روايات

رواية محسنين الغرام الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الجزء الخامس والعشرون

رواية محسنين الغرام البارت الخامس والعشرون

محسنين الغرام
محسنين الغرام

رواية محسنين الغرام الحلقة الخامسة والعشرون

ـ ٢٥ ـ
~ قفزة القط الميت !! ~
ـــــــــــــــــــــــــــ
ـ أنا اللي جاي أسألك ، وديت نغم فين يا ابن مرسال ؟!
أوضح حاجبا فريد المعقودين تعجبه، لأن الشر في عينيّ حسن لم يكن مصطنعًا أبدا، فتحدث بنبرة لا يثق بها:
ـ يعني إيه ؟؟ لما نغم مش معاك اومال فين ؟!
ـ والله ؟! عبيط أنا بقا عشان أصدق الشويتين دول مش كده ؟!
وشدد من قبضته على تلابيب قميص فريد وهو يقترب منه أكثر ويردف بنبرة هادئة معبأة بنيران الغضب:
ـ انطق وقول وديت نغم فين يا فريد ؟! أنا شايفها بعنيا دول في المستشفى امبارح واقفة مع أخوك.. راحت فين بقا ؟!
أبعد فريد يديّ حسن عنه بقوة وهو يطالعه بشر مماثل ويقول:
ـ المفروض أنا اللي أسألك، تفسر بإيه ظهورك واختفاء نغم في نفس الوقت ؟!
ـ أفسره بإنك خفيتها لما عرفت اني لقيتها عشان معرفش أوصلها، مش دي الحقيقة ؟! وعامل الحوار ده كله عشان أصدق إنك متعرفش مكانها، لكن لأ.. مش حسن العقرب اللي يضحك عليه ، ونغم هعرف طريقها وهوصلها حتى لو فين !!
وأردف وهو يستهدف عيني فريد بنظرات جحيمية:
ـ ومش هتعرف لا بفلوسك ولا نفوذك تاخد مني نغم .. عارف ليه؟! لأن نغم دي بتاعتي .. ملكي أنا وبس.
ـ نغم مش بتاعة حد.. نغم حرة نفسها وليها رأي وشخصية وتقدر تقرر هي عايزة تكون مع مين .
ابتسم حسن متهكمًا وقال:
ـ وانت فاكر بقا إن نغم هتختار تفضل معاك حبًا فيك مثلا ؟! نغم لو اختارتك هتختارك عشان الفلوس مش أكتر ..
ابتسم فريد ساخرًا من محاولاته المثيرة للشفقة، وأردف بصوت تملؤه الثقة :
ـ مش صحيح ، لأن ببساطة لو نغم كانت عايزة تفضل معايا عشان الفلوس كانت فضلت .. لكنها اختارت تمشي لما عرفت إنك عرفت مكانها.. عارف ليه ؟! لأنها بتكرهك ومش قادرة تتقبل فكرة إنها ممكن ترجع تعيش معاك من تاني.
اهتزت حدقتي حسن تزامنًا مع ارتجافة قلبه وقال يمني نفسه بما يقول:
ـ إنت موهوم. بتوهم نفسك إنها تكون فعلا بتكرهني وممكن تحبك إنت .. بس كل ده غلط.. نغم أنا اللي مربيها وزي ما بيقولوا كده مفاتيح قلبها معايا .
زفر فريد زفرةً مبتورة ساخرة ، وسأل حسن متعمدا هز ثقته المزعومة في نفسه :
ـ ولو زي ما بتقول كده ليه هربت منك ؟! وليه فضّلت تعيش مع ناس غريبة لا تعرفهم ولا يعرفوها على إنها ترجعلك ؟!
صمت حسن لثوان، فاستعد فريد للانصراف وهو يلقي إليه بثقة:
ـ متهيألي محتاج تراجع حساباتك يا حسن يا.. عقرب !
استدار فريد متجهًا نحو سيارته فاستمع إلى الآخر يهتف حانقًا بوعيد:
ـ نغم هترجع.. بالذوق بالعافية هترجع.. ومتلومش غير نفسك.
وسار نحو دراجته البخارية ، قادها وانصرف، بينما وقف فريد يدور حول نفسه في حلقة مفرغة ، ينظر هنا وهناك بتشتت وقلبه يعصف غضبًا وحقدًا ..
سار خطوات نحو سيارته، ثم أخرج هاتف نغم الذي عثر عليه بغرفتها وأخذ يتفحصه، المكالمات، الرسائل، كل تطبيق به علّه يتوصل لشيء يفيده، وقادهُ فضوله نحو تطبيق الصور، ليتفاجأ بصورة قد التقطتها لنفسها بواسطة الكاميرا الأمامية، حين كانت تجلس على الأرجوحة ، تسند يدها أسفل خدها وتميل برأسها للجانب، وشعراتها البنية تُكمل تفاصيل تلك اللوحة الفنية خلفها، بينما هي تتصنع العمق وتضيق عينيها بطريقة لذيذة وكأنها ترسل نظرات كالسهام لمن يواجهها.
دق قلبه بقوة وهو يتفحص الصورة عن قرب، ثم قام بتكبيرها وأخذ يمعن النظر بها أكثر..
في تفاصيلها كل التناقضات..
البراءة والجموح، الأمان والخطر، الهدوء والصخب، الرصانة والعبث، الحزن والفرح ، الرضا والتذمر، السكينة والقلق، الحيرة والرُشد، التمرد والاستسلام.
إمرأة تجمع من التناقضات ما يجعل العقل كثير الهذيان.
تنهد تنهيدة ضاق بها صدره، ثم أعاد الهاتف إلى جيبه وتحرك عائدا نحو المشفى على أمل أن تكون قد عادت .
***
كانوا جميعا يلتفون حول نسيم .. چيلان، نادية، زينب، وعمر ..
ـ حمدالله على سلامتك يا حبيبتي.
قالتها نادية بابتسامة ، فتلقتها نسيم بهدوء وهي تقول:
ـ الله يسلمك..
وصمتت لثوان ثم تساءلت :
ـ فين چوليا ؟!
ظهر التوتر على وجه نادية حيث قالت:
ـ جوليا تعبانة شوية وأكيد هتيجي عشانك، بس هي كل شوية بتسألني عليكي وبطمنها بالموبايل.
أومأت نسيم بغير اقتناع، فهي تعرف أن چوليا لم تكن لتتخلف عن رؤيتها والوجود بجوارها الآن حتى لو كانت مريضة، هي تعرف أنها من الممكن أن تتحامل على كل شيء من أجلها، إذًا هناك شيئا غريبا قد حدث !!
جذبها من عمق شرودها صوت عمر الذي قال بابتسامة واسعة:
ـ حمدالله على سلامتك يا نسومه..
ابتسمت نسيم بوهن وهي تطالعه، ثم قالت:
ـ الله يسلمك يا عمر .
ـ الحمدلله الدكتور طمنا عليكي وقال مش هتحتاجي تدخلي عمليات تاني.
أومأت بارتياح ونظرت نحو زينب التي كانت ترمقها بحب بالغ وقالت لما رأت الدموع تتأرجح في مقلتيها:
ـ مالك يا زينب ؟!
اقتربت منها زينب وأخذت تمسح على شعرها بحنانٍ بالغ وهي تقول:
ـ سلامتك يا حبيبتي ، الحمد لله إننا اطمنا عليكي، ربنا ما يحرمنا منك يا بنتي .
ابتسمت نسيم وحركت رأسها وشردت، كانت عينيها ممتلئة بالدموع، وفي لحظة غادرة جاء فيضانًا من قلبها فجعلها تتدفق بهوادة وهي تتذكر تلك اللحظات التي قضتها ما بين خوفٍ وتوتر قاتل، لينتهي بها المطاف أسيرةً لخوفها، مستسلمةً له.
جذبها مرة أخرى صوت عمر الذي قال بتعبيرات منفتحة ونبرة صوت مرتفعة دليل على حماسه المفرط:
ـ هي نغم مجتش ليه النهارده ؟!
ونظر إلى نسيم قائلا :
ـ على فكرة نغم هي اللي نقلت لك دم يوم الحادثة، وفضلت معاكي هنا في المستشفى علشان لو احتاجوا نقل دم تاني.
تعجبت نسيم ما قاله وبدا عليها الاهتمام حين قالت:
ـ معقولة ؟!
هنا برز صوت چيلان التي أرادت تشتيتهم عن ذكر سيرة نغم، فقالت بصوت مضطرب:
ــ هو فين أنكل سالم ؟!
حدجتها أمها بنظرات ساخطة فالتزمت الصمت مجددا، بينما ربتت نادية على يد نسيم وهي تقول:
ـ حمدالله على سلامتك حبيبتي مرة تانية، أنا هسيبك دلوقتي أنا وچيلان وهنرجعلك وقت تاني .
أومأت نسيم ، هي بالفعل تعرف أن زوجة والدها لا طاقة لها على التعامل بكل ذلك الود لفترات طويلة، بالأساس هي تفاجئت من وجودها اليوم .
غادرت نادية وهي تسحب يد چيلان للخارج، وما إن أغلقت الباب خلفها حتى قالت:
ـ انتي غبية ؟! بتسأليها عن باباها وانتي عارفة إنها عملت كده بسببه أصلا ؟!
هزت چيلان كتفيها بلا اكتراث وهي تقول:
ـ عادي يا مامي، سؤال عفوي مش أكتر .
تنهدت نادية بانزعاج وقالت:
ـ طيب يلا.. خلينا نرجع البيت ونشوف أختك.. انتي عارفة لما بنغيب عنها بتعمل كوارث.
نزلت چيلان برفقة والدتها، وعند خروجهما من البوابة تفاجئت بسالم يجلس شاردا، وليس كعادته حين يجلس واثقا متأهبا، لا. بل كان يبدو وكمن غرق في بئرٍ عميق ليس له آخر .
اتجهت نحوه ووقفت أمامه وهي تقول:
ـ سالم، انت كويس ؟!
نظر إليها بهدوء، ولم تظهر عليه أي انفعالات، ثم أومأ محاولا اظهار العنفوان الكامن بداخله وقال:
ـ أيوة .
ـ طيب مش هتطلع تشوف نسيم ؟!
هز رأسه نافيًا، ثم قال:
ـ لأ.. مش هعرف.
ونظر إلى نادية وأقرّ بما في قلبه وقال:
ـ مش هقدر.
تفهمت بعضًا مما يضمره، على الأقل تفهمت شعوره بالذنب والندم، ولكن كعادة سالم لا يجود بكل ما بداخله أبدا.
نهض وقال:
ـ انتوا راجعين على البيت ؟
أومأت بموافقة فقال:
ـ طيب يلا أنا جاي معاكم.. حاسس إني تعبان ومحتاج أرتاح .
ـ طيب مش هتستنى الدكتور يطمن عليك ؟!
ـ لأ مش لازم.. أنا هبقا أخلي دكتور باسم يجيلي البيت.
سار معهما للخارج، واستقل سيارته بجواره منصور، فاستقلت نادية سيارة چيلان واتجهوا جميعا إلى الڤيلا.. تزامنًا مع وصول فريد .
***
ـ عرفتي هتعملي إيه ؟!
تساءلت عائشة بتوتر، فأومأت نهال وهي تقلب عينيها بنفاذ صبر وقالت:
ـ والله فهمت، أقسم بالله فهمت.. هروح الڤيلا.. هسأل عن نغم وهقوللهم إني واحدة صاحبتها ومعايا ليها أمانة لازم هي بنفسها اللي تستلمها، وأول ما تخرجلي هقول لها إنك عاوزة تشوفيها وهجيبها وأجي على الكافتيريا اللي على أول الشارع ، ولما نوصل هرن لك على تليفون البيت تنزلي تقابلينا. هاا حافظة ولا لأ.
تنهدت عائشة برضا وقالت:
ـ الله ينور .. يلا اتكلي على الله .. وأول ما توصلي عرفيني حصل معاكي إيه .
خرجت نهال وهي تزفر بنفاذ صبر وتقول:
ـ يا ساتررر … ولية زنانة ، والله لولا حسن ما كنت صبرت على زنّك .
ونزلت درجات السلم وهي تتمتم متسائلة:
ـ هروح فين دلوقتي ؟!
خرجت، ثم توجهت نحو كافتيريا تقع على بعد خطوات من البيت، وجلست بها، بالطبع لن تذهب الى حيث تتواجد نغم، فهي تعرف أن نغم إن رأتها ستشرب من دمها بعد ما فعلته بها عندما نصبت لها فخًا وأحضرتها إلى بيتها بالحيلة لكي تلتقي بحسن ، إضافة إلى أنها ليس من صالحها أن تعود نغم إلى البيت، حينها سيلقي بها حسن إلى الشارع بدون تردد، ولا تستبعد أن يكون هذا هو نفس رد فعل عائشة، لأنها حينها ستكون قد حصلت على غايتها بعد عودة نغم ، فلمَ ستُبقي عليها بعد ؟!
طلبت مشروب المانجو، وجلست تتأمل المكان من حولها وهي تتمتم لنفسها:
ـ صحيح مراية الحب عامية، فيها إيه نغم زيادة عني عشان الغبي حسن يتعلق بيها بالشكل ده وأنا اللي طول عمري أتمنى له الرضا يرضى مش طايق يبص في وشي حتى ..
وتنهدت واستطردت:
ـ الدنيا حظوظ على رأي اللي قال. .ونغم هانم مش ملاحقة.. الحظ بيجري وراها بالمشوار ، اشي حسن واشي فريد .. وأنا هنا مش طايلة رجل كنبة حتى .
وظلت ترغي وتزبد، تطلب مشروبًا تلو الآخر، إلى أن مر قرابة الساعتين، فعادت إلى البيت ، دخلت فهرولت نحوها عائشة بلهفة وتساءلت:
ـ إيه ؟! ملقيتيهاش ؟!
هزت نهال رأسها بهدوء حزين وهي تقول:
ـ لأ لقيتها .
قطبت عائشة جبينها واقتربت منها وهي تقول:
ـ وقابلتيها ؟!
تنهدت وهي تسير نحو الأريكة وتتهاوى فوقها ، ثم قالت:
ـ ويا ريتني ما قابلتها .
ابتلعت عائشة ريقها بارتباك وقالت:
ـ ليه مالها ؟! فيها إيه ؟!
ـ مالها ؟! مالهاش يا خالتي .. إحنا الي مالنا ..
ـ يا بت انطقي متسيبيش أعصابي .
نظرت إليها نهال وأردفت بحنق:
ـ الهانم عايشة عيشة الهوانم ولاد الذوات.. رفضت حتى إني أدخل أقعد معاها جوة، قابلتني من على البوابة زي ما أكون رايحة أشحت منها، وقالتلي جاية ليه يا نهال، قولتلها جايبالك رسالة من خالتي، راحت رد بنرفزة كده وقالتلي خالتي وخالتك واتفرقوا الخالات، أنا مش عايزة أسمع رسايل من حد، و بلاش تجيلي هنا تاني أنا ما صدقت لقيت عيشة نضيفة وناس تشرف أعيش معاهم.
بهتت ملامحها وارتجفت أطرافها بقوة، لم تتوقع أن تتنصل منها نغم بتلك الطريقة، وتذكرت المرة السابقة عندما ذهبت للبحث عنها وعاملها حرس البوابة بنفس العجرفة حتى أنه كاد يتصدق عليها ظنًا منه أنها متسولة.
سالت دمعاتها بقهر، وابتلعت ريقها وهي تقول:
ـ هي قالت لك كده ؟!
أظهرت نهال من الحزن الزائف ما يكفي، وقطرت بعض دموع التماسيح من عينيها اللئيمتين وهي تقول:
ـ أيوة.. نغم اتغيرت أوي يا خالتي.. مبقتش دي نغم اللي نعرفها، الفلوس غيرتها .
انفرج الباب ودخل حسن، فجففت عائشة دمعاتها سريعا وكذلك نهال، فنظر إليهما حسن وهو يقول بملامح مكفهرة:
ـ خير ؟! مالك ياما ؟!
ـ مفيش يا حبيبي، سلامتك أنا كويسة .
أومأ بضيق، وتوجه نحو غرفته مباشرة ، فأشارت عائشة بالصمت إلى نهال وقالت بصوت خافت:
ـ اوعي حسن يعرف حاجة عن الكلام ده ، انتي سامعة ؟!
أومأت نهال بطاعة وقالت:
ـ ولا تخافي يا خالتي عيشة ، سرك في بيرك .
***
كان فريد يجلس بجوار نسيم ، مميكًا بيدها وهو يتأملها في صمت ، وفي الجهة الأخرى يجلس عمر ممسكًا باليد الأخرى ولكن صمتهما أضجرهُ فقرر أن يقطعه فقال:
ـ هي فين نغم يا فريد ؟! ليه مش ظاهرة النهارده ؟!
تنهد فريد بضيق بالغ وقال:
ـ نغم مشت.
ـ نعم ؟! مشت إزاي ؟!
ـ مشت يا عمر ، سابت البيت ومشت .
نظرت إليه نسيم متفاجئة وقالت:
ـ وراحت فين ؟!
ـ مش عارف، مشت فجأة من غير ما تبلغ حد إنها ماشية، وسابت هدومها والموبايل وسابت كل حاجه.
ـ إيه الجنان ده ؟! تساءل عمر .
فأومأ فريد مؤكدا وقال:
ـ هي فعلا مجنونة .
وفجأة تذكرها وهي تسألها عن اسمه ثم قبّلته، فابتسم بخفة وأردف:
ـ مجنونة جدا كمان .
تنهدت نسيم بضيق وقالت:
ـ يا ترى راحت فين ؟! معقول تكون افتكرت أهلها ورجعت لهم ؟!
التزم فريد الصمت بينما طقطق عمر بشفتيه وهو يقول:
ـ معتقدش ، الموضوع فيه إن .
هنا طُرق الباب ثم دخلت زينب، التي نظرت إليهم بارتباك فقال فريد:
ـ خير يا زينب ؟
لتجيبه بصوت قلق:
ـ فريد بيه ، في مشكلة في الڤيلا، سالم بيه كلمني وهو منفعل جدا ومتعصب.
ـ مشكلة إيه ؟!
ـ مش عارفه بالظبط بس هو طلب مني أرجع على الڤيلا دلوقتي حالا وأبلغك تيجي انت وعمر بيه.
قطب جبينه وتهاوى قلبه إلى جوار قدميه بخوف، ثم نهض وهو ينظر إلى نسيم قائلا:
ـ متقلقيش يا نسيم أكيد مشكلة بسيطة هنحلها ونرجعلك.
أومأت الأخرى بخوف مماثل، وأسندت رأسها على الوسادة من خلفها بتعب، وأخذت تنظر في أثرهم بشرود .
***
عاد كلا من فريد وعمر وزينب إلى الڤيلا، وأسرعوا بالتوجه نحو الصالون حيث ينتظرهم سالم.
دخلوا ليتفاجئوا بوجود نادية وچيلان وحتى چوليا التي أصر سالم عل وجودها، وجميع العاملين والعاملات بالمنزل.
ـ في إيه ؟!.
تساءل فريد متعجبا، فنظر إليه والده وقال:
ـ في مصيبة، في كارثة، الخزنة بتاعتي اتسرقت !!
قطب كلا من فريد وعمر جبينهما بتعجب، وردد فريد باستهجان:
ـ اتسرقت ؟! إزاي ده حصل ؟!
ـ ما هو ده اللي أنا جمعتكم عشانه، إني أعرف ازاي ده حصل! يعني إيه أغيب عن البيت يوم واحد أرجع ألاقي خزنتي مسروقة ؟! ومين اللي اتجرأ وعمل كده أصلا ؟!
ابتلعت چيلان ريقها بتوتر وخوف من نبرته الجهورية الغاضبة، بينما نطق عمر مذهولا :
ـ معقول نغم ؟!!
توجهت حوله كل الرؤوس، بينما حدق به فريد بذهول وقال:
ـ ايه اللي انت بتقوله ده يا عمر ؟! ونغم هتسرق الخزنة ليه ؟!
ـ أومال تفسر بإيه إختفائها المفاجئ ؟! هو أنا مش قولتلك الحكاية فيها إنّ ؟! أكيد سرقت الخزنة وهربت .
تنهدت چيلان براحة نسبية لأن شقيقها الأحمق قد تعاون معها دون اتفاق مسبق ، ونظرت إلى فريد الذي أخذ يطالعه بغضب وهو يقول:
ـ أكيد لأ، نغم مش ممكن تعمل كده .
تحدث سالم قائلا :
ـ اختفائها ؟! ليه هي راحت فين ؟!
تحدث عمر قائلا:
ـ فريد بيقول مشت فجأة ومن غير ما تبلغ حد..
مط سالم شفتيه بحيرة، ثم قال:
ـ البنت دي لازم ترجع بأي طريقة، لو هي اللي سرقت الخزنة فعلا مش هتعدي منها بالساهل، دي سرقت فلوس وورق مهم ومجوهرات تمنها بملايين..
زفر فريد وهو يمسح على وجهه بضيق ويقول:
ـ مستحيل تكون نغم اللي سرقت الخزنة.
تساءل سالم متهكما:
ـ وإيه اللي مخليك متأكد كده ؟
تحدث فريد بنبرة دفاعية فقال:
ـ لأني شفتها في الكاميرات اللي متركبه على البوابة وهي خارجة بالليل ومش واخده معاها اي حاجه، دي حتى سابت هدومها وكل الحاجات اللي حضرتك اشتريتها لها يعني لو هي عايزة تسرق الخزنة زي ما حضرتك بتقول كان أولى انها تاخد الهدوم والاكسسوارات اللي بآلاف مؤلفة هي ماشيه ، لكن معملتش كده.. وبعدين أنا متأكد إنها خارجه فاضيه هتكون حطت ورق كتير وفلوس ومجوهرات كتيرة زي دي فين ؟! كانت لابسه طاقية الإخفا مثلا ؟!
هنا نطقت چيلان التي نفذ صبرها وقالت:
ـ مش شرط تكون هي اللي خدتهم ، ممكن تكون كانت متفقة مع حد وهربت له الحاجة وبعدين هي مشت.
تحدث إليها فريد بغضب وضيق:
ـ ممكن تسكتي انتي ؟! لو هنشك في حد يبقا كل الموجودين موضع شك مش نغم بس..
هنا تحدثت نادية بانزعاج من حديثه وقالت باستهجان:
ـ تقصد إيه بكلامك ده يا فريد ؟! إن إحنا كمان متهمين بالسرقة ؟!
نظر إليها فريد بقوة وأردف:
ـ أقصد إن كل اللي في الڤيلا مدانين لحد ما تثبت براءتهم أو يثبت مين بالظبط اللي سرق ، غير كده كلنا وأنا أولكم هنفضل متهمين بالسرقة .
جذبهم صوت سالم الذي كان يراقب انفعالاتهم واحدا تلو الآخر بدقة وهدوء، ثم نطق وقال:
ـ فريد كلامه مظبوط ، الكل متهمين لحد ما يثبت العكس ، ودلوقتي اتفضلوا.. كل واحد منكم أو واحدة يعمل اللي عليه وأكتر كمان لحد ما نوصل للسارق الحقيقي.. مش سالم مرسال اللي يتسرق في بيته على آخر الزمان .
انفضوا جميعهم من حوله، وأولهم كان فريد الذي توجه إلى غرفته وهو يرغي ويزبد من فرط الغيظ، دخل وأغلق الباب خلفه وأخذ يذرع الغرفة ذهابا وجيئة وهو يضرب بقبضته راحة اليد الأخرى وهو يقول:
ـ مش ممكن نغم تكون عملت كده .. مستحيل .
وجلس على الأريكة وأسقط رأسه بين كفيه بضيق وانهزام ، ومل شاردا قرابة النصف ساعة ، إلى أن استمع إلى صوت طرقات على الباب ومن ثم دخلت زينب التي قالت:
ـ فريد بيه ، الباشا عايزك.
***
دخل فريد إلى غرفة والده وهو متحفزا لجدال طويل لا يمكنه توقع من الفائز في نهايته، ونظر إلى والده الذي يجلس على مقعده كالسلطان على العرش، يسند يديه على ذراعي المقعد بثبات، ثم أشار لفريد برأسه أن يتقدم.
اقترب منه فريد وجلس على المقعد المقابل له وقال بضيق واضح:
ـ اتفضل.. حضرتك طلبتني .
ـ أيوة.. بصراحة كنت ناوي أأجل كلام معاك في الموضوع ده ليوم تاني ، لكن لما لقيتك مضايق بالطريقة دي قلت بلاش.
قطب فريد جبينه متعجبا وسأله:
ـ موضوع إيه ؟
ـ سرقة الخزنة .
ـ مش نغم اللي سرقت . قالها فريد بإصرار .
وأذهلهُ إيماءة والده الذي قال:
ـ عارف .
اتسعت عينا فريد بصدمة وقال:
ـ عارف إزاي ؟!
ـ أبوك عارف كل حاجة.
قالها سالم بثقة وأردف:
ـ لأن أولا.. رقم الخزنة هو تاريخ تأسيس الشركة ، وده محدش يعرفه غير المقربين جدا.. زيك انت ونادية وچيلان وعمر، ثانيا لأن محدش أصلا يعرف إن رقم الخزنة هو تاريخ تأسيس الشركة.. فهنا مفيش غير تفسير واحد.. إن اللي فتح الخزنة دماغه شغالة وقدر يخمن طريقة تفكيري .. والحقيقة التفسير ده أذهلني أنا شخصيا .
وتنهد بتروٍ ثم تابع:
ـ ثالثا بقا والأهم من ده كله.. إن في كاميرات في الأوضة.
اتسعت عينا فريد عن آخرهما وتساءل بلهفة:
ـ مين اللي سرق ؟!
أخذ سالم شهيقًا ثم قال:
ـ چيلان .
لم تزل الصدمة عن ملامحه، بل ازدادت أكثر، واختلطت الأمور برأسه أكثر وشعر بالتشتت، فاعتدل بموضعه وهو يتساءل متحققا:
ـ حضرتك متأكد ؟!
أومأ سالم مؤكدا وقال:
ـ أيوة .. أول ما دخلت الاوضة ولقيت الخزنة مسروقة أول حاجه عملتها أني راجعت الكاميرات، والحقيقة اتفاجئت.
ـ طيب وليه جمعتنا كلنا تحت مع إنك عارف ٱنها چيلان .
ـ لسببين.. أولهم إن لازم محدش يعرف إن في كاميرا في الأوضة، وتاني سبب .. إني لازم أعرف هي وراها ايه بالظبط وليه عملت كده وأقدر أجيب آخرها ..
تنهد فريد بقوة وهو يردف بضيق:
ـ أفهم من كلامك إنك مش هتعرفها انك عرفت ؟!
ـ مش دلوقتي ، لازم أصبر شوية لحد ما أكشف الملعوب اللي بتحاول تعمله .
تريث فريد لثوان ثم قال:
ـ بس أنا مش موافق إن الشكوك كلها تفضل متوجهة ناحية نغم، حرام هي ملهاش ذنب .
أومأ سالم وهو يكافح ابتسامة عابثة كادت تشق طريقها إلى شفتيه وقال:
ـ هيحصل .
ـ إزاي ؟!
ـ متشغلش بالك أنا هتصرف.
تنهد وأومأ بموافقة وقال:
ـ وليه مش عايز حد يعرف إن في كاميرات في الأوضة ؟!
ـ لأن ببساطة مينفعش تدي الأمان الكامل للي حواليك ، خصوصا نادية وبناتها . وأهو ظني طلع في محله .
هز فريد رأسه يدعم كلام والده ، ثم قال:
ـ حضرتك بتفكر في ايه دلوقتي ؟!
ـ كل حاجه لازم تمشي طبيعي ، جيلان لازم تفضل مطمنة إنها متكشفتش، لازم نفهم هي عملت ليه كده ؟!
ـ معقولة سرقت الورق لصالح حد ؟! حد من أخصامنا في السوق أقصد ؟!
مط سالم شفتيه وأردف:
ـ كل شيء جايز، على كل حال الورق اللي معاها ده تبله وتشرب ميته، الورق الخاص بالشغل في المكتب تحت ومتأمن كويس .. بس أنا عندي تخمين تاني هو الأقرب للواقع .
غضن فريد جبهته وهو يعد على أصابعه بلا وعي ويهز قدميه بتوتر بالغ وقال:
ـ إيه هو ؟!
فأجابه سالم بهدوء يعكس ثقة وحِنكة مفرطة:
ـ چيلان عملت كده عشان تتهمها في حد تاني ..
ـ زي مين مثلا ؟!
رفع سالم حاجبه ومط شفتيه مدعيًا عدم المعرفة، فأخذ فريد يبحث عن إجابة إلى أن قال:
ـ تقصد نغم ؟!!!!
ليجييه والده بتروٍ :
ـ كله هيبان .
هز فريد رأسه مؤيدا ، ثم نهض وغادر من غرفة والده إلى غرفته، دخل وتوجه إلى الحمام، أخذ حماما دافئا وخرج ليستلقي على فراشه بإرهاق، وأخذ يحدق في نقطةٍ وهمية بشرود..
كان فخورا بنفسه جدا في تلك اللحظة لأنه لم يشك بنغم ولم يندفع كما فعل أخاه الذي يدّعي اعجابه بها.
وتنهد باستياء عند ذلك الحد.. يعرف أن أخاه متهورا، طائشا وهوائيا، ويعرف كذلك أنه من الممكن أن يكون قد قال ما لا يعنيه فعليا، لأن عمر كثير اللغو بطبعه، ولكن بالرغم من ذلك يشعر بالقلق والضيق ، وشيئا ما بداخله ينذره أن شيئا ما لا يبشر بالخير قادم .
زفر وهو يحك جبهته بعدم ارتياح، ثم مال نحو الكومود والتقط هاتف نغم، فتح تطبيق الصور وأحضر صورتها، ثم أخذ يتفحصها مرات متعددة ولا إراديا وجد نفسه يُقرب الهاتف من فمه ثم طبع قبلةً فوق صورة نغم وكم تمنى في هذه اللحظة أن تكون هي أمامه الآن لكي يمنحها قبلةً يبث بها شوقه وقلقه وكل ما يعتريه صدره المتأجج بنيران لا تخمد .
***
في المساء..
وقفت چيلان أمام المرآة تستعد وهي تدندن مقطعًا من أغنية أجنبية، وأخذت تطالع هيئتها بحماس، حيث ارتدت سروالا من الجينز بخصر مرتفع، وفوقه بلوزة باللون الأبيض بفتحة صدر طويلة، ثم وضعت قرطيها ورشت من عطرها المميز وهي تبتسم لانعكاسها في المرآة، وأخيرا انتعلت حذائًا رياضيا مناسبا وخرجت.
مرت في طريقها بغرفة چوليا، طرقت الباب ودخلت فوجدتها مستلقية بفراشها كالعادة، تطالع صورا جمعتها بشريف، وتبكي.
تنهدت چيلان بيأس، واقتربت منها ثم سحبت من يديها الهاتف بغتةً وشرعت في حذف الصور وهي تقول:
ـ ارحمي نفسك بقا واخرجي من الحالة اللي انتي فيها دي.
ـ هاتي الموبايل يا چيلان وسيبيني في حالي .
ـ أسيبك في حالك إزاي ؟! هو إحنا مش اتفقنا إنك هتساعديني عشان تفوقي بقا وتعملي skip للتجربة الزفت دي.
أغلقت چوليا عينيها بملل وانزعاج وهي تقول:
ـ أنا حرة.. أفوق مافوقش أنا حرة.. هاتي الموبايل وبطلي سخافة .
نظرت چيلان إلى الهاتف حيث أن عداد حذف الصور لا يتقدم نظرا لكثرة الصور، وزفرت بضيق وهي تقول:
ـ كل دي صور ؟!
ـ وانتِ فاكرة يعني لما تمسحي الصور هقدر أنساه؟! أنا اللي رابطني بشريف أكبر من شوية صور وكلام تافه زي ده، أنا اللي رابطني بشريف قلبي يا چيلان..
وتابعت وهي تبكي باستسلام:
ـ روحي متعلقة بروحه، مش قادره أطرده من جوايا ، صدقيني حاولت بس معرفتش، أنا مش قادرة أكرهه بالرغم من اللي عمله فيا، مش قادرة أتخيل نفسي مع حد غيره، ولا أتخيله مع واحدة غيري، وكل ما بتخيل إنه ممكن يتجوز غيري ببقا هتجنن..
زفرت چيلان وهي تسند جبهتها على راحة يدها وتقول بيأس:
ـ چوليا حبيبتي ، لازم نروح لدكتور يا بيبي ونتكلم معاه، مش هتقدري تخرجي من الحالة اللي انتي فيها دي من غير مساعدة دكتور صدقيني، وإنتي لازم تخرجي من الحالة دي في أسرع وقت، انتِ ناسية انتي مين ؟! إنتِ چوليا عبدالعزيز ، أصغر وأشطر بيزنس وومن.. عندك البيزنس بتاعك والكارير اللي لازم تحققيه.. لازم تقفي على رجليكي من تاني وتثبتي للكل وأولهم شريف إنك مش ضعيفه، وإنك لما بتقعي بتقومي أجمد وأقوى من الأول، لازم تبدأي من جديد وتنجحي وتثبتي له إنك مش ضعيفة وانه مقدرش يكسرك.
ارتمت چوليا في أحضانها بانهيار وهي تبكي وقالت:
ـ مش قادرة يا چيچي.. قلبي واجعني..
أخذت چيلان تمسد على ظهرها وتقول:
ـ سلامتك يا حبيبتي ، هتقومي منها أنا واثقة..
ـ شريف واحشني يا چيلان.. نفسي أكلمه.
زمت چيلان شفتيها بأسى ويأس وقالت:
ـ هتنسيه يا حبيبتي ، كل ادمان ولازم يكون له أعراض انسحاب.. وانتي دلوقتي بتمري بالفترة دي.. كل اللي انتي فيه ده أعراض انسحابية وهتخفي منها متقلقيش.
ـ نفسي أسمع صوته حتى.. هو ليه عمل فيا كده .
ـ أنا معاكي ومش هسيبك.. أما جنبك يا حبيبتي متقلقيش.
ظلت تشكو إليها والأخرى تهدئها، تربت عليها وتسكّن آلامها، تمنحها أملا في القادم هي نفسها لا تثق به، وترسم لها فجرًا منيرًا حتمًا سيسطع نوره ذات يوم .
هدأت أخيرا واستكانت، ثم اعتدلت بفراشها وأغمضت عينيها بإرهاق، فربتت چيلان على رأسها وطبعت قبلة حانية على خدها، ثم نهضت وغادرت الغرفة.
خرجت من الغرفة فالتقت بفريد الذي كان يغادر غرفته بدوره، فابتسمت بلطف وهي تقترب منه وتقول:
ـ هاي فريد ..
ـ هاي چيچي ..
رفعت حاجبيها وازدان وجهها بابتسامة عريضة ، ثم سارت بجواره في طريقهما نحو الدرج وهي تقول:
ـ رايح المستشفى ؟
أومأ باقتضاب فقالت:
ـ ممكن آجي معاك ؟!
ـ للأسف مش هينفع، ورايا مشوار ضروري لازم أعمله قبل ما أروح المستشفى.
تنهدت باحباط وأومأت بموافقة، فسبقها وهو يلقي اليها:
ـ سي يو..
ـ باي.. سي يو .
قالتها بحماس وهي تبتسم بسعادة غامرة، ثم توجهت نحو سيارتها، استقلتها وخرجت من الڤيلا.. سار فريد يمينا بينما هي انحرفت يسارا في طريقها نحو المشفى، ومن فرط الحماسة والشغف قامت بتشغيل كاسيت السيارة على ألحان أغنية أجنبية وأخذت تدندن معها إلى ما يقرب من ربع ساعة، وفجأة.. توقفت بغتةً عندما قطعت طريقها سيارة سوداء، ونزل منها رجل طويل القامة كان ملثمًا، فتح الباب السيارة المجاور لها وأسرع برش بخاخ مخدر أمام وجهها ففقدت وعيها في غضون لحظات، فاقترب منها وحملها وقام بنقلها إلى سيارته سريعا، وانطلق بها وكأن شيئا لم يكن .
***
بعد مرور ساعة .
كانت عائشة تجلس بغرفتها، ممسكةً بصورة نغم تطالعها بحسرة وهي تبكي وتقول:
ـ كده يا نغم ؟! هي دي أخرتها ؟! بتتعري من خالتك ؟! بس معلش.. الصبر جميل ، وأنا واثقة إنك هتلفي تلفي وترجعي لحضني من تاني.. بس وقتها مش هسامحك يا نغم، مش هسامحك لأنك كسرتيني .
وأجهشت بالبكاء بمرارةٍ، ثم قالت وهي تتلمس بأناملها معالم وجه نغم الطفولية باشتياق جارف:
ـ لأ هسامحك .. لو جيتي وخدتك في حضني هسامحك وهنسى كل حاجه لأنك بنتي، والأم مهما ولادها يعملوا فيها لازم تسامحهم.
جذبها صوت نقاش حاد بالخارج ، فتعجبت لأنها تعلم أن نهال بمفردها ، فأسرعت تعيد البوم الصور حيث كان، ثم غادرت الغرفة لتصاب بصدمة عندما رأت حسن وهو يحمل فتاة على كتفه ويدنو بها نحو غرفته ..
ـ يا مصيبتي، مين دي يا حسن ؟!
دخل إلى غرفته ووضع چيلان على فراشه ، ثم استقام وهو ينظر إليهم قائلا:
ـ مش شغلكوا .. دي أمانة عندنا لحد ما ترجع نغم..
تقدمت منه والدته وهي تقول بخوف :
ـ أمانة إيه وكلام فاضي إيه ؟! دي مين يا حستدن وجبتها هنا إزاي ؟! وبعدين مالها كده هي ميتة ؟!!
نظر إليها ورفع حاجبه وقال:
ـ ده منظر واحدة ميتة ؟! ولو ميتة هجيبها لكوا هنا ليه ؟! دي متخدرة بس، دلوقتي تفوق وتلاقوها بتتلعبط زي السمك في الميا.
ـ انطق وقوللي مين دي ؟! وجبتها هنا إزاي ؟! حد شافك من سكان العمارة ولا الجيران وانت طالع؟
ـ متقلقيش أنا كنت مأمن نفسي كويس ودخلت من باب المنور.. على العموم متقلقوش هي شوية وهتفوق .
كانت نهال منشغلة بتفحص تلك الفتاة الجميلة فريدة الملامح أمامها، بينما حسن قد فر هاربا من أمامهما لتسرع والدته باللحاق به وهي تقول بتصميم:
ـ مش هتمشي قبل ما تجاوبني.. مين دي يا حسن ؟!
علم أنها لن تتراجع، فنظر إليها بقوة وأردف :
ـ أخته ، ارتحتي كده ؟!
ابتلعت ريقها بتوتر وتساءلت بخوف شديد:
ـ أخت مين ؟!
ـ فريد مرسال.. البيه اللي نغم بتتحامى فيه مني ومستخبية عنده.
شعرت بالدوار يلف رأسها فجأة، فأمسكت بذراعيه وقبضت عليهما بقوة وهي تقول بذهول:
ـ أخت فريد مرسال ؟! إنت متأكد إنها أخته ؟!
أومأ وهو يقول بقلق:
ـ في إيه مالك ؟!
شعر أنها ستفقد وعيها، فأسرع يتشبث بها جيدا ثم قال:
ـ تعالي ياما ارتاحي.. مش عارف أنا كل ما بجيبلك سيرة الواد ده بيحصل لك كده ليه !!
ساعدها للارتكاز على الأريكة وجلس بجوارها وهو يقول بقلق:
ـ قوليلي مالك ؟! أخدك المستشفى ؟!
ـ قوللي.. إنت متأكد إنها أخته ؟!!
ـ أيوة متأكد إنها أخته زي مانا متأكد إنك واقفة قدامي كده .
ابتلعت ريقها بتوجس وأردفت:
ـ جايز أخته من الأم ؟!
قطب جبينه بحيرة وقال:
ـ من الأم ولا من الأب إحنا هننقي ؟! وبعدين انتي هتلخبطيني ليه أنا متأكد إنها أخته من أبوه.
ـ ليه يبني ؟ بتعمل فينا وفي نفسك كده ليه ؟!
ـ لأن نغم لازم ترجع ياما..
ـ تقوم تخطف أختـ ….
ـ أيوة أخطف أخته.. وأخطف عيلته كلها لو لزم الأمر ، أنا مش هسكت ومش هحلهم غير لما يرجعولي نغم .. خلصانة ياما عشان منتكلمش كتير .
ونهض وهو يشير إلى الغرفة ويقول:
ـ خدي بالك دي أمانة عندنا خلي بالك منها، ومتسيبيهاش لوحدها مع البومة اللي جوا دي أنا مش ضامنها بصراحة..
وأضاف وهو يفتح الباب ويخرج:
ـ أنا ورايا شغل ضروري ، ساعة وراجع.
ـ دي مش أخته لوحده.. دي أختك كمان يا حسن ..
قالتها وهي تدفن وجهها بين كفيها وتجهش في بكاءٍ مرير، وتردد:
ـ وبعدين يا عيشة؟ مستنية إيه تاني يحصل ؟! مستنية إيه عشان تهزمي خوفك بقا وتتكلمي وتقولي له على الحقيقة ؟! أهو عادى أخوه وخطف أخته.. مستنية لما واحد منهم يموت التاني ؟!
وصمتت.. ثم أخذت تجيب تساؤلاتها قائلة:
ـ لأ مقدرش… حسن لو عرف مش هيسامحني، مش هيبص في وشي تاني وهيجري على عيلة أبوه ، هياخد صفهم وهيرميني من حياته، وأنا لو خسرت حسن هموت.. حسن هو اللي ليا.. وهو اللي باقيلي.. مش كفاية خسرت أخته زمان ..
وفجأة صمتت .. ونظرت تجاه الغرفة الموجودة بها المختطفة وأخذت تتساءل بريبة:
ـ معقول ؟! معقول ممكن تكون دي بنتي ؟! دي في نفس سن حسن تقريبا… معقول تكون دي بنتي وسالم عمل عليا اللعبة دي كلها وأقنعني إنها ماتت عشان أبعد عن طريقهم ؟! بس.. لأ. دي مفيش فيها أي شبه منه ؟! إزاي وهما توأم ؟!!! أكيد لأ.. مستحيل تكون بنتي. دي أكيد بنت سالم من ناهد .
وغمرت وجهها بكفيها وهي تقول بالتياع:
ـ يا رب عديها على خير، يا رب أنا تعبت من العذاب اللي أنا عايشه فيه ده.. حلها من عندك يا رب.
***
كانت نهال تقف بجوار چيلان وهي لازالت تطالعها بانبهار، تتحسس بشرتها الصافية، شعرها الأملس الأشقر شقارا ربانيا، ثم تنظر إلى جسدها الممشوق المنحوت بتفحص، وهي تتمتم بغيظ:
ـ ماشي يا حسن، بقا دي أخرتها ؟! سِبت البلطجة والسرقة وبقيت تخطف نسوان ؟! والله عال .
ـ نهال.. قالتها عائشة بقوة ..
فأجفلت نهال بمكانها وقالت بضيق:
ـ نعم يا خالتي ؟!!
ـ قاعدة عندك بتعملي إيه ؟!
ـ هكون بعمل إيه يعني يا خالتي بخلي بالي من السنيورة.. مش حسن قال نخلي بالنا منها لانها أمانة عندنا ؟!
ـ ملكيش دعوة بيها نهائي انتي سامعة ؟! وأوضة حسن ماتدخليهاش تاني واتفضلي يلا علشان تنامي.
نهضت نهال بانزعاج، ورمقت تلك الحلوى شبه المغلفة بغيظ وغيرة غريزية، ثم خرجت من الغرفة وهي تقول بتهكم مبطن:
ـ حاضر يا خالتي عيشه كلامك أوامر.
كانت بصدد التوجه إلى غرفتها، لتمنعها عائشه وهي تقول حيث أشارت برأسها الى غرفتها:
ـ لأ.. انتي هتنامي معايا في الأوضة الليلة دي.. لما نشوف أخرتها إيه ؟!
زفرت الأخرى باستياء سافر ونفاذ صبر، ثم أذعنت بدون اعتراض ودخلت إلى غرفة عائشة واحتلت السرير المجاور لها، بينما وقفت عائشة ترمق چيلان وهي تهز رأسها بأسى وتقول:
ـ جيب العواقب سليمة يا رب .
***
في تمام الساعة الثانية صباحا..
في غرفة چوليا التي نزلت من فراشها تسحب قدميها بانهزام نحو طاولة زينتها، ثم وقفت أمام المرآة، تطالع هيئتها الشاحبة وجسدها النحيل الميت .
تذكرت كلام أختها ، وكيف حثتها على تخطي تلك الأزمة والخروج منها، وللحظة وجدت نفسها ترغب فعلا في فعل ذلك وبشدة..
التقطت نفسًا عميقا شحذت به همتها، ثم تمتمت بهدوء :
ـ أنا چوليا عبدالعزيز .. ولازم أفضل چوليا عبدالعزيز.
دخلت الحمام، وأخذت حماما دافئا عميقا، استغرق ساعة تقريبا، أنعشت من خلاله جسدها الذي كان على وشك التآكل من فرط الهزلان، وبعدها خرجت ترتدي مئزرها، ثم وقفت تنتقي ملابسا مناسبة لقضاء سهرة حافلة.. ستخرج لقضاء أمسية رائعة برفقة أصدقائها وستلقي بكل الماضي وراءها..
حيث أنها أرادت أن تثبت لنفسها أنها قادرة على ردع كل شعور سيء يحاول التمكن منها وأولهم الهزيمة والانكسار، وتظنها قادرة على فعل ذلك .
ارتدت فستانا قصيرا باللون الأرجواني الصارخ، ثم بدأت وضع لمسات جمالية تداري بها شحوب وجهها وزرقة شفتيها وهاتين الحفرتين الغائرتين أسفل عينيها.. وانتعلت حذائها ذو الكعب العالي.. ثم أخذت تطالع هيئتها أخيرا في المرآة برضا، وخرجت.
استقلت سيارتها ، ثم خرجت من الڤيلا قاصدةً ذلك الملهى الذي يرتاده شريف دوما، هي تعرف أنه من الممكن ألا يكون متواجدا ولكن رفاقه بالطبع سيتواجدون..
وبالرغم من أنها نادرا ما تذهب إلى تلك الأماكن ولكنها ستكثر من الظهور بها بعد الآن لكي ترسل إليه رسالة أنها قادرة على تخطيه ومحوه من ذاكرتها تماما..
وللحظة شردت وهي تتذكر المصطلح الذي نعته بها شريف من قبل، حيث شبهها بأنها في عشقه كالقط الميت.. مهما حاولت نسيانه وتخطيه ستعود إلى نفس النقطة في النهاية وسينتهي بها الحال أسيرة له.
وأخذت تتحقق من ذلك التشبيه باحباط، هل حقا ما تفعله أشبه بقفزة القط الميت ؟!
والمقصود بمصطلح قفزة القط الميت هو مصطلح يستخدمه المستثمرون في البورصة، ويعني صعود طفيف ومؤقت للسهم ثم الهبوط والاختفاء والسير بخطى ثابتة للقاع..
هل هذا ما سيحدث معها فعلا ، هل سينطبق عليها قول شريف ؟؟ هل هي فعلا مجرد قطة ميتة ومفقود منها الأمل ؟ ومحاولتها الآن في النجاة من مرض يدعى شريف أشبه بقفزة القط الميت الذي يرتد نحو القمة للحظات مؤقتة ثم يتهاوى إلى أعمق نقطة في الهاوية من جديدة وينتهي ويبلى أمره ؟!
كانت ستصطدم بسيارة مصفوفة على جانب الطريق ، ولكنها تداركت الموقف في آخر لحظة فدعست مكابح السيارة بقوة وأسندت رأسها على طارة القيادة وهي تنتحب بمرارة لازمت هزيمتها، وبعد أن أنهت وصلة نحيبها، جففت دمعاتها، ثم رفعت رأسها تنوي متابعة سيرها، ولكن شيئا ما قد جذب انتباهها..
تلك السيارة المصفوفة.. ليست سوى سيارة چيلان !!!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية محسنين الغرام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى