث!”

+

أدهم (بحزم):
ــ “واللي عملته ده كان مبرر؟!.. تخطف مراتي وتغير هويتها؟!”

+

نديم (بصوت محبط):
ــ “أنا ما كنتش عايز أضرها… صدقني، ما كنتش عايز أضرها! لكن كنت مجبر… طلعت أوراق جديدة لها… أقنعت نفسي إنها ألارا، بنتي، عشان أهرب من طمع أخويا… أخدتها معايا على تركيا وكملت حياتي بيها هناك.”

+

ألارا (تنهار باكية، تجلس على الأرض وهي تردد):
ــ “كذبت عليَّا… سنين وأنا عايشة كذبة… أنا… أنا مش بنتك؟”

+

نديم (يبكي أخيرًا وهو ينظر إليها):
ــ “سامحيني… أنا ما كنتش أب أستحقك. لكن كنت بحبك… كنت بحبك حتى لو مش بنتي.”

+

أدهم (وهو ينظر إلى ألارا/ندى بحزن):
ــ “كل حاجة هتتغير، يا ندى… إنتي مش لوحدك.”

+

+

المكان: ردهة النيابة العامة – وقت متأخر من الليل

+

ضجيج خافت يسود المكان، خطوات متسارعة لأشخاص يتحركون هنا وهناك. عند زاوية الرُدهة، جلست ألارا على أحد المقاعد الخشبية، ظهرها محني وكأن وزن العالم بأكمله سقط فوق كتفيها. كانت تائهة تمامًا، دموعها لا تتوقف عن الانهمار، كأنها تحاول بها غسل سنوات الخديعة والضياع.

+

وقف أدهم على بعد خطوات منها، عينيه لم تفارقها. مشاعره مختلطة بين الغضب، الشفقة، والحب الذي ظل دفينًا لسنوات. أخيرًا، أخذ نفسًا عميقًا وتقدم نحوها بخطوات ثابتة.

+

أدهم (بصوت هادئ لكنه حازم):
ــ “ندى.. قومي من هنا.”

+

رفعت رأسها ببطء، عيناها الحمراوان تنظران إليه وكأنها لا تعرفه. شفتاها ترتجفان قبل أن تهمس:
ــ “أنا… مش عارفة أنا مين… ولا ليه كل ده بيحصلي؟ أنا ضايعة يا أدهم… ضايعة.”

+

تنهار دفعة واحدة، دفنت وجهها بين كفيها وانفجرت في بكاء مرير هزَّ قلبه. لم يستطع أن يرى تلك القوة التي لطالما كانت تتظاهر بها تنهار بهذا الشكل. اقترب منها أكثر، جلس بجانبها، ثم مد ذراعيه بحنان ليجذبها إليه.

+

أدهم (بصوت دافئ وهو يحتضنها):
ــ “هششش… اهدي يا ندى، إنتي مش لوحدك… أنا معاكي.”

+

ألارا (وهي تهذي من بين شهقاتها):
ــ “أنا… مليش مكان… ولا بيت… ولا حد يسأل عني… أنا حتى مش عارفة أنا مين. سنين عايشة حياة مش بتاعتي! أنا مش ألارا، ومش ندى… أنا ولا حاجة!”

+

أدهم (بصوت عميق وهو يشدد من احتضانها):
ــ “كفاية، بقولك اهدي. إنتي ندى… ندى اللي فضلت أفتكرها كل يوم وكل لحظة، ندى اللي قلبي ما نسِهاش أبدًا… فاهمة؟ إنتي ليكي مكان، وليكي مأوى… وأنا هو مأواكي… أنا مش هسيبك تاني أبداً.”

+

 

تبدأ أنفاسها بالهدوء تدريجيًا وهي تستسلم لاحتضانه. كان دفء كلماته واحتواؤه بمثابة طوق نجاة لها وسط بحر هائج من الضياع.

+

ألارا (بهمس ضعيف):
ــ “أنا خايفة يا أدهم…”

+

أدهم (وهو يربت على ظهرها بحنان):
ــ “ما تخافيش… طول ما أنا جنبك، مش هيحصلك حاجة… هترجعي ندى، هترجعي لبيتك وحياتك… وهنبدأ من جديد.”

+

+

في منزل أدهم – وقت الفجر

+

دخل أدهم إلى منزله بعد ليلة قاسية من التحقيقات، وهو يسند ندى التي كانت لا تزال منهكة ومثقلة بالدموع.
المنزل غارق في السكون، وأضواء خافتة تملأ المكان. تيسير، سمعت صوت الباب يُفتح فخرجت من غرفتها بفضول، ثم توقفت في مكانها مصدومة.

+

تيسير (بصوت مرتجف وهي تضع يدها على صدرها):
ــ “ندى؟!”

+

تسمرت في مكانها، عيناها تجحظان وهي تحدق في الفتاة الواقفة بجانب أدهم. لم تكن تصدق ما تراه… لم تكن تصدق أن الفتاة التي كانت تبكي غيابها سنوات تقف أمامها حيّة تُرزق.

+

تيسير (بصوت مختنق):
ــ “مش معقول… إنتي ندى؟! ولا أنا بحلم؟”

+

رفعت ندى عينيها المرهقتين نحو تيسير، وكأنها تحاول تذكر ملامحها… ترددت للحظة، ثم هزت رأسها ببطء، دون أن تنطق بكلمة.

+

أدهم (بصوت هادئ):
ــ “هي ندى يا ماما… رجعت، ولو متأخر شوية.”

+

هنا، انفجرت تيسير بالبكاء، هرولت نحوها واحتضنتها بشدة وهي تهتف:
ــ “حمدلله على سلامتك يا بنتي! سنين وأنا بدعيلك… سنين والبيت ده ناقصه الروح… ما كنتش مصدقة إنك لسه عايشة!”

+

تبدأ ألارا بالبكاء مجددًا، لكنها هذه المرة تبكي في حضن تيسير كما لو أنها وجدت أمًّا تحتضنها بعد فراق طويل.

+

ألارا (وهي تبكي بحرقة):
ــ “ليه… ليه حصل فيا كل ده؟!”

+

أدهم (وهو يقف قريبًا منهما، صوته يملأ المكان بحزم ودفء):
ــ “اللي حصل خلاص انتهى… إنتي هنا دلوقتي، بين ناسك وفي بيتك.”

+

تيسير (تمسح دموعها وهي تقول بحنان):
ــ “أيوه يا بنتي، البيت ده بيتك… وكلنا معاكي.”

+

تجلس ندى على الأريكة، رأسها محني بينما تيسير تحضر لها كوبًا من الماء. أدهم ينظر إليها من بعيد، عيناه تعكسان مزيجًا من الألم والحنين، لكنه يشعر للمرة الأولى أن شيئًا من قلبه عاد إلى مكانه.

+

+

في غرفة أدهم قرب بزوغ الفجر..

+

جلس أدهم على طرف الفراش في غرفته، بينما جلست ندى على الأريكة القريبة. كانت ملامحها مرهقة، وعينيها تائهتين، لكنهما تحملان بريقًا من الترقب والخوف معًا. هو ينظر إليها بهدوء عميق، مزيج من الحب القديم والألم المتجدد يتراقص في عينيه.

+

 

أدهم (بصوت دافئ):
ــ “إنتي مش محتاجة تفكّري… أنا هفكّرك بكل حاجة.”

+

نظرت إليه بقلق، تحاول أن تستوعب كلماته. لمحت على وجهه ملامح الثقة التي أرعبتها أكثر.

+

ندى(بتردد):
ــ “إيه اللي بتحاول تثبته؟!”

+

نهض أدهم من مكانه ببطء، اقترب من خزانة صغيرة بجانب المكتب وأخرج صندوقًا خشبيًا قديمًا، نفخ عنه بعض الغبار، ثم جلس أمامها ووضعه على الطاولة.

+

أدهم (وهو يفتح الصندوق):
ــ “ده صندوقك يا ندى. كنتي بتحطي فيه حاجاتك اللي مش بتفارقك… شايفة؟”

+

أخرج من الصندوق حجابًا أبيض ناعمًا، رفعه برفق أمامها، ورائحته القديمة تملأ المكان.

+

أدهم (بصوت مشوب بالحنين):
ــ “كنتي بتحبي اللون الأبيض… دايمًا تقوليه نقاء وصفاء… ده كان أكتر حجاب بتحبيه وكنتي بتلبسيه في معظم المناسبات.. هدية من باباكي من مكة المكرمة”

+

توسعت عيناها وهي تحدق في الحجاب وكأنها تراه لأول مرة، لكن شيئًا دفينًا في داخلها جعله يبدو مألوفًا بشكل مؤلم.

+

ندى(بصوت مبحوح):
ــ “ده… كان من…بابا؟!”

+

أدهم (يهز رأسه بابتسامة حزينة):
ــ “أيوه، كان ليكي. مش بس كده…”

+

أخرج مجموعة من الكتب القديمة، كانت عليها بعض العلامات المكتوبة بخط أنيق.

+

أدهم (يضع الكتب بين يديها):
ــ “كنتي بتفضّلي كتب الفقه والشريعة. كنتي تقري فيهم بالساعات وتقولي إن العلم ده راحة للقلب والروح.”

+

رفعت ندى إحدى الكتب بيد مرتعشة، لمست الصفحة الأولى حيث كان اسمها مكتوبًا بخطها القديم:” ندى انور عبد الحميد”.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وكأن جدران الماضي بدأت تقترب منها لتطبق عليها.

+

ندى(بهمس):
ــ “ندى أنور…”

+

ابتسم أدهم وهو يراقب صدمتها المتصاعدة، ثم سحب جهاز اللاب توب من على المكتب، فتحه بسرعة وبدأ يستعرض مجلدًا يحتوي على صور قديمة.

+

أدهم (بصوت هادئ):
ــ “شوفي نفسك… شوفي ندى اللي أنا عرفتها وحبيتها.”

+

أدار الشاشة نحوها، فظهرت صورة لفتاة ترتدي الحجاب الأبيض، تبتسم بخجل تحت ضوء الشمس، بينما يقف أدهم بجانبها ممسكًا بيدها.

+

ندى(وهي تغطي فمها بيديها):
ــ “أنا…”

+

بدأ أدهم يقلب الصور، واحدة تلو الأخرى… ندى وهي تقرأ في مكتبتها الصغيرة.. ندى وهي تضحك برفقة أدهم… ندى في فستان بسيط وهي تحمل بين يديها مجموعة كتب.

+

أدهم (بصوت يفيض بالحنين):
ــ “كنتي أجمل مما تتخيّلي… جمالك مش في شكلك بس، كان في روحك، في ضحكتك، في عينيكي اللي كنت بشوف فيهم العالم كله.”

+

 

انهارت تمامًا وهي تحدق في الصور، دموعها تهطل بغزارة على وجنتيها. الآن فقط، بدأت ترى نفسها بعين جديدة. هذه الفتاة ليست ألارا التي تعرفها، لكنها ندى… ندى التي لا تتذكر عنها شيئًا، لكنها تشعر بها بكل خلية في جسدها.

+

ندى(وهي تبكي):
ــ “ليه ما افتكرتش؟ ليه كل ده ضاع مني؟! أنا مين… ندى ولا ألارا؟!”

+

اقترب أدهم منها، أمسك بيديها برفق وشدّ عليهما:

+

أدهم (بحزم وحنان):
ــ “إنتي ندى… ندى بتاعتي… حتى لو ضاعت الذكريات، في حاجات تانية ما بتضيعش… القلب ما بينساش.”

+

نظرت إليه من بين دموعها، كان وجهه أقرب إليها من أي وقت مضى. للحظة، شعرت بأن هذه اليد التي تمسك بيدها مألوفة، وهذا الصوت الذي يحيطها كان يومًا ما أمانها الوحيد.

+

ندى(بصوت مرتجف):
ــ “ساعدني… ساعدني أرجع.”

+

أدهم (بابتسامة دافئة):
ــ “وعد، هترجعي… وهكون جنبك كل خطوة لحد ما تفتكري نفسك.”

+

تستمر بالبكاء وهي تميل برأسها للأمام، وكأنها تهرب من هذا الكم الهائل من المشاعر التي غمرتها. أدهم يترك لها الفرصة للبكاء بينما عينيه تلمعان بدمعة رفض أن يُظهرها.

+

+

هدأت نوبة بكاء ندى تدريجيًا، لكن جسدها ما زال يرتعش. شعور بالضياع يسيطر عليها، وكأنها غريبة عن نفسها. كانت جالسة على الأريكة، ملامحها تائهة، تنظر إلى الحجاب الذي احتضنته بيديها كأنه جزء من هويتها المفقودة.

+

جلس أدهم على طرف الطاولة أمامها، عيناه لم تفارقا وجهها لحظة. كانت نظراته تحكي شوقًا عميقًا لم يتوقف منذ غيابها.

+

أدهم (بصوت دافئ مفعم بالحنين):
ــ “وحشني صوتك وأنتي بتزعقيلي عشان ما صليتش الفجر في وقته… كنتي تقوميني من عز نومي وتقوليلي: اللي يخاف على نفسه لازم يصحّح طريقه.”

+

رفعت عينيها إليه، دهشة خافتة ارتسمت في ملامحها. الكلمات لامست شيئًا عميقًا في وجدانها، لكنها ما زالت تتردد.

+

ندى (بهمس متقطع):
ــ “كنت بقول كده؟!”

+

أدهم (يبتسم بنبرة مشوبة بالألم):
ــ “أيوه… كنتي أكتر واحدة تشدني لطريق ربنا. حتى لما كنت أتعب وأقسى، كنتي تطلعي طاقة من صبرك تخليني أرجع أفوق… كنتي حضن بيتي اللي عمري ما حسّيت بأمانه غير معاكي.”

+

تراجعت ندى بظهرها قليلًا، كأنها تحاول صد هذا السيل من الذكريات، لكن عينيها فضحتا اضطرابًا بدأ يتلاشى أمام حنين غريب يقترب.

+

ندى(بصوت ضعيف):
ــ “أدهم… أنا حاسة إن في حاجات جوايا عايزة تخرج، بس مش عارفه… مخنوقة.”

+

وقف أدهم واقترب منها بحذر، جلس على طرف الأريكة بجوارها لكن ترك مسافة قصيرة تفصلهما. أراد أن يشعرها بالأمان دون أن يُثقل عليها.

+

أدهم (بصوت خفيض):
ــ “خدي وقتك يا ندى… مش لازم تفتكري كل حاجة دلوقتي… بس سيبي قلبك يشتاق… سيبيه يمشي لوحده، وهو هيرجعك لنفسك.”

+

رفعت وجهها إليه أخيرًا، نظراتها تحمل شيئًا مختلفًا هذه المرة. كأنها ترى في عينيه مرآة تعكس وجهًا قديمًا تعرفه، لكن لم تلمحه منذ زمن بعيد.

+

ندى(بتلعثم):
ــ “ليه ما بعدتش؟ ليه ما نسيتنيش؟”

+

أدهم (يبتسم بحزن):
ــ “إزاي أنسى اللي كانت بتبني فيّا كل يوم حتة جديدة؟.. إزاي أنسى اللي ما حسّتش طعم حياتي غير معاها؟.. إنتي كنتي كل شيء يا ندى… واللي زيك ما بيتنسيش.”

+

ساد الصمت للحظات، كل منهما غارق في مشاعره. أدهم كان يُمسك نفسه عن الانفجار بكل ما يحمله من شوق لها، بينما ندى كانت تحاول استيعاب كل كلمة، كل نظرة، وكل دفقة حنان تصل إليها.

+

أخيرًا، رفعت يدها ببطء نحو الحجاب الذي لا تزال تحتضنه، وأخذت تتأمله بحذر.

+

ندى (بصوت ضعيف لكنه أقرب للاقتناع):
ــ “لو كنت ندى… لو كنت فعلاً ندى… مش هسيبك تاني تضيع.”

+

أدمعت عينا أدهم، لكن ابتسامة دافئة ارتسمت على شفتيه وهو يضع يده برفق على يدها التي تحمل الحجاب.

+

أدهم (بهمس):
ــ “وأنا عمري ما هسيبك تاني… إحنا لسه هنرجع كل حاجة… خطوة خطوة.”

+

نظرت إليه وهي تحاول الابتسام وسط دموعها، لأول مرة بدأت تشعر وكأن هذا المكان، هذا الرجل، وكل ما يحيط بها… يخصها، يخص ندى، التي بدأت شيئًا فشيئًا تصدق أنها هي.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى