روايات

رواية فراشة في سك العقرب الفصل الثاني 2 بقلم ناهد خالد

رواية فراشة في سك العقرب الفصل الثاني 2 بقلم ناهد خالد

رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني

رواية فراشة في سك العقرب البارت الثاني

فراشة في سك العقرب
فراشة في سك العقرب

رواية فراشة في سك العقرب الحلقة الثانية

“الفرصة تأتي مرة واحدة، فما عليك سوى أن تغتنمها، وما لم تعطيهِ لكَ الحياة طوعًا خذه بالقوة، فالحياة التي لم تبتسم لك منذ البداية لن تفعل في منتصف الطريق أو آخرة، فهكذا هي الحياة إما أن تعطي دومًا إما أن تحرم دومًا”
هقول اللي عندي, قبلتِ الفلوس هتكون معاكي وانتِ ماشية, رفضتِ يبقى…
ولصدمته حقًا, وبحركة غير متوقعة, وجدها تجذب الأموال ناحيتها وترفع عيناها له تسأله بجدية تحت اتساع حدقتيهِ بذهول:
– معاك كيس اسود؟ ولا هاخدهم في ايدي؟..
رفع حاجبه باعجاب وهو يقول:
– واضح إنك مبتضيعيش الفرصة.
ابتسمت متهكمة وهي تقلب الأموال بين يديها:
– وهي الفرصة بتيجي كام مرة للي زينا عشان يبقى في مجال نضيعها؟
هز رأسه بإعجاب بمنطقها الذي سيخدمه بالطبع وغمغم:
– حلو, عمومًا الشاطر هو اللي ميسبش فرصة تعدي من تحت ايده, قوليلي بقى اسمك وسنك وحياتك ماشية ازاي؟
رفعت نظرها عن الأموال تطالعه بتساؤل:
– وده هيفيد في الموضوع؟
اومأ بثبات:
– ايوه طبعا, اومال هنشتغل مع بعض ازاي؟ مش لازم اعرف كل حاجه عنك, او على الأقل الحاجات المهمة والباقي هعرفه بمعرفتي, ولا أنتِ فاكرة ان أي واحده هجيبها واتفق معها وادخلها شغلي؟ انا لسه هعمل عنك تحريات.
عادت تنظر للأموال بحسرة هل هذا يعني انها لن تأخذها معها الآن؟ حولت بصرها له ليقرأ مخاوفها فقال مبتسمًا باتساع:
– متقلقيش الفلوس هتاخديها معاكي, عمومًا التحريات هتخلص في ظرف ساعة او ساعتين, وانا واثق انك مش هتكوني لحقتي تصرفي الفلوس لو الاتفاق فشل واكتشفت حاجه في التحريات, فعادي خديها انا هعرف ارجعها ازاي لو مطلعتيش مؤهلة للدور اللي عاوزك له.
حاولت الفهم أكثر فقالت:
– طيب بص يا باشا, انا الحمد لله لا عليا قضية ولا عمري دخلت قسم قبل النهاردة, ايه بقى اللي ممكن يخليني مش مؤهلة غير كده؟
شبك كفيهِ فوق المكتب ومال بجسده قليلاً يحدثها:
– بصي يا فُلة, انا لازم الأول قبل ما اقرر انك الشخص المناسب اتحرى عن شوية حاجات تخصك, مش بس القضايا, ما ياما ناس عملت بلاوي موصلتش للاقسام, فمتشغليش بالك بشغلنا, وعرفيني عن نفسك.
تنهدت حائرة وهي لا تفهم معنى حديثه, وقالت معرفة عن ذاتها:
– فُلة ده اسمي الحركي يعني, المعروفة بيه بين الناس, عشان ببيع فُل وكده, وانا اللي طلعته على نفسي عشان مش كل من هب ودب يعرف اسمي الحقيقي.
– وايه هو اسمك الحقيقي؟
– اسمي “فيروز يسري” اصل امي كانت تحب فيروز المغنية اوي كانت دايما تسمعها في الراديو، عندي 24 سنة, معايا دبلوم تجارة….
لم يخفي دهشته وهو يسألها مقاطعًا:
– انتِ متعلمة؟
قطبت ما بين حاجبيها بضيق تجيبه بفخر:
– اومال فكرتني جاهلة؟ لا انا معايا دبلوم.. ابويا الله يرحمه كان حريص انه يعلمني, ولم مات امي صممت اني اكمل تعليمي, الله يرحمه مات وانا في تانية اعدادي, له معاش اصله كان شغال تمرجي كده في مستشفى حكومي, بس المعاش مكانش كبير, ومكانش بيكفي اكل وشرب وادوية ولا دكاترة لو حد فينا تعب, غير الكهربا والمايه ومدرستي والكتب, فأمي اشتغلت يعني تطبخ كده للناس اللي عندهم مناسبة ولا حاجة, اصلها شاطرة اوي في الطبخ, والدنيا مشيت لحد ما خلصت تالته اعدادي, ووقتها قولت لازم اشتغل, الظروف كانت صعبة اوي, فاضطرت امي توافقني, قعدت كام شهر الطش, اشتغل في محل ويطلع صاحبه راجل مش تمام فامشي, ولا اقف ابيع حاجه على ناصية فالبضاعة متتباعش كلها واخسر, وكده, لحد ما وقع في طريقي حوار الفُل ده فجأة, ومن وقتها بقالي 9 سنين ملقتش شغلانه تانيه غيره تنفعني.
هز رأسه متفهمًا ثم قال:
– ماشي يا فيروز, عاوزك بقى تنسي اسم فُلة ده خالص, دربي نفسك على كده, عشان هتعيشي باسم وشخصية انا اللي هخلقهالك, ولازم تتأقلمي معاها.
سألته ببوادر فهم لِمَ يريده منها:
– يعني انا هروح للراجل ده باسم غير اسمي؟
اومأ برأسه مؤكدًا وهو ينهض من فوق كرسيه ويطوف حول المكتب حتى أصبح أمامها:
– وشخصية غير شخصيتك, يعني اول حاجه هنعملها اننا هنغير استايل لبسك ده.
انهى جملته مشيرًا لثيابها, نظرت لنفسها لتذم شفتيها برفض لِمَ ترتديه, فهي نفسها لا ترضى بهِ ليرضى هو, ولكن ما باليد حيلة فهذا هو ما تمتلكه, فقد كانت ثيابها عبارة عن بنطالون واسع من الجينز الأزرق الذي شحب لونه حتى قارب على الثلجي, وكنزة تصل لبعض أردافها من الوردي الباهت بأزرر من الأمام لبعد صدرها, ووشاح رأس صغير تلم بهِ خصلاتها للخلف كسيدات التسعينات, وحذاء مهترئ قديم, ابتلعت ريقها بحرج ورفعت نظرها له تقول:
– هو فعلا اللبس مش قد كده, اصله قديم, عندي من زمان.
نفى برأسه موضحًا:
– مش فكرة قديم ولا جديد, الاستايل نفسه مينفعش, لما هتشوفي الاستايل الجديد هتفهمي قصدي.
فركت كفيها بتوتر والتزمت الصمت, لتسمعه يقول وهو يمد كفه لها بهاتفه بعدما عاد يحتل مقعده:
– شوفي الصورة دي كده.
التقطت الهاتف تنظر بهِ, لتتسع عيناها رويدًا وهي تسأله:
– مين ده؟
– ده الراجل اللي بحكيلك عنه, شاهين المنشاوي.
اهتزت حدقتيها, وتذبذبت نظراتها وهي تطالع الصورة أمامها, صورة تصرخ بجاذبية من بها, وهالته الجميلة التي تحيط بهِ, ملامحه كنجم سينمائي لامع, بعدستيهِ التي تحمل مزيجًا بين اللونين الأزرق والأخضر, وذقن وشارب وشعر يلمعون باللون البني المناسب تمامًا لبياض بشرته, وانفه المستقيمة كخط هندسي, تمتمت بذهول ومازالت تنظر للصورة:
– ده ولا نجوم السيما!
تحمحم “مازن” ليلفت انتباهها ويشتتها عن الصورة, فنظرت له باضطراب وهي تدرك للتو ما تفوهت به, ليقول لها بتحذير:
– بصي, اهم بقى من انك متكشفيش نفسك والهري ده, انك متتفتنيش بأي شيء هتشوفيه, يعني هتشوفي فيلل وعربيات ومطاعم وأماكن عمرك ما اتخيلتيهم حتى, هتشوفي بردو شاهين ورجالته, مينفعش تسيبي نفسك للاندهاش يبان عليكي ولا تسيبي اعجابك بحاجه يبان عليكي زي ما حصل دلوقتي.
قال جملته الأخيرة بحنق واضح, لتبتلع ريقها مبتسمة ببلاهة, فزفر أنفاسه يكمل:
– حطي في راسك دايما ان شاهين مجرم, مجرم مهمتك تجيبيلي منه اللي هطلبه منك, مجرم اخره السجن, يعني لا يفتنك شكله ولا غناه ولا الهيلمان اللي هو فيه ولا قوته وذكائه اللي هتشوفيهم, فهمتي؟
اومأت برأسها بقوة:
– فهمت يا باشا, ان شاء الله مش هخيب ظن سعادتك وهنفذ بالحرف.
التوى جانب ثغره بابتسامة صغيرة هازئة قبل أن يقول:
– معندكيش مجال تخيبي ظني… تخييب ظني هيكون بموتك.
تجمدت ملامحها, واهتزت جفونها بقلق وخوف طبيعي, قبل أن تبتلع ريقها بصعوبة وهي تشعر بخطورة القادم.
*******
رفعت رأسها لأعلى بنزق, وزفرت أنفاسها باختناق من تكرار والدتها لنفس الحديث دون توقف, وكأنها تقوله لأول مرة, أصدرت صوتًا معترضًا من حنجرتها قبل أن تقول:
– يووه, خلاص بقى يا ماما, انتِ قولتي الكلام ده الف مرة, وهقولك نفس الجواب, مجد لأ.. انا وهو مننفعش لبعض.
تشدقت والدتها بغضب:
– مجد لأ ليه ياختي؟ انتِ يا بت كان حد عبرك غيره! قاعده مستنية مين يا خايبة؟
حركت ذراعيها بعصبية من حديث والدتها:
– مش مستنية حد, بس مش معنى كده أوافق على مجد وانا مبشفوش ينفع جوزي.
وضعت والدتها ذراعها في خصرها باعتراض وتهكم واضحين:
– وده ليه بقى؟ مش مناسب للعزب والاطيان اللي عند ابوكي؟
ضغطت على اسنانها بغيظ من تهكم والدتها, ونظرت لها تجيبها من بين اسنانها:
– مش مناسب ليا, من وانا لسه في ابتدائي كنت بشوفه واقف مع ابوه في الورشة, وطول الوقت قدامي, عمري ما حسيت ناحيته بحاجه, وانا بقى متجوزش حد مبحبوش, على الأقل أكون معجبه بيه, عشان احبه بعد الجواز, لكن مجد انا لا معجبه بيه ولا حبيته, هم مش بيقولوا الجواز قبول!
– يا بت بطلي خيابة! حب ايه ونيلة ايه؟ المهم انه هيعرف يعيشك ويصرف عليكي, والواد حلو وغلبان وميتعايبش!
رفعت حاجبها الأيسر ساخرة وهو تقول:
– انتِ عوزاني أكون زيك؟ اتجوز واحد واعيش معاه سنين عمري وانا مبحبوش, أعيش معاه عشان بس عيالي وعشان هو كويس ومش مقصر, لكن الحب عمره ما يزورني, انا مش اقل من أي بنت, عاوزه احب واتحب, ومش ناوية أعيش اللي عشتيه ياما.
