رواية مهمة زواج الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم دعاء فؤاد
رواية مهمة زواج الجزء الثالث والثلاثون
رواية مهمة زواج البارت الثالث والثلاثون

رواية مهمة زواج الحلقة الثالثة والثلاثون
بعد الكثير من الاقناع من قبل خالد وافق أدهم أخيراً على تقديم موعد الزفاف لبعد اسبوعين من اليوم و اتفقوا على بدء التحضيرات من الغد من شراء فستان الزفاف و حجز الفندق الذي سيقام فيه الحفل و طباعة الدعوات و ما إلى ذلك.
حين غادرت أسرة خالد استأذنت ريم من أسرتها بالدخول الى غرفتها لتنام فهي لم تنم بما فيه الكفاية حيث انشغلت بتجهيز نفسها لاستقبال خالد و أسرته، بالطبع كانت تلك حجتها للهرب منهم حتى لا يلاحظوا ندمها على قرارها المتهور… و لكن في كل الأحوال عنادها كان أقوى من أن يجعلها تتراجع.
بينما ندى تحججت بالدخول الى المطبخ لتعد لنفسها مشروبا ساخنا، فانتظر أدهم لحظات ثم دلف خلفها ليجدها واقفة أمام الموقد شاردة و لا تف
حتى انها لم تشعر به حين وقف خلفها منتظرا أن تلتفت له… و لكن لا حياة لمن تنادي.
أحاط خصرها بذراعيه من الخلف ففزعت من لمسته و همت لتستدير له إلا أنه ثبتها بجسده ثم همس بجوار أذنها:
ـــ متخافيش يا ندى.. دا أنا يا حياتي.
توترت أوداجها لتقول:
ـــ أدهم ميصحش كدا.. ممكن حد يدخل علينا فجأة.
قام بفك حجابها التي كانت ترديه أثناء تواجد الضيوف ثم حرر عقدة شعرها ليتنفس رائحته الذكية باستمتاع و هو يقول بنبرة هائمة و مازال محتضنها من الخلف:
ـــ متقلقيش محدش هيدخل… ريم نامت و ماما بتصلي القيام في قوضتها و وفاء مشيت..
ترك خصرها و امتدت يديه ليمسكا يديها المتدلية بجانبها فشعر ببرودتهما، فتجعد جبينه باستغراب:
ـــ مالك يا ندى… ايديكي باردة كدا ليه؟!
لم ترد و قد بدا عليها التوتر الشديد فظن ان ذلك بسبب خوفها من لقائهما المرتقب.
حانت منه ابتسامة عاشقة حين وردت على رأسه تلك الفكرة فضم جسده اليها أكثر ثم قال بنبرة زلزلت كيانها:
ـــ ندى أنا بحبك.. و من اللحظة اللي قلبي دقلك فيها و أنا مستني الليلة اللي هنكمل بعض فيها و نكون روح واحدة.. مينفعش تخافي مني أصلاً.. يعني المفروض انتي كمان تكوني حاسة باللي حاسس بيه دلوقتي.
بدأت عينيها تتلألأ بالدموع، لو يعلم كم تمنت تلك اللحظة وانتظرتها لما ظن تلك الظنون الخاطئة.
لو يعلم أنها تريد أن تندمج مع جسده كعطره بلا خجل أو حياء لما قال لها ذلك.
و لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، و الفراق قادم لا محالة.
استرسل كلامه بمزيد من الاشتياق و يديه تضغط على كفيها:
ـــ ضيعنا وقت كتير أوي يا حبيبتي… كفايا بعاد بقى.. قلبي معادش مستحمل بعدك عني.. دايما وحشاني رغم اننا عايشين تحت سقف واحد… بس الظروف دايما بتبعدنا لدرجة اني ساعات بحس ان مش مكتوبلنا نكون لبعض.. بس برجع و استعيذ بالله من الشيطان و بحاول أقنع نفسي انها مسألة وقت مش أكتر.
كلماته أشعلت فتيل همومها المكبوتة بداخلها منذ تلك الحادثة اللعينة فجاهدت عبراتها لألا تسقط، فيبدو أن شعوره في محله تماماً.
تركها على مضص فاستدارت لتواجهه بعدما حاولت السيطرة على كآبتها لتبدو طبيعية، فتحدث بنبرة ذات مغذى:
ـــ أنا هدخل آخد شاور و أغير هدومي…
انحنى ليطبع قبلة على وجنتها ثم قال بغمزة عين:
ـــ هستناكي
أومأت برأسها و انتظرته حتى خرج من المطبخ و دلف غرفته، فسقطت على الأرضية متكومة على نفسها ثم انخرطت في بكاء مرير…. أبعد أن امتلكت قلبه و أصبح اللقاء وشيكا تنهار آمالها لتذهب مجددا الى نقطة البداية؟!.. و لكن تلك المرة ستكون ذهابا بلا عودة.
بعد دقائق قليلة خرجت من المطبخ ثم ذهبت مباشرة الى غرفتها و جلست قليلا تفكر في حجة لتمرر بها الليلة دون أن يلتقيا كما أخبرها مسبقاً.
و في تلك اللحظة رن هاتفها برقم غير مسجل فارتعش جسدها من الخوف ثم لمست أيقونة الاجابة بيد مهتزة لتجيب المتصل:
ـــ ألو..
رد عليها رجل يقول بنبرة مخيفة:
ـــ الباشا بيقولك قدامك يومين بالظبط و تنفذي اللي قولنالك عليه.
انهمرت دموعها بغزارة لتقول برجاء:
ـــ لا لا مش هينفع والله… بالله عليك استنى بس بعد ما فرح اخته يعدي.. انا مش ههرب منكم ولا عندي استعداد أخسر أدهم بس اديني بس اسبوعين على ما الفرح يعدي.
سكت الرجل قليلا ينتظر رأي سيده الذي أومأ له بالموافقة، فرد عليها بنبرة تحذيرية:
ـــ الباشا بيقولك تاني يوم الفرح الصبح لو ما سيبتيش البيت و سلمتينا الحاجة يبقى انتي كدا بتحكمي بموت حبيب القلب.
ردت باندفاع:
ـــ لا أدهم لاأ… هسيب البيت و مش هيشوف وشي تاني ولا هيعرف أي حاجة و هعمل كل اللي هتقول عليه… بس الله يخليك متأذيهوش..
ـــ تمام يا بنت أنور باشا.
اغلقت الهاتف و تجعدت ملامحها باشمئزاز و هي لازالت تبكي بحرقة…
و في الناحية الأخرى..
طال انتظاره لها حتى تسلل اليه الشعور بالضيق و بدأ يزفر أنفاسه بعنف من ملل الانتظار… ترى لما لم تأتي بعد؟!
حين ضاق ذرعا من الانتظار لم يجد بد من تفقدها لعل هناك أمراً ما.
طرق الباب و دلف مباشرة فقامت باخفاء الهاتف سريعا اسفل الوسادة، فنظر لها باستغراب بعدما لمح وجنتيها المبللتين بالدموع و ركض اليها مذعورا ليحيطها بذراعيه و هو يقول بقلق:
ـــ مالك يا ندى بتعيطي ليه.
لم تستطع منع عينيها من البكاء مجددا خاصة بعدما شعرت بدفئ حضنه التي ستحرم منه.
أخذ يمسد على شعرها و ظهرها و هو يضمها الى صدره أكثر و يسألها بقلق:
ـــ مالك بس يا حبيبتي… في حاجه بتوجعك؟!
فقط هزت رأسها بايجاب فسألها و هو مازال يمسد على ظهرها:
ـــ طاب ايه اللي بيوجعك.
وضعت يدها على قلبها فازداد نحيبها أكثر و هي تخفي وجهها بصدره ثم سرعان ما أنزلت يدها لبطنها و هي تقول ببكاء:
ـــ بطني بتوجعني.
ـــ بتوجعك من ايه؟!.. يعني واخدة برد ولا ايه بالظبط؟!
ـــ عندي مغص.. مغص يا أدهم..
ـــ طاب البسي و تعالي نروح لدكتور.
ردت بتوتر و هي تقول بكذب:
ـــ لا المغص دا مش محتاج دكتور.. أنا عارفة سببه… هاخد حاجة مسكنة و اشرب حاجة دافية و ان شاء الله هبقى كويسة.
رد بانفعال طفيف:
ـــ طاب عرفيني ايه السبب عشان اكون مطمن عليكي.
