روايات

رواية فراشة في سك العقرب الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ناهد خالد

رواية فراشة في سك العقرب الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ناهد خالد

رواية فراشة في سك العقرب الجزء الحادي والعشرون

رواية فراشة في سك العقرب البارت الحادي والعشرون

فراشة في سك العقرب
فراشة في سك العقرب

رواية فراشة في سك العقرب الحلقة الحادية والعشرون

الفصل الثالث من الجزء الثاني
فراشة في سكّ العقرب
حب أعمى
ناهد خالد
“الماضي.. كلمة انتهى زمن وقوعها ولكن أثره لا ينتهي فهو مستمر معنا في حاضرنا ومستقبلنا، الماضي ما هو إلا بداية لمستقبل إما أن يكون مشرقًا أو مظلمًا، وإن كان الماضي مُحملاً بأسرار بقت هكذا لغلق أبواب الجحيم، فحتمًا في المستقبل ستُفتح تلك الأبواب على مصرعيها مع ظهور الحقائق والجميع سيدلف منها راغبًا أو مرغمًا”
في شركة العقرب…
بعد أن انتهوا من تناول الإفطار وشرب القهوة, انصرف “معاذ” لمكتبه لمتابعة أعماله بعد أن قضى وقتًا هو الأجمل والأمتع بالنسبة له فأي شيء برفقتها يكن مميزًا ولا يمكن نسيانه, وبقت “نورهان” جالسه مع أخيها في مكتبه يتناولون أطراف بعض الأحاديث الغير مهمة, حتى تعالى رنين هاتف “شاهين” لينظر لشاشته ويرى رقمًا مميزًا, فانسحب بهدوء من الأجواء وهو يخبرها بأنها مكالمة عمل مهمة, وحين نأى بنفسه في ركن من أركان المكتب البعيد عن مسامع الجالسة, رد ليستمع لصوت محدثه:
– ازيك يا شاهين؟
رد “شاهين” بهدوء:
– تمام يا نصر باشا, ازيك انتَ؟
أجابه المدعو “نصر” وهو يقول:
– محتاجك… لازم تيجيلي عشان في حاجة مهمة محتاجين نتكلم فيها تخص الشغل ما ينفعش في التليفون.
سأله وهو يمسد مؤخرة عنقه بكفه:
– انتَ لسه في لندن ولا نزلت مصر؟
– لا نزلت مصر بقالي كذا يوم, هنتظرك بكره الساعه 12:00 بالليل.
– تمام.
قالها “شاهين” وأنهى المكالمة ليتجه بعدها لمكتبه وهو يقول محدثًا “نورهان”:
-عندي اجتماع بعد نص ساعة هجهز أوراقه وهكون معاكي.
قالت مبتسمة:
– تمام وأول ما الميعاد يجي هرجع أنا البيت عشان ما اشغلكش.
انشغل لبعض الوقت في ترتيب أوراقه حتى توقف فجأة وهو يقول ناظرًا إليها:
– واضح كده إننا هنرجع البيت دلوقتي.
سألته مستغربه:
– ليه؟
قال وهو يلتقط مفتاح سيارته وسترته متجهًا لها:
– امبارح كنت براجع الملف في مكتبي في البيت ومشيت النهارده الصبح من غير ماخده.
وقفت وهي تقول مقترحة:
– طيب ليه ترجع مخصوص البيت! أنا هروح وابعتهولك مع حد من هناك.
– المشكلة إني حطيته في الخزنة.
هزت رأسها متفهمه وهي تقول بمرح:
– اه وطبعًا الخزنة دي شيء محظور ممنوع اللمس حتى عليا.
ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يقول بعد أن أمال رأسه يمينًا:
– طبعًا, انتِ عارفاني ما بثقش في حد, وأكيد الخزنة فيها حاجات كتير قوي مهمة, وده مش شك فيكي انتِ اكيد فاهمة, بس أنا بعتبر الخزنة دي شيء مقدس محدش ينفع يلمسه غيري, يلا خليني اوصلك بالمرة واخد الملف وارجع قبل ميعاد الميتنج لأنه مهم جدًا.
اومأت موافقة وهي تسير معه في طريقهما للعودة إلى المنزل.
**********
وهناك….
تحديدًا في فيلا العقرب…
كان الشجار ما زال على أشده, الضربات لا تتوقف, ولا الصرخات كذلك, لم يقدر أيًا من الفتيات على جذب “فيروز” بعيدًا عن “شدوى” التي ما زالت مسطحه ارضًا, وما انقذها من تحت يدي فيروز هو الطنين الشديد الذي ضرب اذنها من كثره صراخ الأخيرة المرتفع, لتشعر بصوتها كتيار هواء شديد السخونة يخترق اذنها ثم رأسها فينشب بها ما يشبه الحريق, وهذا ما جعلها تنهض عنها وهي تمسك اذنها بكفها بقوة محاولة إيقاف الصفير المزعج الذي رن بها, ساعدت الفتيات شدوى و نهضت بألم, لتقول “صفاء” رافضه كل ما حدث:
– اعذروني على تدخلي, بس اللي بيحصل ده ما ينفعش يحصل, المشهد اللي حصل دلوقتي ده مش تصرفات هوانم ابدًا.
عقبت “شدوى” بألم وغيظ يملأها:
– وده إن دل على شيء فيدل على إنها بعيدة خالص عن الهوانم, هانم مين دي بيئة, انا عارفه شاهين جابها من أنهي داهيه!
أنزلت “فيروز” كفها من فوق اذنها بعد أن هدأ الصفير لتعقب بغضب:
– هانم غصب عن عينك, ولا انتِ فاكره عشان هانم زي ما بتقولي المفروض اسيبك تقلي ادبك عليا وتغلطي في حقي وفي شرفي واسكت؟
تدخلت “صفاء” في الموضوع وهي تقول:
– اسمحيلي يا فيروز هانم, كان ممكن ترد عليها لكن موضوع الضرب ده ما ينفعش ابدًا… شاهين بيه لو عرف اللي حصل مش هيعدي على خير لا ليكي ولا ليها, هو ما بيحبش التسيب ويحب دايمًا اللي موجود في بيته يحترمه ويحترم وجوده ما اعتقدش انك عملتي ده لما مديتي ايدك على شدوى هانم.
رفعت حاجبها باستنكار وهي تعقب باستهزاء:
-صدقي بالله أنا من الأول كنت شاكه فيكي إنك من حلفائها, بس دلوقتي اتأكدت, انتِ مالك يا ست انتِ تدخلي ليه اصلاً ما بينا؟ طب هي غلطت فيا وانا برد عليها غلطها انتِ بقى مالك؟
ظهر الغضب على وجه “صفاء” وهي ترد بهدوء مخالف تمامًا عن الغضب الذي تمكن منها:
– انا هنا مش مسؤوله الخدم بس, أنا هنا مسؤوله عن كل حاجه بتحصل في البيت في غياب شاهين بيه.
اقتربت منها “فيروز” خطوة تدفعها في كتفها برفق وهي تقول بحدة:
– طب ريحي انتِ بس كده عشان أنا اللي يجيب سرتي بحاجة وحشة اقطع لسانه مش بس اضربه, ولسه حسابي معاها ما خلصش.
نظرت لشدوى التي ترتب شعرها بوجع, ف” فيروز” لم تغفل أن تغلغل اصابعها في شعرها وتجذبه من جذوره بعنف اثناء ضربها لها, نظرت لها متحفزه وهي تقول:
– بصي يا شدوى هانم على رأي صفاء,
والقت لصفاء نظرة ساخرة ثم أكملت:
– انا قعادي هنا مش برغبتي دي برغبه شاهين, والأسباب ما تخصكيش إني احكيهالك طبعًا, بس هي بعيده تمامًا عن شغل الرخص اللي انتِ فكرتي فيه وبما إن قعدتي هنا ممكن تطول وشكلنا قاعدين في وش بعض حبه حلوين, فأيه رأيك لو نتفق اننا نعتبر نفسنا مش شايفين بعض اصلاً! يعني انتِ اعتبري نفسك مش شايفاني وانا هعتبرك هوا, لا تقوليلي صباح الخير ولا اقولك صباح النور, وكل واحد مننا يبقى في حاله ايه رأيك؟
ظهر الاستهزاء جليًا على وجه “شدوى” التي قالت رافضة الاقتراح:
– كل واحد مننا في حاله! ده بيتي يا ماما لو انتِ مش واخده بالك! يعني ما اقدرش اعتبر شخص موجود في بيتي كأنه مش موجود, لأن اللي موجود في بيتي لازم يحترمني ويفهم حدوده كويس قوي مش سايبه هي.
زفرت “فيروز” أنفاسها بقوة ثم قالت وهي تهز رأسها بأسف مصطنع:
– واضح كده ان احنا مش هنتفق, بس يعني انتِ عاجبك إني كل شويه اجيبك من شعرك قدام الناس, أصل أنا فيا عيب نسيت اقولهولك….
رفعت “شدوى” حاجبها باستهجان في انتظارها للتكملة, لتكمل فيروز بضيق اتقنت تمثيله:
– اني دايمًا ايدي سابقه لساني, ما بعرفش اتحكم فيها اعمل ايه طيب! اول ما بزعل والادرينالين يرتفع عندي تلاقي ايدي راحت ممدوده على اللي قدامي على طول واطول اللي اطوله بقى.
ضربت “شدوى” الأرض بكعب حذائها العالي ليصدح رنينه في الأرجاء وهي تقول بقوة وعنفوان:
– لو كنتي فاكره إنك تقدري تمدي ايدك عليا تاني تبقي بتحلمي, ايدك دي لو لمستني تاني انا هقطعهالك.
ابتسمت “فيروز” باستفزاز مرعب وهي تهز رأسها بمرح وتقول:
– طب تيجي نجرب؟
وقبل أن تجيب “شدوى” اقتربت “مستكة” من “فيروز” تهمس لها في اذنها:
– لمي الدورعشان الموضوع ما يتقلبش عليكِ انتِ ما تعرفيش رد فعل شاهين هيبقى ايه لما يرجع, هيبقى شكلك وحش قوي لو حط عليكِ قدامهم, ما تنسيش انها في الاخر مراته وام ابنه وصاحبة البيت فعلًا.
اقتنعت “فيروز” بحديث “مستكة” وشعرت بالقلق من رد فعل “شاهين” حين يعلم بكل ما حدث, فهو ورغم انه اعطاها تصريح غير مباشر من قبل بأنه لن يتدخل في اي شيء يحدث بينها وبين شدوى, لكن كما قالت مستكة هي في الأخير زوجته وأم ابنه, ولن يسمح باهانتها من أيًا من كان, لذا حاولت انهاء الامر وهي تقول عمومًا:
– انا المرادي هسامح على رأي المثل ما يسامح الا اللي قلبه كبير, وانا قلبي كبير قوي ودي تاني غلطة بتحصل هعديهالك, فاكره الغلطة الأولى لما هنتيني في أول مرة شفتك فيها وقلتي إني مش من النوع اللي شاهين بيفضله أو ممكن يختاره, بس خدي بالك فاضلك غلطة لو حصلت بعدها أنا مش مسؤوله عن اللي هيحصل.
نظرات “لصفاء” وهي تقول لها:
– وانتِ ياللي داخله توعظي ما بينا وتنصحينا, كل الحوار ده بسببك انتِ لو كنتِ من الأول عملتِ الفطار زي ما قلتلك ما كانش كل ده حصل, ويا ريت في الاخر بقى تحضريلي الفطار لأحسن انا بتلكك امسك في أي حد تاني, زي ما قلتلك ايدي أطول من لساني.
قالتها وهي تنسحب من أمامهم, وانسحبت الفتيات لداخل المطبخ بعد ان اشارت لهم “صفاء”…
كانت تتجه للسلم للصعود لغرفتها لتتوقف فجأة شاهقة حين شعرت بكف يقبض على خصلات شعرها بقوه كادت تقلعها!
