روايات

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم مريم الشهاوي

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم مريم الشهاوي

رواية لا تخافي عزيزتي الجزء الخامس والعشرون

رواية لا تخافي عزيزتي البارت الخامس والعشرون

لا تخافي عزيزتي
لا تخافي عزيزتي

رواية لا تخافي عزيزتي الحلقة الخامسة والعشرون

سمع المقطع الصوتي|
صلوا على الحبيب
عاد إلى غرفته متعبًا، وبمجرد دخوله، قام بتبديل ملابسه سريعًا واستلقى على فراشه. شعر براحة غامرة وهو يفتح هاتفه ليطمئن على رسائله. وجد رسالة من يارا، فطمأنها بأنه عاد إلى المنزل بخير. ثم لاحظ رسالة من علا كانت عبارة عن مقطع صوتي، لم يكن على علم بما يحتويه، لكنه قرر فتحه والاستماع إليه.
فجأة، سمع طرقات على باب غرفته. نهض بتثاقل من فراشه ليفتح الباب، ووجد علا واقفة هناك. فور أن فتح الباب، اندفعت إليه وعانقته بشدة، فبادلها العناق وهو يمرر يده على خصلاتها برفق، محاولًا تهدئتها:
– “مالك يا علا؟ من امبارح وانتِ مش على طبيعتك، في حاجة حصلت؟”
ابتعدت عنه قليلًا، بلعت ريقها بشحوب وقالت بصوت مهزوز:
“أنت صحيح خطوبتك من يارا بكرة؟”
ابتسم عمر بفرحة عارمة، تراجع خطوات إلى الخلف وجلس على فراشه وهو في قمة سعادته، ثم تحدث بفرحة مبهجة:
“أيوة… أخيرًا يا علا، أخيرًا.”
– “بتحبها؟”
– “بعشقها.”
تجمعت الدموع في عينيها، غير مصدقة أن أخيها سيواجه كل هذا وحده. الفتاة التي يحبها، إنها حامل بطفل أخيه!
استلقى على السرير وفتح ذراعيه بسعادة ومبتسمًا:
“يارا مش مجرد صاحبتي يا علا… يارا طلعت حاجة كبيرة أوي، أنا مش واخد بالي منها.”
نهض بسرعة ليعتدل في جلسته وقال:
“تخيلي، مكنتش واخد بالي إنها جميلة كده غير لما حبيتها… أو يمكن لما نظرتي ليها اتغيرت لنظرة حب. كل حاجة فيها حلوة… حاسس إني مراهق وأنا بتكلم كده.”
تقدمت نحوه وجلست بجانبه، تحاول أن تبتسم بصعوبة:
“كان باين عليك من الأول، بس أنت كنت معاند.”
– “كنت غبي… إزاي ضيعت السنين دي كلها.”
– “بس مش حاسس إنك اتسرعت؟”
– “بالعكس، أنا اتأخرت أوي. بحاول أسرع بالخطوبة والجواز عشان نبقى سوا بأسرع وقت… بصي، نقيتلي البدلة النهاردة، بكرة هستلمها. وكمان أنتِ وماما عاوزين لكم سواريه. انزلي معايا بكرة عشان تجيبي دريس ليكِ ولماما عشان الخطوبة.”
– “معنديش حاجة بكرة… أوكي هاجي معاك.”
سمعا الاثنان طرق والدتهم على باب الغرفة المفتوحة وهي تقول بضجر:
“علي لسه مروحش يا عمر، شوفه فين. علا حبيبتي، تعالي معايا بنحضر العشاء لخالتك قمر.”
سألتها علا بفضول:
“مين طنط اللي جات معاكِ؟”
أجابها عمر:
“دي يا ستي صاحبة ماما الروح بالروح. متفتكريهاش أنتِ، بس أنا فاكرها. اختفت سنين ودلوقتي ظهرت، معرفش كانت فين كل ده، بس ماما تعرف.”
نظر الاثنان إلى والدتهم بتساؤل، فتحدثت دعاء بارتباك وهي تتوجه إلى المطبخ:
“مش وقته الكلام دلوقتي. عاوزين نتعشى عشان بكرة ورانا هم ما يتلم. لسه هنعزم العيلة وأبوك جاي بكرة.”
توجهت دعاء إلى المطبخ، ثم نظرت علا إلى عمر بحزن:
“عمر، كنت عايزة أقولك على حاجة مهمة، خايفة تعرفها بعدين وتلوم عليا إني مقولتلكش… حاجة بخصوص يارا.”
وقف عمر بسرعة وركض نحو الباب ليغلقه وقال لها بهمس:
“وطي صوتك… حاجة بخصوص يارا إيه؟”
استجمعت قواها لتقول وهي حزينة: “يارا… يارا…”
– “حامل.”
اتسعت عيناها بدهشة ونظرت إليه بصدمة:
“أنت عارف؟”
– “طبعًا عارف. وهي يارا هتخبي عليا حاجة زي كده وإحنا خلاص هنبدأ حياتنا؟ استحالة تبدأها بكذبة. قالتلي إنها حامل من أول شهر.”
– “أنا مش مصدقة يا عمر… أنت عارف إن يارا حامل ومع ذلك هتتجوزها؟!”
– “هتجوزها لأني بحبها، مش عشان أستر عليها. أرجوكِ، متفهميهاش زي ما الكل فاهمها. خليكِ أنتِ بس اللي تفهميني صح.”
نظر إلى أخته وهو يضغط على يديها:
“علا، مش عاوز أي مخلوق يعرف.”
صرخت به:
“أنت عارف إنها حامل من شخص وهتتجوزها؟ أنت اتجننت؟”
– “عشان… عشان هي ملهاش ذنب يا علا. يارا متعرفش حتى مين عمل فيها كده، ووالدتها…”
روى لها القصة كاملة، بما كانت تريده رحاب، فنظرت علا إليه وملامح الشفقة ظاهرة على وجهها. كم يارا فتاة مسكينة، ما ذنبها لتواجه كل تلك المشاكل والسبب هو أخوها الحقير.
نزلت دموعها حين تخيلت نفسها في مكان يارا، ماذا كانت ستفعل إن اغتصبها أحمد ذلك اليوم وصارت حامل منه… بل يارا لا تعرف حتى من الذي فعل بها هذا.
بكت بحرقة على قصتها، فعانقها أخوها وهو يربت على ظهرها:
“اهدي يا علا… ماما ممكن تسمعك.”
– “أنت ويارا مينفعش تبقوا سوا يا عمر.”
أبعدها بهدوء:
“ليه بتقولي كده؟”
– “أنت تعرف مين أبو الطفل ده؟”
هز برأسه نافيًا، فبكت علا وهي تقول:
“أبو الطفل يبقى…”
قاطعها صراخ دعاء من الخارج:
“علااااا يا بنتي، تعالي حضري معايا العشاء. يا عمر، رن على علي شوفه فين.”
مسح دموعها بهدوء وهو يبتسم لها:
“نبقى نتكلم في وقت تاني. روحي لماما دلوقتي وأنا هرن على علي.”
قبلها في خدها بلطف وهو يمزح معها:
“عايزك تبقي قمر بكرة، متعيطيش عشان بشرتك.”
ابتسمت علا بخفة، ثم نهضت لتذهب إلى والدتها في المطبخ، وكانت طوال الوقت تفكر ماذا تفعل. هل سمع عمر السجل الصوتي؟ بالتأكيد هو لم يسمعه.
استلقى عمر على فراشه مرة أخرى وهو يدندن بفرحة. حين فتح هاتفه، وجد المحادثة بينه وبين علا التي تنتهي بهذا السجل الصوتي. فتحه ليسمع ما به، وحين سمعه، تبدلت تعابير وجهه وصار وجهه لونه أحمر من كثرة الغضب. فجأة نهض من فراشه ليبدل ملابسه بسرعة وخرج من غرفته.
هاتفته دعاء قبل أن يخرج: “رايح فين يا بني في عز الليل كده؟”
– “نازل أجيب علي، وانتِ” (شاور على علا) “حسابك معايا بعدين.”
فتح باب المنزل وأغلقه وراءه بعنف، لينزل بسرعة على السلالم ويركب سيارته متجهًا إلى مكان ما.
____________________________________
وتذكرت أسيل بعض اللحظات اللطيفة التي كانت بينها وبين والدتها باللحظة الأولى التي رأتها بها.
عودة إلى وقت سابق:
كانت أسيل تقترب من الغرفة بخطوات مترددة، قلبها يخفق بشدة وهي تضع يدها على مقبض الباب. لم تكن تتخيل أنها ستعيش هذه اللحظة، تريد الآن التراجع فهي غير مستعدة لتواجه مصير لم تتخيله عقلها لا يستوعب تقبل أي شيء في هذه اللحظة.
دخلت أسيل الغرفة ببطء، ورأت والدتها تنظر لها، نعم هذه قمر والدتها ملامحها لم تتغير تلك النظرة التي بعينيها لون عينيها الذي يشبهها بالملي كل شيء بها كأنها ترى نفسها وهي عجوز كل ما تغير هي بعض التجاعيد التي ملئت وجه والدتها بسبب كبر سنها ركضت أسيل نحو والدتها وألقت بنفسها في حضنها، تحتضنها بشدة وكأنها تحاول تعويض سنوات الفراق في لحظة واحدة. بكت الاثنتان بصوت مسموع، وسط ضجيج الحفل الذي كان يدور في الخارج. حاولت أسيل التعبير عن مشاعرها، ولكن عدم قدرتها على النطق جعلها تعبر فقط بالدموع والعناق.
“أمي لم تمت”
“لقد كانت على قيد الحياة طوال هذه المدة”
“أنا الآن أعانقها هي وليست صورتها الفوتوغرافية”
“الآن أعانق أمي الحقيقية جسدها ألمسه وليست بورقة أبكي وأنا أعانقها طوال الليل”
كانت لا تصدق نفسها فقط تبكي وقمر التي خفق قلبها بشدة من هولة الموقف لم تتخيل بيوم أن ابنتها ستبعد عنها كل تلك السنوات.
قمر بدأت تتفحص وجه أسيل بيديها، تمسح دموعها وتقبل جبينها، وتقول بصوت مختنق:
“وحشتيني يا أسيل، وحشتيني أوي. أنا كنت فاكرة إني مش هشوفك تاني. إزاي حصل كل ده؟ فين كنتِ كل السنين دي؟”
أسيل، وهي تواصل البكاء، رفعت يدها لتكتب على الهواء بإصبعها، محاولةً التعبير عن مشاعرها وطرح أسئلتها. كانت حركاتها تعبر عن الحيرة والألم والاشتياق.
-“إنتِ مش قادرة تتكلمي؟” سألت قمر وهي تتفحص عيون أسيل بقلق. “يا ربّي، إيه اللي حصل لك يا حبيبتي؟ مين اللي عمل فيكِ كده؟”
أخذت أسيل نفسًا عميقًا وأشارت إلى نفسها ثم إلى قلبها، محاولةً إخبار والدتها بأن كل ما حدث لها كان بسبب الألم الذي مرت به. حاولت بقدر ما تستطيع أن تشرح بإشارات اليدين أن الفراق وفقدان الأمل كان السبب في فقدانها القدرة على الكلام.
قمر، وهي تبكي بشدة، قالت:
“يا روحي، يا حبيبة قلبي، أنا هنا دلوقتي. مش هسيبك تاني أبدًا. إحنا مع بعض وهنتخطى كل ده سوا. أنا جنبك، وهنكون كويسين وهترجعي تتكلمي تاني وأسمع صوتك اللي وحشني أوي نفسي أسمع ماما منك .”
احتضنت أسيل والدتها مرة أخرى، وهي تشعر بدفء لم تشعر به منذ سنوات طويلة. كانت تلك اللحظة بداية لشفاء جراح القلب التي سببها الفراق، وأدركت أن الحب الحقيقي لا يموت أبدًا، مهما كانت الظروف قاسية.
حاولت قمر إخبارها بأنها لا يجب أن تظهر الآن هناك أمور كثيرة يجب أن تحدث قبل البوح بأنها مازالت على قيد الحياة ومن تلك اللحظة إلى أن تنكشف الحقيقة لا يجب على أسيل بأن تخبر أحدًا بأن والدتها مازالت على قيد الحياة ، كان هذا صعبًا على أسيل ولكن قمر استطاعت إقناعها بأنها فترة قصيرة ويعود كل شيء مثلما كان.
~~~
العودة الى الواقع:
كانت تتذكر ما حدث و عيناها مليئتين بالدموع ولكنها ابتسمت من قلبها لأول مرة منذ زمن طويل.
