رواية مشاعر موقدة الفصل التاسع عشر 19 بقلم فاطيما يوسف
رواية مشاعر موقدة الجزء التاسع عشر
رواية مشاعر موقدة البارت التاسع عشر

رواية مشاعر موقدة الحلقة التاسعة عشر
يا مرسالَ الهوى أبلغ قلباً أرهقني عشقُه بأنني انفطرت ألماً منه بعدما قلبي غوى ،
بعدما تنعم باعتراف هواكِ اصبح جسده عطشان ومن جَفاكِ استوى ومن فراقكِ المحتوم اللعين انكوى ،
لما يا منية الروح “ليلى” تفعلي بعاشق متيم بكِ هكذا بعدما ظن أنه من هواكِ ارتوى ،
لاا ليلتي لم أتحمل ابتعادك ، ولم أطيق اقترابه منكِ ، وكاد قلبي أن يشق ضلوعي من القهر الذي حاوط جسدي بل واحتوى ،
بحق الله أنتِ قلتيها أحبك “زيد” وظننت بعدها أن الطريق خلى ولكن اكتشفت أن بعض الظنون آثاماً وتلقنت منكِ صفعةً شديدة القوى .
#خاطرة_زيد
#مشاعر_موقدة
#ربما_تستقيم_الأفئدة #بقلمي_فاطيما_يوسف
ــ اوعى يكون اللي في بالي صح يا “زيد” علشان لو صح تبعد عنه خالص ؟
حرك رأسه بتأكيد :
ــ هو يا أمي .
اتسعت دائرة عينيها بذهول لينطق لسانها :
ــ ابن وزير التربية والتعليم ؟!
جز على أسنانه غاضباً من هلع والدته حينما استمعت إلى اسمه وتمتم بحدة :
ـ ومالك خفتِ كده ليه يا امي يكش يكون ابن رئيس الجمهورية حتى هو ده اللي يفرق لك ؟
وضعت إحدى يديها في خصرها والأخرى على جبينها ومن ثمَّ مسحت على شعرها بغضب ثم تحدثت بنفس حدته :
ـ اه طبعا يفرق لي انت ابني البكري؛ ابن عمري وخايفه عليك ومش هسيبك تضيع مستقبلك ولا انك تحط نفسك جوة المخاطر دي علشان خاطر واحدة هيجي غيرها ألف واحدة ،
وأكملت نصحها وهي تجلس بجانبه وتنزع يديه المحتضنة لوجهه بحزن وهي تشجعه بقلب أم ينفطر على ولدها :
ـ فوق لنفسك يا “زيد” أنا مش عايزه أخسرك يا ابني كفاية حالتك دي وكفاية اللي انت وصلت له لحد كده ؛ إنت عملت اللي عليك وخلاص الباقي عليها هي لو هي فعلا عايزاك وبتحبك ،
وتابعت تشجيعها له وهي تربت على ظهره بحنو ثم جذبته إلى أحضانها برعاية وكأنه طفلاً ما زال في المهد صبيا :
ـ اما هي شكلها حبت ابن الوزير واختارته فابعد عنها يا ابني وشوف غيرها انت اللي يتمنوك كتير اشمعنا دي اللي هتموت نفسك عشانها ؟
تمسك بأحضان والدته بشدة وكأنها أحضان الأمان ؛ أحضان الاستقرار ، الأحضان التي سيلقي بداخلها كل أحزانه وآلامه وأوجاع قلبه المنفطر ألماً لأجل عشقه الضائع وهو يصحح مفهومها عن عشقه لها وتعلقه الذي اصبح كالإدمان بها :
ـ أه يا أمي ما فيش غيرها وما فيش زيها في الدنيا اساليني انا ،
وأكمل بنبرة ساخرة على حاله :
ـ انا اكتر واحد يعرف البنات كويس قوي وأكتر واحد كلمت بنات بكل الطرق اللي تتخيليها، وأكتر واحد أعرف اذا كانت “ليلى” في زيها ولا لا ،
اعمل ايه غصب عني بحبها مش قادر انساها ولا قادر اتخيل انها ممكن تكون مع غيري عايزاني أنسى ازاي كده بكل سهولة يا امي ؟!
شعرت بالحزن الشديد لأجل وجعه فقررت الضغط على مكان ألمه لتضع يدها موضع قلبه وهي تدق على صدره بقسوه رغماً عنها كي تخرجه من حالته وتجعله يفيق :
ـ الكلام ده لو كانت بتفكر فيك ؛ أو شايفاك من الأساس ،انت بقالك اكتر من سنك ونص بتجري وراها وهي في كل مرة بتصدك ،
هي مش بتحبك يا ابني عشان تعلق نفسك بيها للدرجة دي وتضيع مستقبلك ونجاحك وشغلك وتقعد تندب وتقفل على نفسك اوضتك وانا اتحسر عليك وعلى شبابك الضايع بسبب انها مش شايفاك يا “زيد”
جرى ايه يا ابني خرج قلبك من قوقعة “ليلى” دي بقى وعيش حياتك وصدقني هتنسى الأيام ياما بتنسي احبك محبوناش .
ما زال داخل احضانها متشبثا بها وحينما استمع الى كلامه خرج منها خائفاً من وصفها يترقب نظراتها لضياعه ولكن حينما ذكرت عدم محبتها له أكد لها بعيناي قوية :
ـ للدرجة دي أنا في نظرك معدوم الكرامة يا ماما علشان أجري ورا واحدة مش واثق ومتأكد من حبها لا دي كمان اعترفت لي بإنها بتحبني وجداً كمان انتِ ما تعرفيش تفاصيل الموضوع يا ماما .
جحظت عينيها بذهول لما قال :
ـ بتحبك واعترفت كمان ؟!
انت عايز تجنني انت وهي يا “زيد” ولما هي بتحبك واعترفت اتخطبت لغيرك ليه يا ابني وعمال تبهدل في نفسك بالشكل ده ليه وتقهرني عليك ؟
تحدثَ بصوتٍ مهزوز وملامح مقهورة :
ـ اتخطبت لغيري علشان عقاب ربنا ليا في الذنوب اللي انا عملتها ، اتخطبت لغيري علشان الظروف اللي حطيتها وحطتني في الموقف ، ده حضرتك لو بتقعدي على فيسبوك كنت عرفتي ايه اللي حصل وانها بقت ترند بسبب خناقة حصلت ما بينا انا وهي وابن الوزير وبسببها لازم يتخطبوا ،
وأكمل بأسى وما زالت لمعه الدموع عالقة في عينيه تأبى بكبرياء أن تغادر مقلتاي ذاك الـ”زيد” :
ـ وخلاص ضاعت يا ماما بعد ما كان أمل اللقا ما بيني وما بينها قرب وكنا خلاص هنفتح صفحة جديدة ؛ صفحة عشق “زيد” لـ”ليلى” وكنت هخطبها وهتجوزها وهنعيش انا وهي مع بعض وهنسى معاها كل الذنوب اللي انا عملتها وكانت هتبقى المغفرة اللي ربنا بعتها لي علشان اتوب على ايديها وأتبرأ من الآثام.
سألته بخوف:
ـ فيديو ايه ده وانت بتتخانق مع واحد زي ده ما خفتش على نفسك وانت بتعمل كده ؟
طمئنها بروح منهكة :
ـ ما تقلقيش يا امي انا ما فيش خطر عليا في أي حاجه الولد لما سألت عنه عرفت إنه مسالم جدا ومش بتاع مشاكل ومش عايش الدور إنه ابن وزير ، وانا أصلا مشكلتي ما كانتش معاه لكن دخل فيها مجرد ما خطب “ليلى” وهنا بقى هتبتدي الحـ.ـرب اللي بجد .
شهقت برعب وهي تضـ.ـرب يدها على صدرها مانعة إياه:
ـ حـ.ـرب ! ابعد بقى عن الموضوع ده طالما بقت مع غيرك ورضيت بالحل السهل ومتعبتش علشان تدافع عن وجودك في حياتها زي ما انت تعبت وعافرت يبقى كفاية قووي لحد كده ، ابعد عنها يابني وعن الولد ده أبوس ايدك ،
واسترسلت بتخوف :
ـ مش كل مرة الولد هيفضل مسالم ومانع أهله عن أذيتك وطالما عافر علشان تبقى معاه يبقى مش هيسبها لك .
هتف بنبرة حـ.ـارقة لوالدته وهو ما زال يبرر لها :
ـ يا ماما انا لسه مسمعتش مبرراتها هي أكيد اتغصبت أنا هتكلم معاها وهشوف حصل كدة ازاي ، وقدرت إنها تعمل فيا كدة ازاي وتكون مع غيري وهي بتحبني ؟
إلى هنا ولم تستطيع التحمل لسذاجته أكثر من ذلك فعـ.ـنفته لأول مرة منذ أن أصبح شاباً بصوت مملوء بالحدة والتحذير لما سيفعله :
ـ انت بتخرف بتقول ايه انت ؛ ازاي تفكر تقرب من واحدة مخطوبة وبقت مع غيرك ده قمة قلة الدين ،
وأكملت بذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي تتبع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ـ انت متعرفش إن “لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه” وإنها دلوقتى لا يجوز شرعاً ولا عادات ولا تقاليد انك حتى تقرب منها ولا تكلمها ، كفاية بقى ولا تسمع مبررات ولا يحزنون واقفل الموضوع ده على كده لو سمحت يا ابني إحنا مش عايزين فضايح ولا بهدلة لينا وراك على أخر الزمن ،
واسترسلت بقهر على حالته :
ـ احنا بقينا في زمن التشهير بحياة الناس وسمعتهم علشان خاطر الزفت الترند اللي لسه قايل عليه ، وكمان الولد شخصية مشهورة والعين كمان بقت عليكم في الجامعة ،
وأكملت بقسوة في النصح كي تحافظ عليه :
ـ أنا بأمرك دلوقتي لو شفتها ماشية من الشرق تمشي انت من الغرب ولو لقيتها واقفة في اليمين تروح انت في الشمال ، واعمل حسابك لو جريت لنفسك المشاكل يا “زيد” بسببها قلبي وربي غضبانين عليك لو هي خليت وعايزاك نبقى نروح لها بالأصول والصح لكن أي قرب منك ليها دلوقتي يبقى قمة الغلط وقلة دين وأخلاق ، انظبط بقى وكفاية شرود وقلة احترام لربك ولدينك طول حياتك لحد كده واستقيم علشان ربنا يشفى قلبك وعقلك يا ابن عمري .
بعدما استمع إلى كلماتها وتحذيراتها ازدادت أوجاعه داخل صدره بما يكفي ويفيض وهو يشكو لها بعينيه :
ـ لم يا أمي تلك القسوة في نصحي فأنا عشقتها بكل جوارحي ؟!
عيني لاترى إلا برؤية عينيها ، وأذناي لاتسمع إلا نبضات قلبها ، وروحي دوماً متلهفة لقربها ، ونفسي وعقلي يتنفسون قربها ، لما قُبلت كل محاولاتي معها بالفشل والابتعاد عني ؟
لما لم تكن “ليلى” لـ”زيد”ـها وفرقنا الزمان ونفرتها الظروف مني ؟!
لما كل شئ معها منذ عشقي لها يتفقان معها على صدِّي ؟!
ألا لعنة الله على الظروف والمواقف والمحاولات الفاشلة التي وقفت جميعها في افتراق “ليلى” لكل جوارحي وأصبحت ضدي ،
أعدك يا أمي أني بعد الآن سأستقيم فكل جوارحي ماتـ.ـت بابتعاد ليلتي ، فالعين ستحرم رؤية غيرها ، والقلب لم يدق سوى لعشقها ، والأذن لم تسمع صوت أنثوى بعد سوى صوتها ، أقسم لك برب السماء أني بعد الآن لا أرى ، لا أسمع ، لا أتكلم مادامت “ليلى”
لم تكن لي ، فأنا الآن أصبحت راهباً ، نافراً، لجنس حواء وكفاني شوقي لعينيها سيروي ظمئي للعشق بقية عمري .
ثم ارتمى في أحضان والدته وهربت الدموع المتحجرة من مقلتيه رغماً عنه على كتفها ، حقا فهو عشقها حتى الموت من غيرها ، فاللعنة لك عشق “ليلى” كل اللعنة .
************
ـ انا اعترفت له بحبي يا مامي وأنا مكنتش اعرف إني هكوم مع غيره والظروف هتجبرني أبعد عنه، زمانه بيقول عليا خاينة ، زمانه كرهني يا امي ،
وأكملت وهي تشهق دموعاً غزيرة في أحضان والدتها نظراً لمشاعر الأنثى الرقيقة داخلها :
ـ انا جرحته وتعبته وقهرته أوووي وأنا عارفة قهر الرجال صعب ومميت ، وعمره ما هيسامحني ولا هيعرف يعيش بسببي ،
ثم خرجت من أحضانها وهي تنظر داخل عينيها وتلقي اعترافاتها على والدتها بما أدهشها :
ـ فاكره يا مامي لما كنت بقول لك انا ما اعرفش يعني ايه حب ، ومفهمش يعني ايه اعرف ان الانسان اللي قدامي ده بيحبني ولا لا ؟
لكن انا بقول لك دلوقتي انا عرفت وتأكدت ازاي ؛ نظرة عينيه ليا كأني بالنسبة له أمنية كبيرة بل أهم أمنية في حياته اني اكون ليه ، كلها خوف عليا من أي حاجة تمسني ؛ ومني إني أبعد وما يشوفنيش تاني أو أسيبه ؛ خوف على قلبه ومشاعره إني أجرحه ، نظراته كلها ليا كانت بتأكد لي إن أنا بالنسبة له العالم والدنيا وكل حاجة حلوة ومن غيري مش هيعرف يعيش ولا هيعرف يكمل انا مش عارفة لو عيني جت في عينيه بعد كده هواجهه إزاي ؟!
انا موجوعة قوي يا ماما قوي فوق ما تتخيلي ، ما كنتش اعرف ان الحب بيعمل كده !
انفطر قلب والدتها لاجل شعورها المتخبط داخلها فقد انغرست صغيرتها في رحلة العشق الممنوع بل تيقنت انها تعشقه بشده فعينيها يملاها الحزن بطريقه لا توصف لاول مره تراها عليها ولكن فكرت بذكاء كالمعتاد مع ابنتها لتحاول تهدئتها :
ـ شوفي يا لولا حبيبتي ربنا خلقنا في الدنيا مش علشان نعيش مرتاحين طول عمرنا ولا علشان ما نتعبش ونعافر علشان نوصل للحاجة اللي احنا عايزينها علشان لما تبقى بين ايدينا نحافظ عليها كويس قوي دي حكمة ربنا في في الدنيا لما قال “ولقد خلقنا الانسان في كبد”
يعني هيفضل في مشقة ، وكمان معروف إن الإنسان في الدنيا دي برده ما بيختارش حاجة كل ظرف وموقف والحياة كلها من تدابير ربنا سبحانه وتعالى وطبعا دي حاجة صعبة جدا على الإنسان ان هو يتحملها لأن الدنيا تحملها بشهواتها ومغرياتها مسألة معقدة جدا ربنا قال في كتابه العزيز “إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ”
يعني عرض الدنيا دي على الأرض والسما والجبال ورفضوا ان هم يحملوها وشفقوا على نفسهم منها وابتعدوا وعرضها على الإنسان وقبلها وكان ظالم وجاهل لنفسه لأن التحديات فيها شاقة جدا ،
وتابعت تشجيعها ببث قوة الإيمان بأقدار الله وإرادته داخلها :
ـ بس بقى اللي بيفرق هنا اللي إيمانه قوي واللي إيمانه ضعيف ، وانا يا بنتي ربيتك على إنك تبقي قوية ، مش عايزاكِ تضعفي يا “ليلى” مش عايزاكِ تستسلمي ؛ من حقك تحبي ومن حقك تختاري اللي إنتِ بتحبيه ومن حقك تكوني معاه ،
وأكملت بحنكة وسرعة بديهة لتفهم الموقف بطريقة اعتادت عليها تلك العبقرية نظراً لمهنتها :
ـ إنتِ تعرفي ان ربنا ما بيعملش حاجة وحشة أبداً وان اللي عمله معاكِ انتِ و”زيد” هيثبت قد ايه حبكم كان ينفع يكمل ولا لا ؟
هنشوف اذا كان هيقدر يصمد قدام انك خلاص ما بقيتيش معاه وانك اتخطبتي لغيره هيرجع لنفس الطريق اللي كان فيه ولا لا ؟
ولا هيتغير ويبقى حاجة جديدة مستقيم فعلاً ولا هييأس بعد ما يتيقن من ضياعك ؟
كان لازم اختبار قوي جداً زي ده لـ”زيد” وسبحان الله الظروف اللي عملت الاختبار ده مش بتدابير من ايدينا ولا باختلاق لمواقف ولا أي حاجة تخصنا كله من عند ربنا ،
ثم بررت لها الأسباب الواضحة كي تقنعها وتجعلها تهدأ :
ـ أول حاجة علشان يختبر مشاعرك ويشوفك بتحبيه ولا لا ، تاني حاجة يمكن لما تتعاملي مع “رسلان” تفتكري إن “زيد” كان حب مراهقة وتحبيه ومن حقك على فكرة إنك تختاريه هو لو قلبك دق ومال ناحيته لأن “زيد” كان محاصرك من كل اتجاه فبالتالي قلبك وعينيكِ ما شافوش غيره ،
ومن حقه هو كمان على نفسه إنه يستقيم وده الاختبار اللي هيخليه يعرف اذا كان هيرجع للي كان فيه بعد ما يكتشف ان انتِ ضعتي من ايديه ولا لا، علشان كده انا عايزاكِ قوية زي ما انا ما معلماكي وزي ما انا ما متعودة منك تمام يا بابا .
ما زالت اللهفه والوجع ينخران في صدرها وحتى بعدما اقتنعت بمبررات والدتها ومحاولة طمئنتها إلا أنها أخفضت عينيها للأسفل وسألتها بخجل :
ـ طب بعد اذنك يا ماما انا حابة ان انا اعتذر له وشايفة ان من باب الذوق والأخلاق ان انا لازم أعرفه الظروف من غير تفاصيل،
و ما تقلقيش مش هقول إن الخطوبة صورية أو أي حاجة لأني انا عارفاه ممكن في أي موقف يحصل في الجامعة يتعصب ويقول عادي علشان يغيظ “رسلان” بس علشان انا اعترفت له بحبي وهو دايماً كان بيقدرني فلازم أعتذر له .
وضعت كفاي يداها الحنونتان وحاوطت بهما وجنتاي صغيرتها وتحدثت بحب صادق ظهر بيناً داخل عينيها وهي تشجعها :
ـ طبعا يا ماما الاعتذار واجب أنا كنت هقول لك أصلا تعملي كده لأن ما ينفعش إنسان ادانا مشاعر وكان مهتم جداً لدرجة انه وافق يشتغل في الجامعة علشان بس يثبت لك ان هو جدير بيكِ وبعد كمان ما افصحتي له عن مشاعرك وفي الآخر نسيبه كده تايه اعتذري من غير ما تدي أي وعود فهماني يا “ليلى” ؟
ودايما يا بنتي في كل علاقاتك ما تديش وعود لحد إلا لما تكوني واثقة ومتأكدة انك قدها وإن الظروف مش هتقدر تخليكِ تخلفي الوعد علشان ما نبقاش من المنافقين اللي الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنهم اذا وعد أخلف .
هرولت إليها وارتمت داخل أحضانها الحانية وتحدثت وهي تتمسح بها بحنو :
ـ انا بحبك قوي يا مامي ربنا يخليكِ ليا ،
بجد إنتِ الدليل اللي بيرشدني عن التوهة في طريقي ، انتِ كل حاجة حلوة في حياتي يا مامي ربنا يخليكِ وما يحرمنيش منك ابدا .
ضمتها أكثر تلك الحنونة وقربتها لصدرها وتحدثت بنبرة محبة لابنتها :
ـ ولا منك يا حبيبة مامي ده دوري تجاهك و واجب عليا يا حبيبة قلبي وعلشان لما تبقي مامي جميلة في يوم من الأيام تعملي مع أولادك كده زي ما انا ما بتعامل معاكِ بالظبط بكل حب وهدوء ونقاش راقي ربنا يخليكِ ليا انت واخوكِ وما يحرمنيش منكم ويبارك في عمركم يا حبايبي .
************
يهبط الأدراج بطلته الشامخة ومظهره المنمق كالمعتاد وقبل أن يذهب إلى عمله دلف إلى والدته كي يلقي عليها تحية الصباح ويطمئن عليها ويتبارك بها قبل أن يذهب إلى عمله وجدها تجلس أمام التلفاز تشاهد أفلامها العربية القديمة فهي تعشقها بشدة مقبلاً رأسها باحترام:
ـ صباح الخير يا أمي ، عاملة ايه ، انا رايح الشغل عايزه حاجة قبل ما امشي ؟
ضيقت نظرة عينيها ثم رمقته بنبرة هادئة بعدما ردت صباحه:
ـ صباح النور يا هاشم يا ابني أيوه اقعد عايزاك في حاجة مهمة.
نظر في ساعته وجد أنه متأخراً اليوم على غير عادته فسألها :
ـ حاجة مهمة ولا إيه يا ماما ، اصل انا النهاردة متأخر لو ينفع تتأجل لحد ما اجي تمام ؟
زمت شفتاها وأنزلت بصرها للأسفل وهي تنظر على هيئته من أعلاه لأسفله وهتفت بنبرة ساخرة :
ـ ما انت من ساعة ما اتجوزت الكونتيسة وما بقاش عندك وقت تقعد مع امك ولا تشوفها بقيت اشوفك زي الضيوف بالضبط ،
لا و ايه كمان بقيت تأخرك عن شغلك وتاخدك تسهرك بره وترجع انت وهي في انصاص الليالي اما لما امك تكون عايزاك وعايزه تقعد تتكلم معاك شوية تستعجل وتقول شغل ومش شغل وانت لابِد جنبها بعد ما تيجي من الشغل تخرج لك ساعتين وتيجي تلزق فيها .
تأفف بحدة لحديث والدته الصباحي المزعج له لينطق بتبريء لتلك المسكينة النائمة على تختها فوق :
ـ أوووووف يا أمي، بقى علشان مرة واحدة من ساعة ما اتجوزنا خرجتها واتعشينا برة من بقى لنا شهور متجوزين وتقولي كل يوم بخرجها يا ماما حرام عليكِ !
مطت شفتيها بامتعاض وهدرت به :
ـ اه خش في عبي يا ولا آمال سفرية شرم الشيخ دي كانت ايه يا عين أمك كنتو رايحين في رحلة علاج ولا انا مش واخده بالي ؟!
وتابعت بسخط :
ـ وكل يومين والتاني رايح عند اهلها ده انا ما بشوفكش انت وهي تنزلوا تقعدوا معايا زي ما انت بتروح تقعد مع اهلها .
رفع منكبيه باستكانة وبنبرة تقطر دفاعاً تحدث شارحاً:
ـ اهلها مين يا ماما اللي انا بروح اقعد معاهم !
انا ببقى نازل لاصحابي وباخدها في طريقي تروح تشوفهم وتطمن عليهم وانا ما ببقاش معاها ده انا ما رحتش عندهم من ساعة ما اتجوزنا في الشهور دي كلها تلت اربع مرات على بعض .
أشارت إليه أن يجلس مرة أخرى بعدما قام منتوياً الذهاب إلى عمله آمرة إياه :
ـ اقعد كدة متستعجلش على مفارقة مجلس امك يا ابن بطني ،
الله يسهل لك انت وهي يا اخويا انت هتاكلني علشان بنصحك تخلي بالك من شغلك وما تخليش جري النساوين وسهوكتهم ياخذوك في دوكه وتنسى مشاغلك اللي تعبت فيها من وانت عيل صغير،
وأكملت متسائلة إياه بحنق :
ـ هي الحلوة بقى لكم داخلين على ست شهور اهي ما شفنالكمش بشارة حمل يعني ولا حاجة ده اخواتك الله أكبر عليهم اذا كانوا البنات ولا الصبيان من تاني شهر بشروني اشمعنا انت يا نن عيني أنا عايزه أطمن عليك وعلى خلفك زي ما اطمنت على اخواتك وشايفاك عاجبك دور العريس اللي ما زهقتش منه والسهوكة بتاعه مراتك المدلعة قولي شكلها لا لها في الخلف ولا يحزنون ومش في دماغك الموضوع ده.
نظر لها مضيقاً عيناه وقوس فمه ناطقاً بتعجب:
ـ يوه يا امي خلصنا منها هتتجوز امتى عشان عايزه افرح بيك لـهتخلف امتى وهلم جر ،
طب وهي الحاجات دي يا ماما بايد مراتي ولا بايدي ؟!
الحاجات دي بايد ربنا وقت ما يبعت لنا رزقه في الخلفة هنقول لا يعني هي برده ما لهاش ذنب وبعدين يا أمي احنا لسه ما بقلناش ست شهور زي ما انتِ ما قلتي،
ثم قام من مكانه مستئذناً سريعاً قبل أن تدخل في أحاديث أخرى كالمعتاد عن زوجته وحياتهم وهو لا طاقة له أن يستمع إليها غير ذلك كفاه اليوم ما سمعه منها :
ـ بعد اذنك انا عايز امشي بقى ومستعجل على الشغل وربنا يسهل.
ودعته بنبرة ساخرة ، ثم انتوت على أن تتحدث مع زوجته في ذاك الموضوع فهو الحديث معه لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يجعل بالها يرتاح وستستغل فرصة نزولها اليوم في أي وقت وستحادثها ،
بعد مرور عدة ساعات وبالتحديد في الساعة الواحدة ظهراً كانت “حنين” تهبط الأدراج هي الأخرى وهي تنتوي الذهاب إلى والدتها بعدما استأذنت من زوجها كي تتناول معها الإفطار فهي تستيقظ من نومها متأخرة كعادتها منذ أن تزوجت ولابد أن تمر على حماتها قبل ان تغادر أي هذه هي تعاليم “هاشم” من باب المعرفة فقط حتى يكونوا مطمئنين عليهم كما أخبرها قبل ذلك ”
ـ صباح الخير يا ماما ، عاملة ايه ؟
أجابتها بنبرة باردة :
ـ صباح النور يا “حنين” ، بخير نحمده .
لاحظت ارتدائها لملابس الخروج فسألتها بتدخل :
ـ على فين العزم ان شاء الله ؟
أجابتها بنية صافية:
ـ رايحة عند ماما شوية وهرجع على طول مش هتاخر انا استاذنت من “هاشم” بس قلت انزل اطمن عليك قبل ما امشي .
رفعت حاجبها لما استمعت اليه ثم تحدثت بنبرة صريحة وطريقة جامدة :
ـ هو انت يا حبيبتي مش كنتِ عند امك امبارح وأول امبارح هو كل يوم ولا ايه ؟
ولا انتِ مفكرة إن الجواز كل يوم خروج ودخول !
إذا كان جوزك مشغول في شغله ومش واخد باله من الحاجات دي فأنا واجب عليا انبهك ان كده عيب ما ينفعش انتِ بقيتي ست متجوزة ومش كل يوم والتاني رايحة عند امك مش شايفه سلايفك فوق كل واحدة فيهم ليها يوم عند أمها بتروحوا كل أسبوع غير كده لازمين بيتهم وشايفين أمورهم وأحوالهم مستقرة اما انتِ حالك مش عاجبني .
انزعجت “حنين” من اعتراضها على طريقة حياتها فهي وزوجها أحرار فيما بينهم ولكن ردت بأدب فهي مهما كانت أم زوجها ولها حق الاحترام مهما قالت :
ـ كل واحد حر يا ماما يمشي حياته زي ما هو مرتاح وعايز سلايفي عندهم ولادهم ومشغولين بيهم اما انا ببقى لوحدي اكتر الوقت عشان “هاشم” في شغل طول النهار وما بيرجعش إلا بعد نص الليل فبروح لماما شوية أفك عن نفسي مع اخواتي ايه العيب في كده يعني ؟
وكأنها الفرصة أتت لها على طبق من ذهب لتنطق على الفور بما صدم “حنين” :
ـ حلو قوي جيتي لي في نقطة مهمة كنت عايزة أفاتحك فيها ،
ايه اللي ما خلاكيش تدوري على الحمل والتأخير لحد دلوقتي وانتم متجوزين بقى لكم ست شهور مش واخدة بالك انك اتاخرتِ زيادة عن اللزوم ؟
ابتلعت غصة مريرة وهي تستمع إلى تلك الكلمات المريرة التي أشعلت النار داخل صدرها وتحدثت بتساؤل واستغراب:
ـ طب انا في ايدي ايه اعمله يا ماما كل حاجه وليها وقتها لما ربنا يريد انا ذنبي ايه ؟
لوت شفتيها بامتعاض وهي تحدثها بجبروت دون أن تراعي مشاعر تلك المسكينة :
ـ اه ذنبك يا حبيبتي انك مش فاضية تشوفي حالك في ايه وتروحي للدكتور بدل ما انتِ رايحة لأمك كل يوم والتاني ومش سائلة في نفسك ،
مش الواجب عليكِ تروحي يمكن يكون فيكِ حاجة لا سمح نلحقها في الأول كده قبل ما الموضوع يتعقد ،
ثم أكملت بقسوة في الحديث :
ـ ويكون في معلومك انا ابني سليم 100% راجل ابن راجل زي ابوه واخواته ما يعيبهوش حاجة وانا واثقة ومتأكدة من كلامي يعني لو كان في عيب للتأخير يبقى منك انتِ فتتشطري كده وتاخدي أمك ،
أو تاخدي جوزك وتروحي تشوفي ايه اللي مأخر الحمل الشهور دي كلها ، انا عايزه اطمن على ابني واشوف عوضه زي اخواته .
تحدثت بدموع متحجرة داخل عينيها وهي تشعر بالإهانة من تلك الكلمات التي القتها على مسامعها بكل قسوة وبشاعة دون ان تاخذها رأفة لتلك الـ”حنين” لتنطق بهدوء وهي تسحب حقيبتها وتغادر المكان :
ـ حاضر يا ماما هبقى اروح للدكتور واشوف عن اذنك .
أجابتها متهكمة بكلمات خرجت من بين أسنانها بحدة :
ـ اذنك معاكِ يا حبيبتي وما تنسيش اللي انا قلت لك عليه .
خرجت الأخرى بدموع تلتمع في عينيها ويبدو ان الدموع هي طريقها منذ ان أقدمت على هذا المنزل،
ما عليكِ “حنين” فهذا اختيارك وهذا شأنك من البداية فلتتحملي كل العواقب فليس الزواج كقصور الجنان وليست كل الأزواج كالفرسان وليست كل الحموات أمهات، فلتصمدي أمام كل العواصف حتى تصلي إلى طريق هادئ ثم بعدها تستريحين عزيزتي .
***********
في القسم الخاص بكلية الصيدلة بعد ان بارك الجميع لـ”ليلى” و”رسلان” على إعلان خطوبتهم كما اتفقوا على كل شيء حينما تقابلوا في الجامعة وهم يسيرون بجانب بعضهم أمام الجميع ، وأخيراً تركهم الجمع الذي كان حولهم ثم طلب منها :
ـ ممكن نقعد مع بعض نص ساعة بس يا “ليلى” عايز اتكلم معاكي شويه معلش .
حاولت تهدئة أعصابها من التوتر والقلق في جلستها معه فهو ليس له ذنب هو الآخر في التفرقة بينها وبين “زيد” فهو لم يعرف عنها ولا عن علاقتهم ببعض شيئاً ، وهي لم تُعامل أحداً في يوم من الأيام بطريقة حادة فهي تربَّت على الءوق لتجيبه برقي يليق بتلك النقية :
ـ تمام ما فيش مشكلة بس ممكن نقعد في المكتبة علشان ما بحبش جو الكافيتريات ولا بحب ألفت الانتباه ليا في أي مكان .
تبسم بحالمية لها فهي تشبهه في أمور كثيرة ليشير بيده وهو يعاملها كالأميرات :
ـ اتفضلي مولاتي الأميرة “ليلى” نروح للمكتبة مكان جميل وهادي .
لانت ملامحها وشعرت براحة اجتاحت روحها لحديث ذالك الراقي في معاملته الفريدة لها التي وصلت لأعماقها وتوغلت في روحها فهي تحبذ دوماً تلك العلاقات المبنية على الذوق الرفيع ،
حينما وصلوا إلى المكتبة سبقها إلى تلك الطاوله وجذب الكرسي كي تجلس عليه بكل اهتمام ووقار وهو يردد بترحاب :
ـ اتفضلي يا برنسيس .
ابتسمت برقة لطريقته معها ثم جلست على الكرسي وهو جلس أمامها متسائلاً اياها :
ـ تحبي تشربي حاجة او تحبي تفطري اجيب لك اي حاجه يعني تاكليها في السريع شكلك لسه ما فطرتيش ؟
أجابته بهدوء وخجل :
ـ شكرا جدا يا “رسلان” بس انا ماما مش بتخليني انزل من غير ما افطر وكمان مش بتحبني أكل من بره وببقى جايبة معايا المج الحراري في قهوتي اللي بحب اشربها لو انت حابب ممكن نشربها مع بعض ؟
تقبل عزيمتها بصدر رحب بل طريقتها تلك سهلت عليه البدء في الحديث معها بما يريد ليحرك رأسه للأمام مع ابتسامة واسعة غزت ملامحه زادته وسامة على وسامته :
ـ طبعا اشربها معاكي هو انا طول عزومه البرنسيس ليلى ليا ده انا يزيدني الشرف والله اني اشرب معاكِ من نفس اللي انت بتشربي منه ،
ثم أكمل بنبرة مرحة للغاية جعلتها تكتشف به الخفة المقبولة للغاية :
ـ يلا ناوليني ايغاها كي اتمزج بصنعها أيتها الجميلة الرقيقة.
ابتسمت برقة بالغة لطريقته الجميلة معها ثم أخرجت المج الحراري وأخرجت معه كوبان من البلاستيك الصالح للمشروبات الساخنة فهي دوماً تأتي بكوبٍ زائد لعل إحدى صديقاتها تتناول معها المشروب ثم بدأت بسكبه وناولته إياه ،
أما هو حينما تناوله منها كان ينظر في عينيها نظره متأثرة بوجوده معها ليلمس أصابع يديها دون قصد منه وحينما حدث ذلك أحس بشعور جميل توغل جسده وكأن لمسته لأصابعها الصغيرة كـماس كهربائي جعل جسده يهتز داخله بتأثر ، أما هي خجلت بشدة وسحبت يديها فأخذ منها الكوب وتذوقه بشهية ثم تحمحم برجولة وهو يشكر صنيع يديها :
ـ ايه الظبطة التمام للقهوة دي يا لولا حقيقي طعمها هايل اعملي حسابك تجيبي لي منها كل يوم معاكِ وتبقى قهوة الصباح اللي بتظبط الدماغ من ايد ست البنات .
حركت رأسها بخجل من ذوقه وحديثه وطريقته الهادئة معها لتشكره بذوق مماثل :
ـ شكراً جداً ده من ذوقك والله.
قوس فمه بطريقة مازحة جعلتها تعجبت لينطق هو بدعابة :
ـ هو ايه اللي كل شويه شكرا ايه يا ماما هو انت قاعده مع خالتو ولا عمتو بتشكريهم على اي حاجة ،
وأكمل بصوت أجش ونبرة راجية وهو ينطق اسمها برجولة :
ـ ” ليلى” ممكن ندي بعض فرصة ان احنا نفهم ونعرف كل حاجة عن التاني وننسى إن احنا اضطرينا نعمل خطوبة ، ممكن تسيبي نفسك وقلبك في خلال الفترة دي معايا يمكن ربك مغير القلوب يآلف قلوبنا على بعض انا بجد محتاج آخد الفرصة دي منك قوي يا “ليلى” ،
وأكمل بنظرات مترجية وعيون تنطق غراماً بها فهو منذ أن حلم بها وهو يراها ملاكاً جميلاً أرسله الله إليه كي يبدأ معها رحلة عشق هادئ وجميل كشخصيته :
ـ مش عايزك تكوني قافشة قوي كده وانتِ قاعده معايا او لو حصل أي موقف واضطرينا نقعد مع بعض ، نفسي بجد إنك ما تكونيش خايفة ومضطربة وتعملي حساب لأي حد حوالينا غير نفسك وراحتك وبس ،
من الآخر انا عايزك تطمني يا “ليلى” في العلاقة البدائية اللي بيني وبينك لأنك لو اطمنتي وحسيتي بالأمان يبقى أنا كده قدرت أعبُر أول طريق هدنة ما بين قلبك وقلبي .
ابتلعت لعابها بخجل من حالها فكيف لها أن ترد على ذوقه معها وكلماته الراقية بأن تكسر له قلبه بصدها فهو خلوق للغاية في الحديث معها ، راقي لأبعد الحدود ، غير مسيطر من بداية علاقتهم ببعض ، ولكن أجابته بصدق عما يجيش في صدرها :
ـ بصي يا “رسلان” يا ريت من البداية بيني وبينك تعرف ان انا مش بميل في العلاقات بسهولة أرجوك حاول تتحكم في عواطفك ومشاعرك وانفعالاتك العاطفية معايا علشان الخطوبة هتنتهي في شهور قليلة ومش عايزه أنهيها وانا مسببة لك جرح كبير يوجع قلبك أرجوك ما تخلينيش أحس بالذنب تجاهك .
تحمحم لينظف حنجرته عله يستطيع إخراج صوته بعد سماعه لكلامها والذي يبدو ان محاولاته البدائيه لجذبها اليه لم تؤتي ثمارها وبالفعل تحدث:
ـ صدقيني يا ليلى انا عمري ما هقدر ااذيكي ولا اطالبك بحاجة تجاهي انتِ مش حاسه بيها انا ما ارضهاش على رجولتي ما مرضاش اني أكمل معاكِ بعد كده وانتِ مش حاسه بيا ولا راضية بالعلاقة بيني وما بينك .
في تلك النقطة قام عقلها وقلبها معا بمقارنة بينه وبين عاشقها الذي دوماً كان يردد أمام عينيها مرارا وتكرارا انها لها وأنه لن يتركها وأنها مهما صمدت ستكون له وستعشقني ودوما كان يردد لها بأن الزيد لليلاه والليلى لزيدها ولكن نفضت عن حالها ذاك الفكر وهي تجيبه بكل هدوء :
ـ اكيد “رسلان” وأكيد كمان ربنا مخبي لنا حاجات كتير احنا مش عارفينها واللي عايزه ربنا في العلاقة ما بيني وما بينك هو اللي هيكون وانت ربنا يريح بالك وقلبك دايما يا رب .
تبسم برجولة مهلكة لأي فتاة ثم نطق مداعباً إياها:
ـ بصي هو بعد الرقه في الكلام دي وبعد الدعاء الحلو ده فانا احب اقول لك انا متمسك بيكي قوي يا لولا والتذهب الرجوله الى الجحيم بصي انا بجد سعيد ان احنا فتحنا قلبنا لبعض ومرتاح جدا للعلاقه الهاديه دي ومرتاح جدا لتفهمك للموقف وانك وقفت جنبي اصلا مجرد وقفتك جنبي بانت ليكي في قلبي حاجات كثير قوي يا ليلى وانا بجد عايز اخذ فرصه في قلبك ومش محتاج منك غير تفتحيه وما تحاوليش تصدي الفرص اللي هتجمع ما بيني وما بينك بامر من القدر ،
وأكمل بصوت هائم بها وهو يعترف لها:
ـ تعرفي إن أنا حلمت بيكِ ، ومش بس كده انتِ كمان مديتي ايدك وحضنتِ ايدي وقلتي لي في الحلم ان انا عمري ما هسيبك وهكمل معاك بس انت استقيم صدقيني يا “ليلى” كل كلمه بقولها لك خارجة صادقة من قلبي ،
وأكمل بنبرة متأثرة باحتياجه لوقوفها بجانبه وارتباطها به وهو يتعمق النظر في مقلتيها مسحوراً بها :
ـ وأنا من يوم ما حلمت بيكِ وانا قلبي اتعلق ، ومن وقتها صوتك ، وصورتك ، وكلامك ، وملامحك البريئة مبيفارقوش بالي ، حسيت انك ملاك بعته لي ربنا ولازم اتمسك بيه .
يا الهي نفس الكلام الذي يقوله لها زيدها دوماً ، نفس النظرات الهائمة بها ، نفس العيون المسحورة باقترابها ،
ولكن ليست نفس دقات القلب ولكن كلامه أصابها برعشة غريبة اجتاحت أوصالها وهزت مشاعرها المقيدة بعشق “زيد” وتلك الرعشة سببت القلق داخلها ،
وفي نفس المكان كان يشاهدهم عاشق مجروح ينظر عليهم بنظرات من شدتها لأحرقت الأخضر واليابس ، حيث كان يجلس في المكتبة يراجع بعض الأبحاث التي تنفعه في محاضراته وكما أنه متطلع دائماً لكل جديد في علم الكيمياء ويحبذ القراءة فيها كثيراً وكان لديه محاضرات اليوم ولكن متأخرة قليلاً فقرر أن يذهب إلى المكتبة كي يقرأ ويراجع كتاباً قد شاهد إحدى صفحاته على تطبيق الفيسبوك صدفة وقرر قراءته والاطلاع عليه وعلى المعلومات التي تنفعه بداخله ،
منذ أن دخلوا إلى ذاك المكان وهو كان يقف يعطيهم ظهره يبحث عن الكتاب وما ان التفت حتى انقبض قلبه حينما وقعت عيناه عليهما كان يجلس والنـ.ـيران تتأجج داخله بشدة يشعر بأنه يحـ.ـترق كلياً ، ينظر عليهم بحسرة يريد الذهاب إليها وجذبها من يديها ولكم ذاك المتداخل بينهم يريد أن يمسكها من يدها ويقول لها أمام الجامعة بأكملها أنها له وأنها تخصه ولكن “زيد” ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وتلك الوعود الذي اعطاها لوالدته هي التي تقف سداً منيعاً عنهم وكما أنه لا يريد اختلاق المشاكل لها ولكن كان داخله يتحدث إليه ويجبره على الشكوى بصمت قاتـ.ـل دون ان يفتح فمه :
ـ اتجلسين معه ليلتي ، تبتسمين له وتعطيه إشارات الود بعينيكِ الساحرتين !
لما ليلتي تفعلي بها هكذا، أتعطيه مشروباً صنعتيه بيدك، اتحكين له عن يومك وتشكين له همك ؟!
لما يا القدر مازلت تعـ.ـذبني لما جعلتني أراها معه ، لما كسرت بخاطري لما ؟!
يا الله ارحم عبداً يتذوق مرارة عشق من ليس له ،
ثم قام من مكانه و قرر مغادرة المكتبة فهو لم يتحمل مكوثهم أمامه وهم يتحدثون كعاشقين فداخله ينفطر بل يتقطع ألماً ،
رأته نعم لقد رأته وهو يفرد طوله ويتحرك بجانبهم فدق قلبها بوتيرة سريعة ، دقات تلو دقات عنـ.ـيفة هزت جدار جسدها ، ثارت مشاعرها المحتاجة للحديث معه والوقوف أمامه وان تشتم رائحته التي وبفضلها منذ أن علقت بيديها وردائها في أول لقاء ومواجهة بينهم في منزله وظلت معاها إلى أن وصلت منزلها أيام وأيام تفكر به كلما اشتمت رائحته داخلها وعينيها تطالع عينيه ، حقا لقد شعرت بالوحشة لك زيدي ، اللعنة عليكِ أيتها الظروف الحمقاء في ابتعاد حبيبي عني ورؤية انكساره أمامي ،
رآها “رسلان” قد تصنمت عينيها على شئ ما فاندهش لذالك فتلقائياً أدار رأسه كي يرى على من تنظر ليجده ذاك الدكتور الذي كان يقف معها ، فتقابلت ثلاثية الأعين بنظرات مختلفة بينهم ،
وقرر “زيد” بعد أن رأوه أن يذهب إليهم بشجاعة أذهلت كلتاهما وهو يبارك لهم بشعور والله كأنه مذبـ.ـوح ولكن ساعة الأقدار تعمى الأبصار ، خافت بشدة من اقترابه منهم أن يفتعل مشاكل معهم ككل مرة ولكن صدمت حينما استمعت إلى مباركته بصوته المنكسر ولكن قامته وعينيه تنظر إليهم بشموخ ،
كان في قمة أناقته ببذلته السمراء وطوله الفاره وشعره المصفف بحرفية ورائحته العطرة بشدة التي أغمضت عينيها أمامهم وهي تعبئ بها صدرها قدر المستطاع مما جعل كليهما يفسر غمض عينيها على هواه لينطق أخيراً بنبرة جامدة :
ـ مبروك الخطوبة يا شباب .
أجابه “رسلان” بذوق يماثل ذوقه:
ـ الله يبارك فيك يا دكتور ، عقبالك .
أما هي فتحت عينيها وتقابلت نظراتهم ولم تستطيع الرد عليه لتومئ برأسها للأسفل حينما قرأت نظرات الخزي منها في عينيه ،
انطلق سريعاً بقلب ممزق ومشاعر موقدة تمتلئ من الوجع والغيرة ما يكفي ويفيض ،
أما هي استئذنت منه بأعجوبة كي لا يكشف أمرها وذهبت إلى محاضراتها ومما أدهشها ولم تكن تعلمه انها محاضرته هو عليهم ،
كان يقف في المحاضرة يلقيها بحرفية أمامهم ويتهرب من نظرات عينيها ممتنعاً رغما عنه بكبرياء عن النظر إليها مما جعله تشعر بوجعيته وانفطر قلبها لحالته ،
بعد أن انتهت المحاضرة والتي كانت بمثابة جلسة العذاب لكليهما حتى حمل أوراقه وحقيبته وفر هارباً من أمامها فكفاه وجيعة طيلة تلك الساعتين المنصرمتين ، وذهب إلى مكتبه واغلق الباب خلفه ورمى حقيبته ثم جلس على الكرسي يستند برأسه وهو يحاول انتظام أنفاسه التي كانت محبوسة بالقرب منها فهو جاهد حاله بشده على ان يستكين امامها ولكن لا القلب رحمه ولم يدق لها ولا العقل انتهى عن التفكير بها ولا الجسد المفكك باقترابها لملم حاله المبعثر ،
وبعد قليل استمع الى دقات على مكتبه فأذن للطارق بالدخول فإذا به ينصدم من رؤيتها أمامه ليتشنج جسده وتتصلب مشاعره في لحظة حاسمة فارقة بينهم وقبل أن ينطق لسانها نطقت عينيها بوحشة وعي تتذكر أحد أبيات الشعر :
وﷲ إنَّ الشَوقَ فاقَ تحمُّلي يا شوق رِفقًا بالفؤادِ ألا تعي؟” “مُنِعتُ عَنِ التَسليمِ يَومَ وَداعِها فَوَدَّعتُها بِالطَرفِ وَالعَينُ تَدمَعُ وَأُخرِستُ عَن رَدِّ الجَوابِ فَمَن رَأى مُحِبّاً بِدَمعِ العَينِ قَلباً يُوَدِّعُ عَلَيكِ سَلامُ اللَهِ مِنّي تَحِيَّةً إِلى أَن تَغيبَ الشَمسُ مِن حَيثُ تَطلَعُ ،
قرأ نظرات عينيها فخفق قلبها ولكن أغمض عينيه كي لا يضعف أمامها ، كي يبث لسانه وعقله القوة أن يتحملان لحظات اقترابها حتى استمع اليها تقول بلهفة بعدما أعطاها الإذن بالدخول و أشار إليها بيديه ان تجلس :
ـ ازيك يا “زيد” ، عامل ايه ؟
أمسك لسانه بتملك عن نطق وحشتها له دائما كما كان يردد على مسامعها ونظر داخل عينيها وتحدث بعيون ترقرق بها قطرات الدمع قائلاً بجمود اصطنعه بأعجوبة بجواب أذهلها و صدمها :
ـ و انتِ مالك يا آنسة بحالي.
كانت تنظر له بقلبٍ يتمزق وعيونٍ جاحظة غير مصدقة ما تراه أمامها من جسد متصلب وأذنٍ تتمنى عدم تصديق ما تستمع إليه من جمود شديد أذهلها ولم تتوقعه بعد ثم تحدثَت بصوتٍ مهزوز يخشى أن ينصدم أكثر :
ـ حقك عليا يا “زيد” ، حقك على قلبي ، حقك عليا في وجعك ، وقهرتك مني وبسببي .
ابتلعت لعابها بمرارة لما تشاهده من كم الألم الذي يظهر بعينيه ويمتزج بصوته ونظرات عينيه الملامة لينطق هو بوجع يملأ العالم بأكمله مما جعل لمعة الدمع ظهرت في عينيها على حالته التي تنفطر لها القلوب :
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مشاعر موقدة)