رواية محسنين الغرام الفصل الثامن عشر 18 بقلم نعمة حسن
رواية محسنين الغرام الجزء الثامن عشر
رواية محسنين الغرام البارت الثامن عشر

رواية محسنين الغرام الحلقة الثامنة عشر
ـ ١٨ ـ ~ رماد تذروه الرياح ! ~
ــــــــــــــــــــــــــ
انقضى الليل بالكامل وهي تجلس أمام الساعة تترقب عودته وقلبها يشتعل قلقًا ، الساعة الآن تدق السادسة صباحا وهو لم يعد بعد، نهضت وصلت صلاة الفجر، ثم جلست خلف نافذة غرفتها تنتظر أن يظهر وهي تردد بلوعة وقلق:
ـ يا رب جيب العواقب سليمة.
دقائق ورأته قد ظهر من بعيد، فتنهدت براحة وحمدت الله، ثم خرجت لتستقبله بلهفة.
فتحت له الباب قبل أن يطرقه، فنظر إليها متعجبًا وقال:
ـ صاحية ليه لحد دلوقتى ياما ؟
تفحصت وجهه، على ما يبدو مرهقًا للغاية وكأنه كان يخوض نِزالا ضاريًا، لذا تساءلت بعتاب قاسي:
ـ على أساس إني هيجيلي نوم وانت غايب ؟! كنت فين يا حسن لحد دلوقتي؟
ـ مش وقته ياما.. أنا مقتول نوم.. مش قادر أقف على حيلي، أنام ساعتين وأصحى أحكيلك كل حاجه.
ودخل غرفته وأغلق الباب خلفه وتركها في الخارج تتطلع إلى أثره بارتياب وحيرة ، قلبها يحدثها أن ثمة شيئا ما قد حدث، أو يحدث وهي تجهله، فهذا هو ابنها وتعرفه، عندما يمل يبحث عن المشاكل لكسر الرتابة.
دخلت غرفتها لكي تستريح ، وتمددت فوق سريرها وهي تتمتم بقلبٍ هش:
ـ يا رب نجيه واحميه من شر نفسه حسن ابن عيشة.
بينما بغرفة حسن كان يجلس على طرف فراشه، ثم استل هاتف نهال من جيبه وأخذ يطالعه بتفكير، لا يعرف كيف تمالك نفسه طيلة اليوم ولم يتصل بنغم ويسمع صوتها الذي اشتاقه جدا، ربما لأنه يعرف أنها مجنونة ومن الممكن أن تضيع من يديه مجددا بعدما أصبح الحصول عليها وشيكًا ، لذا فعليه أن يرسم خطة مُحكمة لكي يتمكن منها ويستردها حتى لو بالقوة.
فتح الهاتف، ثم قام بكتابة رسالة إلى نغم ..
” بكرة خالتك هتبقى معايا وعايزة تشوفك ضروري عشان وحشتيها، هنستناكي عند الصيدلية اللي قدام المستشفى الساعة ١٠ اوعي تتأخري ”
قام بإرسال الرسالة وظل شاردًا يتخيل ردة فعلها عندما تصلها الرسالة، ثم قام بإغلاق الهاتف لأنه يعلم أنها ستتصل فور أن تقرأ الرسالة، وأخفى الهاتف بين ملابسه بالخِزانة ثم ألقى بجسده على الفراش بتعب وأغمض عينيه ينشد الراحة والسقوط في بئر النوم ولكن عقله المنشغل لم يمنحه الفرصة.
كان يفكر في كل شيء ، تفاصيل ذلك اليوم الطويل وأحداثه الكثيرة التي انتهت بزواجه من فيفي، والمليون جنيه التي حصل عليه نظير الاتفاق والذي قام بإيداعه في البنك فورا لحين تستقر برأسه فكرة لكيفية استغلاله .
في الواقع ، لقد قرر أن يكون أول مبلغ ينفقه من المليون جنيه لأجل نغم، سيشتري لها ملابس جديدة وغرفة نوم حديثة، سيحاول تعويضها ولو بالقليل مما عانته معهم، وإذا كانت قد هربت من أجل المال كما أخبرته كلا من نهال وفيفي فها هو سيصبح من ذوي الأموال، وسيحاول بكل الطرق الممكنة سد تلك الفجوة بينهما والبدء من جديد. وهذا السبب بالتحديد هو ما جعله يستجيب لطلب فيفي للزواج منها.
لأنه كان واقعًا بين المطرقة والسندان ، من جهة يحتاج المال الذي من شأنه أن يجمعه بنغم من جديد، ومن جهة أخرى لم يكن بالقوة الكافية التي تؤهله للتصدي لبطش فيفي وقوتها، والذي من الواضح وضوح الشمس أن الجميع يساندونها بما فيهم ضابط الشرطة الذي أرسل إليه رسالة مباشرة بألا يثير غضبها.
لذا فلم يملك حينها إلا أن يقبل بالأمر الواقع ويسير مع التيار عاملًا بمبدأ إن لم تستطع إيقاف الأمواج فعليك تعلم ركوبها.
***
استيقظت نغم على اهتزاز هاتفها بجوارها، تريثت لدقيقة ثم أمسكت بالهاتف لتتحقق من الرسالة الواردة، وما إن رأتها حتى جلست بمكانها وهي تطالعها لفترة طويلة وتقرأها مرات عديدة لكي تتأكد من أن ما تقرأه ليس وهمًا أو حلمًا مثلا، خفق قلبها بقوة وهي تتخيل لقاء خالتها بعد ذلك الغياب ، وبدون تردد قامت بالاتصال بنهال لكي تتأكد مما قرأته ولكن الهاتف كان مغلقًا!
تنهدت بحيرة وأخذت تحدث نفسها، لقد أخبرتها نهال بالأمس أن خالتها غاضبة منها ولن تسامحها وحسبتها قد ماتت ، فكيف تغير موقفها بتلك السرعة؟ وكيف كانت غاضبة منها بذلك القدر في الأمس والآن تخبرها نهال أنها مشتاقة إليها ؟!
هناك خطأ ما ولكنها غير قادرة على تحديده، ولكن ما تعرفه بحق أنها ستهرول إليها وترتمي عند قدميها وتطلب منها الصفح والغفران ، ستطلب منها أن تسامحها و تشرح لها الصورة كاملة، ومن الممكن أن تلجأ لفريد لكي يؤمن لها مكانا تعيش فيه برفقة خالتها لكي تبتعدا تمامًا عن حسن.
ولكن.. كيف ستخرج من المنزل وما هي الذريعة التي ستتذرع بها؟ من المفترض أنها فاقدة للذاكرة ولا تعرف مكانًا ولا أحدًا للذهاب إليه، لذا عليها أن تلجأ إلى فريد فهو الوحيد القادر على مساعدتها ، بالإضافة إلى أنها أعطته وعدًا بالأمس أنها ستخبره في حال احتاجت للمساعدة، وها هي في أشد الحاجة إليها.
نهضت وأخذت حماما ثم ارتدت ثيابا جديدة، قميصًا وسروالًا من الجينز الأزرق الفاتح، وجدلت شعرها في جديلة بنية بسيطة، ثم غادرت الغرفة.
خرجت إلى الحديقة لكي تتنفس هواءً جديدا وتنعم ببعض الهدوء قبل أن يعج يومها بالفوضى وتفقد هدوءها برؤية ساكني بيت الأشباح، وما إن استقبلها الهواء الطلق حتى أغمضت عينيها باسترخاء وأخذت شهيقًا طويلا ملأت به رئتيها وزفرته على مهلٍ، ثم توجهت نحو الأرجوحة حيث نشأت بينهما علاقة وطيدة ، جلست عليها وأسندت ظهرها إليها باسترخاء وأغمضت عينيها وهي تتأرجح فوقها ببطء وهدوء.
بينما في الأعلى كان فريد يقف بشرفة غرفته يشاهدها، مأخوذًا بتلك الالتقاطة الحية للجمال المتجسد فيها هي ، وبدون تردد وجد نفسه يدخل غرفته ويخرج دفتر الرسم الخاص به والقلم، ثم خرج الى الشرفة مجددا ووقف يرسمها، يرسم كل تفصيلة كما هي بالواقع، ظهرها مسترخٍ لظهر الأرجوحة، رأسها مائل قليلا وعيناها مغمضتان، ويدها تعبث بجديلتها التي ترتكز على صدرها.
انتهى من رسمها وأخذ ينظر إلى ما رسمهُ برضا، لقد نجح في الاحتفاظ بلحظة منها، نجح في رسم لوحة مميزة جدًا ستنضم إلى باقي لوحاته التي لا يرسم فيها سوى اللحظات التي تستحق الخلود.
في تلك الأثناء خرج عمر من باب الڤيلا وهو يحمل على كتفه حقيبته الرياضية، فتفاجأ بها وذهب نحوها على الفور، وجدها تجلس في حالة انسجام وكأنها منفصلة تماما عن الواقع فحمحم بهدوء وقال:
ـ صباح الخير.
انتفضت بذعر في مكانها، وهبت واقفة وهي تقول بارتباك:
ـ صباح النور.
نظر إلى هيئتها الجميلة بتركيز وقال مبتسمًا:
ـ أنا آسف لو أزعجتك، يظهر إنك كنتي سرحانة .
ـ لا أبدا.. أنا كنت داخلة أصلا.
ـ لا بليز خليكي مش عايز أحس إني جيت ضايقتك.. على العموم أنا كدة كدة خارج بس حبيت أصبح عليكي قبل ما أمشي.
هزت رأسها بتفهم وقالت بابتسامة لطيفة:
ـ شكرا..
ـ يلا .. سي يو.
هزت رأسها مجددا فانصرف فرفعت هي يديها تمسح بها على شعرها وهي تتنهد ، فوقعت عيناها على فريد الذي يقف بشرفته، وما إن رآها تنظر صوبه حتى انسحب ودخل، فدخلت إلى الڤيلا وصعدت إلى الطابق العلوي حيث غرفته، طرقت الباب وهي تتلفت حولها بتوتر بالغ ولم تلحظ سالم الذي رآها حيث كان بصدد الخروج من غرفته ولكنه تراجع لكي لا تراه، وما إن فتح فريد الباب حتى دلفت مسرعة دون مقدمات.
وقف فريد ينظر إليها متعجبًا زيارتها الصباحية المفاجئة، وانتظر لكي تبدأ بالحديث، فبالتأكيد لديها ما تقوله وإلا فلما أتت إليه منذ الصباح ؟
فتنهدت هي وقالت بتوتر:
ـ صباح الخير.
ـ صباح النور.
نطقها بصوتٍ عميق هادئ، فتابعت وهي تعبث بأصابعها بتوتر:
ـ أنا آسفة إني جيالك دلوقتي ، بس الحقيقة .. أنا كنت محتاجة مساعدتك في حاجة ضرورية جدا.
وأشارت برأسها للجانب وهي تقول:
ـ يعني… لأني وعدتك امبارح إني لو احتجت مساعدة هقولك.
أومأ برأسه إيماءة واحدة ولم تغادر نظرته عينيها، فابتلعت ريقها بارتباك وزفرت بقوة ثم قالت:
ـ ينفع تساعدني في إني أقدر أخرج أشوف خالتي ؟!
ضيق عينيه باستفهام، شيئا ما غير مفهوم بالمرة فيما تقوله، أليست خالتها تلك هي نفسها التي أخبرتها صديقتها أنها غاضبة منها و و و.. ؟! ونغم بنفسها تعرف ذلك ، فكيف إذًا ستذهب لرؤيتها ؟!
حك ذقنه بأصبعه بتفكير ثم قال متسائلا بهدوء :
ـ خالتك ؟!
أومأت أن نعم فقال:
ـ هتشوفيها إزاي؟
ـ هنتقابل عند المستشفى اللي بتتعالج فيها.. أنا مش عارفة الطريق من هنا للمستشفى بيكون إزاي وفي نفس الوقت مش عارفة هقول لهم خارجة رايحة فين .
هز رأسه بتفهم، ثم تساءل قائلا:
ـ انتي كلمتيها ولا اتفقتوا إزاي؟
ـ نهال صاحبتي بعتتلي رسالة وقالتلي إنهم هيستنوني عند المستشفى اللي خالتي بتتعالج فيها.
أخذ يدلك جبهته قليلا بتفكير، ثم تسلقت نظرته وجهتها على مهل، يعتريه مزيج غريب من الحذر والترقب، ثم تنهد تنهيدة متعبة وقال:
ـ اوكي مفيش عندي مانع، بس انتِ متأكدة من إن الخطوة دي صح؟
ـ مش فاهمة ؟
تنهد وهو يشرح لها ويفسر ما يريد قوله :
ـ خالتك أكيد هتسألك انتي قاعدة فين؟ وليه؟ وهتطلب منك ترجعي معاها البيت، ولو رفضتي مش قادر بصراحة أخمن رد فعلها هيكون ازاي، هل انتي مستعدة لكل ده ؟! ومستعدة لأي مفاجآت ؟
قطبت جبينها بتعجب وقالت:
ـ مفاجآت زي إيه ؟
ـ مش عارف، بس لازم تتوقعي كل حاجه وتجهزي ردود أفعال كمان.
فرت تنهيدة من بين شفتيها، ثم جالت عيناها الجميلتين في الأرجاء بحيرة وهو يقف أمامها يراقبهما باهتمام، فهزت رأسها وأغلقت عينيها لبرهة بانهزام تجلّى واضحًا أمامه، وقالت وكأنها تتحدث إلى نفسها:
مش عارفه حاجة، مش عارفه ممكن يحصل إيه، أو ردي هيكون إيه، كل اللي أنا عارفاه اني نفسي أشوفها واترمي في حضنها.. عايزة أوضح لها أنا مشيت ليه وسيبت البيت وأطلب منها تسامحني، عاوزة اطمنها عليا لأني متأكدة إنها حتى وهي زعلانه مني أكيد قلبها واكلها عليا .
نظر إليها ، عيناها تلمعان بدموع عنيدة تأبى السقوط، تبدو بائسة جدًا بطريقة تثير الشفقة في قلب أي رجل، فكيف برجل مثله قلبهُ يفيض بالحنان ؟
ـ تمام.. أنا معاكي. هنروح امتى ؟!
رفعت عينيها إليه، تلاقت نظراتهما لثوان طويلة، قبل أن تجيبه قائلة:
ـ الساعة ١٠ المفروض.
ـ أوكي، بعد الفطار نخرج.
أومأت بموافقة يتخللها بعض الحماس ثم قالت:
ـ تمام.. عن اذنك .
انسحبت وأدرات المقبض ثم التفتت مجددا ونظرت إليه قائلة :
ـ فريد بيه..
نظر إليها وهز رأسه متسائلا فقالت:
ـ متشكرة جدا.
أومأ بشبه ابتسامة واستدارت لتغادر قبل أن يناديها قائلا:
ـ نغم..
ضجت الغرفة كلها بصوت ضربات قلبها بعد أن استمعت إليه يناديها باسمها ببساطة وكأنهما صديقان ، فنظرت إليه مستفهمة فقال:
ـ فريد بس.
وصل صوته إلى مسامعها بطريقة راقتها كثيرا، أشعرتها وكأن شيئا ما بهذا الرجل لم تعرفه بعد ولم يظهر على حقيقته، هذا الرجل الفريد ربما يخفي حنانًا بالغًا خلف شخصية القطب الشمالي التي يظهرها طوال الوقت، يخفي شيئا يستحق التوقف عنده واستكشافه، وهي تتوق لفعل ذلك فعلا، أن تستكشف ما بداخله وتغوص في أعماقه ولو لمرة، متأكدة أنها ستعثر على نسخة مغايرة تماما للنسخة التي هو عليها الآن.
غادرت غرفته بحذر، وبينما هي توصد الباب وتلتفت اصطدمت بنسيم التي خرجت من غرفتها فتمتمت نغم قائلة بتوتر وحرج:
ـ معلش أنا آسفة ..
نظرت إليها نسيم بصمت، تفقدت ملامحها المتوترة وتطلعت نحو باب فريد، ففهمت نغم على الفور سر استهجانها ونظراتها المستفهمة، ولكنها لم تجد ما تقوله، وظهر الارتباك جليًا على وجهها وارتجافة فكها، ثم نظرت إلى نسيم بعفوية شديدة وقالت:
ـ شكلك حلو أوي النهارده.
قابلت نسيم إطرائها بصمت معتاد، فهي نادرًا ما تتكلم أو ترد، ودائما تكتفي بالإيماء ، حتى من الممكن أن تظل صامتة لأيام عديدة، والجميع هنا أصبحوا يعرفون ويتفهمون ذلك.
انفرج باب غرفة في الجهة المقابلة فتعلقت عينا نغم به ، وإذا بها ترى چيلان وهي تخرج، مختالةً ببدلتها السوداء الرسمية وتحتها قميصًا بفتحة صدر لا بأس بها، تفقدت نغم إطلالتها باستغراب وتركيز واهتمام في آنٍ واحد، بينما في المقابل كانت چيلان تحدق بها بصدمة مستنكرة لم تستطع كبحها أو منعها وقالت:
ـ انتِ بتعملي إيه هنا ؟!
شحب وجه نغم واحمرت أذنيها بخوف، وتلعثمت وهي تحاول الرد بإجابة لا تثير الجدل ، لتجد نسيم وقد سبقتها قائلةً بهدوء :
ـ كانت عندي.
نظرت نغم إلى نسيم باستغراب، لم تتوقع أن تدرأ عنها ذلك الحرج وتعفيها من اختلاق كذبة قد تكون حمقاء وتثير الشكوك أكثر، بينما تحدثت چيلان باستنكار وهي تضيق ما بين حاجبيها المنمقين بغرابة وتقول:
ـ كانت عندك ؟! هه.. والله كويس.
مطت شفتيها وتابعت بازدراء واضح:
ـ كمان يومين هنتفاجيء كلنا إنها بقالها اوضة جمبنا.
وتركتهما واقفتين والصمت يتردد بينهما، ثم نزلت إلى الطابق السفلي ، وقبل أن تتحدث نغم وتشكر نسيم كانت قد قالت:
ـ يلا ننزل..
نزلت نسيم، تتبعها نغم، يتبعهما فريد الذي كان يستمع لما دار من وراء باب غرفته، وكم كان ممتنًا لذكاء أخته وطريقة احتواءها للموقف، ثم توجهوا جميعا نحو غرفة الطعام لكي يتناولوا فطورهم.
اتخذ كل واحدٍ منهم مكانه حول المائدة، ودارت بينهم حرب نظرات طاحنة ، إلى أن دخل سالم ملقيًا تحية الصباح، ومن ثم جلس على رأس الطاولة متسائلا:
ـ فين عمر ؟
هنالك برز صوت عمر الذي دخل مهرولا للتو وقال:
ـ أنا لسة راجع من التمرين حالا، هاخد شاور بسرعة وألحقكم.
ليشير إليه والده بصرامة لا تقبل المناقشة قائلا:
ـ الشاور يستنى إنما الفطار لأ.. اقعد افطر الأول.
تقدم عمر منهم وجلس على شمال والده، فاسترعى انتباهه حديث والدته الخافت حين قالت:
ـ أنا مسافرة دبي.
لم ينظر إليها سالم، وتساءل وهو يمضغ الطعام بهدوء وتريث وينظر أمامه دون نقطة محددة:
ـ ليه ؟!
ـ هغير جو يومين وأرجع.
انحرفت نادية عن الإجابة الصحيحة لأنها لا تريد الخوض في سِجال عديم الفائدة معه، فبالتأكيد لن تشاركه همومها حول ابنتها ولن تخبره أنها قلقة بشأنها لذا ستسافر للاطمئنان عليها، فهي تعرف موقفه تجاه سفرها وإقامتها بمفردها، وكثيرا ما كانت تلك النقطة محل جدال بينهما، لذا اختارت أن تجيبه باقتضاب، فرأته يوميء وهو يعود بناظريه إلى طبقه من جديد ويقول بإيجاز:
ـ مفيش مشكلة.
كانت نغم تراقب الحديث بعينيها، وأذنيها المتطفلتين تستطيلان رغبةً في الوصول لعندهما دون جدوى، فكل ما يحدث في هذا البيت يثير فضولها بحق، وبينما هي تختلس النظر نحو وجوه الجالسين وقعت عيناها على فريد الذي يبدو وكأنه يحارب شيئا ما.
عيناه مثبتتان نحو شيئ ما، وملامحه متجهمة للغاية ومنقبضة بشكل أثار تعجبها، لتجده وقد نهض بعد دقيقتين فقط وهو يقول:
ـ أنا شبعت.
ثم نظر إلى نغم قائلا:
ـ المفروض إني حجزتلك ميعاد مع دكتور مخ وأعصاب عشان تبدأي تتابعي معاه بس نسيت أبلغك إمبارح.
نظرت إليه للحظات، فهمت أن هذه هي الذريعة التي ستخرج من البيت على أساسها، ثم أومأت وتساءلت:
ـ إمتا ؟
ـ كمان ساعة، يعني يدوب بعد ما تخلصي فطارك نتحرك.
هزت رأسها بموافقة ونهضت وهي تتلاشى النظر حولها بتوتر وهي تقول:
ـ أنا خلاص شبعت الحمد لله.. عن اذنكم .
كان سالم يلجم ابتسامته بصعوبة، فهذان يبدوان في عينيه حمقى للغاية، يختلقان كذبة يتذرعان بها للخروج سويًا، وعلى ما يبدو أن كيوبيد قد أطلق سهامه ووقع ابنه اللامبالي في العشق، وهذا ما أثار رضاه وجعله مرتاحًا بقدر كبير، فبعد أن رآها وهي تدخل إلى غرفته في الصباح ظن أنها ربما تكون تحاول التودد إليه والتقرب منه، ولكن بعد أن رأي نظرات ابنه تجاهها، واستمع إلى كذبة الطبيب عرف أن علاقتهما بدأت تتخذ المنحنى الذي كان يرغب فيه منذ البداية.
***
بعد مرور ساعة..
كان فريد قد وقف بسيارته أمام المكان الذي أخبرته عنه نغم، وأخذ يتفقد المكان من حوله ثم نظر إليها قائلا:
ـ المفروض هيستنوكي فين بالتحديد ؟
كانت تنظر حولها باهتمام وهي تقول:
ـ المفروض هنا، بس ممكن تكون الجلسة لسه مخلصتش.
ـ طيب حاولي تكلمي صاحبتك وعرفيها إنك مستنية .
أومأت بموافقة وأخرجت الهاتف من حقيبتها ثم قامت بالاتصال بنهال وهي تنظر إليه وتقول:
ـ بردو مقفول.
تحركت مقلتيه وكأنه يفكر في شيئ ما، ثم قال بتساؤل يحمل بين طياته الشك:
ـ مش شايفة إنها غريبة شوية ؟! يعني من وقت ما بعتتلك الرسالة قافلة التليفون ؟!
هي أيضًا تشعر أن ثمة خطب ما ولكنها غير قادرة على معرفته، فقالت وهي تحاول إيهام نفسها:
ـ مش عارفه ، بس ممكن فصل شحن أو حاجه!
مط شفتيه وقال بإيجاز :
ـ كل شيء جايز.
أخذت تمسح المكان بعينيها اللتين تلمعان بلهفة وحماس وقلق في نفس الوقت ، تنظر من نافذتها المجاورة ثم تعود وتنظر نحو الجانب الآخر من خلال نافذته، وهو يجلس بمقعده بثبات يشاهد كيف تتأجج نيران الشوق بعينيها الجميلتين.
ووجد نفسه على حين غفلة يحرر عينيها ويسمح لنفسه بالغوص في ملامحها أكثر، ملامحها المتفردة التي لم يرَ أي امرأة تشاركها فيها من قبل.
وأخذ يجمع تفاصيلها كما تُجمع الأدلة الجنائية تمامًا ، يلتقط هاتين العينين المسحوبتين اللتين تبرقان جاذبية، تتوسطهما حدقتين بنيتين آسرتين تشعان دفئًا ، وأنفًا مستقيمًا .. إلى هنا وتوقف.. وأخذ يسترجع ما قرأهُ ذات يوم في كتاب يخص علم الفراسة ولغة الجسد، عن أصحاب الأنوف المستقيمة وكيف أنهم يمتازون بالتسامح والطيبة والبساطة والجدارة بالثقة، إضافة إلى كونهم مخلصين ويمكنهم تقديم كل ما لديهم من أجل البقاء مع أحبائهم، وميزتهم الأهم هي قدرتهم على حفظ الأسرار والوعود. ووجد نفسه يفكر، هل من الممكن أن تنطبق تلك الصفات عليها فعلا أم أنه مجرد كلام على ورق ولا حقيقة له على أرض الواقع ؟ انتهى من تأمل أنفها وتحليله حين هبطت عيناه واستقرت فوق شفتيها، تبّا لذلك.. إنها تَضع مُلمع شِفاه شفافًا يجعل شفتيها اللينتان قاتلتان وناعمتان في آن واحد، سلاحًا ذو حدين أحلاهما حلو .. حينئذ تذكر قُبلتها المجنونة، والقُبلة التي تبادلاها في منامه، تذكر أيضًا ذلك الشعور الجميل الذي أقسم يومها أنه لم يشعر به مطلقًا ويظن أنه لن يفعل مجددا.
وبينما هو يتجول في صفحة وجهها، أسيرًا لملامحها المميزة جذبهُ صوتها القلِق حين قالت:
ـ اتأخروا .. يمكن مش جايين !
انتبه من شروده وحمحم وهو يعتدل بالمقعد وينظر حيث تركز عينيها ثم قال:
ـ نستنى شوية كمان مش مشكلة .
نظرت إليه وقالت :
ـ أنا آسفة جدا إني بعطلك معايا .
فأجابها بهدوء:
ـ ولا يهمك .
ـ أنا بفكر أنزل أستناهم قدام الصيدلية أو أدخل لهم المستشفى.
قطب جبينه وهز رأسه وهو يقول:
ـ لا أنا شايف إنها خطوة مش مضمونة، الأضمن إنك تفضلي معايا هنا ولما يظهروا تنزلي لهم.
وفجأة .. هتفت وهي تشير بسبابتها قائلةً:
ـ نهال أهي.
نظر حيث تشير، فرأى شابة تقف على بُعد أمتار منهما، تتلفت يمينًا ويسارًا وكأنها تبحث عن أحدٍ ما فقال:
ـ اللي لابسة أزرق هناك دي ؟
أومأت وهي تميل لتفتح باب السيارة فاستوقفها وهو يمسك بذراعها قائلا:
ـ استني.
نظرت إليه باستفهام فقال:
ـ بس دي لوحدها ، فين خالتك ؟
ـ مش عارفه ، جايز تكون في المستشفى لسة مخرجتش.. هي بعد الجلسة بتكون تعبانة.
نظر إليها وهز رأسه موافقا ، ثم طالعها مجددا بارتياب وقال متسائلا فخرج السؤال منه متذبذبًا وقلِقا أكثر مما كان يتمنى:
ـ هترجعي تاني مش كده ؟!
تفاجأت بسؤاله، بل لظنه، هل يظن أنها ستهرب منه مثلا وتعود إلى خالتها؟ تعود إلى الجحيم من جديد ؟! فتنهدت وظهر على ثغرها ابتسامة قليلة الحيلة وقالت:
ـ أكيد هرجع ..
تنهد والشك لازال يساوره، ولكنه لا يملك أن يمنعها، ولا يملك أن يفصح لها عن شكوكه ومخاوفه لأنها في الأصل لم تخبره شيئا ، ماذا سيقول لها؟ هل سيقول أنا لدي شكوك حول صديقتك نهال التي لم تخبريني عنها شيئا من الأساس وتلك الشكوك ناتجة عن سماعي لمكالماتك التي أرصدها عبر هاتفي الذي يخترق هاتفك ؟! بالطبع هذا ليس الوقت ولا المكان المناسبين لكي يمنحها ذلك الإقرار، لذا سيلتزم الصمت، سيمنحها الثقة ويصدق وعدها، لا خيار آخر.
أومأ برأسه ففتحت الباب وترجلت، استدارت حول السيارة لكي تذهب للجهة الأخرى حيث تقف نهال، وعينا فريد تلاحقانها بتوتر.
وصلت إلى نهال التي ما إن رأت هيئتها المرتبة المفعمة بالحياة حتى اشتعلت النيران بقلبها من جديد ونظرت إليها بغير تصديق وقالت:
ـ نغم ؟! إيه اللي بدل حالك كده ؟!
ـ فين خالتي يا نهال ؟! انتِ مش قُلتي هتستناني معاكي ؟
ـ خالتك عندي.. تعبت بعد ما خلصت الجلسة ووصلتها عندي البيت وجيت عشان أخدك تشوفيها
نظرت إليها نغم بشك، وسرعان ما التقطت نهال ذلك الشك الواضح في عينيها، فقالت وهي تحاول إخفاء حقدها الدفين:
ـ ولا كنتي عايزة حسن يشوفنا مثلا ويعرف إننا بنقابلك؟ ما انتي عارفة إنه عامل زي فرقع لوز وممكن يطلع لنا من أي حته .
استطاعت ولو بقدر ضئيل أن تقنعها، فهي تعرف أنها حتما ستقتنع حال ارتبط الأمر بحسن، فتابعت قائلة:
ـ مالك خايفة كده ليه ده كلها خطوتين من هنا لبيتي، وبعدين مش هنأخرك يا ستي عايزة تمشي إمشي.
وأخذت تتفحص ملابسها التي تبدو رغم بساطتها غالية الثمن، والحقيبة والحذاء اللذان يبدوان بمبلغ وقدره، ثم قالت بتهكم مبطن:
ـ واضح إنك مستعجلة عايزة ترجعي المكان اللي جيتي منه بسرعة.
حركت كلماتها شيئا داخلها، شيئا ضغطها ومنع راحتها، فمسحت على وجهها بحيرة وضيق، الأمر أصعب مما قد يتخيل أي شخص، إنها الآن تقف في صراع بين الشوق والخوف، وشوقها لخالتها يغلب أي خوف، فمجرد أنها تقف الآن وتفكر وتتردد فيما إذا كانت ستذهب لخالتها أم لا يجعلها تشعر بالخزي من نفسها.
فتنهدت باستسلام وسارت خلفها، خطوات بسيطة وكانتا قد وصلتا إلى المبنى الذي تسكن فيه نهال، استقلتا المصعد فتذكرت نغم على الفور المرة التي جاءت لنهال ويومها نشلت جزدان أحد السكان، وكم احتقرت فعلتها الآن، وودت لو عاد بها الزمن وأصلحت جميع أخطاءها البشعة التي اقترفتها في حقها وحق الغير.
توقف المصعد، فخرجتا منه وقادتها نهال نحو الشقة، فتحت الباب وأشارت لها بالدخول فطالعتها نغم بقلق ولكنها تحاملت على خوفها ودخلت خلفها.
أغلقت نهال الباب فتحدثت نغم على الفور متسائلة:
ـ فين خالتي ؟!
جالت بعينيها أرجاء المكان كله لتقع عيناها بصدمة على الرواق، حيث ظهر حسن الذي يدنو منها الآن ببطء وتمهل قاتلين !!!
***
في دبي ••
كانت چوليا تعي للتو من نومها، بعد ساعات طويلة لا تعلم عددها، فبعد خروجها من المركز الطبي بعد إتمام عملية الإجهاض ووصولها البيت وهي تغط في نومٍ عميق، أطلقت آهة مكتومة بتعب، ونادت نداءً خافتا على شريف، وكررت النداء دون جدوى. فغلبها الظن أنه إما نائما بالغرفة المجاورة، أو قد خرج .
مدت يدها إلى جوارها تحاول التقاط هاتفها لكي تعرف كم الوقت ، فهي تشعر أنها قد نامت لسنوات وليس ساعات، لتجد ورقة مطوية بجوارها ، التفتت برأسها وفتحت عينيها على آخرهما، ثم اعتدلت وهي تحارب ألمها وحالة الإعياء المتمكنة منها، ثم التقطت الورقة وريقها قد انزلق تلقائيا بخوف، وقلبها يحدثها بشيئ ما..
فتحت الورقة، فوجدت شريف وقد خط بيده رسالة إليها يقول فيها:
” أنا آسف اضطريت أمشي وانتِ نايمة، محبتش أزعجك لأني عارف إنك كنتي تعبانة جدا بعد ليلة إمبارح، صدقيني حبيبتي كان نفسي أفضل جمبك لحد ما أتطمن إنك بقيتي كويسة بس عندي شغل ضروري جدا عشان كده اضطريت أسافر ، هستناكي أول ما تصحي تطمنيني عليكي ”
قرأت ما دونه بقهر، وتفاقم شعورها بالحقد تجاهه، وكذلك شعورها بالأسف على نفسها، فجعدت الرسالة بين قبضتها وألقت بها على طول ذراعها وهي تقول بغضب:
ـ إنسان حقير.. بكرهك !
ارتفع رنين هاتفها معلنا عن وصول اتصال من چيلان فتجاهلت الاتصال وظلت تبكي بصمت..
وبعد نوبة بكاء قصيرة أمسكت هاتفها وحاولت الاتصال به، ستوبخه، ولكن بعد أن تستمد بعض القوة من صوته، ستعنفه وتلقي عليه وابلًا من الشتائم بجميع اللغات، ولكن بعدها ستطلب منه ألا يتركها لأنها الآن في أمسّ الحاجة إليه ، ستخبره أنه أحقر وأقذر رجل مر عليها في حياتها كلها، وبعدها ستعتذر وتطلب منه بعض الحنان والعطف.
ولكن هاتفه المغلق كان هو الرادع أمام تلك التقلبات العاطفية المَرضية المهلكة، وهو ما قطع الطريق أمامها نحو محاولة استجداء عطف فاشلة واستمالة حنان زائف.
المؤذي والمثير للشفقة أنها تعرف ذلك فعلا وتعترف به كونه حقيقة واضحة لا يمكن تغييرها أو الطعن فيها، ولكنها لا تملك حيلة للأسف، هي تعرف منذ سنوات أنه يتلاعب بها، وتعرف أنها مريضة به، ولكنها لم تحاول الشفاء منه أبدا، تركت نفسها لكي يزرع السم بها ويتلاعب بعاطفتها المتأججة طوال سنوات مراهقتها وشبابها، ويقتات على طاقتها وقوتها حتى إذا ما استنزفها كليًا تركها كالرماد تذروه الرياح .
تعرف أنها ضعيفة أمامه، في حضرة سيطرته وهيمنته عليها تصبح كالشحاذ الذي يتسول العطف والحنان، ولأن الشحاذ لا يختار الهبة فكانت تقبل بأي شيء يقدمه إليها على طبق المَن والإحسان، تقبل ولو بالقليل الذي لا تستحقه على أمل أن الغد أفضل وأنها ستنجح في جعله يتعلق بها كما في حالتها.
تعرف أنها علاقة سامة، مؤذية لأبعد حد، مَرَضية وغير سوية إطلاقا ، تعرف أنه شخص نرجسي، مظلم، وهي أمامه ضحية ضعيفة جدا.. كلما حاولت التمرد عليه كان يهددها بالانسحاب أو يعاقبها بالصمت فتعود مرغمةً إليه، تقدم له فروض الولاء والطاعة حتى يرضى، وتدور حول نفسها في نفس الدائرة من جديد.
نهضت وتحاملت على آلامها الجسدية والنفسية ، ودخلت إلى الحمام لكي تأخذ حمامًا ساخنًا وتبدل ثيابها، عليها أن تتعافى سريعا لكي تباشر حياتها من جديد ، ستلقيه في سلة مهملاتها ولن تلتفت إليه مجددا، وستلقنه درسا لن ينساه مدى حياته، ستجعله يندم ويطلب الصفح ولن يجده.. ستجعله يعرف كيف يكون الانتقام على قدر الحب!
***
ـ حسن !!
همست بها نغم بخفوت وهي تتراجع للخلف ببطء كلما دنا منها أكثر، ثم نظرت إلى نهال التي تطالعهما بغيظ وغضب وشماتة في آن واحد، وسألتها قائلةً بذهول:
ـ ليه عملتي فيا كده يا نهال ؟! منك لله أنا مش مسامحاكي أبدا.
قلبت نهال عينيها بازدراء وملل ثم قالت:
ـ متخافيش، حسن عايز يتكلم معاكي كلمتين وبس.
هنا برز صوت حسن الذي قال:
ـ اخرجي استني برا يا نهال لما نخلص كلام هنقولك.
تفاجأت نهال بطلبه، وأخذت تنظر إليه بصدمة، وكذلك نغم التي ذابت في مكانها من فرط الخوف وقالت :
ـ تخرج ليه ؟! إنت هتعمل فيا إيه ؟!
نظر إليها حسن وهو يحاول إخفاء شوقه وتوقه ولهفته، وتمسك جيدا بالوجه الصلب الذي يضعه وقال موجهًا حديثه للأخرى:
ـ اسمعي الكلام يا نهال ويلا اخرجي.. أنا مش عاوز أتكلم كتير..
زفرت نهال بضيق شديد وخرجت بدون جدال، بينما نغم لآخر لحظة تستجديها بنظراتها لئلا تتركها معه بمفردها.
ـ إيه، خايفة مني للدرجة دي ؟!
قالها حسن متسائلا باستنكار ، وابتسامة متألمة ظهرت جلية على محياه المكفهر الغاضب، فانزلق ريق نغم لا إراديا بخوف وهي تبتعد لتلتصق بالجدار وهو لازال يبتلع المسافة إليها بنهم، ثم توقف أمامها وقال بغضب:
ـ كنتي فين يا نغم ؟!
ـ عايز مني إيه يا حسن ؟! وجايبني هنا ليه وضحكت عليا إنت وهي وقولتولي إني هشوف خالتي ؟؟
نظر لملامحها التي اشتاقها كثيرا، ونزل بعينيه إلى الأسفل، الطوق الرقيق الذي يزين چيدها، وتبسم بسخرية وهو يتلمسه باستنكار فشعرت وكأنه صعقها فانتفضت وهي تعود للخلف مجددا..
ـ إيه ده كله .. يظهر إن العيشة ارتاحت عالآخر. وأنا اللي شايل همك طول المدة دي وبقول يا ترى راحت فين ؟!
لم تقوَ على مجابهة نظراته، تعرف أنها الآن مخيفة بالقدر الذي من الممكن أن يفقدها وعيها من فرط الخوف، وامتدت يدها تتشبث بطرف قميصها بخوف .
من هذه المسافة القريبة سمعت صوته منخفضًا وهادئًا وشبه أجش:
ـ بِعتي نفسك لمين يا نغم ؟!
دناءة كلماته صفعتها أقوى من خيانة نهال الخائنة لها وتواطؤها معه، فوجدت جسدها يهتز إثر الصدمة، وارتفعت نظراتها إلى عينيه بدون سيطرة ، ونظرت إليه بدهشة وقالت:
ـ بتقول إيه ؟!
رأت الألم يغزو عينيه، والغضب يحاربه ويحاول الانتصار عليه، والشك يحاول النيل منهما، رأت كل ذلك في حدقتيه اللامعتين الممتلئتين بالدموع، وفيما هي تنتظر أن يصحح ما فهمته، أو يصيغ سؤاله بصيغة أخرى أصح وأوضح وتنفي ما وصلها من دناءة وحقارة، سمعته يكرر سؤاله قائلا بهدوء.
ـ بِعتي نفسك لمين ؟! وسختي نفسك عشان الفلوس ؟!
همت بصفعه ولكنه كان أسرع منها، فأمسك بكفها الذي كان سيرتطم بخده وأعاد يدها إلى الأسفل واقترب منها أكثر وهو يقول بغضب واستهجان:
ـ أنا كنت رافض أصدق كلام نهال.. لما قالتلي نغم هربت مع واحد تاني، كنت فاهم إنك مشيتي بسببي وكنت بلوم نفسي طول الوقت إني السبب، بس اتضح إن كلامها كان صح، والدليل الأُبهة اللي انتي فيها، وسختي نفسك مع مين انطقي..
سالت دمعاتها وهي تحاول استيعاب ما يقوله، كل ما يحدث وما تسمعه الآن فوق تحملها، فخرج صوتها مهزوزًا ضائعا لأبعد حد:
ـ إنت إزاي تفكر فيا بالطريقة دي؟
ـ بقوللك ايه يا نغم اطلعي من دول.. أقسم بالله ما هتصعبي عليا ولا هصدقك تاني ، أنا ليا باللي أنا شايفُه قدامي، هدوم وشنط وجزم غالية..
والتقط حقيبتها من يدها وفتحها، وأخرج منها الهاتف مبتسمًا بسخرية وهو يشير به في وجهها ويقول:
ـ و عِدة آخر موديل تمنها يعدي ال٥٠ ألف جنية ، كل ده منين؟ فهميني انتِ .
لم تجد ما تقوله فعلا، بالطبع لن تقف أمامه وتشرح له عن الباشا طيب القلب الذي أهداها كل ذلك عِرفانًا بالجميل الذي صنعته مع عائلته. لأنها تعرف أنه لن يصدقها أساسا.
ـ ساكتة ليه انطقي، كدبيني، قوليلي إنت غلط.. أنا مش كدة.
نظرت إليه وهي تبكي بانهزام وأردفت:
ـ أنا فعلا مش كده يا حسن، وإنت عارف إني عمري ما أبيع نفسي لحد .. أنا تربية عيشة ، روحلها دلوقتي حالا وإسألها وهي تجاوبك إذا كان يطلع مني كده ولا لأ .
هز رأسه مبتسما بسخرية وتهكم، ثم قال:
ـ جو الصعبانيات ده مبقاش ياكل معايا خلاص، مش بعد ما تهربي من البيت في نص الليل وتختفي أسبوعين منعرفش عنك حاجة، ويوم ما تظهري تظهري ولا كأنك هانم بنت ذوات .. وعايزاني أصدق إن كل ده من الهوا ؟ عايزاني أصدق إنك مبتكدبيش وإنك مكنتيش مرافقالك واحد طول المدة اللي فااتت دي يبقى مفيش قدامك غير حل واحد ؟!
ابتلعت ريقها وهزت رأسها بتساؤل فقال وهو ينظر داخل عينيها بقوة:
ـ تيجي معايا دلوقتي حالا عند دكتورة تكشف عليكي ..
قطبت جبينها لثوان طويلة بغير فهم، وببطء شديد بدأ المعنى الذي يقصده بالزحف إلى عقلها، وما إن اتضحت الصورة كاملة أمامها وفهمت ما يعنيه بوضوح حتى اتسعت عينيها بصدمة وباغتتهُ بصفعة قوية هبطت على خده في حين غفلة..
***
كان فريد يجلس بسيارته، يهز قدميه بتوتر بالغ، لقد اختفت نغم عن الأنظار تماما وهذا ما يجعله مرتابًا ، مرت حوالي ربع ساعة ولم تعد، والآن لا يعرف هل عليه أن يكون متريثا وصبورا وينتظر عودتها، أم أنه مجرد وغد أحمق وسيظل بمكانه كثيرا لأنها لن تعود.
ضرب مقود السيارة بغضب وهتف بانفعال:
ـ غبي، مكانش لازم أسمع كلامها.
أمسك بهاتفه وقام بالاتصال بها، رن الهاتف مرتين ثم أُغلق ! وهذا ما جعله يثور ويصل غضبه إلى ذروته.
وأخذ يردد محاولا إيهام نفسه. ستعود.. لقد قطعت له وعدًا، وعليه أن يصدق وعدها.
على الفور أمسك بهاتفه وهو ينظر إلى ذلك التطبيق الذي يتعقب هاتفها والذي يشير نحو نقطة ليست ببعيدة، واستسلم لقلقه وهواجسه وقرر أن ينزل من السيارة ويلحق بها. لا يهم ما سيحدث بعدها، المهم هو أن يتأكد أنها بخير..
وصل أمام المبنى حيث يشير مؤشر التعقب إشارةً قوية ، فسأل حارس العقار قائلا:
ـ ممكن أعرف الشقة اللي ساكنه فيها مدام نهال رقم كام ؟!
هي محاولة ليس أكثر، لا يمكنه الجزم أن ذلك المبنى هو نفس المبنى الموجودين فيه، من الممكن أن يكون المبنى المجاور، ولكن بسؤاله ذلك سيتمكن من معرفة ما إذا كانت نهال تقطن هنا أم لا.. في النهاية لن يعتمد كليًا على متعقب الهاتف.
ـ تقصد مدام نهال حرم وحيد بيه السيوفي؟!
جذب الاسم انتباهه، وحيد السيوفي رجل أعمال معروف، واسمه ليس غريبا على مسامعه..
ـ وحيد السيوفي صاحب شركات التأمين ؟؟
قالها فريد متسائلا بفضول متعجبًا ، فأومأ الحارس مؤكدا وقال:
ـ أيوة هو.
وقف يفكر، هل يعقل أن هذه المثيرة للريبة متزوجة من رجل الأعمال وحيد السيوفي ؟! أم أنه مجرد تشابه أسماء وليست هي نهال صديقة نغم ؟! ولكن.. هل اليوم يوم الصدف مثلا ؟! ..
ـ أيوة هي.. هي دخلت قبل دقايق ومعاها صاحبتها، مظبوط ؟
ـ مظبوط.. الدور الرابع شقة رقم ٨
تنهد فريد بارتياح وشكره، ثم استقل المصعد وهو يفكر بتوتر، ماذا سيفعل إن كان كل شكه مجرد وهم وتكون هي الآن برفقة خالتها مثلا ؟! ماذا سيقول لهم؟ وبماذا سيعرف نفسه؟
توقف المصعد في الطابق الرابع فخرج فريد ليتفاجأ بنهال تقف أمام شقتها، تسند ظهرها إلى الحائط بملل وتطرق ذقنها بسبابتها.. نظر إليها بشك.. وطالعته هي باستغراب .. إذًا نغم بالداخل بمفردها مع خالتها.. أو شخصًا آخر !!!!!
***
قيّد يديها خلف ظهرها بقبضته بغضب، وأخذ ينظر إليها وهو يشير إلى أثر صفعتها قائلا:
ـ بتمدي إيدك عليا يا نغم ؟! ها .. ؟؟
نظرت إليه بغضب وازدراء وهي تبكي وقالت:
ـ إنت أوسخ حد أنا عرفته في حياتي.. ولو رجع بيا الزمن تاني هعمل نفس اللي عملته، هبلغ عنك وأسجنك يا حسن يا عقرب، ولو بايديا أموتك وأخلص من شرك هموتك.
نزلت من عينيه دمعة وهو ينظر إلى بكاءها بجنون، وهتف بصوت عالي وانفعال وقال:
ـ ليه ؟! كل ده عشان بحبك ؟! بتهربي مني وبتبعديني عنك عشان عارفة إني بحبك؟ عايزة تموتيني وتخلصي مني عشان عارفة إني مجنون بيكي مش كده ؟!
ـ إنت مبتحبش حد غير نفسك.. ومهما حاولت تحبني هفضل أكرهك.. أنا بكرهك من كل قلبي يا حسن.
قالتها بقوة أثارت جنونه فضغط على مرفقيها بقبضته أكثر وقال صارخاً فيها بقوة:
ـ اللي كان بيتصل ده مين ؟! هو مش كده ؟! هو حبيب القلب اللي هربتي معاه وبيعتيني عشانه .
نظرت إليه بتحدي وقد فلح في إثارة جنونها وتمردها، ثم هتفت متعمدةً إغضابه وإشعال النيران بقلبه:
ـ أيوة هو.. هو حبيب القلب اللي هربت معاه وسيبتك .. وعندي استعداد أهرب مع أي كلب من الشارع المهم مبقاش معاك.
زمجر بقوة كوحش يحتضر وقد أشعلت كلماتها فتيل جنونه، وضرب بقبضته ذلك الإطار الزجاجي المعلق على الجدار وهتف بقسوة:
ـ نغم متخلنيش أتجن عليكي وأخنقك بايديا دول ..
وفجأة .. صمت عندما سمع صوت نهال بالخارج تتحدث لأحد ما.. والصوت الآخر يجيبها بانفعال، فاستغلت نغم هدوئه ودفعته بعيدا عنها بقوة وركضت نحو الباب، فتعثرت وسقطت ، وإذ بها تحاول الاستغاثة بمن بالخارج وجدته يقترب منها كالمجنون ويطبق على فمها بكفه بقوة لكي يمنعها من الصراخ.
***
قبل لحظات كان فريد بالخارج يقف أمام نهال يحاول أن يتحدث بمنطق ، بحيث لا يبدو أبلهًا أو مثيرا للشك، فإذا به يسمع صوت الحطام والتكسير وكلمات متداخلة غير واضحة بصوت رجولي عنيف..
هنا تخلى عن المنطقية وعن الترتيب وعن كل شيء وسألها مباشرةً:
ـ نغم جوا ؟!
نظرت إليه باستغراب وتساءلت وهي تحاول تجاهل الأصوات المريبة بالداخل:
ـ إنت مين ؟!
زفر بنفاذ صبر وأشار إلى الباب آمرًا إياها بلهجة حادة:
ـ افتحي الباب ده حالا..
ـ إنت مجنون ولا إيه ؟! باب إيه اللي افتحه ؟!
خرج فريد عن تعقله تماما وأخذ يضرب الباب بكفه بقوة وصدح بصوته الجهور قائلا:
ـ بقولك إفتحي الباب ده حالا …..
وصل صوته للداخل، والذي كان بمثابة إنعاش لقلب ميت، فبمجرد أن سمعت نغم صوته حتى ركلت حسن بقدميها ركلةً عشوائية أودت بهدوئه وجعلته يصرخ صراخًا مكتومًا متألمًا ونزع يده عن فمها لاإراديا.
ـ فريـــد ..
صرخت بها نغم بانهيار وهي تحاول النهوض سريعا، ولكن الباب انفرج بقوة ودخل فريد الذي كان يبحث عنها وما إن وجدها مسجاةً على الأرض حتى أسرع إليها وأمسك بيدها وساعدها لكي تقف، استندت على ذراعه ووقفت وهي تشعر وكأن روحها قد غادرت جسدها..
ـ انتِ كويسة ؟!
قالها وهو ينحني قليلا ليطالع وجهها المنخفض وأمسك بذقنها يرفعها للأعلى وهو يتفقد وجهها بلهفة ويكرر:
ـ عمللك حاجة ؟!
نظرت نغم إلى حسن الذي ينهض عن الأرض ويقترب منهما وهو يمسح شفتيه بإبهامه وعلى ثغره ترتسم ابتسامة شريرة وهو يقول:
ـ إنت بقا سبع البرمبة مش كده؟
شعرت بالخوف من نظراته، وتذكرت ما فعله بالشاب الذي كان يريد الزواج منها، وامتدت يدها لاإراديا تمسك بمرفق فريد وتدفعه للخلف ببطء..
أحنى فريد رأسه وهو ينظر لحركة يدها، ثم نظر إليها وهي ترمق حسن بخوف وتقول:
ـ ملكش دعوة بيه يا حسن، أنا اللي مش عاوزة أرجع لأني اتخنقت من العيشة اللي بالشكل ده.
نظر إليها حسن وتفاقم شعوره بالخذلان وجال نظرهُ بينهما وهو يقول:
ـ طبعا لازم تتخنقي من عيشتنا، ماهو البيه واضح إنه بيصرف عليكي ومش مخليكي محتاجة حاجة خالص..
ونظر إلى فريد بقوة، وأردف متسائلا:
ـ واضح إنه بياخد قد اللي بيديه عشر مرات، عشان كده مش بخلان عليكي بحاجة.
نظر إليه فريد بامتعاض، وقاوم رغبته في الانقضاض عليه وإبراحه ضربًا عقابًا له على الدناءة التي يفوه بها هكذا دون خجل أو شرف. ثم التقط كف نغم الذي لا يزال ممسكا بمرفقه وعانقه بكفه وهو ينظر إلى حسن بتحدٍ واضح وقال:
ـ راجل معندوش شرف ولا أخلاق زيك قدر بكل سهولة يشك في واحدة من دمُه ويرميها بتهمة باطلة زي دي يبقا ميستحقش إنه يفهم الصورة صح..
ابتسم حسن ساخرًا وهو ينظر إلى نغم ثم إلى كفيهما المتعانقين ثم نظر إليه في النهاية وقال:
ـ صورة ايه بقا ما كل حاجة واضحة قدامي أهو، هي باعت وانت اشتريت..
ونظر إلى نغم قائلا بتهكم:
ـ لو كنتي صبرتي شوية بس.. أنا كمان بقا معايا فلوس وأقدر أغطيكي فلوس من راسك لرجليكي.. على الأقل وقتها مكنتيش هتضطري تبيعي نفسك لواحد زي ده عشان قرشين ولا هدمتين حلوين.. أو طالما انتي دِيتك فلوس كنت أنا أولى يا ستي..
ـ إنت زودتها أوي..
قالها فريد وهو يختصر المسافة بينهما بتحفز ولكمهُ بكل قوته لكمةً نزفت على إثرها الدماء من أنفه، وجعلته يترنح للخلف، ثم أمسك بتلابيبه وهو يعدهُ لاستقبال اللكمة التالية ولكن حسن كان أسرع منه حيث باغته بلكمة عنيفة أعلى معدته أطاحت بعقله وجعلته يصدر أنينًا مكتومًا..
في تلك اللحظة كانت نغم تحاول الفصل بينهما ، ولكنهما كانا يتعاركان ويتبادلان اللكمات العنيفة بضراوة وكلا منهما يبرز أعنف ما لديه، وبينما هما مشغولان يقتتلان والدم يسيل من أنفيهما، وغرفة المعيشة قد تحولت لساحة قتال، لم تجد نغم بدًا من الاستغاثة بحرس العقار، فدفعت بنهال التي تستند إلى ظهر الباب جانبا بقوة وقبل أن تفتح الباب كان قد انفرج ودخل رجلا خمسينيا يرتدي حلة سوداء مهندمة، وأخذ ينظر حوله بصدمة وهو يقول:
ـ إيه اللي بيحصل هنا بالظبط ؟!
ـ وحيد ؟! هتفت بها نهال بدهشة وشحب لونها في الحال وهي تتقدم منه وتسأله:
ـ إنت رجعت إمتا من السفر ؟!
تجاهلها ونظر إلى حسن وفريد اللذان توقفا لتوهما عن القتال وابتعدا وكلا منهما يتدارك نفسه وهيئته المشعثة ، فتفاجأ برؤية فريد وهتف مذهولا:
ـ فريد مرسال ؟! معقولة ؟! ممكن أفهم إيه اللي بيحصل بالظبط ؟!
توجه فريد نحو نغم وجذب مرفقها، ثم رمق نهال بنظرة جمدت الدماء في عروقها ونظر إلى زوجها الواقف يطالعهم باستغراب وقال:
ـ أهلا يا وحيد بيه.
ـ فريد بيه أنا مستغرب جدا وجودك هنا، وواضح ان في مشكله مع الأستاذ..
فقاطعه فريد قائلا وهو يتجه نحو الباب وبرفقته نغم:
ـ الإجابة عند مدام نهال ، هي هتوضح لك كل حاجة.
وخرج ومعه نغم ، فلحق بهما حسن غاضبًا أمام نظرات وحيد المتعجبة والذي حاول أن يستوقفه ممسكا بذراعه وهو يقول:
ـ وانت؟ انت مين وكنت بتعمل إيه هنا ؟!
ليسحب حسن ذراعه من قبضته بحدة وهو يردد نفس ما قاله فريد:
ـ الإجابة عند مدام نهال، هي هتوضح لك كل حاجة.
ولحق بفريد ونغم اللذان استقلا المصعد ، فركض على الدرج لكي يسبقهما قبل الخروج من المبنى، ووقف أمام الباب الرئيسي واعترض طريقهما عندما رآهما وهما يخرجان وهمّ بجذب يد نغم وهو يقول:
ـ تعالي معايا..
فمنعه فريد حيث وضع يده كالجدار العازل أمام نغم وقال بقوة:
ـ نغم مش هتروح اي مكان غصب عنها .. ولو خايف على نفسك متقفش قصادي عشان إنت متعرفش مين هو فريد مرسال .
وتحرك ومعه نغم نحو سيارته المصفوفة على الجانب الآخر، فيما بقي حسن يحدق في أثرها مخذولًا، كان يتمنى أن تختار صفه ولو لمرة، أن تُفضله هو على هذا الغريب الذي غادرت برفقته بكل بساطة وتركت خلفها الرجل الذي لطالما عشقها.
تنهد وهو يوميء متوعدًا ، سيجعلها تدفع ثمن ذلك الشعور غاليًا جدا، سيجعلها تدفع ثمن آماله التي عانقت السماء وفي لحظة تحطمت دون سابق إنذار وتناثرت شظاياها في كل مكان.
***
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية محسنين الغرام)