رن هاتفها معبرًا بقدوم رسالة جديدة ففتحتها بسرعة ورأت كلماته اللطيفة التي تغنيها عن كل شيء:
“أنا سعيد عشانك يا أسيل. ده اليوم اللي كنتِ بتستنيه طول حياتك عاوزك تكوني أقوى من كده أنتِ لازم تواجهي ومتخافيش اشكري ربنا إنه رجعهالك بعد المدة دي كلها لما شافك صابرة وراضية عوضك بعوض مكنتيش متخيلاه حتى كوني متأكده إن ربنا عمره ما بيحطنا في أزمات غير لما بيكون عارف إننا قدها وهنقدر نتخطاها وبيستنى مننا الصبر والرضا عشان يجازينا فوق ما كنا نتمناه، تصبحي على خير يا أجمل أيسو ♡.”
عانقت الهاتف بفرحة، بينما غاصت في بحر ذكرياتها مع يزن. كل لحظة بينهما كانت محفورة في قلبها، منذ أول لقاء بينهما أمام جامعتها حين كان يتوسل لها لإعطائه فرصة للحديث، وحتى اليوم الذي عانقها فيه مطمئنًا إياها بأن كل شيء سيكون على ما يرام. كان وجوده في حياتها بمثابة الشعلة التي أضاءت كهفها المظلم. أحبت مزاحه الخفيف وضحكته التي كانت تملأ الأجواء بالبهجة.
حنانه الدائم كان يلفها كوشاح دافئ في ليالي الشتاء الباردة. لم تتذكر يومًا أنه أخافها أو رفع صوته عليها في أي موقف. كان يتحدث إليها بهدوء وسكينة، كأنه يخشى أن يكسرها أو يجرحها بكلمة. كان يخاف عليها ويحرص على سلامتها، وينقذها من كل محنة.
كان يزن تجسيدًا لكل ما هو جميل ونبيل في حياتها. كل تصرف قام به كان يعكس نقاء قلبه وروعة شخصيته. في عينيها، كان هو البطل الذي جاء لينقذها من ظلمات الوحدة والحزن، وكل يوم يقضيهما معًا كان كأنه قطعة من الجنة.
__________________________________
كان جالسًا برفقة زملاءه الفاسدين يتعاطى معهم المخد رات وفجأة جاء ظل ضخم من بعيد وقف واحدًا منهم ممسكًا بعصا حديدية كبيرة وهو يتساءل بمن هناك؟
ولكن لم يجيبه أحد تقدم الظل نحوهم حتى ظهر عمر بقامته الضخمه حينما رآه علي اتسعت عيناه بخوف ونهض بسرعة من جلسته
-أنت تعرفة يا علي؟
أجابه علي بصوت مرتعش:
“ده… ده عمر أخويا.”
همس بأذنه صديقه:
“تحب نصنفره؟”
قال معترضًا بقوة:
“لا طبعا ده أخويا بقولك ملكوش دعوة أنتو أنا هتفاهم معاه.”
تقدم علي نحوه ووقف أمامه وقبل أن يتحدث أمسكه عمر من ذراعه يجره لخارج الجراج
فتفاجأ عمر بتقدم زملاء علي نحوهم.
ولكن أوقفهم علي وهو يهتف:
“لا لا ملكوش دعوة أنتو ارجعوا ده أخويا وأنا هتعامل معاه محدش يقربله.”
خرجوا من هذا المكان حتى وصلوا لسيارة عمر
فتح عمر باب سيارته وألقى بعمر بداخلها مثل حقيبة النفايات ثم أغلق الباب بقوة وركب بجانبه من الناحية الأخرى
قال بخوف بنتاب حواسه:
“عمر أنا كنت هقولك.”
-شششششش ولا كلمة
أوقف عمر السيارة في مكان هادئ كل ما يضيئه نور القمر وضوء سيارته بالمصابيح الأمامية.
أخذ نفسًا عميقًا يحاول أن لا يتهور برَدة فعله.
نظر إليه علي بقلق:
“عمر اتكلم معايا قول أي حاجة صمتك ده بيقلقني أكتر.”
ضربه عمر لكمه قوية على وجهه
صرخ عمر بتآوه ثم نظر إليه معبرًا عن استسلامه:
“والله كنت هقولك.”
أمسكه عمر من ثيابه وهو يصرخ به بخوف وقلق يزداد بداخله على أخيه الصغير:
“يعني إيه كنت هتقولي يعني إييهه ؟! هو لو كنت قولتلي يعني مكنتش هزعل كنت مستنيك تيجي تقولي؟؟؟ إيه اللي ناقصك عشان تتعا طى الزفت اللي بتشربه مين لمك على صحاب الجراج إياهم هما دول اللي ضيعوك؟؟ من ساعت ما صاحبتهم وأنت حالتك في النازل ! شايل نص المواد الترم ده والله أعلم هتعمل إيه في باقي السنة!”
صرخ علي به بقوة:
“أنت بتزعق كده ليه ! ”
اجتمعت الدموع بأعين عمر وهو يقول:
“أنا خايف عليك يا غبي كده هتضيع نفسك. ”
تفاجأ عمر بدموع علي المشحونة بالضعف وقلة الحيلة وهو يقول:
“أنا ضيعت أصلًا يا عمر معدتش فيه طريقة أرجع بيها تاني علي بتاع زمان ضاع مني أنا مش عارف أعمل حاجة حاسس إني تايه يا عمر ومش عارف أنا بعمل إيه دي الحاجة الوحيدة اللي لقتها بتخليني فرحان ومبسوط وبدخل عالم تاني وبخرج من العالم اللي أنا فيه واللي دايمًا بدعي إني أخرج منه للأبد مش لمجرد ساعات.”
لم يجد عمر كلمات ليقولها بذاك الموقف فعانقه وهو يربت على ظهره ودموعه نزلت على خديه بقهر:
“متخافش… أنا معاك… لسه باقيلك وقت تتوب صدقني كله هيبقى بخير، متخافش”
أبعده عمر وامسك بوجهه بيديه الاثنين وقال بحنين أخ:
“أنت راجل يلا، والرجالة مبتعيطش اجمد كده وعافر عشان تعدل نفسك ولا أنت عاجبك اللي أنت فيه ده؟”
-لا مش عاجبني، انقذني يا عمر أنا عاوز أبقى بني آدم كويس خايف من كل حاجة وخايف من اللي جاي، خايف من عقاب ربنا.
منذ أن تملكه الإحساس بأن الرب قد ينتقم منه بأخته كما حدث مع يارا، تغلغلت في أعماقه مشاعر خوف وقلق لا تنتهي. أدرك فجأة أن ما وقع لم يكن مجرد صدفة، بل كان إنذارًا إلهيًا وتحذيرًا واضحًا من عقاب قد يكون قادمًا لا محالة.
قال له عمر محاولًا طمأنته:
“متخافش يا علي طول ما أخوك في ضهرك أوعى تخاف وربنا بيسامح هترجع وهتكون أحسن من الأول.”
عانقه عمر مرة أخرى ومازال يبكي:
“حقك عليا يا عمر لو كنت زعلتك في يوم أو ضايقتك متزعلش مني.”
-مبزعلش منك يا عبيط… ياض أنت ابني قبل ما تبقى أخويا ده أنا اللي مربيك.
ضحك على كالطفل الصغير ثم أشعل عمر السيارة من جديد وتوجه للذهاب إلي “المصحة”.
-إحنا فين يا عمر؟
-انزل يا علي واسمع اللي هقولك عليه.
نزل عمر من السيارة وهو ينظر للمبنى الضخم أمامه أمسك عمر يديه وتقدما إلى المبني وقبل أن يدخلا المبني نظر إليه عمر بحزن وقال :
“أيًا كان اللي هيحصلك جوا فده لمصلحتك، أنا خايف عليك وعاوزك تتعالج من اللي أنت فيه توب وارجع لربنا وثق إنه جمبك وهيسامحك.”
كان لا يفهم شيئًا حتى وجد عدة أطباء يلتفون حوله ويمسكونه فحاول علي تحرير نفسه بعنف وهو يصرخ بإسم أخيه الذي أدار ظهره عنه وخرج من المبني، بكى علي وهو يتذكر آخر كلمات سمعها من عمر يطمئن بها نفسه.
أدخلوه غرفة خالية من أي شيء فقط فراش ينام عليه فطلب منهم بأن يغتسل فحققوا له رغبته بادخاله للمرحاض ليغتسل ثم خرج منه وحينها أدخلوه لتلك الغرفة من جديد تقدم وجلس على الفراش يفكر فطلب منهم بأن يأتوا إليه بسجادة صلاة ومصحفًا ليقرأ منه .
وبعد قليل جلبو إليه السجادة والمصحف وعرّفه الطبيب كيف اتجاه القبلة ليُصلي.
ثم فرد علي سجادة الصلاة ليقيم الصلاة عليها، وبدأ يبكي بحرقة في صلاته، طالبًا المغفرة بصدق عما اقترف من ذنوب، ومستغيثًا بربه أن يمنحه القوة لتجاوز هذا الطريق الشاق بسهولة. التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله غفور رحيم. كلما جالت في خاطره فكرة التعا طي، كان يلجأ إلى كتاب الله، يتلو آياته الكريمة ليبدد بها وساوسه ويهدأ بها روحه. كانت تلك الليلة شديدة الوطأة عليه، لكنه كان مؤمنًا بقدرته على الصمود، وخاصة أن أخاه يقف إلى جانبه، يدعمه ويسانده في تجاوز هذه المحنة.
_________________________
عاد عمر إلى منزله وجلس على فراشه، ودموع الأسى تنهمر بحرارة على خديه حين يفكر بحال أخيه. كانت أفكار إلغاء حفل الخطبة تتلاطم في عقله، لكنها تلاشت أمام ذكرى فرحة يارا التي لا يمكن أن يمحوها بتلك السهولة لهذا القرار. لم يكن يريد أن يطفئ تلك البهجة التي زرعت في قلبها. قرر ألا يخبر أحدًا عن وجود أخيه في المصحة، إيمانًا منه بأنه سيتعافى ويعود بعافية إلى حضنهم. علم تمام العلم أن عليه أن يخفي حزنه وضعفه، حتى لا يُلقي بظلال الشك والتساؤلات على قدرته على التغلب على المحنة. في هذه اللحظات المؤلمة، كان يتحمل عبء مشاعره بقوة، متعهدًا بالبقاء صامدًا ومتين العزم أمام الصعوبات، لأجل حماية أسرته وإبقائها في أمان وسلام.
_______________________________
باليوم التالي استيقظ مصطفى على فطور هدير التي كانت تضعه أمامه بسعادة كبيرة جلست بجانبه وهي تتحدث معه وتحاول أن تنسيه ما حزنه
-وبقيت شغلك عملتي فيه إيه ؟
-صراحة الراتب هنا أضعاف ما كنت باخده فكرت كتير إني أروح أشتغل في البيوت بس كنت بخاف لإن معظمهم بيبقى فيهم شباب لكن البيت هنا ريحني ومعظمه ستات ويعتبر أنت وباباك اللي موجودين وساعات باباك بيكون مسافر فمفيش حاجة أخاف منها وفيه كتير خدم موجودين فأنا مش لوحدي كنسلت الباقي وبقيت معتمدة الشغل ده.
-وأخواتك؟
-ياسين ودارين بيروحوا الصبح الحضانة وبعد العصر هما عارفين بيت طنط فردوس جارتنا ساكنة جمب الحضانة بيروحوا يقعدوا معاها الشوية دول لحد ما بخلص هنا وبرجع أجيبهم ونروح والاجازة قربت تخلص شوية ويرجعوا تاني فترة الصبح في المدرسة وأجيلهم على آخر النهار.
-طيب كويس…وبالنسبة لباباكِ قابلك تاني؟
نظرت إليه بحزن:
” بابا مشوفتوش تاني من ساعت ما قابلك آخر مرة هو عادةً ما بيظهر وأديك شوفت ظهر لما أخرّت عليه الفلوس بتاعت أول الشهر . ”
ظلّا يتحدثان في مواضيع شتى، بعضها لا يحمل أهمية تذكر، لكنهما كانا يستمتعان بكل لحظة يمضيانها معًا. كان مصطفى يتنقل بين تأملها وهي تتكلم وبين الاستماع إليها. كثيرًا ما كانت تتشتت أفكاره بسبب سحر جمالها الطبيعي، الخالي من أي مستحضرات تجميل. كانت ملامحها نقية، حاجبها بسيط، وعفويتها تأسره. كان يعشق فيها تلك الطبيعة البسيطة غير المتكلفة، وطريقتها الصادقة في الحديث. لم تكن تتصنع، بل كانت تتحدث ببساطة وعفوية تامة، مما جعله يشعر بعمق صدقها وجمال روحها.
قاطع حديثهم رحاب التي كانت تسير بممر غرفة مصطفى واستغربت من وجود هدير بالغرفة معه بل وجالسة بجانبه أيضًا تتحدث وتضحك ما علاقة تلك الفتاة بابنها؟
-من إمتى وإحنا بنقعد نضحك ونهزر مع الخدامين؟!
شعرت هدير بالاهانة من بحة صوتها ونهضت مسرعة لتخرج من الغرفة تنظر للأسفل باحراج
وقف مصطفى بغضب مما سمعه:
“ماما هدير مش خدامة.”
-اوو… هدير! كمان عارف اسمها دي لسه جاية إمبارح؟ ومن إمتى وإحنا بنصاحبهم ونقعد نضحك معاهم.
-عشان هدير مش خدامة زي مانت متخيلها أنا مش شايفها خدامة أنا أعرفها من قبل كده و….
كان سيفشي بسره ولكنه تراجع بسرعة قبل أن يخرب كل شيء.
تقدمت تجاهه وأمسكته من ذراعه لتدفعه خارج الغرفة وهي تقول له:
“بص تحت كده هدير بتكنس مع بقيت الشغالين… تبقى خدامة.”
شعر مصطفى بوجع داخله وهو يراها ثم نظر بالجهة الأخرى ليقول لوالدته باستسلام:
“أنتِ عايزة إيه يا ماما؟ ”
-عايزاك تفوق… أختك ضاعت من إيدي عاوزاك تنصح شوية وتبقى اختياراتك صحيحة وفوق لنفسك.
دخل مصطفى الغرفة وهو يرفع رأسه للأعلى وياخذ نفسه بعنف فجاءت رحاب من خلفه وهي تهتف بتساؤل:
“مين خرجك إمبارح؟ ”
-يزن.
-ودخل إزاي؟
-معرفش المهم إنه خرجني من الأوضة اللي كنت حبساني فيها !
قالها بصوت مشحون بالوجع وكتمان دموعه واهتزاز صوته بتلك الكلمات جعلت رحاب تشعر بشيء كغصة ما بقلبها من سماع صوته بهذا الضعف!
-ماما أنا تعبان أوي ممكن تسيبيني أريح شوية قبل حفلة خطوبة يارا؟
خرجت رحاب من غرفته وأغلقت الباب ومرت على غرفة يارا فرأت أسيل وراءها تضحك معها وتختار معها المجوهرات التي سترديها يارا اليوم.
فابتسمت رحاب قليلًا وهي ترى يارا سعيدة هكذا ما يرضيها هو أنها ترى ابنتها سعيدة حقا من قلبها بتلك الزيجة.
نزلت بالأسفل لتشرف على إقامة الحفل والترتيبات.
___________________________
-عمر أنا مش مصدقة اللي قولته لماما وإن علي سافر…أنت سمعت الريكورد صح ؟
-انزلي يا علا الاتيليه أهو انزلي مش وقته الكلام دلوقتي.
-مش هنزل إلا لما تجاوبني، أنت زعلان مني…. س… سمعت الريكورد اللي بعتهولك… علي كويس وديته فين ؟
-أه كويس يا علا في مكان أحسن.
صرخت علا بقلق: “مات؟؟.”
أنكر عمر بسرعة: “مات إيه بس لا.. اهدي أنا وديته مصحة يتعالج.”
ابتسمت علا وأخذت نفسًا مريحًا ثم سألته: “ويارا؟”
-سيبنا من يارا دلوقتي نركز عليكِ.
بلعت ريقها بخوف: “أنا؟”
-جيبتي الريكورد ده منين؟
-من موبايل علي.
-وجبتيه من موبايل علي إزاي قولتيله هاخد منك ريكورد مكالمة بينك وبين صاحبك، ده تسميه إيه؟
-أنت بتقول إيه يا عمر !… لولا اللي عملته كان زمانك متعرفش أي حاجة عن اللي علي عملها.
-كان فيه كذا طريقة تعرفني إلا الطريقة دي اللي أنا متقبلهاش أبدًا ده اسمه تجسس فاهمة يعني إيه تجسس اللي عملتيه غلط وميتكررش تاني.
-حاضر يا عمر، بس متنكرش إن اللي عملته ده كان لازم عشان تعرف كل حاجة علي بيعملها، أنت سمعت الريكورد؟
-سمعته بالحرف.
-طب شوفت هو اتكلم عليا إزاي وفي الآخر صاحبه قاله إيه عليا أنت شايف علي بيعمل إيه؟؟؟
قال باستغراب:
“اتكلموا عليكِ؟؟…. الريكورد كان بين علي وصاحبه وبيتفقوا هيروحوا ويجيبوا المنيل اللي بيتعا طوه ده إمتى وهيتقابلوا فين.”
اتسعت عيناها من الصدمة وقالت:
“لا أكيد مش ده.”
أخرج هاتفه من جيب بنطاله وفتح السجل الصوتي لتسمعه:
“مش ده إيه أهو الريكورد اللي بعتيه.”
سمعت السجل الصوتي الذي كان يدور بمحادثة صوتية حول علي وصديق آخر إنه ليس هو،ليس السجل الذي سمعته، إنه السجل الخاطئ!
وتذكرت ما حدث في لحظة من التوتر، وهي تقوم بإرسال السجل الصوتي لنفسها، ضغطت عن طريق الخطأ على السجل الخاطئ وأرسلته دون التحقق من صحته، فقد كانت مشغولة بالخوف من أن يكتشف علي ما تقوم به. والآن، تجدها تندم على حماقتها، فقد أرسلت شيئًا دون أن تكون واثقة مما إذا كان هو السجل الصوتي المناسب أم لا. عمر لا يزال غافلاً عن كل ما يجري، وهي تشعر بالقلق المتزايد حيال ما قد تسببت فيه هذه الخطوة السريعة والخاطئة.
وضعت يديها على جبينها بندم
فسألها عمر: “في إيه مالك؟”
فتحت عينيها ونظرت اليه: “عمر أنت لازم تعرف…..
-المهم متكرريش الحركة دي تاني يا علا إحنا اخوات وكل واحد ليه خصوصيته.
-حاضر… بس أنت لازم تعرف إن علي اتفق مع صاحبه إنهم……
-استني بابا بيرن
ابتسم وهو يفتح المكالمة:
“حمد لله علسلامة دقايق وأكون عندك.”
أغلق المكالمة ونظر لعلا وهو يضحك:
“خلاص ننسى كل حاجة عشان النهاردة هو أسعد يوم في حياتي.”
أخرج مال من حافيته وأعطاه لعلا:
“خدي دول بزيادة عشان لو لقيتي حاجة عجبتك متنسيش ماما عاوزة سواريه اسود مبتحبش الألوان هروح أجيب بابا من المطار وأوصله وبعد كده آجي أجيبك وبعدين هروح هظبط نفسي بقى.”
ضحك ضحكة جميلة نقية مليئة بالفرحة الصادقة وهذا ما أقلق علا أكثر.
نزلت من السيارة ثم أسرع عمر بالتوجه إلى مطار ليستقبل والده الذي نزل خصيصًا ليحضر خطبة ابنه ويعود مرة أخرى ليكمل عمله.
_____________________________
تألقت يارا بفستانها الأخضر أحب الالوان إلى قلبها، بدت يارا وكأنها زهرة نضرة تنمو في وسط حديقة خضراء تفوح بعطر الأزهار وجمال الورود. تصميم الفستان كان يتناغم بشكل مثالي مع قوامها الرشيق، مع تفاصيل دقيقة تضفي عليه لمسة من الأناقة والسحر.
وأيضًا لا ننسى عمر، بوسامته الساحرة وأناقته في البذلة، كان يتميز بلقب “الجنتل مان”، فعندما يرتدي بذلة، يتحول شكله بشكل ملحوظ، مُلبّيًا القيم الرفيعة والأناقة الراقية. تتحول مئة وثمانون درجة، ليصبح مظهره يعكس الأناقة والرزانة التي تتلاءم مع كبار الشخصيات في المجتمع.
كانت يارا سعيدة وقلقه بنفس الوقت ولكن عانقتها أسيل بحب وهي تطمئنها بعينيها بأن اليوم سيمر بخير فهو يوم خطبتها من الشخص التي كانت تنتظره طيلت عمرها…ثم خرجت أسيل من الغرفة وتقابلت مع رحاب التي دخلت الغرفة ورأت ابنتها كم هي جميلة حقًا وكم هي حمقاء أيضًا!
جمالها خلاب يذهب عقل مليونير وليس عمر هذا كانت تتمنى بأن تزوجها من رجل غني لتعيش حياة مريحة، ولكنها اختارت طريقًا خاطئًا والآن تدفع ثمن خطأها.
عانقتها ببرود ثم نظرت إليها وقالت:
” إيه مالك ما تهدي شوية ارسي كده.”
-يا ماما فرحانة.
ردت عليها بقسوة:
“فرحانة على إيه دي فرحة دي بس نقول إيه كان فين مخك وأنتِ بتعملي كده معاه وأنا اللي غلطانة إني مراقبتكيش وعرفت بتروحي وبتيجي فين.”
نظرت إليها يارا بترجي ووجع:
“ماما أرجوكِ مش عاوزة أتضايق النهاردة سيبيني أفرح يوم.”
قالت بتذمر وهي تقلدها بسخرية:
“سيبيني أفرح يوم…محسساني إن حياتك كانت جحيم… أنتِ بنفسك اللي بتوديها للجحيم بإيديكِ… بس أنتِ حرة كل واحد بيتحمل نتيجة غلطته يلا عشان المعازيم مستنية وأهله جم.”
كانت أسيل بانتظار يزن وأرسلت إليه رسالة عبر هاتفها:
“أنت مش قولت هتيجي خلاص هتبدأ الحفلة !”
أرسل لها رسالة نصية:
“خلاص أنا في مسافة السكة.”
___________________
نزلت يارا بخطوات خجولة، وكأنها تُرى لأول مرة بعيني عمر. كانت تتجنب نظراته التي كانت تتبعها بإعجاب وشغف.
نظر عمر إلى يارا، وتسارعت دقات قلبه، وكأن سحرها قد سيطر عليه، فلم يعد يرى سوى يارا، واختفى الجميع من حوله. تقدم نحوها بخطوات واثقة، متأملاً جمالها الذي ظل غافلاً عنه طوال تلك السنوات، وكأنه يكتشفها من جديد.
أمسك بيديها الاثنتين، ونظر في عينيها بصمت، مستشعرًا في تلك اللحظة تدفق مشاعر غير منتظمة. كانت يارا تخجل من نظراته العميقة، ولكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من النظر في عينيه، حيث التقت أعينهما، محملة بكلمات كثيرة لا يستطيع أي منهما البوح بها. وحين طال نظره إليها قالت في توتر وخجل:
“عمر، قول حاجة اتحرك أنا ابتديت أقلق.”
قال بهيام واضحًا على تعابير وجهه:
“أنا إزاي كنت مغفل كده إزاي مشوفتكيش كل ده إزاي روحتي عن بالي، أنا غبي.”
ضحكت قائلة: “للأسف اه.”
ضحك عمر وهو ينظر إليها متعلقًا بعينيها لا يقدر على النظر لشيء آخر:
“أنا مش مصدق إنك حبيبتي مش مصدق إنك قدام عيني بصفتك حبيبتي،أنا اسعد إنسان في الكوكب وأكتر إنسان محظوظ…بحبك.”
عانقها بقوة وصفق الجميع في فرحة عدا رحاب التي كانت تؤدي بالواجب وكانت تمَل من تلك الحفلة الزائفة لولا أناقة عمر لما كانت عرفته على أصدقائها وما كانت صنعت حفل من الأساس.
لاحظت إحدى صديقاتها شرودها فسألتها بفضول:
“مالك يا رحاب؟”
-مش قادرة أصدق نفسي… بجد مش ده اللي توقعته من يارا أبدًا.
-إيه مالها يارا حبت شخص كويس ومحترم ومهندس وكمان….وسيم.
-أيوة بس مش دي الطبقة اللي كنت عايزاه تفضل فيها أنا عليت طبقة وكان نفسي أحطها في طبقة أعلى من كده هيعيشها في شقة… شقة !! مش قادرة أتخيل إنها هتعيش اللي عيشته تاني.
-هي بتحبه وده أهم حاجة.
لم تكترث رحاب بتعبير صديقتها، وحدّقت في المشهد أمامها بنظرات تحمل نية تخريب تلك الزيجة، ولكنها كانت تعلم أن ما باليد حيلة. كان لا بد أن تتزوج ابنتها بمن اقترفت معه تلك الجريمة، وإلا ستُفضح هي وابنتها ويُطردان من المنزل. لو علم شريف بالأمر، لما أبقى عليهما لحظة واحدة، حرصًا على سمعته.
وعلى الجانب الآخر، نظرت إلى أسيل التي كانت تستقبل يزن بابتسامة ملؤها الفرح. منذ ظهور يزن في حياتها، تغيّر حالها وبدأت ترى ضحكتها تزين وجهها بشكل متكرر.
كان قلب رحاب يشتعل بنيران الغيرة والحقد، وهي ترى مصطفى واقفًا مع هدير، يضحكون بسعادة. شعرت بأن أحلامها تتبخر أمام عينيها. كل ما كانت ترتب له يسير عكس ما توقعت. ترى أولادها يضحكون مع من هم أقل منهم مكانة اجتماعية، وترى أسيل تضحك مع يزن الذي يفوقهم ثراءً.
تمنّت لو كان يزن من نصيب يارا، ومصطفى لفتاة غنية مثلهم، وأسيل لأي شاب عادي يبقيها تعيسة وتُدمر، بينما يبقى أولادها الآخرون في أرقى حالاتهم وأفضل إطلالاتهم. لكنها الآن ترى أحلامها تتهاوى واحدة تلو الأخرى، وكل شيء يحدث بعكس ما خططت له. كانت تلك اللحظات تلتهم قلبها حسرة ومرارة، وهي تشهد انقلاب الأمور رأسًا على عقب.
____________________
تحدث يزن مع أسيل يسألها :
“أسيل هو أنتِ بتاخدي دوا بتاكلي حاجة بتشربي حاجة واجبة لازم تعمليها قبل ما تنامي؟”
كتبت له بدفترها:
“طبعًا مبعرفش أنام غير لما أشرب كوباية قرفة بلبن معرفش أنام غير لما أشربها بتريح أعصابي وبتساعدني علنوم. ”
تعمق كلماتها وأخذ يفكر إن كانوا يضعون لأسيل شيئًا بكوب الحليب هذا قبل أن تشربه أم هي نالت صدمة أخرى عليه أن يتأكد أولًا.
ثم استأذن منها ليذهب للمرحاض فاوقفته هدير
-بعد إذن حضرتك ممكن نتكلم شوية؟
-أه اتفضلي طبعًا عاوزة حاجة؟
-أنت خطيب أسيل مش كده شوفتك إمبارح عاوزة أقولك على حاجة بتخص أسيل هانم.
انتبه يزن للحديث وقال:
“أكيد اتفضلي.”
-أنا سألت أستاذ مصطفى وقالي مفيش غيرك اللي أقدر أقوله بعيد عن مدام رحاب…
-قلقتيني، خير؟
-خير إن شاء الله بس كنت إمبارح بنضف المطبخ بعد ما الكل مشي وحد من الخدم الكبيرة بتاعتنا مشرفتنا قالتلي إني أحضّر حليب وأغليه وأطلعه لأسيل هانم و وأنا بصبه وبحطه في الصنية وبحط جمبيه بطرمان قرفة لإني عرفت إنها بتحب القرفة باللبن قبل ما تنام لقيت مشرفتنا سعدية بتديني شريط دوا آخد منه حباية وبتقولي أدوبه في اللبن أنا الصراحة حاولت استفسر منها ده ليه قالتلي ده علاج ليها… بس لما طلعت وسألت أسيل هانم عشان أعرف عندها معرفة بده ولا لا، لإن ممكن إنها كانت تاخد الحباية لوحدها بشوية ماية ليه أدوبها في اللبن مكنتش مقتنعة الصراحة وحسيت إن فيه إنّ ولما سألتها كتبتلي في الدفتر إنها مش بتعاني من حاجة ولا بتاخد علاج ومكنش عندها دراية بإنهم بيدوبلها حباية في اللبن اللي بتشربه أنا قولت لمصطفى إني عاوزة أقول لرحاب هانم ولكن مصطفى منعني وقالي أقول لحضرتك الأول وإن رحاب هانم أكيد عندها دراية بده لإن الشغالين مش هيعملوا كده من نفسهم.
صُدم يزن مما سمعه، وتيقن بأن أسيل لا تتحدث بسبب مؤامرة خطيرة وراء ذلك، رحاب هي من تسعى لإخماد صوتها وإسكاتها إلى الأبد لجعلها خرساء عن قصد. كان يزن يشتعل غضبًا، ويفكر في الذهاب إلى رحاب وخنقها حتى الموت بسبب ما تفعله بصغيرته البريئة. أدرك حجم المعاناة التي مرت بها أسيل، والتي ما زالت تعاني منها تحت وطأة هؤلاء البشر القساة. ولكن الآن، طفح الكيل. لم يعد يزن مستعدًا للسماح لأي شخص بأن يقترب من أسيل أو يؤذيها. قرر أن يحميها بكل قوته، وأن يكون الدرع الذي يصد عنها كل أشكال الأذى. مشاعر الحماية والغضب تغلي في صدره، وتملأ قلبه بتصميم لا يلين على الدفاع عن من يحب، مهما كلفه الأمر.
________________________
كان علي يحتفظ بصورة ليارا في جيب بنطاله الخلفي، وعندما أخرجها وتأمل ملامحها، انهمرت دموعه بغزارة. بكى مثل الأطفال، فالحب الذي يكنه لها كان عميقًا وصادقًا. أحبها بصمت، وأخفى هذا الحب في أعماق قلبه. الآن، يتساءل كيف سيواجهها بعدما تسبب في إيذائها. هل ستسامحه على ما فعله؟
كانت مشاعره متضاربة، بين الحب العميق والشعور بالذنب، يهمس لنفسه: “أرجوكِ، سامحيني يا يارا. لقد أخطأت بحقك، وأطلب منك العفو.”
كانت دموعه تعبر عن ندمه العميق وألمه، وكأنها تروي قصة حب مختبئة وصراع داخلي لا يهدأ. كلما نظر إلى صورتها، تمنى أن يجد في قلبها مكانًا للمسامحة، وأن تمنحه فرصة جديدة ليكفر عن أخطائه ويعوضها عن الألم الذي سببه.
__________________________
أمسك عمر بيد يارا برفق، وعيناه تتأملان وجهها بابتسامة تعكس سعادته العميقة. عندما ألبسها خاتم الخطبة، شعرت يارا بنبض قلبها يتسارع من فرط الفرح، وكانت نظراتهما تحمل الكثير من الحب والتفاؤل. كان كل منهما يشعر بأن هذا الخاتم ليس مجرد قطعة من المجوهرات، بل رمزًا لوعدٍ أبدي يجمع بين قلبيهما.
رقصا معًا وسط الحضور، محاطين بنغمات الموسيقى الرقيقة، وضحكاتهم الطريفة تتعالى بين الحين والآخر. كان الحب يغمرهما بشكل لم يعرفاه من قبل، يتمنيان أن تتوقف عقارب الساعة ليعيشا في تلك اللحظات للأبد. كانت عيونهما تلتقي بين الحين والآخر، مليئة بالشغف والأمل، وكأنهما يرسمان مستقبلًا مشرقًا معًا.
لكن، بالرغم من السعادة الغامرة التي عاشاها، كان القدر ينسج في الخلفية خيوطًا لم تكن في الحسبان. كانت هناك أحداث قادمة تنتظرهم، مجهولة المعالم، قد تهز أساسات تلك اللحظات السعيدة. وفي أعماق قلب كل منهما، كان هناك إدراك خافت بأن الحياة قد تخبئ لهم تحديات جديدة، لكنهما كانا مستعدين لمواجهتها معًا، مستمدين القوة من حبهم العميق.
______________________
باركت أسيل ويزن ليارا وعمر في سعادة وبارك مصطفى ليارا وعانقها بقوة وهو يشعر بسعادة أخته التي طالما تمناها وأخيرًا يراها سعيدة.
قال مصطفى بحب وهو ينظر لأخته:
“مش عاوز الفرحة دي تختفي من وشك تاني طلع لايق عليكِ الفرحة أكتر بحس إن كل ملامح وشك بتضحك معاكِ.”
قال عمر بتأكيد:
“أيوة فعلًا شايف فرحتها عاملة إزاي.”
تحدث مصطفى بمرح:
“لو كنت أعرف إن اللي هيخلي ضحكتك من الودن دي للودن دي عمر كنت أجبرته يتجوزك من زمان.”
أجابه عمر بتمني:
“ياريت كنت عملت كده علأقل كنت شوفت صح بدل ما كنت مغفل ساعتها كده.”
قالت يارا بابتسامة وحب بداخلها:
“ربنا كاتبلنا نتخطب في اليوم كذا الساعة كذا فدي تدابير مش هندخل فيها ولو اتأخرت فده عشان ربنا مخبيلنا الخير.”
ابتسموا الثلاثة بفرحة عارمة، وتقدم عمر بخطواته ليكمل رقصته مع يارا. كان مصطفى يراقبهم بعينين ملؤهما التأمل، حتى وقعت عيناه على هدير التي كانت واقفة أمامه ولكن بعيدة عنه حيث كان بينهم عمر ويارا يرقصون كانت مثله تمامًا تتأملهم بصمت وهي مبتسمة .
تلاقت أعينهما وتخيل كل منهما أنهما يرقصان سويًا مثل عمر ويارا، إذ اختفى العالم من حولهم وبقيا هما الاثنان فقط. تقدم مصطفى نحو هدير ببطء، ووضع يده بلطف على خصرها ليجذبها نحوه برقة. استسلمت هي لنظراته الساحرة، ولفّت ذراعيها حول عنقه بحب. أخذوا يرقصون بإنسجام تام، غمرهم الحب وملأت الضحكات وجهيهما. فجأة، توقفت أحلامهم وعادوا إلى الواقع حين تغيرت الموسيقى إلى نغمة جديدة ألهبت أجواء الحفل. ضحكوا بخجل على تخيلاتهم، وانسحبت هدير من أمام ناظري مصطفى بخجل واضح، وكأنها شعرت أن مصطفى قد اكتشف ما كانت تتخيله. ثم انطلقت لأداء واجباتها.
رفع مصطفى شعره بتأمل، ونظر إلى البعيد وهو يضحك بمحبة، فرأى شهاب أمامه يشاركه الضحك. نسي مصطفى كل شيء في لحظة، وعانق شهاب بشوق عميق، ورقصا معًا وسط ضحكات تملأ المكان.
_______________
قال شريف بانبهار:
“أنا شايف سعادة عارمة على وجوه كل اللي في الحفلة النهاردة مصطفى يارا أسيل كلهم مبسوطين.”
أجابته رحاب:
” طبيعي يفرحوا شوية ويحزنوا شوية دي الحياة متتخيلش إنك تفضل فرحان دايمًا لو فرحت اعرف إن فيه حزن مقبل عليك دايمًا ترقب الحياة لإنها غدارة. ”
نظر شريف إليها باستعجاب:
“يا ستار عليكِ ! ده بدل ما تقولي الحمد لله لإن كنت ملاحظ تعاسة أولادك الفترة دي وأهم سعداء كلهم.”
نظرت إليه رحاب ووافقته الرأي وحمدت ربها بتأدية واجب فقط.
________________________
بحثت أسيل عنه بشغف وأخيرًا رأته يقف ويتحدث مع دعاء. أثار الفضول في قلبها تساؤلات عما يدور بينهما من حديث.
قادها الفضول للاقترب منهما. وعندما اقتربت، لاحظ يزن اقترابها وحاول تغيير الموضوع قائلاً:
“أسيل، كنا لسه بنتكلم عنك.”
نظرت أسيل إلى دعاء، ثم أخرجت دفترتها وكتبت:
“ماما كويسة؟”
قرأت دعاء ما كتبته وأجابتها بابتسامة مطمئنة:
“أه يا حبيبتي، كويسة الحمد لله.”
ثم نظرت دعاء إلى يزن وقالت:
“يلا.”
أمسك يزن بيد أسيل ليتوجها الثلاثة بالخروج من المنزل، وركبوا جميعًا في سيارة يزن. كانت أسيل تشعر بالحيرة والارتباك، فسألت يزن بعينيها التي تعكسان تساؤلاتها. أدرك يزن ما يجول بخاطرها، فابتسم وقال:
“هتعرفي لما نوصل.”
وصلوا أمام عمارة كبيرة، ونزلوا جميعًا من السيارة. عندما نزلت أسيل، نظرت إلى يزن بتساؤل. تفاجأت به يضع قماشة صغيرة على عينيها. أظهر القلق والخوف في ملامحها حين فقدت رؤية ما حولها، فطمأنها يزن بإمساكه بيدها وهمس في أذنها بدفء قائلاً:
“لا تخافي عزيزتي، أنا هنا ولن يصيبك أي مكروه ما دمتُ معك.♡”
ابتسمت أسيل من سماع تلك اللهجة، فهي طالما أحبّت سماعها. أمسك يزن بيديها وتقدما معًا داخل العمارة. لم تكن أسيل تعلم إلى أين يذهبون أو بمن ستلتقي، لكن إحساس الأمان الذي منحه إياها جعلها تتابع خطواتها بثقة.
……..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا تخافي عزيزتي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى