رواية عشق اليونس الفصل الخامس 5 بقلم ولاء علي
رواية عشق اليونس الجزء الخامس
رواية عشق اليونس البارت الخامس

رواية عشق اليونس الحلقة الخامسة
تسألت عشق بعدم فهم:
– حل إيه دا يا جدو؟!
فتنهد الجد فقال:
– الحل الوحيد للمشكلة دي، إنك تتجوزي بتاريخ قديم.
فجحظت مقلتاها بصدمة:
– نعم! أتجوز إزاي؟! ومين دا اللي هتجوزه؟!
– يونس، أنا.
هتف يونس بابتسامة بلهاء، وسعادة طاغية.
-نعم! أنت! لا طبعًا، مستحيل.
فانقلب وجه يونس للضيق، فهل تقلل منه؟ فاردف بنبرة غاضبة:
– الآنسة شايفة أني مش قد المقام ولا حاجة؟! أنا دكتور في الجامعة، وإمام مسجد، اللهم لك الحمد يارب، يعني أكيد مش طمعان في ورث حضرتك.
فبادرت عشق باعتذار له عن فهمه الخطأ لحديثها:
– أنا آسفة لحضرتك، بس أنا ما قصدش أقلل من حضرتك خالص، ربنا يرزقك بأفضل إنسانة في الدنيا، بس أنا مش موافقة على الارتباط دلوقتي خالص، ومش معقول يوم ما ارتبط تكون جوازة مؤقتة، يعني هيكون اسمي مطلقة، ودا لقب مش سهل.
– ومين قال إني هطل…
فقطع الجد استرسال حفيده، وهتف بخبث:
– يا حبيبة جدك، اهدي بس واسمعيني، الموضوع كله كتب كتاب بس، مش دخلة، يعني يونس مالوش علاقة بيكِ خالص، أنا المسئول عنك، ولوقت ما الأمور تهدى، أنا هطلقك من يونس.
– إيه الكلام اللي حضرتك بتقوله دا يا جدي؟! يعني إيه ماليش علاقة بمراتي!
قال يونس بانفعال وضيق، كيف تكون عصفورته غير مسئولة منه؟! فهو يحمد الله على تلك الفرصة التي ستتيح له القرب منها، بعد حديثه الأحمق معها صباح اليوم.
فتدخلت عشق بضيق واعتراض:
– إيه مراتك دي يا حضرت! أنا مش مراتك ولا مرات غيرك، من فضلك يا جدو، أنا مش موافقة على موضوع كتب الكتاب دا، الزواج مش لعبة ولا هزار.
فاكملت بخبث مدروس: وإذا كان ولابد يعني من الموضوع دا، يبقي ارتبط بشخص عايز يرتبط بيا فعلًا، مش مجرد دور شهامة وواجب مفروض عليه، الشيخ يونس من حقه يختار الإنسانة اللي يرتبط بها، ويكمل معاها باقي عمره.
فكاد يونس أن ينفعل عليها، ولكن الجد تدخل وهو يرسم الجدية على وجهه، على عكس ما بداخله على جنان الواقفان أمامه ندًا لبعضهما:
– أكيد معاكِ حق يا بنتي في كل كلامك، بس احنا محتاجين الموضوع يخلص في أسرع وقت، عشان عمك مش هيسكت، ولوقت ما نثبت إن العقد مزور هيكون أخدك بالقانون، بس لو فيه شخص بعينه حابب يتقدم، أهلًا به.
– نعم! مين دا اللي يتقدم! في إيه يا جدي! حضرتك ماشي مع كلام المجنونة دي عادي كدا!
– لو سمحت يا شيخ يونس، مش هسمحلك بالتطاول عليا، دي حياتي وأنا حره فيها.
فنظرت لجدها، واردفت بعند:
– أيوا يا جدو، في شخص بيزن عليا بقاله كتير في موضوع الارتباط دا، دكتور عندي في الجامعة و…
فأحتقن وجه يونس بالغضب والغيرة، فأصبحت مقلتاه باللون الأحمر، وبرزت عروق رقبته ويده، وغمغم بهدوء مصطنع، قبل أن يفتك بعصفورته المغردة، وهو يكظ على نواجزه:
-ويا ترا يا آنسة عشق، بتحبي الدكتور الجامعي دا؟
فنفت عشق برأسها سريعًا، عندما أرعبتها نظراته:
– لا والله، مش بحبه، لا هو ولا أي شخص غيره.
فهدأت نظراته، ونظرا لجده وهو يهتف بحزم:
– جدي المأذون على وصول، أنا هستناك برا، لوقت ما تتكلم مع زوجتي المصون.
انهى حديثه ورمقها بتحدي وخرج، فقابلت نظراته بفاه مفتوح من حديثه.
فابتسم الجد بخفة على هذان العاشقان، فنظر لحفيدته المصدومة، وأمسك يدها بحنان واجلسها جواره، فنظرت لجدها بذهول:
– مأذون إيه يا جدو! هو الأستاذ يونس بيقرر حياتي على مزاجه.
– حبيبة جدك ممكن تسمعيني، الوحيد اللي هنكون مطمنين عليكي معاه هو: يونس، يونس قلبه طيب، وحنين وجدع و…
فقطع حديثه شهقات عشق، فرفع عنها نقابها، وغمغم بحنان وهو يحتضنها:
– بس يا حبيبة جدك، أنتِ رافضة يونس عشان إيه؟
– مش عايزة أكون عبء عليه، أنا عارفة إنه مش حابب وجودي هنا، مش عايزة حد يشفق عليا يا جدو، أرجوك أنا مجروحة منه قوي.
– إيه الكلام دا يا عشق! مين قالك الكلام الفارغ دا، إيه اللي صدر من يونس خلاكي تقولي كدا؟
فأخبرت جدها بحديث يونس معها، فغضب الجد بشدة من تصرفات حفيدة، الذي اكتشف عنه غيرته الشديدة على تلك الصغيرة، فحاولا كثيرًا لاقناعها لإتمام كتب الكتاب، فوافقت بعد إلحاح كبير مع وضع شروطها.
فوافق الجد على شروطها، وتركها وخرج، فوجد يونس يقف بضيق وتوتر، فأقترب من جده سريعًا.
– طمني يا جدي، وافقت مش كدا؟
فنظر له الجد قليلًا، ثم تسأل باستغراب من مشاعر حفيده وغيرته الجنونية، الذي لاحظها منذ وطأت تلك العشق للمكان:
– أنتِ شوفت شكل عشق يا يونس؟!
فاستغرب يونس سؤال جده:
– لا طبعًا يا جدي، أشوفها إزاي يعني؟!
– طيب ممكن تفهمني غيرتك المجنونة عليها دي إزاي؟! عصبيتك اللي بقت حاضرة دايمًا! على عكس طباعك، غيرتك يا راجل مني ومن خالك عليها! إزاي عشقتها وأنتِ ما شوفتهاش، ولا تعرف حلوة ولا وحشة! حكمت عليها من صوتها يعني! ما تستغربش إني كاشف مشاعرك، دانا اللي مربيك وحفظك، وبعدين أصلًا أنت مفضوح خالص قدامنا، وبعدين مش يمكن شكلها ما يعجبكش؟
فتنهد يونس بقوة وصدق:
– مشاعري دي غصب عني يا جدي، انجذبت لها إزاي؟ وليه؟! معرفش، غيرتي المجنونة دي أنا مستغربها أصلًا، وبالنسبة لشكلها فأنا متقبلة بالتشوه اللي فيه، ما يفرقشي معايا ولا يقلل من محبتها وقيمتها في قلبي.
فرمقه الجد باستغراب وتعجب، أي تشوه هذا!
– تشوه! مين اللي قالك على التشوه دا طالما ما شوفتهاشي؟!
فأخبره يونس بحديثها مع صديقتها، واستماعه لها بالصدفة.
ففكرا الجد قليلًا، ثم غمغم بغموض:
– عشق أقتنعت بالعافية بموضوع كتب الكتاب دا، بس حطت شروط عشان الموضوع دا يكمل.
– شروط إيه يا جدي؟!
– الارتباط دا لفترة معينة وبعد كدا يحصل الانفصال، وكمان طول فترة ارتباطكم ما تدخلش في حاجة تخصها خالص و…
– هو لسه في و… إيه الجنان اللي هي بتقوله دا! متجوزة راجل ولا ست، عشان تمشي بدماغها، مين قال إني هطلق أصلًا، نهارها مش فايت، هو أنا اتجوزتها لما أطلقها.
– يونس، عشق مجروحة من كلامك ليها، لازم تنفذ كلامها عشان الموضوع يمشي، وبعد كدا أنت وشطارتك تخليها تحبك، أنت حنين يا يونس، بلاش أسلوبك مع عشق يكون غير كدا، لأن عشق زي جدك مش بتسامح في اللي يهينها، اعتبرها بنتك واستحمل كل اللي هتعمله معاك الفترة الجاية، عشق عنيدة ومتمردة وقت اللزوم.
– أنا عارف إني غلط في حقها يا جدي، وهعمل كل حاجة عشان تسامحني، بس كلامي لها كان من دافع غيرتي، أوعدك إني هكون حفيدك اللي تعرفه، وربنا يعني على المجنونة دي.
– جدو، بابا بيقول لحضرتك المأذون وصل؟
فأوما لها الجد، وسط سعادة يونس الطاغية.
مرا الوقت وتم عقد القران، وأصبحت عشق “عشق اليونس”
بعد مرور شهر
حدث بها الكثير، وأهم تلك الأحداث:
(1) علاقة يونس وعشق: لا تخلو من المناوشات، لم يرا يونس وجه عشق إلى الآن، فهي تعامله من منطلق رجلًا غريب عنها، وهذا ما يجعله يجن أكثر، فتلك العصفورة بارعة في أغضابه، ولكنه يكظم غيظه أغلب الوقت ويتحمل تصرفاتها، لكي لا يحزنها، فهو علم إنه لن يقدر على التسبب في نزول دموعها مرة أخري، غيرته ما زالت مجنونة بل تزداد، خصوصًا وهو يرا تعاملها الودود مع الجميع عداه هو، حاول الاعتذار منها كثيرًا عن حديثه معها قبلًا، فكان يتفنن في جلب الهدايا التي تمس قلب الأنثى، واستطاع ذلك الخبيث أن يسلب لُب تلك العصفورة، ولكنها أيضًا لم تظهر مسامحتها له، عشقهما يزداد بينهما في صمت.
(2) أكرم ابن عم عشق، قد توفي بعد عدة أيام فقط من عقد قرانها؛ بسبب جرعة زائدة من المخدرات، وبسبب ذلك قد أصيب أبيه بجلطة جعلته يفقد حركته.
عندما علمت عشق بالخبر، حزنت كثيرًا من أجل مصاب عمها، ولكن هذا نهاية طريق الحرام، فقررت زيارة عمها في المشفى المتواجد بها بالإسكندرية، فهو أصبح وحيدًا.
عندما علم يونس بقرارها بزيارة عمها ومسامحته، لم يغضب منها، بل على العكس دعمها في رأيها، وذهب معها لتلك الزيارة.
وكم مست فعلته البسيطة تلك قلبها، وكم عرفت بكمية الحنان والطيبة، بقلب ذلك اليونس، وبالفعل ذهبت لعمها معه، وكم تفاجئت بحالته وندمه، بكى كالطفل الصغير وهو يلتمس منها السماح، فدمعت عيونها على الحالة التي وصل لها عمها.
(3)اليوم بداية الترم الثاني، لأخر عام لعشق ورحاب معًا، كان يونس مغتاظ بشدة من فستانها التي ترتديه، على الرغم إنه فضفاض ومحتشم، كعادة عشق في جميع ثيابها، ولكنه جميل جدًا عليها، يناسبها بشدة، فلم يستطع الاعتراض عليه، فلا يوجد سبب واحد شرعي يأخذه حجة ويعترض عليه، ولكن لو تكلمنا من منظور غيرته فسنجد الكثير من الحجج، وأيضًا تلك السعادة في صوتها أغاظته كثيرًا، فهو ما زال متذكرًا حديثها عن ذاك الشخص الذي يريد الارتباط بها، ويلح عليها في ذلك، فنظر لها بغضب مكتوم:
– إيه السعادة دي كلها يا عشق؟ دا كأنك طالعة رحلة، مش هتحضري محضرات لحد ما تصدعي! إيه بتحبي الدراسة للدرجة دي؟!
فكتم الجميع ضحكاتهم بصعوبة على ملامح وجهه، فأصبحوا يعلمون غيرته المجنونة على تلك العشق.
فنظرت له عشق، وغمغمت بسعادة وطفولة، جعلته يبتسم تلقائيًا:
– لا بالعكس، دانا بكرهش في حياتي قد الدراسة والمذاكرة، بس البت سرسور وحشتني جدًا، ومش مصدقة إني هشوفها بعد الغيبة دي كلها.
– هههه والله يا حبيبة خالك أنتِ عسل، يله يا قلبي نمشي، عشان تلحقي تشوفي صحبتك؟
فرمق يونس خاله بغيرة، وغمغم بغيظ، وهو يكز على نواجزه:
– قلبك! اممم ويا ترا واخد قلبك ورايحين على فين يا دكتور طارق؟!
– هههه الجامعة يا شيخ يونس، هوصل عشق انهاردة.
– وأنا روحت فين، لما توصل مراتي؟! يله يا عشق هانم نمشي.
فلم يعطيها فرصة للرد، وأمسك يدها بتملك، وهو يهتف باسم رحاب:
– رحاب، يله يا بنتي هنتأخر.
فنزلت رحاب، وهو تهتف باستعجال:
– أنا جيت أهو يا يونس، أنزل بس النقاب.
فأنزلت نقابها، وسط زهول عشق، فكيف تسمح رحاب أن تظهر أمام خالها ويونس بدون نقابها؟! وما جعلها تذهل أكثر، عندما أمسكت رحاب يد يونس، فشعرت عشق بالغضب والغيرة، وما زاد غضبها مرح زوجها الأحمق مع رحاب، فكادت أن تلفظ يده بعيدًا عن يدها، وتذهب وتتركهما، ولكن يونس كأنه شعر بغيرتها، فشدد على يدها أكثر، ورمقها بابتسامة مشاغبة.
أوصلهم يونس للجامعة الخاصة بهما، فنزلت رحاب أولًا، وكادت عشق أن تخرج من السيارة هي الآخري بضيق وغيرة مشتعلة بقلبها، ولكن يونس أمسك يدها قبل أن تفتح باب السيارة -فكانت عشق تجلس على المقعد الأمامي بجواره- فتمتم بحنان وعشق:
– عشقي، خليكي واثقة إني مستحيل أمسك إيد أي بنت لا تجوز ليا، رحاب بتكون أختي أنا ورنا في الرضاعة، وكمان طارق يعتبر خالها في الرضاعة، مستحيل أعمل حاجه تغضب ربنا، مش معني إني مش شايف ملامحك مش هعرف بتفكري إزاي، أنا حافظك يا عشقي، وما يهونش عليا أشوف زعلك واسكت، حتى لو أنتِ ما تكلمتيش.
فنظرت له عشق بتفاجىء، من لفظه لكلمة عشقي، مرورًا بمعرفته بما يدور بخلدها، فشعرت بالحرج من ذلك اليونس المتوغل لكيانها بكل سهولة، فأنقذها من الموقف إدخال رحاب رأسها من نافذة السيارة، وهي تتمتم بضيق مصطنع:
– في إيه يا شيخ يونس، أنت هتفضل لاطعني في الشارع كدا، وحابس البونية جنبك؟! أنزلي يا بنتي خلينا نشوف أكل عيشنا.
ففتحت باب السيارة وأخرجت عشق.
فنظر لها يونس بغيظ وتوعد، وغمغم بتهكم:
– أكل عيشكم! مانتِ أخرك تسرحي على عربية بطاطا يا فاشلة.
– هههه المتغاظ مننا يعمل زينا، يله يا شوشتا نمشي.
فنظر في طيفهم بتنهيدة، وانتظر إلى أن اطمئن عليهما، وذهب إلى جامعته هو الآخر، لينهي عمله ويعود لعشقه.
كانت رحاب تسير بجوار عشق بشعور مريح، يختلف بتاتًا عما كانت عليه، لا تصدق أنها وصلت لما هي عليه الآن، تلك الفتاة المحتشمة، فحمدت الله على ما وصلت له.
كاد اليوم الدراسي على الانتهاء، وسط سعادة عشق لرؤية رفيقتها، وجلوسهم ثلاثهم سويًا – فعشق كانت تتحدث مع سارة صديقتها دائمًا، وتخبرها بكل المستجدات معها، لذلك لم تستغرب سارة وجود رحاب-
– ماقولتيش يا شوشو، أخبار الشيخ يونس إيه؟ لسه برضو ما ورتهوش وشك؟
فتدخلت رحاب في الحوار:
– هي بس مخبية وشها، دي منشفاها خالص عليه، والله الواد كان مرح وزي الورد، دلوقتي بقى مهموم وزعلان.
– هتحفلوا عليا أنتو الجوز، هقوم أمشي.
– بطلي هروب يا عشق، حرام على فكرة إلا بتعمليه دا، مش عشان جدك عرفك يونس مفكر شكلك إيه تقومي تعملي دا، من حقه يشوفك، ما تنسيش أن العين بتعشق، يعني ممكن واحدة تلفت نظره.
فنظرت لها عشق بصدمة، وهي تنفي برآسها الفكرة:
– لا طبعًا، يونس مستحيل يعمل كدا يا سارة، يونس عارف شرع الله كويس و…
– وطالما عارفة كدا، ليه تعب القلب دا يا عشق؟! سيب نفسي وبلاش تعقيد، ما تضيعيش شخص بيحبك بالشكل دا، في إيه تتأكدي منه تاني بعد كل تصرفاته معاكي.
– معاكي حق يا سارة، بس أنا محرجة، مش عارفة أقوله إيه! يعني أقوله تعالى شوف وشي.
– سيبي الموضوع دا عليا، هتفق مع رنا على كل حاجة، دانا هخليه يتجنن أكتر ماهو مجنون ببكِ هههه.
غمغمت رحاب حديثها بمكر وتخطيط.
– ربنا يستر من دماغك يا رحاب، ماما لقيتها رنة عليا، هقوم أكلمها بعيد عن الدوشة دي.
أخبرتهم عشق وهي تقف لتهاتف والدتها، فذهبت وقامت بالاتصال على والدتها، وتحدثت معها قليلًا ثم أغلقت معها، فكادت عشق أن تعود للفتيات، ولكنها وجدت من يعترض طريقها، فنظرت عشق لذلك الشخص.
– إزيك يا عشق، أخبار إيه؟
– الحمد لله، يا دكتور عزيز.
– احمم كنت عايز أطلب منك طلب، لو تقدري تعمليه أكون شاكر جدًا لكِ.
– اومرني يا دكتور عزيز، حضرتك من الأشخاص المحترمين جدًا، ودايمًا بتتعامل معانا كأخواتك، مش دكتور وطالب، وحضرتك وقفت معايا في مواقف كتيرة صعبة، ولو في حاجة أقدر أعملها لحضرتك مش هتأخر طبعًا.
– تسلمي يا عشق، أنتِ من الطلبة المجتهدة والمحترمة، ووالدك الله يرحمة جمايلة عليا كتيرة جدًا، فأنتِ أختي الصغيرة، وواجب عليا أقف جنبك، احمم والطلب اللي هطلبه عارف إنه صعب عليكِ، بس للأسف ماقدرش أعمل الحاجة دي بنفسي، عشان الأصول.
فرمقته باستغراب:
– للدرجة دي الطلب صعب؟! دا إيه بقى الطلب دا؟!
– احمم أنا قدرت أجيب عنوان رحاب يوسف، وكنت عايزك تروحي تزوريها في البيت، عايز اطمن عليها، أنا سمعت كلام أنها مش بخير.
-رحاب!
– أنا عارف العلاقة بينكم مش تمام و…
– حضرتك بتحبها؟
– مش هكذب عليكِ يا عشق، أنا بدعي أن ربنا يهديها، وتكون من نصيبي.
فابتسمت عشق، فكانت دائمًا تلاحظ نظراته الحزينة الذي كان يرمق بها رحاب، فغمغمت بابتسامة:
– أنا مش محتاجة أروح اسأل على رحاب، لأنها موجودة هنا.
– معقول حضرت انهاردة! طب إزاي؟ أنا ماشفتهاش خالص، أنا دخلت المدرج مخصوص، عشان اطمن عليها وماكنتش موجودة.
– مش هقدر أشاورلك عليها، وأقولك هي فين، بس طالما مش قادر تشيل عيونك من عليها، ودا حرام وبيشيلك ذنوب كتيرة، خد خطوة وأتقدم، وادعي ربنا لو لك الخير معها، يقربها منك في الحلال، في الصورة اللي يرضاها ربنا، تحب تاخد رقم عم والدها وتكلمه.
– أكيد طبعًا، ربنا العالم إني عايزها في الحلال.
– أنا هبعتلك الرقم واتس، وتكلم جدو رضوان، عم بابا رحاب، من غير ما تستغرب، أنا ورحاب قرايب.
– أنا مش عارف أقولك إيه ا…
– لا متقلش حاجة يا خفيف، أنا اللي هقول كتير.
– يونس!
فرمقها يونس بعيون غاضبة مشتعلة، فمقلتاه قد تحولت للأحمر القاني، نيران مشتعلة، فعندما وجدها تقف مع ذلك الشخص، واللهفة الظاهرة في وجهه جعلته يصيب بحالة، لا يوجد كلمة قادرة على وصفها، يريد تكسير عظم ذلك الرجل، يريد لطم وجه تلك الحمقاء التي تقف في مكان خالي من الطلبة، تتحدث بكل أريحية مع شاب غريب، ألتلك الدرجة درجة لا تقدره! كيف تطعن قلبه بكل سهولة.
فغمغم عزيز باستغراب:
– مين حضرتك؟! تعرفيه يا عشق؟!
فبرزت عروق يونس، واشتدت قبضة يده أكثر، وغمغم وهو يلكمه في وجهه:
– اسمها مدام عشق، مراتي دي اللي واقف معاها يا ندل.
– يونس، إيه اللي بتعمله دا، أرجوك اهدى، دا دكتور عزيز، بيدرسلنا هنا، بالله عليك اهدى وأبعد عنه، بلاش فضايح في الجامعة.
فرمقها يونس بغضب، وصدره يعلو ويهبط من قوة الانفعال، فأمسك رسغها بقوة آلمتها بشدة، ولكنها كتمت تأوهها المؤلم، فسحبها خلفه، وهو يشعر بانفجار برأسه، ففتح باب سيارته ودفعها بقسوة غير مقصودة، فألتوت يدها بقوة، حتى كادت تجزم أنها قد كسرت، ولكن حالة يونس لم تسمح له أن يرا أو يستمع لشيء، فبكت عشق بشدة.
أما يونس فهاتف طارق، ليأتي لجلب رحاب بعدما تنتهي من محاضراتها، وأغلق معه بدون أن يجيب الآخر على أسئلته، فصعد على كرسي القيادة، وقادها بسرعة قسوى، وسط بكاء عشق الذي كان يزيده غضبًا، فوصل للمنزل وأوقف السيارة، وغمغم بحدة:
-أنزلي.
– يونس، اسم…
– أنزلي يا عشق، وقولي لجدك يتصل بالمأذون يجي انهاردة، مابقاش فيه خوف عليكِ خلاص، مهمتي انتهت.
– مهمتك! أنا كنت مجرد مهمة يا يونس؟!
– أنزلي يا عشق، مش قادر اتكلم دلوقتي.
فهبطت عشق بحزن، ويدها لا تستطيع تحركيها، وبمجرد دخولها المنزل، حرك يونس المحرك وذهب مرة أخري.
فصعدت عشق للأعلى سريعًا، قبل أن يلاحظها أحد، فأزالت نقابها وارتمت على سريرها، تجهش في بكاء مرير.
فاستمع لها جدها، الذي كان في غرفته يقرأ ورده اليومي من القرآن الكريم، فدخل الغرفة فوجد حفيدته، في حالة صعبة، فأقترب منها سريعًا، وهو يغمغم بخوف على حفيدته:
– مالك يا حبيبة جدك؟ إيه إلا حصل يا حبيبتي؟
– يونس، يونس يا جدو، هيطلقني.
– إيه الكلام الفارغ دا! اهدى يا بنتي وفهميني اللي حصل؟
فحاولت عشق تهدئة نفسها قليلًا، والسيطرة على ألم يدها، فأخبرت جدها ما حدث.
فكان الجد يستمع لها بتركيز، وبعدما انتهت، هتف بحنان:
– أنتِ غلطانه يا عشق، ما ينفعشي تقفي مع شاب غريب، وكمان ماكنش في المكان غيركم، يونس له الحق في زعله، أنتِ مش عارفة حالته هتكون إيه، يا بنتي دا بيغير عليكِ مننا، وبيتجنن من هزارك معايا أو مع خالك، تفتكري المفروض يعمل إيه وهو شايفك واقفة مع شاب؟! حتى لو تعرفيه، وشخص محترم، ودكتورك، كل دا مش هيفرق مع يونس.
– أنا ماكنتش أقصد حاجة يا جدو والله، أنا آسفة، أنا فعلًا غلط، أنا جرحت يونس يا جدو، أنا زعلانة عشانه قوي، وخايفة عليه.
فتنهد الجد بحزن على حفيده وحفيدته، فانتبه ليد عشق التي أصبحت باللون الأزرق، فتسأل بقلق:
– إيدك مالها يا عشق، هو يونس ضربك؟
فنفت برآسها سريعًا:
-لا يا جدو، أنا اللي وقعت عليها.
علم جدها أنها تكذب، وبمجرد لمسه ليدها، تألمت بشدة.
– قومي ألبسي نقابك، لازم نروح المستشفي نعمل أشعة ونكشف، منظر إيدك ما يطمنش.
– لا يا جدو ا…
– اسمعي الكلام يا عشق، مش وقت عند، تعالي هساعدك تحطي نقابك.
وبالفعل أخذ الجد رضوان عشق وكشف عليها، وعمل آشعة، فوجدوا تمزق شديد في اليد، فكتب لها الطبيب على أدوية وامبولات لمدة أسبوعًا، ووضع لها جلفز طبي ليحكم يدها قليلًا.
عادا إلى البيت وسط حزن عشق وخوفها، فهي ترتعب من الأبر، فعلم الجميع بما حدث ليد عشق ما عدا يونس، الذي ما زال بالخارج، فحزن الجميع من أجلها، وقلقت والدتها عليها، فهي تعلم بخوف ابنتها الشديد من الإبر.
وبالفعل رفضت عشق بشدة أخذها، وبكت كالطفلة الصغيرة، فأمرهم الجد أن يتركوها على راحتها اليوم، فيكفي ضغط عليها، يكفي تألمها، فتركها الجميع لترتاح قليلًا.
فحاولت رحاب أن تستسفر منها عن ما حدث مع يونس، ولكن عشق لم تخبرها بشيء، فتركتها رحاب لترتاح قليلًا، واتصلت بسارة لتطمئنها على عشق.
في المساء عاد يونس، وصعد لغرفته بالأعلى، ولم يتحدث مع أحد.
أما عشق فارتفعت درجة حرارتها كثيرًا، فحاولى خالها أن يعطيها امبول المضاد الحيوي، ولكنها رفضت بشدة، فحزن الجميع من أجلها، ولم يتحملوا بكائها الرقيق.
ظل الجميع بجوارها طوال الليل، يتناوبون لعمل الكمادات لها
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشق اليونس)