رواية عن تراض (سدفة 2) الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية شاكر
رواية عن تراض (سدفة 2) الجزء الحادي عشر
رواية عن تراض (سدفة 2) البارت الحادي عشر
رواية عن تراض (سدفة 2) الحلقة الحادية عشر
ولاهم باسل ظهره وكاد يغادر من هول صدمته…
-دا جوز هند! هو إيه اللي بيحصل هنا!
قالتها «سراب» بتوجس وهي تشير نحو «باسل» بأنامل مرتعشة، جال في خاطرها العديد من التساؤلات، هل هو كمين لهم!
تذبذبت نظراتها، وزحفت ببصرها نحو عمرو ودار بين نظراتهما حوار صامت دام لبرهة قرأ خلالها كل أسألتها وخوفها…
نهض «عمرو» واقفًا وقال بثبات زائف:
-متقلقيش يا سراب دا اخو البشمهندس بدر يعني ابن ابن خال والدتك.
التفت لهم «باسل» ودنى منهم متظاهرًا بالإستغراب، ورافعًا رأسه بشموخ، وهو يقول:
-مين دول يا جدي!
قال البدري باقتضاب:
-قرايبنا.
وقف «عمرو» قبالته ومد يده ليصافحه وهو يقول:
-إزيك يا أستاذ باسل؟ حضرتك متعرفنيش ولا إيه! دا احنا اتقابلنا قبل كده!
صافحه باسل بابتسامة مرتعشة وقبض يده وهو يقول:
-مش واخد بالي! آآ… اتقابلنا فين؟
-لما كنت بتتجوز هند، فاكر؟
سأله عمرو متخابثًا، فغضن باسل حاجبيه وقال بتعجب مصطنع:
-هند مين؟ أنا مش متجوز و… ومعرفش حد بالإسم ده!
عاد «عمرو» يجلس وأخذ يقص على الجميع لقاءه الأول مع باسل وما حدث في عُجالة، ثم رؤيته لباسل في شارعهم وما فعله بسعيدة آنذاك حين دفعها وفر مسرعًا قبل أن يلتقطه عمرو وبدر…
أنكر «باسل» بكامل عزمه أنه يعرف عمرو، مبررًا أنه حين أتى لشارعهم كان يراقب «بدر» وخشى أن يراه لذا فر مسرعًا، فقال عمرو:
-على العموم يا أستاذ باسل أتمنى يكون تشابه فعلًا!
تلجم لسان باسل وجلس جوار جده الذي كان يراقب النظرات ويحلل الحركات وهو ينصت للحوار في صمت بليغ.
ألقى الصمت عباءته على الجميع، كان «عمرو» يرشق بدر وباسل والبدري بنظراتٍ يقتر منها الشك، يحاول ربط الأحداث ببعضها، أيعقل أنهم الآن داخلوا للدائرة السوداء التي حذره منها كارم!
أضناه الندم، كان يجب أن يأتي بمفرده وأن يفهم أولًا قبل أن يُدخل تقى وسراب تلك المتاهة…
انتبه من شروده على صوت البدري حين نظر لباسل قائلًا:
-خير يا باسل، كنت جاي ليه؟ عايز فلوس؟
-آآ… كنت جاي أطمن عليك يا جدي!
-وأنا بخير الحمد لله.
قالها البدري بنبرة يشوبها السخرية، ثم نظر للبقية وقال:
-اطلعوا يا ولاد ريحوا فوق، القصر مليان أوض اختاروا الأوض اللي تعجبكم…
تبادلوا النظرات المُرتابة والجد ينادى أحد الخدم ويأمره باصطحابهم، وصعد معهم بدر بعدما رمى باسل بنظرة ازدراء اخترقته، فنهض «باسل» ليتبعهم سيبرر لهم مرة أخرى ويحاول إقناع أخيه ولكن ناداه جده، فوقف مكانه وابتلع لعابه باضطراب قبل أن يلتفت له…
قال جده ساخرًا:
-اقعد بقا يا سي باسل قولي إيه حكايه إنك مكسرات، قصدي جوز هند!
ورغم الموقف العصيب الذي وُضع به باسل إلا أنه ضحك وهو يعود ليجلس جوار جده، قال وأثر الابتسامة عالقًا على شفتيه:
-مـ… معرفش يا جدي مـ… معرفش دا أكيد تشابه.
خاطبه جده بانفعال شديد:
-لا ما إنت مش هتضحك عليا أنا السنين اللي عيشتها داست على وشي وهي معديه والتجاعيد اللي في وشي دي تشهد.
تلاشت ابتسامة باسل وقال بارتباك:
-يا جدي صدقتي آآ…
قاطعه جده بطرقة على الأرض من عكازه ثم قوله بصرامة:
-ربكتك لما شوفتهم، ونظراتك وهما بيتكلموا فضحتك يا باسل.
-آآ… أنا فعلا اتوترت لما شوفتهم لأني كنت براقب بدر، آآ… أنا أول مره روحت الدقهلية كنت رايح ورا بدر عشان مكنتش عايزه يوصل لأولادك وشوفت الناس دول معاه هناك عشان كده اتوترت.
صمت الجد هنيهة وهو يتفرس ملامح باسل ثم قال ببرود وهدوء:
-إنت جاي عايز ايه يا باسل؟!
صمت باسل هنيهة، ثم حمحم وقال:
-بصراحه كنت عايز مبلغ كده بس حضرتك ممكن تعتبره سلف يعني ان شاء الله هرجعه.
ضحك جده ساخرًا وقال:
-كنت متأكد إنك جاي عايز فلوس، بس لأ متأسف… مفيش فلوس يا باسل، روح إطلب من أخوك الكبير اللي مشغلك تحت إيده.
-أنا محتاج مبلغ ضروري يا جدي وأخويا مستحيل يديني.
قالها باسل والقلق يتجول بين ملامحه، فقال الجد:
-معنديش مشكله أديك فلوس، لما تيجي تقولي الحقيقه كامله يا جوز هند، ساعتها هديك اللي إنت عايزه.
أمسك باسل بيد جده وقال باستعطاف:
-حضرتك مش مصدقني ليه! ما أنا قولت!
-قوم يا باسل ريح جتتك شويه عشان هترجع في قطر الفجر، إن شاء الله نصحى من النوم نلاقيك مش هنا.
قالها الجد بحزم ثم نهض يتكأ على عكازه وينادي أحد الخدم ليسنده حتى غرفته، ثم التفت لباسل وقال وهو يوقع كلماته:
-تقى وسراب خط أحمر يا باسل لو قربت منهم إنت ولا أخواتك مش هرحمكوا.
لم يبرح «باسل» مكانه وأخذ يتابع جده وهو يدخل غرفته…
نهض واقفًا حملق بالفراغ أمامه لبرهة وخرج من القصر صافعًا الباب خلفه في غضبٍ شديد، فأحدث دويًا مزعجًا.
ردد بغضب:
-ماشي يا بدر.
طلب رقم هند مرة تلو الأخرى فلم تجبه، صاح بغضب:
-ردي إنتِ كمان!
وبغضبٍ شديد واندفاعٍ أشد طلب رقم أخيه الأكبر وحكى له ما يفعله بدر، فلن يظلل عليه كما تفعل والدته دائمًا، بعد الآن سيتركه يواجه عاصفة أخيه الأكبر ولن يحميه أبدًا…
بقلم آيه شاكر
استغفروا🌸
★★★★★★
على الصعيد الأخر
تجولوا بالطابق الثاني لفترة والخادم يفتح الغرفات وهم يتصفحون كل غرفة بأعينهم ثم يخرجون، حتى قالت سراب بنبرة مرتعشة:
-احنا هننام في أوضة واحدة.
-إزاي يعني أوضه واحده يا سراب!!
قالتها «تقى» وهي تطالع «سراب» التي كان الخوف قابع بين عينيها، تريد أن تنام بغرفة واحدة مع عمرو وعامر علها تطمئن فقد كان داخلها يرتجف خاصةً بعدما سمعت ما قاله عمرو عن باسل! انتبهت حين قال عمرو:
-خلي أوضنا جنب بعض.
أشار بدر لغرفتين متجاورتين وقال:
-الأوضتين دول ليهم بلكونه واحده.
قال عمرو:
-تمام حلوين دول.
خاطب «بدر» الخادم الذي كان ينصت لحوارهم:
-تمام روح إنت أنا هفضل معاهم.
انصرف الخادم، فقال عامر:
-روح إنت كمان يا بشمهندس نام.
-تـ… تمام، لو احتاجتوا أي حاجه في أي وقت كلموني.
أومأ عمرو بابتسامة باردة أزالها حين ولاهم بدر ظهره، فلازال الشك يتجول بقلبه من ناحية بدر، وكان بدر على دراية بما في قلبه لذا ترك لهم حرية ابقاء مسافة بينهم وهو على ثقة أنها ستُطوى مع الأيام…
وبعد مغادرته قالت سراب بخفوت:
-يلا ادخلوا نتقابل في البلكونه ضروري…
طالعتها تقى بأعين متسعة، وما أن دخلتا للغرفة قالت تقى بحسم:
-متقوليش حاجه، اصبري شويه.
-لازم نحكيلهم عن هند و…
قاطعتها تقى بحدة:
-قولتلك اصبري شويه متبقيش متسرعه، خلينا نقابل اللي اسمه حسين ده الأول.
لم تبدي «سراب» أي رد فعل، كانت تعلم أن تقى مخطئة ويجب أن يعلموا جميعًا بشأن هند…
خرجتا للشرفة التي تُطل على مساحة واسعة من الأراضي الزراعية، وقفوا الأربعة يحملقون بلأشجار العالية التي يرونها على ضوء القمر فقد كانت أعمدة الإنارة خافتة الإضاءة، ذلك السكون المهيب الذي خيم على الأرجاء بث الخوف في صدورهم.
وفي صمتٍ مطبق وقفت عمرو جوار سراب وعلى يسارها تقى التي عقدت ذلك الرباط الأحمر الذي رماه لها عامر الواقف جوارها.
رمقت سراب لعمرو الذي يقف يمينها واضعًا كلتا يديه بجيبي بنطاله، فنظرت أمامها وهي تضع كلتا يديها بجيب سترته التي لم تخلعها، أرسلت تنهيدة عميقة قبل أن تتحدث بقلق:
-أنا حاسه إني برتعش من جوه.
-ليه الجاكت بتاعي مش مدفيكِ ولا ايه؟
قالها «عمرو» مازحًا عله يخفف من وطأة الخوف الذي حل على قلوبهم، فقالت سراب بجمود:
-مش وقت هزار خالص يا عمرو.
ساد الصمت مرة أخرى، حتى قال عامر بابتسامة ساخرة:
-بتقولي لبدر إحنا هنقعد في أوضه واحده يا سراب، خليتي الراجل شك فينا.
قالت تقى:
-الشك ده من حقنا احنا، دا أنا قلبي مليان أسئله أد كده، حتى خالي ده قليل الكلام وغامض كده أنا مش مرتاحه أبدًا، وازاي بقا عمي هو أبو سراب! مع إن اسم اللبان ده مش مكتوب في بطاقتي! أنا مش قادره أستوعب ولا عارفه إيه اللي بيحصل!
وقالت سراب:
-كل ده كوم والمكان اللي عامل زي بيت الأشباح ده كوم تاني.
قال عامر:
-متخافوش! وأنا شايف خالك ده محترم وباين عليه الطيبة يا تقى.
قال عمرو ساخرًا:
-اتنيل يا عامر إنت عندك الناس كلها محترمه وطيبه أصلًا، أنا بقا محتار ومش عارف إحنا ماشين غلط ولا ايه!
أرسل عامر تنهيدة طويلة ثم قال:
-إن شاء الله ربنا هيحلها، اقفلوا بس الأوضه على نفسكوا وناموا، احنا لازم ننام كويس عشان نقدر نفكر.
-أيوه فعلًا.
قالتها تقى وهي تفك الرباط عن يدها وتبتسم لعامر، الذي قذفها بنظرة تشي بالكثير وهو يقول بصوت رخيم:
-خلي بالك من نفسك.
نظر عمرو وسراب لذلك الرباط، ثم نظرا لبعضهما، طالت نظرات عامر لتقى، فحمحم عمرو وقال:
-مش يلا ننام بقا ولا ايه!
ارتبك عامر وأشاح بصره عنها وهو يضع الرباط بجيبه، ويقول بابتسامة:
-تصبحوا على خير.
كادت سراب تخلع سترة عمرو، فقال:
-هتعملي ايه! خليها هتاخدي برد، أنا معايا غيرها.
أومات وقالت بابتسامة:
-ماشي تصبحوا على خير.
قالت تقى:
-اقفلوا انتوا كمان على نفسكوا كويس.
-حاضر.
قالها عامر بابتسامة حالمة، فجذبه عمرو من ذراعه لينتبه لنفسه ودخلا لغرفتهما.
استلقى «عامر» على الفراش وهو يردد:
-أنا حاسس إن دي أحلى فتره عيشتها من يوم ما اتولدت.
-لا يا راجل!
قالها عمرو ساخرًا وأردف بجدية:
-هو انتوا ايه؟
اعتدل عامر جالسًا وقال:
-ايه!
جلس عمرو قبالته على الفراش وقال:
-بتحبها اتجوزها إنما كده مينفعش يا عامر، وأنا شايف إن هي كمان بتحبك ومش عارف على إيه بصراحه.
قال «عمرو» أخر جملة ضاحكًا وهو ينظر لأخيه بازدراء زائف، فقال عامر ببعض الانفعال:
-على فكره لو مش عاجبك شكلي فاحنا الاتنين نسخه مكرره يعني إنت بتسخر من نفسك، وإن كان على ذقنك فأنا ممكن أربيها شكلك عادي.
ثم استلقى مجددًا ونظر للسقف تنهد بعمق ثم قال بجدية:
-أنا عارف إنه مينفعش وعارف إنها بتحبني بس خطوة الجواز حاليًا متنفعش لا ليا ولا ليها، صعب جدًا.
أخرج عامر الرباط من جيبه أخذ يتأمله بابتسامة واسترسل:
-دي الحاجه الوحيده اللي بعرف أعملها عشان أحسسها بالأمان، تقى بنت محترمه جدًا ومتدينه وأنا واخد بالي من المسافة اللي هي سيباها بيننا، وكل مره بديها الرباط بحس بترددها وهي بتمد إيديها وتاخد طرفه تربطه على أيديها بس برده بحس إن الرباط ده بيطبطب على قلبها وبيجبر الكـ ـسر اللي فيه، أنا خايف عليها أوي يا عمرو، ببقا نفسي أحضنها وأقولها أنا هنا، ويمكن دي الطريقه اللي بقولها بيها أنا جنبك.
أطلق عمرو تنهيدة عميقة وقال:
-هي محتاجالك وإنت محتاج تكون جنبها وأنا شايف إنك لازم تتجوزها.
صمت عامر هنيهة ثم نطق:
-صعب، صعب جدًا…
قال عمرو بانفعالٍ شديد:
-طلما صعب يبقا تبطل حكاية الرباط ده وتتلم يا عامر، لو عملتها تاني أنا هحرجك وهحرجها.
انفعل عليه عامر:
-وإنت مالك أصلًا!
-لا ما أنا لازم أحذرك لما ألاقيك بتتبع خطوات الشيطان! النهارده فيه رباط بينكم بكره تمسك ايديها بعده هتحضنها، وأنا مش من الناس اللي بتشوف المنكر وتقول حرية شخصية، ربنا هيحاسبني لو محذرتش وقولت لأ دا مينفعش وده حرام…
-منكر! إنت خليته منكر؟ مجرد رباط بتمسك طرف وأنا بمسك طرف بقا منكر!
تنفس عمرو الصعداء ثم قال:
-دي خطوات الشيطان يا عامر! وربنا سبحانه وتعالى نهانا وقال:
«ولا تتبعوا خطوات الشيطان…»
-تصبح على خير يا عمرو.
قالها عامر بضجر وانقلب على جانبه الأخر ليهرب من نظرات أخيه وكلماته تلك، التي كانت كرمح أطلقه عمرو بغتة فمر من جواره لينتبه…
أكد عليه عمرو وهو يوقع كلماته:
-بكرر تاني يا عامر الرباط ده لو طلعته تاني أنا هحرجك وهحرجها.
لم يلتفت إليه عامر، فاستلقى عمرو جواره وران عليهما الصمت الظاهري، وكل منهما يتحدث في سريرته…
ظل عامر يفكر في كلام عمرو، غالب النوم وهو يقول:
-عندي حق يا عمرو، وشكرًا إنك فوقتني.
-أنا خايف عليك وعليها والله.
قالها عمرو فابتسم عامر وهو يُغلق جفونه ويقول:
-ربنا يديمك في حياتي يا عمرو.
وأخذ الكرى بجفونه بعدما عقد قراره وعزمه، فإن كانت تقى تحاول ترك مسافة بينهما وتتعفف فسيساعدها ويتعفف حتى يأتي الوقت المناسب.
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
ظل «نادر» يقطع شقتة جيئة وذهابًا فلم يخرج مع أصدقائه هذه الليلة، فجأة زهد في كل شيء، كاد يختنق من فرط التفكير وتأنيب الضمير،.فتلك الفتاة «رحمة» بريئة ونقية كالثلج وقد أقحمها في لعبة قـ ـذرة من تأليفه ولكن… أُخمد ضميره حين أقنعه شيطـ ـانه وتغلبت عليه وساوسه، لا ريب أنها تشبه والدتها، لازال يذكر كلام والديه عن «والدة رحمه» فقد أخطأت مع والدها قبل الزواج، وهل تلد الحداءة كتاكيت! بالطبع هي نسخة من والدتها، راقت له تلك الفكرة فارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة وهو يتخيل رحمه أمامه، فقد أعجبته بشدة…
استلقى وطلب رقمها عدة مرات لكنها لم تجب ففتح الفيديو الذي ركبه لها بنفسه، وأخذ يشاهده والخبث يرتسم على ملامحه، إنها فتاة فاتنة!
أرسل لها رسالة أنه يجب أن يراها الآن لأمرٍ عاجل، فأرسلت إليه أنها ستقابله في الغد لأن الوقت قد تأخر، قرأ رسالتها وابتسم بمكر وهو يردد اسمها بشغف:
“رحمه”
★★★★★
ومن ناحية أخرى
كانت «رحمه» ترى رنين «نادر» لكنها لم تجبه تخشى أن يكون ثمة خبر سيء عن ذلك الفيديو، كانت مضطربة لم تخرج لدروسها اليوم كي لا تراه ولو صدفة، تشعر وكأن أحدهم قيد روحها، ليتها لم تقابله، كانت شاردة تجلس لحالها معظم النهار، حاولت رغدة اختراق سكونها ذاك أكثر من مرة، فهي تعلم أن رحمه فتاة غامضة، لا تكشف عما تخبئة بسهولة وتخفي عنها أمرًا ما لكنها لا تعلم ما هو…
حين رأت رحمه رسالة نادر وأجابت عليها ازداد قلقها وتفاقمت حيرتها، تسائلت ماذا يريد منها؟ وهل انتبهت تلك الفتاة المنتقبه لما فعلته!
استلقت «رغدة» على فراشها وهي ترمق أختها بين فنية وأخرى ثم شرعت تحكي لها ما حدث بينها وبين بدر ذلك اليوم للمرة الثالثة، وكأنها تخشى نسيانه، تحاول تذكر كل كلمة قالها، وكل حركة فعلها، ولكن رحمه كانت شاردة وقد أحاطتها هالة من المخاوف والمخاطر.
وحين لاحظت رغدة شرود أختها وجهت لها سؤالًا علها تنتبه:
-هو إنتِ متعرفيش هيرجع معاهم تاني ولا ايه؟
-هو مين ده؟
-بـ… بدر!
اعتدلت رحمه جالسة وقالت:
-شايفاكِ مشغوله أوي بحد إنتِ مشوفتيهوش أصلًا عشان نقول حب من أول نظره!
أطلقت رغدة ضحكة كالزفرة وقالت:
-حب ايه يا بنتي! دا فضول مش أكتر…
صمتت رغدة هنيهة وقالت:
-سمعتهم بيقولوا إنه شخصيه محترمه أوي.
-مين دول اللي بيقولوا؟!
قالتها رحمه، فاعتدلت رغدة جالسة وقالت بتلعثم:
-يعني جدو دياب وعمو رائد وتيته شيرين…
أومأت رحمه وصمتت، فسألتها رغدة:
-هو حلو يا رحمه يعني بما إنك شوفتيه وكده؟
-رغده! بطلي مراهقه…
قالتها رحمه بحدة، فاستلقت رغدة مجددًا وهي تقول بتلعثم:
-يا بنتي فضول مش أكتر… إنت فهماني غلط جدًا.
-بس بقا يا رغده أنا أصلًا دماغي في حته تانيه خالص.
قالتها رحمه ونفخت الهواء من فمها، فارتجلت رغده من سريرها وجلست قبالة رحمه تتفحص ملامحها وهي تقول:
-دماغك فين؟ إنتِ فعلًا متغيره وأنا حاسه وبحاول أكذب احساسي!
أطرقت رحمة هنيهة ثم نظرت بعيني رغدة وقالت:
-هو إنت لو خيروكِ تأذي حد عشان تعيشي هتعملي ايه!
-طبعًا مستحيل آذي حد عشان نفسي، الحياه والموت بإيد ربنا، وقال صلى الله عليه وسلم:
“وإذا اسـتعـنت فـاسـتـعـن بالله، واعـلم أن الأمـة لـو اجـتمـعـت عـلى أن يـنـفـعـوك بشيء لم يـنـفـعـوك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله لك، وإن اجتمعـوا عـلى أن يـضـروك بشيء لـم يـضـروك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله عـلـيـك، رفـعـت الأقــلام، وجـفـت الـصـحـف.” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
-صلى الله عليه وسلم كلام مريح للقب والروح، وأنا استعنت بالله، وواثقه إنه مش هيضيعني.
قالتها رحمه بهمس، فقالت رغده بقلق:
-فيكِ إيه يا رحمه؟
ترقرقت عيناها بالدموع ثم انفـ ـجرت باكية وارتمت بأحضان أختها وهي تردد:
-نفسيتي تعبانه أوي يا رغده.
-إيه بس يا روحي فيه ايه.
ارتشفت رحمه دموعها، غلا تريد إثارة قلق أختها، قالت بثبات:
-مفيش أنا بس قلقانه عشان الامتحانات وكده وفيه مواد كتير حاسه إني مش مجمعاها.
-متقلقيش أنا معاكِ هنظبط كل حاجه سوا.
قالتها رغدة وهي تمسح دموع أختها ثم عادت تضمها بحب وتربت عليها وهي تقول:
-تلاقيها عين خالتك سعيده دي! أنا هرقيكِ.
أخذت رغده تقرأ آيات من القرآن فاسكانت رحمه وأغلقت جفونها لتنام.
★★★★★★
آوت «تقى» إلى الفراش وسرعان ما غشيها النوم فقد كانت مرهقة ومتعبة، وتريد الهرب من سطو الأفكار والتساؤلات عليها…
أما «سراب» فكانت متوجسة من هذا المكان الذي بدا لها مريبًا، خاصة حين كانت تسمع أزيز انفتاح الأبواب كل فترة، وصوت أحد يتمشى بالخارج وهو يطرق الأرض بصولجان يرن بالقصر، وكانت تقى في سباتٍ عميق فلم ترد ازعاجها…
خرجت للشرفة الواسعة حيث أرعبها ذلك السكون، تمنت لو تشرق الشمس الآن لتغادر هذا المكان رغم أنها ستسير صباحًا نحو المجهول لكنها مطمئنة فالله معها ولن يُضيعها وهي توكلت عليه.
اقتربت من غرفة «عمرو وعامر» وضعت أذنها على الباب فلم تسمع أي صوت لذا عادت مجددًا، فلم ترد ازعاجهما أيضًا…
دخلت غرفتها فسمعت صوت أزيز باب يُفتح تلاه صوت خشخشة مخيفة، نادت تقى فولتها ظهرها وهي تغط في النوم…
ظلت هكذا عدة ساعات مروعة من ذلك المكان حتى غلبها النعاس لفترة وانتفضت فجأة على صوت خشخشة بالخارج حاولت إيقاظ تقى فلم تنتبه، لذا ركضت للشرفة لتطرق باب عمرو وعامر وقبل أن تفعل فتح «عمرو» الباب فعادت للخلف مفزوعة، وأجفل عمرو فجحظت عيناه وكاد أن يغلق الباب بوجهها لكنه انتبه…
-إنتِ إيه اللي مصحيكِ؟
قالها بهمس فالمكان هادئ جدًا، قالت بنفس الهمس:
-وإنت صاحي ليه؟
أغلق الباب على عامر وقال:
-بفكر في اللي بيحصل ده.
قالت بوجل وعينان متسعتان:
-إنت سمعت الصوت، على فكره يا عمرو القصر ده مسكون.
أطلق عمرو ضحكة كالزفرة وقال بصوت خافت:
-أنا مش بخاف من العفاريت أنا بخاف من البني أدمين، والصراحه أنا مش واثق في أي حد هنا.
أرسلت تنهيدة عميقة ثم قالت:
-عمرو أنا عايزه أقولك حاجتين أهم من بعض معرفش تقى منعاني أقول ليه! أنا شايفه إنكوا لازم تعرفوا.
انتبه لها بجميع حواسه وقال:
-قولي…
ازدردت لعابها وقالت:
-هحكيلك بس بالله عليك متستفزنيش علشان أكمل الموضوع ضروري.
-حاضر أنا مش هتكلم خالص أهوه.
أطبق شفتيه فرمقته بنظرة استعادتها سريعًا وأخذت تفرك يديها بارتباك، ثم عادت تنظر إليه باضطراب فحثها أن تتحدث بإماءة من رأسه، لكنها ظلت صامتة تفكر لمَ لم تفصح تقى عما فعلته هند حتى الآن، تخشى أن تخبره فتغضب منها تقى…
طال انتظاره لكلماتها ولم تنبس ببنت شفه فقال بنفاذ صبر:
-يلا يا سراب انجزي عشان وقفتنا كده متنفعش وحرام.
قالت سراب بانفعال:
-حرام ليه! هو احنا بنعمل حاجه غلط بطل أڤوره يا عمرو.
عقد عمرو ذراعيه أمام صدره وقال:
-مش أڤورة على فكره، إنتِ متأكده إنك كنتِ أزهر! مش واخده بالك إن دي خلوة.
-مش فاهمه خلوه ازاي وعامر جوه وتقى جوه كمان، واحنا اصلا في البلكونه! وبعدين أنا واثقه فيك وواثقه في نفسي.
زفر ضاحكًا ثم قال ساخرًا:
-يا سلام! طيب اخلصي بقا عشان أنا مش واثق في نفسي.
رشقته بنظرة ثاقبة فأضاف متخابثًا وبابتسامة:
-يعني واقف مع بنت زي القمر ولوحدنا ومفيش صريخ ابن يومين حولينا، فمضمنش نفسي الصراحه…
أنطلقت كلماته تلك كسهم رشق بقلبها فانتفض فجأة، وخفق بشدة فاحتقن وجهها بحمرة خجلٍ أخافتها! أتخجل من عمرو؟ ذلك المستفز! كيف؟ تذكرت قول سعيدة:
«استعدي أنا شيفاكِ عروسة لعمرو…»
رمقته بتوجس، وجملته تدور برأسها، ثم نطقت بتلعثم:
-تـ… تصدق بالله أنا غلطانه! ادخل نام يا عمرو والله ما أنا قيلالك حاجه.
وهرولت نحو غرفتها فهرول وهو يقول:
-يا بت استني… خدي بس بهزر معاك… سراب.
خلعت سترته التي ترتديها وألقتها بوجهه، وصكت الباب خلفها، فوقف عمرو يلتفت حوله باضطراب، خلل شعره بأنامله وهو يقول بحسرة:
-إيه اللي أنت قولته ده يا عمرو! ياني عليّ وعلى لساني…
عاد لغرفته وهو ينفخ بضجر من حاله، ألقي السترة جانبًا، وانحنى قبالة عامر الغارق في النوم فاغرًا لفاه، فأغلق له فكه وظل ينظر له لبرهة وهو يفتحه مجددًا فأغلقه مرة أخرى وهو يقول:
-يابني اقفل بوقك احنا مش ضامنين حشرات ايه اللي هنا ممكن تدخل فيه.
نظر للسترة التي كانت ترتديها طوال النهار، قربها من أنفه يستنشق رائحتها، ثم انتبه لنفسه فألقاها بعيدًا عنه وهو يستغفر الله، استلقى جوار أخيه وغطى وجهه وقلبه يقرع فزعًا وقلقًا من ذلك الشعور الذي بات يدق بابه.
من ناحية أخرى ظلت سراب تتقلب في الفراش وقد تناست كل ما يشغل خاطرها إلا جملته التي اخترقت قلبها وترددت في غرفاته وهو يقول:
«يعني واقف مع بنت زي القمر ولوحدنا…»
نفخت بضجر وهي تُطالع رجفة يديها وتشعر بقلبها يدق بقـ ـوة فقالت بحنق:
-منك لله يا عمرو.
استغفروا🌸
★★★★★
انبثق الفجر وانشق ثوب الدجى بضوءٍ حاني ينبه عن اقتراب إشراقة شمس اليوم…
استيقظت «نيرمين» من نومها فقد كانت مرهقة بالليلة الماضية فنامت مبكرًا، فتحت هاتفها لترى الوقت، وانتفضت جالسة حين رأت الكثير من المكالمات الفائتة من باسل…
طلبته على الفور وفاجأها صوته الحانق:
-بتنيل أرن عليكِ من امبارح مبترديش ليه قلقت عليكِ!
-معلش يا باسل والله كنت مرهقة جدًا امبارح، إنت عامل إيه؟
قالتها بحشرجة أثر النوم، فقال ساخرًا:
-عامل ايه!! هو إنت متعرفيش اللي حصل! مش سراب طلعت قريبتي وروحت لقيتهم عند جدي في العزبة.
وثبت من جلستها وهي تقول:
-قريبتك! قريبتك ازاي!
قال:
-معرفش يا نيمو مركزتش من صدمتي! لقيتها هناك هي وتقى وعمرو وعامر.
-طيب وعملت ايه!!
-هعمل ايه اتوترت وحاولت اقنعهم إنه مجرد تشابه بس أعتقد محدش صدقني.
ضربت بكفها على الطاولة المجاورة وهي تقول بحنق:
-يادي المصيبه على الصبح… إوعى يا باسل تقول حاجه عني.
-مستحيل طبعًا.
-بس ازاي ده! هما قالوا امبارح إنهم رايحين يحضروا فرح واحده في الشارع وهيقعدوا عندها كم يوم ومين جدك ده كمان!! ومن اي داهيه!
-معرفش يا نيمو معرفش تقريبًا جدي خال واحده فيهم.
ارتفعت أنفاسها وهي تقول:
-طيب أنا أعمل ايه دلوقتي! أقول لعمي ولا أعمل إيه!
-أهم حاجه تهدي يا نيمو آآ… أنا معاكِ، ومتقوليش لعمك حاجه لما نفهم.
تنفست الصعداء وحاولت الثبات وهي تتجول بشقها في اضطراب، قالت:
-المفروض إني زارعه جهاز تسجيل صوتي في شقتهم إزاي بقا مقالوش إنهم رايحين!
قال باسل:
-يمكن اتكلموا في أوضه تانيه يا نيمو!
قالت بفراسة:
-أو يمكن البت اللي اسمها رحمه دي نبهتهم! منه لله نادر هو السبب في الفكره المنيله دي! طيب اقفل دلوقتي يا باسل أنا هكلم نادر وأرجعلك.
أغلقت معه وطلبت رقم نادر مرة تلو الأخرى فلم يجب، زمجرت بغضب وارتدت ثيابها لتذهب إليه.
***********
وعلى أثر دقات جرس الباب فتح نادر عينيه بتعب فقد بات ليلته الماضية في أرق، وحين فتح بابه رأى نيرمين قبالته، وقبل أن يتحدث دخلت وأغلقت الباب خلفها وانفجـ ـرت في وجهه كالبركان:
-منك لله! أنا هعمل ايه دلوقتي؟ أنا إديت الأمان والبت ضحكت علينا يا أستاذ.
مسح وجهه أثر النوم وهو يقول بشدوه:
-بت مين؟ ر… رحمه؟
قالت بانفعال:
-هتكون مين يعني! خطتك فشلت يا أستاذ، أنا إيه اللي كان مشاني وراك! أنا هنزل الفيديو اللي معايا يا نادر.
قالت أخر جملة صارخة بوجهه، فانتفض وقال:
-لأ… تنزلي ايه! آآ… أنا هتصرف و… وهعرف منها تفاصيل عن البنتين، و… اصبري أرجوكِ.
حركت سبابتها في الهواء تحذره وهي تقول:
-قدامك لحد بالليل تعرفلي كل حاجه عنهم، ومين قريبهم اللي ظهر فجأه ده! ورايحينله ليه، مع إن إنت شخص لا يُعتمد عليه.
قالتها وانصرفت تهملج في غضب، وتركته يتخبط بدهاليز حيرته وها قد تأكد أن رحمه ليست بتلك السذاجه التي ظنها عليها، غسل وجهه ثم وقف يُطالع وجهه بالمرآه وهو يفكر ويفكر…
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ❤️
★★★★★
وقف البدري يودعهم بنظراتٍ تشع حزنًا وحنينًا، وهو يقول:
-هتروحوا القاهره وترجعوا هنا تاني، اتفقنا؟
قالت سراب بارتباك:
-آآ… احنا هنروح القاهره وهنرجع على بلدنا عشان شغلنا، أنا لازم أفتح البيوتي سنتر بتاعي و…
قاطعها البدري منفعلًا:
-أنا لسه مشبعتش منكم.
قالت تقى:
-هنجيلك تاني يا خالي إنت بس ادعيلنا نوصل للحقيقة ولبابا.
-هستناكوا، ربنا يمد في عمري عشان أشبع منكم.
قالها بابتسامة وود، فضمته تقى وقبل رأسها، كانت سراب مرتبكة وحائرة، فنظر لها البدري وقال:
-مالك يا صباح؟ شكلك قلقانه أوي!
التفتت سراب حولها وأدركت أنه يقصدها بصباح فقالت:
-أنا قلقانه عشان جدو كارم منبه عليا مدورش على أهلي فأكيد هما أشرار صح؟
لاح على شفتيه شبح ابتسامة وقال:
-من ناحية أشرار فهما أشرار، ناس قلوبها سوده ميعرفوش ربنا.
قالت سراب بانفعال:
-ولما هما وحشين كده حضرتك سايبنا نروحلهم عادي؟! وكمان أنا فيه حاجه مش فاهماها لو حسين اللبان دا عم تقى وأبويا والعيله اسمها اللبان ليه تقى مش اسمها في البطاقه تقى كارم اللبان؟ ولا هو أخو جدي كارم من الأم؟
قال الجد:
-عادي يابنتي مش لازم يكون اسم العيله في كل بطاقه قولي كده اسمك كامل يا سراب؟
-سراب حسين حسن عبد الله اللبان.
-وأنا تقى كارم عبد الله محمد محسن.
-ودا ملفتش نظركم إن أمك يا سراب كانت متجوزه ابن عمها!
قالت تقى بنبرة مرتعشة:
-بصراحه أنا مش فاهمه حاجه، وخايفه منهم.
أطل من عيني الجد نظرة واثقة وهو يقول:
-ميقدروش يعملولكم حاجه، روحوا بقلب جامد ودوروا على إجابات أسئلتكم، يارتني أقدر أجي معاكم بس صحتي متسمحش.
كان عمرو وعامر وبدر يتبادلون النظرات في صمت، فأشار الجد لبدر الذي رنى إليه وأخذوا يتهامسون بكلماتٍ تعمدوا ألا يسمعها البقية، كما أثار ريب عمرو أكثر وأكثر…
هتف الجد بنبرة مرتفعة:
-خلي بالك منهم يا بدر وخلوا بالكوا من نفسكوا يا ولاد، ربنا يكتب لنا اللقاء مرة تانيه.
سلموا عليه جميعًا، حاول إمدادهم ببعض المال فلم يوافقوا أبدًا، فأمدهم بالطعام الذي أعدته الخادمة، وهمس لبدر:
-هحولك فلوس على فودافون كاش…
أوما بدر وقبل يد جده، وغادرت تقى وهي تلوح له بابتسامة، كما فعل الجميع، أما سراب فقد بدأت ترتاح له بعدما شعرت في نظراته بدفئ وأمان طمئن فؤادها، همس عامر لعمرو:
-على فكره صعبان عليا، باين عليه راجل محترم وأخلاقه عاليه.
-وإيه الجديد ما إنت كل الناس عندك طيبه ومحترمه وأخلاقها عاليه.
قالها عمرو وزفر ضاحكًا، ثم نظر لسراب التي تظاهرت بتجاهله تمامًا وما أن انشغل بالحديث مع بدر، اقتنصت نظرة نحوه فانتبه لها وابتسم.
وظل عمرو يرمقها خلسة وتسترق هي النظر إليه حتى وصلوا لمحطة القطار، جلس عمرو وعامر قبالتهما أما بدر فجلس جوارهم، كان يعلم أن هناك فجوة بينه وبينهم ويتمنى إلتئام تلك الفجوة في أقرب وقت…
ألقى عمرو سترته لسراب وقال:
-ابقي اغسليها الأول وبعدين رجعيها، خلي عندك ذوق شويه.
نظرت سراب لعامر وقالت:
-شايف أخوك بيجر شكل ازاي!
-بس يا عمرو بقا.
ارتسمت على شفتي عمرو ابتسامة ماكرة وهو يردد:
-ابقي اغسليها وهاتيها لو سمحتِ يا أنسه سراب.
-ماشي يا دكتور عمرو.
قالتها سراب ساخرة، ثم نظرت من النافذة وران عليهم الصمت…
أخذ عمرو يتلو القرآن وكلما تعثر صحح له عامر، أو صححت له تقى، شغلوا تفكيرهم ووقتهم بالقرآن، فهو خير رفيق وأنيس في السفر…
وكان «بدر» يتابعهما بنظراتٍ تشع إعجابًا فلأول مرة يعلم أنهم يحفظون القرآن!
وصلوا للقاهرة قُبيل المغرب، وكان عمرو وعامر قد أتما تسميع القرآن كاملًا بالتبادل بينهما…
ارتجلوا من القطار، فسألهم بدر بفضول:
-هو كلكوا حافظين القرآن صح؟
قال عامر وهو يعدل حقيبة ظهره:
-إحنا كنا أزهر عشان كده كلنا حافظين.
قال بدر:
-اللهم بارك، هنيالكم وعقبالي.
كانت سراب متجهمة الوجه، اقشعر بدنها بعد ارتجالها من القطار فارتدت سترة عمرو الذي دنا منها، وقال:
-مش هتقوليلي على اللي كنت عايزه تقوليه امبارح؟
رفعت ذقنها لأعلى وقالت:
-لأ… ومتتكلمش معايا بعد إذنك.
-براحتك بس خليكِ فاكره إني جاي هنا عشانك وعشان أساعدك مش جاي أتفسح يعني…
قاطعته بضجر:
-والله محدش طلب منك تيجي.
-والله! طيب ماشي يا سراب.
قالها بنبرة جادة ودخل لمحل يشتري الماء، فشعرت بتأنيب الضمير، فقد قطع كل تلك المسافة معها هي وتقى فهل هذا كلمة شكرًا!
قررت أن تتحدث معه بلباقة، ما ذنبه بمشاعرها التي تقلبت فجأة وانجذبت إليه!
وقف عمرو قبالتهم وهو يمسك زجاجتين بلاستكيتين للماء وقال:
-حد عايز يشرب؟
هز بدر عنقه نافيًا وهو يتحدث عبر الهاتف ليُلم معلومات اكثر عن حسين…
أخذ عامر زجاجة مياه فتحها ثم أعطاها لتقى وبعدما انتهت شرب مكانها، لم يفعلها عن عمد ولكن حين تصفح وجوههم ونظراتهم الماكرة ووجه تقى الذي احمر خجلًا، انتبه لما فعل فشرق وأخذ يسعل، وما أن هدأ همس له عمرو:
-إنت بقيت بتستظرف؟
قال عامر بصوت سمعه الأربعة:
-والله العظيم ما أقصد حاجه.
حمحم بدر وقال:
-طيب هو فيه فندق قريب، كان نفسي أقولكم اتفضلوا معايا في بيتي بس أنا أصلًا هنزل معاكم في الفندق، نريح ساعه وهاخدكم لعنوان بيت حسين اللبان.
صمت عمرو وأطرق مفكرًا، فربت عامر على كتف بدر وقال:
-شكرًا يا هندسة حقيقي إنت شخص لطيف ومحترم جدًا.
ساروا معًا قاصدين إحدى الفنادق ليرتاحوا من عناء السفر…
وأثناء الطريق كانت سراب ترمقه بطرف خفي تنتظر أن يتحدث معها مرة أخرى وستتأدب معه، وربما تعتذر، لكنه لم يفعل بل تجاهلها تمامًا.
وما أن وصلوا للفندق، قال بدر:
-يلا هاتوا بطايقكم؟!
قالت سراب:
-ليه، لا مش هطلع بطاقتي أنا.
قال عامر:
-انجزي يا سراب.
أخرجت بطاقة هويتها على مضض، وضعت إبهامها على صورتها، وقالت:
-طيب بس متبصش على الصورة.
ضحك عمرو وشاكسها:
-يعني هتكون أبشع من شكلك اللي شايفينه قدامنا.
ورغم أنه كان يسخر منها إلا أنها ابتهجت وضحكت، فعلى الأقل حدثها وعاد لطبيعته معها، لكن تلاشت بهجتها حين ارتسمت الجدية على ملامحه وهو يعتذر منها على سخريته تلك…
حاولت تقى أن تحكي لهم عن هند ولكن عُقد لسانها فصمتت…
أتموا إجراءات الحجز بالفندق، بدر وعمرو وعامر بغرفة وتقى وسراب بغرفة أخرى…
كانت الغرفة مكتنزة بالكاد تحوي سريرين ١٢٠ سنتمتر، ومرحاض مكتنز.
جلس عامر على الفراش ونظراته تتجول بالغرفة، أما عمرو فنطق بازدراء:
-إيه الأوتيل ده يا بدر!
-ماله؟ جميل وشرح وبرح أهوه.
فتح بدر النافذة فأطل جدار بحجارة حمراء، عاد بدر يغلقه والتفت ببطئ زاحفًا بنظراته نحو عمرو وعامر اللذان عقدا ذراعيهما أمام صدرهما وطالعاه وعلى وجههما تقطيبة تدل على مدى حنقهما، حمحم بدر وقال:
-الأوتيل دا اللي بنزل فيه دائمًا بعيد عن عين أهلي.
-طيب واحنا مال أهلنا احنا!
قالها عمرو، فقال بدر:
-ما انتوا كمان لازم تكونوا بعيد عن عين أهلي، جدي منبه عليا.
نظر عمرو وعامر لبعضهما وسألاه عن معنى كلامه لكنه دخل المرحاض وأغلق على نفسه وهو يقول:
-يلا عشان هنخرج بعد صلاة المغرب علطول، وهحكيلكم كل حاجه في الطريق.
وقف عمرو أمام باب المرحاض وهو يقول:
-هو إنت وصلت للعنوان ازاي يا بدر؟
-جـ… جدي قالي عليه…
قالها بدر وأخذ عمرو يمسد على ذقنه بشك وقلق، نظر لعامر وهمس:
-أنا مش مطمن لبدر! شكله مخبي علينا حاجه!
-يا عم بطل شك بقا، بدر شخص محترم.
نفخ عمرو بضجر وهدر به:
-اتنيل…
على نحوٍ أخر
لم تختلف غرفة تقى وسراب عنهما كثيرًا، جلست سراب جوار تقى التي كانت مشغولة الذهن من بُعد عامر عنها دون سابق إنذار، أين الرباط؟ فلم يخرجه طوال اليوم! أنتشلها من شرودها قول سراب:
-هو إحنا مش هنحكي لعمرو وعامر عن رحمه!
-كنت هقولهم بس مش عارفه ليه لساني اتعقد.
-وموضوع هند! أنا شايفه إنك تقوليلهم برده مفيش مبرر إنك تخبيه.
أطرقت تقى قليلًا تتسائل لو كان والدها رجل سيء هل سيبتعد عنها عامر؟ وهل ستظل علاقتهما بعائلة دياب كما هي أم ستتزعزع أو ربما تُقطع من جذعها، شعرت بوخزة في صدرها، فها قد تبقى خطوة واحدة وتصل لعائلتها وإن كانوا أشرار هل سيكون والدها الملاك الوحيد بينهم! فحتمًا سيكون كذلك ولا ريب عندها!
باغتتها الدموع، فرنت إليها سراب وقالت بلهفة:
-في ايه؟! بتعيطي ليه؟
انفجـ ـرت تقى بالبكاء وقالت:
-أنا حاسه إني جوه كابوس، فجأة لقيت نفسي بجري لوحدي ومش عارفه هقع امته! ومتأكده إني هقع.
ربتت سراب على ظهرها وقالت:
-إنت مش دائمًا تقولي لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا! مالك بقا؟ هتيأسي؟ أكيد لكل حاجه بتحصل حولينا حكمه عقلنا المحدود مش مدركها، اجمدي واصبري كله هيعدي.
استنشقت تقى دموعها ثم مسحت وجهها وهي تقول بثبات:
-حاضر، هصبر، أكيد كل حاجه ليها حكمه، الحمد لله.
قالتها بنفس راضية، وبقلب مطمئن، داعبتها سراب قائلة بابتسامة ماكرة:
-وبعدين يعني عامر هنا، اطمني.
حدجتها تقى بنظرة ثاقبة وقالت بانفعال:
-على فكره مفيش أي حاجه من اللي في دماغك!
-مفهوم، مفهوم، مش محتاجه تبرري، النظرات تتحدث والحركات تشي بمكنون الصدور.
قالتها سراب وضحكت، فقالت تقى بمكر:
-بس جاكت عمرو اللي إنتِ لبساه ده مش لايق عليكِ.
-دا مقرف ومستفز زي صاحبه، بس بصراحه مريح.
قالتها وهي تضع كلتا يديها في جيبي سترتها وتبتسم، وأضافت بعد تنهيدة حارة:
-دا الواد عمرو ده مستفز أوي…
-والله ما فيه مستفز غيرك يا شيخه، سراب يا حبيبتي اتحكمي في تصرفاتك شوية.
أطلقت سراب تنهيدة طويلة وغيرت دفة الحوار قائلة:
-على فكره أنا عملت بيدج وأول ما نرجع هعمل اعلان لنفسي عشان البيوتي سنتر اللي هنفتحه.
-شيفاكِ متحمسه للبيوتي سنتر، بس خلي بالك يا سراب، ما بين الحلال والحرام شعرة رفيعة أوي.
أومأت سراب بتفهم وقالت:
-ربنا يبعدنا على الحرام يا ستي.
لا حول ولا قوة الا بالله 🌸
★★★★★★
كان غرضها نبيل وهي جذبه من طريق ضل فيه لكنه سحبها معه فأضلت وضلت…
ظلت «رحمه» تماطله حتى أذن المغرب، فأرسل لها رسالة إن لم تأتِ إليه في الحال سينتشر الفيديو خاصتها بكل مكان، فأجفلت، راودت جدها وجدتها وأختها واتجهت لشقته، وظل يستدرجها حتى دخلت، جلست قبالته فسألها:
-إنتِ عملتِ إيه؟
كانت مضطربة تتفحص أرجاء الشقة وهي تفرك يديها بوجلٍ، لكنها كانت تُطمئن حالها! لن يفعل شيئًا هي تعرفه فهو محترم ولن يقترب منها، ولأمانها لن تشرب أي شيء، وهي دقيقة واحدة وستغادر، انتشلها من شرودها سؤاله لها مرة أخرى، فقالت بتلعثم:
-مـ… مقدرتش أحط التسجيل قبل ما أنبههم فـ… فكتبتلهم على ورقه وحذرتهم وهما أخدوا بالهم.
وثب من جلسته وهدر بها بغضبٍ شديد:
-إنتِ… إنتِ إزاي تعملي كده؟
انتفضت واقفة وقالت:
-مقدرتش… مقدرتش أعمل غير كده، وبعدين مش الفيديو اتحذف وخلاص ايه بقا!
مسح وجهه وكبح انفعاله قائلًا:
-إنتِ حطيتِ نفسك وحطتيني في موقف صعب جدًا يا رحمه.
-ليه؟ أنا مجيبتش سيرتك أصلًا! أنا بس حذرتهم من البنت اللي قابلتنا دي!
لاذ بالصمت وكانت الدموع تبرق خلف أسوار مقلتيها ويديها ترتعش وهي تتابع حركاته المضطربة، نظر لها وقال بنظرة حب:
-مش إنتِ بتثقي فيا يا رحمه؟
قالت بحشرجة:
-أكيد وإلا مكنتش هجيلك هنا!
قال بصوت رخيم وهو يغرس عينيه بعينيها:
-وأنا بحبك أوي يا رحمه ومش من النهارده من لما كنتِ لسه طفله، ومستحيل آذيكي، بس إنتِ اسمعي كلامي ونفذي اللي هقولك عليه، اتفقنا؟
كلماته تلك طمئنتها وهدأت من روعها فأومأت وكأنها منومة مغناطسيًا، وقالت:
-حاضر.
فهي صغيرة، ولازالت طفلة، مهما كان عقلها كبير وناضج! لا تدرك أن ما يحويه قلوب البشر لا يتطابق دائمًا بما تكنه صدورهم! وإن أقسموا بالله على صدق نيتهم…
لازالت تجهل أننا لا نجاهد ونحـ ـارب شيطان نفسنا فحسب! بل نحـ ـارب ونتواجه مع شيطان كل نفسٍ نلتقي بها في حياتنا! لازالت لا تدرك أن الحياة معضلة كبيرة ويجب أن تستعين دائمًا بالأكبر منها قبل دخول أي طريق….
★★★★★★
ألقى الليل عباءته السوداء فغطى الأفق، وفي سيارةٍ استأجرها بدر وقفوا بعيد يراقبون الداخلين والخارجين من الڤيلا…
فبين فنية وأخرى تقف سيارة فخمة أمام الڤيلا ويخرج منها رجل مع زوجته التي ترتدي ملابس تكشف أكثر من كونها ساترة…
سأل عامر ساخرًا:
-هو دا بيت حسين اللبان ولا ملهى ليلي ولا ايه!
أومأ بدر وهو يقول:
-الظاهر إن فيه حفلة!
قالت سراب وهي تتفحص الداخلين للبيت:
-تحس إن هما لابسين يونيفورم واحد، هي الناس دي من كوكب زمرده ولا ايه! إيه اللبس ده؟
قال عمرو مازحًا:
-اسكتي دا احنا اللي فلاحين!
ضحكوا جميعًا، وقال بدر:
-لو كل الفلاحين زيكوا يبقا ياريتني فلاح.
قال عمرو:
-مش للدرجه دي يا بدر، واحنا مش فلاحين على فكره، يعني آه عندنا أراضي زراعيه بس عمرنا ما عيشنا حياة الفلاحين.
قالت تقى:
-طيب هنعمل ايه دلوقتي؟ هنفضل متخبين زي الحراميه كده!
طاف بدر بنظراته على وجوههم، وأدرك أنه وإن أراد كسب ثقتهم فيحب عليه أن يُفصح بما يخفيه عنهم، تنفس الصعداء وقال بتوتر:
-جماعه أنا عايز أفهمكم حاجه مهمه، أنا ليا تلت أخوات من ضمنهم باسل ودا أطيب واحد فيهم، أخواتي دول آآ… يعرفوا حسين كويس و… وبابا الله يرحمه كان بينه وبين حسين مشاكل وحوارات لكن أخويا الكبير حلها و… وكمان اتجوز من عيلة الـ… اللبان.
تبادلوا النظرات المصدومة وقال عمرو:
-الكلام ده لسه فاكر تقولهولنا!
-بصوا أنا المفروض مكنتش أقولكوا حاجه اصلًا، بس حسيت إني مش عايز أخبي عليكم حاجه، والمفروض أكون معاكم لحد ما تقابلوا حسين زي ما جدي وصاني، هو كان عايزه يشوفكوا وبس…
-ليه!!!
قالتها سراب مغضنة جبينها، فقال بدر بتلعثم:
-مش عارف بصراحه هو مقاليش سبب…
أدرك عمرو الآن لمَ حذره كارم من تلك الدائرة السوداء، ابتلع لعابه وقال:
-جماعه احنا لازم نرجع بلدنا، احنا مش هنقابل حد، الموضوع شكله كبير.
قالت سراب:
-طيب أنا كمان كنت عايزه أقولكوا على حاجه حصلت وتقى كانت منعاني.
أخذت تحكي لهم عما فعلته هند ورحمه كذلك وهم يرهفون السمع، قال عمرو بكياسه:
-دلوقتي باسل أكيد راح بلغ هند بمكاننا، وممكن تكون هند ورانا دلوقتي، دا لو افترضنا إن فعلًا بدر معانا ودا مش فخ لان أنا توهت مبقتش عارف احنا بنعمل ايه أصلًا…
-و… والله أنا معاكم!
قالها بدر، فرمقه الجميع بشك أزعجه وأحزنه، وران عليهم الصمت حتى قال عامر بقلق عارم:
-وأكيد اللي هددت رحمه هي نفسها هند، بس مين هند! وعايزه ايه؟
قال عمرو بقلق شديد:
-جماعه احنا في خطـ ـر! وكده كمان رحمه في خطـ ـر! أنا شايف إننا لازم نرجع مينفعش نقابل الناس دي، وعشان كمان نلحق رحمه.
قال بدر:
-رحمه دي اللي ليها أخت توأم، دول البنتين اللي عمك خطبكوا ليهم؟
وكأن دلو من الماء الساخن سُكب فوق رأس تقى على حين غفلة فتصلبت ملامحها، واشتعل قلبها فجأة بلهيب الغيرة، حتى أنها أصبحت لا تبصر ولا تسمع إلا جملة بدر الأخيرة، نظرت لعامر المرتبك وهو ينطق:
-آآ… هي بس…
بُتر كلامه حين فتحت تقى باب السيارة وخرجت وهي تقول:
-أنا هدخل أقابل عمي، أنا مش جايه أضيع وقت هنا! هواجهه وأعرف كل حاجه، واللي يحصل يحصل.
ارتجل بدر خلفها وقال:
-استني بس يا أنسه تقى، الأمن مش هيدخلك أصلًا.
-هدخل يا بشمهندس.
قالتها بتصميم شديد، ثم أضافت بكبرياء وكرامة:
-أنا بجد غلطت غلطه كبيره لما وافقت إن انتوا ترافقونا في السفريه دي! أنا آسفه لنفسي وآسفه ليكوا، يعني لا انتوا من محارمنا ولا كان ينفع أصلًا نيجي هنا من البداية، لكن بما إننا جينا يبقا هكمل اللي أنا جيت عشانه وهدخل أقابل عمي.
قالتها بأنفاس مرتفعة والجميع يحاولون اقناعها بأن تحيد عن قرارها، لكنها لم تسمع وهرولت نحو الڤيلا ووقف بدر يقول:
-دي اتجننت دي ولا ايه!
انفعل عليه عامر:
-إيه اتجننت دي! ما تحترم نفسك يا هندسه.
-مقصدش والله!
قالها بدر بتلعثم، ركضت سراب خلفها تناديها وداخلها يرتعد خوفًا، وتبعوها جميعًا وهم ينادون اسمها حتى وصلوا أمام الڤيلا، تزامنًا مع وقوف سيارة فاخرة، خرج منها رجل قد ناهز الأربعين وزوجته التي لم تختلف هيئتها عن هيئة باقي السيدات اللواتي دخلن من قبل…
طافا بنظراتهما على الخمس قبل أن يوجه الرجل كلامه المقتضب لبدر:
-إنت جيت القاهره امته؟
تذبذبت نظرات بدر وقال في اضطراب:
-يا محاسن الصدف! آآ… حالًا لسه جاي حالًا.
أشار الرجل للأربعة الواقفين، وسأله بتجهم:
-ومين دول؟
-دول… دول… دول كانوا بيسألوا عن حاجه وخلاص جاوبتهم وهيمشوا.
قالها بدر وألقى مفاتيح السيارة لعمرو، الذي التقطها في ارتباك، بينما قال الرجل وهو يزم جفونه بتمعن:
-وإنت بتعمل إيه هنا! ومن امته بتيجي عند أستاذ حسين؟
قال بدر بنبرة مرتفعة ليسمعهم:
-أيوه… أيوه أنا معزوم على الحفله يلا جاي معاك يا أخويا يا غالي يا أخويا يالي واحشني.
قال أخوه:
-حفلة إيه! دي مش حفلة دا عزاء.
أومأ بدر بابتسامة مرتعشة وهو يقول:
-آآ… آه ما أنا فعلًا معزوم على العزا.
حك بدر عنقه بارتباك فكيف لم ينتبه أن جميع السيدات يتوشحن بالسواد!
كانت زوجة أخيه تراقب الحوار بفراسة، دنت من تقى وسراب بخطوات واثقة، وهي تطرق الأرض بكعب حذائها، حتى وقفت قبالتهما وقالت:
-تقى وسراب، صح؟
أومأت تقى فابتسمت السيدة بخبث ونظرت لزوجها قائلة:
-دا إنت محظوظ أوي يا حبيبي النصابين اللي كنت هتبحث عنهم واقفين قدامنا.
تصفح الرجل وجوه الشباب أجمع ثم أشار لسائق سيارته الذي لبى إشارته فهمس له الرجل بشيء، ثم بدل نظراته بينهم وابتسم وهو يقول بتهكم:
-نورتوا القاهره.
ابتعد الرجل وزوجته يتحدثان مع بدر…
في حين نظر عامر لهم وقال:
-على فكرة الراجل ده باين عليه الإحترام وأنا حاسس…
قاطعه عمرو الذي شخص بصره فجأة وهو يحملق أمامه قائلًا:
-حاسس بمصيبه جيالي…
وحين التفت عامر حجظت عيناه وبوثبة واحدة اختبئ خلف عمرو مرددًا بذعر:
-يا لطيف يا لطيف.
فقد وقف قبالتهما إثنان من رجال الأمن وبيد كل واحد منهما كلب مقيد بسلسلة من حديد، وبمجرد أن نبحا، وثبتا تقى وسراب صارختان واختبئتا خلف ظهر عمرو الذي التفت لهم وقال بنبرة مكتومة من الخوف:
-إنتوا بتستخبوا ورايا ويكأن أنا الأسد اللي فيكوا، أنا أصلًا مبخافش إلا من الكلاب، خصوصاً النوع ده.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عن تراض (سدفة 2))