رواية فراشة في سك العقرب الفصل الثاني عشر 12 بقلم ناهد خالد
رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني عشر
رواية فراشة في سك العقرب البارت الثاني عشر

رواية فراشة في سك العقرب الحلقة الثانية عشر
” الحب لا يأتي من النظرة الأولى..
الإعجاب هو من يأتي من النظرة الأولى..
الحب شعور لا يعبر عن ذاته بسهولة..
الإعجاب شعور تدركه مباشرةً وبكل سهولة..
الحب دومًا مقرون بالإنكار..
وعن الإعجاب فيمكنك الاعتراف بهِ لأنه وببساطة شعور عابر لا يعطي قيمة للشخص الذي أمامك بقدر ما يفعل الحب…
الحب والإعجاب متشابهان في ظاهرهما لكن في باطنهما فشتان بينهما..
ولا يرى هذا التشابه إلا الشخص الجاهل بالعلاقات والمشاعر..
حينها يجد نفسه يتأرجح بين الحب والإعجاب ولا يعلم إلى أيًا منهما ينتمي شعوره..”
تاهت نظراتها بهِ وهي تجد ذاتها محتجزة بين ظهر الكرسي وجسده, ولأول مرة يكن بهذا القرب منها, لأول مرة تكن ملامحة قريبة لها للحد الذي جعلها تدرك أنه أوسم بكثير من رؤيته من بعيد! وكأنه بالقرب ازداد وسامة وهيبة! وشعور غريب تسلل لقلبها, شعور أحمق! شعور بالأمان, وكأن حمايته لها من السقوط بالكرسي أمر جلل! تشعر بنفسها في هذه اللحظة تحديدًا تنجذب له بطريقة لا تفهمها ابدًا, لكنها ألم تنجذب بنفس الطريقة وبنفس السرعة ل “مازن”؟ ما بكِ فيروز هل ستنجذبين لكل رجل يُبهرك؟ توقفي عن الحماقة وإلا ضعتِ بينهم وتجرعتِ مرارة الألم والهوى بنِفسك!
وعنه فسؤال واحد تردد بعقله “ما المميز بها؟؟” بهذا القرب شعر أن بها شيء مميز لكنه مجهول في الوقت ذاته, شيء جعله يغوص في ملامحها, رُبما عيناها الشبيهتان بعيون نساء البدو, تلك العيون التي تسحرك من جمال رسمتها الربانية, وخاصًة أنها تحددها بالكحل بقوة تعلن عن قوة صاحبتها, ورُبما بُنية مقلتيها التي تشبه شعاع شمس في نهار يوم بارد! لا لابد أن لون بشرتها هو المميز بها, فبشرتها تذكره بلون الشوكولاتة ويكاد يقسم ان نعومتها ستشبه نعومة الشوكولاتة أيضًا..
ملامحها قوية.. ولا تعلم هي أنه أكثر من يحب القوة في النساء..
أفق شاهين! فيما تفكر أنتَ؟ إنها لعوبة جاءت لك كي توقعك في فخ أحمق يشبه من وضعه…
وانتفضا الاثنان من تفكيرهما معًا.. ليعدل كرسيها واستقام بعدها وهو يقول بينما يجذب الهاتف من يدها ويعبث بهِ لثواني قبل أن يُعيده لها وهو يأمرها:
– هتكلمي مازن على رقمه وهقولك هتقوليله ايه بالحرف..
وهي انصتت جيدًا, وبعدها طلبت الرقم ليأتيها الرد بعد ثلاث رنات, لتقول بهمس شديد:
– مازن؟
وعلى الجهة الأخرى انتفض من فوق كرسي مكتبه ما إن أدرك صوتها, ورد متلهفًا:
– فيروز؟ انتِ كويسة؟
ابتسامة ساخرة زينت شفتي “شاهين” الذي يستمع للمكالمة معها عبر سماعة أذن لاسلكية, لأن مكبر الصوت يمكن ان يلتقطه “مازن” بسهولة, أجابته وهي تنظر ل “شاهين”:
– انا كويسة, انا بكلمك من فون خدامة هنا, كنت حافظة رقمك عشان لو اتحطيت في ظرف طارئ.
أثنى على فعلتها يقول:
– برافو عليكِ, قوليلي هو عملك ايه؟ وعاوز منك ايه؟ احكيلي بسرعة انا كنت هموت من قلقي عليكِ وحاولت اوصلك بأي طريقة لكن معرفتش.
– يا حنين!
رددها “شاهين” هامسًا لنفسه بسخرية ارتسمت على ملامحه بوضوح.
– معمليش حاجة, هو بس جابني هنا عشان ابعد عنك, وبيهددني, وقالي لو اتذاكيت وحاولت اخدعه بإني أوافق وبعد ما اخرج استمر على علاقتي بيك هيعرف يوصلي ويندمني اني لعبت بيه… انا لما فكرت قولت مينفعش أوافق على طول لأن كده هطلع من الفيلا وانتَ مش هتستفيد حاجة وانا لسه متواصلتش معاك.
– برافو عليكِ يا فيروز اتصرفتِ صح, فعلاً وجودك في الفيلا مهم جدًا, ولازم تفضلي تماطليه لحد ما نوصل للي عاوزينه عشان متخرجيش من الفيلا.. بس الأهم لو الموضوع مؤذي ليكِ او في أي خطورة اخرجي من عندك فورًا.
نظرت ل “شاهين” الساخر قبل أن تجيب بهدوء:
– الأمور هنا تمام, بيعاملني كأني ضيفة.. المطلوب مني ايه؟
– المطلوب منك تحاولي توصلي لخزنة “شاهين” انا مش عاوز اكتر من الورق اللي في خزنة مكتبه.
– بس أكيد الخزنة ليها رقم سري..
قالت الجملة بعد صمت لثواني كان يكتب فيها “شاهين” جملة على ورقة أمامه ومدها لها لتقول ما بها..
– اكيد, بس انا همليكِ كذا رقم سري تحفظيهم كويس, ولما توصلي للخزنة تجربيهم اكيد هيطلع واحد منهم.
وقبل أن تنتظر ما يكتبه “شاهين” دفعها فضولها لسؤاله:
– وانتَ تعرفهم منين؟ وليه متأكد انه هيكون واحد منهم؟
زفر سمعتها منه قبل أن تسمعه يقول:
– مش قولتلك متسأليش في حاجة مش هتفيدك! المهم ان محدش يلمحك وانتِ بتعملي ده.
وللمرة الثانية لم تنتظر توجيهات “شاهين” وهي تقول:
– ازاي هاخد الورق وهطلع من الفيلا من غير ما يكشفني؟
– لازم خلال الأيام الجاية يكون معاكي موبايل, ولازم كمان تجندي حد من الخدم اللي عندك يكون مرسال ليكي, واغريه بالفلوس اللي تشوفيها وميهمكيش, المرسال ده هيكون بيني وبينك, انتِ مش هينفع تاخدي الورق, انتِ بس هتصوريه بتليفون وهتبعتيه ليا مع المرسال, وانا هطبعه وهرجعهولك ورق, وقت ما تاخدي الورق الأصلي هتحطي ده مكانه.
– طب وليه كل ده؟ ما تطبعه وتستخدمه انتَ.
– انا لازم يكون معايا أصول يا فيروز, مينفعش ورق مصور, لازم الأصل عشان اقدر ادينه بيه والمحكمة تاخد بيه, بعد ما تحطي الورق المصور وتاخدي الأصلي هتستني شاهين يرجع تقوليله انك موافقة تبعدي عني وياخد أي ضمان يحبه عليكِ, وقتها هو بنفسه هيخرجك من الفيلا وهتكوني حرة, ووقتها هاخد منك الورق الأصلي وساعتها هيكون شاهين انتهى..
