روايات

رواية محسنين الغرام الفصل العشرون 20 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الفصل العشرون 20 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الجزء العشرون

رواية محسنين الغرام البارت العشرون

محسنين الغرام
محسنين الغرام

رواية محسنين الغرام الحلقة العشرون

ـ ٢٠ ـ
~ بعد فوات الأوان ! ~
ـــــــــــــــــــــــ
تجلس نادية بشرفة الغرفة وهي تحمل ألبوم صور يحمل ذكريات بناتها وهما لا تزالان صغيرتين ، وتتذكر كل ذكرى تتعلق بكل صورة، حيث أن تلك الفترة من عمرهما ليس لها أن تنساها أبدًا، فهي تعتبر الفترة الوحيدة الجميلة بحياتها وحياة بناتها، حيث غادرت بعدها الإمارات وانتقلت إلى مصر وتزوجت سالم بعدها مباشرةً.
تنهدت تنهيدة طويلة محملة بأعباء الذكريات التي ظنت أنها نستها للأبد ولكنها كانت مخطئة، فبعض الذكريات تبقى محفورة بأعماق قلبنا حتى إذا ما حركتها رياح الألم تثور وتظهر للعلن من جديد.
رأت صورة، أضحكتها كثيرا حتى أدمعت عيناها، حيث كانت چوليا معلقة من ملابسها على جذع شجرة قصيرة كانت أمام باب منزلهم ، ووالدها يقف بجوارها ممسكًا بقدميها ويبتسم، والأخرى تضحك بحبور.
تذكرت نادية ذكرى ذلك اليوم وظلت تضحك إلى أن تجمعت العبرات بعينيها، فخلعت نظارتها الطبية ومسحت عينيها وهي تترحم على زوجها السابق عبدالعزيز ، ثم نهضت لكي تتجه إلى غرفة چوليا لكي تُريها الصورة، وبينما هي بصدد دخول الغرفة رأت چوليا وهي تتناول أقراصًا ما، وشربت خلفها كأسا من الماء، فتساءلت باستغراب قائلة:
ـ چوليا، انتي بتاخدي علاج لإيه ؟! انتي روحتي لدكتور أصلا ؟!
بدا الارتباك جليًا عليها، فأسرعت بغلق دُرج الكومود وهي تقول مشيحةً بوجهها بتوتر:
ـ ده مسكن بس.. أصلي صاحية مصدعة .
لم تقتنع نادية بما قالته، فتقدمت منها ووقفت أمامها وهي تنظر إلى توترها بتفحص، وهمت بفتح الدُرج ولكن چوليا حاولت منعها بأن أمسكت بيدها وهي تقول:
ـ متشغليش بالك يا مامي أنا كويسة صدقيني.
هي بالأساس تشك بالأمر منذ وصولها بالأمس، ووجه ابنتها الشاحب وحركتها البطيئة المرهقة أخبراها أنها تمر بوعكة شديدة ولكن الأخرى تصر على أنها بخير، ولكن الآن هناك شيئا ما عليها معرفته.. ربما تكون چوليا مريضة بمرضٍ ما وتخفي الأمر عنها.
أبعدت يد چوليا بإصرار وفتحت الدُرج، وأخرجت منه كيسًا بلاستيكيًا يكتظ بصنوف الأدوية والأقراص ، فنظرت إليها بصدمة وهي تقول بهلع:
ـ إيه كل ده ؟! إنتي فيكي إيه بالظبط ؟!
كانت چوليا قد بدأت بالبكاء تلقائيا وهي تراقب معالم وجه أمها التي جلست بجوارها على الفراش وبدأت بتفحص أسماء الأدوية، ومن ثم قراءة النشرة الداخلية لكل دواء، وببطء بدأت الصدمة تزحف إلى وجهها وتحوله من الهدوء إلى الاضطراب ومن الاضطراب إلى الذهول !
وأخذت تقرأ ما هو مكتوب أمامها بصوت عال نسبيا بغير تصديق وهي تقول:
ـ يُستخدم للمساعدة في تنظيف الرحم بعد الولادة أو الإسقاط !!
وأخذت ترمش عدة مرات بغير تصديق، ثم حركت نظراتها بهدوء من على الدواء بيدها إلى ابنتها التي تجلس أمامها تبكي بصمت والخوف يتأجج في عينيها بوضوح، وهو ما أكد لها أن ما تقرأه صحيح فعلا ولا مجال لسوء الفهم أو اللَبس.
ـ انتِ.. انتِ كنتي حامل ؟!!
تساءلت نادية ليس بذهول، بل بشعور لا يمكن وصفه، أشد من الذهول مرات ومرات.. ثم ابتلعت ريقها بارتباك وسألتها مجددا:
ـ البرشام ده متاخدوش غير واحدة كانت حامل وولدت أو أجهضت، انتِ كنتي حامل ؟!
ابتلعت جوليا ريقها بخوف، وهي تحاول إيجاد صوتها في خضم المشاعر السيئة التي تراودها الآن، ثم تكلمت بصوت مضطرب وقالت:
ـ مامي.. أنا هفهمك كل حاجة .
اتسعت عينا نادية بصدمة، ورددت بغير تصديق:
ـ تفهميني؟ تفهميني إيه ؟!
وبغتةً أطبقت بقبضتها على شعرها وجذبته للخلف بقوة وهي تقترب منها وتقول بصوت هادر:
ـ تفهميني إيه يخرب بيتك !! تفهميني إنك كنتي حامل وسقطتي؟! إزاي !! إزاي ده حصل ؟! وإمتا؟ ومع مين !!
بدأت چوليا بالبكاء بقوة وأخرجت كل ما كانت تكتمه من فترة طويلة، فصرخت بها أمها قائلةً بانفعال :
ـ انتِ بتعيطي ؟! مش وقت عياطك ده دلوقتي اتكلمي بدل ما أموتك بايديا، الحمل ده حصل ازاي !! ومن مين ؟! احكيلي كل حاجه بدل ما أقسم بالله أهد الدنيا فوق دماغك دلوقتي حالا..
كانت الأخرى ترتجف، وأسنانها تصتك ببعضها من فرط الخوف والارتباك، وأمام انفعال والدتها عرفت أنه لا مجال للهرب أو الكذب، عليها أن تحكي كل شيء بوضوح .
ـ أنا.. أنا كنت متجوزة .
ألقت الصدمة التي وقعت كالقنبلة على مسامع أمها وجعلتها تنظر إليها للحظات طويلة بدون تعابير ظاهرة، ثم تساءلت وكأنها لم تفهم ما قالته ابنتها:
ـ متجوزة إزاي يعني ؟! يعني إيه متجوزة ؟!!
أغمضت جوليا عينيها فتساقطت كل الدموع المتراكمة بداخلهما وقالت بصوت خافت :
ـ عرفي !
ارتفع حاجبيها.. وأخذت نفسًا قصيرا، ثم تساءلت بترقب وتحفز:
ـ من مين ؟!
تردد صدى السؤال في قلبها بعد أن أرسل بداخله موجة من الألم والمعاناة جعلتها تجهش ببكاءٍ قاسٍ وهي تجيب :
ـ شريف .
رأت معالم الصدمة تتجلى على وجهها، صدمة حبست الدموع بعينيها وخطفت الدماء من وجهها، صدمة عنيفة تركت طابع القهر على نظراتها التي أخذت تطالعها بها وهي تقول بشبه انهيار:
ـ شريف ؟!
أومأت چوليا بأسى ، هي لم تخبر أمها يومًا على مدار العشر سنوات شيئا عن علاقتها بشريف، فقط چيلان هي من تعرف أنهما مرتبطان.. حتى أنها لم تخبر چيلان أنهما متزوجان ، لأنها في قرارة نفسها لم تكن مقتنعة بما يسمى عقدا عرفيا، ولكن بناءً على رغبة شريف أخفت الأمر بالكامل عن أمها، ولم تفكر في إخبارها يومًا أنها على علاقة بشريف. واستغلت الحرية المطلقة التي تتمتع بها في تسيير علاقتها به كما يحلو لها دون الاهتمام بوجود رقيب على أفعالها أو رادع لها .
شقت الدموع سبيلها إلى خد نادية التي ظلت صامدة صامتة للحظات، ثم فجأة وبدون مقدمات صفعت خدها صفعة هي الأولى في تاريخهما سويا كأم وابنتها ..
تلقت چوليا الصفعة بصمت وبرحابة صدر، هي تعرف أنها تستحق القتل وليس الصفع، تعرف أنها تستحق أن يُنزل بها أشد العقاب والآلام جراء فعلتها التي تفتقر إلى الضمير والأخلاق والشرف. وأيضًا تعرف أن تلك الصفعة نقطة في بحر ما ستواجهه بعد قليل.
ـ شريف ؟! طب إزاي ؟! إنتِ وهو متجوزين عرفي ؟! طب ليه ؟! ليه عرفي ؟! ليه مجاش طلبك مني لما هو بيحبك !!
ـ مش بيحبني.
قالتها چوليا واعترفت بالأمر الواقع أخيرا، حتى لو كذبت على نفسها أعوامًا عديدة ولكن أوان الكذب قد ولّى ، هي الآن مجبرة أن تتعرى من كل شيء زائف، وأن تنزع الأمر برمته عن كاهلها وتلقيه أرضًا..
بينما نادية لم تتجاوز الكلمة بعد ، وظلت تنظر إليها باستفهام وهي تقول:
ـ يعني إيه مش بيحبك ؟! اومال متجوزين ليه ؟!
مسحت الأخرى دموعها وابتلعت معها شعورا بالذل والهوان والخزي وهي تقول:
ـ أنا كنت فاكره إنه بيحبني زي ما أنا بحبه، بس هو قاللي إنه بيحب واحدة تانية.
صدمتها مجددا ! وآلمتها بقدر ما رأت هي الألم بعينيها وهي تقر بحقيقة الأمر أمامها بانكسار. فصمتت وأخذت تنظر أمامها بشرود وهي تبكي بصمت وتحارب لفيفًا من الأسئلة التي تعج برأسها، لا تدري بأي منهم ستبدأ أولا !
هل ستسأل عن هذه الأخرى الذي يحبها ؟!
أم عن مدة زواجهما إن صح أن تسميه زواجًا ؟!
أم عن سبب إخفائها الأمر عليها ؟!
أم عن مدة علاقتهما ، وكيف بدأت وإلى أين وصلت ؟!
ولكن ابنتها أعفتها من كل تلك الأسئلة وبدأت هي بالحديث الذي شرح كل شيء ولم يترك لديها علامات استفهام .
ـ أنا وشريف مع بعض من عشر سنين ، كنت وقتها طفلة طايشة بادئة أمر بفترة مراهقة .. وهو وقتها كان بيزورنا كتير مع خالو.. بدأت أتعلق بيه، وواحدة واحدة حسيت اني بحبه، بدأ يبقا في بينا كلام وبعدها حبينا بعض، أو .. أنا اللي حبيته.. هو محبنيش ، كان موهوم إنه بيحبني، بس الحقيقة إنه كان بيقضي وقت لذيذ وخلاص.. هو بنفسه قاللي كده، أنا اتعلقت بيه جدا.. لدرجة إنه لو كان بيزعل أو يخاصمني كان بيبقا عندي استعداد أعمل أي حاجه يطلبها مني المهم يسامحني، كنت بنفذ كل طلباته من غير حتى ما افكر اللي بعمله ده صح أو غلط، كنت ماشية وراه زي العامية.. مغمضة عنيا ومسلمة له روحي.. أنا بحبه يا مامي.. بحبه بطريقة مش طبيعية، أنا فعلا متأكدة إن أنا مش طبيعية، أنا محتاجة أتعالج، محتاجه أتعالج من شريف وأخرجه من جوايا.
دخلت في نوبة بكاء استمرت لدقيقتين تقريبا، كانت تود أن ترتمي بحضن أمها، أن تجد ملاذها الضائع على صدرها، أن تجد تربيتة من يدها على قلبها المكلوم المغدور ، ولكنها لم تجد سوى الجفاء ، بردًا ، صقيعًا جمد روحها ونال منها.
ـ أنا عارفة إني غلطانة، أكيد مفيش أي مبرر للي عملته، وعارفة إني مليش حق أطلب منك تساعديني لأني خبيت عليكي من البداية، بس دي كانت رغبته هو، هو كان رافض إني أعرف حد عن علاقتنا، وخصوصا انتي، چيلان تعرف إننا مع بعض بس متعرفش اننا متجوزين!
ـ متجوزين ؟! … تساءلت نادية باستهجان بالغ وتابعت: هو انتي بتسمي ده جواز ؟! انتي للدرجة دي غبية ؟! الورقة اللي معاكي تبليها وتشربي ميتها، ولا ليها أي لزمة.
وأخذت تقلب كفيها بغير تصديق وهي تسأل نفسها وتقول:
ـ أنا مش فاهمة إزاي قدرتي تخدعيني السنين اللي فاتت دي كلها !! عشر سنين وأنا مش حاسة بحاجة ؟! للدرجة دي أنا كنت بعيدة عنك ؟!
ثم همست بألم، وشعرت بتأنيب الضمير يغزو قلبها، وتساءلت:
ـ للدرجة دي أنا أم فاشلة !!
واستطردت وهي تُلقي اللوم على نفسها وتتساءل باستغراب :
ـ معقول سالم كان معاه حق لما قال اني معرفتش أربي ولا أكون أم !!
طالعتها چوليا بصمت لم يخلُ من نحيبهما، وكانت كلا منهما تفكر في شيئٍ مختلف ، چوليا تفكر في رد فعل والدتها بعد ذلك الصمت، ترى ماذا سيكون، ونادية تفكر في رد فعل سالم إذا وصله الخبر، بالتأكيد لن يتوانى عن الإثبات لها كم أنها فاشلة ، وكيف أنه كان محقًا منذ البداية في الحكم عليها كأم ، وظل الصمت يجوب بينهما إلى أن تحدثت نادية وقالت بحزمٍ فاتر:
ـ يومين وهننزل مصر، أول ما تقدري تشمي نفسك وتقفي على رجليكي.. أنا مش هقدر أسيبك هنا لوحدك تاني وفي نفس الوقت مش هقدر أسيب چيلان وعمر..
و نهضت باستسلام وهي تقول:
ـ وممنوع منعا باتا إنك تحكي أي حاجه لأي حد وخصوصا نسيم. انتِ فاهمة !!
ـ حاضر .
ـ ولا حتى چيلان.. وأكيد عمر لأ.. الموضوع ده تنسيه تماما وأنا هتصرف فيه.
تنهدت چوليا ثم هزت رأسها بموافقة ، فغادرت نادية الغرفة وهي تجر أذيال الخيبة، دخلت غرفتها وأغلقت الباب، فتهاوى ثباتها كله وسقط ذلك الجمود عن ملامحها.. سقط عنها كل شيء، الجمود والتماسك والصبر، والشيء الوحيد الذي بقي هو الهم الجاثم على صدرها.
الآن .. ولأول مرة تعض بنان الندم على كل لحظة كان همها الشاغل فيها هو سالم وحياتها معه، ونست تماما أن لديها وردتان ترجوان السقيا والاهتمام ، وردتان ترغبان في الحنان والرعاية والاهتمام والمتابعة.
شعرت بالخجل من نفسها، بالإحباط والانزعاج لأنها لم تجعل بناتها نصب عينيها، واكتفت بإلقاء النصائح من على بعد أميال، ولم تهتم حتى بمتابعة تطبيقهما لها من عدمه.
شعرت بالعار وظلت تجلد ذاتها ، لو أنها فقط أعطت بناتها نصف الوقت الذي منحته لسالم، لو أنها فكرت فيهما وفي مستقبلهما ، واهتمت بهمت بقدر ما اهتمت بالحفاظ على حياتها مع سالم ، لو أنها أولتهما جزءًا من اهتمامها بقدر ما اهتمت بمحاصرة سالم والتفكير في الاستيلاء على مشاعره واهتمامه.. لما آلت أحوال بناتها إلى ذلك المآل المُخزي . لكانت استوعبت أن بناتها بحاجتها، لكانت اكتشفت أن هناك خطأً ما يحتاج للإصلاح ، لكانت فعلت الكثير من أجلهما، ولكن للأسف تبقى كل هذه آمال لن تتحقق لأن الأوان قد فات.
***
كانت عائشة تجلس في انتظار حسن وهي تهز قدميها بتوتر، وبداخلها تتوعده أشد الوعيد ، وما إن رأت الباب ينفرج حتى نهضت وهتفت بانفعال:
ـ وبعدهالك يا حسن ؟! كل يوم هترجع وش الصبح ؟! إنت كنت فين طول الليلة اللي فاتت ؟
نظر إليها حسن وقال بانشغال:
ـ معلش ياما، متقلقيش عليا أنا كويس..
ـ لأ إنت مش كويس يا حسن، في حاجه شغلاك والحاجة دي لازم تقولهالي حالا.
ظلت تتفرس في ملامحه المهمومة ، وظهر الحزن جليًا في عينيه، حتى أنها رأت دمعات بائسة تتراقص في مقلتيه، فنظرت إليه بقلق واقتربت منه وهي تقول:
ـ حسن.. مالك يبني، حصل إيه مخبيه عليا ، إتكلم يبني.
ابتلع ريقه وزفر بقوة، ثم أطبق شفتيه راغبًا في الصمت، فتساءلت بخوف:
ـ عرفت حاجة عن نغم ؟!
واتسعت عيناها بلهفة وهي تقول:
ـ. نغم جرالها حاجة ؟!
ابتسم ابتسامة قصيرة متهكمة، ثم تحولت إلى قهقهات عالية ، وفي نفس اللحظة خانته دمعاته، فمسحها وهو يردد باستهجان:
ـ نغم ؟!
وضحك بقوة أكبر فنظرت إليه متعجبةً وتساءلت بقلق أشد:
ـ بتضحك على إيه يا حسن ؟! مالها نغم ؟!
ـ نغم إيه بقا .. قولي نغم هانم.. البرنسيسة نغم.. إنما نغم حاف كده مينفعش.
ـ تقصد إيه ؟! إنت شُفتها ؟!
أومأ وهو ينظر إليها والحسرة تسكن عينيه وقال بنبرة مريرة:
ـ ويا ريتني ما شُفتها، يا ريتني ما كنت عرفت عنها حاجة، يا ريتني فضلت أدور عليها وأنا فاكر إني ظالمها وجاي عليها..
تهدجت أنفاسها بخوف، واقتربت منه أكثر وعيناها تلمعان بشوق وهي تقول:
ـ هي فين؟ شفتها فين؟ ومجبتهاش معاك ليه ؟!!!
أطلق زفرة ساخرة وتابع :
ـ مرضيتش الهانم، رفضت ترجع معايا وراحت مع البيه اللي هي مرافقاه عيني عينك كده وبكل بجاحة وعين قوية، مسكت ايديه ومشيت معاه قدامي ولا كأني طرطور واقف، نغم باعتنا وباعت نفسها .
واستدار ليتجه نحو باب غرفته، ثم أكمل بمرارة :
ـ بس الحق يتقال الصرف واضح، بقت حاجة كده شبه اللي بيطلعوا في التلفزيون ، لبس وشياكة وحاجة آخر ألاجة، واضح إن التمن اللي دفعته يستاهل العز والنغنغة اللي بقت فيهم.
ـ لأ.. هدر صوتها بقوة وتابعت بانهزام: متتكلمش عنها كده، نغم مش من دول أبدا.. دي بنتي وأنا عارفاها كويس.
اشتعل الغضب بعينيه وبات يحدجها بنظرات متأججة بنيران اليأس والخذلان وهو يقول بحدة:
ـ والنبي ياما تفوقي انتي كمان من الوهم اللي انتِ عايشة فيه ده، نغم لا هي بنتك ولا تعرفيها كويس، نغم ادتنا كلنا على قفانا ومش أي قفا.. لا .. ده قفا معتبر.. بس وديني وما أعبد .. ما هبلعها بالساكت.. نغم دي بتاعتي وليا حق فيها ، وحقي هاخده حتى لو كانت مع ابن الشيطان نفسه مش مع ابن مرسال.
شهقت شهقة فزع، شهقة أشبه بخروج الروح من الجسد.. وظلت عيناها مثبتتان عليه وكأنه ألقى عليها تعويذة مميتة.
أخذ يحدق فيها باستغراب.. ترى أيًا مما قاله هو ما الذي أثار الرعب بقلبها وجعل عيناها تجحظان هكذا !
ـ فيه إيه مالِك ؟ جرالِك إيه ياما ؟!
ابتلعت الصدمة بصعوبة، وخرج صوتها كصوت الطير المذبوح عند آخر رمق :
ـ انت بتقول مين ؟!
تنهد وهو يتابع باستغراب:
ـ الواد الجِلف ده اللي مشيت معاه، قال بيخوفني باسمه وبيقوللي متعرفش فريد مرسال يقدر يعمل فيك إيه !! أقسم بالله لو كان الجن الأزرق نفسه ما هياخدها مني .
تسمرت عيناها عليه، وطفقت الدموع تنهار على خديها بصمت، وفجأة.. وبدون مقدمات.. هوت أرضًا أمام عينيه وارتطم جسدها النحيل بالأرض بقوة.
صُعق حسن من فرط الصدمة وأخذ يحدق فيها مذهولا، ثم انحنى فجأة وأخذ يهزها برفق وهو يقول:
ـ ياما.. يا أم حسن.. ياما فوقي و ردي عليا ..
وقف يحدق بها وهو لا يعرف ما الذي عليه فعله، لأول مرة يواجه موقفا كهذا، ولأول مرة يقف عاجزًا لا يجد ما يفعله لها
انحنى مجددا وحملها بين ذراعيه ثم أسرع يضعها على فراشها وأخذ يدور حول نفسه بحيرة، لا يعرف كيف سيسعفها، ولكنه سبق ورأى في الأفلام والمسلسلات أنهم يستخدمون العطر في إفاقة فاقدي الوعي، لذا ركض إلى غرفته.. التقط زجاجة عطره ودخل إلى غرفتها مجددا . رش منها على راحة يده ثم مررها أمام أنفها.. لحظات وبدأت الخلايا الشمية بأنفها بالاستجابة لرائحة العطر، وأرسلت إشاراتها إلى المخ فنبهته، فبدأت تفتح عينيها ببطء.
تنهد هو براحة وقد بدأ قلقه وخوفه بالتلاشي شيئا فشيئا ، وأخذ يطالعها بقلق وهو يقول:
ـ جرالك إيه ياما فجأة قلقتيني عليكي
فريد مرسال.. الاسم ظل يتردد صداه بعقلها وقلبها، إنه ابن سالم الأكبر، هذه ليست صدفة بالتأكيد.. مستحيل أن تكون صدفة، هذا الرجل ابن سالم.. وشقيق ابنها.. تعرفه جيدا وتحفظ اسمه فهي لطالما ترقبت أخباره واسمه الذي تصدر الصحف والشاشات متباهين ومتفاخرين بأعماله ونجاحاته اعتزازا بلقب رجل الخير .. ولكن.. كيف وصلت إليه نغم ؟! مستحيل أيضا أن تكون هذه صدفة ، لا بد أنها علمت بحقيقة الأمر بطريقةٍ ما، لذا ذهبت إليه..
لا.. كل هذه افتراضات من محض خيالها، الأمر مختلف، هناك حلقة مفقودة هي لا تعرفها، وتلك الحلقة المفقودة أساس الموضوع كله.. تلك الحلقة.. مفتاحها هو نغم. نغم وحدها.
ـ بردو هتسرحي تاني؟! يا ست اتكلمي.. مالك فيكي إيه ؟! كل ده عشانها ؟!
يبدو أن هذا هو السبب فعلا.. أمه فقدت وعيها لأنها صُدمت من فعل ما كانت تحسبها ابنتها .. هذه الصدمة كفيلة بأن تجعلها تفقد عقلها وليس وعيها فقط .
أمسك بيدها وربت عليها، ثم انحنى وقبلها وهو يقول بصوت حنون لا يستخدمه سوى معها ـ نادرًا ـ
ـ حقك عليا أنا، صدمتك في نغم متقلش عن صدمتي فيها، أنا عارف هي بالنسبة لك إيه، وانتي عارفة هي بالنسبة لي إيه ، بس خلاص.. هي اختارت.. أنا عملت اللي عليا كله معاها من الأول للآخر والحمدلله إن ده حصل عشان أعرف تمامها، خلاص.. هي تمامها فلوس.. تشرب بقا.
بيد أن كل ما قاله كان ينهال على قلبها بسوطٍ لاذع ولكنها لم تستطع ردعه أو نهيه، فما يشغل بالها الآن أمر وأقسى من صدمته في نغم ومن اتهامها بتلك الاتهامات.. ما يشغل بالها ماضٍ مظلم، مليء بالويلات وخيبات الأمل ، والكل طرف فيه لا محالة ، الجميع محاطون بهذا الجحيم، والجميع ستطالهم نيرانه شاءوا أم أبوا .
نهض لما رأى صمتها قد طال، وتركها تنفرد بخيالها وتواجه صدمتها بمفردها، فهذا أقصى ما يمكنه فعله..
وخرج من الغرفة، دخل إلى غرفته وغير ملابسه وخرج، اتجه في طريقه إلى البنك.. سيسحب المبلغ الذي ادخره سابقا ، فبعد أن كان يفكر ماذا سيهدي نغم وماذا سيشتري لها أصبح الآن عليه أن يفكر في نفسه فقط..
ولا مانع من أن يجعلها تتحسر على ما فاتها وما أضاعته بطمعها.. سيجعلها تعود إليه مرغمةً، تطلب الصفح والغفران ، تطلب أن تعود إلى حضن عائلتها الصغيرة مجددا بعد أن يفرغ منها هذا الأنيق الغني ويلقي بها إلى الشارع كالخرقة البالية، وحينها لن يرحب بها مجددا. هذا وعدًا منه لنفسه
لذا ستسير الخطة كالآتي.. سيستأجر بيتا في منطقة راقية، بالطبع لن تكون في نفس مستوى رقي تلك المنطقة التي يقطنها المدعو فريد مرسال ، ولكن على الأقل ستكون أرقى من ذلك المستنقع الذين يعيشون به بمراحل عديدة.
وبعد أن يستأجر ذلك البيت ويقوم بدفع أول دفعات من الإيجار سيذهب للتبضع بما تبقى معه من مال، سيشتري له ولوالدته ثيابا جديدة، سيخلعون ثوب الفقر إلى الأبد، سيحقق ما كانت تتمناه نغم ولكن بدونها، نكايةً فيها وتَشَفّيًا بها.
سيجلس ويضع ساقًا فوق الأخرى في انتظار عودتها ، يعلم أن تلك العودة سيحين أجلها لا محالة، سينتظرها هو بفارغ الصبر حتى إذا ما حانت وعادت إليه نغم صاغرةً تجر خلفها أذيال الخيبة والهوان على ما صار بها.. سيحاسبها بعنف وينتهز لحظة ضعفها، لن يكون رحيما بها ولن تأخذه بها شفقة أو عطفًا ، يثق أنه سيتمكن من نزعها وبكل قوه من داخله، وسيخبرها حينها وبكل بساطة أن الأوان قد فات .
***
خرجت نغم من غرفتها باكرًا، توجهت نحو الأرجوحة التي باتت ملاذها الآمن الذي تلجأ إليه حين تشعر بأنها لا تجد مكانًا تذهب إليه، وما يشعرها بالراحة أكثر تجاه تلك الأرجوحة أنها تعتبر مهجورة، لم ترَ أيًا من الأشباح الذين يعيشون في هذا البيت يقترب منها أبدا..
تلك الأرجوحة شكلت بالنسبة لها مخبأ أسرار، مرسى هموم ، شيئا من هذا القبيل.. والأهم من هذا وذاك هو شعور لا تعرف كيفية تفسيره .
جلست فوق الأرجوحة وأخذت تحرك قدميها جيئة وذهابًا بخفة، وهي تتذكر وتسترجع ما أخبرها به فريد ، ستطبق كل النصائح التي نصحها بها ولن تتهاون في أبسط حق من حقوقها مجددا.
شردت في المكان من أمامها، هذا البيت لو رأته سابقا كانت لتتمنى العيش به، ولكنها الآن ترغب في الخروج منه والعودة إلى حضن خالتها، أمها التي لا تعرف أمًا غيرها .
ذات يوم كان أقصى طموحها أن تصبح السيدة نغم ، وأن يتهافت الجميع لخدمتها ، كانت تحلم أن تملك الملابس والحقائب والأحذية التي تملكها الآن، كانت تحلم أن تجلس على مائدة كالتي تجلس عليها الآن، لا تنفي أنها كانت تحلم أن تجرب كيف تكون الحياة المرفهة الرغيدة، والآن لقد حققت أغلب أمنياتها ولكنها لازالت لا تجد السعادة فيها .
وهذا ما جعلها تتساءل.. أين وكيف ومتى ستحصل على السعادة؟
طالما أنها افتقدتها وهي معدمة بين أحضان خالتها، وافتقدتها وهي مرفهة في كنف أناس لا تعرفهم !! أين السعادة إذًا !؟
رأته يطل عليها من نافذة غرفته، فابتسمت.. وبعفوية شديدة لوحت له بذراعها وابتسامتها تصل من الأذن للأذن فتفاجأت به يلوح لها بدوره.
شعرت بالسعادة تغمرها.. هي حقا سعيدة جدا حتى أنها نست كل ما آلمها في الأيام الماضية. سعيدة لمجرد أنه لوّح لها بيده.
هل بكل بساطة هذه السعادة التي تبحث عنها ؟! هل السعادة أصبحت تتمثل الآن فيه هو ؟! وإحساسها بالسعادة أصبح منحصرًا فيه هو ؟!
غالبًا الإجابة نعم. لأنها منذ أتت إلى هذا البيت لم تضحك أو تبتسم ابتسامة صادقة نابعة من القلب إلا له هو فقط.
ولم تشعر بالأمان إلا في حضرته هو، بالرغم من أن كل المواقف التي جمعتهما كانت مواقف يندى لها الجبين ولكن بالرغم من ذلك كانت تشعر أنها محاطة بالأمان من كل جانب، كان قلبها مطمئنا لأنها معه..
رأته يقترب منها، يا إلهي .. هذا الرجل وسيم لدرجة ضاغطة..
نهضت فقال وهو يدنو منها:
ـ وقفتي ليه، اتفضلي اقعدي.
جلست مجددا فقال مبتسما وهو ينظر إلى الأرجوحة:
ـ واضح إنك بتلاقي نفسك هنا.
صحيح.. هذا هو التعبير الذي كانت تبحث عنه، إنها تجد نفسها فعلا هنا. هذا الرجل وسيم ، وقاريء أفكار جيد .
أومأت بابتسامة وقالت:
ـ أيوة.. خصوصا إن محدش بيقعد هنا .. حسيتها مهجورة .. مع إنها حلوة جدا.
ونظرت إلى المظلة فوقها وقالت بابتسامة عفوية:
ـ وأحلى ما فيها الشمسية اللي فوقها دي .
ابتسامتها جعلته تبتسم تلقائيا، تلك الفتاة في كل مرة تحطم ثباته وتجبره على الابتسام.. لقد بدأ يلاحظ ذلك الشيء مرات عديدة..
أومأ وهو يتفحص عيناها الباسمتان وقال بهدوء:
ـ صحيح..
وتابع بنبرته الدافئة:
ـ على فكرة.. المرجيحة دي كانت معمولة مخصوص لأمي الله يرحمها .. وما زالت موجودة في مكانها هنا تذكار .
نظرت إليه بتفاجؤ بينما استرسل هو قائلا:
ـ عشان كده محدش بيجي ناحيتها نهائي .
حدجها ببعض النظرات التي صعُب عليها فهمها، فنهضت مجددا وهي تقول بارتباك :
ـ أنا آسفة والله، مكنتش أعرف إن محدش بيقعد هنا .
قاطعها هو مبتسمًا ابتسامة عريضة وسيمة، انكمش لها جانبيّ عينيه ، حولتهُ إلى رجل لم يستوعبه قلبها، ولم تستوعبه نظراتها بسرعة كافية، رجلٌ لم ترهُ من قبل، يصعب عليها أن لا تقع في حبه. وأفاقت من شرودها به إذ قال بصوتٍ أجش:
ـ فعلا محدش بيقعد هنا، ممنوع.. بس انتي الوحيدة اللي مسموح لها من هنا ورايح تقعد هنا، انتِ استثناء !
اضطرب قلبها ، وانزلق ريقها بتوتر ، وانقبضت عضلات بطنها بارتباك، فتجاوز هو كل ذلك التخبط الواضح من نظراتها واحمرار وجهها وقال ومد يده إليها بشيئ ما :
ـ اتفضلي، ده رقمك الجديد.
تنهدت بهدوء وقالت وهي تمد يدها وتأخذه:
ـ أنا متشكرة جدا. مكانش ليه لزوم تتعب نفسك.
ـ تعبك راحة. وعلى فكرة أنا سيڤت رقمك عندي، وسيڤت لك رقمي كمان عشان لو احتاجتي أي حاجه تبعتيلي مسدچ.
أومأت بابتسامة خجلة وقالت:
ـ شكرا.. ربنا يخليك.
تنهد مطولا، من المفترض أن الحوار قد انتهى، إذًا فعليه العودة إلى غرفته، ولكنه يقف أمامها مسلوب الإرادة، يكون أمامها مجبرًا على الوقوف دون حراك.. كل ما يرغب فيه هو البقاء بجوارها وتأمل عينيها فقط.
ولم يكن يعرف أنها تبادله نفس الشعور، فهي أيضًا تتمنى لو أنه ظل برفقتها لفترة أطول، حينها ستصبح أكثر من سعيدة ، فتولت هي دفة الحديث وقالت متسائلة بفضول:
ـ و ليه نسيم هي كمان ممنوعة من انها تقرب من المرجيحة ؟! مش نسيم أختك ؟! أقصد أختك من الأم كمان !!
ضحك ضحكة بسيطة وقال:
ـ واضح إنك بدأتي تجمعي معلومات عن العيلة الكريمة ..
ابتسمت بحرج وقالت بقليل من المرح:
ـ قصدك العيلة العجيبة مش الكريمة.
أخذ يضحك ومال برأسه إلى الوراء، واهتز كتفاه من الضحك، وفي هذه اللحظة كل ما استطاعت التركيز عليه، والتفكير فيه، والاكتراث له هو ضحكته اللامعة غير المتوقعة .
انخرطت في الأمر لدرجة أنها تمنت لو أنها تلتقط صورة له وهو يضحك وتوثق ذلك الحدث الفريد من رجل أشد تفردًا ، لكي تستطيع أن تهيم في صورته وهو يضحك وقتما شاءت.
وقبل أن تفيق من تأثير هذه الابتسامة النادرة وجدته يحمحم ويقول:
ـ معاكي حق، احنا عيلة عجيبة فعلا.. و آه نسيم أختي من أمي..
أومأت وقالت بنهر فضولٍ جارٍ لا ينضب:
ـ بس هي ليه دايما حزينة وساكتة وفي حالها كده !! چيلان وچوليا مع إنهم بنات مرات أبوك بس واخدين راحتهم جدا، وبيخرجوا ويروحوا وييجوا.. ليه نسيم مش زيهم مع إنها أحق منهم بده !
تنهد باستياء وأردف بإيجاز:
ـ نسيم ليها ظروف خاصة شوية.
أومأت بموافقة ثم قالت وهي تمسد شعرها وتتصنع عدم الاكتراث بالرغم من أن الفضول يلح عليها للتساؤل :
ـ هو ليه والدك شديد مع الكل كده ؟! حتى مع نسيم . من يوم ما جيت هنا مشوفتوش بيتكلم معاها أو بيهزروا سوا.
وأخفضت عينيها وهي تعيد خصلة من شعرها إلى وراء أذنها وقالت:
ـ لا هي ولا غيرها يعني .
أومأ مبتسمًا وهو يدس يديه بجيبي بنطاله ثم تنهد وقال:
ـ معاكي حق، تقدري تقولي المعاملة بينا هنا رسمية شوية..
هزت رأسها مؤيدةً ثم قالت بتردد:
ـ هو المفروض إيه اللي هيحصل بعدين ؟! يعني بعد ما أقوللهم إني خلاص افتكرت كل حاجه..
ـ مانا قولتلك هنمشي في موضوع البطاقة .
ـ وبعد البطاقة ؟!
رأى الخوف في عينيها، وفهم ما تقصده تمامًا، فقال مطمئنًا إياها:
ـ متقلقيش . حتى لو مشيتي من هنا مش هترجعي بيت خالتك تاني.
تنهدت تنهيدة طويلة ظهرت فيها كل همومها ومؤرقاتها، فتمتم بنبرة عميقة حولت أعصابها إلى أسلاك كهربائية مشتعلة:
ـ انتي هتفضلي في حمايتي يا نغم .
وتابع :
ـ انا معاكي لحد ما أطمن إن مفيش خوف عليكي من اللي اسمه حسن ده، ولو على البيت فانا اقدر أوفر لك مكان تقعدي فيه بعيد عنه.. وحتى لو مشيتي من هنا أنا هفضل متابعك عشان اتاكد إنك في أمان .
ترقرق الدمع بعينيها ونظرت إليه بامتنان شديد وقالت:
ـ أنا مش عارفة أشكرك إزاي .. إنت..
وسكتت وهي تحاول إيجاد كلمات منصفة لما تشعر به، ثم استأنفت وهي تنظر إليه بتيه وقالت بشعور صادق:
ـ إنت الوحيد اللي بحس إني مطمنة وأنا جنبك .
شعرت به يتنهد تنهيدة لامست قلبها، وحافظ هو على نظرة ذات عاطفة غريبة اختبأت بعينيه وقال:
ـ دي مسؤولية كبيرة أوعدك إني أكون دايمًا قدها.
ومنحها نفس الابتسامة الوسيمة التي سرقت عقلها قبل قليل ، ثم انسحب من أمامها وتركها تواجه عاصفة من المشاعر العنيفة التي هجمت على قلبها هجومًا كاسحًا بسبب كلماته التي كانت بمثابة بلسم للجروح، ورائحته اللطيفة، المُسكِرة، الذكورية.
***
عاد فريد إلى الداخل وهو يشعر بشيئ غريب لا يعرف ماهيته، ولفظ أنفاسه بقوة وكأنه كان يحتجزها طوال اللحظات الأخيرة ، وفي محاولة منه لتجاهل تلك الدوامة التي تسحبه نحوها ببطء قرر أن يصعد سريعا إلى غرفته ويأخذ حماما جديدا عله يساعده على الاسترخاء والخروج من توابع هزة المشاعر العنيفة التي اجتاحت كيانه الساكن .
استمع إلى باب المكتب الخاص بوالده وقد انفرج، ثم ناداه قائلا:
ـ تعالى عاوز أتكلم معاك .
في الواقع هو ليس مستعدا للحديث الآن على الإطلاق، ولكنه لا يسعه إلا الموافقة فدنا من المكتب ودخل خلف والده ، أغلق الباب ثم وقف ينظر إليه منتبها وقال:
ـ اتفضل..
تنهد سالم، هو يعرف أن ما سيقوله لن يروق فريد، ولكنه سيقوله على كل حال.
ـ نسيم متقدم لها عريس.
تفاجأ فريد لما سمعه، فهو لم يتوقع أن والده سيفرج عنها ذات يوم ويفتح الباب لمجال الارتباط والزواج أمامها، لقد ظن أن أخته معاقبة مدى الحياة .
ـ عريس ؟! مين ؟!
أخذ سالم شهيقا طويلا ثم قال:
ـ شريف .
رفرف فريد بأهدابه قليلا ثم قال رافضًا تصديق ما فهمه وسمعه:
ـ شريف مين ؟!
ـ مين غيرُه يعني ، شريف الصواف!
رفع فريد حاجبيه وأخذ يفكر لدقائق ثم قال:
ـ بس شريف شخصيته مش شبه شخصية نسيم أبدا.. وبعدين شريف ده كل يوم مع واحدة شكل ..
ـ و إيه يعني !!
تفاجأ فريد مجددا وأخذ يحدق به بغير تصديق وهو يقول:
ـ إيه يعني ؟! إيه يعني إزاي ؟! بقول لك كل يوم مع واحده شكل، معقول يعني هتوافق تجوزه بنتك وهو بالأخلاق دي ؟!
ـ دي حاجه متعيبوش، وبعدين أي راجل طبيعي في سنه بيعمل كده واكتر من كده المهم بعد الجواز ينصلح حاله وميبصش بره.
زفر فريد زفرة مبتورة وضحك معها ضحكة ساخرة وقال:
ـ أنا بجد مش مصدقك ، هو إيه اللي طبيعي ؟! العربدة وقلة الأخلاق والانحطاط بقت حاجة طبيعية وأنا معرفش ؟! اومال إنت بأي حق جلدت عمر ١٠٠ جلدة ؟! انت بتكيل بمكيالين ليه مش فاهم.
هدر به سالم بحدة وأشهر سبابته بوجهه محذرًا وقال:
ـ فريد.. مش عشان بشورك في حاجة زي دي تنسى إنك واقف قدام أبوك وتفكر إنه من حقك تتجاوز حدودك معايا..
ليتفاجأ بردة فعل قاسية من فريد حيث قصف صوته مدويًا وقال:
ـ حدود حدود حدود… ليه كل الناس مضطرة تلزم الحدود دي وانت لوحدك اللي مسموح لك تتخطاها ؟! ليه شايفنا كلنا فاقدين للأهلية وانت لوحدك اللي ناضج ومكتمل العقل والرؤية ؟! ليه كلنا بالنسبة لك زي قطيع الغنم ولازم نمشي وراك يمين يمين شمال شمال ومش من حق حد فينا يعترض أو يسأل هو رايح فين ولا إيه اللي هيجراله ؟!
وتهدل كتفيه في إحباط وانهزام وتعب ، ثم تابع بحدة أقل وصوت أكثر خفوتا:
ـ ليه مش قادر تحبنا زي ما أي أب بيحب ولاده ؟! هو إحنا مش ولادك بردو ؟! نسيم اللي إنت عايز تجوزها لواحد فاشل زي شريف دي مش بنتك ؟!
ـ فاشل ؟! إنت شايف إن شريف فاشل ؟! مش شريف ده اللي بيلم وراك إنت والخايب التاني ؟! عموما العين متكرهش غير الأحسن منها.
تفاجأ فريد بمدى جحوده وقسوته، وابتسم بسخرية مريرة وقال:
ـ أحسن مني ؟! اوكي.. مفيش مشكلة لو انت شايف إن شريف أحسن مني، إيه الجديد؟ ما انت طول عمرك بتشوف الكل أحسن مني ، بتشوف إنجازات الناس كلها ماعدا انجازاتي ونجاحي.. دي حاجة أنا خلاص مبقيتش أستغرب منها ولا بقت تفرق معايا، بس نسيم لأ.. كفاية أوي اللي جرالها بسببك.. إنت دمرتها، أنا ولا هي عمرنا ما هنسامحك على الحالة اللي وصلتها ليها، وأنا مش هسمح لك تأذيها تاني. ومستعد أقف قدامك بشتى الطرق الممكنة ، مش مهم حتى لو هتتبرى مني.. مش هوافق إن نسيم تتجوز واحد زي ده.. مش بعد صبرها السنين دي كلها تتجوز واحد صايع ومريض نفسي زي ده.
وهم بالخروج من المكتب ليستوقفه قول والده :
ـ هو بردو اللي مريض نفسي ؟! هه.. بلاش إنت تتكلم . ويكون في علمك، أنا هجوزها لشريف غصب عنك وبالعند فيك . ورأيك ده تبله وتشرب ميته . مش مهم عندي.
خرج فريد وصفق الباب بقوة، وخرج من الڤيلا وهو يشعر بالنيران تنهش صدره، فرأته نغم التي استمعت لكل ما دار بينهما خلال عودتها لغرفتها وقادها الفضول للوقوف لاستكمال باقي الحديث، رأت تلك الحالة التي كان عليها عند خروجه من غرفة المكتب، ورأت وجهه المتجهم الغاضب، وعروقه النافرة، ووجدت نفسها تركض خلفه وهي لا تعلم إلى أين هو ذاهب.
استقل سيارته، وتحرك بها، فأخذت تركض خلفه إلى أن خرجت من بوابة الڤيلا، حينها رآها بالمرآة فتوقف ، فتقدمت منه ونظرت من النافذة وتساءلت:
ـ إنت هتروح فين وإنت متعصب كده ؟!
أجابها بصوت يعكس مدى الغضب بداخله:
ـ مش عارف ، هتمشى شوية .
ففاجأته بطلبها حين قالت:
ـ ينفع أجي معاك ؟!
ـ معلش.. حابب أكون لوحدي.
ابتسمت ابتسامة مهزوزة، وأومأت بإحباط جاهدت في إخفائه، وابتعدت فتحرك بالسيارة، ووقفت هي تتأمله وتتأمل السكون من حولها فشعرت بالخوف، استدارت وعادت أدراجها وسارت تجاه الڤيلا مرة أخرى وهي تسير ببطء وتضع يديها بجيبها، وأخذت تفكر فيما سمعته من سالم وفريد.. يبدو أن هذا الأب لا يمت للأبوة بصلة، كما يبدو أنه سبب تعاسة العائلة كلها.
وفي تلك اللحظة شعرت بالأسف حيال فريد ونسيم ، فهما أكثر المتأثرين سلبًا به، وفجأة.. سمعت صوت بوق سيارة خلفها، فاستدارت.. فإذ بها تجد فريد وهو يشير إليها بأن تتقدم منه..
توهج قلبها وتراقص نبضه، وارتسمت الابتسامة على شفتيها بدون سعي منها، ثم تقدمت من السيارة فإذا بها تجده يفتح لها الباب من الداخل، فركبت بجواره وهي تنظر إليه بصمت، وتحرك وهو لا يزال ملتزمًا بنفس الصمت المدقع.
***
كانت نسيم بغرفتها، تصم أذنيها بكفيها حتى لا يصل إليها صوت والدها الذي يشبه في غلظته صوت الموت ، تجلس منزوية حول نفسها بخوف، تضم ركبتيها إلى صدرها وهي تبكي وترتجف، وقد أثار حديث والدها الرعب بقلبها وجعل قلبها يعج بالأوهام والخوف.
أمسكت هاتفها وحاولت الاتصال بفريد ولكنه لم يجب، مرة تلو الأخرى بدون فائدة.. فاستسلمت وألقت الهاتف من يدها إلى الفراش ودفنت رأسها في ركبتيها وظلت تنتحب بصمت.
استمعت إلى صوت طرقات على الباب، طرقات عنيفة، خُيل لها أنه هو، وبالتأكيد سيحاول تعنيفها، ومن الممكن أن يهددها أو يتوعدها إذا ما قبلت بطلبه، ومن الممكن أيضا أن يكبلها من يديها ويقدمها قربانًا إليه ، وهو لا يعرف أنه متزوج من أعز إنسانة على قلبها..
ارتبكت وتوترت أكثر .. وتفاقم وضعها سوءا، ونهضت من سريرها واتجهت على أطرافها نحو الباب وهي ترتجف وصوت طرقات الباب يصل إلى آذانها مجسمًا مضاعفًا ضاعف خوفها وسرعة ضربات قلبها وجعلها ترى الموت يزحف منها ببطء قاتل..
***
توقف حسن بدراجته البخارية التي اشتراها اليوم أمام مقهى راقي بمنطقة سكنية راقية ، ونزل منها وهو يتهجى اسم المقهى ويتأكد ما إذا كان هو نفسه الذي وصفته له فيفي أم لا..
ليجدها تتصل به فأجابها قائلا:
ـ أنا وصلت قدام الكافيه أهو..
ـ تمام.. اتصل بقا على رقم عمر اللي معاك وهو هيقولك تدخل له ولا يخرج لك.. وبعد ما تسلمه الحاجة وتستلم الفلوس اقعد اشرب حاجة وبعدين امشي.
ـ اشمعنا ؟!
ـ تمويه يا حسن ما تشغل دماغك اومال، المكان كله كاميرات وأكيد لما يشوفوا واحد زيك واقف قدام الكافية وبعدين مشي بسرعة أكيد هيشكوا فيك ..
ـ إيه واحد زيك دي ما تظبطي انتي كمان !!
قالها بحدة فتراجعت وقالت بصوت لين به همسٍ مثير:
ـ مش قصدي يا أبو علي والله.. أقصد واحد غريب مش من رواد المكان يعني..
ـ ماشي.. يلا اقفلي دلوقتي..
أنهى الاتصال معها، ثم قام بالاتصال برقم عمر وقلبه يدق بعنف، لا يعرف هل لأنه لأول مرة يقدم على فعل شيء كهذا أم لسبب آخر هو لا يعلمه.
ـ ألو.. عمر معايا ؟!! أنا حسن العقرب من طرف كريم ..
عرفه عمر على الفور لأن كريم أخبره أن التعامل سيكون مع حسن من الآن فصاعدا ، وأخبره أنه سيخرج ليقابله حالا..
وقف حسن يتأمل المكان بتفحص واهتمام، ودار بخلده أن يسعى لامتلاك مكانًا مشابهًا ، في منطقة راقية كتلك.. سيكون مشروعا مربحا للغاية .
انتبه إلى شاب متوسط الطول ذو جسد رياضي يدنو منه، تفحص ملابسه الفخمة الفاخرة بدقة، وعدل قميصه الجديد الذي اشتراه قبل قليل، وتنحنح وهو يقف متأهبًا بمقابلته.
ـ انت حسن العقرب ؟!
قالها عمر متسائلا وهو يدس يديه بجيبي سترته الجلدية، ويتلفت حوله بشيء من التوتر، فأومأ حسن قائلا:
ـ أيوة أنا .. انت عمر مش كده ؟!
أومأ عمر وقال:
ـ كده يا برو… فين الحاجة ؟!
أخرج حسن من جيبه شريط من الأقراص المخدرة وقال وهو يضعه بجيب عمر خلسة:
ـ اتفضل الحاجة، بس خد بالك ده صنف تقيل وانت لسه صغير عليه.. نصيحة مني متاخدش الحباية كلها مرة واحدة .
استفز حديثه عمر نوعا ما، وغمز بعبث وقال وهو يربت على كتفه بثقة مفتعلة:
ـ متقلقش.. أنا عارف مصلحتي كويس .
شملهُ حسن بنظرة متفحصة ، وظهرت على شفتيه ابتسامة ساخرة من تلك الثقة الحمقاء وقال متهكمًا :
ـ بشوقك، أنا نصحتك وانت براحتك.. بالهنا والشفا يا حبيب أخوك .
وأخذ منه المال، ثم دسهُ بجيبه واعتلى دراجته البخارية مجددا وانطلق بها مسرعا، وترك عمر يتمتم بحنق:
ـ قال صنف تقيل وانت لسه صغير عليه. وانت مال أبوك يا بارد
وزفر بضيق، ثم قام بالاتصال بكريم وقال بحدة:
ـ اسمعني يا كريم، انت قلت هتختفي فترة لأنك مطلوب وهتخلي اللي اسمه العقرب ده اللي يتعامل معايا من هنا ورايح وانا وافقتك، لكن لو عايز التعامل بيننا يستمر وخايف على زباينك بجد يا ريت تبلغه يخليه في حاله وبلاش يتدخل في اللي ميخصوش.
وأنهى الاتصال، ثم دخل إلى الكافيه مجددا، وقام بإعطاء كلا من أصدقائه الأربعة قرصا من الشريط الذي ابتاعه، ليبدأوا هم في تمجيده وتعظيمه ورفع الشعارات له، وهذا ما كان يملأ حفرة النقص الفارغة بداخله، ويعطيه إحساسا بالزهو والاكتفاء .
***
كانت چوليا تجلس بغرفتها، متكومةً حول نفسها وعيناها بحر دمع لا يجف، ممسكةً بهاتفها وهي تحاول الاتصال بشريف الذي على ما يبدو قام بحظرها لأنها لم تتمكن من الوصول إليه بكافة الطرق..
استمعت إلى صوت خطوات تقترب منها، فاستدارت ونظرت باتجاه الباب، فوجدت أمها وقد أحضرت لها طعاما ووضعته على طرف الفراش وهي تقول بأسف وبنبرة أذهبها البكاء:
ـ لازم تتغذي كويس الفترة دي عشان تخفي بسرعة، كلي أكلك كله وخدي العلاج بعدها.
حاولت چوليا الإمساك بيدها ولكن نادية نزعت يدها من قبضتها بحدة وهي تقول وقلبها يرتجف:
ـ متحاوليش.. ومتفكريش إني سامحتك أو ممكن أسامحك على اللي عملتيه، أنا مضطرة أقف جمبك في محنتك دي كعقاب ليا لأني أهملتك من البداية. لكن اللي كسرتيه جوايا بعملتك دي مش هيتصلح أبدا مهما حاولتي.
خرجت من الغرفة، وتركتها تتطلع في أثرها بندم وحزن، وشعور بالعجز يخالجها ، من جهة تريد التوبة من الذنب، ومن جهة أخرى لا تنوي الإقلاع عنه .
***
كان فريد لايزال يقود صامتًا، ونغم تجلس بجواره وهي تلتزم الصمت لئلا تزعجه، حتى أنفاسها تتنفسها بهدوء.. ومن فينة لأخرى تختلس النظر إليه لتجده باقيًا على صمته الرتيب.
إلى أن توقف بالسيارة في طريق شبه خالي وقال وهو ينظر أمامه:
ـ جيتي معايا ليه ؟!
ليته لم ينطق، لأن ما قاله الآن بعثر ثباتها وهدوئها وأرسل موجة من الخوف إلى قلبها، ثم نظرت إليه وقالت بتردد محاطًا بالتوتر:
ـ لما شفتك خارج متعصب ..
وصمتت. فنظر إليها ليحثها على استكمال ما كانت بصدد قوله، فابتلعت ريقها وقالت:
ـ خُفت عليك.
قالتها بخفوت، وأشاحت بعينيها عن عينيه اللتين كانتا تحدقان بها بتعجب، فقطب جبينه وضيق حاجبيه وقال :
ـ ليه ؟!
تعثرت الحروف على شفتيها، وأخذت تبحث عن إجابة صحيحة تخبره بها، ثم قالت باستسلام:
ـ مش عارفه..
نظر أمامه مجددا، ودار الصمت بينهما من جديد، إلى أن تحدث بعد دقائق وقال:
ـ صعبت عليكي بعد اللي سمعتيه ؟! حسيتي بالشفقة نحيتي مش كدة ؟! مكنتيش متوقعة إنك تسمعي أبويا وهو بيقوللي الكلام ده !! هه.. أكيد طبعا مش محتاجة سؤال.
ونظر إليها يتبين رد فعلها على ما قاله، وتابع وهو يسترجع مرارة شعوره وهو يتذكر كلمات والده :
ـ ماهو مفيش أب يعاير ابنه بمرضه .. مفيش غير سالم مرسال واحد بس في العالم كله.
ـ انت..
هتفت ثم تراجعت وصمتت.. فنظر إليها منتظرًا أن تكمل قولها، فوجدها تبكي بصمت..
قطب جبينه متعجبًا وقال:
ـ ممكن أعرف بتعيطي ليه دلوقتي ؟ أنا اللي كنت بتهزأ على فكرة مش انتي !!
ابتلعت ريقها وقالت وهي تمسح دموعها:
ـ انت متستاهلش كده أبدا.. أنا عمري ما شُفت حد حنين زيك على كل اللي حواليه.. ليه يكسرك بالشكل ده ؟!
أثارت كلماتها وبكاءها ألمًا راكدًا بقلبه، ونبشت جرحًا ظنه قد برأ وزال أثره، وعرفت الدموع سبيلها إلى عينيه، ولكنه تحمحم بقوة ووأد تلك الدموع سريعا في محجرها، ثم زفر وقال بإيجاز :
ـ مش مشكلة ، بتحصل .
نظرت إليه وفجأة وبدون مقدمات اقتربت منه و أمسكت بيده، ضمتها بين كفيها بقوة وظلت تنظر إليه وهي تقول بصوتٍ نابع من عمق قلبها:
ـ فريد.. انت متستاهلش إني أخدعك، لأنك أكتر حد وقف جنبي، عشان كده أنا لازم أعترف لك بحاجة ضروري ..
قطب جبينه متعجبًا.. وضيق عينيه ودقات قلبه تتعالى، ثم سأل بقلق:
ـ حاجة إيه ؟!
ارتفع رنين هاتفه في اللحظة الغير مناسبة تماما، فنظر به ليجد المتصل هي زينب، فأجاب الاتصال وهو ينظر إلى نغم..
ـ أيوة يا زينب ؟؟
فوصله صوت زينب التي كانت تبكي بانهيار وهي تقول:
ـ فريد بيه ، نسيم انتحرت !!
****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية محسنين الغرام)

‫7 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى