روايات

رواية كأنك خلقت لأجلي الفصل العاشر 10 بقلم آلاء حسن

رواية كأنك خلقت لأجلي الفصل العاشر 10 بقلم آلاء حسن

رواية كأنك خلقت لأجلي الجزء العاشر

رواية كأنك خلقت لأجلي البارت العاشر

كأنك خلقت لأجلي
كأنك خلقت لأجلي

رواية كأنك خلقت لأجلي الحلقة العاشرة

(اختيارات القدر)
رغمًا عن شعور الكسل المُسيطر عليه ذلك الصباح، إلا أنه قاوم بكل قوته ذلك الخِدر اللذيذ الذي يدعوه لاستكمال نومه تحت غطاؤه الوثير الدافئ، فقد كان يتثائب بإجهاد وهو يُمرر أصابعه عبر شعره المُبعثر بنعومة قبل أن يُقرر التملص من دفء ذلك الغطاء الذي يتدثر أسفله فرفع نفسه ببطء من على فراشه وتوجه بخطوات غير منتظمة نحو حمامه ..
ماإن دخل حتى قابلته مرآته والتي عكست صورته فتأمل ملامح وجهه المُجهدة قبل أن يفتح الصنبور تاركًا المياة الدافئة تتدفق من خلاله فاغترف منها بيده وبدأ في غسل وجهه وتمريرها بين خصيلات شعره الهاربة ..
لم تمر النصف ساعة حتى كان صفوان يستعد للمغادرة بعدما تأنق كعادته، وقبل الرحيل وقف أمام مرآة غرفته الطويلة المصقولة وهو يبتسم ابتسامة هادئة تعكس سحره الطبيعي، فقد كان هناك شيء فريد في طريقة تأملاته، شيء يجذب الأنظار إليه حتى وإن لم يحاول ذلك ..
في تلك اللحظة ومن وراء نافذته كانت الشمس قد بدأت بالظهور فسلطت أشعتها عليه وكأنها تشرق فقط من أجل شخصه ..
بدت غرفة مكتبه الدافئة بإطلالتها البانورامية وكأنها كانت في انتظاره، فكُل شيء بموضعه المثالي لم يتزحزح سنتيمترًا واحد، فما إن دلف صفوان إليها حتى دب النشاط في أوصاله واعتلى مقعد مكتبه الوثير بعدما تحرر من سُترته وقام بالتشمير عن ذراعيه وارتدى نظارته الطبية قبل أن يفتح الجهاز اللوحي الخاص به ويشرع في التحقق من بعض أعماله الهامة ..
لكن لم تمر الدقائق حتى ارتفع رنين هاتفه بنغمته المُميزة الهادئة، لم يكن ليعبأ في البداية بعدما لمح اسم كارمن يظهر على شاشته، لكن رسالتها النصية كانت كفيلة بجذب انتباهه إليها حيثُ ارسلت إليه :
” نتيجة التطابق جاهزة .. تفتكر مين اللي القدر اخترهالك ؟ هستنى مكالمتك عشان أوافيك بالتفاصيل ”
لقد حاول صفوان التظاهر بعدم الاكتراث وفضّل التركيز على أعماله، إلا أن عقله لم يُتيح له تلك الفرصة بل ظل يُفاجأه بومضات من حفل الأمس مٌحدثًا إياه .. تُرى أيهمُا سيُهديه القدر إياها؟ هل هي تلك الفتاة التي لازمته ؟؟ أم تلك الساحرة بقناع مارلين مونرو !! أم هل هُناك أُخرى لم يلتفت إليها !
زفر صفوان بضيق وغادر مقعده متوجهًا إلى آلة صنع القهوة الخاصة به وبدأ في تحضير قهوته الخاصة وعقله لم ينفك عن التفكير في أحداث الليلة الماضية، وخاصة تلك التي جالسها في نهاية الحفل .. الفتاة التي اعتلت مقعد البار، تلك التي لم تحاول لفت انتباهه، بل كانت غارقة في أفكارها الخاصة .. لقد كانت مختلفة عن كل الأخريات …
عليه الاعتراف أنه قضى ليلته البارحة في التفكير بكلماتها وخاصة تلك التي ألقتها آخر الحفل عن حياتها البائسة المُدمرة على يد إحداهُن ..
لكن بالتأكيد ليس ذلك هو الخيار الأنسب، فحياته لاتحتمل دراما من تلك النوعية .. فمايُريده حقًا هو فتاة مثل تلك الفاتنة التي جُذب إليها دون تفكير .. بالطبع ليست الأجدر بالزواج لكنها الأنسب لإضافة بعض الإثارة إلى حياته الجادة ..
ارتشف صفوان قهوته على مهل، محاولًا إبعاد الأفكار المتضاربة التي غزت عقله منذ قراءته لرسالة كارمن، لكنه كان يعرف نفسه جيدًا، ويعرف أنه لن يحصل على راحة حتى يعرف من اختاره القدر له ..
لذا رفع هاتفه وتردد لثوانٍ قبل أن يضغط على اسم كارمن، ليصل إليه صوتها العميق الهادئ قائلة :
– مستر صفوان .. صباح الخير ..
أجابها بنبرة حاول إخراجها هادئة :
_ صباح الخير ياكارمن .. وصلتني رسالتك ..
بدأ الغرور بالزحف داخل نبرتها وهي تقول بثقة :
_ كنت عارفة إن رسالتي هتخليك تكلمني ..
زفر هو بضيق وهو يسند كتفه إلى حافة طاولة القهوة وقال بنفاذ صبر :
– كارمن ..انتي عارفة إني مبحبش المقدمات ..
خرج صوت كارمن هادئًا واثقًا وهي تقول راغبة في التلاعب لبعض الوقت :
– طيب مش أعرف الأول انت كنت عاوز مين ؟
أجابها بضيق واضح :
_ حقيقي مفيش قدامك غير اربعين ثانية قبل ماافصل المكالمة.. أكيد عندي حاجات كتير أهم من اللي عاوزة تقوليه ..
صمتت كارمن للحظات وكأنها تدرس الوضع ثم قالت بحزم :
– الفتاة اللي كنت معاها في نهاية الحفل… اللي عند البار ..
تجمدت ملامحه للحظة قبل أن يرد بنبرة هادئة تخفي اضطرابه :
– تقصدي… إن هي؟
ساد الصمت لبضع لحظات قبل ان تخرج ضحكة صغيرة من فم كارمن والتي استدركت على الفور :
_ لا مش هي .. أنا بس كنت بشوفك فاكرها ولا لا ..
قضب صفوان مابين حاجبيه وأحمر وجهه بغضب واضح قبل أن يقول بنفاذ صبر :
_ انا مضطر انهي المكالمة ..
اغلق صفوان هاتفه بغضب واضح وهو يزفر بضيق مُتمتًا :
_ إيه لعب العيال ده ..
لكن وقبل أن تمر الدقيقة أتته رسالة أخرى من كارمن لكنها كانت أكثر جدية ومهنية تلك المرة وقالت :
” نتيجة التطابق ملائمة مع الفتاة بماسك مارلين مونرو، هيتم التواصل معك قريبًا لتحديد موعد لمقابلتها ”
وضع صفوان كوب قهوته على الطاولة وهو يحدق في الفراغ، نعم فهذه الفتاة هي من أرادها، لكن .. هي لم توله الاهتمام من الأساس بل وتجاهلته عدة مرات، لذا هو لم يتوقع نهائيًا أختيارها له أو تطابقها معه، بعكس صاحبة ماسك كاتوومان والتي كانت شبه ملتصقة به طوال الحفل …
****************
لم تكن ليلة قادرة على بدأ يومها الجديد، بل بدت وكأن كاهليها مُحملين بالهموم، ورغم ذلك لقد تحركت رغمًا عنها تاركة فراشها من ورائها، إلا أن رأسها المُطأطأة وملامحها المُطفأة جعلاها تبدو وكأنها تجر أذيال الخيبة التي لم تستطع تجاوزها، ولكن ماالجديد .. فحياتها بأكملها عبارة عن مجموعة متتالية من الخيبات والحسرات التي لاتنتهى …
بصعوبة توجهت ليلة نحو مدرستها بروح فاقدة للشغف، تحمل جسدها كما لو كان حملًا ثقيلًا عليها ..
ماإن تجاوزت البوابة الحديدية الكبيرة حتى استقبلت كعادتها ضجيج الصباح، أصوات الأطفال المتحمسين، ونداءات المعلمين المتداخلة، لكنها لم تشعر بأي من ذلك وكأنها كانت تعبر عالمًا لا تنتمي إليه، عالمًا يعج بالحياة بينما هي عالقة في رماد ماضيها ..
قطعت فناء المدرسة دون أن تُلقي التحية على أحد، رغم نظرات الزملاء المتسائلة فالبعض اعتاد على شرودها، والبعض الآخر اكتفى بالهمس عنها من بعيد، لكنها لم تعد تكترث. توجهت إلى صفها، ألقت بحقيبتها على المكتب، ثم سحبت مقعدها وجلست مُسندة رأسها إلى يديها في محاولة يائسة لجمع شتات نفسها قبل أن يدق الجرس …
لكن قبل أن تتمكن من الاستغراق أكثر في أفكارها، تسلل إلى أذنها ذلك الصوت المألوف والذي يهابه الجميع صوت “الحاج عرفات” .. والذي ماإن سمعته حتى نفضت عنها ذلك الحزن وهبت واقفة وهي تقول باحترام :
_ صباح الخير ..
أجابها هو باقتضابة :
_ صباح النور ياأبلة .. محضرتيش الطابور ليه ..
حاوت ليلة التماسك وقالت باحترام :
_ معلش اصلي تعبانة شوية النهاردة ..
كان الحاج عرفات دائمًا مايحمل بيده عصًا رفيعة طويلة يُلوح بها مُهددًا في وجه التلاميذ والعاملين ليهابه الجميع، وكذلك فعل أمام ليلة وهو يقول بوقاحة مُتزايدة :
_ تعبانة يبقى متجيش ياأبلة ..
لقد استفزتها تلك الحركة المتعجرفة، لكنها كتمت غضبها وهي تحاول الحفاظ على هدوئها، فقد كانت تعلم أن ذلك التغير الجذري في معاملته لها هو نتيجة رفضها لطلبه الزواج منها، وفي النهاية كانت متيقنة من أن الدخول في جدال مع الحاج عرفات لن يكون في صالحها، فهو رجل اعتاد على فرض سطوته داخل المدرسة، ولم يكن يطيق رؤية أحد يتحداه، فمابالك إذا قامت إحداهُن برفضه ..
تنفست ليلة بعمق وقالت بصوت ثابت :
_ أنا موجودة علشان شغلي وواجبي تجاه الطلبة، مش علشان أجادل. لو عند حضرتك أي ملاحظة تقدر ترفعها للإدارة .. وعلى فكرة أنا استاذة جامعية مش أبلة ..
رمقها الحاج عرفات بنظرة متفحصة، وكأنه يحاول تقييم مدى جرأتها على التحدي، ثم لوّح بعصاه مرة أخرى، لكن هذه المرة بشكل أخف وهو يغمغم :
_ يا سلام! بقى إحنا بقينا نتكلم بالإدارة؟ ماشي يا أبلة، قصدي ياأستاذة ليلة ..
لم ترد عليه بل اكتفت بالنظر إليه بثبات حتى ابتعد، لكنها شعرت بنبضات قلبها تتسارع فلم يكن الخوف هو ما تشعر به، بل الغضب. الغضب من واقع تعيشه يوميًا، من بيئة تخنقها، ومن أشخاص مثل الحاج عرفات يعتقدون أنهم يملكون الحق في التحكم في الآخرين وإذلالهم ..
لكنها لم تكن ضعيفة… على الأقل، لم تعد تريد أن تكون كذلك، لذا عادت إلى مقعدها وأخذت نفسًا عميقًا، محاوِلة استعادة توازنها فاليوم ما زال في بدايته، وما زالت أمامها معركة أخرى… معركة مع من سلبتها حياتها وزوجها وبيتها .. معركة مع لورين …
في تلك اللحظة ارتفع رنين الهاتف الخاص بها وظهر اسم كارمن بوضوح فأجابت ليلة دون تردد ليصل إليها صوت كارمن والتي قالت بثقة :
_ اتمنى تكوني قضيتي وقت كويس امبارح في الحفلة ..
تنهدت ليلة بحزن واضح قبل أن تُجيب بيأس :
_ كنت هبقى مبسوطة أكتر لو كنت قدرت أحقق اللي جيت عشانه ..
رغمًا من أن كارمن حاولت إخراج صوتها مُواسيًا إلا أن نبرتها كان تحمل الكثير والكثير وهي تقول :
_ يمكن يبقى عندك فرصة تانية عشان توصلي للي عاوزاه ..
لم يبدو على ليلة أنها فهمت ماترمي إليه المتحدثة لذا تسائلت باستغراب :
_ يعني إيه !
أجابتها كارمن على الفور :
_ الغرض الأساسي من الحفلة امبارح هو خلق جو للتعارف بين الأشخاص وتوضيح لو كان في تطابق .. وانتي تطابقتي مع شخص اعتقد إنه مناسب جدًا ليكي ..
ابتسمت ليلة بسخرية وأجابتها :
_ تطابق إيه وتعارف إيه .. انتي عارفة أنا حضرت الحفلة ليه .. أنا مش بدور على عريس أنا عاوزة …
لكن كارمن قاطعتها مُحاولة إقناعها :
_ ماأنا قولتلك يمكن يبقى عندك فرصة تانية توصلي لهدفك ..بس مش بنفس الطريقة .. خليني أنا أساعدك المرادي ..
صمتت ليلة للحظات وحاول عقلها أن يعمل بسرعة لاستيعاب ما ترمي إليه كارمن، فهي لم تكن في مزاج يسمح لها بالألغاز، لكنها كانت تعرف أن كارمن لا تتحدث عبثًا ..لذا تسائلت بحذر :
_ تقصدي إيه؟
تنهدت كارمن براحة قبل أن تقول بهمس وكأنها تُفضي إليها بسرٍ ما :
_ يعني يمكن الشخص ده هو اللي هيوصلك للي انتي عاوزاه ..
أجابتها ليلة :
_ مش فاهمة ..
قالت كارمن بوضوح :
_ لما تقابليه أكيد هتفهمي اللي أقصده ..
ثُم أضافت بحزم :
_ هتوصلك رسالة بالمكان والوقت المُحدد اللي هتقابليه فيه ..
لم تُعط كارمن ليلة فرصة أخرى للاعتراض بل انهت المُكالمة دون مُقدمات، في نفس الوقت الذي نظرت ليلة فيه إلى هاتفها بصدمة، وكأنها تحاول استيعاب ما حدث للتو ..
فمن هو هذا الشخص؟ ولماذا تعتقد كارمن أنه قد يكون مفتاحها للوصول إلى انتقامها؟
رغم توترها، لم تستطع منع فضولها من التسلل إلى عقلها. كانت تكره فكرة أنها ستُدفع إلى لقاء شخص غريب، لكن كارمن لم تكن لتدفعها لهذا الأمر عبثًا، بالتأكيد هو متعلق بلورين ..
لورين…
شعرت ليلة بنار الغضب تُضرم بداخلها بمجرد تذكر الاسم لذا استنشقت نفسًا عميقًا ثم زفرته ببطء محاولة استعادة هدوئها، فالانتقام يحتاج إلى ذكاء وليس إلى تهور. وإن كان هذا اللقاء سيساعدها على تحقيق هدفها، فلم لا؟ لكن من يكون؟
عادت من جديد إلى الواقع على صوت جرس المدرسة، معلنًا بداية الحصة الأولى فنهضت من مقعدها ورتبت ملامحها، محاوِلة طرد كل الأفكار عن كارمن، عن اللقاء المنتظر، وعن لورين فاليوم طويل .. وهناك وقت كافٍ لاحقًا لتفكر فيما يجب أن تفعله.
لكن رغم محاولاتها، لم تستطع التخلص من الإحساس الذي تسلل إليها… إحساس بأنها على وشك التورط في شئ أكبر مما توقعت ..
*************
كان جواد في خضم انشغاله بأعمال التدريس عندما أضاء هاتفه برسالة من كارمن والتي لمحها سريعًا قبل أن تنتفخ أوداجه وتتحول جديته وعبوسه إلى النقيض، حيثُ قفزت الابتسامة رغمًا عنه أعلى شفتيه وظهر المرح على وجهه وهو يستكمل شرح مابدأه لطلبته الذين لاحظوا ذلك التغيير المُفاجئ على مُعلمهم، فتبادلوا الهمهمات على استحياء قبل أن يُعلن هو انتهاء المحاضرة قبل موعدها .. وقبل أن يُعلق أحدهم قام جواد بالتوجه سريعًا نحو الخارج وهو يتطلع إلى هاتفه بلهفة حقيقية .. فقد كان تطابقه مع صاحبة قناع “ساندرا بلوك” والتي كان يعلم جيدًا أنها لم تكن سوى ليلة .. حُبه الأول والوحيد ..
حاول جواد السيطرة على انفعاله وتصنع الجدية من جديد خاصة وهو يرى رئيس القسم الخاص به وميرنا زميلته يتجهان نحوه مُباشرة، حيثُ بادر رئيس القسم قائلًا :
_ إيه ياجواد مطولتش كعادتك في المحاضرة ..
أجابه جواد باقتضاب :
_ الطلبة استوعبوا المطلوب، فقلت نختم بدري المرة دي.
نظر إليه رئيس القسم بعينين ضيقتين، بينما ألقت ميرنا نظرة جانبية سريعة على هاتفه الذي كان لا يزال مُضيئًا في يده، وكأنها قرأت شيئًا ما خلف نظارته المتصنعة من الجدية، فقالت بمكر :
_ أكيد، أو يمكن كان عندك حاجة أهم تستعجل عشانها؟
رفع جواد حاجبيه لها بلا تعليق، لكنه لمح الابتسامة الخفيفة التي ارتسمت على شفتيها وكأنها اكتشفت سره فلم يرد التورط في المزيد من التحقيقات لذا قرر الهروب بأسرع ما يمكن قبل أن تنهال عليه الأسئلة وقال وهو يُطالع ساعته :
_ عن إذنكم، عندي حاجة ضرورية لازم ألحقها ..
كاد جواد أن يتحرك بخطوات سريعة لكن رئيس القسم أوقفه قائلًا :
_ جواد .. عاوزك في موضوع مهم في مكتبي .. مشروع لازم تشتغل عليه انت وميرنا ومحتاجين حد تالت معاكوا …
هز جواد رأسه بتفهم قبل أن يقول :
_ تمام يادكتور .. بكرة إن شاء الله هتلاقيني عندك ..
ودعهم جواد بابتسامة وانطلق نحو الخارج بعدما ترك العنان لملامحه بالانفراج فبدا وكأنه في طريقه نحو الحرية .. نحو السعادة ..
****************
لقد كانت تعلم دائمًا بأنها تمتلك البطاقة الرابحة، حتى بعد تلك الخُدعة التي مارستها عليها كارمن، إلا أنها وفي النهاية هاهي تتجهز لمُلاقاة صفوان، لايُهم السبب الذي دفع كارمن لتغيير رأيها والوقوف في صفها لكنها بالتأكيد لاحظت اهتمامه المتزايد بها في الحفل فغيرت خطتها وقررت الرهان على الفرس الفائز ..
هذا مافكرت به لورين وهي تتأمل انعكاس جسدها داخل مرآتها، فمن يستطع مُقاومة جمالها الساحر ونظرات عينيها الفاتنة وقوامها المُثير، ابتسمت لورين لنفسها وهي تمرر يدها على فستانها الحريري الذي يُعانق جسدها بإتقان، ثم اعتدلت في وقفتها وألقت نظرة أخيرة على انعكاسها في المرآة ..
كانت تعرف جيدًا تأثيرها، وكانت تجيد استخدامه لصالحها، فاليوم لن تُقابل مجرد رجل بل ستضع حجرًا جديدًا في مستقبلها الذي نسجت تفاصيله بدقة داخل عقلها ..
فصفوان رجل قوي، ناجح، ويملك من النفوذ والمال ما يكفي لجعل الأمور تسير وفق ما تريد، نعم هو لم يكن رجلًا يُغرى بالجمال وحده لكنه أيضًا لم يكن محصنًا ضد سحرها …
ارتدت معطفها الفاخر، ثم رفعت شعرها ببطء، تاركة خصلاتها تنساب على كتفها بإغراء مدروس قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تُمسك بحقيبتها وتتجه نحو الباب بخطوات واثقة ..
فالليلة، ستبدأ مرحلة جديدة…
هاهي في طريقها إليها، إنه في انتظارها داخل ذلك المطعم الراقي والخاص بإحدى الفنادق الفاخرة، لقد رتبت معها مشرفتها جميع تفاصيل ذلك اليوم والذي استعدت له أتم الاستعداد ..
ترجلت من سيارتها بخطوات واثقة، الكعب العالي يطرق على الأرضية الرخامية بإيقاع ثابت يُعلن عن وصولها. كان المطعم ينبض بالفخامة، بأضوائه الخافتة وموسيقاه الهادئة التي تهمس في الأجواء بدلًا من أن تعلو، لم يكن المكان جديدًا عليها، فهي اعتادت التردد على أماكن كهذه، حيث تُعقد الصفقات بصمت، وتُحسم القرارات بكأس نبيذ ونظرة عميقة.
توجهت نحو الداخل وتجولت عيناها سريعًا حتى وقعت على صفوان، كان يجلس هناك في ركن هادئ، بالظبط عند تلك الطاولة التي حددتها لها مشرفتها، يرتدي بذلة أنيقة، وعلى وجهه تلك الجدية التي لم تفارقه أبدًا، لكنه حين رآها تغير شيء في ملامحه، طرفة عين بالكاد تُلاحظ، لكنها لم تفُتها.
إذن، هو ليس محصنًا تمامًا… ممتاز ..
تقدمت نحوه وحين وصلت، رسمت ابتسامة ناعمة قبل أن تقول بصوت خافت لكنه واثق :
_ متأخرتش عليك .. صح !
نظر إليها صفوان للحظة قبل أن يشير لها بالجلوس، ثم قال بهدوء :
_ بالعكس، وصلتِ في الوقت المناسب تمامًا ..
جلست لورين برشاقة ووضعت حقيبتها بجانبها، ثم التقت عيناها بخاصته مباشرة وقالت :
_ مبسوطة إن حصل تطابق مابينا ..
اومأ صفوان برأسه مُوافقًا وهو يقول :
_ مع إن تصرفاتك مكنتش بتدل على كده أبدًا في الحفلة ..
رمقته لورين بنظرة طويلة فاتنة قبل أن تُجيبه قائلة :
_ مش يمكن أنا قصدت أعمل كده عشان ألفت انتباهك ..
ابتسم صفوان بغرور قبل أن يُشير إلى النادل بطرف إصبعه وهو يقول :
_ يمكن ..
اقترب النادل منهما بانحناءة خفيفة، وقبل أن يتحدث، كان صفوان قد قال بنبرة هادئة لكنها تحمل أمرًا خفيًا :
_ مشروبي المعتاد ..
ثم التفت إلى لورين، منتظرًا طلبها فلم تتردد، بل أمسكت بقائمة الطعام، مررت أصابعها عليها برقة، ثم نظرت إليه قائلة :
_ بيتهيألي هسيبلك حرية الاختيار ..
رفع صفوان حاجبيه قليلًا، وكأنه يختبرها، ثم ابتسم بإعجاب قبل أن يوجه حديثه للنادل غامزًا :
_ خلاص خليها تجرب طلبي اللي بفضله ..
انحنى النادل مرة أخرى ثم انصرف، تاركًا خلفه توترًا غير مرئي، لكنه ملموس في الهواء بينهما، تقدمت لورين قليلاً مسندة ذقنها على يدها وهي تقول بنبرة دافئة لكنها تحمل دهاءً خفيًا :
_ ببتقال إن تفضيلات الأكل بتعكس شخصية اللي بيطلب، ياترى اختيارك ده هيكشفلي حاجة عنك الليلة ؟
ضحك صفوان بخفوت، ثم شبك أصابعه أمامه قائلاً :
_ يمكن، بس السؤال الأهم… ياترى هتكوني مستعدة للي هتكتشفيه عني ؟
لم يفت عليها التحدي في كلماته، لكنها لم تكن من النوع الذي يتراجع لذا مالت نحوه أكثر قليلًا وهمست بابتسامة مُغرية :
_ أنا مبدخلش لعبة مش مستعدالها ..
ساد صمت قصير بينهما، تأملها هو فيه بنظرات جريئة حاول إخفائها، لكنها كانت تعلم جيدًا ماوراء تلك النظرات، لذا عدلت من جلستها لتُصبح أكثر إغراءًا وبدأت بالعبث بأطراف شُعيراتها الناعمة قبل أن تقول بنبرة لاتقل نعومة عن شُعيراتها المُنسدلة :
_ تعرف إني لما كنت برقص تانجو في الحفلة كان نفسي تكون أنت اللي بترقص معايا …
رغمًا عنه انفلتت منه ضحكة شبه ساخرة وهو يتراجع إلى الوراء على مقعده قائلًا :
_ متأكدة ؟
أجابته على الفور :
_ طبعًا .. ماأنا قولتلك كانت تصرفاتي عكس اللي كان جوايا ..
ثُم أضافت هامسة وهي تنحني بجسدها إلى الأمام :
_ أعتقد لازم تجربها معايا .. عمرك ماهتنساها ..
رفع صفوان حاجبيه بعبث متسائلًا :
_ هي إيه بالظبط اللي هجربها معاكي وعمري ماهنساها ؟
أجابته بنبرة أكثر نعومة ودلالًا :
_ الرقصة أكيد ..
ضحك صفوان بصوت خافت، قبل أن يميل للأمام قليلاً، وكأنه يُريد الاقتراب أكثر، وقال غامزًا :
_ بس التانجو مش مجرد رقصة، التانجو اندماج جسدين وكأنهم جسد واحد وإلا هيبوظوا الخطوات .. ياترى موافقة على الاندماج ده ..
ابتسمت لورين وهي تميل بجزعها قليلًا، متظاهرة بالتفكير، قبل أن تهمس بإثارة قائلة :
_ طيب أفكر ..
نظر إليها نظرة طويلة عابثة وكأنه يحاول أن يقرر إلى أي مدى سيصل الأمر معها، ثُم قال بتحدِ :
_شكلك مش واثقة فيا ..
في تلك اللحظة لمعت عيناها بدهاء وهي تستند إلى الطاولة بأطراف أصابعها، ثم قالت :
_ أكيد واثقة فيك، خلاص موافقة بس بشرط…
رفع حاجبيه، منتظرًا سماع شرطها، فاقتربت أكثر وهمست بصوت بالكاد يُسمع وسط ضوضاء المطعم الخافتة :
_ انت اللي تختار الموسيقى.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه وهو يتراجع إلى الوراء قائلاً :
_ يبقى استعدي… لأني بحب أرقص بطريقتي الخاصة ..
ضحكت لورين بدلال، وقالت بنبرة مرحة لكنها تُرسل الكثير من الإشارات :
_ هتعلّمني طريقتك الخاصة ولا هتخليني أكتشفها بنفسي؟
أجابها هو بنبرة ذات مغزى :
_ بعض الحاجات بتتعلم، وبعضها بيتحس… خلينا نشوف إنتِ من انهي نوع ….
ابتسمت لورين بغنج والتمعت عيناها بدهاء مُعلنة عن موافقتها ..
على بُعد خطوات ..
في نفس الوقت الذي كانت لورين تُمطر صفوان بسيل من إغراءاتها المدروسة، كان هُناك لقاء آخر يبدأ أعلى إحدى الطاولات الأنيقة بين جواد وشريكته المُتطابقة في بهو ذلك الفندق الفاخر …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كأنك خلقت لأجلي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى