رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثامن عشر 18 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الثامن عشر
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الثامن عشر
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الثامنة عشر
إذا كان لا شيء سينقذنا من الموت، فلينقذنا الحب من الحياة على الاقل.
- بابلو نيرودا.
“كن واثقاً بأنك لم تُولد عبثاً، وأن لحياتك معنى، وستعرف كيف تعيش.”
-فيودور دوستويفسكي.
– الحياة هي تحمل المسؤلية عن أعمالنا والتعامل مع النتائج التي تترتب على اختيارتنا.
– دوستويفسكي 📚.
______________
انتهت بهية من قضاء فرضها ثم أتت وهي تسير ببطئ، تستند على الحوائط بدلًا من عكازها التي نست أين وضعته ليلة أمس…
بمجرد وصولها إلى الأريكة جلست عليها متحدثة باستغراب من هذا الصمت المُريب تشعر بأنفاس فقط وحركات تكاد تكون غير مسموعة…
-إيه يا ريناد هي البت قتلتك وخلصت عليكي ولا إيه؟! إيه الصمت الغريب ده؟!.
ردت ريناد على بهية وهي جالسة على المقعد وتجلس جنى فوق فخذيها وبجانبهما العديد من مستحضرات التجميل الخاصة بها.
-لا مقتلتنيش ولا حاجة هي بس خليتني زي البلايتشو ده والله شكل البلايتشو أرحم من وشي دلوقتي..
هتفت جنى بدلال طفولي وهي تقوم بتمرير الفرشاة الملطخة بكل الألوان على وجه ريناد:
-أنا بعملها ميكب حلو أوي يا تيتا.
ضحكت بهية متحدثة بنبرة مرحة:
-ياريت كان ينفع اشوف الميكب الحلو ده..
تحدثت ريناد رغمًا عنها:
-ده ربنا نجدك والله وبيحبك…
كان على ريناد أن تقبل أي شيء مهما كان تفعله بها الصغيرة حتى تصمت وتتوقف عن البكاء والصراخ، تحديدًا حينما ولجت إلى غرفتها ولمحت مستحضرات تجميلها، وقتها لم تتركها في حالها حينما حاولت أخذها منها لذلك تقبلت بأن تكون لوحة يقوم بالرسم عليها فنان تشكيلي وعشوائي ماهر للغاية، لم يتبقى لون واحد لم تلطخ به وجهها أو عنقها…
نما إلى سمعهم صوت جرس الباب مما جعل بهية كانت على وشك النهوض لكن استوقفتها ريناد وهي تشعر بالشفقة تجاهها، هي أصبحت تفعل كل شيء في المنزل تقريبًا عدى تحضير الطعام لكنها تحاول التخفيف عنها قدر المُستطاع بعدما كانت لا تحمل الريشة الساقطة على الأرض…
أصبحت تعلم حقًا كيف كانت تعيش في رفاهية لم تكن تشعر بها، وعرفت بأن الغرفة النظيفة والمرتبة كذلك الملابس النظيفة ليست أشياء قد تحدث من تلقاء نفسها، هناك من كان يبذل الكثير من المجهود من أجل جعلها بتلك الطريقة فلم تكن يومًا تتسائل أو تهتم..
-خليكي أنتِ أنا هقوم.
أبعدت جنى عنها ثم نهضت وسارت بضعة خطوات حتى توجهت صوب الباب وفتحته لتجده أمامها والذي انتفض وعاد خطوتين إلى الخلف هاتفًا..
-بسم الله الرحمن الرحيم..
تابع دياب بعدها:
-اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
أدركت ريناد هيئتها التي باتت كالمهرج لكنها تحدثت بكبرياء وضيقٍ:
-خير ان شاء الله، شوفت عفريت؟!.
-لا أنا بحب أذكر ربنا.
تحدثت ريناد بانزعاج جلي:
-ربنا يقوي إيمانك.
أثناء حديثها جاءت جنى من خلفها وهي تحمل الفرشاة وتبتسم له ثم أقتربت منه قائلة ببراءة:
-ديبو حبيبي..
حملها دياب وهو يأخذ منها الفرشاة واضعًا قُبلة على وجنتيها:
-معلش اتأخرت عليكم، ها عملتي إيه مع بهية ومع ابتهال؟!.
صرخت ريناد في وجهه تكرر اسمها:
-اسمي ريناد، ريناد، ريناد..
شعرت الطفلة بالخوف الطفيف ثم لفت يدها حول عنق دياب متحدثة رغمًا عنها:
-شبة اللي بتتحول رجل أخضر فى الإعلان..
ضربها دياب بخفة على ذراعها متحدثًا:
-عيب.
ثم وجه الفرشاة ناحية ريناد لتأخذها منه على مضض:
-مش لازم اسأل هي عملت إيه علشان باين على وشك…….
ابتسمت ريناد له ابتسامة صفراء فقال بعدها:
-سلمي على بهية.
هزت رأسها بإيجاب وكانت على وشك أن تغلق الباب في وجهه مرت ثلاثة أيام وأكثر إلا أنها مازالت منزعجة من حديثه وبسبب طريقته معها..
غمغم دياب مانعًا إياها من إغلاق الباب:
-استني عايز أقولك حاجة.
ردت عليه ريناد بنبرة جامدة:
-خير عايز إيه؟! سيبني أروح أغسل وشي بقا..
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-أخر مرة شوفتك فيها لما رجعنا في التاكسي حسيت أن طريقتي معاكي مكنتش احسن حاجة بس أنا مضغوط جدًا الفترة دي، ياريت متزعليش.
ردت عليه ريناد ببساطة لكن بداخلها كانت سعيدة جدًا باعتذاره هذا، الذي عنى لها الكثير:
-حصل خير…
ابتسم لها دياب ثم هاتف وهو يغادر حاملًا ابنة شقيقته:
-عن اذنك، مع السلامة…
رحل قبل أن يسمع ردها فقالت عليه بعد تنهيدة خرجت منها أثناء مراقبتها إلى طيفه وهو يصعد على الدرج:
-مع السلامة…
_______________
-اسمي جواد، مقولتليش أنتَ بقا اسمك إيه وبتعمل إيه هنا؟! وفين بابا ولا ماما؟!!…
بينما كان يداعب وجنتي الطفل الممتلئة بالشوكولاتة جاءت أم تصرخ بقلب قلق وخائف، مرتعبة اطمئنت قليلا لكن ليس كثيرًا وهي تجده مع رجل ما يبدو غريبًا بالنسبة لها…..
لذلك صرخت إيناس وهي تقترب منهم:
-جـــــواد.
أقتربت منه ثم أخذت منه الطفل بطريقة مريبة وكأنه كان على وشك أن يختطفه، احتضنته ثم قبلته بقلق رهيب، وهي تضمه إلى أحضانها فكانت تشعر بالخوف الشديد حينما لم تجده ، أتى في عقلها العديد من الأفكار المخيفة التي أصابتها بالخوف خلال ثواني معدودة.
اعتدل جواد وهو يراقب نوبتها الغريبة تلك..
غمغمت إيناس وقد خرجت عن صمتها قليلًا تعاتب طفلها بنبرة بدت عصبية نوعًا ما بعدما استعادت روحها:
-مش قولتلك متتحركش من جنبي يا جواد؟! مفيش مرة تسمع كلامي لازم غلبة وخلاص..
رد الصغير عليها ببراءة شديدة:
-أسف يا ماما…
رفعت إيناس بصرها أخيرًا وهي تزفر بضيقٍ تنظر إلى هذا الرجل، الغريب بأن وجهه كان مألوفًا نوعًا ما، كأنها رأته من قبل ولا تدري متى وأين؟!.
لكنها رأته من قبل..
نظرت إيناس على قميصه ناصع البياض الذي أصبح ملطخًا:
-أسفة لو ضايقك أو أزعجك.
تمتم جواد بهدوء:
-مفيش حاجة حصلت بالعكس أنا مبسوط إني شوفت جواد، ملهوش لزوم تزعقيله أكيد مكنش قصده بس هو أكيد مش هيكررها تاني…
ثم وجدته يخبرها بنبرة جادة وكأن مهنته تغلبت عليه في تلك الجملة:
-بلاش تسيبوا معاه كمية الشيكولاتة دي مرة واحدة.
نظرت إيناس له بغرابة بعض الشيء وهي تجده يداعب خصلات صغيرها والأهم أنه يلقي عليها الأوامر..
مـن هـو؟!!…
هتفت إيناس بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-حاضر، ليك نصائح تانية تحب تقولها؟!..
ابتسم وهو يخبرها بطريقة استفزتها:
-لا دي بس معنديش نصائح تانية.
فـرحلت دون الحديث بكلمة واحدة حتى، متوجهه صوب المكان الذي تأخذ والدتها فيه جلستها لكن قبلها تبحث عن مرحاض حتى تنظف ما فعله ابنها في نفسه وملابسه قدر المستطاع إلى حين العودة إلى المنزل.
أنهت والدتها جلستها العلاجية ثم قامت إيناس بطلب سيارة إلى المنزل كما أخبرها شقيقها حتى تكون والدته مرتاحة نوعًا بعد إرهاقها الواضح في تلك الفترة وتحديدًا بعد كل جلسة.
كانت تجلس إيناس بجوار والدتها في الخلف، بينما طفلها بين أحضانها نائمًا فهو قد أُرهق من المشوار البعيد أيضًا لذلك كانت تدثره بوشاحها.
تمتمت إيناس وهي تنظر إلى والدتها:
-ماما في حاجة عايزة أقولها…
نظرت لها حُسنية بحنان مغمغمة:
-قولي يا بنتي…
غمغمت إيناس بتردد واضح:
-عمرو كلمني من كام يوم يا ماما وبعتلي فلوس علشان جنى وجواد بس مش عارفة قلقانة.
قالت والدتها بنبرة عادية:
-قلقانة ليه يعني؟! مش يمكن فاق وعايز يبعت فلوس لعياله، ده أتأخر أنه يعملها، مهما كان اللي بينكم هو أبوهم وأكيد هيحب عياله مهما حصل.
تنهدت إيناس وأردفت بجدية:
-أنا بقول كده برضو بس معرفش مقلقة مش أولى أنه يجي يشوفهم هو الموضوع موضوع فلوس بس؟!، أه أنا مش عايزة هو ودياب يتقابلوا والموضوع مش هيكون لطيف بس أنا قلقانة منه..
تحدثت حسنية ببساطة ونبرة مرهقة:
-معتقدش في حاجة يا ايناس أنتِ اللي مكبرة الموضوع، وبعدين أنتِ بتغني و بتردي على نفسك، أكيد هو مش عايز يجي علشان دياب وهو عمل حاجة كويسة نقول عملها ليه؟!! متفكريش كتير يا حبيبتي.
قالت إيناس وهي تنظر لها متحدثة بنبرة ساكنة:
-حاضر يا ماما مش هفكر…
ثم تركت والدتها تصمت وتشعر بالراحة قليلًا مازال هناك وقت حتى يصبحا في المنزل، وضعت إيناس رأسها على الزجاج الخاص بـنافذة السيارة، تحاول التفكير في هذا الرجل نعم لديه هالة مختلفة، جاذبية واضحة، يتحدث بكلمات وطريقة راقية إلى حدٍ كبير كانت تلك أسباب طبيعية تجعله يعلق في ذهنها لكن هي تشعر بأنها رأته من قبل….
ثم فجأة رفعت رأسها…
هل هو؟!!!!!!!
رُبما هو…
هي لا تتذكر كثيرًا ولكن أحلام في بداية علاقتها به كانت تلتقط معه الصور الفوتغرافية وتجعلها تراها ولم تكن تعطي تركيزًا لها فهي كانت غارقة في همها، لذلك لا تعلم هل هو أم لا؟!
هناك احتمال بأن يكون هو..
لأنه صاحب المستشفى كما تعلم…
لكنها لا تتذكر جيدًا الأمر يا ليتها سألته عن اسمه…
هو يحمل اسم جواد كما كانت تخبرها أحلام..
“جواد عز الدين”..
كانت تخبرها الاسم مرارًا وتكرارًا تخبرها أنها لا تستطيع ترك رجل مثله..
عادت مرة أخرى تميل برأسها على النافذة تراقب الشارع، يبدو أنها اشتاقت لرؤية الشوارع والناس ليس عليها أن تهتم كان هو أم لا، لأنها لا ترغب أبدًا أن تتذكر أحلام وما فعلته يكفي أنها ترى ما حدث لـ هدير…
_____________
في اليوم التالي.
يجلس زهران على المقعد البلاستيكي أمام الجزارة الخاصة به، وخرطوم الأرجيلة في يده، يجلس معه نضال، وعلى أحد المقاعد دياب الذي جاء ومر عليهما قبل أن يذهب إلى المطعم.
كالعادة كان دياب يجلس معهما وعقله مشغول بما سوف يحدث، طارق حتى الآن يبحث عن حل، نضال كان أيضًا يفكر ويحاول التفكير إلى أن تحدث زهران قاطعًا هذا الصمت:
-لقيتها يا ولاد.
سأله نضال بعدم فهم بعدما أخذ رشفة من القهوة التي تتواجد أمامه:
-لقيت إيه يا بابا؟!.
تحدث زهران بجدية وهو يناظرهما بثبات وسعادة:
-لقيت الحل لـهدير أخت طارق.
هتف دياب بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-أتمنى أن لقيت حل غير كتب الكتاب علشان كل أفكارك وحلولك بتلف وتدور حوالين الجواز بس يا عم زهران.
تنهد زهران ثم غمغم بنبرة عذبة:
-هو في حاجة أحسن من الجواز.
وجد نضال متأهبًا وهو يجلس أمامه لذلك تحدث بسخرية:
-علشان خاطري يا بابا الحكاية مش ناقصة هزار، سيبنا في اللي أحنا فيه.
تحدث زهران منفعلًا بعدما ألقى خرطوم الأرجيلة على الطاولة:
-بقولك لقيت حل احترم نفسك، أنا مش بلعب معاك في الشارع أنا عارف أنا بقول إيه..
ثم نظر ناحية الخرطوم وجاء به ثم قبله هاتفًا بانزعاج:
-شوف خليتني اتنرفز على كريمة إزاي؟!.
ضحك دياب ثم غمغم بجدية مصتنعة:
-خلاص يا عم زهران سيبك منه واتكلم معايا أنا وقولي أنا الحل أنا سامعك أهو.
تمتم زهران ببساطة:
-هي هتيجي تقعد في بيتنا.
شهق دياب هاتفًا باستنكار شديد:
-لا متقولش يا عم زهران هتتجوزها أنتَ المرة دي؟! مش شايف أنها صغيرة عليك شوية؟!..
هز زهران رأسه نافيًا ليحاول دياب التفكير قائلا فهو لا يظن بأنه قد وجد حل بعيدًا عن أمور الزواج:
-يبقى بتراعي فرق السن هتجوزها سلامة اللي على وشك أنه يفركش علشان بيرسينج، أو نضال…
نظر له زهران متحدثًا باستنكار عظيم:
-احترم نفسك أما عيل صايع وقليل الأدب صحيح كل تفكيرك في الجواز وبس أهو دي أخرة مجايبك يا نضال…
وأشار زهران إلى نضال في نهاية حديثه الذي تحدث معتذرًا:
-خلاص يا بابا حقك عليا سيبك من الصايع ده وانجز كده وقولي إيه الحل اللي جه في دماغك وإزاي هتقعدها في بيتنا؟!.
غمغم زهران بوضوح أكثر تلك المرة وهو يعتدل في جلسته:
-ُبص أحنا هنوضب الشقة اللي فيها عفش وحاجة إيناس بحيث أننا نحطهم بشكل منظم في أوضة ولا أوضتين ونقفل عليهم ونجهز ونفرش أوضة للبت هدير تقعد في الشقة بحيث أنها متكنش قاعدة في بيت لوحدها وعمارة كلها سكان يبقوا عارفين أنها لوحدها.
ابتلع ريقه ثم غمغم بتفسير:
-وفي نفس الوقت هي طول اليوم في الدروس مع حور وممكن تقعد عندهم؟ دياب بيكون اليوم كله برا وترجع على النوم مدام مرتاحة مع أخوات دياب..
هتف دياب بإعجاب حقيقي وهو ينهض ويضع قُبلة على رأس وجبهة زهران:
-تسلم دماغك يا معلم زهران، تسلم دماغك…
ثم جلس مرة أخرى على المقعد، فتحدث زهران وهو ينظر ناحية نضال مندهشًا من صمته:
-إيه سكت ليه؟!.
تمتم نضال بجدية:
-هو الحل كويس جدًا طبعًا بس مش عارف بصراحة طارق هيوافق عليه ولا لا؟!…
غمغم زهران ببساطة:
-براحته، وعلى العموم أنا شايفه أنسب حل، مش هيلاقي حل أحسن من كده هيكون مطمن عليها أنها مش لوحدها اه في شقة لوحدها بس في حس في البيت ومش بيطلع ولا بيخرج ناس غريبة وأنا برضو هقول لمرات عمك تهتم بيها لو رضي وهي خدومة بصراحة.
تحدث نضال بحيرة:
-مش عارف..
قال زهران مشجعًا:
-قوم كلمه دلوقتي وأعرف رأيه…
بالفعل بعد بضعة دقائق كانت نضال يقف بمسافة ليست قريبة أو بعيدة عنهم ويضع الهاتف على أذنيه يقوم بالاتصال بـ صديقه طارق الذي أجاب عليه..
-ألو يا نضال..
تحدث نضال بنبرة هادئة:
-ازيك يا طارق عامل إيه؟!.
-الحمدلله على كل حال.
سأله نضال وهو ينظر ناحية زهران:
-لو فاضي وينفع أكلمك كنت حابب أكلمك بخصوص موضوع هدير أنا بابا اقترح عليا اقتراح أنا ودياب دلوقتي وحابب اقولهولك..
كان رد طارق عليه مندهشًا:
-اقتراح إيه دا؟!.
أخذ نضال يخبره بما قاله زهران دون أن ينقص كلمة أو يقوم بتزويد كلمة، كان طارق يحاول الاقتناع بحديثه، لأنه ليس لديه أي حل أخر، الحل ليس مناسبًا مئة بالمئة ولكنه إلى حدٍ ما جيد..
يجب أن يتم تدبير الأمور إلى حين أن تنهي شقيقته الثانوية العامة وبعدها سوف يتصرف حتى تدخل الجامعة عنده وتعيش معه….
قال طارق بامتنان حقيقي رغم كل شيء، هم يحملون همه هو وشقيقته أكثر مما يحملون دمائهم:
-أنا موافق بس بشرط…
-شرط إيه؟!..
-إني أدفع إيجار للشقة غير كده لا، شوفوا الإيجارات دلوقتي كام وأنا هدفع إيجارها…….
_____________
-ألف سلامة يا هايدي..
قالت رانيا تلك الكلمات وهي تضع قدم فوق الأخرى تنظر إلى هايدي التي تجلس على الأريكة بجوار نسمة وكانت على وشك أن تستشيط غضبًا…
غمغمت هايدي بنبرة حاولت جعلها هادئة قدر المُستطاع:
-الله يسلمك يا رانيا.
أردفت رانيا بابتسامة سمجة:
-مكنش له لزوم تتعبي نفسك وتيجي ورجلك مكسورة أنا كنت جاية أقعد مع نسمة النهاردة ومش همشي إلا لما جواد يجي.
تحدثت هايدي بنبرة ساخرة بعض الشيء وهي ترد عليها:
-معلش أصل مش من الطبيعي تكوني هنا وبعدين أنا باجي علشان اشوف نسمة مش بديل علشان مفيش حد موجود بل بالعكس في ناس كتير هنا.
ردت عليها رانيا ببساطة:
-الطبيعي إني أكون هنا على فكرة، هنا بيت عمي وابن عمي..
ثم نظرت ناحية نسمة متحدثة بنبرة حاولت جعلها عاطفية بعض الشيء:
-بعدين أنا نسمة وحشتني جدا وجيت علشان اشوفها وأطمن عليها.
قالت هايدي بغيظٍ ونبرة لم تخلو من السخرية:
-فيكي الخير..
غمغمت نسمة الذي كان يتواجد الهاتف بين يديها بكلمات متقطعة وبطئ:
-الموضوع مش مستاهل كل الكلام ده..
ردت رانيا عليها بنبرة جادة وهي تنظر إلى هايدي ترمقها من أسفلها إلى أعلاها:
-أكيد أحنا أهل في بعض مهما افترقنا برضو هنشوف بعض تاني ونتقابل كمان، اللي بيني وبينهم أكبر من علاقة جواز خلصت ويا عالم يمكن ترجع تاني.
كانت هايدي تحاول بصعوبة بالغة السيطرة على لسانها، تبذل مجهود جبار حقًا لذلك لم ترد عليها تركتها تتحدث مع نفسها ومرت بضعة دقائق كانت رانيا تحاول فيهم أن تجذب أطراف الحديث مع نسمة وهي على يقين تام بأن جواد سوف يأتي أو رُبما هو في القرب، بالتأكيد حارس المنزل أخبره بوجودها، لذلك سوف يأتي على الفور..
قالت رانيا في سابقة لم تحدث من قبل:
-ما تيجي يوم نخرج أنا وأنتِ يا نسمة مع بعض نتغدى برا؟!.
نظرت لها نسمة بعدم ارتياح من اقتراحها فهي تشعر جيدًا بأن تلك المرأة لا تحبها أبدًا، فأكثر ما يعمل بها بكفاءة هو شفافية مشاعرها لذلك لم تصدق حديث رانيا ولم يعجبها لكنها ردت عليه بنبرة عادية:
-مش عارفة، هقول لجواد..
تحدثت رانيا بنبرة جادة والابتسامة لا تفارق ثغرها:
-لا متقلقيش من الناحية دي أنا هقنع جواد بنفسي…
سمعوا صوته وهو يتحدث:
-تقنعيني بإيه؟!..
نظر الجميع ناحية الصوت فقد أتى جواد بعد الاتصال الذي جاءه من حارس المنزل بأن رانيا قد دخلت عنوة إلى المنزل ولم تنتظر حتى أن يخبره، لذلك أتى جواد على الفور تحديدًا لأن منيرة ليست في المنزل بسبب حالة وفاة أحدى أقاربها وهذا ما جعل هايدي تتواجد معها برفقة بضعة عاملات.
غمغمت رانيا وهي تنهض من مكانها تحاول تعديل ملابسها سريعًا حتى تكن أمامه بهيئة أنيقة:
-اقنعك بحاجات كتير..
ثم مدت يدها لتصافحها وصافحها هو على مضض، هنا هتفت نسمة وهي تنهض من مكانها:
-أنا طالعة اوضتي عن أذنكم.
ردت عليها هايدي بجدية واختناق هي الأخرى:
-وأنا طالعة معاكي.
بالفعل صعد الاثنان وبالرغم من قدم هايدي إلا أنها فعلت الأمر وهي تستند على عكازها من جهة والجهة الأخرى تتخذ من السور الخاص بالدرج سندًا لها، وبمجرد أن اختفى الاثنان عن الأنظار..
تحدث جواد وهو يكز على أسنانه بغضب كبير:
-أنتِ بتعملي إيه هنا؟!
قالت رانيا بابتسامة قد تغوي الحجر لكن ليس رجل لم تعد تعني له أي شيء:
-هكون بعمل إيه يعني يا جواد جيت علشان أشوف نسمة وأطمن عليها وبعدين عيب أوى لو على أخر الزمن تكون العلاقة ما بينا كده وتسألني أنا هنا بعمل إيه؟!.
غمغم جواد بنبرة ساخرة وهو ينظر لها نظرات قاتلة:
-وهو من امته الطيبة وصلة الرحم دي، ده أنتِ كنتي معاها في بيت واحد ومبترضيش تبصي في وشها..
تحدثت رانيا بارتباك بعض الشيء ولكنها حاولت المدافعة عن نفسها بكافة الطرق، فهي لم تعد تجد أي مدخل بأن تقترب منه لذلك حاولت التنازل كما أقنعت نفسها وهو التقرب منه من جهة نسمة لعل ذلك يشفع لها عنده رغم أن الحديث معها بالنسبة لها صعبًا جدًا لكنها عصرت على نفسها أطنان من الليمون..
-مش يمكن بحاول أصلح من نفسي وعرفت غلطي، وبعدين أحنا في الأول والآخر ملناش إلا بعض…
لم تعرف أخطائها..
كما لا تحاول التصليح من ذاتها هي فقط شعرت بأنها قد خسرت جواد بسوء تقدير منها، خسرته ولن تجد مثله..
فرصتها ضعيفة جدًا في أن تجد رجل مثله أولا وفي مركزه وثانيًا هي امرأة تقترب من الأربعين ليست جميلة إلى الحد الذي تستطيع جذب رجل بجمالها، ملامحها طبيعية ومألوفة تشبه الكثير، غير أن فرصة الزواج ضعيفة كونها امرأة لا تنجب.
هي أخطأت حقًا حينما طلبت الانفصال وتصرفت بعشوائية ومن دون تفكير.
هتف جواد رافعًا سبابته متحدثًا بتحذير واضح ورغم غضبه الشديد إلا أنه كان يحافظ على أن تكون نبرته منخفضة نوعًا ما:
-رانيا لأخر مرة بحذرك تيجي البيت هنا، أنتِ سامعة؟! نسمة مش كوبري ولا حاجة لما تقربي منها تقربي مني، نسمة مش خطة من خططك وأياكي مرة تانية أن تحاولي تستغليها…
شحب وجه رانيا من كلماته إلا أنها تحدثت بجدية:
-أنا بجد مش عاجبني طريقتك دي أبدًا، وسوء ظنك فيا.
رد عليها جواد بتهكم:
-معلش ادعيلي ربنا يهديني، مفيش حاجة في إيدك غير أنك تدعيلي ربنا يهديني.
ثم نظر لها هاتفًا بتهديد حقيقي:
-دي أخر مرة يا رانيا هقولها ليكي مشوفش وشك في البيت ده تاني، أنا استحملت منك كتير أوي لكن عند نسمة وتقفي، مش هستحملك تستغليها أو تفتكريها لعبة في إيدك ده حتى صباح الخير كنتي بتكسلي تقوليها.
غمغمت رانيا باختناق شديد:
-اديني بحاول أصلح الدنيا، جواد أحنا اتسرعنا في طلاقنا، أحنا كنا عشرة سنين مش يوم ولا يومين مينفعش علاقتنا تخلص بالسهولة دي، غير إني لسه بحبك وعندي استعداد أصلح من نفسي علشانك، حاولت أصلح علاقتني بنسمة إيه اللي عملته غلط؟!.
تحدث جواد بنبرة شبة صارخة:
-بلاش تتكلمي عن الحب يا رانيا ده أولًا وثانيًا بلاش تبقي بجحة أكتر من كده لأن عند نسمة ومش هسكت ليكي واتفضلي امشي بقا.
قالت رانيا وهي تأخذ حقيبتها من فوق الأريكة:
-كل ما بحاول نرجع ونتصافي أنتَ بتعقدها، لما صدقت تخلص مني على فكرة شوف بقا مين المرة دي اللي تعرفها ومخلياك بالحالة دي، دي لو مكنتش القمورة اللي فوق..
هتف جواد وهو يمسكها من ذراعها متوجهًا بها صوب الباب:
-احترمي نفسك وخليكي في حالك يا رانيا وبلاش تجيبي في سيرة حد تعمليه شماعة تعلقي فيها مشاكلي أنا وأنتِ، وبعدين متجيش تعملي نفسك حبيبة دلوقتي ده أنتِ اللي طالبة الطلاق بلاش دور الضحية ده..
فتح الباب لها ثم ترك ذراعها مشيرًا نحو الخارج:
-اتفضلي ولو شوفتك هنا تاني يا رانيا حوالين نسمة هتشوفي مني اللي عمرك ما شوفته.
ابتعدت عنه وسارت وهي تصيح:
-بكرا هتندم على اللي بتعمله ده يا جواد…
____________
“ألو؛ ازيك يا أم عطية عاملة إيه؟!”
“عايزينك تيجي بكرا لو تعرفي ضروري”.
“خلاص ماشي في انتظارك”
“سلام”
أنهت انتصار المكالمة مع تلك المرأة بعد اتصال زهران الذي أخذ يخبرها بما يحدث وما سوف يفعله ولم تمانع انتصار أبدًا بل على العكس شعرت بالشفقة على تلك الفتاة.
جاءت سامية من الداخل وهي ترتدي ملابسها متأهبة للخروج، كانت ملابسها سوداء عدا الحجاب، أما وجهها خاليًا من مستحضرات التجميل.
-بتكلمي أم عطية ليه هي مش عملت الشقة بتاعتهم وشقة عم زهران كمان؟!.
تحدثت انتصار بتفسير:
-احنا عايزينها تعمل الشقة اللي فيها عفش أخت دياب.
غمغمت سامية بعدم فهم:
-ليه هما هيأخدوا الحاجة وهترجع لجوزها ولا إيه مش فاهمة؟!.
أردفت انتصار بتوضيح أكبر:
-لا بالعكس هنرصهم رصة حلوة كده، ونظبط أوضة للبت هدير أخت طارق.
تحدثت سامية بنبرة مشتعلة:
-ليه ان شاء الله؟!.
-البت من ساعة ما أختها سافرت وهي لوحدها وتقريبا مرتحتش مع أخوها ومراته؛ فـ نضال وعمك اقترحوا على طارق أنها تقعد هنا لغايت ما يشوفوا حل..
تحدثت سامية منزعجة:
-ده اللي ناقص كمان، وهو احنا إيه اللي يقعد واحدة غريبة وسطنا؟! وبعدين هو نضال من امته بقا مُرهف الحس للدرجة دي؟! مهتم بحتة عيلة..
هتفت انتصار بجدية:
-أنتِ مالك بيه وعماله تلفي في الكلام ليه؟! قولتلك البت عندها ظروف وعيلة صغيرة والمفروض نقف جنبها وأنا وأنتِ أكتر ناس المفروض نقف جنبها كمان.
تمتمت سامية بلا مبالاة وهي تسير لترتدي حذائها الجلدي:
-مليش دعوة أنا طلعيني برا أي حوار أنا مش فاضية لحد.
صاحت انتصار مستنكرة:
-أنتِ رايحة فين أساسًا؟!.
-عندي شغل..
تحدثت انتصار بـ شكٍ:
-غريبة يعني مش حاطة حاجة على وشك ومسوداها ليه؟!.
أردفت سامية كاذبة وهي تحمل الحقيبة معها الذي يتواجد بها أدواتها حتى لا تشك بها والدتها:
-عادي زهقانة مش قادرة اعمل حاجة، يلا باي.
رحلت سامية وتوجهت صوب سيارتها واضعة الحقيبة فيها ثم قامت بتغيير الحجاب الذي يتواجد فوق رأسها، وأرتدت حجاب من اللون الأسود يلائم أجواء تقديم التعازي…
ولا تدري لما خطر في بالها بأن تذهب لرؤية سلمى، خبر هكذا لا يمكن تفويته، يجب عليها أن تخبرها بتلك الفتاة المدعوة بـ هدير بأنها سوف تقطن في منزلها.
____________
تقوم سلمى بعمل بعض التمارين المنزلية، صدقًا هي تشعر بأنها في تلك المدة التي لم تكن طويلة أبدًا؛ اكتسبت وزنًا إضافيًا..
انشغلت كثيرًا تلك المدة عن التمارين التي تفعلها في المنزل، حتى لو كانت جالسة من العمل، ولم يعد خلفها سوى تناول الطعام…
كانت سلمى تجلس اليوم بمفردها، جهاد في العمل وكذلك والدتها وبقيت هي.
صدع صوت الجرس معلنًا عن زائر لا تدري لما لبضعة لحظات ظنت بأن هذا الزائر هو والدها، رغم عدم احتمالية تواجده مرة أخرى، هو لا يرغب على الأغلب بأن يدخل في مصاريف الزواج وجهاز ابنته لذلك ابتعد حتى لا يكن في الصورة. .
نهضت وأقتربت من الباب ووجهت عيناها نحو “العين السحرية” لتقوم برؤية الذي يقف أمام الباب، لتجد أمامها سامية واقفة بملامح غريبة وملابس سوداء.
فتحت سلمى الباب رغمًا عنها، بمجرد أن أبصرتها سامية، ورُسمت ابتسامة على وجهها هاتفة:
-عاملة إيه يا سلمى؟!.
تمتمت سلمى بهدوء وبادلتها الابتسام:
-الحمدلله بخير يا سامية اتفضلي…
ثم أعطتها المساحة حتى تدخل إلى الداخل، ولجت سامية وجلست على أقرب مقعد قابلها وهي تراقب سلمى بملابسها الضيقة والرياضية نوعًا ما، لأول مرة تراها بتلك الهيئة، كانت رشيقة إلى حدٍ كبير، جسدها منحوت، طبقًا للرياضة التي تمارسها منذ سنوات وسنوات حتى قبل حتى الجامعة وعملها؛ كان جسدها مثالي إلى حدٍ كبير ولأول مرة تكتشف سامية هذا الأمر، هي دومًا تراها بملابسها الفضفاضة.
تحدثت سلمى بترحاب كما تفعل والدتها مع الضيوف رغم قلقها من نظرات سامية التي كانت محلقة بها:
-تشربي إيه يا سامية؟!.
غمغمت سامية بابتسامة هادئة:
-لا ملهوش لزوم تتعبي نفسك أنا جيت بس أطمن عليكي كنت عايزة أجيلك من بدري بس كنت مضغوطة شوية من الشغل وفي البيت كمان مشغولة مع ماما الفترة دي بسبب اللي حصل واللي جد علينا.
قالت سامية أخر كلماتها تقصد إثارة فضول سلمى التي عقبت بثبات:
-أنا الحمدلله كويسة تسلمي على سؤالك ومجيتك دي، خير ان شاء الله؟!
كانت تقصد سلمى الاطمئنان فهي لا تمتلك من الفضول الكثير كما لدى البعض…..
تنهدت سامية وهي تخبرها:
-اهو اختي طارق صاحب نضال لو تعرفيه، اللي هي البت اللي في ثانوية عامة، تعرفيها؟!.
ضيقت سلمى عيناها متحدثة بعدم فهم:
-متهايقلي أعرفها أو شوفتها قبل كده، بس مالهم يعني؟!.
تحدثت سامية بجدية لكنها في الحقيقة كانت تقوم بـدس السم في العسل:
-نضال وعمي زهران هيقعدوها معانا في البيت في الشقة اللي في الدور الأرضي بتاعت جدو واللي فيها حاجة إيناس أخت دياب، بصراحة أنا مش مرتاحة أن تكون بنت زيها غريبة كده تكون قاعدة في بيت في شباب، ومستغربة اهتمام نضال بيها، نضال عمومًا شخص مريب ومتغير وكل شوية بـ حال.
ثم نظرت ناحية سلمى التي تنظر لها بثبات لكن نظراتها كانت مهتمة، وهنا أردفت سامية بتردد:
-أنا شكلي اتكلمت بعفوية زيادة قدامك.
هتفت سلمى بملامح باردة:
-لا اتكلمي يا حبيبتي براحتك..
ردت سامية عليها ببساطة وهي تخبرها:
-أنتِ في مقام أختي وأنا بصراحة حابة انصحك واحذرك من نضال، وتحديدًا موضوع هدير ده، صراحة هو شخص هوائي جدًا ومش عارف هو عايز إيه يعني؟! كان بيجري ورايا علشان يخطبني وبيقول أنه بيحبني، وبعدها بمدة قليلة جدًا اسمع أنه اتقدم ليكي، وكمان البت الصغيرة اللي مهتم بيها دي شيء مريب بصراحة.
ضحكت سلمى هنا قليلًا رغم أنها اشتعلت من الداخل متحدثة:
-عمومًا أحنا مش أخوات، ولا حتى صحاب ده أولًا يعني، ثانيًا وده الأهم أنا اللي هنصحك نصيحة..
تلون وجة سامية متحدثة بانزعاج واضح:
-نصيحة إيه دي؟!؟
-متأخديش مقلب في نفسك معتقدش أنك تأثيرك قوي لدرجة أن يا عيني نضال بيدور على اتنين غيرك علشان ينساكي.
نهضت سامية من مكانها مغمغمة بنبرة شبة صارخة:
-أنتِ بتقولي….
نهضت سلمى هي الأخرى متحدثة بنبرة غاضبة بعض الشيء مقاطعة حديثها:
-بقول اللي سمعتيه ومش محتاجة أكرره تاني، عيب لما تيجي لغايت هنا تقولي الكلام ده في بيتي، أنا اسمي سلمى ومش أنا اللي راجل يخطبها علشان ينسى حد بيها وتأكدي إني لو كنت حسيت ولو لواحد في المئة أن نضال لسه بيفكر فيكي مكنتيش هقعد معاكم على ترابيزة واحدة ولا هحط دبلته في إيدي…
ابتلعت ريقها ونظرت لها متحدثة بنبرة ذات معنى:
-أنا معرفش موضوع هدير ده إيه، بس مفيش حاجة تستدعي تيجي تقولي كلام زي دي وتتهمي الناس بشيء معكيش دليل عليه، لما تشوفيهم في أوضة واحدة ابقى تعالي قوليلي…..
نظرت لها وتابعت حديثها:
-وساعتها مش هصدقك برضو، بالرغم إني مش بنت عمه ومش اعرفه كويس إلا إني بثق فيه.
شحب وجه سامية متحدثة بنبرة مغتاظة:
-أنتِ قلبتي الدنيا وعماله تغلطي فيا، وأنا ساكتة ليكي، وعماله تحوري في كلامي وأنا مقولتش حاجة لكل ده، وعموما أنا غلطانة إني فكرت أجي اطمن عليكي…
تحدثت سلمى بجدية:
-اه غلطتي لما تيجي تقولي كلام زي ده تبقي غلطتي، وأنا ولا بحور ولا بغير في الكلام أنا رديت عليكي واختصرت الموضوع وبقولك الكلام اللي جاية عايزة توصليه ليا..
كادت سامية أن ترد، لكن فُتح باب الشقة وولجت منه يسرا وهي تحمل بعض الأكياس فـ وضعتها أرضًا واندهشت من وجود سامية لكنها تحدثت بابتسامة صافية:
-مساء الخير، ازيك يا سامية يا بنتي؟!.
ردت سلمى بالنيابة عن سامية:
-الحمدلله فيها الخير يا ماما، سامية جت تطمن عليا.
أردفت يسرا بنية صافية:
-تسلم والله، وبعدين ما أنتم اخوات وبكرا هتكونوا في بيت واحد، بعدين واقفين ليه اقعدوا…
تحدثت سامية بحرج وغيظ كبيرين:
– أنا ماشية يا طنط عندي مشوار..
ثم نظرت ناحية سلمى مغمغمة قبل أن ترحل:
-وخلاص اطمنت على سلمى، يدوبك امشي، عن اذنكم.
_______________
بعد مرور ساعة…
تقف ساميى في المقهى الخاص بـ حمزة ولا تجده سألت عنده أحدى العاملين ليخبرها بأنه ليس متواجدًا…
أقتربت من الشخص الذي يدير المكان والتي رأته مرات قليلة جدًا..
-لو سمحت ممكن أطلب من حضرتك خدمة..
تحدث الرجل باحترام:
-اتفضلي..
غمغمت سامية بنبرة هادئة:
-من فضلك هو حمزة مش بيجي خالص هنا من ساعة وفاة والدته ولا مش موجود النهاردة بس؟!!
نظر لها الرجل باستغراب ثم تمتم بنبرة جادة والهاتف بين يديه يكتب بعض الأشياء:
-مستر حمزة والدته ماتت من أكتر من أسبوعين وهو يعتبر مجاش من ساعتها..
قالت سامية بتردد وخجل واضح:
– أنا عرفت متأخر، تمام شكرًا لحضرتك.
كان تركيزه كله في الهاتف وأخبرها بعد دقيقة تقريبًا:
-العفو..
انتهت من الحديث مع الرجل ثم خرجت من المكان متوجهة صوب سيارتها وجلست فيها مُردفة وهي تحدث نفسها فهي مازالت تشعر بالانزعاج الشديد يكفي ما قالته لها سلمى…
-أنا لازم أروحله البيت هفتح الشات وهشوف اللوكيشن ساعتها مكنش معايا العرببة ومش فاكرة الطريق أوي..
فعلت ما حدثت به نفسها دون حتى أن تفكر لثواني في فعلتها هل هي صحيحة أم لا؟!..
توجهت صوب الفيلا التي كانت بعيدة نوعًا ما عن المقهى ووصلت أخيرًا لتخبر حارس الفيلا بهويتها وفتح لها البوابة بعدما اتصل بـ حمزة يخبره بأنها قد أتت…
ولجت بسيارتها ووقفت أمام الباب الداخلي، لتهبط من السيارة وفي الوقت نفسه كان حمزة يخرج من الفيلا شبة راكضًا لها حتى وصل لها ضمها إلى أحضانه….
شعرت سامية بالصدمة حتى أنها تخشبت في مكانها…
لم تكن تعلم ما الذي عليها أن تفعله…
تجمد جسدها أثر فعلته..
لم يكن لديها حتى المقدرة أن تسأله كيف!!
ابتعد حمزة عنها لتراقب هيئته، ذقنه النامية والغير مرتبة، ملامحه الشاحبة نوعًا ما، كان هو من يسبقها متحدثًا:
-وحشتيني، حقك عليا لو كنت بعيد الفترة اللي فاتت..
حاولت سامية قول أي شيء لكن على ما يبدو قد انعقد لسانها بينما أسترسل هو حديثه:
-أنا مش مصدق أنك جيتي بجد كأنك رديتي فيا الروح……
قالت سامية وكان الشيء الوحيد الذي خرج من فمها:
-البقاء لله.
-الحمدلله على كل حال.
ثم هتف حمزة بنبرة مُرحبة:
-تعالي ادخلي..
تحدثت سامية باعتذار:
-مرة تانية ان شاء الله..
قال حمزة معترضًا وهو ينظر لها بنظرات ضعيفة ومنزعجة:
-يعني معقول جيتي لغايت هنا ومش هتدخلي؟!.
غمغمت سامية بتردد:
-معلش..
حاول حمزة تفهم موقفها متمتمًا بجدية:
-أنا أختي وجوزها وخالتو جوا…
أردفت سامية بنبرة مكتومة:
-أنا للأسف اتأخرت أوي بجد، سلم على ياسمين وهبقى أجي مرة تانية…
وضع حمزة كفها بين كفيه قائلا وهو على مسافة قريبة منها:
-متبعديش عني أنا بجد محتاجك جنبي الفترة دي أوي، خليكي جنبي…
قالت سامية بنبرة هادئة:
-أنا جنبك يا حمزة بس لازم ترجع شغل وترجع لحياتك الحزن وقعادك في البيت ده مش بيرجع اللي راح…..
تمتم حمزة بنبرة قد تذيب الحجر وكيف لو كانت فتاة تحبه:
-علشانك وبيكي هكون كويس.
أنهى حديثه وقبل كفها، وهنا ابتعدت سامية قائلة:
-مع السلامة…
رد عليها حمزة وقد عادت البسمة إلى وجهه مرة أخرى:
-مع السلامة.
______________
التاسعة والنصف مساءًا..
تجلس سلمى على الفراش تستعد من أجل أن تخلد إلى النوم وتضع الكريمات والمنتجات الخاصة بالعناية بالبشرة والشعر التي تضعها قبل نومها، بينما جهاد كانت في الخارج تجلس مع والدتها…
صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال من نضال الذي سجلت رقمه مؤخرًا باسمه باللغة الانجليزية..
أجابت عليه:
-ألو.
جاءها صوته الهادئ:
-الو، ازيك يا سلمى، عاملة إيه النهاردة؟!.
غمغمت سلمى بنبرة مقتضبة بعض الشيء، على الرغم من أنها ردت على سامية بقوة ووضوح، إلا أنها مازالت منزعجة..
-بخير الحمدلله.
تمتم نضال بنبرة جادة:
-دايما يارب، صحيح أنتِ سايبة الشغل ولا إيه مش بشوفك بتنزلي ولا حاجة؟!.
قالت سلمى بنبرة مغتاظة:
-لا وأنا هسيب شغلي ليه؟! كل الحكاية إني قاعدة الفترة دي علشان الجيم فيه تصليحات كتير غير في مشاكل مع المكان اللي مأجرينه فيه ومعرفش هيسيبوه ولا لا!.
تحدث نضال بهدوء:
-اه فهمت.
هتفت سلمى بجدية:
-ممكن متتصلش بيا متأخر كده تاني..
رد نضال عليها بعدم فهم، فهو لم يستوعب كلماتها جيدًا:
-متأخر ازاي مش فاهم؟! الساعة لسه مجتش عشرة حتى…
قالت سلمى بـ صلف:
-هو كده، أنا مبحبش أتكلم متأخر كده وكمان لأن ده ميعاد نومي، متكلمنيش في الوقت ده إلا لو في حاجة ضرورية أو حاجة تستدعي لكده من فضلك..
رد عليها نضال بنبرة جادة لم يقصد فيها أن يسخر منها:
-بتنامي دلوقتي؟! ده أنا يومي لسه هيبدأ..
هتفت سلمى بنبرة جادة:
-أنا كده بنام بدري وبصحى بدري ومبحبش اتكلم مع خطيبي في وقت متأخر زي ده.
هي لا تحب التحدث من الأساس كان هذا ما يرغب قوله لكنه بدلًا من ذلك عقب على حديثها:
-ماشي، بس إيه الضروريات أو الحاجات اللي تستدعي إني أكلمك الساعة تسعة، وبعدين إيه الضروريات اللي بين المخطوبين دي أصلا؟! على كده المفروض تبصميني على ورقة وأخد وصل بعد كل اتصال…
ردت عليه سلمى بلا حرج:
-أنا مبشوفش أن في داعى الواحد يكلم خطيبته متأخر بعيدًا عن أني هنام ولا لا، مفيش حاجة اسمها افتكر اللي معايا وأتصل بعد ما خلصت كل اللي ورايا.
أن تكون في بداية اليوم ووسط اليوم لا مكالمة مملة ورتيبة في نهاية اليوم حينما يشعر بالضجر أو الفراغ التام، هذا ما كانت ترغب في قوله…..
هتف نضال بنبرة هادئة:
-ماشي أنا هقفل بقا علشان مفيش حاجة تستدعي نتكلم متأخر كده، وهبقى اتصل بعد كده الصبح أو يكون معايا حاجة ضرورية، مع السلامة…
-مع السلامة.
أنهت المكالمة وألقت الهاتف على الفراش، بـ قلب غاضب، هي فظة، تمتلك من الفظاظة ما قد يجعل من معها يهجرها…..
لذلك علاقاتها مع الجميع تكون دومًا سطحية، هي تخشى أن تعطي لنفسها المساحة أن تتعلق بشخص ويبتعد عنها، تخاف أن تثق في وجود أحدهم وتجد نفسها وحيدة لذلك هي تحاول الحفاظ على مشاعرها ونفسها………
غير أن سامية ازعجتها واغضبتها تبًا لها….
كان ينقصها أن تأتي وتتحدث بحماقة كهذه، نهضت من مكانها وأخذت تحضر فراشها تستعد لنومٍ هنيء، أو تتمنى الحصول عليه…
فهي لم تعد تنام براحة وساعات متواصلة كالسابق منذ أن عاد والدها…
_____________
في صباح يوم جديد..
كان نضال يقف في الجزارة بقوم بتقطيع اللحم، احتياجاته واحتياجات زوجة عمه الهرية يقوم بتقطيهم بنفسه في بداية كل شهر تقريبًا…
بينما والده يجلس أمامه في انتظار الأرجيلة أن يناهي الشاب من تحضيرها…
أتى شاب ملامحه غير مألوفة وهو يغمغم بنبرة هادئة:
-مساء الخير..
رد نضال عليه:
-مساء النور، حضرتك محتاج حاجة؟!.
أردف الشاب بنبرة هادئة:
-معايا صورة واحدة كنت عايز أسال عنها لو تعرفوا ساكنة فين لأنها عجبتني وحابب أتقدم ليها..
هنا صدع صوت زهران والصبي يضع أمامه الأرجيلة هاتفًا بثقة:
-كده أنتَ رايح للشخص الغلط وسايب الشخص الصح تعالي وأنا أدلك أنا مفيش ست أو بنت في المنطقة معرفهاش..
ضحك نضال ساخرًا وهو يشير ناحية والده بالسكين الكبيرة:
-روح ده موسوعة مش هتلاقي أحسن منه..
ضحك الشاب أيضًا ثم أقترب من زهران يخرج الهاتف ويأتي بالصورة التي التقطها للفتاة دون أن تدري منذ مدة..
-تعرفها يا حج؟!.
ابتسم زهران وهتف بنبرة جادة جعلت نضال يغرز سن السكين في الخشبة التي تتواجد أمامه:
-إلا أعرفها دي سلمى خطيبة ابني….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)