بعد أن انهت “فيروز” حديثها المستفز والمثير لأعصاب “شدوى” التي تقف وبداخلها بركانٍ مشتعلٍ واتجهت للصعود لأعلى, لم تستطع “شدوى” منع نفسها من اخذ حقها وحق إهانتها أمام الجميع, فإن سامحت “فيروز” في حقها كما ادعت فهي لن تسامح ابدًا في إهانتها التي كانت على مرأى ومسمع من كل من في المنزل, وفجأة اندفعت نحو “فيروز” لتقبض على شعرها بقوه وغيظ واسقطتها ارضًا لتجثو فوقها وهي تبدأ في ضربها كما فعلت الأخرى منذ قليل, عادت الفتيات و”صفاء” من المطبخ على صوت الشِجار مرة أخرى, ولكن صرخت بهم “شدوى” قائلة:
– اللي هيقرب مني هيكون أخر يوم له هنا في البيت.
بالفعل وقفن جميعًا ينظرن لِمَ يحدث دون محاولة لفض النِزاع هذه المرة, ومن بينهن كانت “مستكة” التي كانت تقدم قدم وتأخر أخرى, فوجودها في المنزل سيفيد “فيروز” على أي حال وإن اقتربت وحاولت الفصل بينهما وطُردت من العمل حينها لن يصب هذا في مصلحة “فيروز” بل بالعكس سيؤذيها, فوقفت محلها وهي تقول لنفسها:
– معلش بقى يا فيروز تستحملي العلقه احسن ما تستحملي اللي هيحصل فيكِ من شاهين لو طلعت من البيت وانقطعتي عن التواصل مع مازن بيه.
والغلبة لم تستمر لصالح “شدوى” وقتًا طويلًا وسرعان ما استطاعت “فيروز” أن تسيطر على الوضع لتصبح “شدوى” هي الملامسة للأرض و”فيروز” فوقها وعادت تكيل لها الضربات مرة أخرى, لكن هذه المرة بقوة أكبر, لتهمس بداخلها مستهزئه بشدوى:
-فاكره إنك هتعرفي تغلبي واحده بنت شارع! ده انا الخناقات دي ياما صبحت ومسيت بيها ناس.
وبالفعل كانت “فيروز” تعرف كيف تتفادى الضربة وكيف تردها في الوقت نفسه بأخرى أشد..
وبالخارج اصطفت سيارة “شاهين” الذي وصل للمنزل ودلف هو و”نورهان” للداخل سريعًا حين استمعا لصوت صراخ عالي وصل لهما من قبل أن يصعدا درجات السلم الخارجي, ركضت إحدى الفتيات تفتح الباب سريعًا حين سمعت صوت اصطفاف سيارة بالخارج, ليدلف للداخل “شاهين” وهو يسير بحركة سريعة وسألها بغضب:
– ايه اللي بيحصل جوه؟
لكنها وقبل أن تجيب حتى كان قد دلف للداخل تتبعه “نورهان” بخطوات سريعة اشبه للركض, وحين اقتربا من السلم الداخلي للفيلا كان المشهد واضحًا تمامًا, ولكن حينها كانت “فيروز” تضع كفها على فم “شدوى” بقوة تمنعها من الصراخ, وكلاً من يرى الوضع ظنوا أنها تحاول خنقها, ولكنها في الحقيقة كانت تكتم صوتها الصارخ الذي يثير إزعاجها ويُحدث طنينًا قويًا بأذنيها ورأسها, اقترب “شاهين” وهو يصرخ بالواقفات:
– انتوا واقفين تتفرجوا.
وفي اللحظة التالية كان يجذب “فيروز” من ذراعها بقوة لتنهض عن “شدوى” التي علىَ صوت صراخها فور رفع كف “فيروز” عن فمها, ركضت “نورهان” ل”شدوى” تساعدها في الوقوف والتي كانت في حالة مزرية, شعرها مشعث ووجهها بهِ خدوش تركت أثرًا واضحًا وشفتيها تنزف دمًا, ليسأل “شاهين” والغضب مسيطر على ملامح وجهه:
– انا عاوز افهم حالاً ايه اللي حصل؟ ايه المشهد اللي انا شفته ده؟ انتوا في بيتي ولا في الشارع!
وهنا انطلقت “شدوى” في بكاء وشكاء لم يتوقف ولم ينقطع وهي تقول ما فعلته فيروز وما لم تفعله, وتضيف نكهات للموضوع بأن “فيروز” لم تحترم المكان الموجودة بهِ ولم تحترم صاحبه, وتداخل معها صوت “نورهان” وهي تحاول أن تهدئ من صراخها بين كل جملة وأخرى وتلقي لومًا على “فيروز” مبررة أنه مهما حدث لا يحق لها أن تستبيح ضرب الأخرى, و تعالى صوت “شاهين” الغاضب وهو ينهر جميع الواقفات لتخاذلهم عن التدخل وفض النِزاع, وفجأة أصبحت الأصوات متداخله, بكاء شدوى بصوت مزعج… محاولة نورهان أن تهدئها… وصوت صراخ شاهين في الخادمات…. ومحاولتهن للتبرير… بين كل هذا علىَ صوت الطنين بأذن فيروز لدرجة شعرت وكأن أحدهم يطرق رأسها بمطرقة, فعلى صوت تنفسها وظلت تحرك رأسها يمينًا ويسارًا كشخص مجذوب قبل أن تصرخ فجأة:
-بــــــس… صوتكم, كفــــــــاية.
وبعد كلمتها الأخيرة ورغم أن الجميع صمت ينظر لها بتعجب واستغراب, كانت تسقط فاقدة للوعي بعد أن فشلت في تحمل الألم الذي أصابها, ركض “شاهين” إليها ليلتقطها من بين ايدي “مستكة” والتي كانت الأقرب لها, فاسندها على صدره وهو يحاول إفاقتها ولا يعلم تحديدًا لِمَ فقدت وعيها! ولكن كل المحاولات بائت بالفشل, ليحملها على ذراعيهِ ويصعد بها بعد أن أخبرهم أن يطلبوا حضور الطبيب.
**********
وبمكتب مازن في قسم الشرطة…
جلس مقابلاً لصديقه “أمجد” الذي سأله:
– انا نفسي افهم انتَ هتاخد ايه من كل اللي بتعمله ده؟ يعني نهاية الموضوع ده ايه؟ حتى لو البنت دي قدرة تخلي شاهين يعمل كل اللي انتَ بتخطط له ايه اللي هيحصل بعد كده؟ ما كده شاهين هيغير باسورد الخزنة وهيديها الورق اللي هو عاوز يوصله لك مش الورق اللي انتَ عاوزه!
هز رأسه مؤكدًا على حديث صديقه وهو يقول:
– عارف عشان كده دلوقتي بحاول اخلي فيروز تقرب من شاهين.
نظر له صديقه بعد فهم وهو يسأله بحذر:
– يعني ايه تقرب منه؟
قال وهو ينهض ليصبح أمامه مستندًا على المكتب بجانبه:
– يعني زي ما انتَ فهمتها.
رفع “أمجد” حاجبه غير مقتنعًا بالفكرة وهو يسأله:
– اه طيب ولو قربت منه ايه اللي هيحصل؟
– لو قربت منه شاهين هيثق فيها جدًا وخصوصًا انها من أول محطة باعتني له و قالت له انها متفقه معايا وإن كل ده حوار عامله عليه, فأصلاً شاهين دلوقتي بيثق فيها أو بمعنى أصح في خوفها منه بس بنسبة قليلة قوي, انا بقى عاوز النسبة دي تعلى قوي, كل ما تعلى كل ما فيروز تعرف تجيبلي اللي انا عاوزه, وبيني وبينك حوار الخطوبة ده على هوايا ولصالحي, ويا ريت شاهين يكمل فيه.
هز “أمجد” رأسه شاعرًا بأنه لم يفهم الأمر كاملاً:
– انا ما بقتش فاهمك! في الأول بعتها عشان تجيب ورق, وبعد شويه عايزها تقرب من شاهين, ويا عالم بعد كده تطلب منها ايه تاني؟ يا ترى هي اصلاً هتستحمل الوضع ده هتفضل مكمله ولا ممكن بقى تبيعك لشاهين بجد؟
هز رأسه بضحكة عالية وهو يقول بثقة غريبة:
– مستحيل تعمل كده.
