روايات

رواية لا أحترق الفصل الرابع 4 بقلم ريم أشرف

رواية لا أحترق الفصل الرابع 4 بقلم ريم أشرف

رواية لا أحترق الجزء الرابع

رواية لا أحترق البارت الرابع

لا أحترق
لا أحترق

رواية لا أحترق الحلقة الرابعة

رجعت البيت والصور في إيدي،
مخنوقة، بس مش من خوف
من الأسئلة الكتير اللي بتلف
في دماغي وملهاش إجابة.
دخلت أوضتي،
طلعت علبة قديمة فيها بواقي من دفاتر المدرسة،
ولقيت نفس الورقة اللي في الصورة،
بخطي، وبقعة شاي في الطرف.
لمستها، كان جوايا حنين،
أيام أهدى، روحي كانت أجمل،
أحلامي كانت أصفى،
كنت حاسة إني أقدر ألمس السما بإيديا.
فضلت أقلب فيها،
ولقيت بخط باهت على جنب الصفحة،
حد كاتب لي:
“أنا شوفتك، وهشوفك دايمًا.”
معقول؟
ده كان حقيقي مش خيال طفلة؟
________________________________________
تاني يوم، وأنا داخلة العمارة،
قابلت “عم سامي”، بوّاب العمارة من سنين.
سألته فجأة، من غير تفكير:
= هو في حد كان ساكن جنبنا زمان؟
يعني لما كنت صغيرة، في شقة الدور التاني؟
ابتسم، وقال:
_ آه طبعًا، كان في الأستاذ عصمت ومراته وابنهم.
بس سابوا الشقة من سنين،
بعد ما مراته تعبت، وسافروا برا القاهرة، يمكن الإسكندرية.
= ابنهم… اسمه إيه؟
_ آدم…
آدم عصمت.
كان ولد مؤدب، بس انطوائي شوية، بيحب يقعد في البلكونة دايمًا، يكتب أو يرسم.
بس أكيد نسيتيه، ده إنتِ كنتِ عيلة صغيرة.
لأ، مكنتش نسيته.
آدم.
آدم اللي كان ساكن قدامي سنين،
اللي عمري ما كلمته،
بس دايمًا كنت أحس بنظرة من البلكونة اللي قدامي.
كان هادي، بيلاحظ.
ولما غاب، نسيت.
بس هو… واضح إنه ما نسيش.
رجعت الشقة،
طلعت على البلكونة،
وبصيت على البلكونة اللي كانت قدامنا.
قعدت هناك شوية،
لقيت وردة بيضاء محطوطة على سور البلكونة.
مش مرمية،
محطوطة بحنان.
وقلب الوردة..
كان فيه نفس الورقة بخط إيده:
“شعرك الطويل راح فين يا ورد؟
قصّيتي جذورك؟
بس لسه زي القمر.
أنا عمري ما مشيت، أنا دايمًا كنت موجود.”
ده مش مجرد حد عارفني، لا… ده حافظني.
بعد كده سمعت صوت مغنيي المفضل جاي من بعيد،
محمد منير، وهو بيقول بكل رومانسية:
«جوايا قلبي شجر مقلوع
بعطش ليكي وأحن وأجوع
ياللي إنتِ حبك حرية
في العشق آه ولا شيء ممنوع
يا سمرا يا سمرا.»
كان الوقت ليل، بصيت للسما والنجوم،
كان جوايا شجن، سندت راسي على سور البلكونة،
وأنا بكمل مع الكينج وهو بيكمل:
«دي شفايفك لما بتتنهد أنا بستشهد
وبعيش في النار، أعيش في النار
وعيونك لما بتتلفّت أنا بتفتّت
ما الحقّش أحتار، ما الحقّش أحتار
ضميني خديني أنا لاجئ
ولأول مرة بكون صادق
موتني العشق ومش فارق
ليل ولا نهار.»
فضلت طول الليل مش قادرة أنام،
ببص للصورة، والورقة، والبلكونة،
كأن كل حاجة في الدنيا بتأشر له… بتنده عليه.
لحد ما روّحت في النوم.
_________________________________________
تاني يوم على المغرب،
قررت أنزل أتمشى شوية على الكورنيش،
نفس المكان اللي كنت بكتب فيه زمان.
كان وقت الغروب،
شكل الشمس روعة،
كان الجو بيحضني بحنية.
دخلت كافيه هادي،
قعدت قدّام النيل مباشرة،
والهوا بيحرّك شعري القصير،
كنت مختارة لبس هادي، مكان هادي،
بس جوايا كان عكس كل ده،
كنت في حيرة من أمري.
نازلة من غير ميكاب، يدوب معايا الموبايل،
ومعايا النوت بوك بتاعتي،
وعنيا على الميّة.
وجت بقى وردة تهد كل اللي جوايا، وهي بتقول:
«قال إيه بيسألوني عنك يا نور عيوني
معقولة أكون بحبك أكتر من نفسي!
ليه ليه؟
وحقيقي حيّروني بالرد وغلّبوني
عندي الأسباب كتير وهقول
إيه أنا ولا إيه؟!
حبك مفرّحني فرحة طير بطيرانه
قربك مريحني راحة الروح بأغصانه
عطفك ساقيني الحنان كله بألوانه
ودّك مهنيني، قربك مخليني
إنسان لقى نفسه فيك من بعد توهانه.»
غمضت عيوني وسرحت مع وردة، وأنا بكتب:
“يا ترى لقيتك، ولا لسه هفضل أدور كتير عليك؟
وأنا هكون عايزة إيه أكتر من إنسان محسّسني بالأمان ده كله!
زي ما ست وردة بتقول: ‘إنسان لقى نفسه فيك من بعد توهانه.’
وأنا توهت كتير أوي، وما صدّقت لقيتك.”
وبعد ما قفلت النوت بوك، ببص جنبي لقيت في شاب،
شاب هادي جدًا، مرتب، طوله قريب مني،
عيونه شبه البحر، مش في لونه… لا، في عمقه،
كان لابس تيشيرت أزرق وبنطلون جينز،
دقنه خفيفة، وكان مركز معايا.
كنت باصّة له بصدمة،
اتوترت، ومكنتش عارفة أقول إيه.
_ متخفيش والله، أنا آسف،
بس لقيت إن كافيه كده، كان لازم أشوفك.
صوته،
صوته لف جوا قلبي.
كان بيبتسم، وأنا ببلع ريقي وبقوله:
= أنت مين؟
مدّ إيده ليا، وقال بثقة:
_ آدم.
ووطى عليا كده، وقال بصوت واطي:
_ المعجب السري.
ملقِتش مني رد، كنت باصّة له وأنا ساكتة.
_ مكنتش عايز أظهر قبل ما أكون متأكد إنك جاهزة.
كنت خايف ملقاش في عينيكي نفس الطيبة اللي كنت بشوفها زمان.
= وكل اللي حصل… الورد، الجوابات، الورق؟ ده كله كان منك؟
_ كان مني…
ومن قلبي اللي ما كبرش غير لما كبرتي قدامه.
سكت، كنت عايزة أعيط،
معرفش ليه، بس كنت حاسة بلخبطة.
قلت وأنا بحاول مبصّش في عينيه:
= طب ليه دلوقتي؟
_ علشان دلوقتي بقيتي بتختاري نفسك،
عجبني فيكي إنك ورد بس ما بتتحرقيش.
وأنا كنت مستني اللحظة اللي تكوني فيها مع نفسك الأول،
قبل ما أطلب أكون معاكي.
أنا كنت مسافر مع بابا وماما، قبل ما يتوفوا،
ورجعت من ٣ سنين، وكنت بشوفك على طول،
ولو سألتي ليه أنا خدت الخطوة دي دلوقتي،
علشان يا ستي كنت عارف إن في حد في حياتك،
كنت بقابلك كتير،
كنت بشوفك مرة حزينة ومكسورة، وكنت بشوفك لما كان بيجي متأخر تحت البيت،
كنت بسمع أوقات صوت عياطك، وأوقات خناقاتكم،
كنت واخد بالي إنك في علاقة ظلمِة نفسك وروحك بيها.
مكنتش عارفة أرد عليه،
مش لاقية حاجة أقولها،
معقول كنت مكشوفة أوي كده؟!
عيوني كانت بدأت تدمع،
هو اتوتر، جاب منديل وحاول يمسح دموعي، وقال:
_ على فكرة، أنا كنت ماسك أعصابي عنك وعن الـ زفـت اللي كنتي تعرفيه ده،
كان نفسي أنزل أكسر دماغه ودماغك أكتر من مرة.
كان متعصب أوي، وأنا ضحكت على طريقته.
سكت شوية، وبعدين همست:
= كنت مستنية تقول كده.
فضلنا نبص لبعض وإحنا ساكتين،
لقيته فتح الفون بتاعه، وقال:
_ أنا متابعك من زمان، ومع أول خاطرة كتبتيها ليا،
وأنا مكنتش مصدق إنك بتردي عليا،
محتفظ بتفاصيلك كلها، من أيام ما كنا بنلعب قدّام البيت،
فاكر مشاكل المدرسة،
كل حاجة كانت معاكي، ما نسيتهاش يا ورد.
مسك إيدي بخفّة،
وقال وهو باصص في عيوني:
_ ورغم السنين دي كلها، مكانك متغيّرش.
افتكرت ريحته، رموش عيونه،
أول جواب حب بعتهولي وإحنا في إعدادي،
افتكرت إيدينا لما كانت بتتشبك وإحنا راجعين من الدرس،
إزاي كنت ناسية مشاوير الكورنيش، وريحة الدرة،
شكل الشمس وقت الغروب،
افتكرت سبب حبي للحاجات دي كلها.
طلبنا عصير جوافة،
لسه فاكر عصيري المفضل.
فضلنا قاعدين نحكي عن اللي عشناه وإحنا بعيد عن بعض،
حسيت بنفسي… روّحت البيت… وهو كان بيتي،
كنت مطمئنة بوجوده، كنا بنتكلم بكل راحة،
من غير ما نحسب الكلام، مطمئنين،
مرتاحين.
وفي آخر القعدة، طلب مني، وهو بيديني وردة، وقال:
_ تعالي نعيش أحلامنا سوا، أنا عايز أكمل معاكي حياتي يا ست ورد.
ابتسمت وأنا باخد منه الوردة، وقلت له:
= وأنا موافقة يا سيدي.
وقفلت بقى علينا الستارة، وإحنا مشبّكين إيدينا،
وبنتمشى على الكورنيش، وصوت أنغام وهي بتقول:
«هو إنت مين؟
علشان في ثانية تشيل حاجات
وتهد رصّة ذكريات
وتلخص العمر في يومين
ليه تبقى مين؟
علشان تزورني تقوم تبات
جوا في سواد العين وأخبيك بالسنين.»
كان مالي قلبي وعقلي.♡

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا أحترق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى