رواية مشاعر موقدة الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم فاطيما يوسف
رواية مشاعر موقدة الجزء الحادي والعشرون
رواية مشاعر موقدة البارت الحادي والعشرون

رواية مشاعر موقدة الحلقة الحادية والعشرون
بعد مرور شهرين تجلس والدة “هاشم” وبناتها يحتسون الشاي بعد تناولهم وجبة الغداء الدسمة لتنطق إحدى بناتها بسخرية :
ـ هي الكونتيسة مرات ابنك “هاشم” بقت عاملة فيها من بنها كدة ليه ،
وأكملت وهي تقلد “حنين” بنبرة ساخرة :
ـ قال ايه عن اذنك يا ماما أنا رايحة الشغل ،
ولابسة المحزق والملزق وحاطة كيلو بهية على وشها علشان تطلع بالبياض الأووي ده ،
هو البيه جوزها مبيشوفهاش وهي رايحة المخروب ده اللي احنا مش محتاجينه خالص ؟
هتفت الأخرى بنفس طريقة شقيقتها بملامح ممتعضة :
ـ هو ازاي يوافق أصلاً إنها تخرج كل يوم كده بشكلها الملفت للنظر ده وشكلنا ايه قدام الناس والجيران هيقولوا ايه مش قادر يأكلها ولا يشربها علشان كدة خارجة تشتغل علشان تساعده ؟
بصراحة يا ماما منظرنا كدة هيبقى عرة أووي وسط الخلق وهيتكلموا عليها وعلينا سلايفها الاتنين قاعدين متستتين في بيوتهم محدش بيسمع بيهم ولا ليهم في حوارات مرات ابنك المتدلعة دي والموضوع بقي ميتسكتش عليه لازم تكلميه في الموضوع ده يشوف له صرفة فيه احنا مش ناقصين فضايح قدام قرايبنا وجيراننا .
مطت شفتيها هي الأخرى بامتعاض وهتفت بنبرة استيائية لبناتها عن ذاك الوضع :
ـ اسكتوا يا بنات أنا مش طايقة نفسي البت عليها برود وتناكة وكبر نفسي أجيبها من شعرها وأعلمها الأصول وازاي تحافظ على بيتها وجوزها وتجيب له حتة عيل وتروح تشوف عدم سبب الحبل ده ايه وتعالج نفسها ، لا رايحة تشغل نفسها بمووايل شغل هباب لحد ما صبري نفذ عليهم هما الاتنين وجبت أخري من عمايل ابني ومراته .
أعطتها إحداهن الهاتف وهي تشجعها :
ـ خدي التليفون كلمي ابنك خليه يجي لك دلوقتي وفضي معاه سيره الشغل ده احنا مش ناقصين فضايح يا ماما مش كل يوم والثاني خارجه داخله علشان خاطر الشغل وهي لابسه المحزق والملزق بتاعها ده وفضحانه ومجرسانا وتسمعنا ما نكره من اللي حوالينا وهم لما هيصدقوا .
وعلى النحو التالي حركت شقيقتها رأسها بتأكيد لما قالته الأخرى لتخبرهم بما سمعتهم من جيرانهم حينما سألوها عن زوجة اخيهم :
ـ ومن سمعك يا بنتي من يومين ام حسن وقفتني واحنا في السوق تسالني عن الست هانم ربنا كرمها في الحمل ولا لسه وايه اللي ماخرنا لحد دلوقتي وان اخويا طول بعرض الله اكبر عليه مش ناقصه حاجه علشان خاطر مراته ما تحملش لحد دلوقتي وكمان بتروح وتخرج لشغلها واحنا مش محتاجين وشغل التلقيح بتاعي النسوان اللي انا ما بحبهوش ده .
تحدثت والدتهم بحدة عن تلك المرأة الدخيلة :
ـ وهي “ام حسن” وزفت عينيها على حياة ابني وعلى مراته ليه ؟
هي لسه عينيها اللي تندب فيها 20 رصاصة مركزة مع بيتي وعيالي ليه !
بعد كده الولية دي لو قالت لك حاجة اديها فوق دماغها وما تسكتيلهاش اه عينيها دي اللي نقرانا وجايبانا الأرض ، حاجة تقرف جيران ملهوش سيرة غير ام “هاشم” وولادها ونسوانها .
رفعت إحداهن شفتيها الأعلى باستنكار:
ـ والله يا ماما ده حكم القرى اللي احنا عايشين فيها ومرات ابنك لازم تعرف كده ان احنا مش عايشين في الكومباوند تلبس وتتشيك من البراندات والهدوم الغالية وتخرج تتمنظر على الناس وتجيب لنا القيل والقال قطمه احسن من نحته تكلمي ابنك تخليه يقعد مراته من الشغل وتقعد يا أمي في بيتها وتروح لدكتور تتابع معاه وتشوف موضوع الحمل ده هم داخلين على سنة أهو متجوزين .
جالت في بال الأخرى فكرة عرضتها عليهم وتلك الفكرة نالت استحسان والدتهم ببراعة :
ـ بقول لك ايه يا ماما ما تاخديها تزوريها الترب وتعملي معاها زي ما حماتي عملت معايا لما اتأخرت شهرين في الحمل من غير هي ما تعرف قولي لها انا عايزاكِ معايا مشوار يمكن تكون كبسانة ولا حاجة ولما تشق الترب النحس بتاع الخلف يتفك عندها .
تسهمت والدتها في النظرات إليها وهي تفكر في ذاك الحل الذي لم يأتي ببالها قبل ذاك لتردد باستحسان لتلك الفكرة :
ـ تصدقي يا بت الفكرة دي ما جتش في بالي خالص ان انا اعملها ما ياما امهاتنا وحماواتنا عملوا كده معانا واللي عملوه جاب نتيجة شاطرة يا بت انك قلتي لي على الحل ده من بكره لازم يتنفذ .
سألتهم الأخرى بحيرة:
ـ طب هتعمليها ازاي دي يا ماما وهي أحسن يوم ليها الجم وبتروح عند مامتها في اليوم ده من اول ما تصحى لحد آخر النهار .
ظلوا يفكرون كيف لهم أن يفعلوا ذاك الحل معها وأخيراً نطقت إحداهن :
ـ جات لي فكرة حلوة يا ماما انتِ تعملي عزومة لينا كلنا يوم الجمعة وتعرفي “هاشم” من النهاردة علشان يقول لها تعمل حسابها بأي حجة ؛ وليكن مثلاً إنك عايزة تجمعي ولادك كلهم مع بعض في يوم واحد ومفيش أنسب يوم غير الجمعة وبعدين لما الرجالة كلهم يروحوا يصلوا قولي لها تعالي معايا مشوار عايزاكي يا بنتي تزوري معايا قبر ابويا وامي انتِ الوحيدة اللي معكيش عيال يشبطوا فينا واحنا ماشيين ومن هناك تعملي اللي انتِ عايزاه من غير ما تحس علشان هي مش لازم تحس عشان الخضة تجيب نتيجة معاها .
ابتسمتن كلتاهن لتلك الحيلة لتهتف والدتها بتخوف :
ـ طب افرضو الحكاية دي ما عجبتهاش وجت قلبت اخوكِ عليا وبهدلني ، ولا عملتها غضبة ويجي يقول لي إنتِ السبب في اللي حصل هعمل ايه وقتها يا اختي منك ليها وخصوصاً إن أخوكم غضبه غشيم وانا مش هتحمل منه اي كلمة ؟
طمئنتها ابنتها الكبرى بتشجيع :
ـ انت بعد ما تعملي معاها الحوار ده قولي لها معلش يا بنتي غصب عني انا عايزه اشوف خلف ابني ، الحبة بتوع الحموات دول يا امي وقولي لها ما تقولش لـ”هاشم” على اللي حصل يا اما هتزعلي منها وبس كده ،
وتابعت بتكبير الفكرة في عقلها :
ـ وبعدين يعني انتِ هتخافي منه ولا إيه ،
هو يقدر أصلاً يزعق لك ولا يجرؤ يعلي صوته عليكِ يبقى يعملها كده ؟
وظللن يشجعونها على الفكرة حتى اتصلت بـ”هاشم” وأخبرته بالعزيمة يوم الجمعة وأن يخبر زوجته من الآن حتى لا تتحجج لهم ذاك اليوم بأي حجج وأنها لم تقبل أي عذرا منهم وبدوره وعدها بأنه سيكون متواجد هو وزوجته يوم الجمعة وهاتف زوجته وأخبرها بالعزيمة كي تكون على معر بها من الآن وأخبرها بتأكيد والدته عليه وتلك الـ”حنين” وافقت على السعة والرحب فهي تتعامل مع “هاشم” كمعاملة الهدنة في الحـ.ـرب وتستخدم معه أسلوب الأخذ مقابل العطاء وتلك المعاملة نالت استحسانهم بشدة وتقابلوا في تلك النقطة بعد عناء أشهر عدة منذ زواجهم من معاملة كل منهم للآخر .
*************
ـ يلا يا ماما علشان ما نتأخرش على “نجوى” وأهلها وتقول عليا اني تنك من أولها انا عايز أنهي الحوار ده في الشهرين اللي انا جاي فيهم أجازة علشان أحـ.ـرق دم اللي اسمها “نور” دي و أعرفها إن ألف واحدة تتمناني وان هي ما البسهاش حتى مداس في رجلي واني اتجوزت قبلها كمان وهي قاعدة زي الارض البور جنب أمها العقربة اللي لحد دلوقتي حالف أرد لها القلم اللي اديته لي على وشي بنت الهرمة دي .
امتعضت ملامح تلك المرأة الجاحدة لتشير بيديها بحركة ساخرة :
ـ بس يا ابني بلاش تجيب لنا بقى سيره العالم دي ثاني مش ناقصه نكد منها لله كلفتنا جوازه وفرح وحوار كبير وفي الاخر ما عرفتش تعيش كم شهر على بعض وخسرنا الجلد والسقط وكانت في الاخر هتسجنك كمان يلا تستاهل البوران جنب امها مش عايزين ننكد على نفسنا في اليوم المفترج ده ونروح لعروستك واحنا بوزنا مقلوب انا عايزه افرح بيك يا نادر واشيل عوضك على ايدي .
أنهى رباط حذائه الفخم ثم انتصب واقفاً وهو يحرك رأسه للأمام بأسى وكأن الأدوار تبدلت والظالم ىصبح مظلوماً بل ومقتنع بذلك تمام الاقتناع :
ـ على رأيك يا امي أنا مش عايز مزاجي يتعكر بالسيرة الزبالة دي ، يلا عشان لسه هنروح على محل الحلواني نجيب شيكولاتة حلوة كده وكمان موصي على هدية فخمة ناخدها معانا انتِ اللي هتدقميها لها علشان نجر رجليها واهلها ما يمسكوش في حتة اني كنت متجوز قبل كده وبنتهم لسه بنت بنوت وخصوصا إنهم من المنطقة اللي جنبنا ويعتبر عارفين تفاصيل الطلاق عايزين نخزي عينيهم بمعنى أصح يعني .
اما عند العروس “نجوى” تقف تعطي تنبيهات لوالدها ووالدتها بنبره قاسيه وكأنها هي والدتهم وليس هم فهي تتعامل معهم بجحود وعصيان لدرجة أنهم يخافون منها ويتمنون اليوم الذي ستتزوج فيه وترحل بعيدا عنهم فهي تؤذيهم بشده لدرجة انها تمد يدها عليهم فـابنهم الوحيد مهاجرا للخارج وهي التي بجانبهم دوما وليس لها كبير غير انهم يستعينون بالله عليها :
ـ مش عايزه اي غلط منكم ولا عايزاكم تبانوا انكم مدلوقين عليهم كل اللي انا محتاجاه تكبروني قدامهم بقدر الامكان اهو علشان اتجوز واغور من وشكم عشان تستريحوا مني ومن البلاوي بتاعتي وقرفي زي ما انتم ما بتقولوا دايما .
حرك والدها رأسه لينطق بقلة حيلة وهو يشعر بالذنب تجاه ذاك كان الـ”نادر” نظرا لأنه سيتحمل تلك البلوى عنهم :
ـ حاضر يا بنتي ربنا يهديكي وتتجوزي وتتستري وتعيشي زي البنات .
بعد مرور ما يقرب من ساعة كانوا اهل العريس والعروسة يقرأون الفاتحة بعد ان اتفقوا على كل شيء وأن زواجهم سيتم خلال شهر واحد مما جعل الفرحة تملأ قلب والدي “نجوى” لأن تلك البلوى ستحل عن رأسهم فهم قد كهلوا ويمرون بأزمات صحية شديده فهي قد جعلتهم يصابون بالسكر والضغط والأمراض المزمنة من القولون العصبي بسبب أفعالها وسمعتها السيئة للغاية ،
نظرت إليها والدة “نادر” وهي منبهرة بجمالها المخبأ بمستحضرات التجميل ببراعة وجلوسها بتأدب أمامهم نال إعجابها:
ـ بسم الله ما شاء الله عليكِ يا “نجوى” يا بنتي أدب وجمال عالي قوي ربنا يجعلك عروسة الهنا لابني وما تقلقيش على نفسك معانا ده انتِ هتتهني وهتبقي البخت العدل حكم ابني مر بظروف صعبة في جوازته الأولانية ومراته منها لله خانته وافترت عليه بالجامد قوي ، يلا بقى الله يسهل لها مش عايزين نجيب في سيرتها بس ابني عمره ما هيقصر معاكي لا في مال ولا في عيشة وهتتهني عندنا يا عروسة الغالي .
تبسمت إليها نجوى بحياء مصطنع لتنطق بخجل رسمته على معالمها بمهارة لدرجة ان والديها انصدموا من هيئتها تلك والتي لأول مرة لم يرون وجهها المكشوف :
ـ ميرسي يا طنط ربنا يخليكي وان شاء الله أقدر أسعد “نادر” و اعوضه عن جوازته الأولى اللي اتبهدل فيها جامد .
انفرجت أسارير تلك الحماة لتنطق ببسمة زينت وجهها بدهشة على تأدب تلك الـ”نجوى” ورقيها في الكلام وصوتها الهادئ الرقيق :
ـ يا اختي جماله حلو ده القمر عروستك يا واد يا “نادر” رقيقة قوي ده انت امك داعيالك بالقوي ، ربنا يخليكِ ليه يا حبيبتي وان شاء الله هتعمري بيته بالهنا والحب .
بعد مرور نصف ساعة غادرت والدته وتركته يجلس مع عروسة وتركهم والديها كي يتحدثوا بمفردهم ليقترب منها “نادر” محاولاً إمساك يدها لتنزعها سريعاً وهي تنهره بجدية مصطنعة :
ـ ايه ده لو سمحت انا مش بتاعة الكلام ده إزاي تكون لسه قاري فتحتي وتحاول تمسك ايدي انا مش بحب الطريقة دي خالص يا “نادر” ولو هتمشي معايا بالشكل ده يبقى نفضها سيرة من أولها انا واحدة بتحب تحترم ابوها وامها وتحترم نفسها فلو سمحت من أولها كده بلاش لمس ولا اقتراب انا مش من النوع ده ولو عملتها تاني يبقى انت كده بتخسرني .
كان والدها ووالدتها يشاهدون ذاك الموقف من بعيد بعيون تملؤها الذهول من تمثيل ابنتهم على ذاك الأبله وهم ينظرون لبعضهم باستغراب شديد لينطق أبيها:
ـ انتِ شايفه اللي انا شايفاه معقولة دي “نجوى” وسمعتِ اللي انا سمعته انا مصدوم .
كانت الأخرى بنفس اندهاشه لتنطق وهي تبرر ذاك الموقف بما تتمناه :
ـ اه والله يا اخويا انا مش مصدقه نفسي يمكن تكون البنت تابت وربنا هداها وعايزه تتجوز وتستقر زيها زي اي بنت انا مش مصدقه والله اللي وداني سمعته واللي عينيا شايفاه .
وضلوا يتابعونها وهم على نفس ذهولهم من كلامها معهم ، أما “نادر” الذي نال إعجابه حركتها تلك وجعلته يجلس كالديك الشركسي نافشاً ريشه وهو يشعر بالنخوة لاختياره لتلك الفتاة المؤدبة للغاية ليغمز لها بإعجاب شديد لحركتها تلك التى أراحت صدره من ناحيتها بعد ما حذره صديقه من الاقتراب منها ولم يصدقه وظن انه يغار منه :
ـ ايه يا بت الأدب والشراسة دي كلها تصدقي أحب أنا القطة المخربشة اللي زيك اللي بتخاف على نفسها زياده عن اللزوم بصراحه عجبتيني قوي يا “نوجا” .
ما إن نطق اسم “نوجا” حتى تذكرت ذاك اللقب السيء لها فتحمحمت بهدوء وهي تطلب منه :
ـ ممكن بلاش دلع “نوجا” ده علشان مش بحبه خلينا في دلع “ويجا” او “جوجو” لاني ما بستريحش للدلع اللي انت قلته يا بيبي .
ـ من عيوني يا “ويجا” قلبي عقبال ما نتجوز الشهر ده كله هكون جبت اخري في انتظار القمر لحد ما يطل ويجي في أحضان حبيبه يا صبر ايوب قدام كتله الجمال والحلويات دي كلها .
هتف داخلها وهي تشعر بالاستياء من مغازلته :
ـ يخرب بيت تناحة أمك حتى المعاكسة بتاعتك من أيام الأبيض واسود بس ما يضرش كفاية فلوسك وطولك وعرضك ياض والشقة اللي في الكومباوند اللي هخليك تكتبها باسمي يا حيلتها بس الصبر يا بت يا “نوجا” لما تتجوزيه ابقي مخمخي براحتك هتخليه على الحديدة ازاي .
ابتسمت له ابتسامة صفراء وهي تجبر حالها على استماع كلماته التي تتقزز منها فهي لم تعتاد على تلك المعاملة الرقيقة نظراً لتعاملها مع أشكال يعتبرون أشباه رجال كانت بالنسبة لهم مطمعاّ في جـ.ـسدها فقط لا غير أما ذاك الذي يعاملها باحترام تلك المعاملة التي لم تعتاد عليها قبل ذلك بالنسبة لها فنعتته بالأهبل .
***********
ـ ولا الضالين ؛ آمين ؛ مبروك يا “يحيى” انت و”نور” وان شاء الله تبقى جوازه الهنا والسعد عليكم انتم الاتنين يا حبايبي .
نظر ذاك الوسيم الراقي إلى تلك التي تخفض وجهها بخجل ما زادها إلا نوراً على نورها ،تلك الحورية الأميرة نوره التي نورت دنياه وسطعت بشمسها وأنارت قلبه مجيباً خالته ببسمة وسعادة تملأ وجهه :
ـ الله يبارك فيكِ يا خالتو ودايما بيتنا مليان بالفرح والبهجة يا رب ويبعد عننا العيون الوحشة .
انهالت عليهم المباركات من أعمامهم وأخوالهم والجو ممتلئ بالسعادة والبهجة للغاية فذاك الثنائي راقياً بشدة والجميع يتمنون لهم السعادة الأبدية ثم استأذن “يحيى” من والد “نور” أن يأخذها في سهرة لإحدى المطاعم احتفالاً بخطبتهم ووعده بأن لا يتأخر فأذن له فابنته قد تعرضت للأذى النفسي الشديد من تجربتها المريرة وقد شعر بالسعادة حينما طلبها “يحيى” للزواج مما جعله يرتاح تجاه صغيرته التي تعـ.ـذبت بشدة ،
وفي أثناء خروجهم وهم يتحركون بجانب بعضهم ذاهبين إلى سيارة “يحيى” المركونة على أول الشارع قابلتهم أم “نادر” صدفة وما أسوأها من صدفة حيث استغلت الموقف وهي تنظر لها من أعلاها لأسفلها باشمئزاز نظرة مقصودة كي تراها “نور” التي نظرت لـ”يحيى” بعيناي حزينة و تحدثت بحزن لتلك النظرة التي أصابتها بالأذى :
ـ شفت يا “يحيى” النظرة اللي بصيتها لي عاملة ازاي ؟
الست البشعة دي مش هتمرر خطوبتنا على خير ومش هتبطل تجيب في سيرتي والكلام بيوصلني انا بجد قلبي رجف من جواه بسبب نظرتها ليا .
فتح لها باب السيارة ثم أشار إليها بعينيه بأن تصعد ثم تحرك هو الآخر وجلس بجانبها ثم بدأ بالقيادة ليبدأ حديثه مطمئنا إياها بحفاوة :
ـ بصي يا حبيبي مش عايزك تشغلي بالك بأي حاجة ولا أي حد وخصوصاً من ناحية نظرات ولا كلام العالم دي خالص ؛ عايزك تمسحيهم بأستيكة من عقلك ولما حد يجيب لك سيرتهم أو أي حاجة بيقولوها ما تفكريش فيها خالص وما تخليهوش يكمل كلامه ،
وأكمل بنصح لحبيبته التي أصابها الأذى وأصابه هو الاخر من حزنه على قلبها المجروح بسبب نظراتهم وكلامهم السام لها :
ـ انا مش عايز حد يزعل حبيبي ولا يخليه ما يحسش بفرحته انا عايزك ما تفكريش في أي حاجه غير في “يحيى” حبيبك واللي يسعد “يحيى” وما تفكريش في أي حاجة غير “نور” واللي يسعد “نور” مش عايزين حد يعكر علينا صفو فرحتنا تمام يا حبيبي ،
ثم غمز لها بمحبة مكملاً برجاء :
ـ احنا خارجين ننبسط ونقضي وقت لطيف علشان خطوبتنا النهاردة ونتعشى مع بعض واقول لحبيبي أحلى كلام في يوم حلو زي ده مش عايز بقى نفكر في حاجات تافهة تعكنن علينا ، أنا عايز أنبسط من الآخر يا نوري تمام يا بابا ؟
ابتسمت برقة وأجابته بطاعة :
ـ حاضر يا “يحيى” على رايك يعني نظراتهم تعكن علينا ليه ،
ثم نظرت إلى هيئته بإعجاب وهي تمدح بمظهره الجذاب مما نال إعجابه مدحها له :
ـ بس ايه الشياكة والجنتلة والحاجات التحفة دي بجد البدلة آخر جمدان عليك خصوصاً اني ما شفتكش لابس بدلة قبل كده دايما بتلبس كاجوال فالكلاسيك النهاردة لايق عليك قوي ومخليك حاجة كده قمر موت زي نجوم السينما .
راق له إعجابها به ليشاكسها بدعابة وهو يرفع منكبيه باستكانة مرددا بغرور مصطنع بحاله :
ـ انا أصلاً طول عمري شياكة يا ماما ،
نجوم السينما دول ما يجوش حاجة فيا ولا في شياكتي ؛ يعني على الأقل هما مش بيلبسوا من دماغهم لا ده فيه مصممين أزياء هم اللي بيلبسوهم علشان يظهروا بالشكل ده اما احنا الشياكة فينا بس ربنا هادينا .
اتسعت مقلتيها لغروره الشديد لتداعبه هي الأخرى :
ـ واو ده ايه الغرور ده كله يا ابني انزل على أرض الواقع مش عشان قلت لك كلمتين عن البدلة التحفة أوى اللي انت لابسها تاخد مقلب في نفسك أوي كده ،
ثم تابعت مشاغبته وهي تشير على حالها بغرور مماثل لغروره :
ـ وعلى فكرة بقى احنا كمان جامدين قوي وحلوين قوي كمان وبرده الشياكة في دمنا والكل بيتعلم مننا .
وصلوا إلى المطعم أخيراً ثم توقف بسيارته ونظر إليها نظرة متفحصة لهيئتها وتلك النظرة أخجلتها بشدة ثم غازلها :
ـ مش هننكر طبعا إن البرنسيسة “نور” أجمل بنت في الدنيا وأشيك بنت في الدنيا ومن حقها طبعا تتغر بحالها ، ومن حقها تشوف نفسها على أي حد وتمشي تقول يا ارض انهدي ما عليكِ قدي ،
وتابع غزله بها وهو يدللها بنظرة ساحرة:
ـ احنا جامدين طبعا يا باشا ده انت على راسنا من فوق يا بطل الأبطال .
تبسم وجهها على استحياء من طريقته ونظراته وكلامه معها وهي تدير وجهها للناحية الأخرى بخجل من تلميحاته فمد يده أسفل ذقنها وأجبر عينيها على أن تنظر داخل عينيه لينطق بنبرة حالمة :
ـ القمر اللي بيتكسف النهاردة مش يوم كسوف خالص عايزك بقى تسمعيني أحلى كلام تخليني أطير في السحاب وننسى العالم والدنيا والناس وننسى الهموم وننسى كل حاجه وحشة وما نفتكرش إلا كل حاجة حلوة علشان اليوم يفضل معلم في قلوبنا وما ننساهوش خالص ، حلو الكلام يا نوري الساطع في قلبي .
هزت رأسها بإيجاب وهي تشكر ربها داخلها على انه احس بمشاعرها واعطاها كل ذلك الحب من ذاك الحنون الراقي الذي يعاملها كالأميرات ثم سألته وهي ما زالت تتعمق النظر في عينيه الساحرتين :
ـ انا مش مصدقة نفسي ان انت حسيت بمشاعري ناحيتك وانك اكتشفت حبي جواك بس يا ترى هتفضل مشاعرك وحبك تجاهي كده على طول ولا هي حلاوة البدايات بس يا “يحيى” ؟
طمئنها بتلك الكلمات التي جعلتها تود أن ترتمي داخل أحضانه كي تتنعم بحنانها وكيف تشعر بدفء مشاعره تجاهها :
ـ حلاوه البدايات فين دي يا بابا ؟
احنا لسه ما ببتديناش أصلاً في حلاوة البدايات دي ، لما نبقى في بيت واحد ويتقفل علينا باب واحد ساعتها بقى هنشوف حلاوة البدايات ونحسها ونتمسك بيها ،
وأكمل بتمني أربكها وجعل جسدها مفكك من سحر وعذوبة غزله لها وتلك الاحاسيس والمشاعر لم تجربها من قبل حتى مع زوجها السابق لم يدللها ويغازلها بتلك الطريقة فكان دوما مشغولاً عنه ولم يتعامل معها كأي خطيب وخطيبته ولكن “يحيى” صب على مشاعرها حباً جماً جعلها تشتاق له كما يشتاقها:
ـ بجد مشتاق قوي لحضنك ومشتاق إني أضمك جوايا واطمنك واخليكِ تنسي كل الحاجات الوحشة اللي انتِ عشتيها والظروف اللي انت آسيتيها ،
بجد يا “نور” اليوم ده حسه بعيد قوي من كتر ما انا مستنيه حاسس انه هيبقى عبارة عن حـ.ـرب جـ.ـيوش اشتياق مني ليكي ، حاسس انك مش هتقدري تتحمليه ، حاسس ان انا هبقى زي الغزو على قلبك ومشاعرك وخايف عليكِ لدرجة اني أخفيكي جوة حضني وضلوعك تنكسر جواه من شدة شوقي ليكِ .
تلعثمت من كلماته وإيحائاته ومراوغة حديثه فقررت الإنسحاب من أمام ذلك الساحر بطلته المهلكة وضحكاته المثيرة لقلبها المسكين لتفتح باب السيارة وقبل ان تنزل رددت بنعومة:
ـ لا كفاية عليا كده أنا مش قدك يا عمنا انت اهدي عليا بلاش كلامك الكبير والتقيل قوي ده واحدة واحدة يا “يحيى” ده انا غلبانة خالص ما جيش فيك حاجة ويلا انزل بقى علشان نتعشى علشان انا حاسة ان انت قربت تتهور في العربية .
جذبها من يدها فجأة لتسقط على الكرسي مرة أخرى وهو يشاكسها بمكر :
ـ هو مين اللي مش قد مين يا باشا ده انا اللي مش قدك ولا قد قدك ، وفيها ايه يعني لما نقول كلام كبير علشان نمهد لأفعال أكبر ،
أمال الأربع خمس شهور الخطوبة دول هنقضيهم في ايه ما هنقضيهم في الكلام والدلال والعشق والغرام لحد ما ربنا يفرجها علينا ونبدا الافعال بقى اللي هموت عليها يا نوري .
اتسعت مقلتيها بخجل من تصريحاته لتنطق بإسمه بنبرة مندهشة :
ـ يوووه ، “يحيى” !
غمز لها بنظرة ساحرة:
ـ عيونه .
مطت شفتيها للأمام بدلال وهي تنهاه عن تلك الأفعال التي تثير مشاعرها :
ـ بطل بقى كلامك ده ويلا ننزل بقى نتعشى ولا هنفضل نتكلم ونحب وندوب وتروحني لبابا من غير عشا ولما يعرفوا اني جعانه هيقولوا عليك انك بخيل ومعشتنيش .
نزل من سيارته وتحرك بجانبها وهو ما زال يشاغبها :
ـ وماله الحب والدوبان اهو تصبيرة يا روحي وبعدين من ناحية العشا ما تقلقيش ده انا مجهز لك مائدة فاخرة من كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين بس انتِ خلصيها كلها يا روحي ده انت تؤمر يا باشا واحنا علينا التنفيذ .
ابتسم كلاهما للآخر بنظرات محبة للغاية وخطا بساقيهم ناحية المطعم كي يكملان سهرتهم السعيدة وكأن الله يجبر قلب تلك البائسة التي مرت بتجربة شنيعة كانت ستؤثر على نفسيتها بالسلب الشديد لدرجة الانعزال عن العالم ولكن الله يعوض المظلوم ويجبره جبراً يتعجب له أهل السماء والأرض بل وينتقم ممن ظلموه اشد انتقام فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .
**********
ـ ايه ده معقولة ، “سالي” !
ياه عاش من شافك يا بنتي .
رفعت وجهها وهي تحفظ ذاك الصوت عن ظهر قلب ولكن قلبها وعقلها نهرها بشده قبل ان تتأكد من تقينها بصاحبه كانت ترتدي نظارتها الدراسية وتمسك قلمها وكراستها تدون بعض المحاضرات التي غابت عنها من صديقتها لتنصدم حينما راته امامها بطوله وتذكرت تلك الحادثه السيئه التي مرت في حياتها بسببه وتلعن قلبها على دقاته المتتالية أمامه ما زال خائنا لها ويدق لمن ظلمه وآذاه لتنطق بنبرة خالية من أي مشاعر وترحاب به :
ـ الله يسلمك يا مستر عاش من شافك .
ابتسم لها بطيبة وكأنه لم يفعل بها شيء من ذي قبل ليستأذن منها الجلوس كي يطمئن على حالتها :
ـ عاملة ايه يا “سالي” ليكِ وحشة والله ممكن أقعد حاسس ان انا عايز اطمن عليكِ وعلى حياتك وحالك دلوقتي طمنيني عنك ،
ثم نظر حوله إلى المكان وأكمل استفساراته :
ـ وبعدين انتِ بتعملي ايه في الجامعة لحد دلوقتي هو مش المفروض إنك تكوني مخلصة جامعة من بقالك سنتين تقريبا ولا انا بيجي لي تهيؤات ؟
اشارت اليه بيده ان يجلس وما زال البرود علامة ترتسم على وجهها ببراعة وهي تجيب على أسئلته ولكن قبل أن تجيب هتفت بنبرة ساخرة :
ـ سبحان الله يا مستر “زيد” لسه زي ما انت بتتكلم بطريقة الغزل المعتاد لكل بنت شايفها حلوة ولازم تتكلم معاك وتعجب بيك وكمان تبادر بمحبتها ليك سبحان الله هو الزمان ما بيغيرش البني آدمين للدرجة دي اشمعنا انا اتغيرت ،
وتابعت إجابتها على سؤاله بما أذهله :
ـ ما علينا ما لناش فيه انا هنا يا سيدي بدرس اصل انت ما تعرفش ان انا دخلت في حالة اكتئاب شديدة بعد الثانوية لدرجة ان من كتر الحزن والعياط والاكتئاب كنت هفقد نظري لأني قعدت في الحالة دي كتير جدا لولا ان ماما وبابا وقفوا جنبي وسندوني كان زماني دلوقتي ضعت والحمد لله انتهت حالة الاكتئاب على ضعف نظري ولبست نظارة الأبله نظيرة زي ما الناس كانت بتناديني أول ما لبستها ، أي نعم هي واكلة نص وشي وخفت معالمه الحلوة لكن أحسن من ما اشوفش خالص من غيرها ، وبعدين بابا وماما أصروا ان انا اكمل كليتي ودخلت صيدلة خاصة لأن ده كان حلم بابا إني أبقى الدكتورة “سالي” بس أنا خيبت أمله وجريت ورا قلبي لحد ما فقدت ذكائي وشطارتي في الثانوية وخبت وجبت 70% بعد ما كنت بقفل 97 وال 98% في سنة أولى وتانية لكن كله مقدر ومكتوب بس جوايا مش مسامحة اللي وصلوني للمرحلة دي .
كان ينفطر داخله لأجل استماعه لأوجاع تلك الـ”سالي” فهي كانت من ضحاياه من الفتيات التي لعب بعقولهن بكلامه المعسول لهن ولكن لم يكن يتخيل أن تلك الهراءات قديما من وجهة نظره سوف تؤثر في ضياع مستقبل إنسان لتلك الدرجة ليسألها صريحاً بنبرة متحطمة لأجلها :
ـ “سالي” انتِ تقصدي ان انا السبب في دمار عينيكِ ودمار مستقبلك لو سمحتي جاوبيني على سؤالي بكل صراحة ؟
هتفت بنبرة ساخرة من سؤاله الأبله من وجهه نظرها :
ـ ياه للدرجة دي يهمك قوي دماري يا مستر ؟
لو كان يهمك ما كنتش عملت فيا كده ما كنتش علقتني بحبك وهواك وكلامك المعسول ونظراتك الهيمانة بيا اللي انت كنت واهمني بيهم وتفضيلك ليا على كل زميلاتي في الدرس وسهر في التليفونات طول الليل علمتيني حاجات اقولها لك واعملها معاك ما كنتش عمري أعرفها إلا منك خلتني لحد دلوقتي كل لما أفتكرها أحتقرني قوي ،
خلتني بدل ما كنت البنت الرقيقة الشاطرة الممتازة اللي أبوها وأمها تعبوا عليها علشان يربيها أحسن تربية يتباهى بيها في كل مكان ، بنته الوحيدة ونور عينه لبنت لعبية مش شايفة حاجة غير إنها ترضيك وتغريك علشان خاطر ما تبصش لواحدة من زمايلها ،
علمتني كل حاجة وحشة ، علمتني إن أنا أبقى بنت قمة قلة الأدب والأخلاق وفي الآخر بعد ما رفعتني لسابع سما نزلتني لسابع أرض بكل برود بعد ما خلتني أقول واسمعك كل اللي نفسك تسمعه وبعدها رمتني زي الكلبة ما سألتش عني وعملت لي بلوك من كل حتة لا وكمان من كتر فجرك بعت لأبويا اسكرينات بمحايلتي عليك وان أنا بحاصرك من كل مكان وانك يا حرام مش عايز تعمل حاجة تأذيني وده كله علشان صاحبتي اللي كانت بتغير مني لشطارتي وبرائتي وجمالي واني دايما كنت متفوقة عليها ما رضيتش تتكلم معاك ولا تعمل اللي انا عملته معاك إلا لما تعمل فيا كده وسبحان الله الايام بتدور وعملت فيها نفس اللي إنت عملته فيا ،
وأكملت ذكر أمر ذكريات قاسية تود محوها من ذاكرتها ولن تستطيع إلى الآن بعد مرور كل تلك السنوات :
ـ تفتكر بعد ده كله تسألني السؤال التافه ده ؟
ياه يا مستر على جحود قلبك واستهتارك بمشاعر بنت بريئة مشاعرها بيور وثقت فيك وائتمنتك على قلبها ،
وأكملت وهي تحمل حقيبتها وكتبها بما نهى على صبره أمامه وجعله تمنى الموت في تلك اللحظة ولا أنه فعل كل ذاك الدمار بتلك البريئة وهي تجز على أسنانها بغضب:
ـ انا خيصمتك ليوم القيامة ومش مسامحاك على اللي انت عملته فيه ولا على تدميري ولا على حزن أبويا وامي على حالتي وقهرتهم عليا ولا على عيني اللي نظرها ضاع بسببك وبقيت بشوف طشاش ولا عن اي دموع بكيتها دم ولا على كل ليلة من الألف ليلة اللي عيشتهم كارهة نفسي بسببك ، عن اذنك وأتمنى مشفش وشك تاني لأنه بالنسبة لي بعد ما كان أجمل وأطهر وش زمان بقي أبغض حاجة ممكن أشوفها .
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مشاعر موقدة)