رفع “أمجد” حاجبه ساخرًا:
– يا سلام ايه الثقة دي؟ ليه يعني مستحيل تعمل كده؟
اقترب منه خطوة وهو يضرب اصبعه في جبهة الآخر:
– عشان يا اذكى اخواتك في سببين يمنعوها, اول حاجه انها فعلاً خايفه مني, وخايفه اني انفذ اللي هددتها بيه قبل كده والبسها قضية لو خلعت و ما جابتليش اللي انا عاوزه.
– والسبب التاني؟
ابتعد عنه واختفت ابتسامته, أصبحت ملامحه غير مفهومة ابدًا وهو يقول بنبرة غريبة:
– عشان حاسسها معجبه بيا, ويمكن اعجابها ده اللي مخليها مصدقاني في كل حاجه بقولها و واثقة فيا.
نهض “أمجد” ليقف أمامه يسأله بغضب حقيقي:
– هو انتَ كمان بتستغل مشاعرها؟ مش كفاية الفيلم اللي عملته عليها والناس اللي بعتهم يسرقوا الفلوس عشان تكمل لعبتك وتجبرها توافق على اللي انتَ عاوزه!
نظر له “مازن” وقد اغضبه حديثه, ليقول نافيًا التهم عن نفسه:
– ايه اللي انتَ بتقوله ده! انا ما استغلتش مشاعرها لأن اصلاً ما كنتش قصدي اخليها تعجب بيا ولا نيله, كل الحكاية اني لاحظت انها معجبه بيا, اعمل ايه بقى؟ في ايدي ايه اعمله؟ انا لا قلتلها اعجبي ولا قلتلها ماتعجبيش ولا حتى عمري بينت لها اني معجب بيها ولا انها اصلاً في دماغي, وموضوع الفلوس ده خلصنا منه من زمان, قولتلك اني وقتها عملت كده لأني حستها هتتراجع ومكانش عندي حل تاني اقنعها بيه انها تكون معايا في المهمة بعد ما شوفتها مناسبة جدًا لها.
نظر له “أمجد” نظرة مبهمة وهو يسأله سؤال غامض:
– وهي فعلاً مش في دماغك؟
طالعه “مازن” لثواني بصمت قبل أن يرد عليهِ مستهزئًا:
– وهينفع اصلاً تكون في دماغي؟ انتَ شايف كده؟
هز “أمجد” رأسه بلا معنى وقال:
– عمومًا هنشوف.
وتركه خارجًا من المكتب ليغرق “مازن” في دوامة من الأفكار التي لا تنتهي..
******
انتهى الطبيب من فحصها ونهض يخرج لشاهين الواقف بالخارج تاركًا “صفاء” معها بالداخل بعد أن أخبرها بأنها ستفيق في اللحظات التالية.
اقترب منه “شاهين” حين خرج من الغرفة يسأله باستفسار:
– هي ايه اللي حصل لها؟
رفع الطبيب منكبيهِ جاهلًا:
-هو من كشفي ما فيش أي حاجه ممكن تسبب ليها الاغماء, فطالما ما فيش حاجه عضوية, وارد يكون الاغماء ده حصل بسبب ضغط نفسي مثلًا, ولو ماتعرضتش لضغط يبقى تعمل تشيك اب كامل وتحاليل في أي مستشفى عشان تطمنوا اكتر, وعمومًا هي ممكن يكون عندها معلومة لما تفوق, لأن مش كل حاجه احنا بنقدر نعرفها من الكشف, بس كل حاجه تمام وما فيش حاجه مُقلقة حتى مش هكتبلها على أي دوا…
هز “شاهين” رأسه متفهمًا وانسحب الطبيب من أمامه, ليسمع بعدها صوت “شدوى” من خلفه تقول:
– يا ترى بقى هتجيبلي حقي منها ولا اللعبة الخايبة اللي عملتها وانها اغمى عليها حننت قلبك ليها؟
التف ينظر لها بنظرة جامدة و قاتمة وقال بنبرة اقلقتها:
-مش شاهين المنشاوي اللي يتلعب عليه لعب خايبة, وما تحسسنيش إنك مظلومة عشان أنا متأكد مليون في المية إن كل اللي حصل ده انتِ السبب فيه, ده انا عشت معاكِ سنين وعارفك كويس, وعارف ازاي تقدري تستفزي الشخص اللي قدامك وتوصليه لمرحله هو عمره ما توقع انه يوصلها وتطلعي أو** ما فيه.
نظرت له مدهوشة وهي تردد بغضب ووجه تلون بالحمرة القاتمة:
– يعني انتَ في الآخر هتقلب الترابيزة عليا؟
رفع كفه ينهي حديثها يهتف بقوة:
– انا مش عاوز اسمع أي كلام دلوقتي في الموضوع ده, لينا كلام تاني بس مش وقته.
وانسحب تمامًا من المحيط كي يعود إلى عمله, وعادت هي لغرفتها ورأسها يشتعل لن تهدأ حتى تأخذ حقها من تلك الحقيرة التي تجرأت عليها.
وبالداخل حين استعادة “فيروز” وعيها ورأت “صفاء” في وجهها أمرتها بغضب أن تخرج من الغرفة فورًا, فهي لم تعد تطيق رؤيتها فحين هجمت هي على “شدوى” اقتربت “صفاء” تبعدها بقوة وأخذت بعدها تلقي محاضره في كيفية التعامل بينهما, ولكن حين حدث العكس لم تأخذ أي رد فعل, وهذا ما عزز غضب فيروز منها ومقتها لها, نهضت تجلس على الفراش تأن بتعب وهي تمسك رأسها بين كفيها, هي تعلم جيدًا تلك الحالة التي تنتابها حين تسمع صوتًا عاليًا او ضجيج لفترة تزيد عن ثواني معدودة ينتهي الأمر بها مغشيًا عليها من شدة الألم, لكنها قررت في قرارة نفسها أنها لن تسكت وان حاول “شاهين” أن يُلقي عليها اللوم أو يحملها ذنب وخطأ ما حدث ستعرف حينها كيف تأخذ حقها جيدًا من الجميع, ولن تسمح لأحد أن يحملها خطأ ليس بخطئها فشدوى هي من بدأت وهي لم تكن سوى رد فعل, همست لنفسها وهي تعود للتسطح:
– لا انام شويه مش قادره دماغي هتنفجر عشان اصحى فايقة للغجر اللي في البيت ده.
*********
و في مكان بعيد نذهب له لأول مرة…
فيلا في منطقة نائية بعيدًا عن التجمعات السكنية, لكنها فيلا فخمة ويرتص أمامها الكثير من الحرس والسيارات التي تدل على ثراء صاحبها..
كان قد أغلق الهاتف بعد أن انهى حديثه مع “شاهين” وأخبره بموعد مقابلتهم غدًا, حين دخل عليهِ رجله وذراعه الأيمن “رأفت” والذي قال سائلًا:
– كلمت شاهين بيه؟
ليرفع “نصر” نظره عن الأوراق التي أمامه وهو يجيبه:
– ايوه كلمته, وحددت معاه ميعاد بكره الساعه 12:00 بالليل.
جلس “رأفت” على الكرسي المقابل للمكتب وهو يهمهم قبل أن يقول:
_ لسه بردو مش ناوي تقوله انك ابوه!؟ هتفضل مخبي لامتى؟
توقفت يده عن كتابة ما كان يدونه، وتجمدت ملامحه رغم لمعة التأثر بعينيهِ التي رفعها لينظر للجالس أمامه الآن وهو يقول:
_ مش يمكن مش ناوي اقوله.
ظهر الرفض جليًا على وجه الآخر وهو يعقب:
_هتفضل عمرك كله حارم نفسك من ابنك وحارمه منك؟
حاول أن يوهم نفسه قبل أن يوهم الجالس أمامه بأنه بخير والحال هكذا افضل للجميع فقال:
_ أنا مش محروم منه، كفاية إني قادر اشوفه واتكلم معاه، اطمن عليه وأأمنه.
ابتسم بتهكم وسخرية وهو يقول:
_ بس مش قادر تضمه لحضنك.. كام مره بشوف عينك هتطلع عليه واحسك بتتخيل انك جريت عليه وخدته في حضنك، مش قادر تسمع منه كلمة بابا، مش معقول تكون ناوي تموت حارم نفسك وحارمه من احاسيس ومشاعر كتير حلوة ممكن تعشوها.
زفر بقوة وهي ينتفض من فوق كرسيه واتجه له يقف أمامه يهتف بحزن وغضب في آنٍ:
_ بلاش تزود وجعي، انا مش محتاجك تقولي كل ده عشان اخد بالي، الوجع اللي جوايا بيصرخ فيا كل يوم وكل مره بشوفه فيها، واوقات… اوقات بحس اني هنفجر واقوله واللي يحصل يحصل… بس خايف يكرهني وده اللي بيرجعني، خايف يسألني اسئلة معنديش إجابات لها، أو… أو يلومني وميقتنعش بمبرراتي.. خايف اسمع منه جملة “انتَ فضلت نفسك عليا، وضحيت بيا عشان نفسك”.. خايف من حاجات كتير اوي اقوى من رغبتي في اني اخده في حضني.
هز “رأفت” رأسه بحزن وحيرة، هو يفهمه لكن الوضع القائم لا يجب أن يستمر، ينبغي أن ينتهي يومًا ما، أن يكشف الستار عن ما خلفه، والحقائق التي دفنت من سنوات يُعاد النبش بها، فلا حقيقة تبقى مدفونة للأبد…
_ مفيش سر بيتدارى للأبد ومليون في المية بييجي يوم ويتكشف، ولو اكتشفه من حد غيرك هيبقى موقفك معاه صعب اوي.
ضرب الأرض بقدمه عدة مرات بوتيرة ثابتة ورفع رأسه للأعلى يأخذ نفسًا قويًا مغمغمًا بعدها بقلة حيلة وعجز:
_ يارب….
نهض “رأفت” يقترب من “نصر” وهو يربط على كتفه من الخلف قائلًا بمواساة ونصح:
– صدقني يا نصر باشا إن شاهين بيه يعرف إن ابوه عايش حتى لو كان فيها صدمة له,و لو كان هيبقى في خلافات ما بينك وما بينه, وهتتعب شوية لحد ما يسامحك, أحسن مليون مرة من إحساسه باليتم وإن ضهره مكشوف.
التف له يقول:
– ايوه بس ممدوح كان طول الوقت معاه, كنت دايمًا بعرف من مصادري انه بيتعامل معاه كويس جدًا وفعلًا معتبره زي ابنه وعمره ما قصر معاه وزي مانت شوفت في اخر مرة لما كان شاهين هيتأذي ولحقه ممدوح برجالته.
هز “رأفت” رأسه بعدم اقتناع:
– هو اه يمكن يكون بيتعامل معاه كويس وبيحميه, بس انت قلتها بيعتبروا زي ابنه يعني عمره ما يكون ابنه حقيقي, وعلى فكره انا متأكد مليون في المية ان كل اللي بيعمله ده ورا مصلحة, ما هو يعني ما تقنعنيش ان في حد هيعمل كل ده حبًا في ابن مراته, خصوصًا بقى إن ممدوح عنده إبن ومخلف يعني حتى مش محروم من خلفة عشان نقول بيعوض حرمانه فيه.
هز “نصر” رأسه مؤكدًا على حديثه وهو يقول:
– ممدوح مش بيعمل ده حبًا في شاهين وبس, ممدوح عارف قوة شاهين وعارف انه طول ما شاهين عايش وموجود ما بينا واسمه موجود في شغلنا فهو حماية له, يعني تقدر تقول ممدوح بيستند على اسم شاهين وعلى قوته في شغل السلاح.
هز “رأفت” رأسه بأسف وهو يقول:
– مش متوقع رد فعل شاهين بيه لما يعرف إن البيج بوس لشغلنا هنا في مصر يبقى ابوه.
ببسمة ساخرة أكمل بنبرة ظهر عليها الجمود الذي يخفي خلفه المًا:
– شغلنا اللي بسببه اتحرم من ابوه العمر كله, واللي بسببه برده أمه ماتت بعد ما ممدوح قتلها لما عرفت انه شغال في السلاح…

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فراشة في سك العقرب)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى