روايات

رواية محسنين الغرام الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم نعمة حسن

رواية محسنين الغرام الجزء الحادي والثلاثون

رواية محسنين الغرام البارت الحادي والثلاثون

محسنين الغرام
محسنين الغرام

رواية محسنين الغرام الحلقة الحادية والثلاثون

_١_
~ لا مجال للغفـــران ~
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” بالماضي؛ ربما منذ عام، سألني شخص عن خوف المجهول، والسنوات الماضية والآتية والأحلام، لا أتذكر الإجابة بصيغتها الدقيقة، لكنني أتذكر دائمًا قناعتي الخاطئة والتي كنت أبالغ في بثها.
واليوم ، حين، أدركت منطق الحياة وميزان الزمن وتفاصيل الأيام استطعت أن أبني قناعات جديدة ، وأولها : أن الحياة مزيج من التقلب، وأن حساباتنا للغد وما بعده، والماضي وما يعنيه، كل حساباتنا لن تكون دقيقة دائمًا ، وأن حرصنا الدائم على ألا نتعثر لن ينجينا من السقوط. ”
ترك سالم القلم من يده بعد أن دون تلك الخاطرة في دفتر كان يدون فيه بعض الخواطر والملاحظات قديمًا.
هو ليس شغوفًا بالكتابة أو التدوين، ولكنها رغبة مُلحة تطرأ عليه كل عشر أعوام مرة .
أغلق الدفتر، ثم فتح خزنته ووضعه بها، تزامنًا مع صوت طرقات على الباب أفاد بوصول نادر.
دخل نادر ، رحب به سالم وأشار ليجلس ، ثم تساءل باهتمام :
ـ ها ؟ يا رب يكون عندك أخبار عِدلة .
تلك التنهيدة التي غادرت صدر نادر كانت كفيلة بالإجابة ، وبعدها تحدث وقال :
ـ أولا يا باشا بالنسبة لموضوع الشركات …
قاطعه سالم:
ـ خلينا في الأهم . حسن أخباره إيه ؟
ـ للأسف الظابط اللي اسمه زين ده حاطط حسن في دماغه وشكله كده متوصي عليه ، وأنا بحاول أتواصل معاه بس زي ما انت فاهم الوضع.. طول ما حسن في الأوراق حسن جادالله أنا مش قادر أفيده بشيء .. عشان كده لازم حضرتك تتصرف يا باشا وبسرعة .
أومأ سالم بضيق ثم قال:
ـ أنا بردو شايف إن كفايه عليها كده ، أنا بقالي أسبوع ساكت عشان الظروف اللي حصلت.. بس مش هينفع أسكت أكتر من كده .
أومأ نادر مؤيدًا وقال:
ـ صح يا باشا ، عالعموم الموضوع بسيط وبمجرد ما تسحب الشكوى حسن هيخرج .
ـ طيب.. والموضوع التاني عملت فيه إيه ؟!
أخرج نادر ملفَا من حقيبته، وقام بوضعه أمام سالم الذي ارتدى نظارته الطبية وبدأ بتفحص الملف بدقة ..
كانت المعلومات التي يقرأها عادية وليست من الإفادة بشيء ..
” عاصم عبد الرحمن الدالي ، ٣٧ سنه ، خريج كلية تجارة ، بقالُه ٨ سنين عايش في كندا وواصل مصر من ست شهور بس ، ….
ظل يقرأ تلك المعلومات التي أحصاها نادر إلى أن توقف أمام معلومة فاجأته فنظر إلى نادر وقال :
ـ إنت متأكد من المعلومات دي يا نادر ؟! تأكدت بنفسك ؟
ـ المعلومات دي كلها أكيدة ١٠٠ ٪ يا باشا ، أنا اتأكدت من كذا مصدر .
ظهر عليه بعض الانهمام قليلا ، وصمت يفتش في رأسه عن قرار، فتساءل نادر:
ـ حضرتك ناوي على إيه يا سالم باشا ؟
ـ المعلومة دي بالذات مش لازم توصل لنسيم قبل كتب الكتاب ، ممكن لو عرفت متوافقش .
ـ زي ما حضرتك تشوف .. بس اسمحلي أقول حاجة ، منصور مستعد يفديك بحياته يعني حضرتك مش مضطر ترضخ لضغوط عاصم ده وتجوزه نسيم .
ـ وافرض رفضت أجوزه نسيم ومنصور شال الليلة واتسجن ، أضمن منين إن عاصم ده ميدبرش حاجة تانية يبتزني بيها تاني ؟! عاصم ده شيطان .. بقاله سنين بيخطط بدهاء ومكر وبيضرب من تحت لتحت.. اللي يدبر فضيحة زي بتاعة عمر في الفندق، ولا موقف الحفلة بتاعة فريد.. واللي يقدر يزرع جاسوس ليه وسطينا السنين دي كلها من غير ما يغلط غلطة واحدة يبقا ملوش أمان وأسلم حل إنك تتجنب عداوته مهما كان التمن ، أنا مش ناقص شوشرة بعد اللي حصل يوم الحفلة ، ولا متحمل خساير تاني يا نادر.. جواز نسيم من البني ادم ده هيمنع مشاكل كتير .
أومأ نادر متفهمًا، وإن كان بداخله يزيد سخطه نحو سالم الذي يفاجئه في كل مرة بأن لا حدود لأنانيته ، ولكن مع ذلك فهو مضطر لنفاقه وإظهار عكس ما يضمره تماما .
تابع سالم وكأنما يتحدث إلى نفسه بصوت عال :
ـ أنا مكنتش مصدق إن نسيم هتضحي التضحية دي عشاني ، بصراحة كنت متوقع إنها ترفض وتعند ، لكن الحمدلله هي متمسكة بالجوازه دي أكتر مني .. عشان كده مش لازم تعرف أي حاجه عن عاصم ده دلوقتي.
ـ اللي تشوفه يا باشا .. وبالنسبة لأملاك سعادتك والأصول والأرصدة في البنوك فأنا عملت إحصائية زي ما حضرتك طلبت وكله متسجل في الملف ده ، أما بقا الخبير اللي حضرتك طلبته بخصوص العزبة والأصول اللي فيها فقال إن التقرير هيكون جاهز بكره .
ـ ماشي .. ربنا ييسر .
ـ ممكن أسأل حضرتك سؤال ، هو في نية لبيع العزبة ؟!!
أجاب سالم بثقة:
ـ طبعا لأ .. العزبة دي هي أصلي وقوتي ، كل الحكاية إن الحسبة اختلفت ، أنا محتاج أعيد حساباتي من تاني خصوصا في وجود حسن ، لازم هو كمان ياخد حقه بالشكل اللي يعوضه عن سنين الحرمان اللي عاشها .
ـ ربنا معاك يا باشا.. أنا هستاذن لأن عندي شغل كتير في المكتب .
ـ اتفضل، وانتظر مني اتصال.
غادر نادر فدخلت بعده زينب التي طرقت الباب قائلة :
ـ صباح الخير يا باشا .
ـ صباح الخير يا زينب .
وضعت زينب أمامه قدحًا من القهوة، وكأسًا من الماء وبجواره دواء الضغط خاصته، فشكرها ثم قال :
ـ بلغي فريد إني عاوزُه وبعدها خلي چيلان تجيلي .
ـ تحت أمرك .
***
كان فريد يطالع المكان من نافذة غرفته، حيث أن المشهد المسيطر كان حزينًا وكئيبًا للغاية، وللمرة الأولى كان يشعر وكأن الهواء الذي يتنفسه الآن ثقيلًا جدًا على قلبه.. ثقيلا بالقدر الذي يترك في الصدر ندبة لا يمكن تجاوزها.
زفر نفسًا بطيئا، عميقا، غادر أعمق نقطة في قلبه، ومسح المكان بعين الوداع ثم أغلق النافذة واستدار، ووقف يتأمل أرجاء الغرفة وشعورًا بالحسرة يتخلل نظراته..
مالت شفتيه في ابتسامة منكسرة، وابتلع ريقه وهو يتذكر اليوم الذي عاد فيه إلى الڤيلا بقصد البقاء بجوار نغم لكشف ألاعيبها، وحينئذ غادرته تنهيدة قسمت قلبه إلى شطرين عندما أدرك أنه كان مخطئا في تقييم الأمور من البداية.
استمع إلى طرقات على الباب، فعلم أنه قد حان وقت الرحيل، فحمل حقيبته وتقدم نحو الباب وفتحه ليجد زينب تقف أمامه متشحة بالسواد وتقول بهدوء كئيب:
ـ فريد بيه، الباشا مستنيك في مكتبه .
تنهد وهو يومئ موافقا، ثم غادر الغرفة متجهًا نحو غرفة مكتب والده، وترك الحقيبة أمام الباب ثم طرقهُ ودخل .
كان سالم جالسًا خلف مكتبه، يضع رأسه بين كفيه بتشوش، ومئات الهموم ترتكز على كتفيه ود لو استطاع إسقاطها أو الفرار منها.
ما إن استمع إلى صوت الباب حتى اشرأب برأسه ونظر إلى فريد، ثم إلى الحقيبة عند الباب، مما رسم العبوس بوضوح على وجهه، ثم تنهد وقال:
ـ تعالى يا فريد..
تقدم منه فريد، ووقف أمامه يطالعه بنظرات خالية من أي تعبير، ثم تنحنح وقال عندما أدرك ما يدور برأس والده:
ـ صباح الخير ، حضرتك عاوزني !
أومأ سالم ونظر إليه نظرة يفوح منها الرجاء الصريح وقال:
ـ مصمم تسافر ؟!
أومأ فريد بتصميم، وكأنه كان مستعدا لهذا السؤال وتلك الإجابة:
ـ أيوة، السواق خلاص مستني.. وطيارتي بعد ساعة ونص، يعني يدوب ألحق..
زفر سالم وأسقط رأسه بين كفيه مجددا وهو يتنهد بصوت مسموع، ثم تحدث بنبرة لائمة تحمل بداخلها محاولة بائسة لجعل روح المسؤولية بداخل فريد تُستثار وتصحو من سُباتها فقال:
ـ هتسافر وتسيبنا في الظروف دي ؟! طيب على الأقل أجل موضوع السفر ده لبعدين .
ـ أنا آسف، بس أنا خلاص مش هينفع أستنى وجهزت كل حاجه .
ـ أنا عارف يا فريد انت حاسس بإيه ، الأحداث اللي حصلت ضغطاك ومخلياك مشوش، أنا متفهم حالتك ، بس بردو مش من الأصول إنك تسيب عيلتك في ظروف زي دي وتمشي !!
أجبر فريد شفتيه على ابتسامة مقهورة وهو يردد مستنكرًا:
ـ ولو قعدت هفيد العيلة بإيه ؟ أنا مبقاش جوايا ذرة طاقة أبذلها مع حد ، أنا …
وصمت يبحث عن معنى يعبر عما يشعر به ، وتابع:
ـ أنا مُنتهِي !
حاول سالم الضغط عليه أكثر فقال:
ـ طيب لو مش عشاني عشان نسيم، هي محتاجه لك تقف جنبها النهارده..
ـ هقف جنبها أعمل إيه يعني!! كل الموضوع كتب كتاب وهتمشي معاه، وجودي مش هيفيدها بحاجة.. البركة فيك .
تنهد سالم بإحباط ثم قال محاولا استغلال آخر بطاقة رابحة لديه:
ـ طيب و عمر ؟! هتسيبه في الظروف اللي هو بيمر بيها دي ؟!
صمت فريد، فبرقت بارقة أمل جديدة أمام سالم الذي تابع محاولا استغلال صمته:
ـ عمر مالوش غيرك ، وهو دلوقتي محتاجلك أكتر من أي وقت تاني.. لازم تقوم بدورك تجاهه كأخ كبير وتقف معاه لحد ما يعدي المحنة اللي هو فيها دي .
أطرق فريد برأسه أرضا وهو يبتسم ابتسامة يملؤها الحزن ثم نظر مجددا إلى أبيه وقال:
ـ أنا دايما كنت أخ كبير وبحترم المسؤولية دي طول الوقت وبتعامل على أساسها مع الكل ، بس خلاص أنا تعبت.. أنا دلوقتي مش قادر أسند أي حد .. انتوا ليه مش قادرين تحترموا تعبي زي ما أنا كنت دايما بحترم تعبكم .. هو كتير عليا إني أطلب وقت لنفسي ؟!
ـ محدش قال كده.. بس الوقت ده مش مناسب للظروف اللي بنمر بيها !
هتف بحدة أثارت استياء والده:
ـ بس مناسب لظروفي أنا.. أنا جيت على نفسي عشانكم كتير ، وللأسف مش هينفع دلوقتي بالذات أعمل كدا . أنا محتاج أبعد ، حضرتك عاوز تعتبر ده تنصل من المسؤولية مفيش مشكله ، عاوز تعتبره هروب أو جُبن أو أيًا كان المُسمى إيه بردو مفيش مشكله.. كده كده همشي .
يئس سالم وعلم أنه لا فائدة من النقاش العقيم الآن، ففي كل الأحوال لن يؤتي ثماره، كما أنه لا يملك سعة الصدر التي تؤهله للجدال الآن مع فريد خاصةً لأنه يعرف أنه من الصعب جدا ثنيهُ عن قراره ، لذا تنهد وأومأ موافقًا، مستسلمًا، عاجزًا ..
ـ عن إذنك .
قالها فريد وخرج من الغرفة ، طاف بعينيه في أرجاء المكان سريعا، ثم استقر بناظريه على باب غرفة نغم وحينها ابتسم ابتسامة تسكنها المرارة والحسرة، ثم غادر سريعا وقاد خطواته نحو السيارة .
ولكن نداء عمر هو من استوقفه ، حيث أنه كان يجلس بالحديقة في انتظاره وما إن رآه حتى أسرع نحوه..
التفت فريد ناظرًا إليه، مستعدا لجدال من نوع آخر، بينما الآخر كان يحدق به بانهزام وهو يقول:
ـ بردو هتمشي وتسيبنا ؟!
تنهد فريد بيأس، وأومأ قائلا:
ـ إن شاء الله متكونش فترة طويلة وأرجع .. أرجوك يا عمر متزعلش مني ، أنا فعلا تعبان جداا ومش قادر أفضل هنا.
ـ طيب ونسيم ؟
أغمض الآخر عينيه بضجر، هو أساسا مستاء جداا بسبب ما ستفعله تلك الحمقاء، وغضبه منها يبلغ ذروته، لماذا إذا يستفزونه بالسؤال عنها ؟!
ـ مالها نسيم ؟! ماهو أنا قدامك قولتلها إنها مش مضطرة تجبر نفسها أبدا على الموافقة بعاصم ده !
ـ مكانش قدامها حل تاني، هي قررت تضحي بسعادتها عشان خاطر ابونا.. يبقى بدل ما نساعدها نقسى عليها احنا كمان !!
ظهر الاستنكار باديًا على ملامح فريد الذي أشار برأسه برفض وهو يقول:
ـ لالا.. سيبك من كل الكلام ده، أنا قولتلها إنه مش هيتسجن ولا حاجه وهيعرف يخرج منها وقولتلها ارفضي عاصم وأنا أول واحد هقف جنبك.. لكن هي استسلمت ، بتعاقب مين بالظبط بقرارها ده أنا مش فاهم، بس اللي فاهمُه انها مكانتش مجبرة توافق وانها وافقت بكامل إرادتها .
تنهد عمر بيأس وقرص بين عينيه بتعب ثم نظر إلى فريد بإحباط وقال:
ـ طيب يا سيدي بلاش نسيم، أنا محتاجك ..
ـ عمر انت مش صغير …
قاطعه عمر صائحًا بانهزام :
ـ لأ صغير ، و عيل كمان .. أنا متعودتش تبعد عني ، أنا ببقا مطمن لأني عارف انك جنبي وهتخرجني من أي نيلة برمي نفسي فيها، أنا من غيرك ولا حاجه يا فريد .. انت هتمشي .. ونسيم هتسيب البيت .. وچوليا ماتت !! انت متخيل أنا بواجه إيه ؟! أنا مش هقدر أتحمل كل اللي بيحصل معايا ده .
زفر فريد بتوتر، ثم رسم ابتسامة واهية على شفتيه وهو يسند يده على كتف أخيه ويقول:
ـ أنا آسف يا عمر لو قراري ده أناني ، آسف لو هسيبك لوحدك في وقت زي ده، آسف لأنك محتاجني وأنا مش قادر أقف جنبك ، بس مش قادر أستنى هنا أكتر من كده.. لأول مرة في حياتي أبقا تعبان وحاسس إني مخنوق ومقفول من كل حاجه بالشكل ده، محتاج أبعد شويه وكلها شهر ولا اتنين وهرجع .. متزعلش مني .
أومأ عمر باستسلام، لا جدوى من رجاء خائب ولا من عويل لا يُجدي، شقيقه قد اتخذ قراره وقضي الأمر ..
عانقه عناقا حارا يليق بالخوف الذي يعتريه، وأجهش بالبكاء كطفل كتم نحيبه لأيام طويلة، فربت فريد على ظهره بقوة وقال محاولا إظهار تماسكه:
ـ خلي بالك من نسيم ومن نفسك .. وخليك جنب چيلان كمان هي محتاجالك جداا الفترة دي ..
وأزال دمعة تعلقت بزاوية عينه وقال مبتسما بزيف:
ـ اعتبرها فرصة تختبر قدراتك كأخ كبير يا سيدي .
ـ خلي بالك من نفسك.
قالها عمر بتوسل، فأومأ فريد وقال:
ـ أشوف وشك بخير .
استدار سريعا، وركب السيارة فانطلق السائق مغادرا الڤيلا وقاصدًا المطار ..
بينما عمر وقف يتطلع نحو أثره بقلبٍ ممزقٍ ودموعه تسري على خديه بعجز..
وفي نفس اللحظة، كانت نسيم تجلس على كرسيها المتحرك وتشاهد رحيل أخاها من شرفتها وهي تحاول الإبقاء على القليل المتبقي من ثباتها، ولكن بمجرد أن شاهدت سيارته تختفي عن ناظريها حتى سمحت لدموعها بالانهمار .
***
كانت چيلان في غرفة والدتها، تجلس أمامها ممسكةً بيدها، ومن فينة لأخرى تراقب الوقت لمعرفة الميعاد المحدد لإعطائها الدواء.
استمعت إلى طرقات على الباب، ثم دخلت زينب التي قالت بهدوء:
ـ الباشا منتظرك في المكتب يا چيلان هانم .
انقبض قلبها، وأدركت أن ثمة خطبٍ ما في انتظارها، فأخذ منها الأمر وقتا أطول مما يستحق وهي تفكر هل تذهب إليه أم تعتذر ، ولكنها فضلت مواجهته الحتمية فقالت:
ـ شوية وجاية.
انصرفت زينب، فنظرت چيلان إلى أمها التي تحدق في السقف وقالت بهدوء وهي تمسح على ظهر يدها بحنان:
ـ مش هتأخر عليكي..
همت بالانصراف فدخل عمر والذي يبدو عليه البكاء فقالت باهتمام:
ـ عمر انت كويس ؟!
أومأ بإيجاز أن نعم، فهو بالطبع لن يخبرها عن سبب بكاءه، لن يمنحها سوطًا ستجلده به كلما حانت لها الفرصة، فهو يعرف أنها تعتبر أن كل ما دون مصابهم تافه ولا يستحق البكاء ولا التأثر ، لذا فعليه الصمت كي لا يثير حنقها أكثر.
ـ خليك معاها على ما أرجع .
طلبت منه البقاء بجوار والدتهما، فأومأ موافقا فغادرت، وتوجهت نحو مكتب سالم وعقلها المشوش ليس بإمكانه تخمين سبب ذلك الاستدعاء المفاجئ.
وصلت أمام المكتب، وأخذت نفسًا عميقًا ستحتاجه بالداخل، ثم طرقت الباب ودخلت .
كان يجلس في انتظارها فعلا، يديه مشبوكتين فوق المكتب وينظر نحو النافذة ، وعندما رآها نفض الشرود من رأسه ثم ثبت حدقتيه الثاقبتين نحوها وحمحم وقال:
ـ اتفضلي يا چيلان .
تقدمت منه وجلست أمامه ، ثم نظرت إليه وغمغمت:
ـ حضرتك طلبت تشوفني .
أومأ موافقا، ثم مال بجذعه نحو المكتب أكثر، وبدأ بالشرح وهو يقول:
ـ مظبوط ، الحقيقة السبب اللي طلبتك عشانه أنا مأجله من فترة، من ساعة اللي حصل ، لأن مكانش ينفع نتكلم في أي مواضيع تانيه في ظل الظروف اللي بنمر بيها .
وتنهد وتابع:
ـ لكن للأسف في موضوع ضروري لازم يخلص ، ومش هيخلص إلا بمساعدتك، عشان كده قلت أكلمك ..
ـ موضوع إيه ؟
تساءلت بهدوء يلائم أنفها الشامخ وعيناها الحادتان، فنظر بداخل عينيها بجسارة وقال:
ـ انك تتنازلي عن الشكوى ضد حسن .
ارتفع حاجبها فجأة ، وازدادت قتامة عيناها وهي تتساءل:
ـ حسن المجرم اللي كان خاطفني ؟!
لم يرُقه حديثها، لذا احتد صوته وهو يقول :
ـ حسن ابني، و أيًا كان هو إيه وعلى إيه فانا مش هسيبه ولا هتخلى عنه، لازم حسن يخرج من الحبس ومش هينفع يخرج غير لما تسحبي الشكوى .
قطعت ذلك التواصل البصري بينهما بأن أشاحت بوجهها عنه وظلت تنظر أمامها وهي تهز قدمها بعصبية، هي لم تعتد الهزيمة أو الانسحاب أبدا، لم تعتد أن تتنازل عن حقها لذا فما يطلبه الآن شبه مستحيل..
ـ ولو رفضت أسحب الشكوى ؟!!
تساءلت بصلف، فتحولت تعابير وجهه للحدة والصلابة أكثر، ولكنه لم يعلق على ما قالته، بل فتح خزنته السرية، وأخرج منها قرصًا مدمجًا ألقاه أمامها بإهمال فقالت بارتباك:
ـ إيه الـ CD دي ؟
تنهد سالم، يعلم أن القادم سيء، فزفر مطولا ثم قال:
ـ اسمعيني يا چيلان ، أنا احترمت حزنكم على چوليا الله يرحمها ويغفر لها ، وبقالي أسبوع أهو من ساعة اللي حصل وأنا ساكت ومش عارف أتكلم ، وبقالي أسبوع عارف إن حسن مرمي في الحجز بيتضرب ويتهان وساكت مش عارف أعمل له أي حاجه للأسف ، لأنه مكانش وقته إني أطلب منك تروحي القسم وتتنازلي في الظروف دي، لكن زي ما أنا حاولت أكون مُراعي قد ما أقدر فواجب عليكي انتي كمان تراعي إن ده ابني وإني لا يمكن أسيبه يتهان بالشكل ده وأنا في ايديا الحل وقادر أخرجه.
ـ و إيه هو بقا الحل إذا كنت رافضة أتنازل ؟!
ـ الحل في السي دي اللي معاكي دي، افتحيها وشوفيها وبعدين قوليلي موافقه تتنازلي ولا هتركبي دماغك..
ختم كلماته، ثم دفع الحاسوب خاصته نحوها ببطء، فأدارته إليها ووضعت به القرص وقامت بتشغيله، فتفاجئت بوجودها بالمقطع وهي تسرق خزنة سالم.
شحب وجهها وتلبد، فسحب الحاسوب من أمامها وأغلقه ونزع منه القرص وهو يقول:
ـ أنا آسف بس أظن لا أنا ولا انتي فينا حيل نجادل بعض، عشان كده قررت أختصر الطريق ، ها.. موافقة على اللي قولتلك عليه وهتتنازلي وحسن يخرج ؟ ولا أتصرف في الفيديو ده بمعرفتي ؟!
توقع أن يرى انهيار ملامحها وسقوط تلك الابتسامة الهلامية، ولكنها فاجأته بالعكس تماما، حيث ظلت متمسكة بثباتها الانفعالي، ثم نظرت إليه بواسطة عينين باردتين وقالت:
ـ تعرف إني طول عمري من وانا صغيرة كان نفسي أفهم دماغك وأعرف بتفكر إزاي ، من زمان وأنا نفسي أكون زيك .
انبجست ابتسامته في خطٍ مستقيم بزهو رصين، ثم تساءل:
ـ ده مدح ولا ذم ؟
لتجيبه هي بنفس الهدوء والأنفة:
ـ مجرد اعتراف .
أومأ عدة مرات ، ثم قال :
ـ طيب بما إنك اعترفتي اعتراف فانا كمان عندي اعتراف، يعني بما إننا قاعدين قعدة ودية ..
ابتسامتها لم تختفِ ، ورصانتها لم تهتز ، وتساءلت متظاهرة بعدم الاكتراث وقالت :
ـ إيه هو الاعتراف ده ؟!
أخذ منه الأمر لحظات حتى استطاع صوغ ما يود قوله دون المساس بكبريائه وهيلمانه، فنظر إليها وقال بهدوء:
ـ إني بقدر ذكائك جدا ، ومش هخبي عليكي ، ذكائك يتخاف منه .
الآن انبسطت شفتيها في ابتسامة لم تستطع إخفاءها، فهي تشعر بالزهو حقا لأنه منحها ذلك الاعتراف الذي لم تتوقعه أبدا، فأومأت بخفة وقالت:
ـ وأنا هعتبر إن ده مدح ، مش مجرد اعتراف.
أومأ سالم ببساطة، فتحدثت هي قائلة:
ـ لما عرفت إن حضرتك لقيت الحاجات اللي اتسرقت فضلت أسأل نفسي ليه ساكت لحد دلوقتي ، ليه ماتكلمتش أو على الأقل قلت لماما أو واجهتني، ودلوقتي بس عرفت الإجابة .. إنك مش بتكشف أوراقك كلها مرة واحدة.
أومأ مؤكدا وقال :
ـ في مثل بيقول القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود .. اهو الفيديو بتاع سرقة الخزنة ده كان بالنسبالي قرش أبيض ، أنا وقتها مكنتش مهتم أثبت براءة نغم ومكنتش هستفيد حاجة لما أثبت إنك انتي اللي سرقتي ، في النهاية حاجتي قدرت أرجعها وكنت عارف من البداية إن غرضك مش السرقة، وإنما تشويه صورة نغم قدام الكل .. تقدري تقولي يا چيلان إنها كانت لعبة طايشة ماسخة.. وأنا قررت أجاريكي فيها للآخر ..
كانت تستمع إليه وبداخلها تُثني على ذكائه بقدر ما تشعر بالحنق منه، ثم وضعت يدها على رأسها، حاولت تدليكها لطرد بوادر الصداع، ثم قالت بثبات:
ـ و إيه اللي مخلي حضرتك واثق إني هوافق ؟
ـ ما أنا قولتلك إني بقدر ذكائك ، وعارف إنك مش معقول هتجازفي في وقت زي ده ، يعني لا نادية عندها استعداد تشغل بالها بحكاية زي دي في الظروف اللي هي فيها دي، ولا انتي هتحبي عمر يعرف إنك انتي اللي عملتي كدا ، وأظن كمان إنتي مش هتحبي صورتك تتهز قدام اللي في الڤيلا من خدم وحراس ..
ارتجفت ابتسامتها قليلا، هي تعلم أنه محق، هي لن تسمح لأمها أو أخيها أن يتلقيا صدمة جديدة في ظل الظروف الراهنة ، خاصةً أن تلك الصدمة مبررها أحمق جداا وسيجعلهما ينظران إليها إما بعين الاستخفاف أو الشفقة ، وهي لن تضع نفسها في ذلك الموضع أبدا ، ولن تسمح لنغم أن تنتصر عليها أبدا .. أفضل لها أن تسحب شكواها ضد حسن على أن تنكشف حقيقة سرقتها للخزنة وبراءة نغم .. لذا أومأت وهي تنظر إليه وتقول:
ـ اوكي .. أنا موافقة أتنازل .
مط شفتيه بتعبيرٍ واثق وأردف:
ـ عظيم .. دلوقتي هنروح أنا وانتي ومعانا نادر وتتنازلي وحسن يخرج.
ـ وبعد ما يخرج ؟
تساءلت بفضول فتنهد بحيرة حقيقية وقال :
ـ ربنا يقدم اللي فيه الخير .
ـــــــــــــــــــــــــ
كان ينظر من نافذة السيارة ، شاردًا في كل شيء حوله، يفكر في الأمر برمته، إنه الآن يغادر ، لا يعلم هل هو مستعد أم لا، كل ما يعرفه أنه غير راض عن نفسه وعما فعله، يعلم أنه سيترك أشلاء قلبه في كل مكان..
لقد تجاهل ذلك الإحساس مرات كثيرة ، تجاهل احتياجه لرؤيتها، لعناقها على الأقل قبل الرحيل، ولكنه يعرف أنها لن تسمح له حتى برؤيتها والحديث معها، فهو يعرف مقدار الجرح الذي تسبب لها فيه..
توقف السائق أمام بوابة المطار ، فانقبض قلبه أكثر وهو يستوعب أنه بعد لحظات قليلة سيرحل ، والفرصة أمامه تتقلص بل تنعدم ..
ترجل من السيارة، ويده تتلمس هاتفه بجيبه، يرغب في مهاتفتها للمرة الأخيرة ، فهو يعرف أنه بمجرد صعوده إلى الطائرة سيفقد اتصاله بها تماما .
لذا قرر ألا يتردد كثيرا ، وقام بالاتصال بها وقلبه يكاد يطرق الأرض من فرط خوفه، ليأتيه صوتها بعد دقيقة، هادئًا، حزينًا، منكسرًا ..
أغمض عينيه وهو يشعر وكأن صوتها قد تغلغل إلى قلبه الميت فرواه وأزهره من جديد ، ذلك الصوت الذي كان بمثابة إنعاش له ولكل جوارحه.. و كم كان يرغب في تلك اللحظة بالذات أن يعانقها ، ولو لمرة واحدة ، ولو لمرة أخيرة ..
ـ نغم.. أنا …
صمت لبرهة اهتز فيها قلبه وتغضنت ملامحه بأسى، ثم حمحم محاولا استعادة ثباته وقال:
ـ أنا في المطار دلوقتي ومسافر ..
يقسم أنه استمع لرجفة قلبها التي كانت واضحة جدا على صوتها ، هو لن يخطيء ذلك الإحساس أبدا .. وهذا ما جعله يشعر بالأمل ولو قليلًا بعد أن يئس من محاولاته لاسترضاءها ..
ـ أنا .. بصراحة عندي أمل أخير إنك تسامحيني .. عارف إنه صعب ، وعارف إنك مجروحة .. بس ..
صمت ، لم يجد ما يقوله حقا ، تلك الكلمات الحمقاء قد قالها سابقًا ، يوم المشفى عندما اعتذر لها ووعدها أنه لن يخذلها مجددا ، ولم يكن في الحسبان أن يكون الخذلان الأشد والأعتى بعد ذلك الاعتذار بفترة قصيرة لم تسمح لجرحها الأول أن يلتئم حتى ..
بينما هي ، كانت تكتم نحيبها بقوة اكتشفتها في نفسها للتو ، وابتلعت ارتجافة قلبها الخائن الذي كان يهدد بالانفجار وقالت بصوت لامبالي:
ـ توصل بالسلامه.
أغمض فريد عينيه بندم ، إنها تعلنها صريحة ، لا مجال للرجوع ، لا مجال للغفران .
وهو لم يكن ليضغط عليها أكثر ، لذا أومأ بتقبل للهزيمة وقال :
ـ خلي بالك من نفسك.
وتابع بعد صمت :
ـ البيت أنا كتبته باسمك ، انتي دلوقتي مش مضطرة تفضلي في أي مكان انتي مش عايزاه ، والأوراق اللي تخص البيت كلها مع نسيم ، أول ما تعرف تشوفك هتديهالك ..
ـ شكرا بس أنا مش محتاجة بيتك ولا بيت حد ، متشغلش بالك بيا.
يعلم كم هي عنيدة وتعشق المجادلة في كل شيء، رأسها يابس وصعبة المراس أحيانًا ، وهو الآن طاقته صفر ، لا يملك ولو واحد بالمئة حتى ليدخل معها في سجال أحمق لن يجني منه شيئا .
ـ خلي بالك من نفسك..
كررها ثانية بخوف حقيقي ، يعلم أنها كانت تتخذه ملاذًا وملجئًا ، وإن كان غاضبا من نفسه لشيء فهو أنه أفقدها بغبائه ذلك الملاذ وتركها كالريشة في مهب الريح.
ـ متقلقش عليا أنا كويسه جدا ، خلي بالك انت من نفسك .
تبًا لها، تجادل لآخر لحظة ، لآخر نفس فيها ترغب في إثبات لامبالاتها ..
لذا تنهد وقال مستسلما :
ـ مع السلامة .
لم تُجب ، ولكن دموعها فعلت ، لم يسمع صوتها ولكنه سمع صوت بكاء قلبها، ظلت المكالمة جارية لدقيقتين إضافيتين.. لم ينبس أيا منهما بحرف ، لا هو كان يملك ما يضيفه ولا هي كانت قادرة على إنهاء المكالمة وفقدان أثره .. ظل متأملا أن تتراجع في اللحظة الأخيرة ، أن تخبره أنها تسامحه وتطلب منه ألا يغادر. كان لديه أمل حتى انتهت المكالمة فجأة .
ظل ينظر إلى الهاتف بيده بانهزام ، لقد فقدها مجددا ولكن أثر هذه المرة بالغا جدا ولا يظنه سيختفي أبدا .. لم يتكلم أو يحرك ساكنا ، واستغل تلك الفترة لإقناع نفسه بحقيقة أنه المخطئ ، وبقدر ما حاول إقناع نفسه فإن شعورا ثقيلا سقط على قلبه من الصعب تجاهله .
ـ فريد بيه ..
انتبه إلى صوت السائق ، فنزع نفسه من ذلك الشرود ونظر إليه منتبها ليراه يشير نحو البوابة كي ينذره أنه سيفوت طائرته، فأومأ فريد موافقا وأمسك بحقيبته ، ثم توجه نحو صالة المطار لكي يتمم إجراءات السفر .
بينما في الخارج ، وعلى مقربة من البوابة كانت تقف نغم ، تبكي بكاءً اعتصر قلبها ، كانت ترغب في عناقه قبل الرحيل، كانت ترغب في مسامحته ومنحه فرصة جديدة ، كانت ترغب في الكثير ، ولكن على قدر الرغبات نجد المأساة في التنفيذ ، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه وليست كل الرغبات قابلة للتحقق .
ترغب في بقائه، ولكن إن بقي تجزم أنها لن تعود إليه ، نفسها تأنف وقلبها يشتهي، فذلك الشعور الذي خلّفهُ بقلبها حين كذّبها للمرة الثانية وطعن ثقتها به في مقتل شعورًا مريرًا جدا ، لا تضاهيه مرارة، ولا تجبره كل اعتذارات الدنيا .
لا تملك سوى حبه الذي تحتفظ به في صميم قلبها، وكرامتها التي امتلأت بالخدوش بفضله، وتلك المرة خصيصًا كرامتها أبت ألا تعود إليه أو تقبل اعتذاره، لقد طعنها في أعمق نقطة في روحها، وكسر ساحة الأمان بينهما و لوثها ، و أوقد بغدره في قلبها نارًا أصبح من الصعب السيطرة عليها .
ظلت تحدق في السماء ، لديها معلومة أن طائرته ستغادر في تمام الحادية عشر والنصف ، لقد أخبرتها نسيم بذلك ، لذا وقفت تتوسل إلى الله أن يحدث شيئا ما، أشبه بمعجزة تمنعه من السفر، تريده بجوارها بنفس القدر الذي يجعلها تفر منه ، هي تشعر الآن أنها تكرهه وغاضبة منه ولكن وجوده بالقرب منها يكفيها لكي تشعر أنها آمنة ..
وبعد قليل ، رأت طائرته تحلق بعيدا .. فشعرت بشيء ما يضرب قلبها ، يخلعه من صدرها ويلقيه أرضًا، انهارت أكثر، وزادت حدة بكائها أكثر مما جعل السائق ينظر إليها بتعجب ثم يتساءل ما إذا كانت بخير.
الوداع مُرٌ ، خاصةً وإن كان بعد فراق ، تشتد مرارته وتلون كل حياتك بالأسود ، حينها فقط تتمنى لو أنك أعطيت فرصة ثانية لكي لا تختبر تلك اللحظات وذلك الشعور .
اتخذ منها الأمر وقتا طويلا لكي تستجمع شتاتها مرة أخرى و تكفكف دموعها ، وفي النهاية.. بعد أن تخلصت من دموعها ومعها ضعفها اللعين قررت أن تبدأ من جديد.. من تلك النقطة بالتحديد..
لقد انتهى كل شيء يا نغم .. والآن .. عليكِ العودة بأدراجكِ ولا تهتمي بجرحك النازف ، الزمن يداوي كل شيء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت نسيم تجلس على مقعدها المتحرك أمام الخِزانة ، تجمع أغراضها المهمة، وخلفها تقف زينب تنقلها إلى حقيبة كبيرة وهي تبكي ..
ـ خلاص بقا يا زينب، أنا مش مسافرة يعني ..
تنهدت زينب بحسرة وهي تجلس فوق فراش نسيم وتقول بصوتٍ باكٍ:
ـ أنا هشوفلي حته أروح فيها ، أنا مش هقدر أعيش هنا من غيرك انتي وفريد .. خلاص البيت مبقالوش طعم .
شردت نسيم قليلا وهي تردد بحزن يرتسم في ابتسامة واهية:
ـ فريد سافر من غير ما يودعني ، بيعاقبني .
نظرت إليها زينب بشفقة، ثم اقتربت منها وأخذت تمسح على ذراعيها بمواساة وهي تقول:
ـ متزعليش نفسك يا حبيبتي ، فريد مش كويس ، أنا أول مرة أشوفه تعبان كده .. وأكيد هو مكانش عاوز يمشي من غير ما يشوفك بس انتي عارفاه مبيحبش لحظات الوداع دي .
أومأت نسيم بهدوء، فاقتربت منها زينب وهي تقول بترقب ونبرة صوت خفيضة أوحت لنسيم بما ترغب في قوله:
ـ نسيم يا حبيبتي..
طالعتها نسيم بنظرة ألجمت لسانها فورا، ثم نطقت بغضب :
ـ متحاوليش يا زينب ، الموضوع ده اتكلمنا فيه كتير وخلاص قولتلك إنه مُنتهي ..
في نفس اللحظة رن هاتف زينب الذي كان في جيب بلوزتها، فنظرت إليه بارتباك وحانت منها التفاتة نحو نسيم التي برق الغضب في عينيها وهي تقول :
ـ هي مش كده ؟
زمت الأخرى شفتيها بأسف وأومأت بصمت، فانتزعت نسيم من يدها الهاتف بقوة وأجابت قائلة بصوت قاسٍ :
ـ عاوزة إيه تاني ؟! هو أنا مش قولتلك اللي بتفكري فيه ده مش هيحصل ؟! انتي متهيألك عشان دمعتين وكلمتين حلوين خلاص هعتبرك أمي فعلا والميه ترجع لمجاريها ؟! انتي موهومة على فكرة .. انتي مش أمي ولا عاوزة أعرفك ، ومتتصليش تاني من فضلك.
وأنهت المكالمة بقوة وهي تهز الهاتف في يدها وتقول لزينب:
ـ قولتلك اعملي بلوك أو غيري الرقم حتى .. الست دي مش لازم تتواصل معاكي نهائي يا زينب يا إما أنا مش هعرفك تاني .
طفقت عينا زينب تمتلاءان بالدموع لاإراديًا، وهي تربت عليها بحنو وتقول:
ـ متزعليش مني يا نسيم ، بس دي أمـ..
لم تكمل زينب كلمتها حيث أن نسيم حدجتها مجددا بسخط وهي تقول:
ـ تاني هتقوليلي أمك ؟! دي مش أمي ، أمي ماتت الله يرحمها ، الأم اللي ترمي بنتها وتختار ابنها يعيش في حضنها ومش مهم البنت اللي اتخلت عنها دي تعيش ازاي تبقا مش أم ، أنا بسببها عِشت اللي مفيش حد عاشه ولا اتحمله ، أنا اتعاقبت على غلطتها هي ودفعت تمن غالي أوي مليش ذنب فيه .. الست دي مستحيل أعتبرها أمي .. أنا بكرهها وبقرف منها.
عادت زينب لتجلس على الفراش وهي تتمتم بحسرة:
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله..
كانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون، فنسيم كانت تكبح جماح كل ذلك الحزن بداخلها منذ أسبوع كامل، منذ يوم الحفلة اللعين، تحملت كل الصدمات تباعًا، لم تبكِ وكأنها أصيبت بالتبلد ، حتى عندما وصلها خبر انتحار جوليا لم يستفز ذلك الخبر دموعها، كانت صامدة ـ ظاهريا ـ حتى أن صمودها ذلك سمح لها أن تدعم عمر بقوة ، وكانت تسأل نفسها آخر كل يوم، من أين لها بذلك الجمود وقسوة القلب ؟ لو لن تبكي في مُصاب جلل كموت صديقتها فمتى ستبكي ؟!
ولكنها الصدمة، الصدمة التي تجمد المشاعر وتعطل الحواس وتمحي كل ردود الفعل..
حاولت زينب تهدئتها ولكنها فشلت، فالأخرى كانت تبكي كل شيء لم تتفاعل معه سابقا، فقررت زينب أن تتركها بمفردها قليلا وتغادر الغرفة ريثما تهدأ ..
ــــــــــــــــــــــــــــ
بعد قليل.. كان سالم قد توقف بسيارته أمام قسم الشرطة ومعه چيلان ليجدا المحامي نادر الذي كان في انتظارهما يغادر سيارته ويتجه نحوهما، حياهما ثم تساءل:
ـ هتدخل معانا يا باشا ؟
هز سالم رأسه رافضّا، كان رفضًا هادئا ولكنه لم ينجح في إخفاء توتره ، وحاجباه المنعقدان كالسيف في أعلى جبينٍ متغضن أظهرا كم الخوف الذي يعيشه الآن .
ـ لأ .. أنا هستنى هنا.
لا يعلم سبب رفضه الدخول معهما ، ولكن ما يعلمه حقا أنه خائف ومرتبك من تلك المواجهة التي ستحدث بعد قليل بينه وبين حسن .
جلس بسيارته ينتظر .. وتلك الفترة التي قضاها في الانتظار كانت كافية لأن يتحدث مع نفسه ويسألها ، كان عالقًا بين الكثير من الإجابات التي لم تكن مُرضية أبدا له ، فكل الدلائل تشير إلى أنه فعلا كان على خطأ ، ولكنه لن يكون سالم مرسال إن اقتنع بها وأقرّ بفشله .
أسند رأسه الذي يعج بالفوضى الآن إلى المقعد من خلفه، وأغمض عينيه بقوة يعتصرهما بألم ، وعندما فتحهما بعد لحظات فوجيء بنادر وهو يغادر القسم ومعه چيلان ويتبعهما حسن .
اعتدل في مقعده بتوتر ، وتأهبت كل حواسه لذلك اللقاء ، كان قد اتفق مع نادر أن يصطحب چيلان إلى الڤيلا بحيث تسمح له الفرصة أن ينفرد بحسن .. وهذا ما فعله نادر..
ـ حمدالله على سلامتك يا حسن ، أنا هوصل چيلان هانم وانت لازم تتكلم مع الباشا كلمتين .
قالها نادر وهو يربت على كتف حسن الذي ارتطمت نظراته بنظرات چيلان الحادة التي أخبرته أنها غير مسرورة مثله تماما.
انسحبت چيلان وتقدمت نحو سيارة نادر الذي لحق بها، بينما ظل حسن واقفًا ، يرمق سيارة سالم بحيرة، ترى هل يذهب إليه ويتحدث معه وينهي ذلك الجدل المثار بداخله، أم يغادر في صمت؟
ولكن سالم لم يمنحه الفرصة، حيث أنه تحرك نحوه بسيارته حتى توقف أمامه ونظر إليه قائلا بنبرة يملؤها الوقار :
ـ تعالى يا حسن خلينا نتكلم شوية .
كان يرغب فعلاا في ذلك ، شيئا ما بداخله يحثه على التقرب من تلك الشخصية المثيرة للفضول واكتشافها عن قرب ، لذا استجاب لطلب سالم وفتح الباب وركب بجواره.
ظلّا صامتين لفترة حاول كلا منهما أن ينظم أنفاسه خلالها، حيث كان سالم ينظر من نافذته بتوتر، والآخر يسند مرفقه على فخذه و منشغلًا بالعبث في أظافره، كلاهما يتلكآن ويماطلان وعندما يئس سالم قرر أن يبادر هو فقال :
ـ حمدالله على سلامتك .
ظهرت على شفتي حسن ابتسامة مستنكرة ، متشنجة قليلا عبرت عن مدى استيائه ..
ثم رفع ناظريه من على يديه ونظر أمامه بهدوء وردد:
ـ متشكر ..
قالها وصمت، فأخذ سالم يبحث عن طريقة تمكنه من صوغ ما يرغب في قوله ولكن التوتر عقد لسانه وألجمه، وبدلا من أن يتحدث فيما حضّر له طويلا وجد نفسه يتساءل باهتمام:
ـ كانوا بيعاملوك ازاي الكام يوم اللي فاتوا دول ؟
نظر إليه حسن ، تقابلت نظراتهما عن قرب لأول مرة ، فتشنج قلب سالم الذي أخذ ينظر إليه غير مصدق ، هل هذا الشاب ، ذو العينين الجامحتين … ابنه !!!
تنهد سالم مطولا ، و تنهيدته أخبرت حسن بمدى الثقل الموضوع على قلبه ، ليتحدث قائلا :
ـ أيًا كانت الطريقة اللي كانوا بيعاملوني بيها ده مش هيغير حاجة ، اللي حصل حصل خلاص ..
أومأ سالم موافقًا، لقد لمح نظرة اليأس ونبرة الحسرة في عينيه وصوته، لذا فما سيقوله أو يخفيه لن يضيف شيئا جديدا ، فتحدث وقال:
ـ أوعدك من اللحظة دي محدش هيرفع عينه في عينك تاني أبدا …
ها هو الحديث الذي ينتظره حسن، حيث أنه تساءل بطريقة يشوبها التهكم فقال :
ـ اشمعنا من اللحظة دي ؟! ليه إيه اللي هيتغير من اللحظة دي مش فاهم ؟!
فأجابه سالم مستنكرا سؤاله، وقال بقوة :
ـ كل حاجه هتتغير ، و أهمها اسمك .. لما يبقا اسمك حسن سالم مرسال اللي هيقف قدامك هيفكر مليون مرة قبل ما يتكلم معاك نص كلمة !
مط حسن شفتيه بسخرية وقال :
ـ صح .. معاك حق .. هو اسمك اللي هيحميني فعلا ، بس للأسف اسمك ده ميلزمنيش .. مش عاوزُه .
نظر إليه سالم مصدومًا، لقد توقع أن يكون هو أول من يركض لحمل لقب العائلة ، وها هو يخبره الآن أنه لا يريده !
ـ اسمي مش لازمك ازاي ؟! انت ابني أنا مش ابن محمود جادالله.
ضحك حسن ضحكة مبتورة في البداية، سرعان ما تحولت إلى ضحكة كاملة طرد معها كل الضغط الذي كان يكبته بداخله، ثم نظر إلى سالم وقال:
ـ ابنك ؟! بصراحة آخر حاجه كنت أتوقعها إن واحد زيك يطلع أبويا ..
شعر سالم بالإهانة لقوله، ولكنه لم يقاطعه فعلى ما يبدو أنه لديه الكثير ليضيفه..
ـ فاكر لما شُفتك في المستشفى وقولتلي اسندني يابني ؟!
نظر إليه سالم وقطب جبينه وهو يحاول تذكر تلك اللحظة، فتساءل متعجبا:
ـ إنت اللي كنت لابس نضاره و كاب مغطي بيه وشك يومها ؟!
أومأ حسن مؤكدا وتابع:
ـ يومها انت كنت هتقع وطلبت مني أساعدك وفعلا سندتك لحد ما خرجت بره ، حسيت بإحساس غريب مكنتش فاهمُه ولا فاهم أنا ليه حاسُه، حسيت إني عاوز أقعد معاك وأتكلم ، حسيت إني عاوز أشوفك تاني ..
ابتلع سالم ريقه في وهن ، وشعر بالحزن يغزو قلبه وقال:
ـ أنا مكنتش أعرف عنك حاجه طول السنين اللي فاتت دي يا حسن، صدقني أنا لو كنت أعرف إن ليا ابن عمري ما كنت هتخلى عنه .. أمك هي اللي غلطانة لأنها كانت أنانية ودارت عليا وجودك .
عند ذكر سيرة عائشة تشنجت ملامح حسن وظهر عليه الضيق والنفور وهذا ما طمأن قلبه قليلا، وتابع وهو يأمل أن يحقق النتيجة المرجوة:
ـ أنا عاوز أنا وانت نبدأ من جديد ، هعوضك بكل اللي أقدر عليه، مالي كله تحت أمرك، حقك اللي اتحرمت منه العمر ده كله هتاخده وفوقه زيادة كمان .. أنا عاوز أعوضك ومستعد لأي طلب تطلبه بس توافقني وتخلي نادر يمشي في إجراءات تغيير الاسم ..
كان باديًا أنه يفكر في الأمر بجدية، وذلك الاسترخاء الذي ظهر على ملامحه أوحى إلى سالم أن الإقتناع بات قريبًا جدًا منه..
ـ هتعوضني ؟! يا ترة فلوسك هتعوضني عن السنين اللي اتحرمت فيها من أب يسندني ويعلمني الصح من الغلط ؟ فلوسك هتعوضني عن السنين اللي عِشت فيها بطولي معرفش غير أمي الغلبانة مع إن ليا عيلة كبيرة ، فلوسك دي أشتري بيها قميص جديد أتقايم بيه ولا جزمة جديدة ، بس مقدرش أشتري بيها حسن تاني غير اللي أنا عليه ، حسن السوابق رد السجون اللي برد الزنازين نَحَل عضمه .
توقف سالم عن التحديق به، وحرك رأسه للأمام وهو يتنهد مُحبَطًا ، ثم قال:
ـ أنا مقدر اللي انت حاسس بيه، بس أنا مليش ذنب ، حتى لو كان إيه اللي حصل زمان ده ميدي عيشة الحق تخبيك عني العمر ده كله ، عيشة هي المُلامة مش أنا .
تأجج الغضب بعيني حسن مجددا، وقال بعد تفكير دام طويلا:
ـ أنا موافق أغير اسمي ..
فابتسم سالم بهدوء وقال:
ـ عين العقل ، من بكره نادر هيمشي في الإجراءات اللازمة ، وأوعدك إن كل حاجه هتتغير إن شاء الله وهترجع لمكانها الصحيح، زي ما انت كمان لازم ترجع لمكانك الصحيح وسط عيلتك واخواتك ..
تنهد حسن بارتياب قليلا وهز رأسه دون تعقيب، فقال سالم مستغلًا هدوءه :
ـ تحب تيجي تاخد مكانك في الڤيلا من النهارده ؟! أنا شخصيا هكون سعيد جداا .. واخواتك كمان هيرحبوا بيك .
” اخواتك ” !! لفظًا كان جديدا جدا على مسامعه، ولم يتوقع في يوم من الأيام أن يسمعه أو يختبر مذاقه ..
ـ سرحان في إيه يا حسن ؟!
تساءل سالم بقلق، فأجابه حسن بعد أن تنهد تنهيدة مرهقة:
ـ سرحان في حال الدنيا ، في يوم وليلة ترفعك من سابع أرض لسابع سما ، وفي يوم تاني ممكن تقلب عليك وتنزلك من سابع سما على جدور رقبتك وتخطف منك كل اللي منّت عليك بيه.
ـ متخافش من حاجه طول ما انا في ضهرك ، إنت مش قليل ولا أبوك قليل، إنت ابن سالم مرسال ، انت فرع من شجرة عيلة كبيرة وليها صيتها وتقلها ، وأوعدك من اللحظة دي هعمل كل اللي أقدر عليه عشان تعيش العيشة اللي تستاهلها وتليق بيك .
قاطع حديثهما رنين هاتف سالم برقم آخر شخص يرغب في سماع صوته الآن ، فزفر باستياء وضجر وهو يجيب المكالمة بصمت فإذ به يستمع إلى صوت عاصم يقول بهدوء مستفز:
ـ مساء الخير يا حمايا العزيز ، حبيت أفكرك إن ميعادنا النهارده الساعة ٩ بالدقيقة .. أنا عن نفسي هوصل قبل ميعادي كمان لأني مستعجل فياريت سيادتك متخلينيش أنتظر كتير لأني مبحبش الانتظار .
أنهى سالم الاتصال وهو يلعن تحت أنفاسه، مما أثار فضول حسن الذي تعجب انفعاله المفاجئ وتساءل:
ـ مين ده ؟!
فأجابه سالم باقتضاب موجز:
ـ ده هيكون جوز نسيم بنتي .. كتب الكتاب بالليل .
وصمت للحظة ثم أضاف بسرعة وكأنه يصحح ما قاله:
ـ أقصد نسيم أختك يعني ..
أومأ حسن بلا اكتراث ، فأضاف سالم :
ـ لو حابب تحضر كتب الكتاب وتكون شاهد كمان ده من حقك ، انت اخوها زيك زي فريد وعمر .
كان حسن ينظر من نافذته المجاورة، فحرك عينيه إلى النافذة الأمامية وهو يبتسم بسخرية ، لقد أثارت الكلمة حفيظته ، وجعلته يتعجب بشدة ، يا لسخرية القدر ، فريد الذي يبغضه كما يبغض الشيطان وأشد ، وعمر الذي كان يضعه على طريق الهلاك بيديه ، الاثنان شقيقاه !!
تنهد سالم عندما رأى صمته وقال :
ـ اسمعني يا حسن ، أنا عندي خلفية عن الخلافات اللي بينك انت وفريد عشان نغم .. وعارف ان في صدامات بينكم بسببها، بس ده كان زمان ، إنما دلوقتي انتوا اخوات .. يعني لازم تنهوا أي عداوة بينكم مهما كانت ..
ـ نغم بنت خالتي ومكانها في قلبي عمره ما هيتغير لا عشان أخويا ولا عشان أبويا حتى ! وبعدين أولى تقول الكلام ده لابنك .. هو اللي دخل حياتها وخربها وقلب حالها ..
تنهد سالم بأسى وقال:
ـ هو ابني وانت كمان ابني وعشان كده…
قاطعه حسن بحدة وقد تبدل هدوءع إلى انفعال أهوج وقال بعصبية:
ـ أنا لحد دلوقتي مش ابنك ، وبصراحة بقا لسه مش مصدق الحوار العبيط ده كله ، أنا مش عارف أنا قاعد معاك وبسمعك ليه أصلا، المفروض قبل ما اسمع منك أسمع منها هي كمان وأعرف الحقيقة
ـ الحقيقة إنك ابني ومن صُلبي ، هي نفسها قالت كده ..
ـ و إيه اللي مخليك مصدقها أوي كده ؟! مش يمكن كل كلامها كان كدبه عشان تمنعني إني أموت ابنك ؟! رد عليا يا سالم باشا ؟ كلامي صح ولا غلط ؟!
صمت سالم ، لم يملك ما يقوله ، حسن محق، فكلام عائشة ليس دليلا قاطعا ، لا زال هناك مجالًا للشك طالما أنه لم يتأكد من إثبات نسبه إليه ، وحتى إحساسه الذي يؤكد له أنه ابنه لا يعد برهانًا قويًا ..
ـ طالما سكت يبقا كلامي صح، وأنا زي الأهطل قاعد معاك وبسمع لك قبل ما أسمع منها ..
فتح الباب وترجل، فأضاف سالم بقوة:
ـ مش هتسمع كلام مختلف يا حسن ، انت ابني وأنا أبوك أنا متأكد .. عاوز تسمع منها براحتك ، حقك .. وبعد ما تسمع منها هترجع وتقوللي معاك حق ..
لم ينتظر حسن ، قطع طريقه نحو شقته على الفور ، وتجاهل كل ما يشعر به نحو سالم ونحو حديثه، وقرر أن يستمع إلى الحقيقة منها أولا .. بالتأكيد لديها شيئا تقوله ، بالتأكيد لديها شيئا تبرر به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية محسنين الغرام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى