رواية مشاعر موقدة الفصل الثالث عشر 13 بقلم فاطيما يوسف
رواية مشاعر موقدة الجزء الثالث عشر
رواية مشاعر موقدة البارت الثالث عشر

رواية مشاعر موقدة الحلقة الثالثة عشر
اعترف لها هو الآخر :
ــ من يوم اللي حصل وانا بحلم بيكي وصورتك وطيفك ما بيفارقوش خيالي ما تبعديش انا حاسس انك ملاك ربنا بعته لي علشان يعلمني حاجات كتير غايبه عني .
كان ينظر إليها بعيون تمتلئ غراماً وكأنه يعرفها منذ زمنٍ بعيدٍ وهو يمد يده كي تتمسك بكف يدها كالطفل الصغير الملهوف اشتياقاً لأحضان والدته وللعجب أنها هي الأخرى مدت يدها له ولكن الأيادي لم تتلامس وكأنها تعلقت في الهواء ليحاول الاقتراب من يدها كي يتمسك بها وكلما يقترب كلما ابتعدت يدها فعبث وجهه حزيناً ليسألها :
ــ ليه بتبعدي ايدك يا ملاكي قربي مني شدي ايدي وخديني من الدنيا الوحشة دي دنيتك أجمل يا ليلى .
حركت أصابع يديها وكأنها تداعبه من بعيد دون تلامس وتمتمت بوجهٍ مبتسم :
ــ مش دلوقتي انت محتاج تستقيم أكتر ، محتاج تشيل غمام الكبر والسلطة من على عينيك يا رسلان ووقتها هكون ليك صدقني ليلى لما بتوعد بتوفي .
بلل حلقه من كثرة عطشه إليها ليترجاها بعيناي متلهفة :
ــ طول ما ايدك بعيدة عن ايدي مش هعرف أستقيم ، قربيني منك وأنا أوعدك اني هستجيب ومش هرد أي محاولة منك لصلاحي صدقيني أنا من ساعة ما عيوننا اتقابلوا وأنا قلبي بيلومني على كل كلمة وحشة قلتهالك ، سهم يا ليلى رشق في قلبي وقال لي انت غلطت ومتضيعهاش دي مش زيهم دي ملاكك الحارس.
تحركت بخطواتها إلى الخلف وهي تسحب يدها رويداً رويداً وكأنها بتلك الحركة تسحب روحه معها وهي تودعه مغادرة المكان :
ــ انا لازم امشي يا رسلان ما ينفعش اقعد هنا كتير فكر في كلامي سيبك من الشقاوة والكبر واعرف يا سيدي أن لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وانا عايزاك في الدنيا وفي الجنة يا رسلان انا همشي بس سايبة معاك أمانة اللقا مرة تانية بس هتكون اتغيرت الاحسن ووقتها بقيت إنسان تاني وانا واثقة من كده ،
مع السلامة يا رسلان خلي بالك من نفسك .
حرك رأسه رافضاً بفزع وهو يراها تتحرك من أمامه وللعجب أن قدميه عاندته و تسمرت مكانها ولم يستطيع الحراك ولا أن يخطو خطوة واحدة كي يتمسك بها وعبرت عينيه الدامعتين عن حالته وهو لا يملك سوى أن يردد بلسانٍ ما زال ملهوفاً وبشدة لتواجدها معه وكأنها تسحب الأنفاس من صدره بخروجها من المكان تلك كانت حالته الصعبة التي يقف مكتوف الأيدي يشعر بها وهو يناديها برجاء :
ــ لا يا ليلى ما تسيبنيش انا من غيرك هضيع انا من غيرك هتوه مليش مكان ولا عنوان انا من ساعة ما لقيتك وانا اعتبرتك عنواني ومكاني ما تمشيش يا ليلى ارجعي تعالي رسلان من غيرك هيضيع .
ظل يهذي باسمها وهو يحرك رأسه وعينيه ما زالت مغمضتين وعلى وجهه التعرق الشديد بفعل حركته وهو نائم على تخته ثم استيقظ على صوت جده يحاول إفاقته :
ــ اصحى يا رسلان اصحى يا حبيبي انت بتحلم فوق يا رسلان .
استيقظ مفزوعاً من نومه ويبدو الذعر الشديد على وجهه ليجلس جده لأمه بجانبه آمراً إياه:
ــ قبل ما اديك الميه تشرب امسح على وشك بايدك اليمين وسمي الله وستعيذ بالله من الشيطان الرجيم علشان يمشي بعيد عنك يا حبيبي زي ما انا معودك اول ما تصحى من النوم وبعد كده نتكلم .
تنفس عالياً وهو يتذكر ذاك الحلم الغريب الذي زاره منذ قليل وهو يمسح بيده اليمنى على وجهه ويردد ما قاله له جده مكملاً كما هو معتاد حينما يستيقظ من نومه:
ــ بسم الله الرحمن الرحيم اصبحنا واصبح الملك لله اللهم اني اعوذ بك من همزات الشياطين .
ربت جده على ظهره بحنو ثم ناوله كوب الماء فأخذه “رسلان” وتجرعه بأكمله فهو كان يشعر بالعطش الشديد وكأنه كان في مباراة ومبارزة شديدة في الحلم أدت إلى شعور حلقه بالجفاف الشديد ثم سأله جده :
ــ مش هنخلص من كوابيسك يا رسلان انا مش قايل لك قبل ما تنام تقرا السور اللي انت متعود عليها كنت بتحلم بمين المرة دي ؟
على صدره صعوداً وهبوطاً وهو يتنفس بثقل وألم ممزوجين بالحيرة ليقص على جده ما حدث بينهم وبين تلك الــ”ليلي” منذ يومين ثم أكمل وهو يشعر بالذنب الكبير :
ــ بهدلتها جامد وهددتها تهديد شديد وتقريبا البنت اترعبت مني يا جدو ومجتش الجامعة بقى لها يومين والحرس اللي بعتهم وراها بيقولوا إنها ما خرجتش من بيتها ومن وقتها وأنا مش مستريح ولا عارف أنام ولا عارف أعمل أي حاجة ولما جابوا لي تقرير عنها عرفت إنها ملتزمة جداً في الحضور من ساعة ما دخلت الجامعة وعمرها ما كانت بتتأخر على محاضرات وتقريباً كده السبب مني لأني هددتها جامد .
برقت عيناي جده بحدة لما استمع إليه ليلقي على مسامعه ذاك العتاب الأقرب للــلَوْم:
ــ بقى ده الكلام اللي انا كل يوم والتاني هسمعه لك يا رسلان واقول لك ما تستقواش على خلق الله بمنصب ابوك انا اللي مربيك مش أمك ولا أبوك ومربيك على الأخلاق والاحترام تقوم تستضعف على بنت ودي تاني مرة تعملها وانا حذرتك قبل كده بلاش شغل إنك ابن وزير وتستقوى على خلق الله وكمان انت عارف انك من صغرك وهتحلم بكوابيس لو عملت حاجة غلط ليه تعمل كده يا ابني ؟
كانت عملت لك ايه يعني علشان تبهدلها كده قدام حراسك وتهددها وتسبب لها خوف و رعب هي واهلها ؟!
وأكمل بأسى على حاله تلك المسكينة:
ومش بعيد كمان يقعدوها من الجامعة اللي تعبت علشان تدخلها بمجهودها بسببك علشان خايفين عليها ،
انت غلطت يا رسلان وأنا ما ربتكش على كده .
كان يجلس أمام جده كالطفل الصغير الذي يعنفه بسبب خطأٍ كبيرٍ وتلك حالتهم دوماً فــ”رسلان ” و”جده ” حالة مختلفة من الاندماج فهو يعتبر تربى على يديه في حين انشغال أمه وأبيه في عملهم ونجاحهم وتركوا “رسلان” مع “جده” منذ الطفولة كان مسؤولاً عنه وعن جميع سلوكه فقد رباه على التواضع والأخلاق ولكن تلك المرة التي تقابل فيها مع “ليلى” لم يكن في حالته المزاجية وحدث ما حدث ليبرر لجده :
ــ انت عندك حق يا جدو بس اليوم ده ماما كانت متخانقة معايا بسبب الحوارات اللي انت عارفها وكنت خارج مخنوق بشكل فظيع ولما رحت الجامعة أصحابي اللي انا بحبهم ومتعلق بيهم وانت عارفهم كويسين قد ايه كانوا خايفين يقربوا مني في اليوم ده بسبب اللي ماما عملته فيهم وكمان حذرتهم ما يتكلموش معايا ولا يعرفوني قال ايه خايفه على مصلحتي ومش عايزاني اصاحب اي حد ومراقباني وتقريباً كده بتعد لي حتى الأنفاس اللي انا بتنفسها ،
واسترسل شكواه بنبرة بائسة :
ــ انا تعبت يا جدو ولما خرجت لقيتها في وشي وكانت متعصبة وبترزع على عربيتي زي ما حكيت لك رحت عامل فيها اللي انا عملته وأنا والله العظيم كنت خارج عن شعوري ومش عارف اتصرف ازاي دلوقتي ولما كنت هخلي الحراس يجيبوها لي كنت عشان اعتذر لها عن اللي حصل مني.
ترك جده جميع ما حكى ليسأله بنبرة حازمة:
ــ سيبك من كل ده هي مامتك عملت كده مع أصحابك زي ما انت ما بتقول ولما ده حصل ما حكيتليش ليه انا مش قايل لك ما تخبيش حاجه عني يا رسلان ؟
قلب عينيه بخوف ليجيب جده :
ــ المرة اللي فاتت انت وهي اتخانقتوا خناقة كبيرة بسببي يا جدو وسبت البيت ومشيت وكنت من غيرك عامل زي اليتيم وما كانتش بترضى تخليني أروح الحارة اللي انت قاعد فيها وانا ما اقدرش استغنى عنك ولو كنت قلت لك كنت رحت اتخانقت معاها ومشيت زي المرة اللي فاتت بعد ما رجعت هنا بالعافية وخلاص يا جدو أنا فهمت أصحابي على كل حاجة واتفقت معاهم يريحوا ماما في اللي هي عايزاه وما يبعدوش عني وطمنتهم انها مش هتأذيهم ،
وأكمل راجياً إياه وهو يرتمي في أحضان جده :
ــ بالله عليك يا جدي ما تروحش تقول لماما حاجة أنا خلاص أصحابي رايح معاهم الغردقة كمان ساعتين وكمان أنا بعد كده هيبقى ليا شخصية قدامها وهرفض أي حاجة هتفرضها عليا انا مش عايزها وقلت لها إن أنا هركب مع اصحابي الباص ومش هروح بعربيات ولا حراسة وبعد كده مش هكون ضعيف واي حاجه مش عايز اعملها هقول لها لا زي ما انت ما اتفقت معايا بس اطلع انت برة الحوار انا ما اعرفش أعيش في البيت الخنيق ده من غيرك .
وضع “جده” كف يداه علي كف يده الموضوعة فوق فخذه ثم ربت عليها بحنو وأردف قائلاً بطمئنة له :
ــ ما تخافش يا حبيبي انا مش هسيبك تاني غير لما احس انك قويت وما بقتش تحتاج لي معلش يا حبيبي انت قدرك ونصيبك تطلع في الدنيا تلاقي أمك وأبوك أصحاب مناصب والدنيا لاهياهم عن كل حاجة حلوة غير انهم يبقوا بالشكل اللي انت شايفه ده ،
يلا قوم صلي الفجر عشان تلحق رحلتك واستمتع وعيش كأنك شاب عادي مش ابن وزير وهزر واضحك مع أصحابك بس ما تنساش صلاتك يا رسلان والورد اليومي اللي انت متعود عليه علشان ما تزعلنيش منك وما تنساش جدو تكلمني مرتين في اليوم على الأقل وتطمني عليك .
لانت ملامحه وشعر براحة اجتاحت روحه لحديث ذاك الجد الحنون الذي وصل لأعماقه وتوغل في روحها وهو يوعده بابتسامة مشرقة:
ــ حاضر يا جدو انت عارف الا صلاتي ما اخليها زي ما انت ما علمتني بس في حاجة مهمة عايز اقول لك عليها وعايز استشارتك فيها ؟
حرك “جده” رأسه للأمام مبادراً إياه أن يحكي وهو يستمع إليه بصدرٍ رحب ليكمل “رسلان” :
ــ أنا عرفت إن اسمها من ضمن الأسماء اللي طالعة الرحلة بس مش عارف هتيجي ولا هتخاف برده ؟
طب هو انا لو شفتها يا جدو اعمل ايه او اتصرف إزاي ؟
تنهد “جده” وأشار عليه باستجواد :
ــ مش محتاجة كلام تعتذر لها طبعا عن اللي حصل منك وإنك غلطان بشدة واعرف يا ابني دايماً إن الاعتذار من شيم الكرام وإنك لما تعمل حاجة غلط وتعتذر عنها انت كده مش بتقلل من قيمتك عند الناس لا إنت كده بترفع من قيمتك وهي هتتقبل اعتذارك بإذن الله .
الاعتذار لغة النفوس الراقية التي تحترم ذاتها، ولا يكون إلا بطريقة ودية تعبر عن رقي وفهم المخطئ لخطأه، وحرصه على عدم خسارة من أخطأ بحقهم.
#################
الصباح يخبرك أن هناك متسع للحياة، للحب ، للعفو، لكل الأشياء الجميلة،
هو الشيء الوحيد الذي لم يزره الملل، ولم يشوه ملامحه الغياب،
أشرق الصّبح فنظرت للسماء وتذكّرت عظمة الخالق وآمنت بقدرته يولج النّهار بالليل ويولج الليل بالنهار فسبحان الله العظيم فهو مبعث للتفاؤل وولادة للأمل من جديد، لا تحس به إلّا إذا شممت نسماته وأبصرت نوره وملأت أجواء روحك بنقائه وهدوئه
الصباح زائر جميل يأتي في موعده كل يوم فخير ما نستقبله به هو أن نحمد الله على كل شئ ،
بعد مرور وقتٍ كثير في تنظيم الحافلات المتجهك إلى شرم الشيخ وانتظم الجميع في أماكنهم وتحركت الحافلات كان هناك ذاك المتيم يجلس في المقعد المقابل لغرامه ليلته فهو قد فعل كل شيء ليكون بالقرب منها كانت الحافلة ممتلئة بالفتيات فالتنظيم كان للفتيات وسائل خاصة بهم وللشباب وسائل خاصة بهم منعاً للاختلاط بعد أن استشار اتحاد الطلبة في ذاك الموضوع وكان ذلك الحل الأمثل للغالبية العظمى في آرائهم ولكن كل حافلة فيها من المشرفين الشباب خمسة كي يلزمهم تأمينها وبالكاد اختار “زيد” المكان المتواجدة فيه ليلته ليكون بالقرب منها ،
كانت تستند على المقعد برأسها للخلف وهي تغمض عينيها تريد النوم فهي باتت ليلتها تجهز اشيائها للسفر ولم يسعفها الوقت للنوم كثيراً إلا عدة سويعات قليلة ،
أما هو كان ينظر إليها يجبر عينيه أن لا تغط فيه سباتها العميق مثلها كي يتأملها ويتأمل ملامحها البريئة وهي نائمة ثم قرر إرسال رسالة عبر الواتساب لها كي يشاغبها فهو لم يستطيع الصمت كثيراً وهي بجانبه :
ــ صباح الخير هذه ليست تحية بل نداء، فالصباح أنتِ والخير أنتِ وحيث كنتِ يكون كل ما أحتاج، صباح الخير يا بسمة صباحي، ويا كل شيء أحبه ، صباح الخير يا وجهًا كأن النور يغشاه، فشمس في سماء الله، وشمس في محياه، أنتِ حكاية كل صباح، وأنتِ شعوره وأمانيه، يكفي نومًا يا سيدتي فأنا أشتاق رؤيا عيناكي كي تسكن عيناي الراحة والهدوء و أنتظر صباحي أن يبدأ بكِ صباحك قلب لا يخلو منكِ، صباحك حب يتهاتف إليكِ، ويكفيني من صباحي أنتِ صباح الخير ليلتي .
كانت مغمضة العينين نائمة ولكن فتحت عينيها على صوت هاتفها الهزاز في حقيبتها يعلن عن وصول رسالة فأخرجته من حقيبتها على الفور ظناً منها أنها والدتها ،
ما إن قرات رسالته بعيناي تلتمع شغفاً فهي كأي فتاة حينما يُلقَى على مسامعها أو تقرا عينيها تلك الكلمات التي تتغزل بها حتى يدق القلب مجبراً ومتفاعلاً معه لتتحرك برأسها وهي تنظر حولها كي ترى مكانه وحينما التفتت وجدته في وجهها يجلس على المقعد وليس بجانبه أحداً فزار وجهها ابتسامة تلقائية ليستغل ذاك الزيد فرصة تقابل عينيهما ويرسل إليها قبلة في يده على هيئة قلب ويرسلها إليها بفمه وهو يغمز لها بكلتا عينيه معلناً لها عن غرامه ببسمتها فقط فماذا عن كلامها لك زيد ماذا ؟
خجلت من تلك الحركة الغير متوقعة بشدة لتلتفت بوجهها ناحية النافذة وهي تكمل بسمتها بعيداً عن مرمى عينيه كي لا يراها ولكنه شعر بها ثم أمسكت هاتفها وأرسلت رسالتها له :
ــ بعيداً عن الشعر ورسائل الصباح الطويلة اللي خرجت منك يا دكتور بس الحركة اللي انت عملتها دلوقتي عيب وعيب كبير قوي والحركات دي بتقلقني منك اكتر ما بتطمني انا عارفة إني غريبة في شعوري بس انا زي ما قلت لك قبل كده أنا غيرهم .
نظر إليها بأعين تمتلئ من الملامة ما يكفي حتى هي انتبهت إلى نظرته فهو حاول لفت انتباهها ثم أرسل إليها :
ــ شوفي بقى مهما تعملي انا جاي الرحلة دي ومش عايز نكد انا برجوكي يا شيخة تدي لعلاقتنا فرصة في الرحلة دي إنها تاخد مجرى لطيف وخصوصاً لما نكون في مكان في تجمعات بنات وشباب تشوفي بقى “زيد” حبيبك هيبقى عامل ازاي ؟
وأكمل رسالته بدعابة:
ــ هتلاقيني وديع قط سيامي شبه الملايكة والله ، بلاش نكد يا ليلى انا مش خاطفك في حتة ضلمة علشان تقولي لي عيب وما يصحش دي رسايل يا حبيبتي وقبلة بريئة في الهوى بيسموها مرسال الهوى وبتبقى معناها شوق ومحبة لجل عيونك يا لولا .
انطلقت آه خفيفة من فمها تعبر عن مدى حيرتها في ملاحقته لها ثم أرسلت إليه بدعابة مماثلة مما جعله ضحك بصوتٍ خفيف بنفس آهاتها الخفيفة :
ــ هعمل لك بلوك على فكرة لو ما بطلتش مرسال الهوى اللي انت بتتكلم عنه ده مش معقوله لحد دلوقتي ما خدتش عني فكره ان انا دمي تقيل وبنكد عليك وان انا ما انفعكش .
أرسل إليها :
ــ لا انتِ ما تعرفيش انا بعرف اتعامل مع الست النكدية واللي دمها تقيل بس اديني قلبك وخدي قلبي وما لكيش دعوة باللي هيحصل بعد كده انا المسؤول يا ستي .
قرأت رسالته بنفس الابتسامة:
ــ لا انا قلبي غالي عليا والغالي بحافظ عليه للي يستاهله وخليك فاكر ان انت اللي مصمم توجع قلبك يا مستر .
رفع حاجبه بقلة حيلة:
ــ انا عارف ان انا هيطلع عين اهلي واللي جابوني علشان اوصل لقلبك وعارف كمان انها مش بالساهل ربنا يسامحه قلبي اللي خلاكي تتفرعني عليه يا تلميذتي .
أرسلت إليه ايموشن ضحك :
ــ الملافظ يا مستري او يا دكتوري انت لحد دلوقتي مش مركز ان انا مش نفس تيم البنات اللي انت كنت بتكلمهم ولا نفس تفكيرهم ودماغي مش زي دماغهم خالص ومش عارف تختار الطريقه اللي تدخل لي بيها صح وتخليني اطمن يبقى العيب منك انت .
برر طريقته معها :
ــ انتِ اللي متهيأ لك يا لولا انا واخدك على الهادي يا حبيبتي وبعدين انا بحب الوضوح وشخصيتي واضحة قدامك جداً ما بحبش أتجمل ولا أتحول لطريقة مش طريقتي وبعدين تنصدمي بيها بعد كده صدقيني الوش المكشوف بطبيعته افضل بكتير من اللي بيتجمل ويداري ولابس وش غير وشه .
وظلت الرسائل متبادلة بينهم كل منهم يناكف الآخر بطريقته دون أن يمل أو يكل هو ودون أن تجعله يفقد الأمل منها هي .
وها هي رسائل الحب كما قال عنها بعض الأدباء على سبيل المثال:
بابلو نيرودا إلى زوجته: احرميني الخبزَ إن شئتِ ، احرميني الهواءَ ، لكن لا تحرميني ضحكتَكِ. أو رسالة طه حسين إلى سوزان: بدونكِ أشعرُ أنّي ضريرٌ حقّاً ، أما وإنّي معكِ. فإني أتوصلُ إلى الشّعورِ بكلّ شيء،
من جولييت إلى فيكتور هوجو:
”أحبّك، إنها حقيقةٌ! أحبُّكَ رغماً عني، رغماً عنك، رغماً عن كل هذا العالم”
من جُبران إلى ميّ زيادة :
”احبُّ صغيرتي غير أنّني لا أدري بعقلي لماذا أحبُّها؟ يكفي أنّني أحبُّها بروحي و قلبي”
الرّافعي إلى الأديبة ميّ زيادة:
”لو رأيتيني ، وأنا أقرأُ رسائلِكِ لرأيتِ أنكِـ لا تكتبينّ لي كلامًا.. بل تزرعينَ في الورقِ زَهر أنفاسِكِ فيأتيني فأقرأهُ”
##################
ــ ايه يا بنتي شايفك قفشة على حالك قوي فكي يا ماما احنا طالعين نغير جو سيبك بقى من حوارات البلد وأي حاجة تفكرك بالنكد انا عايزك تكوني مروقة دماغك خالص علشان تستمتعي بالمكان اللي احنا رايحين له والصحبة وكل حاجة وبإذن الله مش هترجعي يا نوري الا وانتِ اسم على مسمى .
اومأت برأسها وملامحها تنبض بالتساؤل قبل لسانها وهي تردد بلا مبالاة:
ــ ما أنا مسيري ارجع للبلد وللماضي اللي محاصرني من نظرات الناس وكل حاجة حواليا هترجعني للي كنت فيه يعني الأسبوع اللي انا هبعده هو اللي هيغير الكون حواليا ؟
إستفزه برودها وحدتها فراح ينتقد أول شيء يرفضه تماما في ذلك المزيج الغريب من الهدوء والرقة والحدة :
ــ انت ايه يا بنتي عدوة الفرحة !
عدوة البهجة ، منبع النكد والقهر لنفسك !
يا ماما ما كانتش أم جوازة راحت في 60 داهية هي وصاحبها فكي حبيبتي فكي يا نوري واعملي حسابك مش عايز اسمع الكلام ده تاني أنا عايز نور الشقية المبهجة اللي اول ما تشوف يحيى تبتسم وغمازاتها تبان وتقول له حمد لله على السلامة يا شقي .
رفعت حاجباها ساخرة باستنكار من كلامه لها :
ــ يا ابني إحنا لسه بنقول يا هادي ولسه في الأول ، وبعدين هو انا لسه شفت فرح ولا مرح ولا أي حاجة حتى سيبني أعيش جو الهدوء النفسي اللي أنا فيه لحد لما نروح للهرج والمرج اللي انت تقصده .
غمز لها حينما على صوتها بشغب وهي تهتف بنبرتها المستنكرة وكأنها عادت إلى شراستها قليلاً في الحديث ليتفاخر بحاله أمامها :
ــ خطير انا عارفني كويس جدا اعرف اخليكي تطلعي من الهدوء وتضحكي وتغيري فكرتك ومودك المتنكدين عشان تعرفي انا مش اي حد برده يا نوري .
ابتسمت مع كل كلمة كان يرددها وعند كلمته الأخيرة تبدلت الإبتسامة إلى مشاعر حقيقية خرجت من فمها تعبر عن ما في قلبها مما جعل داخله يرجف بأسى عما فعله معها وأوصلها لتلك الحالة :
ــ انت فعلاً مش أي حد يا يحيى وأنا عارفة كده من زمان وحتى كمان اعرفك اكتر من نفسك ومن أي حد بس بقيت أمنيات صعبة ومستحيله بعد ما كان احتمال تحقيقها ولو عشرين في المية.
صوته خرج متحشرجاً وهو يحاول التبرير لكنه لا يملك شيئاً يقوله غير الاعتذار لجهله عن مشاعرها له :
ــ حقك عليا يا نور حقك على قلبي عشان كان غشيم وما شافش طاقة النور والملاك اللي كان هيحاوطه في كل وقت ،
كان كل كلامك معايا ونظراتك بتقول ان احنا ما ينفعش نبقى اخوات بس انا زي ما قلت لك قلبي كان غشيم ، أعمى بس خلاص ما بقاش في حاجة تمنعنا إننا نكون لبعض بس انا سايبك تاخدي وقت كفاية تداوي فيه نفسك من اللي حصل لك .
ردَّت بصوت يخرج بصعوبة من حلقها وهي تحاول إجبار عينيها على أن لا تدمع :
ــ تفتكر ينفع !
انا لحد امبارح يا يحيى أخته بعتت لي رسالة قذرة على الواتساب لما نزلت منشور على فيسبوك إني طالعة أغير جو في شرم واني هرجع لشغلي تاني وكل اصحابي ومن ضمنهم انت علقت لي تعليقات مشجعة و مع إني عاملة لهم كلهم بلوك الا إنها وصلت لي وممكن كمان تكون جابت رقم جديد مخصوص عشان تحـ.ـرق دـ.ـمي بيه ويمكن يكون اخوها اللي مسلطها إنها تعمل كده ولحد دلوقتي مش عايزين يسيبوني في حالي ومش مستوعب ان أنا أجبرته يطلقني ويبعد عني .
وأكملت بنفس لمعة الدمع في عينيها :
ــ ده غير الرسايل القذرة اللي بتجيلي من أرقام ما اعرفهاش واتصالات برده من أرقام ما اعرفهاش كانه حالف يلاحقني في كل مكان علشان ما انساش اللي عمله فيا وأفضل جوه قوقعة الحزن تقريباً كده عايز يجيب لي عقدة ومرض نفسي وخصوصاً لما الاقي كلمة اخرك ابن خالتك الصايع اللي خنتي جوزك عشانه تصور بقى المعاناة اللي انت بتطلب مني اطلع منها .
ابتلع غصة آلامه حينما وقع نظره عليها ولمح لمعة الدموع في عينيها وكأن أحدهم غـ.ـرزه بسـ.ـكين حاد في قلبه ثم سحب نفسا عميقاً وزفره على مهل وهو يحاول السيطرة على نيران صدره المولــ.ــعة من تلك الكلمات التي رددها فاهها ليقسم أمامها بيمينِ واثق:
ــ طب وعهد الله يا نور لما نرجع لازم نعمل خطوبتنا وأحـ.ـرق دـ.ـمه ولازم استخدم معاه أساليب رخيصة زي اللي بيستخدمها بالظبط عشان أجيب له هو عقدة في نفسه طالما مصمم ما يبعدش عنك ولا هو ولا أهله وإن ما كنتش أخليه عبرة لمن لا يعتبر وبعيد عني خالص من غير ما حد يعرف من طريقي ما بقاش أنا يحيى علشان يبقى يهرتل ويقل أدبه واعملي حسابك أول ما ننزل من الباص الخط بتاعك ده هترميه وهنشتري خط غيره انا مش فاهم احنا ليه مغيرناهوش اصلا ونبقى نبعت لخالتو رقمك الجديد ويبقى يشوف بقى هيبعت الرسايل القذرة دي فين بعد كدة .
ترجته بفزع أن لا يفعل هكذا وأن يبتعد عن طريق ذاك الوغد:
ــ ارجوك بلاش تعمل حاجة يا يحيى كفاية اللي كان هيجرى لك قبل كده بسببه هو مسافر وبيحرك كل حاجة من مكانه وباعد نفسه عن المشاكل أرجوك انت كمان ابعد عنه انا مش عايزة لك أي ضرر وإذا كان على الخط هرميه بلاش تقرب ناحيته بلاش يا يحيى .
طمئنها بهدوء وما زال مصمماً على قسمه :
ــ ما تخافيش يا نور هو مش هيعرف ان انا اللي هعمل حاجه انا هضرب من تحت الترابيزة زيه بالظبط بس هخليه ينفخ وميلحقش يفتكرك من اللي انا هعمله فيه ويبقى يلاحق بقى على البلاوي اللي انا هعملها له بس اصبري عليا وبعدين مش عايزك تخافي على طول كده ولا تقلقي حرام بجد انك تفضلي عايشة جوة دوامة الخوف والقلق دي انتِ لسه صغيرة مش كلامهم اللي هيدمرك ،
وأكمل بتحدي مصاحب للقوة بعيناي تبرقان شراراً وهو يردد كلمته الحقيرة لها عنه :
ــ انا بقى هوريه الصياعة بحق طالما هو شايف ان انا صايع .
تلاحقت أنفاسهم بوجع أليم من حالتهم ولكن حاول هو تنظيم أنفاسه كي لا يجعلها تقلق وكي لا يعطيهم فرصة إفساد رحلتهم فكل منهم يحتاج للآخر كي يعودوا إلى بلدتهم وهم متفقين على كل شيء ويجبرها ان تترك الذكريات الأليمة التي تدق دوماً على قلبها كالمطارق .
الذكريات قاموس مليء بالمواقف والمشاعر وبالصور والأشخاص، فتمر بنا الذكريات منها السعيدة ومنها المؤلمة التي نتمنى لو لم تمر بنا ولكن لا يوجد ذكريات سعيدة فقط بل عقولنا تمتلئ بالذكريات المؤلمة التي تفقد حتى لذة اللحظات السعيدة وها هي ذكريات الأمس مؤلمة بعد زواج اندفن بين سراب الخيانة ورحل إلى عالم آخر وذكريات تعتصر القلب ويلتهب من جمرها .
##################
وصلت الحافلات أخيراً إلى البلدة تحت إرهاق جميعهم وبعد أن انتهوا من إتمام إجراءات دخول الفندق اتفقوا على أن يرتاحوا عدة سويعات قليلة فقد وصلوا في الساعة الواحدة ظهراً بعد ساعات كثيرة قضوها في السفر على أن يجتمع بهم مشرفين الرحلة في الخامسة عصراً بعد أن ينالوا قسطاً من الراحة حتى لا يكونوا جاهدين ويشعروا بالمتعة ،
كان هاشم حجزه مع حنين في غرفة واحدة عدا الباقين الفتيات في ادوار منفصلة عن الشباب كل منهم في فلك آخر ،
في غرفة هاشم وحنين بعد أن استقروا في غرفتهم أطلق تحذيراً هاماً وهو يجلس جانبها بتعالى على الأريكة الموجودة بالغرفة وبالتحديد بجوار النافذة المطلة على البحر وانطلق فاهه بتحذير:
ــ لو سمحتي مش عايز اي حد يحس بزعلنا مع بعض نتعامل قدام الناس على اننا طبيعيين وان مفيش مشكلة بينا .
رمشت بأهدابها وهي ترفع عينيها التي تتلألأ جواهرها ثم عاتبته بنبرة مملؤة بالحسرة :
ــ طب ليه يا هاشم خليتنا نسافر وتخليني ما استمتعش بلحظة انك اول مره تخرجني ده حتى شهر العسل ما رحناهوش وفي الآخر هتفضل على خصامك وعنادك وهتخليني أكره اليوم اللي خرجت فيه من بيتي معاك ما خلاص ما كانوش كلمتين خرجوا مني وقت زهق هتفضل تعاقبني عليهم حتى في الأوقات اللي انت مخرجني اتنفس فيها .
ــ للأسف يا حنين انا من النوع اللي ما بصفاش بسهولة وما بنساش الإهانه زيك بسهولة مش دي كانت كلمتك ليا برده وقتها ..قالها بصوته العميق وبنبرة جافة كأنها صفعة لقلبها المسكين لتعقب هي عليها بحزن وهي تومئ برأسها للأسفل وعلامات الندم تغزو وجهها :
ــ إحنا ياما هيحصل بينا مواقف ، ياما انت هتقول كلام مش هيعجبني وياما انا هقول كلام مش هيعجبك ، كل إنسان مننا في ساعة الغضب والزعل من اللي قدامه بيقول حاجات ويرجع يندم عليها وبيعمل أفعال ما بيقدرش يسيطر على نفسه وقتها وساعتها ما بيبقاش نهاية الكون فلازم تبلع لي كل حاجة تصدر مني في الوقت ده وانا كمان برده ابلع لك اي تصرف يصدر منك في وقت غضب علشان نقدر نكمل مع بعض يعني بمعنى اصح مش هنقف لبعض على الواحدة يا هاشم ،
وأكملت وهي ترفع رأسها وتلتفت ناحية النافذة :
ــ هي الست بتتجوز راجل أكبر منها في العمر ليه علشان هو اللي يحتويها وقت الزعل وهو اللي دايما يخلي قلبه كبير ويفوت لها حاجات كتير علشان هو أعقل منها وأكبر منها وهو صاحب القوامة اللي ربنا ادهاله ،
فكرة إن الراجل يأدب مراته بالهجر والخصام اللي ربنا قال عنهم ما اتقالتش علشان كلمة خرجت وقت غضب الست لاا اتقالت علشان تتنفذ في مواقف شديدة أرجوك يا هاشم ياريت تحتويني أكتر من كده .
عقد حاجبيه بعدم راحة لحالتهم ثم قال معقباً على رأيها وقرر أن لا يشد حبال الخصام بقوة حتى لا ينقطع ويذوب في العناد ثم هدا من نبرة صوته الجافة وتحدث إليها بنبرة حنونة ولكن بها بعض الكبرياء :
ــ تمام يا حنين طالما اعترفتي بغلطك انا مش هعاند خلينا نستمتع برحلتنا مع بعض واوعدك يا ستي ان انا هحاول اغير من نفسي وافضي من وقتي في الشغل كتير ونخرج في الوقت اللي انتِ حابة تروَّحي عن نفسك فيه بس على ما اتعود على الحياة الجديدة ما بينا ما تقفشيش على أي حاجة ومش لما ارجع من الشغل وأول ما تشوفيني تقولي لي امك عملت وأختك سوت انا برده مش عايز مشاكل معاهم ولا عايز نبقى دايما في حـ.ـرب عايز أرجع بيتي ألاقي السكون والهدوء ومراتي مستنياني بابتسامة.
ابتسمت براحة توغلت أعماقها وهم على مشارف الصلح بعد الهجر ثم تأبطت ذراعيه وهي تتمسك بهم بشدة وتنام على كتفه ساكنة بالقرب من أحضانه ودقات قلبها أعلنت الطبول وما كان منه إلا أنه رفع يديه محتضناً إياها بحركة أذابت كليهما فالاقتراب بعد الخصام له لذة مختلفة يبدأ هادئاً وينتهي بعاصفة مشاعر موقدة جياشة لكلا الحبيبين لتتمسك بأحضانه بإحدى يديها واليد الأخرى تتوسد صدره العريض وتحركها بعشوائية حركت ساكن ذاك الهاشم وهي تتمنى الآن فقط القليل من الأشياء التي تسعدها معه بعدما ظنت ان كثيرها يسبب السعادة :
ــ ياه يا هاشم لو نبعد عن العالم كله والمشاكل ونبقى انا وانت في مكان لوحدنا حتى ولو بيت صغير بسيط على قد إمكانياته بس انا وانت عايشين فيه براحة بال بعيد عن اي ناس يخلونا نزعل من بعض وبعيد عن اي حوارات يخلونا نبعد عن بعض دي بقت أكتر أمنية بتمناها .
تنفس صدره عالياً وهو يستمع إلى أمنياتها مجيباً إياها بعملية :
ــ ياه واحنا كنا مخطوبين كنت بتقعدي تقولي نفسي في أوضة نوم واسعة وكبيرة وصالة يرمح فيها الخيل وتكون الشقة عموما دوبلكس علشان اصحابك لما يجولك يشوفوا النعيم اللي انتِ عايشة فيه دلوقتي عايزة تعيشي في مكان بسيط ما فيهوش أي رفاهية غريبة انتِ يا حنين !
رفعت مقلتيها الحائرتين وسكنت عينيه الخالية من اي مشاعر وهي تردد بخواءٍ غريب:
ــ كنت بحلم يا هاشم أحلام جميلة بتحلمها اي بنت في سني بحلم يكون لي بيت كبير وعريس طول بعرض ويكون جنتل مان زي حلم أي بنت برده وجنه يعيشني فيها ويدلعني ويسفرني ويخرجني ونخرج نتمشى انا وهو تحت المطر في نص الليل ونقف في وسط الشارع ويحضني ويقول لي بحبك يا كل ما ليا،
كل دي أحلام كنت بحلمها وانا بنت كل البنات نفسها في كدة ، نفسها تعيش الحياة دي واللي لو عاشتها هتقدر تتحمل اي ضغوطات لأن الست بطبعها كائن معطاء ولما تحب تدي تحب تاخد بعشم وزيادة ويكون اللي معاها أكرم منها لأن الست بطبعها برده الرقيق كريمة جداً في مشاعرها .
تفهم حديثها ووعاه بشدة واستطاعت بنبرتها الرقيقة الهامسة ان تأسره بمشاعرها الرقيقة الحالمة ،
ترك التفكير في كل شئ ، التفكير بطبيعة شخصيته الجامدة الصلبة وقرر الدخول معها عالم الأحلام ، تجربة جديدة مختلفة عليه وعلى شخصيته أن يصبح رجلاً رومانسيا بطريقة أنثاه ،
فجذب يديها وأقامها أمامه واحتضن وجنتيها بحنو جعلها تتملس بين يديه مغمضة العينين يدق قلبها طبولاً من حركته تلك ثم قرر نزع حجابها من على رأسها فهم مازالوا بملابس سفرهم ثم نزع دبوس رأسها المحكم لخصلاتها السوداء لينطلق شعرها الأسود الغجري على ظهرها فدفن يديه بين خصلاته وهو يلقي على مسامعها ما جعلها هامت غراماً وهياماً :
ــ تمام يا مولاتي الأميرة حنين أوعدك اني في الرحلة دي هنفذ لك كل أحلامك في رحلتنا دي وكل اللي نفسك فيه هعمله لك ،
وأكمل بنظرة راغبة في الاقتراب منها كرجلٍ أنثاه المحللة له بين يديه فهو حينما يقترب منها جسـ.ـده يطالبه بالرغبة بها وباشتهاء القرب من شفاها المرتعشتين أمامه بصوت أجش متأثر باقترابها :
ــ بس تعيشني لحظات تخليني ألهث فيها وراكي أنا بطبعي راجل بحب قرب مراتي وحضنها وانا عايز حضنك وقربك دلوقتي فمتحرمنيش وتدلعيني .
بللت حلقها من كثرة عطشها هي الأخرى لأحضانه ولكن ذاك الوقت جسدها هزيل من أثر السفر وقلة النوم :
ــ دلوقتي يا هاشم ! انا رجلي مش شايلاني وعيني مش قادرة أفتحها خلينا نرتاح شوية وبعدين أدلعك وأبسطك على كيف كيفك.
أصيب بالإحباط من رفضها وشعر بالإهانة مرة ثانية ليلقي الملام عليها بطريقة حادة :
ــ لا هو في ايه بجد كل لما أطلبك وأبقي عايزك تقولي تعبانة، مش دلوقتي ،مش عايزة ، أنا بجد تعبت من كلامك ده هو المفروض أسستم رغبتي فيكي على حسب ما تعوزي انتِ وتشاوري ووقت ما تحسي اني على كيفك ومزاجك انتِ ؟!
تراجعت سريعاً خوفاً من انقلابه مرة ثانية عليها لتبرر له على الفور :
ــ لا والله مش زي ما انت فاهم يعني ادخل اخذ شاور من اثر الطريق والزحمه والاختلاط والحوارات اللي انت فاهمها دي علشان اكون تحت امرك يا حبيبي وانا منتعشة ده اللي انا اقصده .
لم يريد هو الآخر افتعال مشاكل معها فتفهم تبريرها ليبتعد عنها تاركاً إياها مردداً باستحسان:
ــ تمام يا حنين هستناكي هخرج اشرب سيجارة في البلكونة على ما تخلصي الشاور يلا في السريع .
تنفست الصعداء من تفهمه لتبريرها وعدم اختلاقه لخصام آخر لتخطو من أمامه سريعاً كالهواء و فتحت الحقائب واخرجت منها تلك المنامة الحريرية ودلفت إلى الحمام سريعاً وأغلقت الباب خلفها ثم استندت عليه وهي تتنفس سريعاً وكأنها في معركة وأحد الأعداء يلهث وراءها من شدة الإرهاق التي تشعر بها ثم خلعت ملابسها ونزلت أسفل صنبور المياه وهي تشعر بارتخاء جسدها من التعب والسفر وحاولت الانتهاء سريعاً كي تخرج لزوجها الذي ينتظرها على أحر من الجمر وتعب جسدها وإرهاقها آخر شيء تفكر فيه .
عليك أن تتخيّل أن أمامك طعاماً يبدو أنه ليس صالحاً للأكل من مذاقه أو رائحته أو لمجرد الاشتباه في لونه غير الطبيعي، بكل بساطة لن تجازف بتذوقه خوفاً على صحتك ودون شك سيكون هذا هو التصرف الصحيح، وقد يتبادر لذهنك أن يكون الطعام «مسموماً « بشكلٍ أو بآخر وعذراً إن بدت المفردة غير مُستحبةٍ لديكم.
عموماً، هناك الكثير من الأمور في حياتنا قد تكون مثل ذلك الطعام وإن كان في طبقٍ من ذهب، نعم لا تستغرب وضوحي في اختيار المفردات فما نفعُ الطبق غالي الأثمان إن احتوى على ما يمكن أن يضر بك؟!
هكذا تبدو بعض العلاقات في حياتنا بداياتها مثالية وإيجابية لكنها تتحول تدريجياً إلى «علاقاتٍ سامة» ربما لأنك اقتربت كثيراً فاكتشفتها أو لأنك جازفت لأجلها طويلاً فدمرتك أو لأنك جمّلتها في عينيك مُقنعاً نفسك أنها الأفضل لك، فالعلاقات السامة أكثرُ شيءٍ قد يُدمر الإنسان ونتيجتها مكلفةٌ تأخذ منك نفسك وشخصيتك وصحتك النفسية والجسدية وتجعلك تنفر من العلاقات بعدها، ولأن الغالبية العظمى مجرد أن يسمع أو يقرأ كلمة علاقة يتبادر لذهنه أن الأمر يتعلق بعلاقة شخصين يجمعهما الحب، في حين أن حياتنا سلسلةٌ لا منتهية من العلاقات سواء مع الوالدين، الأصدقاء، العمل، الشريك وحتى مع مقتنياتنا تنشأ تلك العلاقة من التملك أو المحبة مع العِلم أن الهدف من تكوين العلاقات هو إيجاد السعادة والأمان والراحة والحب والاهتمام لذلك أقول إن بعض العلاقات سامة لمن يدخل فيها أو يرضى بالسم الذي يتجرعه جراء الإبقاء عليها.
###################
أخيراً رآها “رسلان” تقف على البحر امسك هاتفه ويبدو أنها تطمئن اهلها عليها يقف ينتظرها حين تنتهي من مكالمتها وسيذهب إليها كي يعتذر لها عما بدر منه من إجرامٍ ،
اقترب منها وكانت تعطي وجهها للبحر ليتحمحم هو :
ــ أمممم … مساء الخير يا آنسة ليلى.
استمعت أذنيها إلى ذاك الصوت ويبدو أن أعضاء الحس لديها ترجمته على أنه معروف لديها لتلتفت بظهرها وإذا بها تشهق برعب من رؤيته أمامها والخوف سيطر على ملامحها وكادت أن تتحرك سريعاً راكضة من أمامه ولكنه تمسك بيديها يمنعها أن تتحرك كي يعتذر لها ،
وعلى صعيدٍ آخر كان “زيد” يبحث عنها بعينيه فهو يريد التحدث معها ومتلهفاً لرؤيتها بشدة وأثناء بحثه رأى ذاك الموقف من بعيد فتشنج جسده وبرزت عروق رقبته فأحدهم يمسك بيداي ليلته وهي تقف مستكينة والموقف أصبح محتدماً للغاية…
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مشاعر موقدة)