اقتربت منها “مديحة” تضرب بكفها على كتف الأخرى عدة ضربات متتالية وهي تقول:
– خليكي, خليكي يا عين امك لحد ما تعنسي وانتِ مستنية اللي تحبيه ويحبك.
وانسحب من امامها دالفه للغرفة الأخرى تاركة “صفاء” في شرودها, وتأرجحها ما بين تفكير والدتها وتفكيرها, وأيهما أصوب؟
**********
رفع السيجارة الفخمة بنية اللون عن فمه, ليخرج بعدها دخان كثيف يزفره هو بمهل وتأني, غير عابئًا بالجالس على الطرف الآخر للمكتب, يتابع تحركاته عن كثب, يبتلع ريقه بصوت مسموع وهو يخشى ما طلبه فيه, يتصبب عرقًا في الخفاء كلما اصطدمت اعينهما, حتى رحمه “شاهين” أخيرًا وهو يسأله بهدوء تام:
– انتَ مش عارف يا سمير ان المنطقة دي بتاعتي؟ وممنوع حد يوزع فيها حتة سلاح واحده من غير ما يرجعلي؟
والآن فهم “سمير” ما جاء من اجله, وسر الطلب العاجل له, لقد اكتشف “شاهين” فعلته, ولن يمررها بخير, زاغت نظراته بين “شاهين” و “مرسي” رجله المخلص الواقف بمنتصف الغرفة, ابتلع ريقه الجاف وهو يرى نظرة “مرسي” العابثة والمستمتعة كأنه يشاهد كيف يرقص الأسد على انغام الموسيقى بالسيرك!
– ايوه يا باشا, عارف.
ذم “شاهين” شفتيهِ باستغراب وهمي, وأخذ نفس اخر من لفافة التبغ خاصته وهو يقول مع زفر الدخان من فمه:
– ولما انتَ عارف, السلاح اللي خرج من عندك ده خرج من غير اذني ليه؟
حاول النجاة بالكذب, فاصطنع الثبات ورسم الصدمة الكاذبة على ملامحه:
– من عندي انا؟ اقسملك يا باشا اني معرفش, ولو فعلا خرج من عندي يبقى …
قاطعه “شاهين” وهو يهز له رأسه بالنفي ويرفع سبابة كفه الذي يحمل اللفافة مشيرًا له بالتحذير:
– تؤ تؤ, لو بتفكر تنكر وتلبسها لرجالتك وانه حصل من ورا ضهرك, تبقى غبي, عشان وقتها هقولك اللي رجالته تلعب من ورا ضهره يبقى خروف, والخروف عندنا نهايته الدبح, اصلنا مبنشغلش معانا خرفان.
و “الذبح” معناه الاقصاء تمامًا عن عملهم, وتجريده من المال والسلطة, فيخرج خاسرًا بكل المقاييس, شحب وجه “سمير” وهو يدرك انه كاد ينهي على نفسه بنفسه, وما ظنه مخرجًا كان هلاكًا محتم, توتر, ومسد مؤخرة رأسه وشعره الأبيض بارتباك, واخيرًا قرر الاعتراف لينجو بأقل الخسائر وقال:
– باشا والله العظيم…
قاطعه للمرة الثانية وهو يطفأ سيجارته بالمطفأة:
– متحلفش عشان حلفانك ملوش لازمة, مش هو اللي هيخلني اصدقك.
وعقب “مرسي” خارجًا عن صمته بسخرية:
– مظبوط يا باشا, وعلى رأي المثل قالوا للحرامي احلف.. قال جالك الفرج.
نظر له “سمير” بغيظ خفي, قبل أن يعود بنظره ل “شاهين” وهو يقول:
– يا باشا انا بس كانت الدنيا واقفة معايا بقالي شهرين مبعتش حتة سلاح واحده, وفي ناس قصدوني ابيعلهم 15 حتة, فقولت يعني…
انتفض جسده حين ضرب “شاهين” بكفه على المكتب بقوة هزته, ونظر له بملامحه التي بدت خطرة رغم وسامتها, وجهر قائلاً بقوة:
– مش انتَ اللي تقول يا روح امك, حد قصدك زي ما بتقول ترجع لكبير المنطقة اللي انا معينه هناك, وهو هيرجعلي واقوله السلاح يطلع من عند مين من التجار, مش تقرر بكيفك, غلط ولا مغلطش يا سمير؟
احنى رأسه وهو يقول بطواعية كارهه:
– غلط يا باشا, واللي تأمر بيه انفذه.
اراح “شاهين” ظهره على كرسيه وابتسم ببرود, بينما يوجه حديثه ل “مرسي”:
– تاخد منه تمن الحتت اللي باعها, وتديهم لسيد قوله ده تعويض من سمير عن انه خد دورك.
رفع “سمير” رأسه يسأله:
– وانا هاخد الحتت من عنده؟
نظر له “شاهين” بجانب عينيه, تحت ابتسامة “مرسي” الساخرة, وقال:
– الحتت مانتَ بعتها, ولا هنروح نجيبهالك من اللي اشتروها؟
وضح قصده:
– لا يا باشا, انا قصدي مادام سيد هياخد الفلوس يبقى اخد انا الحتت اللي بعتها من عنده.
وبملامح جامدة ونبرة قاطعة كان يقول:
– وقتك خلص يا سمير.
فغر فاه “سمير” بصدمة وهو ينقل بصره بين “شاهين” و “مرسي” تباعًا كالمجذوب, حتى قال “مرسي”:
– يلا يا سمير.
فنهض مضطرًا وسار معه, حتى خرجوا من المكتب, فخرج سؤاله المصدوم:
– يعني ايه؟ هرجع الفلوس والسلاح مش هيرجعلي؟ بس انا كده هخسر.
صدر صوت هازئ من حنجرة “مرسي” وهو يقول:
– لسه مفهمتش عقابك يا سمير! احمد ربنا بدل ما الباشا كان يعاقبك بجد, ده العقاب ده لعب عيال عشان بس دي اول مرة تعملها.
سار تائهًا وهو يردد بحسرة:
– لعب عيال! ده انا كده هخسر 180 الف جنيه وانا بقالي شهرين ما اشتغلتش!
ابتسم “مرسي” بهدوء وهو يصر على حديثه:
– احمد ربنا انها جت في خسارة فلوس, وصدقني كده الباشا رحيم بيك, بعدين ما نتَ قبل الشهرين دول الباشا باعتلك صفقة عملت منها 700 الف, لحقت تصرفهم! متبقاش طماع يا سمير عشان متخسرش حياتك.
***********
استيقظت على صوت هاتفها الصغير من النوع “نوكيا” ذو الأزرار, فتحت عينيها بضجر لتنظر لساعة الحائط من ضوء المصباح الصغير المضيء, لتجدها الحادية عشر ليلاً, فتحت الخط بعدما اعتدلت:
– الو مين؟
اتاه صوت رجولي ميزته يقول:
– حد يرد على التليفون بالطريقة دي! انتِ داخلة خناقة؟
تحمحمت وزفرت نفسها بتوتر قبل أن تقول:
– معلش يا باشا اصل الوقت اتاخر, ومش متعودة حد يكلمني في وقت زي ده الا لو كان بيغلس يعني.
– عمومًا انا بكلمك عشان اقولك اني خلصت التحريات بتاعتي, وطلعتي تمام, ينفع تقومي بالمهمة اللي طالبها منك, قوليلي بقى عندك مانع تبدأي من بكره؟
صدمها سرعة الأمر, فسألته بدهشة:
– اروحله بكره؟
ضحكة صغيرة صدرت عنه تسللت لها عبر الهاتف, لتبتسم تلقائيًا على أثرها وتبعها يقول:
– تروحي لمين لا طبعا, لسه بدري على ما تروحيله, بس هنبدأ الأول في كام نقطة عشان اهيئك للمهمة.
صمتت لثواني تفكر ثم قالت:
– بس بكره صعب, ارتب بس دنيتي هنا, هو حضرتك يعني هتحتاجني كام ساعه في اليوم؟
– مش كام ساعه, انا هحتاجك على طول, لما تجيلي مش هينفع خالص ترجعي عندكوا تاني غير لما المهمة تنتهي, اعتبري نفسك مسافرة بره مصر.
شردت بتفكيرها في تأزم الأمر وقالت معبرة عما تفكر به:
– كده هوقف شغلي, ولازم اعرف امي اني هبعد فترة, ولازم اظبط الدنيا هنا قبل ما اجي لسعادتك, محتاجه وقت, اديني يومين حتى.
جاءها صوته يقول:
– معاكي بكره, معتقدش هتحتاجي اكتر من كده, بعد بكره الساعة 10 الصبح هتلاقيني عند الإشارة بعربيتي.
وانتهت المكالمة, لتتسطح كما كانت ونظرها شارد في سقف الغرفة تفكر في حديثه, وفيما هي مقبلة عليه, لتسمع صوت والدتها النائمة بجوارها يسألها:
– مين ده يا بت؟ ومحتاجك في ايه؟
اعتدلت جالسة تسألها:
– انتِ صاحية ياما؟
اعتدلت “مديحة” هي الأخرى مجيبة:
– صاحية من اول ما رن, ايه الحكاية؟
ولأنها اعتادت ألا تخفي عنها شيئًا فسردت لها كل شيء بصراحة تامة, لتفاجئها حين صرخت بها بعدما انتهت:
– بكره ترجعيله كل فلوسه, وتقوليله يشوف حد غيرك للي عاوز يعمله ده, احنا مش ناقصين مصايب, كفاية اللي احنا فيه, احنا لا قد الحكومة ولا قد المجرمين.
حاولت اقناعها فقالت:
– ايوه ياما بس دول 100 الف جنيه.
أصرت على رفضها تقول:
– يكش يكونوا مليون, احنا ماشيين جنب الحيط يا بنتي خلي ربنا يسترها علينا, اسمعي اللي بقولك عليه ربنا يرضى عنك.
وقضت ليلتها تفكر محاولة الوصول للقرار الأنسب, حتى اجتمع رأيها برأي والدتها وقررت تجنب المخاطر ورفض المهمة كي تسلم أي أذي قد يلحق بها.
*********
اليوم التالي مساءً…
طلبت رقمه بتوتر لا تعرف ماذا سيكون رد فعله حين تخبره أنها لن تكمل وتنسحب من الاتفاق الذي تم بينهما, أتاها صوته لتقول على الفور:
– الو, ايوه يا باشا, انا كنت بس عاوزه ابلغ سعادتك بحاجه مهمة.
– قولي, بس مش هنأجل الميعاد أتمنى تكوني خلصتي امورك النهاردة.
نظرت لوالدتها التي حثتها بعينيها على التكملة, فقالت متنهدة:
– لا سعادتك انا مش بكلمك عشان نأجل, انا بكلمك عشان اقولك اني مش هقدر اعمل اللي طلبته مني, يعني الموضوع خطر, انا بصراحة بعد ما فكرت لاقيت اني خيبه وهتكشف بسهولة وهبوظ الدنيا, وفلوسك هرجعهالك بكره مش ناقصين مليم.
والصمت ساد لبعض الوقت تحت توترها, وأخيرًا أتاها صوته الهادئ بغرابة يسألها:
– ده أخر كلام عندك؟
– ايوه يا باشا, انا اسفة بس مش هقدر.
– مفيش مشكلة, تعالي بكره مكتبي ومعاكي الفلوس ونخلص الموضوع.
ابتسمت براحة حين سمعت تقبله للأمر وقالت:
– الله يباركلك يا باشا يا رب, عنيا, بكره من النجمة هكون عند سعادتك, سلام عليكم.
وأغلقت المكالمة, لتقول والدتها:
– الحمد لله كده ارتحنا.
اومأت برأسها وقد شعرت بحمل قد ازاحته عن كتافها:
– الحمد لله.
*********
اغلق معها المكالمة ليظل ينظر للهاتف قليلاً بصمت, قبل أن يفتر ثغره عن ابتسامة واسعة وهو يهمس لذاته بحيرة:
– يا ترى خافت من صورته وحست انها قدام شخص خطير, ولا لقت نفسها مش هتعرف تقاوم وسامته وخافت تتفتن بيه زي ما حذرتها؟
لم يستطع أن يصل لإجابة واضحة, نهض من فوق فراشه متجهًا للشرفة وفتحها واقفًا بها يستقبل نسمات الهواء الباردة, وهز رأسه بابتسامة ساخرة هذه المرة بينما يردد:
– عمرك ما كنت عدو سهل يا شاهين, دايمًا تبوظلي كل حاجه برتبها حتى من غير ما تتدخل..
احتدت نظراته وغامت عيناه بسحاب الكره:
– بس ورحمة أمي لييجي يوم وانتصر عليك وبعدها مش هيقوملك قومة يا بن المنشاوي.
********
الخامسة صباحًا…
بالكاد انكشحت الغيوم وتفتح النهار من ظلمة الليل.. والشمس لم تعلن عن نفسها بعد..
انتهت من ارتداء ثيابها, والتي كانت جيبة بنية منقوشة بالورود, وكنزة بيضاء تصل لأول الجيبة, ولم تنسى ابدًا وشاح رأسها البني والذي ربطته للخلف, خرجت والدتها من المرحاض لتسألها:
– خلصتِ؟ هتنزلي دلوقتي؟
اومأت تقول:
– هروح افطر الأول, واطلع على الشغل الحق ساعتين الصبحية دول, انتِ عارفه اني هاجي على الساعة 10 كده عشان اخد الفلوس واروح ارجعها للضابط, ودي فيها عطلة ساعة ولا اكتر فخليني اعوضها.
اقتربت “مديحة” تربط على ظهرها وهي تحمل عقول الفُل:
– ربنا يرزقك يا بنتي ويقويكي.
استقامت واقفة وقبل أن تنطق سمعت دقة بسيطة فوق باب الغرفة, نظرا لبعضهما باستغراب وقلق, فمن سيأتي في هذه الساعة الباكرة جدا؟ وبالأخير تحركت “مديحة” وتبعتها هي حتى فتحت الأولى الباب ليصدمهما رجلان غريبان يرتديان اقنعة وجه يقفان أمامهما, وقبل أن تسرع “مديحة” بغلق الباب كان يضرب ليفتح على مصرعيه وقبل أن تحاول “فيروز” الصراخ أو القيام بأي رد فعل كانا يقتحمان المكان أحدهما ضرب “مديحة” على رأسها لتفقد الوعي فورًا, والآخر كمم “فيروز” بقماشة بيضاء بها مخدر لتخفت مقاومتها وتخر ساقطة أرضًا بجوار والدتها…
وبعد ساعات لا تحسب..
استيقظت “فيروز” اولاً لتتأوه بوجع, وما إن انتبهت لِمَ حولها حتى نهضت لتفيق والدتها, التي استجابت لها بعد ثواني, فسألتها بلهفة:
– انتي كويسة يا ماما؟
اومأت بوجع بسيط وقالت:
– كويسة, ايه اللي حصل؟
ارتعش جسدها وهي تتذكر ما مرت به, لتقول بجهل:
– مش عارفة, هو خدرني ووقعت جنبك على طول.
نظرت لها “مديحة” تسألها بخوف:
– مين دول؟ وكانوا عاوزين منا ايه؟
طافت بنظرها في المكان لتجده كما هو, فقالت بحيرة:
– معرفش, حتى مسرقوش حاجه.
وصمتت لثواني حين أتى بعقلها الأموال, فانتفضت كالملسوعة تبحث عن ظرف المال الذي من المفترض أن تعيده اليوم للضابط, حتى وقفت بمنتصف الغرفة تضرب وجنتيها بكفيها مرددة بصرخة حية:
– يالهوي سرقوا الفلوس…

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فراشة في سك العقرب)

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى