روايات

رواية مشاعر موقدة الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطيما يوسف

رواية مشاعر موقدة الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطيما يوسف

رواية مشاعر موقدة الجزء السادس عشر

رواية مشاعر موقدة البارت السادس عشر

مشاعر موقدة
مشاعر موقدة

رواية مشاعر موقدة الحلقة السادسة عشر

ـ شفت يا بابا آخر دلعك لـ”رسلان” وصلت لحد فين احنا اتفضحنا على السوشيال ميديا وفي كل مكان بسبب انه ما بيعرفش يسيطر على حاله ، انا قلت له 100 مرة ابعد عن الناس ابعد عن اي حد متعرفهوش، حاول تتجنب الكاميرات اللي بتبقى حواليك في كل مكان وفي الاخر هيلبس قضية شرف من الناس بسبب انه كان ماسكها وبيهزها بعنـ.ـف في الفيديو اعمل انا ايه في البلوة اللي انا فيها دي انا تعبت ؟!

اندهش أبيها مما استمع إليه لـيطلب منها وهو يمد يده وهو ينهرها على ضيقها الزائد عن اللازم كالمعتاد :

ـ ممكن تهدي وبطلي شغل تفخيم الأمور والعصبية الزايدة عن اللازمة دي وتوريني الفيديو اللي إنتِ بتتكلمي عنه قبل ما نتناقش في أي حاجة .
2

كانت تهز قدميها بعـ.ـنف وهي لم تستطيع السيطرة على ضيقها فهي لا تحب المشاكل حتى لا تصبح عرضة للتنمر من صديقاتها أعضاء الجمعية الخيرية فهم يتمنون لها كل الشـ.ـر كي تسقط وتمسك إحداهن مكانها وكما أن زوجها في وظيفة حساسة وجميع العيون عليه ثم امسكت الهاتف وأتت بالفيديو ووجهت شاشته إلى والدها فأخذه منها على الفور وبدأ يشاهده وهو يشعر بالاستياء ممن فعل ذلك ثم أعطاها الهاتف مردداً بضيق :

ـ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !
هي حياة الناس وخصوصيتها بقت عرضة لكل من هب ودب يقتحم المجالس لأي حد حتى لو كانت في مكان عام ويصوروهم ويفضحوهم على المواقع دي ؟!

وأكمل بضيق وهو يضرب كفاً بكفٍ ولكن ما أدهشه اللقطة الأخيرة في الفيديو ويبدو انها حديثه للتو لأن “رسلان” لم يبلغه بها ثم حاول تهدئة ابنته الثائرة التي قامت من مكانها تجوب المكان ذهاباً وإياباً وما زال الغضب يسيطر عليها وهي تقرا التعليقات وتفتح جميع الصفحات حتى انتشر الفيديو بسرعة البرق وكأنهم يتسابقون على من يقوم بنشره أولاً كي يحصل على التفاعلات :

ـ يا بنتي العصبية دي مش هتحل ولا هتربط اقعدي بقى علشان نكلم الولد نطمن عليه الأول ونعرف منه ايه اللي حصل وبعدين نشوف هنعمل ايه،

واسترسل حديثه وهو يطمئنها بما يعرفه :

ـ الحكاية كلها كانت مشكلة ما بينه وما بين زميلته في الجامعة موقف حصل ما بينهم واتخانقوا عادي زي اي اتنين زمايل واعتذر لها والموضوع خلص لكن طبعا اللي صورو الموضوع من أوله ربطوه بين اللي حصل في الأول وبين اللي حصل في الرحلة اللي انا ما اعرفش عنه حاجة لسه وعملو الضجة دي كلها حسبي الله ونعم الوكيل فيهم .

انصدمت من كلام أبيها لتتوقف عن التحرك واستدارت بوجهها إليه وهي تسأله بذهول :

ـ ايه ده يعني انت كنت تعرف حاجة يا بابا عن اللي حصل ده وما قلتليش !
ازاي يا بابا تعرف حاجة زي دي وتخبيها عني هو انا للدرجة دي ما بقاش ليا سلطة على ابني وبقى زي الغريب بالنسبة لي وانت اللي بتتحكم في كل أموره وانا ما ليش لازمة في حياته ؟!

انزعج من ضيقها الأهوج عليه وهو ينظر إليها بنظرات ملامة كالمعتاد وهي وعتها جيدا لينطق بحدة لاذعة :
ـ ومن امتى وانتِ فاضية لابنك يا “نعمات” إنتٍ من النادي للجمعية الخيرية لمقابلات اصحابك، مش فاضية ان إنتِ تخلي بالك منه ولا من تصرفاته ولا فاضية إنك تقعدي معاه وتاخديه في حضنك وتتناقشي معاه في مشاكله زيك زي أي أم ،

و استطرد حدته بنبرة متهكمة وهو يهددها صريحاً مما جعل دائرة عينيها تتسع على وسعيهما :

ـ قبل ما تحاسبي ابوكِ إنه واخد باله من ابنك حاسبي نفسك على إهمالك فيه ومش كل مرة هقول لك الكلمتين دول ومش كل مرة تعلقي أخطاء اهمالك على ابوكِ اللي هو أصلاً مربي ابنك من وهو عيل صغير لحد ما بقى عريس في الجامعة ولولايا بعد ربنا كان الولد ضاع،
وعمري ما هسيبه لك ولا همشي واسيبه تاني زي ما عملت قبل كده واسيبه و اضيع تعب السنين في تربيته يروح ، فبلاش الكلام ده تاني علشان ما اغضبش عليكِ واخذ الولد ونمشي من هنا خالص .

تلاحقت انفاسها بغضب من حدة أبيها وقسوته عليها في الكلام دوماً لتجلس على الكرسي أمامه وهي تضع وجهها بين يديها وانفجرت في الدموع وهي تعاتبه:

ـ انت ليه يا بابا دايما تطلعني وحشة في تربيتي لابني وان انا ما بعملش حاجة معاه خالص وما تعبتش علشانه !
انا كنت بنجح علشان خاطر يبقى ليه ام ناجحة يتباهى بها وسط الناس وبعافر مع باباه علشان ما بقاش الزوجة اللي ما لهاش قيمة جنب جوزها ، كنت بعمل كل حاجة عشان أرفع مستواه الاجتماعي والمالي ويبقى له واجهة وسط الناس وفي الآخر تلومني وتعايرني على انك ساعدتني في تربيته ؟!

تفهم كلماتها ووعاها بشدة ليضحك ساخراً من مبرراتها التي لا تدخل عقله ببنت شفه ليكمل حدته معها كي تفيق لولدها وترعاه وتعطيه من حنان الأمومة الذي افتقده كثيراً حتى لا يضيع منها إلى الأبد :

ـ للاسف يا بنتي انتِ فاهمة الأمومة غلط ابنك من وهو طفل صغير كان أقصى أحلامه انك تقعدي تشاركيه مشاكله وخناقاته مع الأطفال اللي زيه ، كانت اكتر حاجة نفسه فيها منك تقعدي تتفرجي معاه على فيلم الكرتون اللي بيحبه ، كان أقصى أحلامه إنك تحفظيه سورة من القرآن الكريم بنفسك بدل ما تجيبي له مدرس ، وعلشان ما لهوش إخوات وانتِ رفضتي تخلفي تاني علشان ما تنشغليش بالعيال عن العمل وجسمك يبوظ كان حاسس إنه وحيد ، كان نفسك تشاركيه حتى في لعبه، كان نفسي يقعد يلعب معاكِ كوتشينة بالساعات زيه زي بقية أصحابه، توديه التمرين مش بالعربية المخصوص، حاجات كتير قوي يا بنتي فاتتك ونقصت ابنك كان بيشوفها قدامه مع أطفال حالتهم المادية أفقر منه بكتير ،
عمر نجاحك في شغلك ما هيحسس ابنك بالنجاح ولا عمر نجاحك في شغلك هيخليه يمشي وسط الناس نافش ريشه ،الحاجات اللي انا بقول لك عليها دي كلها مقصرة في نفسيته علشان كده ما بقاش يجي يحكي لك اي حاجة ولا يعتمد عليك في أي مشاكل تخصه ،
2

وتابع تنبيهه لها :
ـ واحمدي ربنا ان ابوكِ عايش على وش الدنيا كان معاه خطوة بخطوة وكان بيعوض الحاجات اللي انتِ مش بتديها له ، كنت بخلي بالي منه علشان حتى ما يطلعش بيشرب سيجارة حتى ، طلع ولد جميل ملتزم بيصلي ويعرف ربنا ما بيمشيش يقول يا ارض انهدي ما عليكِ قدي ويتفرعن على الناس ، ابوكِ ربى لك ابنك وطلعه لك بذرة طيبة،
عمرك ما رحتِ جبتيه من ديسكو ولا من شقة ليل زي اللي بنسمعه عن ولاد الوزرا احمدي ربنا يا بنتي .

تلك الكلمات التي قالها والدها لم تؤثر فيها كأم فهي لم تعترف بالمشاعر ولا بتلك الأشياء التي ذكرها ابيها تعتبرها تفاهات ثم رمت جميع كلماته عرض الحائط لتقول :

ـ انا لازم اسافر دلوقتي حالا واشوف الموضوع ده واشوف البنت دي علشان لازم الحوار ده يتحل في اسرع وقت .

تقلب وجه أبيها بابتسامة ساخرة عن عدم تأثرها بكلامه ليقوم من مكانه آمرا إياها:

ـ ما تتحركيش من غيري انا هروح معاكِ مش هسيب رسلان لوحده .

استغربت من أمره لتنهاه :
ـ يا بابا انت تعبان ومش حمل ساعات السفر دي كلها وبعدين لما تيجي ايه اللي هيحصل يعني او هتعمل ايه ؟

رمقها بنظرة حادة :
ـ انا اللي هحل المشكلة انا اللي عارف “رسلان” وانا اللي هعرف اتعامل مع الحوار كله مع البنت بعيداً عنك ، إنتِ ممكن تعقدي الأمور وتروحي تتعاملي مع الناس بتعالي كالمعتاد بتاعك فما تفكريش تمشي لوحدك انا هطلع اصلي الضهر وهنتحرك وما تكلميش الولد ولا ترعبيه .

هزت قدميها في الأرض بعـ.ـنف على حدة أبيها معها وتهكمه عليها :
ـ انت ليه محسسني يا بابا انه مش ابني ! انا أمه، من فضلك ما تلغيش دوري مع ابني ولا تحسسه بكده .

أشاح بيده في الهواء كعلامة على عدم اهتمامه لاعتراضها ثم تركها وصعد إلى الأعلى كي يستعد للسفر فقلبه قد تخبط بين ضلوعه هلعاً على أعز الولد “رسلان” قرة عينه وحبيب روحه والجميل الأجمل في أيامه وخصوصاً في كبرَه .

***********
ـ الله مش كنتِ تقولي لنا يا لولا إن انتِ مأنتمة مع ابن الوزير ، وكمان هو والدكتور المز بيتخانقوا عليكِ واللي يشوفك يقول ما بتقوميش من على السجادة من كتر الاستقامة!
ايه يا بنتي ده انتِ طلعتي مسيطرة خالص وما شاء الله عليكِ ما لكيش زيك ما تعلمينا يا لولا .

وأكملت فتاة أخرى وهي تتنمر عليها بطريقة اشد وهي تجلس على المقعد فى مطعم الفندق وبيدها كتاب تقراه وأمامها كوب القهوة بالشيكولا التي تعشقها وكانت مندمجة مع روايتها بل منعزلة عن العالم وكل من فيه فهي حينما تحتاج العزلة تمسك مصحفها تقرا فيه ما تيسر من القران الكريم ثم تاتي برواية تعشقها وتقوم بقراءتها كي تلهي الوقت وتنعزل عن العالم بعد الموقف الذي رات فيه “زيد” وسبب لها جرحا عميقا وما حدث بينه وبين “رسلان” :
ـ هم بيتداروا ورا الحجاب المحتشم واللبس الواسع وهم بيعملوا حاجات احنا ما نعرفش نعملها أتاري مش بالمظاهر يا بنات ، بس انتِ وقعتي واقعة جامدة ابن وزير ومعيد في الجامعه اتنين مرة واحدة يا قادرة عملتيها ازاي دي علمينا يا شيخة “ليلى” .

ثم تفوهت ثالثتهم وهي تعـ.ـض على شفتيها السفلى بإثارة مكملة ما بدآه اصحابها :

ـ لا والاتنين ايه مزز ، مزز يا ولاد حتة على لقمة يتاكلوا حاف ، اه يا بنت الجنية انا المفروض اخاصم البنات دي واجي بقى اتصاحب وياكِ علشان تاخديني في ديلك ده انا غلبان خالص .

كانت تنظر اليهم بشفاهٍ مفتوحة علي وسعهما وعلامات الصدمة ارتسمت على وجهها ببراعة وهي لم تصدق ان تلك الكلمات تقال إليها وهي المقصودة بها ولم تفهم ، عن ماذا يتنمرون ويسخرون ؟
وعيناها تجيبهم وهم يتحدثون بدلا عن لسانها:

ـ ماذا بكِ يا فتاة انتِ وهن ؟!
عن ماذا تقصدون، ومن ماذا تسخرون ، وكيف تقفن امامي وعليا تتنمرون ؟!
ألم تعلموا أنني فتاة جادة ولا أدعي الاستقامة فهي حقاً طريقي !
ما لي أنا بكن ! فأنا ليس لها علاقة بما تقولون ،
ماذا دهاني انا بعقولكم الفارغة فأنا فتاة اعشق الالتزام وليس لي علاقك بما تتفوهون به من جرم عظيم ؟
أجننتُن كي تلقون على مسامعي كل تلك الهراءات وتسبوني بذاك الجرم العظيم ؟!

وعندما انتهت الأخيرة من هرائها ألقت الكتاب من يدها بحدة ثم وقفت أمامهن وهي تشير إليهم بأصابع ساخرة بل تشعر بالاشمئزاز منهن :

ـ مالك منك ليها هو انتو اتجننتو ولا حاجة ، عايزين مني ايه ، و ايه الكلام الأهبل اللي انتو بتقولوه ده ؟

ضحكتا كلتاهن بسخرية شديدة ومطت إحداهن شفتيها للأمام وهي تلقي على مسامعها ذاك الكلام بابتسامة مستفزة وهي تنظر إلى زميلاتها ساخرة من تلك الأبية:

ـ ههه ، ياحرام شكلها يا بنات عايشة في اللالند ومش دريانة انها بقت ترند الموسم وانها طلعت على التلفزيون وبقيت حاجة واو ، بقيتي أمنيات الشباب يا لولو كمان يابنت المحظوظة ،ما تفرجوها يا بنات نفسها وهي على التلفزيون علشان تنبهر .

أخرجت إحداهن الهاتف وأتت بالفيديو المشـ.ـتعل على السوشيال ميديا وعلى جميع الصفحات وهي تعرضه أمامها مكملة سخريتها :

ـ ده انتِ حظك في رجليكِ ركبتِ الترند ولا على بالك وبكرة الصفحات كلها هتجري وراكِ علشان تصور معاكِ اللي حصل ، انتِ عديتي يا لولا ومش بعيد تبقي نجمة السوشيال ميديا بعد كده وتبقي أجمد بلوجر بالخمار صدقي ما شفناش النوعية بتاعتك دي قبل كده .

جحظت عينيها بذهول وهي تتطلع إلى شاشة الهاتف وتبتلع أنفاسها بصعوبة بالغة وصدرها بدا يعلو ويهبط من شدة الصدمة التي لم يستطيع عقلها ولا قلبها تحملها لتجلس على الكرسي بأقدام واهية لم تستطيع الوقوف فهي لأول مرة يحدث معها ذلك فدائماً تمشي جنب الحائط وتتجنب جميع المشاكل وجميع الأشياء التي تجعلها تظهر حتى فاقت على اتصالات والدتها فسحبت هاتفها وجميع اشياءها من على المنضدة وفرت هاربة من أمامهن وصعدت إلى غرفتها وأجابت والدتها وهي تشهق ببكاء مرتفع أرعب والدتها :

ـ الحقيني يا ماما انا في مصيبة ومش عارفة اتصرف إزاي أنا حاسة إن أنا هيجرى لي حاجة ؟

كانت والدتها تقود السيارة بسرعة رهيبة وهي تطمئنها وقلبها ينفطر داخلها هلعاً على صغيرتها :

ـ ما تقلقيش يا ماما انا وباباكي جايين لك في الطريق هو متحرك ورايا على طول كان في مشوار بعيد وكلها ساعتين وهاجي لك مفيش حاجة مستدعيه انك تخافي كده خليكِ في اوضتك لحد ما اجي لك ما تقلقيش يا حبيبة ماما .
2

ارتفعت شهقاتها وهي تستعجل والدتها فهي الآن لاحتياجها بشدة:
ـ ارجوكِ يا ماما تجيلي بسرعة انا مخنوقة أوي وحالتي وحشة ومش مصدقه اللي حصل أكيد حضرتك عرفتِ.

طمئنتها بنبرة حانية :
ـ حبيبه مامي ما تقلقيش ومفيش أي حاجة تستدعي الخوف طالما انتِ بصحتك وواقفة على رجليكِ وأنا وبابي جنبك اوعي تقلقي من أي حاجة اقرأي قرآنك وأذكارك وانشغلي فيهم عقبال ما آجي لك وانسي العالم والدوشة اللي بره دي خالص وكأن ما حصلش حاجة يلا يا ماما خدي شاور الاول وبعدين اقعدي اقرأي القرآن على ما اجي لك .

هي تعلم ان ابنتها راحتها في ذكرها وقرآنها لذلك أرشدتها بتلك النصيحة كي تجعل روعها يهدأ ولكن داخله يتقـ.ـطع ألماً على ابنتها بل وينفطر على وحدتها في ذاك الموقف فأسرعت قيادة السيارة كي تصل إليها على عجل .

***************
كان يدور حول نفسه في المكان بغضب عارم يجوب الغرفة إياباً وذهاباً والغضب يتآكل جسده مما شاهده في ذاك الفيديو والنـ.ـار تنهش في جسده خوفاً من القادم كل شيء يحدث يفرق بينه وبين “ليلته” أميالاً وأميالاً كل الظروف معها ضده وكأن القدر يعاند قصته ويعاند قلبه كي يعـ.ـذبه عـ.ـذاباً شديداً فقلبه قد وصل مرحلة العشق بل وينهار في ابتعاده عنه،
ألف سيناريو وسيناريو يدور بمخيلته يريد الذهاب إليها والوقوف أمامها وتهدئتها من حالة الورع التي بالتأكيد أصابتها ولكن كيف سيفعلها ؟
ثم أمسك الهاتف وحاول الاتصال عليها مراتٍ ومرات ولكن لا جدوى لم تجيبه ليحدث حاله بجنون وهو يلتف حول نفسه ويدور كعقرب الساعة وقت يمر ويضيع وهي في ضياعها وهو يقف متكتف الأيدي بعيداً عنها ،
كان ينفخ بضيق وهو يتحرك في الغرفة وحدث حاله وهو يخلل أصابعه بين خصلات شعره الأسود المصفف ويكاد يصل إلى حافة الجنون :
ـ لما لمْ تجيبيني ليلتي ؟
بحق الله وبحق سمائه وأرضه وجباله وجميع مخلوقاته أجيبي عاشق ملتاع يشعر بالجنون وهو يريد ان يراكِ الآن ،
أريد أن اخفف عنكِ ليلتي ، أريد ان امسح دموع عينيكِ والتي بالتأكيد تغرق وجنتيك الرقيقة، أرجوكِ ليلتي أجيبيني فأنا أشعر بالضياع ، لا ؛ الضياع كلمة قليلة لما اشعر به ، بل أشعر بالهلاك ليلتي ، أجيبيني أرجوكِ ليلتي ،
وأكمل حديثه مع نفسه ولكن بصوت مسموع وهو يحمل هاتفه ومفاتيحه عازماً الذهاب إليها وليكن ما يكن ،
ـ لا انا هروح لها واللي يحصل يحصل مش هقدر استنى اكتر من كده انا كده ممكن يجروا لي حاجة من القلق عليها .

حاول مهاتفة “يحيى” كي يأتي معه ويسانده في موقفه فهو الآن باحتياجه أكثر من اي وقت ولكن أطبق على فمه بحزن شديد حينما وجد هاتفه مغلق ، فتحرك بخطوات سريعة حتى وصل إلى غرفتها فهو يعلمها جيداً وقبل أن يدق على الباب مسح على وجهه بحيرة ممزوجة بالحسرة ولكن حاول تهدئة حاله وتنظيم انفاسه قبل أن يدق على الباب ثم حاول الاتصال عليها مرة أخرى قبل أن يفعلها ولكن لم تجيب هذه المرة أيضاً ليدق على الباب بهدوء دقتين حتى سمع صوتها المتحشرج ويبدو عليه أنها كانت تبكي بشدة مما جعله اغمض عينيه بحزنٍ شديد على حالة حبيبته ، معشوقته ، وأنيسة روحه ، فأجابها بصوت هادئ حتى لا يسمعه أحد ويلفت الانتباه لهم :
ـ انا يا “ليلى” بحاول أرن عليكِ وانت مش بترد عليا لو سمحتي محتاج أتكلم معاكِ شوية ضروري .
ما إن استمعت إلى صوته وهي في حالتها المنهارة تلك حتى وضعت حجابها على رأسها بإحكام وفتحت الباب ثم صاحت به بحدة لاذعة :

ـ انت كمان بعد ده كله ليك عين تيجي لحد عندي !
ابعد عني بقى انا اتدمرت بسببك ومستقبلي ضاع بعد ما كنت بعيد عن كل الشبهات وعن اي حاجة وحشة بقيت البنت اللي الشباب بتتخانق عليها ، بقيت أقذر مثال سيء للبنات بعد ما كنت قدوة حسنة والناس كلها بتتباهى بيا في كل مكان ،

ثم أكملت بعدما هبطت دموع عينيها بغزارة ولم تستطيع المكوث في عينيها أكثر من ذلك:

ـ ابعد عني ، امشي مش عايزه اشوفك تاني ولا عايزه ألمح طيفك يا”زيد”،

ثم حاولت كتم شهقاتها وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة وتمسح دموعها الهابطة على وجنتيها بحدة وهي تخبره بما صدمه :
ـ اقول لك على حاجة كمان انا هغير كلية الصيدلة دي نهائي ومش هروحها تاني وهغير المحافظة وهغير كل حاجة وهاخد سكن طالبات في كلية بعيدة علشان مش عايزه اشوفك تاني ولا اعرفك انا اتدمرت بسببك ،

ثم شهقت مرة أخرى بطريقة تدمي القلوب:
ـ انا اتدمرت حرام عليكم انا ما استاهلش كده .
كانت حالته في ذاك الوقت كالواقف على شفا حفرة من النـ.ـار يريد أن ينهرها على طريقتها معها وفي نفس الوقت يريد أن يأخذها بين أحضانه ويخفف عنها آلامها حتى نطق لسانه معاتبا إياها بردٍ يحمل القسوة بين طياته وهو لم يستطيع تحمل كلامها ولا انها ستفارقه وعينيه حمراء من اثر الغضب الشديد كمثلها :

ـ إنتِ جايبه قسوة قلبك دي كلها منين يا “ليلى” بجد ؟!
يعني هو إنتِ عايزه تركبيني غلط وخلاص !
الفيديو الاولاني كان مع الزفت اللي اتدخل ما بيني وما بينك ومش عارف طلع لنا منين ده وهو السبب في كل اللي حصل وبرده بتطلعيني انا السبب انا تعبت منك وتعبت معاكِ وتعبت من حبك،

وأكمل وهو يدعي على حاله أمامها مما جعلها تنسى ما حدث وفزعت من دعائه على حاله :

ـ انتِ عارفه يا “ليلى” انا بقيت بتمنى الموت ، عارفة كمان هدعي على نفسي قدامك علشان تستريحي مني ومن خلقتي ، يا رب اموت يا شيخة علشان ما تشوفينيش تاني ، يا رب تدهسني عربية تجيب أجلي من كتر ما انا ماشي بفكر فيكِ وفي إني ازاي اخليكِ تكوني ليا استريحتي يا “ليلى” .

فزعت بشدة من طريقته في دعائه على حاله وشعرت بالذنب لما وصل له الآن ولكن هي حالتها هي الأخرى يرثى لها ، أحست باهتزاز قلبها بسبب حالته ودعائه على نفسه ورجف جسدها امامه وكاد ان يتحرك بعد أن ألقى قنـ.ـابله الموقوتة من فمه إلا انها بتلقائية تمسكت بيده على حين غرة وهي الأخرى في حالة اللاوعي مما أذهله لتنهره بفزع:

ـ حرام عليك يا “زيد” ، ايه الكلام اللي انت بتقوله ده ، ازاي تدعي على نفسك بالطريقة البشعة دي ؟!
لو سمحت ما تعملش كده تاني انت ما تعرفش ان الانسان لما يدعي على نفسه ربنا سبحانه وتعالى بيستجيب ما تعرفش قول ربنا عن الدعاء ده بالذات لما قال في كتابه العزيز
” ويدعوا الإنسان بالشر دعائه بالخير وكان الإنسان عجولا” .

كان في حالة ذهول من حالة الذعر التي انتابتها لأجله فلم يكن يتخيل أنه سيرى نظرة عينينها المرتعبة عليه يوماً من الأيام ليسألها بلسان مترجي أن تجيبه بما يريح قلبه وعقله وهو يتعمق النظر في مقلتيها بنظرة سحرتها بل وأربكتها للغاية وأنستها الموقف والمشكلة التي وضعت فيها ككل فالأنثى في حالة ضعفها تحتاج إلى من يجعلها تشعر بالأمان ، تستند على أول يد تمتد إليها:

ـ ياه أخيراً شفت نظرة الخوف والرعب في عينيكِ عليا ومنطقتيهاش ، وشفت نظرة الحب في عينيكِ ولسانك وبردو ما نطقتيهاش ونظرة اللهفة والانجذاب وبرده لسانك بيعند ومنطقهاش ،

وأكمل وهو ما زال متمسكاً بيديها وهي في عالم آخر وهو ينظر داخل عينيها الممتزجة نظراتها ما بين لمعة الدمع وسحر العشق له النابع من عينيها ليذوب قلبه أكثر وهو يشدد على كف يديها الصغير وقلبه يدق داخل ضلوعه دقات سريعة بخفقان يكاد يشق الضلوع وينفـ.ـجر ليترجاها بنبرة صوت متلهفة خشنة تليق برجولته :

ـ “ليلى” قوليها بقى انطقيها بقى وانسى كل اللي حصل وتعالى أفتح صفحة جديدة معاكِ بـ”زيد” جديد خالص ،
وأكمل بصوت أجش ونبرة ثائرة وهو ما زال يضغط على كف يديها بإحساس مفرط وأنفاس متلاحقة وكأنه يلهث في محراب عشقها:
ـ كلمتين اتنين بس يا “ليلى” سهلين جداً لأنهم طالعين من قلبك إذا كنت أنا حسيتهم وقريتهم في عينيكِ وسمعتهم في دقات قلبك مليون مرة قبل كدة ، نفسي أسمعها من بين شفايفك ‘بحبك زيد’ .

يا لك من خبير أيها الـ”زيد” في قوانين النساء ،لقد عزفت على أوتار حساسة داخل قلب برئ ليس يفقه في أبجديات العشق حتى الألف والباء ، أقف أمامك وقلبي يدق بعـ.ـنف
في صراعٍ قويٍ بين المعقول واللمعقول ولا أعرف من أين أبدأ وإلى سأنتهي وكأنه حضر الغباء ، منذ قليل كنت أفكر بأنني أريد اختنـ.ـاقك بين يداي والآن لم أعرف كيف السبيل لمسيرتنا وكيف سأعيش معك بهناء ،
نطق لسانها بوله وهي تشعر بفكاك جسدها وكأنه أصيب بماس كهربائي فكك أعصابها من لمسته الدافئة وهي تشعر بأنها غائبة عن العقل ، تائهة وليست في عقلها أبداً كأنها في عالم آخر ليخونها لسانها وكأنه مغيب هو الآخر أو متأثر بحالة تنويم مغناطيسي جعلها نسيت كل شئ وتاهت في سهام عينيه العاشقة حتى النخاع :
ـ طب كلمة ‘بحبك’ هقولها ازاي وأنا عارفة إني هندم عليها وانها هتتعبني وانك مش هتكون ليا وان…. لم تكمل بسبب أنه وضع يده على شفاها مانعاً إياها أن تكمل وهو في حالة تأثر شديد بما قالته لتنطق عيناه بدلاً عنه برجاء عاشق متيم :
ـ اصمتي ليلتي ، كفي عن الحديث في حضرة تلك الكلمة ، دعينا نتأثر بها ، ننسى الزمان والمكان والمواقف والظروف وكل شئ ونسعد قلوبنا بها وتستكين أرواحنا بصدى سمعها ، لا أريد من لسانك أن يقل شيئاً بعد تلك الكلمة أريد منكِ تكرارها فقط إذا تحدث ،

ثم همس بمشاعر موقدة كادت أن تقتلع قلبه وتضعه بين يديها :
ـ ياه يا “ليلى” عذبتيني وفرهدتيني وتعبتِ قلبي معاكِ بس هو قال لي بدل المرة ألف إنه مش خاين لي ومش هيعشق ولا هيحب غير اللي تحبه وقد كان صدق وعده ونصر خليله وأعز جنده وهزم حزبه وبقى قلب “ليلى” ملك قلب “زيد” وحبيبه يا حبيبي.

حاولت سحب يدها المتخدرة من يديه وبدأ عقلها يعود لوعيه وهي تشعر بحالة غريبة لم تشعر بها من قبل وهي تطلب منه بنبرة تصحبها التيهة :
ـ امشي يا “زيد” أرجوك امشي .

هتف بتمسك تواجده معها وهو يشعر بأنه الآن على شفا حفر من أنهار العسل المصفى في اقترابها وغمغم بتأثر :
ـ أمشي ازاي وأنا أقدامي غرزت بين قلبك مش قادر أتحرك غير لما أطمن وقلبي يطمن .

ابتلعت أنفاسها وهي تهمس بتأثر مماثل :
ـ أطمنك ازاي وأنا أصلاً قلبي مليان خوف ومش مطمن يا “زيد” .

حرك رأسه للأمام مترجياً إياها بلهفة وشوق:
ـ قولي له متخافش انت في أمان مع “زيد” طمنيه يا “ليلى” اني هحافظ عليه وهحاوطه برموش عيوني وهحرسه من الدنيا باللي فيها ، قولي له اني محتاج أسمع منه كلمة ‘بحبك’ صريحة وواضحة علشان يرتاح بقى بقى لي سنة بتـ.ـعذب كفاية يا “ليلى” .

بللت شفتيها الجافة من أثر البكاء وأثر أنفاسها المتلاحقة وهي تترجاه بهمس ناعم جعله وقف أمامها يريد اختـ.ـطافها بين أحضانه ويسقيها من عشقه أنهاراً من خمر الجنة ستستشعر حينها لذة طعمه :

ـ يا”زيد” حرام عليك بقى انا مش قادرة آخد نفسي ولا قادرة استوعب انت بتلاحقني أوي انا مش متعودة على كده حاسة بحاجة غريبة ، حاسة برعشه في اعصابي ودقات قلبي مش مبطلة امشي بقى أرجوك انت .

أقف على قلبها وعقلها الآن قلبي لا تتركها حتى تنطقها هي الآن في مرحلة السكر من تأثيرك عليها وأوشكت على نطقها ، تشبس “زيد” برحالها واسعى جاهداً بكل ما أوتيت من قوة وجاذبية حتى تعترف بها ، شن عليها جميع الأسـ.ـلحة حتى تسكن محراب قلبها ويأمن قلبك ، فهمس بوله :
ـ طب قوليها واوعديني انك مش هتكوني غير ليا وأنا أمشي يا كل العمر يا عمري .

بللت شفتيها السفلى بحركة منها أذابت قلبه المسكين فقد أنساها ذاك العاشق الولهان كل ما حدث لها ، أنساها الموقف الشنيع الواقعة به ، أنساها البكاء والهم والحزن ،

أأنت ساحر “زيد” أم أنت ماهرٌ بارع في جذب التفات أنثاك !
فلترحم قلبي الضعيف فلم يعد يتحمل عنادك وتشبسك ، فلترحم مسكيناً في الغرام ألا وهو قلبي الصغير ،
ما زال ينظر إليها نظرات أربكتها ، سحرتها ، أدخلتها عالم الغرام والهيام معه بكل سهولة دون أن ينطق لسانه ،
أحقاً نظرات العاشق لمعشوقه تقـ.ـتل العهود مع النفس !
تذيب الجليد الممتلئ في العقول والقبول !
تكسر الحواجز ، وترمي بالقوانين عرض الحائط !
اهدا قلبي فما عدت تتحمل الصد أمامه ، مسكين قلب “ليلى” لينطلق لسانها برقة بالغة أذابت ذاك العاشق وجعلته لم يصدق الآن أنه سمعها نطقتها وهي مغمضة العينين ولم تستطيع أن تضعها في عينيه وتواجه جيوشها الساحرة بتيهة وقلقلة لسان لأول مرة يعترف بها :
ـ بـ حـ بـ ك .
قالتها وصمت لسانها وأكملت عينيها بدلاً عنها :
– كيف جعلتني أحبك إلي هذا الحد؟
كيف خلقت اللهفة في عيني وفي كياني؟
نعم جعلتني أجن بك، أتخيلك في كل شئ، أتخيل وجهك في كل مكان وأسمع صوتك في كل لحظة، اشعر بقربك في كل مكان وأشعر بحرارة أنفاسك ، وأتذكر أن بيني وبين رؤيتك ملايين الحواجز إلا إني أعشق هذا الحب ، اعشقك “زيد” بل عشقــــــــــــــك حياة .

ابتلع أنفاسه هو الآخر وهام بها عشقاً في تلك اللحظة وود ان يجذبها في تلك اللحظة إلى أحضانه كي تطفئ حرارة جسده المتلهفة لقربها ، لم يكن يتخيل أنه حين يسمعها منها انها ستكن بذاك الجمال وان مشاعره الموقدة ستثور عليه وتطالب بالمزيد ،
ولكن ماذا تطلبي مني مشاعر “زيد” لا تطمعين ونيستي واهدئي من ثورانك فقد اعترفت “ليلتك” أخيراً ، فما كانت من عينيه إلا أنها لبت نداء عينيها برغبة ووله :
ـأحبّكَ جدًا و أعي تمامًا ما معنى أن يموت أحدهم في الحُب , و يُهزم بألف قرارٍ في الحُب , و يغرق في الحُب دون إيماءه كفٍ تُنجيه , أحبّكَ جدًا و ما كُنت أعلم بأن الحُب برقٌ و إعصارٌ و ريحٌ و بردٌ و ثلجٌ و إختلالٌ و إتزان , و ما كنت أعلم بأنني سأعلن فنائي و إتزاني في حضرة عينيكَ .

وبين “زيد” و”ليلى” دارت النظرات والهمسات
فقال لها : أحبُكِ ،
قالت :
ـ شكراً
فقال لها:
ـ رد الحب كرد السلام أما بمثله أو بأحسن منه .
أجابت :
ـ وعليك الحب ورحمة العشق ونبضاته .

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مشاعر موقدة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى