روايات

رواية محسنين الغرام الفصل السابع والعشرون 27 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الفصل السابع والعشرون 27 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الجزء السابع والعشرون

رواية محسنين الغرام البارت السابع والعشرون

محسنين الغرام
محسنين الغرام

رواية محسنين الغرام الحلقة السابعة والعشرون

ـ ٢٧ ـ
~ هل تحبيني ؟! ~
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صف فريد سيارته أمام المنزل، ثم ترجل وبرفقته نغم التي كانت تتأمل المكان من حولها بانبهار، وخاصة عندما فُتح الباب أمامها ورأت منزلا أقل ما يقال عنه أنه تحفة فنية..
منزلا منفردا عبارة عن طابق واحد، ولكنه على مساحة كبيرة جدا، وبه الكثير من الغرف التي لم تعرف دورها بعد، ومطبخ مفتوح كبير يطل على غرفة معيشة واسعة..
وقفت تتأمل المكان بابتسامة، ثم نظرت إليه وقالت بابتسامة:.
ـ ماشاءالله بيتك جميل .
ابتسم بدوره وقال وهو يغلق الباب ويسير إلى جوارها:
ـ بجد عجبك ؟!
كان مهتما جدا لسماع إجابتها، فأومأت بتأكيد وقالت:
ـ عجبني جدا.. فيه منك كتير .
ضيق بين حاجبيه متعجبا إجابتها وتساءل:
ـ إزاي بقا ؟!
لتجيبه وهي تنظر في الأرجاء باهتمام :
ـ فيه هدوء وسكينة، وكمان فيه دفا ..
مط شفتيه بابتسامة وهو يرفع حاجبيه متفاجئا، وأخذ يهز رأسه بهدوء وقال:
ـ فيه دفا قولتيلي.. ممممم..
ابتسمت بتوتر وقالت وهي تسبقه للأمام لكي تهرب من مرمى عينيه :
ـ إنت اللي اختارت كل حاجه في البيت مش كده .؟!
ـ أكيد .
ـ و اوضتك اللي في الڤيلا ؟!
تنهد وهو يحك عنقه وقال:
ـ أمي الله يرحمها ..
لمحت نظرة الأسى في عينيه فقالت بنبرة تبث فيها مواساتها:
ـ الله يرحمها .
تنهد وهو يتقدم نحو الأريكة ثم جلس فوقها ، فسارت خلفه وجلست على المقعد المقابل له وأخذت تنظر له بصمت، بينما كان هو مطرقًا برأسه أرضا فيما يشبه الشرود ثم قال :
ـ أمي كانت ذوقها حلو جدا .. كانت خريجة فنون جميلة كمان ، وكانت بتحب ترسم جدا.. ويمكن دي الحاجة الوحيدة اللي ورثتها منها .. حب الرسم .
أضافت بابتسامة :
ـ أنا متأكدة إنك ورثت منها الحنية كمان .
ابتسم ببساطة وأومأ وقال:
ـ جايز ..
ـ لأ مش جايز ، ده أكيد .. أنا شفت حنيتك على نسيم ، بصراحة مكنتش متخيلة إنك حنين كده ، أصل أنا كنت واخده فكرة عن كل اللي في البيت انهم حاجة يعني استغفر الله العظيم..
وابتسمت بخجل وبترت ما كانت تنوي قوله فضحك بخفة وقال:
ـ انتي كمان حنينة يا نغم .. خوفك على نسيم ودموعك عشانها وكونك متتردديش في انك تنقلي لها دم بالرغم من إنك مش مطلوب منك ده وانتي آخر واحدة كان ممكن نفكر فيكي أصلا.. كل ده يدل على انك حنينة جداا وقلبك أبيض كمان .
اتشحت عيناها بدمعات آسفة عندما تذكرت ما قالته چيلان، فسألته :
ـ يعني مفكرتش إني بعمل كده عشان أخليك تتعاطف معايا زي ما قالت چيلان ؟!
ـ أبدا.. بصي يا نغم . أنا بقدر أوزن الأمور كويس جدا ، ونظرتي في اللي قدامي أغلب الأحيان بتكون الحمد لله صائبة ، وأنا من ساعة ما شفتك حسيت إنك بريئة وملكيش في التصنع و المكر والخبث.
وأردف وهو يمعن النظر في عينيها الجميلتين وقال :
ـ عينيكي متعرفش الغدر .
شعرت بالارتباك إثر نظرته، ومدت يدها تزيح خصلة من شعرها خلف أذنها وقالت وهي تحاول ثنيه عن التحديق بها :
ـ وبعدين كمل ؟!
ـ أكمل إيه ؟!
ـ والدتك الله يرحمها.. قولتلي إن كان ذوقها حلو ..
أومأ بابتسامة بائسة وتابع :
ـ كان كل حاجه فيها حلوة، كانت رقيقة وحنونة جدا.. لسه فاكر صوتها وكلامها وريحتها لحد دلوقتى ، بالرغم من إن مر على وفاتها ٢٥ سنة لكن بالرغم من كده لسه فاكر كل تفاصيلها..
كان صوته العميق دليلا قاطعا على حزنه الذي يحاول مواراته خلف ابتسامة هادئة ..
ـ أوقات بحس إني محتاج لها جدا.. مثلا لما كنت في المستشفى وقت حادثة نسيم، حسيت إني محتاج لها ، لدرجة إني كنت بفضل أدعي قبل ما أنام إني أحلم بيها ، كنت بفضل أفكر فيها كل ليلة عشان أشوفها في المنام جايز تطمني أو تطبطب عليا ، كان نفسي هي أكتر واحدة تكون معايا في الوقت ده .. كنت حاسس إني لسه طفل ..
وشرد بعيدا وتابع :
ـ نفس الطفل اللي عنده عشر سنين اللي اتحرم من أمه في لحظة .. نفس الطفل اللي مش قادر يتجاوز فقدان شخص كان بالنسبه له هو المصدر الوحيد للأمان .. رجعت بالزمن لبعيد جداا وكأني اتحبست جوة دايرة ملهاش نهاية وبقيت مش قادر أخرج منها .
وتنهد مطولا وتابع :
ـ اللي حصل مع نسيم رجعني لنقطة الصفر من تاني وخلاني أعيش أوقات صعبة جدا يا نغم، مهما أوصف لك مش هتتخيلي أنا كنت بمر ازاي بكمية حاجات كلها أسوأ من بعض في اليوم الواحد..
ونظر إليها وأضاف بنبرة يتخللها اللوم :
ـ وجيتي انتي لما مشيتي زودتي الشعور ده عندي .. بقيت مش قادر أواجه ولا عارف أصد قصاد إيه بالظبط .. حسيت إنك كنتي سنداني .. حتى لو مش هتعملي حاجة بس وجودك معايا وجنبي كان مقويني .
شتتها بأسوأ الطرق ، فأطرقت برأسها أرضا وظلت تعبث بأناملها بتوتر، إلى أن سمعته يقول برجاء:
ـ ممكن متعمليش كدا تاني ؟!
نظرت إليه ، أغلقت عينيها بتوتر ، وفتحتهما وهو يقول :
ـ ممكن قبل ما تقرري أي قرار نتناقش فيه الأول ؟! أنا مستحيل أحجر على تفكيرك.. يعني.. مستحيل أحاول أقنعك بحاجة انتي مش عايزاها أو مش قابلاها.. لكن هعرض لك الموضوع من منظور تاني ممكن مفكرتيش فيه.. وهفكر معاكي بصوت عالي.. لو عندك سؤال قوليلي وأنا أكيد مش هكدب عليكي.. أفضل بكتير من إنك تفضلي تبني أوهام وافتراضات ملهاش أساس ..
وألقى وهو يريح ظهره للمقعد:
ـ زي كدبة چيلان اللي صدقتيها من غير ما تشغلي عقلك خمس ثواني بس.. وخدتي بعضك ومشيتي بسبب كلامها..
فأضافت هي بارتباك :
ـ على فكرة أنا ميهمنيش أبدا تكون بتحبها وعايز تخطبها أو لأ..
ورفعت كتفيها متصنعة عدم الاكتراث وقالت:
ـ انت حر أنا مالي ..
جاهد ليخفي ابتسامته وأضاف بجدية زائفة:
ـ أنا مش قصدي على الكدبة دي، قصدي على الكدبة التانية .. لما قالتلك إني متمسك بوجودك بس عشان أعرف مين وراكي .
احمر وجهها خجلا وأشاحت بعينيها عنه وهي تلعن تهورها وحماقتها اللذان جعلاها تبدو أمامه الآن وكأنها مهتمة ومولعة به .
تنهد وحمحم ثم قال:
ـ على العموم اللي حصل حصل خلاص والحمد لله إني قدرت أوصلك ..
ونظر بساعة يده وقال:
ـ أنا مضطر أمشي دلوقتي لأن عندي يوم طويل في الشغل ، وبعدها هروح أشوف نسيم وهمر عليكي قبل ما أرجع على الڤيلا .
أومأت بموافقة ثم قالت:
ـ سلملي على نسيم كتير ..
أومأ موافقا ثم قال وهو ينهض مستعدا للمغادرة:
ـ محتاجة حاجة أجيبهالك وأنا جاي بالليل ؟؟
ابتسمت لسبب لا تعرفه وقالت بهدوء:
ـ شكرا ربنا يخليك .
سار معها وهو يشير إلى غرفته وقال:
ـ دي اوضتي، والأوضة اللي جمبها دي هتكون اوضتك من هنا ورايح، أنا كنت مجهزها لنسيم عشان لو الظروف سمحت في أي وقت وجت عاشت معايا هنا، بس يظهر إنك كنتي صاحبة النصيب من البدايه.
ابتسمت وقالت :
ـ أنا كده كده وجودي هنا مش مطول ، يعني فترة بسيطة لحد ما أظبط أموري وهمشي .
تنهد بيأس لكونها لا تنفك تذكره بأنها ستذهب عاجلا أم آجلا ، ثم أخرج هاتفها من جيبه وأعطاه لها وهو يقول:
ـ اتفضلي تليفونك ، لو احتاجتي أي حاجه كلميني وأنا هجيبهالك وأنا جاي.
أومأت بهدوء فسار نحو الباب وهو يقول:
ـ خدي راحتك.. البيت بيتك .
ووقف عند الباب يطالعها للحظات ود لو أنها لا تمر ، ثم ألقى إليها بغتةً :
ـ على فكرة صورتك اللي عند المرجيحة حلوة جدا.. سلام .
و غادر مسرعا، ركب سيارته وانطلق عائدا إلى الشركة من جديد.
وقفت نغم مستندة إلى الباب للحظات وهي تستوعب كلمته ، ذلك الرجل لا يتوقف عن مفاجأتها في كل مرة ، أسندت ظهرها إلى الباب وهي تتنهد بحيرة، بالرغم من أن قربها منه يطمئنها ويشعرها بالأمان ولكنها لا تشعر بالراحة الآن .. طالما أن الصراع لازال قائما، وحسن لازال يطاردها ، فلا وجود للراحة المطلقة .
استدارت ووقفت تطالع المنزل بتفحص، فجذب انتباهها مكتبة كبيرة تحتل مساحة جدارين كاملين ، قادها فضولها نحوها، فتوقفت أمامها والتقطت كتابا وأخذت تنظر إليه فوجدته كتابا باللغة الإنجليزية فتركته، فالتقطت غيره وغيرهما الكثير وكانت تعيده في كل مرة لنفس السبب، إلى أن وجدت كتابًا باللغة العربية أخيرا، يحمل عنوانا أثار فضولها ” لأنني أحبك ” .
***
في المساء ..
كانت چيلان تجلس فوق الفراش بملل ، تضم ركبتيها إلى صدرها حين استمعت إلى صوت طرقات على الباب ، فتحدثت بصوت حاد :
ـ قلت مش عايزة أشوف حد ، انتوا إيه ؟؟ مبتفهموش ؟!
تجاهلت عائشة لسانها السليط ودخلت وهي تحمل على ذراعها بعض الملابس ، ثم وضعتها أمامها على السرير وهي تقول:
ـ جبتلك حاجة تلبسيها، اشتريناها لك مخصوص على فكرة ألا تكوني مفكرة إنها بتاعة حد .
نظرت چيلان إلى المنامات بازدراء وهي تقول بأسلوب حاد:
ـ إيه القرف ده ؟! أنا مش ممكن ألبس الهدوم المقرفة دي.
رفعت عائشة حاجبيها بنفاذ صبر وقالت:
ـ اللهم طولك يا روح ، يعني لا راضية تاكلي بقالك يومين ولا راضية حتى تستحمي وتغيري هدومك .. بتعندي على نفسك ليه طيب ؟!
نظرت إليها چيلان نظرات يملؤها السخط، ورمشت بضيق وهي تشير نحو الباب وتقول :
ـ من فضلك مش طايقة أشوفك ولا أشوف حد.. اخرجي وسيبيني.
وأسندت رأسها على ركبتيها باستسلام، فوقفت عائشة تطالعها بتذمر، فلاحظتها وهي تحيط معدتها بذراعيها وعلمت أنها الآن تتضور جوعًا، فزفرت بيأس وقررت المحاولة معها مرة أخيرة .
فاقتربت منها وجلست أمامها وأخذت تربت على كتفها العاري وهي تقول بنبرة لينة :
ـ يا بنتي مينفعش اللي بتعمليه في نفسك ده، انتي بقالك تلك أيام مانعة الأكل وده غلط عليكي، وبعدين ما احنا جبنالك اسمه إيه ده اللي طلبتيه ، مش راضية تاكلي ليه بقا ؟!
رفعت چيلان رأسها صوبها، وتعجبت أسلوبها الهادئ المراعي، فقالت وقد خفتت حدتها نظرا للإرهاق الذي ألمّ بها :
ـ مش عايزة أكل ، أنا عايزة أمشي من هنا .. من فضلك اتكلمي معاه وخليه يسيبني أمشي.
تنهدت عائشة بعجز وقالت :
ـ والله يا بنتي يا ريت في ايديا حاجة، صدقيني والله أنا مش راضية ابدا عن اللي حسن عمله لكن ما باليد حيلة .. هو هيموت على نغم، ومتهيأ له بالطريقة دي نغم هترجع .
ـ مش هترجع ، فريد متمسك بنغم جدا ، و أنا لا أعني له أي شيء على الإطلاق ، أهو أنا جبتهالكوا من الآخر أهو .. سيبوني أمشي بقا أرجوكم.
زفرت عائشة مطولا وأخذت تتذكر حديث نغم مع نهال ، فشعرت بعاصفة من الألم تضرب صدرها وتنهدت وهي تسألها بفضول:
ـ قوليلي يا بنتي ، إيه أخبار نغم ؟ وازاي دخلت وسطيكوا وعاشت معاكوا في بيت واحد ؟ وموجودة دلوقتي بصفتها إيه .
أجابتها چيلان بنزق ونفاذ صبر :
ـ خلاص مبقتش موجودة ، نغم سرقت فلوس وورق مهم و Jewelry بملايين وهربت .
ضربت عائشة على صدرها بخوف وفزع وهي تقول:
ـ يا مصيبتي !!
قلبت الأخرى عينيها بملل وضيق وقالت:
ـ عرفتي بقا إن وجودي هنا ملوش أي لزمة ؟! نغم اللي بتدوروا عليها أساسا مبقتش موجودة عندنا ، يعني أنا مليش ذنب أفضل هنا وشغلي يتعطل وأكيد مامي قلقانة عليا واخواتي كمان..
واقتربت من عائشة وأمسكت يدها برجاء وقالت:
ـ أرجوكي اتكلمي مع حسن واقنعيه يسيبني، على فكرة هو كده بيضر نفسه قبل أي حد .
” حسن طالعة من بؤك زي العسل ”
نظرت چيلان إلى مصدر الصوت هي وعائشة لتتفاجأ كلا منهما باقتحام حسن الغرفة وهو يحرك حاجبيه بمشاغبة ويقول:
ـ يا عسل أبيض انت .
زفرت چيلان بقوة وأشاحت بوجهها جانبا فقال:
ـ سيبيني ياما مع القطة شوية ..
نظرت إليه عائشة بلوم فقال:
ـ مالك يا عيوش هو أنا هاكلها ؟! هنتكلم كلمتين وبس..
نهضت عائشة باستسلام وسارت نحو الباب فقال حسن :
ـ أنا جايب عشا معايا عشان البرنسيسة ، طرب وكفتة وسلطات وبابا غنوج كمان ..
ونظر إلى چيلان متعمدا إثارة ضيقها وقال:
ـ بتحبي البابا غنوج ؟!
قضمت شفتها محاولةً استحضار كل مخزونها الاحتياطي من الصبر ، وحركت رأسها في غير مرمى عينيه لتسمعه يقول:
ـ اتوصي بيها يا أم حسن عايزينها تاكل..
وأغلق الباب خلف والدته وجلس أمامها على المقعد وهو ينظر إليها ويقول:
ـ شُفتي الهدوم اللي جبتهالك ؟!
نظرت بطرف عينيها إلى الملابس ورمشت بضيق ولم تجب، فقال:
ـ من أنضف محل دول خدي بالك ، بالرغم من إني مش مسرور منكم يعني بس كل واحد بيعمل بأخلاقه .
ابتسمت ساخرة ولم تعقب، بينما هو قال بجدية:
ـ اسمعيني يا بنت الناس، أنا مش مبسوط باللي عملته ولا أنا هواية عندي أخطف بنات الناس وأوجع قلب أهاليهم عليهم، أنا مش زي أخوكي.. أه معلش ،، مش زي أخو أخوكي.. أنا في حالي طول عمري وعمري ما خدت حاجه من حد مش بتاعتي، فريد ده هو اللي بدأ لما حط عينه على حاجة تخصني .. وأنا مش بسيب حقي لو لآخر نفس فيا .. خلاصة القول.. عايزة تمشي من هنا ؟
نظرت إليه بهدوء ثم أردفت باستهزاء:
ـ أكيد مش مموتة روحي عشان أفضل مع حضراتكم هنا يعني .
ـ يبقا تساعديني أرجع نغم .. قوليلي فريد مخبيها فين ؟! أنا متأكد إنه عارف مكانها وبيشتغلني وبيقول إنها مشيت عشان أبطل أدور عليها ..
قلبت عينيها بيأس وهي تقول:
ـ أنا لسه قايلة لمامتك وهقوللك تاني.. نغم سرقت فلوس وحاجات كتير مهمة من خزنة أنكل سالم وهربت.. نغم مش مع فريد ولا حد من العيلة يعرف طريقها أصلا ..
قطب جبينه متعجبا ، أيعقل أن يكون ما تقوله صحيحا ؟! هل نغم فعلت ذلك فعلا ؟! ولمَ لا ؟! هو يعرف أنها كانت دوما له التلميذة النجيبة التي تنجح في تطبيق الدرس من أول مرة ، ويعرف أن مجرد فتح خزنة أو سرقتها ليس أمرا مستعصيا بالنسبة لها، ولكن أليس من الممكن أن تكون تلك الشقراء بعيون زرقاء تخدعه ؟!
ـ إيه اللي يخليني أصدقك ؟!
تساءل بشك فقالت بضيق ونفاذ صبر:
ـ براحتك.. عايز تصدق أو لأ انت حر .
زفر وهو يمسح على وجهه بضيق ، ثم نهض من مكانه باندفاع وغادر الشقة بالكامل ، وقام بالاتصال بعمر الذي أجاب بعد عدة مكالمات فقال:
ـ عمورة حبيبي أحلى مسا ..
فأجابه الآخر بصوت بائس:
ـ كنت لسه حالا هكلمك ، أنا واصحابي مستنيينك في الكافيه إياه وعلى لحم دماغنا .
تعجب ما لفظ به عمر وأدرك أنه قد بدأ بالمسير نحو الهاوية ، فتمتم باستهزاء مبطن :
ـ لا وأنا ميرضينيش إنك تفضل انت وصحابك على لحم دماغكم، جايلك يا حبيب أخوك .
***
كان عمر يجلس في الكافيه الذي اعتاد ارتياده برفقة أصدقائه، يتناولون لفافات التبغ ويتبادلون أطراف الحديث الهابط، وبينهم عمر يجلس متباهيًا بأنه الأكثر ثراءا وكيف ينفق عليهم في كل مرة، بل ويبتاع الحبوب لهم ويهاديهم بها، وفي المقابل يحصل على ثنائهم وإطرائهم، فينتفخ صدره زهوًا لحظيًا، وتنفك عقدة نقصه، ويتلاشى شعوره بالدونية وانعدام القيمة.
استمع الى رنين هاتفه فعرف أن منقذه حسن قد وصل ومعه حبوب السعادة ، فخرج لملاقاته، ثم تصافحا وقال حسن :
ـ خير يا عمورة مالك ؟!
فأجابه عمر بنبرة يتخللها اليأس:
ـ أبدا.. مش في المود بس .
ـ يا نهار أبيض ، بقا معقول تكون مش في المود وقدامك حسن العقرب بتاع المود كله !!
وأخرج من جيبه لفافة سجائر غريبة الشكل وأعطاها له وهو يقول:
ـ خد اشرب دي وادعيلي ؟
رفع عمر السيجارة أمام عينيه وهو يقول:
ـ إيه دي ؟!
ـ هش .. يا عم في إيه انت كمان إنت فضيحة ولا إيه ، في السكرتة يا عم عمر إحنا مش ناقصين مصايب .
ـ دي سيجارة حشيش مش كده ؟!
غمز حسن بعينه وهو يقول:
ـ دي سيجارة الروقان يا رايق، اشرب وادعيلي ..
نظر إليها عمر بشك وقال:
ـ لأ لأ.. بلاش منها أنا أخري سجاير من التانية .. دي شكلها مرعب أصلا..
ضحك حسن ساخرا وهو يقول:
ـ مرعب ؟! مالك يا عموره قلبت قطة ليه ؟!
نظر إليه الآخر بضيق وقال:
ـ بقوللك إيه خليك في نفسك ، أنا أصلا مليش في الحشيش ..
ـ بشوقك .
وأخذ منه السيجارة ليتراجع عمر ويأخذها منه مجددا وهو يقول:
ـ لأ خلاص هاتها.. بس تعالى بقا معايا وأنا بشربها ..
ـ في إيه مالك هي هتعضك ؟! دي سيجارة زي أي سيجارة ، عالعموم قدامي .. فين عربيتك ؟
أشار إليه عمر حيث صف سيارته جانبا، وسارا نحوها ثم استقل كلا منهما مقعدا وأشعل حسن السيجارة وهو يقول:
ـ ما شاء الله يا عمورة العربية آخر فخامة .. هدية نجاحك دي ؟
نظر إليه عمر الذي بدأ بسحب أنفاس عميقة من السيجارة ةهو يقول:
ـ نجاحي ايه أنا اتخرجت من تلت سنين..
أشعل حسن سيجارة أخرى لكي يوهمه بأنه يشاركه، وبدأ بتدخينها وهو يقول:
ـ ممم.. متخرج من كلية إيه بقا ؟!
فأجابه عمر وهو ينظر إلى السيجارة بانسجام:
ـ هيكون إيه غير هندسة ؟! أصل الهندسة دي مفروضة إجباري علينا في العيلة.
ـ ممم.. وشغال إيه بقا دلوقتي ؟
نظر إليه عمر بصمت، ثم ضحك وهو يقول:
ـ شغال صايع .
ضحك حسن وقال:
ـ وفلوسها حلوة بقا الشغلانة دي ؟!
أومأ عمر متصنعا الجدية وهو يقول :
ـ لوز اللوز .. باكل وبشرب وبلبس وبغير عربية كل سنتين .. هعوز إيه أكتر من كده ؟!
أومأ حسن مؤيدا وهو ينظر أمامه بشرود واقتحم الغل نظراته وهو يشعر بالغيرة تنهش قلبه وهو يردد:
ـ هتعوز إيه أكتر من كده صح ، إنتوا تاكلوها والعة واحنا ناكلها بدُقة ويا ريت عاجب ..
لم يهتم عمر بما قاله حسن، أو بالأحرى لم يفقه منه شيء، بل كان منشغلا بنفث دخان تلك السيجارة التي كان لها مفعول السحر على رأسه ..
ـ وأخوك فريد .. شغال صايع زيك ولا إيه ظروفه ؟!
نظر إليه عمر متعجبا وقال:
ـ إنت تعرف فريد منين ؟!
ابتلع الآخر ريقه بتوتر وقال:
ـ عرفت منين إيه ما انت لسه جايبلي سيرته ، جرا إيه يا عمورة إنت اتسطلت ولا إيه ؟!
ضحك عمر وقال:
ـ تقريبا كده السيجارة دي ملغمة .. أنا حاسس إن دماغي بدأت تلف ..
ـ إنت كده على موعد مع السعاده ، استمر يا حبيب أخوك.. المهم ما قولتليش ، فريد أخوك إيه نظامه ؟! مبحبح زيك كده ولا ملوش في الجو ده ؟
ـ ليه بقا السيرة اللي تخوف دي يا حسن، فريد إيه اللي مبحبح ده فريد يعني تأديب وتهذيب وإصلاح .. ده جاله وسواس من كتر ما بيدقق في كل حاجه بيعملها وعاوز كل حاجه تبقا بيرفكت..
ـ و شغله إيه نظامه ؟! في السليم ولا إيه ؟!
ـ طبعا.. ده كل أعماله مشاريع خيرية ، تخيل .. بيخصص تلت أرباع أرباحه السنوية للمساهمة في المشاريع الخيرية ، فريد ده دماغ مستحيل تعرف تجيب زيها ..
شعر حسن بالغيرة الشديدة من كلام عمر على فريد، ثم تساءل :
ـ متجوز ؟!
سحب عمر نفسا آخرا من السيجارة وأسند رأسه على ظهر المقعد وقال:
ـ لأ..
ـ ولا خاطب ؟!
ـ ولا بيفكر حتى .
حاول حسن مراوغته أكثر لكي يحصل منه على أي معلومة :
ـ يبقا أكيد مصاحب أي واحدة ، ومتحاولش تقنعني إنه لأ دي كمان.
ـ دي الحقيقه.. فريد شعاره في الحياة.. نو تاتش .
وضحك ضحكة صاخبة فضحك حسن ضحكة مصطنعة ليتمكن من مجاراته، ثم قال :
ـ غريبة يعني .. مع انه مش صغير وعنده فلوس وشركات وأكيد أي واحدة تتمناه..
ـ دي حقيقة .. بس هو خنيق حبتين مستحيل يتهز قدام واحدة ، مش عارف مطلعش زيي ليه .
ضحك حسن وشاركه عمر الذي تابع وهو مغمض العينين:
ـ لولا ظهور نغم… هي الوحيدة اللي بدأ يتفاعل معاها شوية.. يظهر حبها ولا إيه ..
اضطرب حسن كليا واعتدل بمقعده متحفزا وهو يقول:
ـ نغم دي صاحبته ؟؟
ـ لأ.. نغم دي اللي خبطتها بالعربية .
قطب حسن جبينه وقال متعجبا :
ـ خبطتها بالعربية إمتا ؟
فتح عمر نصف عين وتساءل :
ـ هو أنا مقولتلكش ؟
أومأ حسن نافيا فقال عمر :
ـ ما هي نغم دي أنا خبطتها بالعربية وبعدين راحت عالمستشفى ، وبعدها أنا دخلت الحجز..
سحب حسن نفسا من سيجارة جديدة وتابع :
ـ وبعدين ؟
ـ وبعدين بقا فقدت الذاكرة .. فجابوها عالڤيلا.. ومن يومها وهي قاعدة عندنا…
قطب حسن جبينه وتساءل باهتمام:
ـ و لسه عندكم في الڤيلا بقا ؟
هز عمر سبابته بنفي، وأغمض عينيه للحظات فهزهُ حسن بقوة قائلا:
ـ جرا إيه يا عمورة هو ده وقته .. لا فوق كده وصحصح معايا ..
نظر إليه عمر متفاجئا ثم نظر إلى السيجارة وقال:
ـ إيه ده هي السيجارة خلصت ؟
ـ خلصت إيه ده انت بقالك ساعة بتشد في صوابعك أصلا..
وأشعل سيجارة أخرى وأعطاها له وهو يقول :
ـ خد عمّر الطاسة وأنا في الخدمة دايما… المهم كمل.. نغم دي راحت فين بقا ؟!
ـ هربت .. سرقت خزنة أبويا وهربت .
تذكر حسن ما قالته چيلان وتأكد من صدقها، فقال :
ـ ومتعرفوش بقا راحت فين ؟!
ـ لأ.. بيدوروا عليها.. الباشا مش هيسيبها تخلع باللي سرقته..
ـ يا بنت الإيه يا نغم..
قالها حسن متمتما باعجاب وظهرت على شفتيه ابتسامة عريضة ثم نظر إلى عمر وقال:
ـ واضح إنها مش سالكة ، وواضح إن فريد أخوك ده كمان مش سالك.
نظر إليه عمر بهدوء، ثم ضحك بثمالة وهو يقول :
ـ سالك مرسال ..
وانفجر ضاحكا ببلاهة أضحكت حسن بدوره، ثم نزل من السيارة وهو ينظر إليه ويقول:
ـ عسل يا عموره.. يلا أشوفك مرة تانية.. و اوعى تسوق وانت مغيبب كده .. يلا يا حبيب أخوك تصحبك السلامة .
واستقل دراجته البخارية وانطلق بها عائدا نحو المنزل .
***
كان فريد يجلس أمام نسيم، يحكي لها فتستقبل فوضاه بصدرٍ رحب ..
ـ بصراحة لما شُفتها ردت فيا الروح ، حسيت إني نفسي .. مش عارف بصراحه، بس كل اللي أعرفه إني مطمن ومرتاح لأنها دلوقتي بقت معايا.
ابتسمت نسيم وقالت بهدوء :
ـ بتحبها يا فريد ؟؟
زفر نفسًا وقال باستسلام :
ـ غالبًا أيوة .
ابتسمت لأنها أخيرا رأته واقعا في الحب، وأخذت تستمع إليه وهو يقول:
ـ لو الحب إني أكون مرتاح وهي جنبي فانا بحبها، لو الحب إني أكون عايزها قصادي طول الوقت وعاوز أشوفها وأسمع صوتها كل شوية فانا بحبها، لو الحب إني أكون خايف عليها وحاسس إنها مسؤولة مني وحاسس بالمسؤولية تجاهها فانا بحبها، لو الحب إني أكون بحلم بيها وانا نايم وانا صاحي ومش قادر أشيلها من بالي نهائي فانا بحبها.
وتنهد مطولا ونظر إلى أخته التي تنظر إليه مبتسمه ابتسامة واسعة وقال:
ـ غالبا أيوة أنا وقعت في حب نغم .
ـ طيب وإمتا هتعترف لها ؟!
ـ مش دلوقتي ، لما أتأكد من مشاعرها ناحيتي ، أنا مش هقدر أتحمل خيبة الأمل اللي ممكن أتعرض لها لو اكتشفت انها مش بتبادلني نفس الشعور .. الصبر حلو .
زمت شفتيها باستياء وقالت:
ـ مش في كل الحالات يا فريد ، أحيانا التأخير بيعقد الأمور ..
تنهد وقال بارهاق:
ـ ربنا ييسرها من عنده يا نسيم.. أخلص أنا بس من المشاكل اللي عماله تحاوط العيلة من كل جانب ، وبعدين نشوف هنعمل إيه ؟
نظرت إليه بحزن ، وتساءلت بأسى فقالت:
ـ مفيش أخبار عن چيلان ؟!
ضغط بين عينيه بتعب وهو يقول:
ـ مفيش جديد لسه .. بس التحريات شغالة وبإذن الله يوصلوا لأي حاجة…
ـ تفتكر إختفاءها ده وراه إيه يا فريد ؟ اتخطفت فعلا زي ما بيقولوا؟
ـ مش عارف .. بس أنا مستبعد الاحتمال ده لأن محدش عنده مشكلة من أي نوع مع چيلان .. بس الحمد لله طول ما مفيش أخبار سيئة ده مؤشر جيد إنها بخير .
تنهدت بثقل، ثم تساءلت بأسى:
ـ و چوليا عامله إيه ؟!
نظر إليها مبتسما ، ثم ربت على كتفها وقال:
ـ متشغليش بالك غير بنفسك يا حبيبتي ، الدكتور قال ممكن نخرج بكره أو بعده بالكتير ، عاوزك ترجعي أقوى .. اتفقنا ؟
أومأت بغير اقتناع ، فنهض وقبل جبينها ثم قال:
ـ أنا مضطر أمشي عشان لسه هشتري لها حاجات وأروح أطمن عليها..
ـ سلملي عليها..
ـ يوصل يا نسومه.. خلى بالك من نفسك.
وخرج فنهضت زينب التي ما إن رأته حتى تساءلت:
ـ مفيش أخبار عن نغم يا فريد بيه ؟!
ربت على كتفها بتقدير وقال بهدوء:
ـ متقلقيش على نغم يا زينب.. أهم حاجه خلي بالك من نسيم كويس أوي وتابعي حالتها بتركيز.
ـ متقلقش نسيم في عنيا .
وانصرف فريد متجها نحو أحد المولات التجارية لكي يبتاع بعض الأغراض من أجل نغم، ومن ثم سيذهب إليها على الفور .
***
كانت نغم تتمدد على الأريكة وهي لازالت تمسك بالكتاب بين يديها وتقرأ فيه ، لم تتوقف دموعها للحظة حزنًا وتأثرا على اختفاء الطفلة ” ليلى ” ذات الخمس سنوات ، ابنة بطليّ الرواية التي اختفت في أحد المراكز التجارية ، ومرت الأشهر والسنوات دون أن يصلا إليها بالرغم من محاولاتهم المضنية ، ليعثرا عليها بعد مرور خمس سنوات في نفس المكان ولكن حالها كان قد تبدل تماما..
رأت فيها نغم شيئا يشبهها، ربما رأت نفسها في تلك الطفلة التي اختفت وتشردت وتشتت.. رأت نفسها في كل طريق كانت تسلكه الطفلة مضطرة، رأت نفسها في كل قرار كانت تأخذه ولا يلائم قناعاتها..
استطاعت تلك الرواية أن تلمس فيها جانبا حساسا للغاية، ولم تتمكن من تركها إلا عندما فرغت من قراءتها..
استمعت إلى رنين هاتفها باسم فريد، فمسحت دموعها وأجابت؛
ـ ألو..
ـ مساء الخير يا نغم..
ـ مساء النور..
ـ أنا خلاص قدام الكومباوند أهو.. دقيقتين تلاته وأكون عندك.
ـ تمام..
أنهت الاتصال ، أدركت أنه ينبهها لئلا تتفاجيء بوجوده ، لا يعرف أنها لم تبرح تلك الأريكة منذ غادر ..
مسحت دموعها وعدلت شعرها المعكوص في كعكة، وحمحمت بحماس وترقب..
انفرج الباب ودخل فريد وهو يحمل الكثير من الحقائب والأكياس ، ثم تقدم منها مبتسما ووضع الأغراض أمامها، وما إن اقترب منها حتى قطب جبينه متعجبا وهو يقول:
ـ انتي كنتي بتعيطي يا نغم ؟!
ـ لا أبدا..
لمح الكتاب الموضوع بجوارها على الأريكة فابتسم وقال:
ـ ممم.. انتي من اللي بيتفاعلوا مع الروايات بالدموع وكده..
وأضاف بقليل من المرح:
ـ أنا بردو أول ما شوفتك قلت إنك حساسة .
ابتسمت بخفة، ثم نظرت إلى الكتاب وقالت وهي تتلمس غلافه:
ـ الكتاب ده أثر فيا جدا..
أومأ وقال :
ـ ‘ غيوم ميسو ‘ دايما بيهتم بالجانب الإنساني اللي يخلي أي حد يتأثر بكتاباته.. بس مش لدرجة العياط يعني .
قال الأخيرة ضاحكا وهو يريح ظهره للمقعد وتابع:
ـ تعرفي.. اتفاجئت بصراحه إنك بتقرأي ..
ظهر عليها الضيق قليلا وقالت:
ـ لأ طبعا بقرأ وبكتب .. أنا اتعلمت لحد ستة ابتدائي!!
أدهشتهُ تلك المعلومة ، وآلمته بنفس القدر ، لم يتوقع أن تكون قد حُرمت من أبسط حقوقها بتلك الطريقة .. وقال بهدوء:
ـ أنا مقصدتش كده.. أقصد إني مكنتش متخيل إنك بتحبي قراءة الكتب والروايات يعني..
تراجع توترها وتابعت بنفس الهدوء الذي يحيطها كلما كانت بقربه:
ـ لا ماهو أنا في الحقيقة أول مرة أقرأ كتاب ، حتى قرأته بصعوبة شوية لكن الأمور مشت يعني ..
أومأ وقال:
ـ بس كويس جداا إنك حاولتي.. أهم شيء المحاولة بغض النظر عن النتيجة
أومأت مؤكدة فأردف مبتسما و قد قرر أن يدعمها بكلمات بسيطة:
ـ شطورة يا نغم .
ابتسمت بحبور، فقال:
ـ طب إيه رأيك بقا لو تكملي وتاخدي شهادة ؟! خسارة الشطارة دي كلها تروح عالفاضي !
نظرت إليه بتعجب وقالت :
ـ أكمل تعليمي تقصد ؟
أومأ مؤكدا فقالت وهي تتخيل نفسها :
ـ وألبس مريلة وأدخل مدرسة من تاني ؟! لا لا مستحيل .
ضحك وقال:
ـ لا مش هتلبسي مريلة متخافيش ، دلوقتي في ميزة التعليم عن بُعد يعني تقدري تكملي وتاخدي شهادة كمان وانتي قاعدة على الكنبة زي ما انتي كده ..
ضحكت فضحك لما رأى ضحكتها وتابعت بحماس :
ـ لو كده مفيش مانع..
فأردف بحماس مماثل:
ـ اوكي.. سيبي الموضوع ده عليا ومن بكرة هظبط كل حاجه.
تنهدت وقالت بامتنان صادق:
ـ مش عارفه أقوللك إيه بجد..
ـ ولا تقولي أي حاجه.. وكمان موضوع البطاقة كنت قولتلك هنخلصه بس للأسف الظروف اللي جدت خلتني مش مركز في أي حاجه..
ـ مش مهم بطاقة.. أنا كده كده مش محتاجاها.
ـ مش مهم إزاي بس ، هو انتي كل حاجة عندك مش مهمة كده !
ابتسمت فهز رأسه يائسا ثم قال وهو يشير إلى الحقائب من أمامها:
ـ جبتلك شوية حاجات تمشي نفسك بيها على ما تنزلي انتي بنفسك وتجيبي اللي ناقصك .
وأخرج من جزدانه بطاقة بنكية وأعطاها لها وهو يقول :
ـ خلي دي معاكي عشان لو حبيتي تشتري أي حاجه في أي وقت .
أشارت برأسها أن لا وقالت:
ـ لأ ملوش داعي، أنا كده كده مش هخرج ولا هروح في أي مكان لأني ماعرفش أي حاجة هنا..
فأجابها باصرار :
ـ أكيد مش هتفضلي حابسة نفسك في البيت ٢٤ ساعة يعني.. على الأقل اتمشي جوة الكومباوند يعني، على فكرة كل حاجه هنا متوفرة.. محلات ومولات ونوادي وصالات رياضية.. يعني تقدري تروحي في أي مكان من غير ما تخرجي بره الكومباوند ومتقلقيش انتي هنا في أمان.. محدش هيقدر يوصلك هنا لأن الأمن منتشرين في كل مكان ومفيش حد بيدخل الكومباوند غير السكان بس .
منحها كلامه الإجابة التي كانت تنتظرها، وكأنه يشعر بها ويعلم ما يدور برأسها وما هي المخاوف والشكوك التي تساورها، فتنهدت براحة فقال مازحا :
ـ ها هفضل ماددلك ايدي كده كتير ؟
مدت يدها إليه وأخذت البطاقة منه وقالت مبتسمة:
ـ شكرا متحرمش منك.
راقتهُ تلك الكلمة كثيرا، وابتسم وهو يقول:
ـ على فكرة نسيم بتسلم عليكي.
ـ الله يسلمها، هي أخبارها إيه ؟
ـ الحمد لله بتتحسن.. ممكن بكرة أخدك تشوفيها لأنها هتخرج بعد بكرة وهترجع على الڤيلا .
أومأت بهدوء وقالت:
ـ إن شاء الله..
صمتا للحظات، إلى أن تحدثت وقالت:
ـ يا ترى عم اكرامي بيقول عليا إيه دلوقتي اني سيبته ومشيت فجأة ؟! أكيد مضايق .
همهم بتفكير ثم قال:
ـ إيه رأيك نروح له ؟!
ـ دلوقتي ؟!!
تساءلت بتعجب فأومأ مؤكدا وقال :
ـ أيوة.. الساعة لسه ١٠
تحمست كثيرا وقالت:
ـ ماشي.. يلا بينا .
ابتسم بحماس مماثل وقال :
ـ تمام.. أنا هستنى في العربية برة لحد ما تجهزي .. خدي وقتك .
وغادر المنزل فظلت تحدق بأثره كالمسحورة، مجرد أنه قرر البقاء خارج المنزل لئلا يسبب لها أي ضيق أو قلق ريثما تستعد وتبدل ملابسها جعلها تشعر بالألفة نحوه أكثر وتتعلق به أكثر وأكثر .
حملت الأغراض التي ابتاعها لها، ودخلت إلى الغرفة التي أشار إليها نحوها ، فرأت أمامها غرفة تبدو وكأنها قصر للأميرات.. كل شيء فيها باللونين الوردي والأبيض ، غرفة تلائم أحلامها تماما..
أفرغت محتويات الحقائب سريعا، ودخلت إلى الحمام، أخذت حماما سريعا وارتدت بلوزة وسروال من الأغراض التي أحضرها، وقررت أن تترك بشرتها بطبيعتها بدون وضع أي مساحيق تجميل ، وغادرت مسرعة.
***
بعد مرور ساعة ..
توقف فريد بسيارته على كورنيش النيل أمام تلك العربة الخشبية التي أشارت إليها نغم، وترجلت بحماس وهو يتبعها .. تقدمت من رجلا خمسينيًا، وباغتته من خلفه وهي تقول بجوار أذنه بطريقة مضحكة :
ـ عمو كيمو..
نظر إليها اكرامي وتفاجأ بمظهرها الذي اختلف تماما، وقال بلهفة:
ـ نغم .. انتي فين يا بنتي من الصبح قلقتيني !! انتي مش قلتي رايحة تشوفي خالتك وراجعة ؟!
تنهدت وهي تشير نحو فريد وتقول :
ـ بشمهندس فريد يا عم اكرامي ..
نظر اكرامي إلى فريد ثم مال نحوها وقال هامسا:
ـ ده الواد الحليوة إياه ؟!
طالعته بتحذير فأومأ متراجعا، وتقدم من فريد ومد يده ليصافحه، فاضطر فريد لمصافحته وهو يرسم على وجهه ابتسامة بشوشة.
ـ أهلا يا بشمهندس فريد.. الكورنيش كله نوّر والله .
ـ متشكر يا عم اكرامي منور بناسه..
أسرع اكرامي بتحضير مقعدين من البلاستيك وأشار لنغم وقال:
ـ اتفضلوا اقعدوا.. اقعدي يا نغم.. ولو إني زعلان منك لأنك اتاخرتي بس بعدين نبقا نتكلم..
أخذ فريد يتطلع نحو المقعد بشك، ومد يده بجيب السترة الداخلي ليلتقط قنينة الكحول ولكنه تذكر أنه لم يضعها بجيبه قبل أن يخرج، ولاحظ للتو أنه قد استغنى عن تلك العادة منذ أيام كثيرة وهذا ما أشعرهُ ببارقة أمل .
فتحرك نحو السيارة، وأخرج قنينة الكحول التي يحتفظ بها وعاد إلى المقعدين ، وقام برشهما بالكحول ولم ينس تعقيم يديه جيدا وهو يتلاشى النظر نحو اكرامي ونغم اللذان ينظران إليه بتعجب واستفهام !!
جلست نغم، وجلس أمامها وأخذ يتطلع حوله بارتياح ورضا، ثم قال:
ـ الليل هنا حاجة تانية..
أومأت مؤكدة وقالت:
ـ صح، هنا تحس إنك قادر تاخد نفسك.. بتلاقي نفسك وسط الناس اللي شبهك وانت شبهم.. هنا مكنتش حاسة إني غريبة أبدا..
ـ معاكي حق ، مفيش أحلى من البساطة .
تقدم منهما عم اكرامي وهو يحمل طبقين من البليلة بالمكسرات وقام بوضعهما أمامهما وهو يردف بلطف:
ـ طبعا البليلة من إيديكي يا نغم حاجة تانية ، الزباين النهارده كلهم بيسألوا عليكي ، قولتلهم بكرة إن شاء الله هتكون موجودة.
هنا نطق فريد باندفاع:.
ـ لا يا عم اكرامي للأسف نغم مش هتقف هنا تاني.. نغم خلاص بقا عندها بيت تقعد فيه ومش محتاجة للشغل من تاني.
نظر اكرامي إلى نغم التي كانت تنظر إلي فريد وقال:
ـ صحيح الكلام ده يا نغم ؟!
أومأت نغم مؤكدة وقالت بهدوء:
ـ أيوة يا عم اكرامي.. بشمهندس فريد قعدني في بيته ..
نظر إليها متفاجئا بغير رضا فأسرعت بالمتابعة:
ـ طبعا هو مش قاعد في البيت ده يعني، هو قاعد مع أهله وأنا هقعد لوحدي .
تراجع سخطه ونظر إلى فريد باعجاب وقال:
ـ كتر خيرك يا بني، واضح انك شهم وابن بلد وبتفهم في الأصول ، أنا أول ما شوفتك حسيت بالقبول كده على وشك.. ماهو أنا ليا نظرة بردو خد بالك .. عشان كده أول ما شفت نغم عرفت انها بنت حلال مصفي .
ابتسم فريد وهو ينظر إلى نغم وقال:
ـ متشكر جدا يا عم اكرامي.. نغم فعلا بنت حلال وتستاهل كل خير.
رمقته نغم بامتنان صامت، وشعرت بقلبها يتقافز بصدرها فرحا ..
انصرف اكرامي، فنظرت إليه نغم قائلة:
ـ البليلة لازم تتاكل سخنة.
نظر إلى الطبق الموضوع أمامه، شكله شهي بالفعل ولكنه لا ينظر لأي شيء كما ينظر إليه الآخرون.
فدائما مرضى الوسواس القهري لديهم حسابات أخرى، ونظرتهم لكي شيء أمامهم تختلف عن نظرة أي إنسان عادي..
فهو الآن يتخيل كم الميكروبات والجراثيم الموجودة حول هذا الطبق، وكم الأمراض التي من الممكن أن تصيبه إذا تناوله.. وبالرغم من أنه يرغب في مشاركتها تلك اللحظة بشدة ولكنه وجد نفسه ينظر إليها قائلا:
ـ لأ مش هقدر معلش..
قطبت جبينها بتعجب وقالت:
ـ ليه ؟! على فكرة عم اكرامي شغله نضيف جدا.. كُل وانت مطمن.. يلا..
لم يرغب في رفض طلبها، وأومأ وهو بداخله يشعر بالضيق، وأمسك بالطبق وأكل أول ملعقة بتمهل فنظر إليها ليجدها تنظر إليه منتظرة تقييمه فقال بصدق:
ـ هايلة .
ابتسمت بزهو وقالت:
ـ انت أول مرة تاكل بليلة ولا ايه ؟!
تناول ملعقة أخرى وقال:
ـ أكيد لأ مش أول مرة.. بس أول مرة أكل في مكان زي كده الحقيقة..
تمتمت بضيق زائف:
ـ عُقد الناس الأغنيا دي فهماها طبعا..
ضحك وقال:
ـ الموضوع مش كده أبدا.. أنا بس ليا ظروف خاصة مبقدرش أكل أي حاجه ومن ايد أي حد.
هزت رأسها ، كانت ترغب في السؤال عن تلك الظروف الخاصة ولكنها امتنعت لأنها لم ترغب في التطفل عليه، ولكنها أرجأت الأمر لكونه مصاب بمرض متعلق بالمعدة أو ما شابه..
ظلا يتناولا طبقيهما وهما يتبادلا النظرات الصامتة..
كانت أكثر من سعيدة لأنه يشاركها لحظة كتلك، ورفعت كامي ا هاتفها تلتقط لهما صورة توثق بها تلك اللحظات الفريدة من نوعها ثم أخذت تطالع الصور بابتسامة عريضة، وظلّ فريد يحدق بها كالمجذوب ، لا يستطيع الخروج عن تأثير السحر الذي ألقته عليها عيناها.. وتنهد وهو يتمنى لو أنه يمتلك الجرأة الآن لكي يسألها سؤالا يُلح عليه بضرورة..
هل تحبيني ؟! وإن كان جوابكِ لا فها أنا آمرك أن تفعلي، أسألك الوقوع في حبي نغم، خوضي معي نِزالا نرفع فيه رايات العشق، ونعلن بعدها النتيجة النهائية.. كلانا فائزين .
هل تحبيني ؟! وإن كان جوابكِ لا فها أنا أتوسل إليكِ أن تفعلي، أحتاج لغيث حنانك يُسقي ظمأي ويروي عطش روحي ويُزهر قلبي المسكين.
هل تحبيني ؟! وإن كان جوابكِ لا فلقد حكمتِ على قلبي بالموت البطيء، وطعنتِ بداخلي كل شعور بالحياة، ودفنتِ هويتي التي اكتشفتها معكِ وبكِ وألقيتِ بي في غياهب النسيانِ .
حبيني نغم، هذا أمر واجب النفاذ.. لا خيار أمامكِ سوي أن تحبيني .
***
في منتصف الليل..
ترجل عمر من سيارته ، ودخل وهو يقاوم لكي يبدو متماسكًا، بالرغم من أنه الآن لا يشعر بقدميه، ولا يرى الأشياء أمامه بوضوح، فكل الأشياء أمامه تبدو أعدادا مضاعفةً، تمسك بسور الدرج وهم بالصعود ليتفاجأ بفريد أمامه إذ تساءل :
ـ كنت فين لحد دلوقتي يا عمر ؟!
كان عمر يقاوم لكي يخفي حالته المزرية عن فريد، وابتلع ريقه بتوجس وهو يخفي عينيه عن عيني أخيه وهو يقول بنبرة جاهد لكي تبدو متوازنة :
ـ كنت سهران شوية مع صحابي .
ـ سهران مع صحابك وفي ظروف زي دي في البيت ؟! إنت مفيش عندك دم ؟! هي اللي مخطوفة دي مش أختك ؟! واللي نايمة في المستشفى مش أختك بردو ؟! واللي قلبها مفطور وتعبانة جوة دي مش أمك ؟! للدرجة دي انت مستهتر ومفيش عندك أي إحساس بالمسؤولية ؟!
كان عمر يشعر بجفنيه يرتخيان رغما عنه، والمفرقعات النارية الآن تتقافز أمامه ، فحاول تجاوز فريد وهو يقول:
ـ أنا تعبان وطالع أنام ، الصبح نتكلم .
قاطع فريد طريقه وهو ينظر إليه وإلى حالته المريبة باستغراب وهو يقول :
ـ فيه إيه مالك مش مظبوط كده ليه ؟!
توجس عمر خيفةً وقال:
ـ مش مظبوط إزاي يعني ما أنا طبيعي قدامك أهو .
نزع فريد يده من جيبه ورفع وجه عمر إلى مستواه ليطالعه عن كثب ، وتساءل بفزع :
ـ عينيك حمرا كده ليه ؟! وإيه الحالة اللي انت فيها دي ؟!
زفر الآخر بضيق وهو يتجاوزه ويصعد الدرج وهو يقول:
ـ يووووه…. إنت هتفضل موقفني على السلم كده كتير وعمال تستجوبني ؟! محبكتش يعني تعمللي فيها أخ كبير الساعة ٤ الفجرر .
دخل غرفته فدخل فريد بعده وأغلق الباب وهو يتقدم منه بحدة ويقول:
ـ أنا أخوك الكبير في كل وقت وغصب عنك كمان ، إنت متهبب شارب إيه ؟!
خلع عمر قميصه وألقاه أرضا، وهو ينظر إلى فريد مدعيًا الثبات ويقول:
ـ مش شارب حاجة ، واتفضل بقا سيبني أنام ولما أقوم من النوم نتكلم .
رمقهُ فريد بازدراء وقال بصدمة :
ـ إنت مسطول ؟! تصرفاتك دي مش تصرفات حد طبيعي أبدا.. انطق وقول شارب إيه ولا واخد إيه ؟
تفاجأ فريد بعمر وهو يحتد عليه ويدفعه للخلف وهو يقول:
ـ ما خلاص بقااااا…. زهقت أنا من دور الناصح الأمين اللي عايشلنا فيه طول الوقت ده، حاول تجدد عشان منزهقش منك.. أقوللك ؟ روح رش كحول يلا ونام.. يلا بقا يا فريد مش طالباك دلوقتي.
أخذ فريد نفسًا طويلا حاول أن يتجاوز به ما قاله عمر ، وفجأه دفعه نحو الحمام بقوة وهو يقول :
ـ قدامي ..
حاول عمر الاعتراض ولكن فريد هدر به بقسوة :
ـ عَدي ليلتك يا عمر لأن أنا على أخري منك.. قدامي .
ودفعه للأمام مجددا، ثم فتح باب الحمام وأدخلهُ عنوة ، وأرغمه على وضع رأسه أسفل الماء البارد بالرغم من محاولات الآخر التملص والاحتجاج، ولكن فريد ثبت رأسه أسفل الماء وهو يقول بغضب؛
ـ راجع مسطول يا عمر ؟! دي أخرتها تسيب نفسك لشوية الضايعين اللي انت مصاحبهم دول يفسدوك.. الحق مش عليك، أنا اللي غلطان إني ممنعتكش منهم بالقوة، الكلام والنصح مش كفاية مع واحد زيك..
ابتعد عمر عن الحوض وهو ينظر إليه بثوران ويقول:
ـ إنت مالك بحياتي أصلا ؟! أنا كده كده فاشل وصايع ومعنديش هدف عايز أوصل له.. خليك انت بقا في شغلك وشركاتك .. أنا رُحت ولا جيت هفضل الابن الفاشل اللي ملوش مستقبل وانت الابن الناجح رجل الخير والكلام الحلو ده كله..
ـ والله محدش قاللك متنجحش.. انت اللي بتستسهل طريق الفشل..
ـ أيوة انت صح.. أنا فعلا…
وتوقف عن الكلام لبرهة ترنح فيها، ثم فجأة انحنى نحو الحوض وأخذ يتقيأ بقوة إلى أن تخلص من كل ما تحويه أمعائه ..
هنا أدرك فريد أنه سيبدأ في استعادة وعيه من جديد، لذا تركه وغادر الغرفة متجها إلى غرفته ، بينما وقف عمر يحاول جمع شتاته، فدخل إلى حوض الاستحمام وأخذ حماما باردا ينعشه، وخرج من الغرفة ووقف ينظر نحو الباب بتفكير، هل يخرج ويذهب إلى أخاه ويعتذر منه ؟ أم أنه لا يملك الشجاعة لفعل ذلك ؟!
وبعد حوار طويل مع نفسه قرر أن يذهب إلى الفراش ويغط في نومٍ عميق .
***

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية محسنين الغرام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى