رواية مشاعر موقدة الفصل الثاني عشر 12 بقلم فاطيما يوسف
رواية مشاعر موقدة الجزء الثاني عشر
رواية مشاعر موقدة البارت الثاني عشر

رواية مشاعر موقدة الحلقة الثانية عشر
قبل أن يقترب منها كالأسد الجائع وضعت كف يدها الصغيرة على صدره تتوسل إياه بعيناي تلمع بالدموع :
ــ بلاش يا هاشم ، بلاش تخليني أعيش ليلة مقدرش أنساها ، بلاش توحش نفسك أكتر من كدة أنا بنساش الوجع والإهانة بسهولة .
اظلمت نظرات عينيه أمامها وهو يرى ارتجاف جسدها أسفله ولكن كلامها اللاذع له آلمه فعجباً لك أيها الهاشم ترى منها جرح كرامتك ولا تري وجيعتك لها أي عقل وأي رحمة تفكر بها أيها الرجل الأناني ،
ظلت كلماتها تتردد في آذانه حتى نطق لسانه بجمود وهو يعتليها :
ــ إذا كنتِ مبتنسيش الوجع والإهانة بسهولة فأنا كمان مش هنسى إهانتك لرجولتي وكرامتي وكلامك الكبير لجوزك يا محترمة يا متربية واللي همعله دي معاكي حلالي وانتِ مجبرة تنفذي أوامر جوزك وتطعيه وتكوني رهن إشارة لرغبته فيكِ .
حاولت إفلات يديها من بين قبضتاي يداه المتمسكة بها وما زال يعتليها عارياً الصدر بعد أن خلع قميصه ورماه أرضاً ليسمعها تهمس بحزن آلامه :
ــ أنا مش مجبرة إنك تاخدني غصب عني إنت كدة كأنك بتعـ.ـتدي عليا وأنا عمري ما هقدر أنسى لك موقف زي ده أبداً ، أرجوك سيبني وبلاش تزود أوجاعي منك وجع كبير قووي ويبقي الكومي اللي هيقش محبتك في قلبي .
ضحكة ساخرة خرجت من فمه على كلامها ليعقب عليه لما رآه هراء ولما أرشده له عقله وما زال متمسكاً بها واقترب من عينيها قليلاً لينظر داخلهم بنفس نظرات الرغبة كي يؤثر عليها ويفوز في معركة نيله منها برضاها :
ــ إنتي متعرفيش حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيُّ النساءِ خيرٌ ؟ قال : التي تسرُّه إذا نظر ، وتطيعُه إذا أمر ، ولا تخالفُه في نفسِها ومالها بما يكره ،
وأكمل ضاغطاً عليها كي يجعلها تستسلم أخيراً:
ــ وإن الست اللي تتمنع على جوزها الملايكة بتلعنها لحد ما تصبح ، وأنا عايزك وبشدة وانتِ بتتمنعي عليا فخليكي عارفة إن الملايكة هتلعنك لحد ما تصحي .
زاغت نظرات عينيها هلعاً من كلامه ومن طريقته في إقناعها لتسأله وهي تشعر بالضياع بين يديه :
ــ ازاي يعني ربنا يفرض حاجة زي دي على الست لو جت لها ليلة جوزها مزعلها ومش مؤهلة نفسياً ولا قادرة تبص في وش جوزها حتى يحكم علينا بحكم زي ده أنا مش مصدقاك .
آااهٍ منكِ حنيني وألف آااااه ألتلك الدرجة تنفرين مني ولا تريدين لقائي ولا أحضاني !
هل وصل بك الحال هاشم أن تسمعها من فمها وأن تقف على أعتاب أحضانها أنك مرفوض !
ماذا عن كرامتك يا رجل وأنت تريدها أن تسكن أحضانك وأنت غير مرغوب !
ثم سألها بصوتٍ ممتلئ بالحسرة لكلامها بما جعلها لوهلة ندمت على ما قالت :
ــ يااااااااه مش قادرة تبصي في وشي ! جالك قلب تقوليها يا حنين ؟!
جالك قلب ترفضي حضني وتتعاملي معايا بالأسلوب والنفور ده وأنا عمري ماشفت ولا اتمنيت ست غيرك ؟!
وأكمل وهو يضع يمناه على صدرها وبالتحديد موضع قلبها وهو متأثراً بكلامها الجاارح :
ــ ده أنا سامع صوت دقات قلبك بتناديني ، ولهفة عنيكي بتأنبك على كلامك لهاشم ،
وأنفاسك المسلوبة في قربي ، وكل انتفاضة لجسمك وانتِ بين ايديا بتقول لك حرام عليكِ قربي ده هاشم حبيبك بلاش تبعدي بلاش تعملي فيه كدة ؟
ثم زادها من الشعر بيتاً بما جعلها شعرت بالندم وانقلب حزنها على حالها إلى تأنيب ضمير بما قالته له وأنها جرحت كرامته كرجل :
ــ طب يا حنين من النهاردة أنا مش عايزك ولا هقرب منك ولا طايق أبص في وشك مش أنا الراجل اللي يبقي ملهوف على الست بتاعته وهي ترفضه ، ولا أنا الراجل اللي تهنيه في رجولته ويشوف النفور في عنيكي وفي كل حتة فيكي منه ويقرب أنا عمري ما هقرب منك تاني خلاص شلت منك ومش قادر حتى أكون موجود في المكان اللي انتِ موجودة فيه علشان متحسيش بالاختناق في وجودي .
إبتلعت لعابها من هيئتهِ المٌدمرة لإنوثتها وكلامه وطريقته التي جعلتها ندمت ندماً شديداً على ما قالته وسوس لها عقلها بأنه ليس له ذنب بأفعال أمه ولا شقيقاته ، بأنه لن ولم يرى امرأة غيرها ،بأنه رجل متعب في عمله طيلة اليوم وحينما يعود إلى منزله لابد أن يرى زوجته بابتسامة عريضة لابد أن ترسمها رغماً عنها كي تخفف عنه عبئ العمل الشاق ،
تملك شعور الندم منها بطريقة لا توصف وتبدل المظلوم إلى ظالم ، فحقاً أنت بارع أيها الهاشم في قلب الموازين تُرفَع لك القبعة ،
نهض عنها بمشاعر صلبة جامدة وهو يدفعها بيده بعيداً عنها وكأنه بتلك الحركة يثأر لكرامته التي أهينت من رفضها وتركها وقام سريعا منتويا الخروج من الغرفة ،
لم تعبئ لتلك الحركة المهينة فقد دفعها بحدة وكل ما تراه الآن نصب عينيها أنها المخطئة بشدة وأنها ستنام ليلتها ملعونة من الملائكة وسيغضب عليها الله ولن تعيش لحظة سعيدة بعد ذاك حتى يرضى عنها هاشمها ، روحها التي سكنت داخلها ، نبض قلبها ودقاته وبدونه ستفارق الحياة ، عشقها ومعشوقها ووليد حبها الأول كان على يديه ،
قامت سريعاً كي تلحق به وقبل أن يغادر الغرفة احتضنت ظهره من الخلف بتملك وهي تضع رأسها على ظهره ناطقة باعتذار وندم جعلته شعر بالانتشاء وهو يقف مكانه مغمض العينين يكبت شعور الاحتياج لها الذي تأجج في صدره من قربها كي لا يضعف ونفسه تنهاه أن يقترب وتأمره بأنه لابد أن يؤدبها على كلامها الجارح لرجولته :
ــ أنا آسفة يا هاشم حقك عليا ، متسبنيش أنام لوحدي وتخرج أرجوك ، أنا نفسيتي متدمرة بسبب اني…
لم يجعلها تُكمل تبريرها فضغط على يديها المحاوطة لخصره بشدة آلامتها وكأنه بتلك الحركة ما زال مشتاقا لقربها وتفريغ شحنة الاحتياج إليها كجـ.ـسد امرأة يهوى تواجده بين أحضانها المثـ.ـيرة له ولكنها فهمت ضغطه على يديها بأنه غاضباً منها ويعنـ.ـفها لينطق أخيراً بقسوة :
ــ بسسسسس متكمليش حجج فارغة إنتي من شوية قلتي انك مش عايزاني واني أناني ومش راجل وكمان نرجسي وانك مش طايقة تبصي لوشي أنا دلوقتي بقولك خلاص يا حنين انتهي الأمر ومن النهاردة مش هخليكي تلمحي وشي ولا تشوفي خلقتي اللي معصباكي ،
ثم استدار إليها قابضاً على ذراعيها هادراً بها بعيناي محمرتان جعلتها ارتعبت بل وخافت منه :
ــ ابعدي عن وشي الساعة دي أنا بقي اللي مش طايقك ولا طايق أسمع صوتك .
ثم قصد جذبها من يدها بشدة حتى جعلها ترتطم بصدره في حركة أذابت إثنتيهم وأهلكت حصونهما ،
ثم نظر لشفتاها قاصداً التأثير عليها كي يجعل نيـ.ـران الاشتياق له تندثر في جسدها كنا كانت حالته وأبتلع لٌعابه وبدأ صدره ينتفض ويعلو ويهبط من شدة إحتياجه لها هو الآخر ، وبالفعل قد وصل لمبتغاه في جعلها تستكين ولو كان الأمر بيدها لطلبتها صريحة منه بأنها تلهث لاقترابه منها ونجح الهاشم بالفعل في تبديل الأدوار ،
فما كان حالها أفضل منه، كانت تنظر لعيناه بفاه مفتوحة مٌرتعشة وقلبٍ يرتجف يريد الإرتماء داخل أحضانه ونسيان كل ما قالته له وأحزنته به ، تود قولها صريحة “أريدك هاشمي ”
ظلا كلاهما على وضعهما ينظر إلى الآخر بحسرة فهو يريد وهي أصبحت تريد بل وتتوق بشدة ولكن الله يفعل ما يريد ليدفعها في صدرها بحدة خفيفة تاركاً لها الغرفة بعد أن تيقن من رؤية رغبتها به فلقد رآها في عينيها اللامعتين بشغف الاقتراب له وفي دقات قلبها التي تخفق بين ضلوعها ، وفي ارتجافة جسدها بين يديه وأمام صدره الذي شعر بارتجافتها وفاز الهاشم وهو يتحرك من أمامها منتصراً لتنادي عليه بهمس خفيف ، نادم ، محتاج لأمان أحضانه فالمرأة كائن رقيق ، هش ، ضعيف وأمانه أحضان خِلٍّ يعشقه :
ــ هاشم ، متسبنيش ، أنا محتجاك ، ارجع أرجوك ، متسبنيش في ضلمتي لوحدي أنا من غيرك ولا حاجة .
“هاشم ” ! أين هاشم لقد رحل بقلب عنيد أيها الحنين ويالكِ من قسوة عقابه أعانكِ الله عليها ، لقد نظرتي له منذ أول لقاء لصدره العريض وتخيلتي فيه بأنه سيكون كافٍ لاحتوائك فهو صدر متسع ويستحيل أن لايستطيع احتوائك لكن ذاك الصدر المتسع ترككِ في أضيق الضيق ومفترق الطريق تتأني وحدكِ فذهبت إلى تختها وارتمت عليه تبكي بشدة وتسهر على نواح معذبها في غيهب الغسقِ،
أما هو دلف إلى الحمام يريد أن ينزل تحت الماء الغزير المثلج كي يطفئ نيران جسده من أمران وشتان بينهما ألا وهما، إهانتها وكلامها الجارح ، و رغبته بها فقد أهل مشاعره وأحسايسه وأفكاره بأنه سينالها ،
خلل أصابعه بين خصلات شعره كي يهبط الماء على رأسه يجعله يفوق ويهدأ من ثورانه ولكن رائحتها المسكرة ما زالت عالقة بين أصابعه ، ارتجافة جسدها لاحتياجها له تجعله يرتجف هو الآخر وهو بعيداً عنها ،
وبات كليهما خسران وفاز العناد بملاذِ ليلتهم .
(ملحوظة :مشهد صعب جدا في تجسيده وأصعب مما تتخيلوا يارب يكون وصل لكم وقدرت بإحساسي أخليكم تتخيلوه 🥺🥺)
في شروق الشمس أعظم آيات الجمال، فما إن تبدأ أشعتها بالتسلّل رويداً رويداً، حتى تُلصق بياضها على وجه الحياة، فتتلوّن الأرض بكلّ ألوانها الزاهية، فتظهر الأشجار والزهور والطيور والفراشات، بعد أن كان يطمسها الظلام ويغطّيها بسواده، تأتي الشمس لتزيح كلّ تلك العتمة بأشعتها الذهبيّة الرائعة، وكأنّها تطبع على جبين الكون قبلة ،
استيقظ هاشم بعيناي مشوشة من اثر النوم متأخراً على صوت هاتفه يعلن عن وصول مكالمة حاول تدليك جبينه كي يجبر حاله على الإفاقة ثم اجاب الهاتف بصوت ناعس :
ــ ايه يا ابني بترن الساعه 7:00 الصبح في ايه انا نايم متأخر ومش شايف قدامي ؟
أجابه “زيد” بحيوية وهو يضع البرفيوم الخاص به كي يذهب إلى الجامعة فاليوم الذي يمارس فيه التدريس في كلية الصيدلة بالنسبة له أعظم ساعات الأسبوع لأنه سيرى ليلته واليوم فقط أسعد من أي يوم فسيلتقي معها في محاضرة سوف يلقيها عليهم بعد أن فعل الكثير والكثير كي يصل إلى المدرج الخاص بدفعتها كي يقف أمامها ويريها كم هو ناجح وكم هو فطن يستطيع الوصول إليها في أي مكان فهو لن ولم ينساها ولن ينزعها من رأسه ، ثم أجابه بتأكيد أزعج ذاك الــ”هاشم” :
اعمل حسابك أنا هأكد على الحجز النهاردة تذكرتين ليك انت والمدام ومفيش مفر يا هاشم انا ويحيى اتفقنا عليك خلاص.
انتفض “هاشم” من نومه عقب استماعه لما قال فكيف سيذهب معه إلى تلك الرحلة وبينهما تلك المشادة الشديدة فمنعه برفضٍ تامٍ :
ــ استنى يا زيد بلاش انا مش عايز اروح ما عنديش وقت وكمان مليش في الحوارات دي انت عارف روح انت ويحيى فككم مني بقى ما اصطبحناش على الصبح .
صمم “زيد” على أن يفعل ما قاله معلِناً إياه بأمر لا يقبل النقاش :
ــ انا مش بتصل بيك عشان استأذنك يا هاشم ، انا بتصل عشان أبلغك وعدي أيامك معانا يا حبيب اخوك علشان انت هتيجي يعني هتيجي سلام يا عمنا .
أنهى “زيد” المكالمة ثم أغلق الهاتف سريعاً قبل أن يتحدث وقد انتوى أن يحجز له هو وزوجته إجباراً عنه ثم هاتف “يحيى” يسأله هو الآخر عن مجيء ابنة خالته :
ــ ايه يا استاذ يحيى جاي انت كمان ولا أحجز لك اجباري زي الشيف هاشم ،عملت ايه مع المزة هتيجي معاك احجز لها ولا هتيجي معانا لوحدك ؟
أجابه “يحيى” بثقل من أثر النوم:
ــ في حد يتصل على الصبح كده يا ثقيل انت ولا علشان وراك جامعة النهاردة فصاحي كلك حيوية عشان هتشوف حبيبتك ؟
قارفنا معاك على الصبح يا عم ما كنت اتصل كمان شوية هيجرى ايه يعني ؟
وبعدين ايه كلمة مزة دي يا ابني ارتقي شوية عمر “ليلى” ما هتشوفك طول ما انت بتقول مزة دي هو انا مش قايل لك 100 مرة ياض انت ما تقولهاش ؟
رفع “زيد” حاجبه ساخراً من طريقتهم معه :
ــ تصدق بالله إنكم عيال ومش رجالة ما تفوق ياض منك ليه الحركة بركة والصحيان بدري حلو ونشاط للجسم وخلصنا بقى يا عم احجز لك ولا ايه انت كمان أنا مش طالع الرحلة دي غير بيكم فاهمين ولا مش فاهمين ؟
أجابه “يحيى” بثقة:
ــ احجز يا عم انا هروح لخالتو على الضهر كدة علشان اقول لهم واقنع “نور” انها تيجي معايا ما تقلقش هعرف اقنعها احجز انت بس .
تبسم “زيد” ضاحكاً من ثقته :
ــ ايه ياض يا يحيى الثقة اللي انت فيها دي يعني انت ضامن وباثم بالعشرة موافقتها ده انت باين ياض إنك انت الواد اللي فينا وبتعرف تثبت المزز صحيح تحت السواهي دواهي .
ضـ.ـرب “يحيى” كفاً بكفٍ وهو يضع الهاتف جانباً مكبراً في وجهه بفكاهة :
ــ الله اكبر على الصبح يا ابني هو انت متصل عشان تنق عليا روح يا عم الله يسهل لك بلا سواهي بلا دواهي ده أنا أغلب واحد فيكم .
أنهى المكالمة كلاً منهما وعلى وجوههم الابتسامة فحقاً من يصنع الابتسامة على الوجوه العابثة غير الصديق الصدوق الصادق ،
كان “هاشم” ما زال يجلس على تخته يفكر كيف سيبلغها بتلك الرحلة وبينهما كما يقول المثال مصانع الحداد ؟!
فهو لن يستطيع الإفلات من صديقيه فقام من مكانه قاصداً التوجه إليها كي يبلغها فهو وضع أمام الأمر الواقع وعليه التنفيذ ولابد ان تعلم كي تقوم بتجهيز حالها وإخبار والدتها بسفرهم ،
دلف إلى الغرفة التي أنيرت قليلاً بفضل ضوء الشمس الساطع من النوافذ بأقدام واهية كي يستعد نفسياً للحديث معها فـ”هاشم” في خصامه شديد للغاية صعب لا يلين بسهولة ولكن هي الظروف من ساقته إليها ،
وصل إليها وجدها تغط في سباتٍ عميق وتحجب خصلاتها السوداء الطويلة المجعدة الرؤية عن عيناها ،
ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يراها بتلك الهيئة المثيرة لرجولته ثم رفع خصلاتها قليلاً كي يرى وجهها ولكن صُدم حينما رأى عينيها المنتفختين ويبدو أنها كانت تقضي ليلتها بكاءً ووجنتيها وأنفها شديدي الإحمرار فلوهلة رقَّ قلبه لحالتها المذرية تلك ولام حاله على إحزانها واقترب منها ليدفن يده بين خصلات شعرها ويجذب إحداهم بين يديه فاستفزه رائحة شعرها الذي يعشقها بشدة فجذبها برفق ناحية أنفه ليشتمه بعبقه المحبب إلى قلبه وقد عادت مشاعره الرجولية تتأثر بقربها من جديد ،
ظل ممسكاً بخصلاتها يشتمها بنهم إلى أن تململت في نومها فتركهم على الفور كي تستيقظ فاجأة وترى فعلته ثم حاول تنظيم أنفاسه وتهدئة مشاعره الثـ.ـائرة داخله وهمس باسمها برفق كي لا يزعجها في نومها :
ــ حنين ، حنين فوقي عايزك .
فاقت على صوته يناديها وهي تشعر أنها تحلم ولكن حينما فتحت عينيها وجدته أمامها فتقابلت نظراتهم وهي لم تصدق أنه يقف أمامها كي يراضيها ويعتذر عن ليلته وكلامه الثقيل لها ليلة أمس ؟!
لتنطق بنبرة مبحوحة من أثر النوم ونظرات متأثرة بحالمية لوجوده أمامها جعلت جسده يهتز ويود إلقاء حاله داخل أحضانها وهي تتمسك بيده :
ــ ياه ما قدرتش تنام بعيد عني وتعرف اني مليش غيرك أنا بجد بحبك قووي يا هاشم ومقدرش على زعلك،
ثم قامت بنصف جسد وهي تنزع الغطاء عنها وظهرت أمامه بهيئتها المبعثرة بشكلٍ مثير أمامه ناطقة برجاءٍ أذهله :
ــ أرجوك متسبنيش تاني أنام لوحدي بعد ما اتعودت انام في حضنك وأتنفس نفَسَك أنا من غيرك ولا حاجة يا هاشم ،
وأكملت بنبرة مبحوحة وهي تجلس على ركبتيها على التخت أمامه واحتضنت وجنتيه بعدما جذبته أن يجلس بجانبها :
ــ أنا بحبك قوووي ومقدرش على بعدك .
لم يستطيع كبت جماح رغبته بها الآن ولا السيطرة على حاله واقترب منها لينال من أنوثتها ما يجعل جسـ.ـده يرتاح مما جعلها اندمجت معه في اللحظات الوحيدة السعيدة التي تحياها معه وباقي ساعات يومها وحيدة ، تعيسة ، مغمورة بين والدته وشقيقتيه والاربع جدران المحبوسة داخلهم في ذاك المكان ،
أخيراً مر لقائهم على مهل لإرادته هو ومتطلباته هو فقد كان مشتاقاً لاقترابها وبعد ان نهل من شهدها وتنعم في أحضانها ونال من عشقها وقربها ابتعد عنها وهو يداري عينيه بعيداً عن مرمى عينيها المبتسمة له بصفاء نية مردداً بنبرة جافة وهو يعطيها ظهره يرتدي التيشرت القطني :
ــ اعملي حسابك هنسافر بكرة الغردقة أسبوع أصحابي حجزوا لنا جهزي الشنط وكل اللي هتحتاجيه .
تفاقم الوجع بداخلها وشعرت بنــ.ــار هوجاء تحــ.ٕـرق أحشائها بالكامل من نبرته الصلبة الجافة معها ورغم ذلك امتثلت السعادة لكونه أخيراً سيأخذها بعيداً عن ذاك المنزل وتهنئ بجواره أسبوعاً كاملاً بعيداً عن كل الضغوطات في ذاك المنزل ، فقامت من مكانها سريعاً وهي ترتدي بيجامتها الشفافة واحتضنته بحب تعبر له عن مدى سعادتها :
ــ الله ايه الخبر الجميل ده بجد انا بحبك قوووي يا هاشم وانت روحي وعمري كله .
سحب نفسا عميقا ثم زفره على مهل وهو يحاول السيطرة على نيران في صدره المولــ.ــعة في عناقها وابتسامتها ليصدمها برد فعله :
ــ دلوقتي حبيبك وروحك وامبارح أنا مش راجل وأناني ونرجسي وانا كنت جاي لك بابتسامة وكلي اشتياق لقربك وانتِ قلتي لي مش عايزاك ،
وأكمل بنبرة حادة وهو يبعدها عنه بقصد جرحها:
ــ أنا لسه مسامحتكيش ومش قادر أسامحك ولا هعرف أنسى إهانتك .
رمشت بأهدابها وهي ترفع عينيها التي تتلألأ جواهرها ثم عاتبته بنبرة مملؤة بالحسرة :
ــ طب ليه يا هاشم قسوتك دي ، انت صعب قوووي وعقابك وخصامك أصعب حرام عليك تستغل حبي ليك وتستضعفني للدرجة دي .
ابتلع غصة آلامه حينما وقع نظره عليها وكأن أحدهم غرزه بسكين حاد في قلبه وهو يرى دموعها ولكن ما زال كلامها الجارح له عالقاً في عقله كالخنجر المسموم في صدره ويردده ذهنه بقوة ” أناني ، نرجسي ، لست رجل ، مش عايزاك ”
تلك الكلمات التي بنت جسوراً من الوجع داخله وأهانت رجولته ليتركها ودموعها بقلب قاسي تغنى على ليلاها.
حدثوني عن الخذلان قلت أنه كطفلٍ هرول إلى أمه باكياً لتحتضنه، فتلقى صفعة ليكُف عن البكاء،هكذا الخذلان وكأنه جنى الجنتين فعلاً.
##########$$$$#######
ــ يا خالتو دي فرصة كويسة ليها علشان تخرج من حالة الاكتئاب اللي هي فيها بقى لها أربع شهور حابسة نفسها وما بتخرجش وحالتها كده تصعب على الكافر .
تنهدت بحزن على حال ابنتها وقلبها يتمـ.ـزق وجعاً على صغيرتها :
ــ والله يا يحيى أنا أكره انها تخرج وتفك عن نفسها بس مجرد ما قلت لها وعرفت عليها الفكرة لما كلمتني في التليفون بالليل رفضت خالص وكأنها حبت موضوع الاكتئاب ما بقتش قادرة تخرج ولا تشوف الناس ولا تتكلم معاهم ولا عندها طاقة ،
أي حد يقابلها يلمح لها من تحت لتحت انها اتطلقت بعد كذا شهر وايه السبب ويدخلوا في حواراتها وتسمع كلام الناس وهي ماشية بيتنمروا عليها ومش سايبينها في حالها لحد ما حست ان اعتزال العالم واللي بيأذيها احسن حل .
تفاقم الوجع بداخله وشعر بنــ.ــار هوجاء تحــ.ٕـرق أحشائه بالكامل لحزنه عليها وعلى حالتها وما وصلت إليه ثم طلب من خالته :
ــ معلش يا خالتو خليها تخرج نتكلم مع بعض شوية قولي لها يحيى عايزك وصممي عليها انها تخرج وانا هعرف اقنعها .
حركت رأسها بأسى ثم توجهت إلى غرفتها وظلت جارها عدة دقائق تقنعها لكي تخرج تقابله ،
أما هي دقات قلبها كانت تتسارع داخلها تريد أن تخرج وأن تراه وتتشبع من رؤياه فقد شعرت بالوحشة تجاهه بشدة ولكن تقاوم شعور الاحتياج لرؤيته بغزارة وتقاوم شعور العشق له بشراهة فهي تريد دفـ.ـن مشاعرها الموقدة لذاك الـ”يحيى ” داخل قلبها بقبضة من حديد ، ولكنها لم تستطيع السيطرة على إلحاح والدتها وخرجت بقلب يخفق داخلها بشدة فهي لم تراه منذ شهرين كاملين وحينما كان يأتي إلى منزلهم كانت تصطنع النوم دوماً كي لا تراه فهي تريد نسيانه،
حقا فـ”نور الهدى” أرهقت حالها كثيراً لكي تجبر حالها على نسيان عشق الطفولة و معذب روحها ،
توسعت بسمته ورفرف قلبه بانتصار وهو يراها أمامه أخيراً فقد كان مشتاقاً بشدة لرؤيتها وقلبه ملتاعاً بسبب ابتعادها ،
تركتهم خالته وذهبت إلى المطبخ تصنع طعام الغداء كي يتناوله معهم ،
بعد أن جلست أمامه تحدث بوله كأنه يطير فوق السحاب ويعانق النصر :
ــ حبيبتي ، عاملة ايه ؟
أنا زعلان منك قوي يا نور بقى كدة كل مرة آجي تعملي نفسك نايمة وتفكريني مش واخد بالي من كدة !
ليه بتهربي مني يا نور ؟
ليه بتعاندي القدر وعايزة تبعديني عن طريقك بأي شكل رغم اننا احنا الاتنين عايزين بعض ؟
حينما استمعت إلى كلماته كأنها نسمة باردة تخترق نيران شعورها الأهوج فنزلت كالبرد والسلام على قلبها المسكين الملتاع بهواه المحرم لتنطق بنبرة خافتة مملوءة بالوجع :
ــ ما انا قلت لك الأسباب قبل كده يا يحيى انا خلاص أخدت نصيبي من الدنيا مش مستعدة أدخل تجربة تانية واشوف ملامات في عيون الناس زي ما بشوف دلوقتي ولا اسمع كلامي يسم بدني زي ما بسمع دلوقتي انا خلاص جربت الارتباط مرة ومش هعيده تاني .
صوت مميت ملأ المكان ونظرات الدهشة حلَّت على ملامحه مستفسراً عما ما ردده فاهها :
ــ يا نور بقي يا نور حرام عليكِ بتعذبينا وبتعذبي نفسك ومامتك وباباكِ ملعون ابو الناس اللي يخلوكي تدفني نفسك بالحياة دول ناس مؤذيين ما لناش دعوة بيهم الناس مش هيحزنوا عليكِ وانتِ دافنة راسك زي النعام انتِ ما عملتيش حاجة غلط ، يا ماما تجربة وفشلت في حياتك زيها زي أي تجربة ومش بسببها يبقى كده انتهت حياتك ،
أنا بحبك يا نور وهفضل أقولها لك مرة واتنين وعشرة ، أنا مش عايز غيرك ، يمكن ربنا خلاني فشلت في التجربتين اللي فاتوا وكنت زيك كده فاكر ان الدنيا انتهت وان انا فيا حاجة غلط وإن أنا لازم أعزل نفسي عن العالم بس عرفت إن ربنا سبحانه وتعالى ما بيمنعش عننا إلا الوحش ،
وأكمل بنبرة عاشقة :
ــ وبعد ما كنت أتعس إنسان في الدنيا وحاسس إن خلاص حياتي انتهت وفقدت الثقة في نفسي عرفت إن ربنا عمل معايا كدة علشان يخرجني من الضلمة وآجي لحدك آجي للنور الحقيقي اللي هينور حياتي إدي فرصة لعلاقتنا إنها تخرج للنور أرجوكِ.
أخرجت تنهيدة حارة وأنزلت بصرها وأردفت قائلة بنبرة محملة بأثقال من الهموم بعدما استمعت إلى اعترافاته :
ــ إحساسي وقلبي و شعوري مش زرار بدوس عليه واقول لهم اتحركو وعيشو واتمتعو هما كلهم دلوقتي ميتين جوايا مش شايفين غير اللي حصل لهم مش شايفين غير إنهم محطمين مش قادرة أسيطر عليهم يا يحيى ولا قادرة أخرجهم من الوجع اللي هما عايشين فيه غصب عني صدقني .
تنهد بضيق ولكن فكَّر سريعاً وتحدث باستجواد :
ــ مش لازمن نأمرهم يحبوا مرة واحدة ولا يتحركوا ويتمتعوا خلينا نبداها واحدة واحدة يا حبيبي ،
أول حاجة ترجعي تشتغلي وتخرجي وتشوفي أصحابك وبعد كدة هما اللي هيطلبوا منك انهم من حقهم يعيشوا ، من حقهم يحسوا ، صدقيني الحاجة مش بتيجي مرة واحدة.
رفعت عينيها ونظرت بعمق داخل عينيه لتسأله بحيرة :
ــ طب ايه المطلوب مني دلوقتي او ابدا ازاي ومنين ؟
ابتسم بسعادة شديدة لتجاوبها معه لينطق سريعاً بنبرة حماسية :
ــ لا انتِ تسيبي لي نفسك خالص وانا هخرجك من الضلمة والحزن والكآبة وما لكيش دعوة أنا أول حاجة حجزت لك في رحلة الجامعة عند زيد صاحبي ، الرحلة بنات وشباب ، الجامعة منظماها هناك هتغيري جو وهتشوفي بنات كتير وهتتعاملي مع ناس جديدة وأسبوع بحاله يعني كفيل يخليكي تحسي انك برة المكان اللي بيخنقك والمنطقة اللي انتِ عايشة فيها مع ناس ما يعرفوش أي حاجه عنك هيتعاملوا معاكي لشخصك مش لظروفك ،
ها قلتِ ايه وعلى فكرة مفيش مجال للرفض .
سألته بتيهة ممزوجة بهمس مدلل جعل قلبه يخفق داخله حينما نطقت اسمه:
ــ انت شايف كدة يا يحيى ، يعني مش هندم ؟
اتسعت إبتسامته البلهاء مرحبا متمنياً ليشجعها :
ــ بصي انتِ تسيبي لي نفسك خالص وانا هعرفك على بنات اصحابي كلهم ناس راقية بعيد عن المنطقة هنا وبعدين انا هكون معاكِ مش هسيبك وعيني عليكِ مش هتفارقك ولا لحظة يا نوري .
حركت رأسها لأسفل وتبسمت عينيها أخيراً بما جعل قلب ذاك اليحيى يخفق داخله بسعادة لمجرد رؤية بسمتها فقط :
ــ ماشي ، تمام ، المفروض أكون جاهزة امتى ؟
غمز لها بكلتا عينيه بشقاوة :
ــ أحلى تمام في الدنيا دي ولا ايه هنتحرك بإذن الله بكرة الصبح الساعه 7:00 هاجي اخدك بالعربية تكوني جاهزة عشان نلحق الباص عند الجامعة وعلى الله تتاخري انتِ عارفاني انا مواعيدي تظبطي عليها الساعة ،
ويلا قومي بقى ساعدي خالتو في المطبخ واعملي لي طبق السلطة اللي انا بحبه من ايدك وانتِ عارفة لما انتِ اللي بتعمليه بخلصه كله .
رفضت بتكاسل وملل :
ــ معلش يا يحيى هخلي ماما تعمل لك مش قادره اقف في المطبخ ولا أعمل حاجة .
ضيق نظرة عينيه ليأمرها بدعابة كي يجعلها تنغمس في مسؤوليات الحياة كي يلهيها عن التفكير بأي شيء تفعله غير أن تجلس لحالها تستعيد ذكرياتها المؤلمة :
ــ لا بقى يا حبيبتي انا عايزك تركزي في المطبخ قوي وتتعلمي كل حاجة تخص المطبخ علشان انا بحب الأكل البيتي وبحب أكل من ايد حبيبتي وكل لما آجي هنا لخالتو تكوني انتِ اللي عاملة الأكل وما تحاوليش ترفضي ولا تقولي أي أسباب علشان أنا همتنع عن اي أسباب يا ست نور ولازم انتِ اللي تعملي الأكل بنفسك ليحيي ولا هترفضي لي طلبي و أمنيتي ؟
ضحكت أخيراً ضحكات مسموعة لتقول من بينهن بدعابة مماثلة :
ــ ياه ده انت داخل على طمع بقى ومين قال لك إني هرضى اكون حبيبتك.
أعاد نفس غمزاته المشاغبة لها ناطقاً بتأكيد:
ــ الموضوع خرج عن السيطرة يا حبيبتي مش برضاكِ انا مفاتيح قلبك في ايدي أنا عارف أصلاً وسامع نبضات قلبك دلوقتي بتنادي يحيى ، يحيى ، فبلاش دور يتمنعن وهن الراغبات عليا ، ده انا اللي مربيكي يا قلبي ويلا قومي بقى يا كسولة.
تبادلوا الابتسامات والهرج والضحكات واستطاع يحيى إعادة النور لإضائته اللامعة ،
وكما قال أحدهم عن جبر الخواطر
“من لا يجيــــد جبر الخواطر
عليه فقط أنّ لا يكسرها..
ومن لايجيـــــد الحب الحقيقي فلا يقترب من محرابه..
ومن لا يجيـــــد الإنسانية فأي شيء بعدها سيجيد !
ومن ضاع إرثه من المشاعر والمحبه
فأي إرث زائفاً وزائلاً يريد !
##################
ــ يعني منك ليه قلت لك أنا عايز البنت دي في أسرع وقت تحت رجلي وفي الآخر فات امبارح وآدي النهاردة وما شفتهاش أنا مش فاهم أنا مشغل معايا بهايم ولا ايه ؟
أجابه أحد حراسه بتبرير:
ــ والله يا رسلان باشا غصب عننا هي ما خرجتش من بيتهم ولا جت الجامعة امبارح وآدي النهاردة كمان ما جتش فعلشان كده ما عرفناش نجيبها لك لكن اول ما تيجي الجامعة هنجيبها لحضرتك تعمل فيها ما بدالك هي اكيد مش هتغيب عن جامعتها كتير مسيرها راجعة .
تأفف بغيظ من تلك الماكرة ليحرك رأسه بضيق منبهاً إياهم :
ــ اه قلتوا لي غايبة أول ما توصل عايزها قدامي وفي حاجة كمان عايزه انبهكم عليها مش عايز بابا ولا ماما يعرفوا اي حاجة عن الموضوع ده مش لازمن تدوهم التقرير بتاع كل حاجة بتحصل ما بيني وما بينكم علشان لو هم عرفوا مش هيحصل لكم طيب يعني كل حاجة تحصل من السكات .
حرك أحدهم رأسه بطاعة تامة لما يأمرهم به ووقف هو يضـ.ـرب كفاً بكفٍ يتآكل غيظاً من هروب تلك التي عاندته وتحدته ووقفت أمامه دون خوف من هيئته ،
وعلى صعيد آخر كان يلقي المحاضرة بحزنٍ شديدٍ فتلك كانت المحاضرة الأولى التي سيلقيها عليهم في وجود ليلته وشعر بالحزن الشديد لغيابها اليوم عن الحضور وكأن الحظ التعيس دوماً مصادراً إياه معها ،
كان يلقيها بفتور وشعور بالنقصان بدونها ، كان ممنياً عيناه رؤيتها والتشبع من ملامحها التي شعر بالوحشة تجاهها كثيراً ،
بعد الانتهاء من القاء محاضرته خرج من المدرج بقلب يائس للغاية شعوره بالحزن لعدم رؤيتها كشعور الطفل المحروم من أحضان والدته وكشعور الغائب عن وطنه المحب والآمن له ، ولم يستطيع السيطرة على حاله وذهب إلى مكتبه وأغلق الباب جيداً عليه ووقف أمام النافذة ممسكاً بهاتفه كي يطمئن عليه بالرغم من إقحامه لحاله أن لا يتحدث معها كي يتركها تحدد مصير علاقتهم على راحتها،
ولكن كيف للقلب الملهوف اشتياقاً أن يصبر في ابتعاد حبيبه ؟
ما إن أتاه ردها واستمعت أذنيه إلى صوتها وكأنه ترنيمة عذبة عزفت على دقات قلبه المسكين في غرامها وثارت مشاعره الموقدة داخله ليهتف بسلامٍ جارف :
ــ ازيك يا ليلى ، عامله ايه ؟
كنت بدي محاضرة عندكم النهاردة في المدرج بتاعك وما كنتيش موجودة ،
انتِ كويسة وبخير ولا ايه اللي منعك عن إنك تحضري محاضراتك ؟
أجابت سلامه سريعاً ثم سألته باستغراب:
ــ أنا كويسة يا دكتور ما تقلقش عليا ،
بس هو حضرتك هتدرس لنا محاضرات السنة دي ؟
أغمض جفنيه مستمعاً بالحديث معها وسماع صوتها :
ــ اها شفتي قدرك بقى ابقى المستر بتاعك في دروس الثانوية والدكتور بتاعك في الجامعة مش بقول لك هتروحي مني فين يا لولا ؟
تنفست بصوتٍ ممتلئ بالحيرة لاهتمامه بها الذي لم تتوقعه فهي طيلة المدة المنصرمة كانت تحاول كبت شعور التفكير به بكل الطرق لتسأله بتيهة وكأنها تريد نسيان” ليلى” وقواعدها التي أحكمتها على قلبها تجاه الـ”زيد” :
ــ هو انت لسه مصمم على اللي في دماغك وبتفكر فيا إنساني بقى وافقد الأمل مش عايزاك تفضل رابط حالك بيا وبجد مش عارفة انت شايفني إزاي رغم كل محاولات الصد مني ليك ؟!
أجابها بصوتٍ ملهوف ومشاعر صادقة حقيقية لم يستطيع السيطرة عليها ولا لديه القدرة التحكم بها وهو يعترف لها اعتراف محب واثق:
ـــ عارفه انا اول ما بصيت في عيونك عرفت ان عمري ما هعرف أبص في عين بنت تانية غيرك أسرتني ودوبتني مجرد نظرة منك يا ليلى بس كفيلة تعيشني عمر بحاله ،
لسه بعد ده كله عندك شك اذا كنت بحبك ولا لا ؟
وأكمل وهو يتخيل أنه ينظر في عينيها الساحرتين وكأنها أمامه كي يجعلها تتأثر بشعوره وتريح قلبه المسكين :
ــ على فكرة مش بس عينيكي هم اللي شدوني ملامحك صوتك هدوءك رقتك ابتسامتك كل حاجة فيكِ بتناديني مش قادر اشوف غيرك ولا قادر استوعب انك تكوني لغيري ،
وأكمل بعيناي تلمع عشقاً ولهفة :
ــ باختصار يا ليلى صوتك صورتك ضحكتك هم هوايا هم حلم الليالي كل يوم ، كفاية بقى يا ليلى كفاية .
تهدجت أنفاسها بشعور غريب اجتاح أوصالها وهي تستمع إلى كلماته ووصفه الشديد لعشقه لها ،
كانت تستمع إلى كلماته وهي مغمضة العينين متأثرة بهمساته ، تتخيل هيئته وهو يلقي اعترافه للمرة التي لاتعرف عددها على مسامعها وفي الأخير ناداها هو بهمس حينما لاحظ صمتها :
ــ ليلتي .
تمتمت بخجل :
ــ أمممم.. نعم .
سألها برجاء :
ــ ليه مجتيش الجامعة النهاردة ؟
بجد قلبي زعلان منك قوي صاحي من بدري ومجهز حالي على اني هشوفك وهقف قصادك النهاردة واملي عيني منك من بقى لي شهرين ما شفتكيش ، ومش عوايدك ان انتِ ما تجيش الجامعة أو تغيبي انتِ بتحبي الإلتزام جداً قولي لي يا ليلى هو في حد ضايقك وبسببه ما حضرتيش محاضراتك النهاردة ؟
تخبط صدرها قلقاً حينما سألها ذاك السؤال وتذكرت تلك المقابلة المقلقة مع ذاك الشاب المتهور الذي هددها ولكنها لم تحكي له عن تلك المقابلة ولا عن التهديدات لتبرر بأية أسباب :
ــ ليه ما فيش حد ضايقني ولا حاجة انا بس تعبانة شوية وقلت استريح قبل السفر لرحلة الجامعة .
قلق عليها بشدة :
ــ ايه ده تعبانة ازاي احكي لي يا حبيبي فيكِ ايه ؟
أجابته بطمئنة على حالها:
ــ ما تقلقش يا دكتور انا بخير .
ـــ دكتور ، مستر ، ايه يا بنتي بقي ارحميني أبوس ايدك ناديني زيد بقي وبس احنا بقينا حبايب …. جملة ترجي نطقها ذاك المعذب في هواها الواقف على أعتاب رجاها لتجيبه هي باختصار:
ــ بلاش بقى شغل الحوارات ده عليا يا مستر او يا دكتور احنا لسه ما اتفقناش نبقى حبايب ويلا بقى روح كمل محاضراتك علشان ورايا حاجات كتير بجهزها.
حزن بشدة لإنتهاء الحديث بينهم ليطلب منها برجاء :
ــ بس انا لسه ما شبعتش من الكلام معاكي يا ليلى ، كالمعتاد بتحرميني منك بسرعة قبل ما قلبي يحس انه اكتفى منك ولو اني عارف ان عمره ما يكتفي من الكلام معاكِ أبداً خليكِ شوية مستخسرة حتى شوية الكلام اللي بيصبروني على بعادك وعنادك معايا .
رمشت بأهدابها وهي ترفع عينيها في صورته أمامها على الهاتف لتعلمه :
ــ بس انت عارف ان انا مش بتاعة الكلام ولا عندي وقت للكلام وبحب أكون صريحة معاك ومش حابة ان انا اخدعك ولا أوهمك بمشاعر تحسها مني وهي مش موجودة ارجوك خلينا زي ما احنا انت كنت بعدت وانا قلت انت نسيت فخليك زي ما كنت من فضلك يا دكتور.
صوت مميت ملأ المكان ونظرات الدهشة حلَّت على ملامحه مستفسراً عما ما ردده فاهها :
ــ ياه نسيتك ! بقى انتِ فسرتي بعادي الفترة اللي فاتت و الهدنة اللي انا اديتها لك اني خلاص ما بقيتش افكر فيكِ يا شيخة حرام عليكِ ،
ثم نظر أمامه وزفر أنفاساً عالية مكملاً بتلهف معترفاً وكأنه يختم على قلبها بميثاق عشقه الموصوم لها:
ــ يا ليلي انتِ نبض قلب زيد ، انتِ بقيتي حلمه وروحه وعمره ،
حرفياً قلبي وعقلي ومستقبلي اترهن عليكِ فبلاش تصعبيها أكتر من كدة وتقفليها تقفيلة الضمنة أرجوكِ.
كان زيد وما زال محارباً شجاعاً يقف بكل قوته وأسلحـ.ـته على أعتاب وطنه ليلته ، يُعلمها بأنها الأمن والأمان لوطنه ، يطلب منها معاهدة سلام وتوقيع الاستسلام لقلبها بأنها له ،
لن يستكين ولن يستسلم ولن يصمت على أن يعترف لها وأن يناضل لأجلها مراراً وتكراراً فهي الليلى ومن كمثلها في قلب زيد !
أخرجت تنهيدة حارة تنم على مدى تأثرها الشديد بكلماته فهمست بنفس الكلمة :
ــ اللي عايزه ربنا هو اللي هيكون ومهما انت حـ.ـاربت وانا عاندت في الآخر النصيب غلاب وهو اللي هيحكم ما بيني وما بينك أما الإعتراف فمش من حقي ولا من حقك عمري ما اقوله طالما مش في حلال ربنا .
تنفس عالياً لعنادها :
ــ طب تصبيرة حتى يا ليلى اعتبريها معونة في حـ.ـرب حبك اللي تعبني قوي اديني أمل اعيش عليه اني في بالك .
قطعت سبيل الأمل وسدت كل الطرق أمامه كالمعتاد:
ــ معلش ما تستناش مني أمل ولا أي كلمة ولا وعود ما أقدرش أكون منافقة ما اقدرش ادي وعود واطلع كذابة انا يوم ما اقول لحبيبي إني بحبه يبقى فعلاً عن اقتناع من قلبي وعقلي وكل مشاعري مش في لحظة تسرع ولا لحظة صعبانية أو علشان أنا عارفة ان الكلمة دي كبيرة وهيترتب عليها حاجات كتير فمش حابه أقولها إلا لما أكون قدها .
تنهد وبعيناي بائسة رضخ لحديثها فما لديه سوى الصبر وتحدث بتلبية:
ــ حاضر يا ليلى بس برده هستنى ومش هفقد الأمل لحد أخر نفس فيا ،
ممكن تخلي بالك من نفسك لحد ما نتقابل بكرة زعلت قوي اني ما شفتكيش النهاردة بس هصبر نفسي انك هتبقي قدامي في الرحلة أسبوع بحاله .
انصدمت من آخر كلماته لتسأله بذهول :
ــ ايه ده رحلة ايه ومين هو انت طالع معانا رحلة الجامعة ؟
رفع منكبيه باستكانة ليخبرها :
ــ ازاي مش هطلع وانا اللي عامل الرحلة ومنظمها ومكلم الجامعة عليها وعملت اجتماع مع اتحاد الطلبة في كل الأقسام وعملنا لها حملة إعلانية رهيبة وأنا دافع في الحملة دي اكتر من ميزانية الجامعة نفسها وكنت حريص جداً إن الحملة الإعلانية تبقي في قسمكم زيادة شوية وانا اللي حاطط البرنامج ومخفض في الأسعار ومتفق مع الشركة السياحية علشان برده الكل ما يفوتش رحلة زي دي وقلبي كان واثق ومراهن انك هتكوني منهم وانا كمان اللي منظم الاتوبيسات اللي طالعة انتِ ما تعرفيش انا ممكن اعمل ايه علشان خاطر اشوفك وابقى جنبك حتى لو من بعيد .
اتسعت دائرة عينيها بذهول لما استمعت إليه:
ــ معقولة انت اللي عملت ده كله انا مش مصدقة نفسي ولا مصدقة اللي انا سمعته ؟!
ضيق نظرة عينيه ثم هتف بنبرة هادئة :
ــ انا ممكن أعمل اي حاجة وكل حاجة زي ما قلت لك انتِ ما تعرفيش انا دماغي دي ما بتبطلش تفكير في أي حاجة ممكن توصلني ليكي،
وأكمل بنبرة حزينة لما وصل إليه حاله معها :
ــ تعرفي أنا عمري ما كنت كده أنا طول عمري حاسس إن محور الكون بيدور حواليا انا والله العظيم ما غرور في نفسي بس هي كل الظروف اللي كانت حواليا كانت معناها كده ،
انتِ أول واحدة أحس إن أنا تحت رحمتها حاسس ان قلبي خلاني مذلول لقلبك ومستعد يتحمل أي حاجة منك مع إن دي مش شخصيتي ،
بس كل اللي أنا عايز اعرفه لك يا ليلى ان انا بتعذب وانا مش بإيدي أداوي نفسي علشان قلبي مصمم إن دوايا وعلاجي انتِ مش واحدة تانية ،
ساعات بحس ان ربنا بيعاقبني على كل اللي انا عملته مع البنات قبل كده فيكِ ،
انا مش مستغرب وانا بعري نفسي قدامك كده ولا اني بحكي لك الكلام ده علشان خلاص انا اعتبرتك مني اعتبرتك انا ولازم اكون كتاب مفتوح قدامك حتى لو كان الكلام اللي هقوله هيأثر على قرارك بالبعاد أكتر بس انا اتعلمت منك الصراحة والوضوح وإني أبدأ علاقتي معاكي كأني لسه مولود جديد ، سلام يا ليلى .
الوجه الحقيقي للحب هو الإستثناء أنا لا افعل هذا ولكن لأجلك أفعله، أنا لا أقول ذلك ولكني لا أقوله إلا لك، كل هذه التصرفات لا تظهر إلا معك ولك أنت فقط .
###############
ــ يعني ايه هتروح الجامعه في الباص العمومي بتاع الكليه ما ينفعش كده الحراس مش هيعرفوا يمشوا وراك انت كده بتعرض نفسك للخطر وبتخلينا قلقانين عليك لو سمحت يا رسلان اسمع الكلام وروح بعربيتك الخاصه كده اامن واحسن .
صمم “رسلان” على ان يذهب مع اصدقائي في نفس وسيلتهم :
ــ يا ماما بقى انا زهقت من العيشه دي زهقت من التقيد اللي انا عايش فيه ما تخرجش الا والحراس معاكي ما تروحش المكان ده ما تعملش الحاجه دي انا عايز اكون مع اصحابي في وسطهم في المكان اللي موجودين فيه واحنا رايحين رحله للجامعه مش كل حاجه لازم تفكريني ان انا ابن وزير وان انا لازم امشي على القوانين دي تعبت من كتر القوانين وتعبت من كتر ما انتم عايزيني زي الاله انا انسان يا ماما ومن حقي اروح مع اصحابي واتمتع بشبابي زي ما انا عايز.
ظلت والدته تحاوره كثيرا ولكنه كان متشبثا برايه وتركها وصعد الى الاعلى بحزن شديد لتلك الحياه التي يعيشها معهم كلها اوامر وتقييدات وعدم حريه دائما رايه مسلوب وارادته ليست من محضه لقد سئم كثيرا ذاك الرسلان من تلك الحياة.
#################
ــ انا بدور عليكِ بقالي كتير انت فين انا عرفت اسمك وعرفت عنك كل حاجه وجايه اعتذر لك على طريقتي اللي انا اتكلمت بيها معاكي معلش سامحيني انا كنت متعصب وكان في موقف مضايقني وطلعته عصبيتي عليك انت انا اسف .
ابتسمت له برضا ووجه ملائكي :
ــ وانا قبلت اعتذارك انا بعتز جدا باللي بيعترف بغلطه بس ارجوك ما تعملش معايا وانا مع غيري كده وخصوصا البنات ما تحاولش تفرد عضلاتك وتستقوى بنفوذك عليهم .
وعدها بنفس الابتسامة الملائكية وهو يقف امامها يتشبع النظر في ملامحها:
ــ خلاص بقي وعد مني اني مكررهاش ممكن نبقى اصحاب انا حسيت ان انت ملاك ربنا بعته لي علشان يخليني ما اعملش حاجه وحشه ممكن يا ليلى .
ألقت وجهها أرضاً بخجل :
ــ شكل دعوتي عليك انقلبت لدعاء ليك ان ربنا يهديك يا رسلان انا كمان عرفت اسمك وما عنديش مشكله ان احنا نبقى اصحاب .
اعترف لها هو الآخر :
ــ من يوم اللي حصل وانا بحلم بيكي وصورتك وطيفك ما بيفارقوش خيالي ما تبعديش انا حاسس انك ملاك ربنا بعته لي علشان يعلمني حاجات كتير غايبه عني .
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مشاعر موقدة)