نظرت له بخجل و هي لا تدري كيف تشرح له ذلك الأمر و لو بالكذب، فردت و بؤبؤي عينيها يتحركان بعشوائية:
ـــ مغص.. يعني… بيحصل لكل البنات.
سكت قليلا يحاول فهم ما تقصده الى أن فهم بالفعل ما ترنو إليه، فهز رأسه باحباط و هو يقول بوجه متجهم:
ـــ اااه فهمت… تمام.. ألف سلامة عليكي.
نظرت اليه و هي تشعر نحوه بالذنب لتسأله بترقب:
ـــ انت زعلت يا أدهم؟!
حانت منه شبه ابتسامة ثم نظر لها بملامح عادية و هو يقول:
ـــ لا أبداً يا حبيبتي.. دي حاجة انتي مالكيش ذنب فيها.
عادت تدفن رأسها في صدره بينما هو يردد في نفسه “يا الله لسة مآنش الأوان…الصبر”
باغتها بسؤاله بنبرة محبطة:
ـــ فاضل كام يوم؟!
بهتت من سؤاله و من اضطرارها للكذب عليه للمرة التي لم تعد تعرف عددها…لترد عليه بضمير معذب:
ـــ خمس أيام.
زفر أنفاسه على مهل محاولا السيطرة على ضيقه ثم أسند ذقنه الى رأسها و ظلا على هذا الوضع إلى أن غلبهما النوم و سقطت رأسيهما على الوسادة.
كان معتصم يتفقد خيوله في اسطبل الخيول حين أقبل عليه خفيره سمعان يخبره بأن حمد يضب أغراضه و ملابسه مصرا على المغادرة الليلة.
ترك ما بيده و ركض اليه و هو يسب غباء شقيقه و تهوره الذي ليس له أي داعي.
بعد دقائق فتحت له صافية الباب ليجد أثار البكاء على وجهها ليسألها:
ـــ انتي لساتك ابتبكي يا صافية؟!
ردت بعدما أجهشت في البكاء من جديد:
ـــ حمد بيلم هدوماته و هيسافر برة البلد يا كبير؟!
ـــ برة البلد كيف يعني؟!
تخطاها ليدخل الى غرفة شقيقه، و راح ينهره بحدة و هو يجمع أغراضه بحقيبة كبيرة:
ـــ انت بتعمل ايه يا حمد؟!
رد بلامبالاة:
ـــ زي ما انت شايف كدا… هسافر القاهرة الليلة عشان من الصبح هبدأ في اجراءات السفر لـ لندن؟!
ـــ نعم ياخويا؟!.. لندن؟!.. احنا هنرجع تاني للكلام الفارغ دا؟!
ألقى بذلك القميص الذي كان يضعه بالحقيبة بعصبية ثم نظر له بحدة و هو يقول:
ـــ أنا خلاص خدت قراري و مش راجع فيه.. و مفيش قدامي وقت.. الدراسة بدأت بقالها اسبوعين.
صاح به بانفعال:
ـــ ماقولتلك ميت مرة حضر الماچيستير هنا و انت كنت اقتنعت.. ايه علاقة اللي حصل بينك و بين مراتك بقرارك دا يا حمد؟!
ـــ عشان أريحكم مني خالص..
سكت معتصم يناظره بغضب يود لو يكسر رأسه، فهتف به حمد برجاء:
ـــ معتصم عشان خاطري متقفش في طريقي… أنا لو مسافرتش مش هيحصل طيب.. و الانسانة اللي برا دي مش هخليها على ذمتي بعد اللي عملته النهاردة… فسيبني بقى ابعد بدل ما أعملها و اطلقها و أجرسكم في البلد.
ـــ هو لوي دراع يا حمد؟!
ـــ مش لوي دراع ولا حاجة… بس أنا فعلا اتقفلت منها و من البلد كلها… سيبني أفصل شوية بقى و احاول انسى اللي حصل.
ـــ طاب ما انت كنت هتسافر مصر بكرة.. و اهو هتكون بعيد عنها برضو.
ـــ يا سيدي و انا عايز أكمل دراسات عليا.. طموحي موديني على لندن و الفرصة لسة قدامي و التقديم لسة مفتوح…و مش عايز أضيع الفرصة دي بعد اذنك يا معتصم.
ـــ أمك هتزعل و مش بعيد تتعب يا حمد
ـــ هتزعل شوية و بعد كدا هتتعود..و انا هقنعها متقلقش.
كان ذلك الحوار دائرا و يبدو على حمد الاصرار حيث لم يتوقف طيلة حديثه عن جمع ملابسه و أغراضه و أوراقه الضرورية..
ـــ طاب سافر الصبح.. يابني الصباح رباح.
ـــ يوووه يا معتصم..ياخي بقى سيبني براحتي..قولتلك مفيش قدامي وقت كتير…و ممكن تخرج عشان أغير هدومي؟!
نظر له و هو يغلي من الغيظ ثم تركه و غادر غير راضيا تماما عما هو مقدم عليه من تهور.
هبط الى أمه التي كانت تبكي منذ أن علمت بذلك الخبر، ليجلس بجوارها ثم انحنى يقبل يدها و رأسها و قال بجدية:
ـــ متحزنيش نفسك يا امايا… حمد مچروح و ف نفس الوجت محروچ من الكلام اللي صافية جالته جدامنا… مكانيش يصح منيها تجول الكلام ده في وچودنا.
أخذت تمسح وجهها من الدموع و هي تقول:
ـــ طاب خليه يجعد و ينسى اللي حوصل يا ولدي و اني مش راح أتحدت امعاه واصل فيه.
ربت على كتفها:
ـــ معلهش ياما خلي جلبك چامد اكده و سيبيه يچرب يجعد بعيد عنيها هبابة… يمكن يعجل و ربنا يهديه… ما انتي خابرة انه مكانيش رايدها من الاول… اهم حاچة تفضل على ذمته و تعيش وسطينا.
أخذت تهز رأسها بحسرة و هي ما زالت تبكي، فاسترسل معتصم حديثه بنبرة جادة:
ـــ مجداميش حل يامايا غير اني ابعت صافية لعيشة في مصر تكمل مدرستها هناك كيف ما ابونا اللي يرحمه عمل امعانا…يمكن لما تتعلم و يبجى معاها شهادة كبيرة حمد يحس انها اتغيرت و بجت تليق بيه بحق.
ردت أمه بذهول:
ـــ باه…هنعيده تاني يا معتصم…مصر عتاخدكم كلكم من حضني يا ولدي؟!
قبل كفها و هو يقول برجاء:
ـــ على عيني و الله يا ست الحبايب…بس حمد مش راح يجبل بصافية غير لما تبعد عن امها و دماغها اللي زي الصرمة الجديمة دي تتنور و تفهم كيف الخلج…
نظر أمامه ليقول بتفكير:
ـــ أني خابر انه مش هيكون سهل عليكي ولا عليها يامايا..بس هو تحدي و يا نكسبه يا نخسره
بالفعل نفذ حمد ما نوى عليه و حين وصل القاهرة في الصباح الباكر بدأ مباشرة في اجراءات سفره الى لندن كسائح على أن يكمل اجراءات تقدمه لدراسة الماچيستير هناك بعد وصوله الأراضي البريطانية.
لم يخبره معتصم بنيته في استكمال صافية لدراستها في القاهرة، فقد أوصى عائشة بتقديم اوراقها في احدى مدارس الثانوية العامة الدولية (international) و الاتفاق مع احدى مدرسات الايتيكيت لتدريبها على التحدث و التعامل بلباقة لعلها تتحرر من قوقعة الجهل التي حبستها بها أمها و تليق برجل الأعمال المستقبلي حمد البدري.
قضى معتصم أسبوعا مع أمه محاولا خلال تلك الأيام القلائل نسيان من أحبها و لكن كيف و كل مكان في البلدة تذكره بها.
حتى تلك المهرة الصغيرة التي يقضي ساعات طوال بصحبتها أكثر ما تذكره بها، فقد أسمتها على اسمها “ريمان”…
تنهد بعمق و هو يمسح على رأسها و يحدثها و كأنها تفهمه:
ـــ مش قادر أصدق اللي حصل…عقلي لحد دلوقتي مش مستوعب انها كانت بتمثل عليا عشان خايفة مني…ريم مستحيل تخاف مني…أنا حافظها أكتر من نفسي…معقول كانت بتقول كدا عشان تخليني أبعد عنها؟!…لا لا لا…كانت هتقولي في وشي عادي..مكانتش هتخاف…أيوة يا مهرتي الحلوة مكانتش هتخاف..أنا بالنسبالها الأمان…و الذكريات اللي بينا تشهد بكدا.
أخذ يردد عبارته الأخيرة و هو ينظر أمامه شاردا في اللاشيئ الى أن تعب و عاد الى غرفته ليستعد صباح الغد للعودة الى القاهرة و معه زوجة أخيه.
قام راغب بالاتصال بنرمين يطلب منها مقابلتها و حين راوغته و تهربت منه قام بتهديدها باخبار معتصم بكل شيئ فوافقت على الفور.
تخفت ليلا لتقابله في المحل الخاص بتجارته في الإلكترونيات..
ـــ ايه يا مدام نرمين… انتي فاكرة انك هتعرفي تهربي مني؟!.. انا كام مرة اكلمك و اقولك عايز حقي..
ردت بحدة طفيفة:
ـــ حق ايه اللي انت عايزه… كل حاجة عملتها أخدت تمنها و زيادة.
ضيق عينيه بشر:
ـــ تمن سكوتي يا هانم.. كل حاجة متسجلة عندي… مكالماتك و رسايلك حتى الفيديو اللي اتصور ليكي انتي و الباشا و اتبعت لحبيبته…
بهتت من كلامه و جف حلقها حين تخيلت أن يكتشف معتصم مصائبها في حقه، فنظرت له بتغيظ قليلا ثم سألته بقلة حيلة:
ـــ عايز كام؟!
رد بعنجهية و طمع:
ـــ عربية بورش موديل السنة.
اتسعت عينيها بصدمة لتقول بذهول:
ـــ نعم؟!.. انت اتجننت؟!.. انت عارف تمنها يبقى كام؟!
رد بنبرة بها لمحة من التهديد:
ـــ يبقى زي ما يبقى.. انتي برضو مش شوية.
سكت قليلا تنظر له بغضب بالغ و هي تشعر بالعجز… ثم قالت بحدة:
ـــ و أنا ايه اللي يضمنلي انك مترجعش تهددني تاني؟!
ـــ متقلقيش أنا هصفي شغلي و هسافر برا و مش هتشوفي وشي تاني…
ـــ كلامك دا مش كفاية.
حك ذقنه بتفكير لبرهة ثم قال:
ـــ هفرمط موبايلي و كل اللي معايا ليكي قدام عنيكي… أظن كدا عداني العيب؟!
هزت رأسها بايجاب ثم قالت باستسلام:
ـــ تمام… بكرة هبعتلك عنوان المعرض اللي بتعامل معاه و انا هكلم صاحب المعرض عشان اشرحله اللي انت عايزه… اختار عربيتك و اكتب عقدك و انا هحاسبه.
حانت منه ابتسامة انتصار بعدما وصل لما أراده و خطط له منذ التقى بها و شعر بمدى ثرائها
استغلت نرمين فرصة سفر معتصم و عدم وجوده بالشركة و قامت بالاتصال بصاحب معرض السيارات و شرحت له الأمر ثم في الأخير طلبت منه انهاء ذلك الأمر على وجه السرعة قبل عودة معتصم من بلدته و إرسال الفاتورة مع صورة من العقد الى سكرتيرتها الخاصة بمكتبها و أكدت عليه عدم تسليمه لأي شخص سواها حتى لا تقع في يد الشخص الخطأ
مر ذلك الاسبوع و كان أدهم ينتظر من ندى ان تفاجئه بطريقة ما و لكن يبدو أنها انشغلت كثيراً بدراستها و انتهت المدة التي أخبرته بها و لكن لا جديد بأحوالهما…فمازال البعد قائم..
تناولوا العشاء و تحدثوا في أحاديث جانبية تخص الاستعداد لزفاف ريم، و حين حان وقت النوم ذهبت كل من ريم و تيسير الى غرفتيهما، بينما بقي أدهم يجلس قبالة ندى يناظرها بنظرات غامضة ينتظر رد فعلها القادم… لقد وضعها في مأذق صعب.. ترى كيف عساها أن تتصرف… كيف ستهرب منه تلك المرة و بأي حجة؟!.. لقد انتهت كل حججها.
و لكن أدهم أقسم بينه و بين نفسه أنه ان أحس منها رغبة في الابتعاد سيبتعد و لن يعاتبها حتى… فقد طفح الكيل.
توترت ندى للغاية و أخذت تفرك كفيها بارتباك و هي تفكر في حجة جديدة تتحجج بها تحت نظرات أدهم المصوبة تجاهها و لسان حاله يقول “و ماذا بعد؟!”
تظاهرت بالتعب و أخذت تتثائب عدة مرات لتقول بتمثيل:
ـــ تعبت اوي النهاردة في الكلية و كمان لفينا كتير انا و ريم في المولات… اه مش قادرة افتح عينيا من الصداع.
نظر لها بخواء، لأول مرة يعرف أنها تجيد التمثيل و لكن كذبتها لم تنطلي عليه و أيقن أنها بالفعل تحاول تأجيل اللقاء لا يدري لما… و لكن هو لن يموت شوقا لها… و ليكن لها ما أرادت.
نهضت لتسير باتجاه غرفتها و هي تقول:
ـــ معلش بقى يا أدهم أنا هنام لأني خلاص مش قادرة أقعد اكتر من كدا.
لم يبدي أية ردة فعل الأمر الذي زادها قلقا و توترا، و حين عبرت من جانبه و أدبرت عنه نهض ليسير خلفها ثم جذبها من معصمها بقوة فاستدارت اليه بتلقائية ليرتطم جسدها بصدره، فنظر لها مطولا نظرة غامضة و ملامحه متجهمة و جبينه مجعد متنفسا بوتيرة عالية الى أن نطق أخيرا بنبرة حادة:
ـــ مالهاش لازمة الحجج الفارغة دي كلها… اذا كنتي مش عايزاني قيراط… فانا مش عايزك ٢٤… و يا ريت تعتبريني مش موجود معاكي في البيت دا.. و هنرجع تاني لنقطة البداية يا ندى.
نزعت معصمها من يده و هي تنظر له بتحدي ظاهريا و لكن قلبها يتمزق داخليا ثم قالت بكذب:
ـــ يكون أحسن… أنا أصلا مكنتش مستعدة للخطوة دي و كنت حاسة انك عايز تجرب و بس.. و كلامك دا أثبتلي شكوكي.
أخذ ينظر لها بعدم تصديق من تغيرها الجذري في طريقة تفكيرها و كلامها… ترى ما الذي أودى بها الى تلك الحالة الغريبة…
اقترب منها بشدة ليقول بصوت كالفحيح:
ـــ انتي استحالة تكوني ندى اللي حــ…
بتر كلمته ثم ابتلع ريقه مسترسلا بوجع:
ـــ امشي..امشي من قدامي….و انتي من النهاردة مجرد أمانة مسؤليتي اني أحافظ عليها و بس.
نظرت له باستجداء و عينيها ممتلئة بالدموع و لكنها لم تنكر كلامه.. لم تدافع عن نفسها… فهذا تماما ما أرادت أن تصل إليه و قد سهل عليها المهمة.
تركها واقفة بمكانها و سار الى غرفته بخطى سريعة و هو يشعر و كأنه على حافة الانهي
بعد الكثير من الاقناع من قبل خالد وافق أدهم أخيراً على تقديم موعد الزفاف لبعد اسبوعين من اليوم و اتفقوا على بدء التحضيرات من الغد من شراء فستان الزفاف و حجز الفندق الذي سيقام فيه الحفل و طباعة الدعوات و ما إلى ذلك.
حين غادرت أسرة خالد استأذنت ريم من أسرتها بالدخول الى غرفتها لتنام فهي لم تنم بما فيه الكفاية حيث انشغلت بتجهيز نفسها لاستقبال خالد و أسرته، بالطبع كانت تلك حجتها للهرب منهم حتى لا يلاحظوا ندمها على قرارها المتهور… و لكن في كل الأحوال عنادها كان أقوى من أن يجعلها تتراجع.
بينما ندى تحججت بالدخول الى المطبخ لتعد لنفسها مشروبا ساخنا، فانتظر أدهم لحظات ثم دلف خلفها ليجدها واقفة أمام الموقد شاردة و لا تفعل أي شيئ.
حتى انها لم تشعر به حين وقف خلفها منتظرا أن تلتفت له… و لكن لا حياة لمن تنادي.
أحاط خصرها بذراعيه من الخلف ففزعت من لمسته و همت لتستدير له إلا أنه ثبتها بجسده ثم همس بجوار أذنها:
ـــ متخافيش يا ندى.. دا أنا يا حياتي.
توترت أوداجها لتقول:
ـــ أدهم ميصحش كدا.. ممكن حد يدخل علينا فجأة.
قام بفك حجابها التي كانت ترديه أثناء تواجد الضيوف ثم حرر عقدة شعرها ليتنفس رائحته الذكية باستمتاع و هو يقول بنبرة هائمة و مازال محتضنها من الخلف:
ـــ متقلقيش محدش هيدخل… ريم نامت و ماما بتصلي القيام في قوضتها و وفاء مشيت..
ترك خصرها و امتدت يديه ليمسكا يديها المتدلية بجانبها فشعر ببرودتهما، فتجعد جبينه باستغراب:
ـــ مالك يا ندى… ايديكي باردة كدا ليه؟!
لم ترد و قد بدا عليها التوتر الشديد فظن ان ذلك بسبب خوفها من لقائهما المرتقب.
حانت منه ابتسامة عاشقة حين وردت على رأسه تلك الفكرة فضم جسده اليها أكثر ثم قال بنبرة زلزلت كيانها:
ـــ ندى أنا بحبك.. و من اللحظة اللي قلبي دقلك فيها و أنا مستني الليلة اللي هنكمل بعض فيها و نكون روح واحدة.. مينفعش تخافي مني أصلاً.. يعني المفروض انتي كمان تكوني حاسة باللي حاسس بيه دلوقتي.
بدأت عينيها تتلألأ بالدموع، لو يعلم كم تمنت تلك اللحظة وانتظرتها لما ظن تلك الظنون الخاطئة.
لو يعلم أنها تريد أن تندمج مع جسده كعطره بلا خجل أو حياء لما قال لها ذلك.
و لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، و الفراق قادم لا محالة.
استرسل كلامه بمزيد من الاشتياق و يديه تضغط على كفيها:
ـــ ضيعنا وقت كتير أوي يا حبيبتي… كفايا بعاد بقى.. قلبي معادش مستحمل بعدك عني.. دايما وحشاني رغم اننا عايشين تحت سقف واحد… بس الظروف دايما بتبعدنا لدرجة اني ساعات بحس ان مش مكتوبلنا نكون لبعض.. بس برجع و استعيذ بالله من الشيطان و بحاول أقنع نفسي انها مسألة وقت مش أكتر.
كلماته أشعلت فتيل همومها المكبوتة بداخلها منذ تلك الحادثة اللعينة فجاهدت عبراتها لألا تسقط، فيبدو أن شعوره في محله تماماً.
تركها على مضص فاستدارت لتواجهه بعدما حاولت السيطرة على كآبتها لتبدو طبيعية، فتحدث بنبرة ذات مغذى:
ـــ أنا هدخل آخد شاور و أغير هدومي…
انحنى ليطبع قبلة على وجنتها ثم قال بغمزة عين:
ـــ هستناكي
أومأت برأسها و انتظرته حتى خرج من المطبخ و دلف غرفته، فسقطت على الأرضية متكومة على نفسها ثم انخرطت في بكاء مرير…. أبعد أن امتلكت قلبه و أصبح اللقاء وشيكا تنهار آمالها لتذهب مجددا الى نقطة البداية؟!.. و لكن تلك المرة ستكون ذهابا بلا عودة.
بعد دقائق قليلة خرجت من المطبخ ثم ذهبت مباشرة الى غرفتها و جلست قليلا تفكر في حجة لتمرر بها الليلة دون أن يلتقيا كما أخبرها مسبقاً.
و في تلك اللحظة رن هاتفها برقم غير مسجل فارتعش جسدها من الخوف ثم لمست أيقونة الاجابة بيد مهتزة لتجيب المتصل:
ـــ ألو..
رد عليها رجل يقول بنبرة مخيفة:
ـــ الباشا بيقولك قدامك يومين بالظبط و تنفذي اللي قولنالك عليه.
انهمرت دموعها بغزارة لتقول برجاء:
ـــ لا لا مش هينفع والله… بالله عليك استنى بس بعد ما فرح اخته يعدي.. انا مش ههرب منكم ولا عندي استعداد أخسر أدهم بس اديني بس اسبوعين على ما الفرح يعدي.
سكت الرجل قليلا ينتظر رأي سيده الذي أومأ له بالموافقة، فرد عليها بنبرة تحذيرية:
ـــ الباشا بيقولك تاني يوم الفرح الصبح لو ما سيبتيش البيت و سلمتينا الحاجة يبقى انتي كدا بتحكمي بموت حبيب القلب.
ردت باندفاع:
ـــ لا أدهم لاأ… هسيب البيت و مش هيشوف وشي تاني ولا هيعرف أي حاجة و هعمل كل اللي هتقول عليه… بس الله يخليك متأذيهوش..
ـــ تمام يا بنت أنور باشا.
اغلقت الهاتف و تجعدت ملامحها باشمئزاز و هي لازالت تبكي بحرقة…
و في الناحية الأخرى..
طال انتظاره لها حتى تسلل اليه الشعور بالضيق و بدأ يزفر أنفاسه بعنف من ملل الانتظار… ترى لما لم تأتي بعد؟!
حين ضاق ذرعا من الانتظار لم يجد بد من تفقدها لعل هناك أمراً ما.
طرق الباب و دلف مباشرة فقامت باخفاء الهاتف سريعا اسفل الوسادة، فنظر لها باستغراب بعدما لمح وجنتيها المبللتين بالدموع و ركض اليها مذعورا ليحيطها بذراعيه و هو يقول بقلق:
ـــ مالك يا ندى بتعيطي ليه.
لم تستطع منع عينيها من البكاء مجددا خاصة بعدما شعرت بدفئ حضنه التي ستحرم منه.
أخذ يمسد على شعرها و ظهرها و هو يضمها الى صدره أكثر و يسألها بقلق:
ـــ مالك بس يا حبيبتي… في حاجه بتوجعك؟!
فقط هزت رأسها بايجاب فسألها و هو مازال يمسد على ظهرها:
ـــ طاب ايه اللي بيوجعك.
وضعت يدها على قلبها فازداد نحيبها أكثر و هي تخفي وجهها بصدره ثم سرعان ما أنزلت يدها لبطنها و هي تقول ببكاء:
ـــ بطني بتوجعني.
ـــ بتوجعك من ايه؟!.. يعني واخدة برد ولا ايه بالظبط؟!
ـــ عندي مغص.. مغص يا أدهم..
ـــ طاب البسي و تعالي نروح لدكتور.
ردت بتوتر و هي تقول بكذب:
ـــ لا المغص دا مش محتاج دكتور.. أنا عارفة سببه… هاخد حاجة مسكنة و اشرب حاجة دافية و ان شاء الله هبقى كويسة.
رد بانفعال طفيف:
ـــ طاب عرفيني ايه السبب عشان اكون مطمن عليكي.
نظرت له بخجل و هي لا تدري كيف تشرح له ذلك الأمر و لو بالكذب، فردت و بؤبؤي عينيها يتحركان بعشوائية:
ـــ مغص.. يعني… بيحصل لكل البنات.
سكت قليلا يحاول فهم ما تقصده الى أن فهم بالفعل ما ترنو إليه، فهز رأسه باحباط و هو يقول بوجه متجهم:
ـــ اااه فهمت… تمام.. ألف سلامة عليكي.
نظرت اليه و هي تشعر نحوه بالذنب لتسأله بترقب:
ـــ انت زعلت يا أدهم؟!
حانت منه شبه ابتسامة ثم نظر لها بملامح عادية و هو يقول:
ـــ لا أبداً يا حبيبتي.. دي حاجة انتي مالكيش ذنب فيها.
عادت تدفن رأسها في صدره بينما هو يردد في نفسه “يا الله لسة مآنش الأوان…الصبر”
باغتها بسؤاله بنبرة محبطة:
ـــ فاضل كام يوم؟!
بهتت من سؤاله و من اضطرارها للكذب عليه للمرة التي لم تعد تعرف عددها…لترد عليه بضمير معذب:
ـــ خمس أيام.
زفر أنفاسه على مهل محاولا السيطرة على ضيقه ثم أسند ذقنه الى رأسها و ظلا على هذا الوضع إلى أن غلبهما النوم و سقطت رأسيهما على الوسادة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)