قطبت ما بين حاجبيها بتعجب سائلة:
– هو الورق ده خطر كده؟
– ايوه, كل صفقة سلاح شاهين بيقوم بيها بتكون موثقة بعقود, العقود دي لو بقت معايا يبقى كده نهايته.
نظرت ل “شاهين” لتجده هادئ, ساكن الملامح, كأنه لا يسمع ما يُقال, تنهدت وهي تقول:
– تمام, فهمت.. هكلمك في اقرب وقت لما اعرف اجند حد من هنا.
– تمام, بس زي ما قولتلك أي خطر تحسي بيه سيبي كل ده واهربي, شاهين لو شك فيكِ هتكون نهايتك وانا للأسف مش هلحقك, واتواصلي معايا دايمًا طمنيني عنك.
ابتلعت ريقها الذي جف عقب جملته التي قالها والتي أدركت معناها جيدًا بعد ما رأته مع “شاهين” في اليومين السابقين, ونظرت له وهي تقول:
– حاضر..
وأغلقت المكالمة لتضع الهاتف فوق المكتب وهي تنظر له, ليقول بعدما نزع سماعة الأذن الخاصة بهِ..
– تمام, تقدري تطلعي.
فقط! ألن يُثني على نجاحها في قول كل ما أراده وتصديق “مازن” لها!
زفرت حانقة ونهضت خارجة من المكتب تحت نظراته المسترخية والمفكرة في الآتي والذي لا تتوقعه لا هي ولا “مازن”…
❈-❈-❈
أنهت عملها والذي يقتصر على بعض أعمال المطبخ واستأذنت من “صفاء” أن تذهب اليوم باكرًا لتأخذ والدها المريض بمرض القلب منذُ زمن للطبيب, فوافقت “صفاء” على أن تحضر يوم غد باكرًا عن المعتاد, خرجت من باب المطبخ الخاص بالخدم والمفتوح على الحديقة الخلفية, وأثناء سيرها في طريقها للبوابة رأت فتاة من ظهرها تسير ببطء على العشب الأخضر دون وجهه محددة, فقطبت ما بين حاجبيها وضيقت عينيها بفضول فمن هذه الفتاة التي تسير بكل أريحية في فناء فيلا العقرب؟ فهو لا يسمح لأحد غريب بدخولها, وهذه ليست السيدة “شدوى” ولا أحد تعرفه, وقفت لثواني مترددة هل تتابع سيرها متجاهلة الموضوع أم تندفع خلف فضولها لتعرف هوية الفتاة؟
وكادت تفعل لكنها نظرت خلفها على صوت أحد العاملات معها يناديها:
– مستكة.
ولم تلتفت “مستكة” وحدها بل التفتت “فيروز” أيضًا على الصوت, لتتجمد في محلها وهي ترى آخر شخص توقعت رؤيته..
– مستكة!!
رددتها هامسة بصدمة ولا تعرف ما تفعله الأخيرة هنا؟ ماذا جاء بها وهل رأتها أو تعرف بوجودها؟ يا لحظك العاثر يا فيروز! وكأن مشاكلك لا تكفيكِ لتزداد مشكلة جديدة, بل كارثة!
التفت تعطيها ظهرها مرة أخرى ما إن وجدت من تقف مع “مستكة” تنصرف بعد أن اعطتها حافظة نقود يبدو أنها لها وقد نسيتها, ظلت على وقفتها تترقب ما سيحدث وتدعو الله ألا تكون “مستكة” قد تعرفت عليها…
زفرت بضيق حين طال وقوفها وقررت متابعة سيرها فماذا ستجني حين تعرف هوية الفتاة؟ عليها أن تلحق موعد الطبيب وهذا هو الأهم, فسارت تجاه البوابة ومنه لخارج الفيلا دون النظر خلفها.
زفرت براحة بعدما راقبت بطرف عينيها خروج الأخيرة, لتتجه بخطواتها لداخل الفيلا وهي تفكر بحل للمصيبة التي حلت بها.
❈-❈-❈
ذُهلت من حديث جدها المخالف تمامًا لِمَ توقعته, لتهوى فوق الكرسي وهي تسأله بصدمة:
– يعني ايه يا جدو؟ يعني هتسيبه يتجوز عليّ؟
أتاها صوت جدها يقول برزانة:
– يا بنتي افهميني مقدرش امنعه من حقه, وده حقه يا شدوى, انتِ بقالك سنين مراته, ومنجحتيش تكسبيه, مقدرش أحرم عليه انه يشوف حياته ومستقبله.
احتدت عيناها رغم القهر اللامع بهما وقالت:
– خلاص ما دام كده انا كمان من حقي اشوف حياتي, نطلق وكل واحد يشوف حياته.
وأتاها ما جعل حدتها تخفت, وعيناها تلمع بدموع الحزن والوجع حين قال جدها:
– وانتِ عارفة إنك لو طلبتِ الطلاق شاهين عمره ما هيرفض, شاهين مش مقيدك يا شدوى, انتِ اللي حابة وجودك على اسمه.
أردفت بقهر كبير:
– يااه, للدرجادي, ده انا على كده فشلت خالص.
– يا حبيبتي احنا عارفين علاقتكوا عامله ازاي, وانتِ حاولتِ كتير تصلحيها لكن معرفتيش, يبقى لا اقدر اتهمك إنك محاولتيش كفاية, ولا اقدر اتهمه إنه رفض كل محاولاتك, ده نصيب يا بنتي وأنتوا من الأول نصييبكوا مش مع بعض, وافتكري إن اللي عملتيه زمان عمره ما هيتنسي وهيفضل شرخ كبير اوي في علاقتك بشاهين, وشاهين عمره ما هيتقبل علاقتكوا مهما حاولتِ.
تساقطت دموعها تزين وجنتيها وهي تهمس مستنكرة:
– يعني بتقولي استسلم للأمر الواقع؟
– بقولك متبقيش أنانية, سبيه يختار طريقه زي مانتِ اختارتيه زمان, سبيه يختار لأول مرة برغبته, وسبيني انا كمان اساعده في ده يمكن اخفف شوية من الذنب اللي حاسس بيه ناحيته.
– ماشي يا جدو, مع السلامة.
قالتها وأغلقت المكالمة بعدما سمعت وداع جدها لها, ألقت الهاتف فوق الفراش ومسحت دموعها بقوة حتى كادت تجرح وجنتيها بأظافرها وقالت بإصرار:
– وأنا مش غبية عشان اضحي بسعادتي عشان حد حتى لو كان شاهين نفسه, أنا سعادتي معاه وهعمل أي حاجة عشان أكون معاه… وإن كانت دي أنانية مني, فأه أنا أنانية.. ومش هسيبها تتهنى بيه.
وجملتها الأخيرة تحمل وعيدًا ل”فيروز” ينبأ بأن القادم ليس خير..
❈-❈-❈
انهت عملها في الشركة واخذت طريقها للخروج حين فُتح باب المصعد وخرج منه ليصبح أمامها، تمنت لو تستطيع تجاهله لكن كيف تفعل وهو يقف في وجهها، ستكتفي بالقاء تحية وتتابع سيرها، هذا ما قررته وهي تقول له:
_ مساء الخير.
ولكنها توقفت ما إن كادت تتحرك حين وقف أمامها تمامًا قاطعًا الطريق عليها:
_ مساء النور يا آنسة نورهان، ازيك بقالي يومين مشوفتكيش.
ابتسمت بكياسة تقول:
_ حظي كان وحش بقى، أصل كنت بخلص شغلي بدري وبمشي.
عاتبها بنظراته يقول:
_ كنتِ بتخلصي شغلك بدري، ولا بتتعمدي تخلصيه بدري عشان تمشي قبل ما جي، انا النهارده جاي بدري مخصوص عشان الحقك.
تصنعت عدم الفهم وقالت:
_ لا ابدًا، هتعمد ليه!؟
_ يمكن عشان مسألكيش عن قرارك.
قطبت جبينها وامتعضت ملامحها تسأله باستنكار:
_ قراري في ايه يا استاذ باسم؟؟
_ وانا كلمتك في مليون حاجة! هي حاجة واحدة اللي كلمتك فيها من اسبوع، ولسه مخدتش رد.
رفعت حقيبة يدها على كتفها وهي تقول:
_ وانا من يومها رديت وقولت إني مبفكرش في الجواز دلوقتي.
أصر على موقفه يقول:
_ وانا قولتلك هسيبك تفكري.
انزعجت ملامحها أكثر وهي تجيبه:
_ وانا مكنتش محتاجه وقت أفكر، ولا طلبت ده، ردي كان واضح ومش هيتغير، واعتقد المواضيع دي القرار فيها محسوم.
قال “باسم” باستغراب:
_ ايه ممكن يخلي بنت خلصت تعليمها وبتشتغل ترفض الجواز؟ ايه اللي معطلك؟ لا بتعملي دراسات عُليا ولا لسه مخلصتيش تعليمك.
رفعت حاجبها باستهجان:
_ مين فهمك إن البنت لما تخلص تعليم مورهاش حاجه غير الجواز؟ مش معنى إني خلصت تعليمي وبشتغل يبقى انا قاعدة مستنية الزوج الصالح! انا حابة اثبت نفسي في شغلي واوصل لمنصب كويس فيه، حابة اعيش لنفسي شوية بحرية قبل الجواز ومسؤولياته، في حاجات كتير اوي ممكن اعملها غير إني اقعد استنى الجواز.
تفاجئ من هجومها ليقول مبررًا:
_ انا مقصدتش كل ده، انا بس قصدت لو في حد في حياتك عرفيني عشان…
قاطعته بجرأة فاجئته:
_ اه فيه.. اتمنى بقى يكون الموضوع خِلص ومفيش داعي كل شوية تكلم جميلة عشان تكلمني.
بُهتت ملامحه وهو يسمع ردها القاسي له، هو لا يحبها وإن أظهر عكس هذا لها ولصديقتها فكان من أجل أن يُعزز موافقتها بهِ، لكنها في حقيقة الأمر كانت تعجبه، وكان يتمنى أن تصبح من نصيبه، فلديها كل ما تمناه في المرأة، جمال، ولباقة، وارستقراطية، ولُطف وقوة في آنٍ، لكنه في الوقت ذاته يمكنه أن يجد من هي أفضل منها، هذا ما ردده لنفسه قبل أن يبتسم لها في هدوء:
_ خِلص، وآسف لو أزعجتك.
شعرت بحدتها المبالغ فيها فهدأت ولانت ملامحها المشدودة وهي تقول:
_ أنا اللي أسفة لو احتديت شوية في كلامي متزعلش يا أستاذ باسم وحقيقي أنتَ زميل عزيز وشخص خلوق.
هز رأسه لها في دبلوماسية:
_ مش هعطلك اكتر من كدة تقدري تتفضلي.
وافسح لها الطريق لتتحرك عِدة خطوات قبل أن تزفر انفاسها بقوة وقد شعرت أنها أزاحت حِملاً من فوق كاهلها..
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي..
نزلت درجات سلم الفيلا بحذر تتلفت يمينًا ويسارًا وعيناها تبحث عن أي طيف ل “مستكة” فهي قد قررت ألا تنتظر البلاء, ويجب عليها أن تضمن “مستكة” لصفها بأي طريقة كانت, فلن تترك لها فرصة وضعها في خطر ربما لن تدركه الأولى, يجب عليها أن تمسك جميع خيوط اللعبة كي لا تتأرجح على حبال الخسارة.
رأت “صفاء” في طريقها لمكتب “شاهين” لتوقفها صائحة:
– صفاء استني.
توقفت “صفاء” فورًا وتحركت “فيروز” ناحيتها حتى وقفت أمامها وسألتها:
– هي في خدامة هنا اسمها مستكة؟
قطبت “صفاء” ما بين حاجبيها بتعجب تسألها:
– ايوه, في حاجة يا هانم؟
وبهدوء تام لا يثير أي شك أجابتها:
– كانت امبارح وهي مروحة وقع منها حاجة وانا كنت في الجنينة فكنت حابة اديهالها.
– ممكن انا اوصلهالها.
رفضت بنفس الهدوء:
– لا, احب انا اديهالها بنفسي عشان اتعرف عليها, مش معقول مش هعرف غيرك في البيت يا صفاء!
– اصل خدم المطبخ مبيخرجوش للفيلا غير عشان يرصوا السفرة.
سألتها “فيروز” بحذر:
– ومين بينضف؟
أوضحت “صفاء”:
– خدم تانيين, كل حد له اختصاصه.
إذًا إمكانية رؤيتها قليلة جدًا, حسنًا فلتأجل ما أرادت فعله لفترة, رُبما يحالفها الحظ ولا تراها “مستكة”, وإن شعرت بقرب الخطر ستنفذ خطتها التي أعدتها أمس, نظرت ل “صفاء” قائلة:
– خلاص… هبقى اديهالها بعدين انا نسيتها في اوضتي.
استمعت لصوت يأتي من مكتب “شاهين” المغلق, صوت طفل!
– ايه الصوت ده؟ مين مع شاهين جوه؟
أجابتها “صفاء” مبتسمة:
– ده البيه الصغير, من وقت ما صحي وهو مع البيه الكبير في المكتب.
لاح الجهل في عينيها وهي تسأل نفسها بتعجب من البيه الصغير؟ لكنها لم تظهر هذا للواقفة أمامها بل سألتها:
– أنتِ كنتِ داخله؟
– ايوه كنت هسأل البيه لو اطلع اصحي شدوى هانم عشان الفطار, ولا…
قاطعتها تسألها:
– هو الفطار هنا بميعاد زي الغدا كده؟
– ايوه كل وجبة لها ميعادها.
رفعت حاجبها الأيسر تتابع أسئلتها الساخرة:
– وهي الهانم متعرفش ميعاده؟
– لا طبعًا تعرف, بس يمكن راحت عليها نومة, بس ماحبش اطلع اصحيها من نفسي لأنها بتتعصب لما حد يصحيها, لكن لو البيه اللي قالي مش هتتكلم معايا ولا هتتعصب.
ربطت بكفها على كتف “صفاء” بخفة تخبرها:
– متتعبيش نفسك وتصحي حد, هي عارفة الميعاد ما صحيتش عليه يبقى براحتها, جهزي الفطار وهدخل ابلغ شاهين انه جاهز.
وتحركت من أمامها لتتوقف وهي ممسكة بمقبض الباب قبل فتحه والتفت ل “صفاء” تقول بضيق:
– انتِ لسه واقفة عندك؟ اتحركي يا صفاء!
تنهدت “صفاء” بقلة حيلة وهي تتذكر ما أخبرها بهِ شاهين بأن تنفذ كل ما تقوله وتريده “فيروز” ما دام الأمر في نطاق المعقول:
– أمرك يا هانم.
وتحركت للمطبخ لتبتسم “فيروز” بزهو وتفتح الباب بعد دقة عليهِ ودلفت ليقع بصرها على طفل صغير يجلس فوق الأريكة ويجاوره “شاهين”, طفل لطيف, وجميل وحسن المظهر, منذُ رأته وقد ابتسمت بعفوية, وتوقفت تنظر له كالبلهاء دون حراك.
رفع “شاهين” رأسه على فتح الباب ليجدها أمامه مرتدية ثياب أكثر تحررًا من أمس, فستان أبيض يلتصق بشدة بجسدها فيرسم منحنياتها بدقة, ويصل طوله إلى قبل ركبتيها بقليل, بهِ نقوش وردية كبيرة, بنصف أكمام وفتحة عنق واسعة لكنها تنتهي قبل الصدر, وتركت لخصلاتها المموجة السوداء الحرية لتصل لمنتصف ظهرها, وكالعادة تكتفي بالكحل المزين لعينيها ولون وردي هادئ يطلي شفتيها, انتبه من شروده بها على صوت “تيم” يسأله:
– مين دي يا بابي؟
ونزلت الجملة كالدلو البارد عليها, هل لديهِ طفل من تلك الشمطاء؟ نظرت له وهي تسأله متقدمة منهما عِدة خطوات:
– ابنك؟
اومأ وقد أبعد نظره عنها:
– ايوه, تيم.
ابتسمت بالكاد وهي تقترب منهما وجلست بجوار صغير على كرسي مجاور وهي تمد كفها له بود:
– ازيك؟ أنا فيروز.
مد الصغير كفه على الفور يصافحها وقال بلطف:
– انا تيم ابن بابي.
قال كلمته الأخيرة مشيرًا ل “شاهين” فاتسعت ابتسامتها على جملته اللطيفة, وحاولت جذب أطراف الحديث مع الصغير فسألته بعبث:
– قولي بقى يا تيم, ايه رأيك في بابي؟
قطب الصغير ما بين حاجبيهِ بعدم فهم وسألها تحت نظرات “شاهين” المدركة لِمَ تفعله والحانقة في آنٍ:
– يعني هو بابي كويس ولا شرير؟
اتسعت أعين الصغير وكأنها سبت والده وأجاب على الفور مدافعًا:
– لا طبعًا, بابي طيب خالص, وانا بحبه اوي.
نظرت ل “شاهين” عابثة وهي تقول باستمتاع بحنقه الواضح:
– كويس إنك طيب في حاجة.
– حبيبي روح قول لصفاء تعملك اللبن واشربه على ما اجيلك.
ابتلعت ريقها الذي جف فجأة وهبت واقفة تقول:
– تعالى انا هروح معاك, اصلاً هي كانت قالتلي ابلغكوا إنها بتجهز الفطار.
وقبل أن تخطو خطوة سمعت صوته يقول:
– روح يا تيم, وانا وطنط فيروز هنحصلك.
انصرف الصغير على الفور, لتبقى في مواجهته بعدما أُغلق الباب بواسطة الحارس الذي عاد ليقف أمامه:
– هو الحارس ده بيقف قدام الباب بمزاجه؟ انا مشفتوش من امبارح!
– كان عنده ظرف وفاة وكان في إجازة.
سعدت لاستجابته لحديثها بعيدًا عن ما قالته منذُ قليل فأكملت على المنوال:
– بس وقوفه كده مش حلو على فكرة, يعني ايه حارس يقف جوه البيت؟ بعدين كل شغله يقفل الباب ويفتحه!
سايرها وهو يقول:
– لا ويمنع أي حد يدخل من غير استئذان, وياخد طلباتي كمان, هو مضايقك في حاجة؟
رفعت كتفيها وقالت:
– يعني… حاسه وجوده جوه البيت مش لطيف مش أكتر.
وفجأة صدمها قوله الحاد:
– وانتِ مين قالك تحسي؟ انتِ مالك أصلاً؟ هو كان بيت ابوكِ؟
جحظت عيناها ذاهلة وما كادت ترد إهانته حتى وجدته يقترب الخطوات الفاصلة بينهما وهو يقول محذرًا:
– اوعي تنسي نفسك وتنسي أنتِ هنا ليه, ليكِ حدود متحاوليش تتجاوزيها عشان متزعليش.
سألته مستنكرة:
– كل ده ليه؟ عشان علقت على الحارس؟ ولا عشان قولت عليك أب طيب؟ انا عاوزه افهم ما دام عندك ابن منها ايه لازمة اللي بتعمله ده؟ حتى لو مكانش عشانها يبقى عشان ابنك.
ورده كان صادمًا لها حين قال ببرود:
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فراشة في سك العقرب)