رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل الحادي عشر 11 بقلم إلهام عبدالرحمن
رواية عاشق بدرجة مجنون الجزء الحادي عشر
رواية عاشق بدرجة مجنون البارت الحادي عشر

رواية عاشق بدرجة مجنون الحلقة الحادية عشر
في منزل”أمنية”…
كانت تجلس على الأريكة الصغيرة، تمشط شعر “تُقى” الصغيرة بحنان وهي تبتسم في هدوء. الهاتف بجانبها، مفعّل على الاسبيكر، وصوت “أحمد” ينساب منه بحنان:
– “أيوه يا أمنية، يا حبيبتي، خير؟”
– “بفكّرك بس إننا هنخرج دلوقتي أنا وتُقى، رايحين المول نشتري شوية هدوم.”
– ” طيب ياروحى بس ما تتأخريش انا مصدقت انى هقدر اجى النهاردة على ميعاد الغدا .”
– “متقلقش ياحبيبى مش هتأخر وبعدين اطمن المول قريب. ”
اغلقت الهاتف، ثم نظرت لابنتها بابتسامة رضا…
_”قلب ماما القمر ياخلاثى على الطعامة والجمال ايه الحلاوة دى ياسكرة ماما. ”
_”انا حلوة يامامى عشان انا اميرة والاميرات بيبقوا حلوين مش كدا. ”
اخذتها بين احضانها وضمتها بشدة وهى توزع القبلات على وجهها وتقول بابتسامة….
_”انتى اجمل اميرة فى الدنيا كلها باقلب ماما يلا بينا بقى عشان منتاخرش اصل بابا يرجع وميلاقيناش تبقى مشكلة . ”
في المول، كان كل شيء يسير بسلاسة… فساتين مُلوّنة، ضحكات تُقى، وصوت الموسيقى الخافت في الخلفية كانت أمنية تنظر للفساتين باعجاب فملابس الفتيات مبهجة جدا، امسكت بيدها قطعتان من الفساتين وكانت تشعر بالحيرة فاى منهما تختار فكلاهما رائعان شعرت صاحبة المحل بحسرتها،فاقتربت منها واشارت على احدى القطعتين وقالت…. .
_”دا جميل اوى والوانه هتليق على بشرتها ثم التفتت الى الصغيرة وقالت مش كدا يا كتكوتة. ”
هزت تقى رأسها بالموافقة وقفزت فرحة وهى تقول…
_”حلو اوى يامامى انا بحب لون البينك اوى ممكن البسه بقى.؟! ”
_”حاضر ياقلبى تعالى ندخل البروڤة نقيسه اكيد هيطلع عليكى يجنن. ”
وبعد ان انتهوا من قياس الفستان وقامت بدفع ثمنه اقتربت تقى منها ،و سحبت طرف ثوبها وقالت ببراءة طفولية:
– “مامي، أنا جعانة قوي.”
– “ياروحى معلش ياقلبى انا عارفة انك تعبتى من كتر اللف النهاردة يلا حبيبتي تعالى ننزل للمطعم اللى تحت ناكل سوا هجيبلك بيتزا كبيرة من اللى انتى بتحبيها.”
جلسا في مطعم أنيق داخل المول، تناولتا الطعام،ثم شربتا العصير، وسادت لحظة من الأمان والدفء… لكن الحياة لا تُبقي شيئًا على حاله.
ففي طريق العودة، بينما كانت “أمنية” تمسك أكياس الملابس، اصطدمت بأحدهم فجأة!
تناثرت الأكياس من يديها، وانحنت سريعًا لتجمعها، لكنها صُدمت بأن الشخص الآخر انحنى في اللحظة نفسها… يده لامست يدها…وهو يهمس بكلمات اعتذار
فرفعت عينيها…
وتجمّدت.
نظرة واحدة كانت كفيلة أن تسحبها من أرض المول إلى ذكريات مظلمة، كأن الزمن توقّف، وكأن الهواء انقطع.
الوجه أمامها… وجه لا يمكن أن تخطئه فقالت بصوت هامس يشوبه الفزع واعين جاحظة من الصدمة.
“يزن!”
شهقت، تراجعت خطوة، ثم…
كل شيء اسودّ أمام عينيها، وسقطت.
لم يتركها تقع، أمسكها بين ذراعيه قبل أن تصطدم بالأرض، ركع ساندًا جسدها المرتخي، وصرخت تُقى الصغيرة:
– “مامي! مامي! قومي!”
والناس تجمّعوا، لكنه لم ينتظر.
بصوت حاسم قال لامرأة قريبة:
– “لو سمحتي، هاتي البنت معانا. بسرعة.”
وحمل “أمنية” إلى سيارته، واتجه بها إلى أقرب مستشفى.
…
في المستشفى…
عادت لوعيها فجأة، فزِعة، عيناها تبحثان بجنون.
وبمجرد أن رأته واقفًا أمامها، شهقت، وزاد اضطرابها:
– “بنتي!! بنتى فين؟! إنت عملت فيها إيه؟! إنت… إزاي لسه عايش؟!”
– “حضرتك، بنتك مع الممرضة برّه، اهدِي… حضرتك أغمى عليكي وأنا ساعدتك وجبتك هنا.”
– “كذاب! إنت يزن! إنت خطفتني تاني… إنت إزاي رجعت؟!”
قال بنبرة ثابتة غريبة عن رجل مذنب:
– “أنا مش يزن… أنا المهندس شريف عبد السلام…ودى أول مرة أشوف فيها حضرتك.”
صدمتها كلماته، نظرت إليه طويلًا…
الشبه قاتل…!
نفس الملامح… نفس النظرات… نفس الصوت!
لكن عينيه تقول شيئًا آخر… أيعقل أن تكون براءة؟ خداع؟
من هذا الرجل؟ ولماذا الآن؟ وهل من الممكن أن يكون… مجرد توأم ليزن؟! ولكن كيف والاسم واللقب مختلفان.
التفت شريف وهم بالخروج من الحجرة ولكنها هبت صارخة…
_”استنى رايح فين هاتلى بنتى الاول. ”
التفت لها بابتسامة هادئة كى يبث فيها شعور الطمأنينة…
_”متقلقيش انا كنت خارج اجيبهالك من برا. ”
بعد لحظات دخل شريف حاملا تقى بين يديه وهو يقبلها من خدها فهبت امنية باتجاهه واخذتها منه بلهفة واحتضنتها فنظر لها باستغراب ولكنه اقترب منها مسرعا حينما رآها تترنح قليلا وكادت ان تسقط، فأسندها واعادها الى فراشها ولكنها ظلت متشبثة بابنتها ورفضت تركها.
_”هو مفيش حد من اهلك اقدر اتصل عليه عشان ييجى ياخدك لان انا حاولت افتح موبايلك بس كان عليه باسوورد فمعرفتش اتواصل مع حد ولو تحبى اوصلك انا معنديش مانع. ”
امنية وهى تنظر له بقلق وخوف…
_”لا شكرا انا هتصل على جوزى ييجى ياخدنى تقدر حضرتك تمشى دلوقتى. ”
_”انا ممكن استنى معاكى لحد ماهو ييجى لو تحبى يعنى ولو انى اشك فى حاجه زى دى. ”
امنية بحذر_”شكرا بس مش حابه اتعبك معايا. ”
سحبت أمنية نفسًا مرتعشًا، ثم تناولت هاتفها من جوار السرير. كانت يداها ترتجفان وهي تفتح قفل الجهاز وتتصل برقم أحمد. لم تمضِ سوى لحظات حتى جاء صوته القلق على الطرف الآخر.
– “أيوه يا أمنية؟ في إيه اتأخرتى كدا ليه؟”
– “أحمد، تعالي بسرعة على مستشفى النور اللي جنب المول… اصل انا تعبت شوية ومحتاجة تيجى ترجعنا البيت.”
– “مستشفى؟ تعبانة؟! طب أنا جاي حالًا.”
أنهت المكالمة وأغلقت الهاتف، ثم نظرت ناحية الباب. لم يكن “شريف” في الغرفة. تنفست بعمق، وكأن غيابه أزاح عن صدرها حملًا، لكنها ظلت تحتضن ابنتها بقوة، تراقب كل من يمر بجوار باب الغرفة وكأنها تخشى أن يعود ذلك الوجه مجددًا.
مرت دقائق بدت كأنها دهور، حتى فُتح الباب بقوة ودخل “أحمد” مسرعًا، يتلفت بقلق.
– “أمنية! انتي كويسة؟! حصل إيه؟!”
انفجرت دموعها بمجرد رؤيته، واندفعت إليه تحتضنه بلهفة:
– “أحمد… شُفته… شُفته بعنيا… يزن! يزن اللي خطفني قبل كده، شُفته النهاردة وهو اللى جابنى هنا على المستشفى!”
تجمد أحمد في مكانه، وابتعد قليلًا لينظر إلى وجهها المتوتر:
– “يزن؟! أمنية، إنتي بتقولي إيه؟! تانى ياأمنية احنا مس هنخلص من القصة دى بقا يزن مات… مات وانتهى الموضوع! انتى بتعملى فى نفسك كدا ليه احنا تخطينا الموضوع ده من زمان عشنا سنة عذاب ليه بتعيدى العذاب دا تانى حرام عليكي ”
– “لا… لا! والله هو! نفس الملامح! نفس الصوت! انا مش بيتهيألى ولا بتخيل حاجه مش موجوده بس هو قال إن اسمه شريف عبد السلام… وكان ماسك تقى… وكان ممكن يبعدها عني تاني! انا كنت خايفه ومرعوبة كان ممكن ينتقم منى كان ممكن يخطف بنتى وانا مغمى عليا روحنى ياأحمد مشينى من هنا انا خايفة اوى ”
هتف غاضبًا، وهو يضع يديه على رأسه:
– “إنتي سامعة نفسك بتقولى ايه؟! عاجبك اللى وصلتيله ده مبسوطة دلوقتي باللى احنا فيه؟ عشان أوهامك دي كان ممكن بنتك تضيع للابد كان ممكن حد يخطفها وانتى مش دريانة بحاجة ! إزاي تصدقي إن اللي شُفتيه هو نفس الشخص؟! ياستى يخلق من الشبه اربعين، وأكيد ده كان واحد تاني لانه بكل بساطة مات وشبع موت!”
– “بس هو… هو نفس الشخص يا أحمد! أنا متأكدة!”
– “خلاص كفاية، قومي نروح من هنا. بيتنا اولى بينا بكفيانا فضايح قدام الناس.”
ساعدها على النهوض، وأخذ الطفلة من بين ذراعيها، بينما كانت نظرات أمنية لا تزال معلقة بالباب… كأنها تخشى أن يُفتح فجأة ويعود ذاك الشبح من ماضيها.
وفي طريق العودة… لم ينبس أحدهما ببنت شفة.
لكن الصمت… كان أثقل من أي كلام.
كان صمت السيارة ممتدًا كأنه عقاب، لا يقطعه سوى صوت أنفاس الطفلة النائمة في حضن والدها. وعندما وصلا إلى المنزل، فتحت أمنية الباب بصمت، ودخلت كمن يسير على أشواك. وضعت حقيبتها على الأريكة وجلست، بينما أغلق أحمد الباب خلفه بعصبية.
أعاد الطفلة إلى سريرها، ثم عاد إلى الصالة، حيث كانت هي تجلس مطأطئة الرأس، تُداري انكسارها.
قال بصوت متهدج:
– “إنتي عارفة عملتي إيه النهاردة؟”
رفعت عينيها إليه، بعينين دامعتين لم تستطع الرد:
– ” إنتي كنتي هتضيعيها! هتضيعيها بإيدك! البنت اتخضت عليكى كانت لوحدها وانتى تايهة فى عالم ضلمة خلقتيه بخيالك، وأنا قلبي كان هيقف من الرعب لمجرد التفكير انى اخسر بنتى او اخسرك! إنتي بقيتى مش طبيعية يا أمنية!”
همست وهي تضع يديها على وجهها:
– “أنا طبيعية يا أحمد… بس أنا مش قادرة أنسى… اللي حصل ليا زمان كان بشع، وأنا لحد دلوقتي بفتكر كل حاجة… ده كان هو! أقسم بالله!”
صرخ وهو يشير إليها:
– “كفاية! كفاية أوهام! إحنا بنحاول نعيش، نبدأ من جديد… وإنتي كل شوية ترجعي لنفس الكابوس! عايزانا نفضل مسجونين لماضي عدى وانتهى لحد إمتى؟!”
نظرت إليه بشراسة، وقد تبدل الضعف في عينيها إلى غضب:
– “مسجونين لماضيّ؟! ده مش ماضي وبس يا أحمد، ده حياتي اتدمرت! جسمي، نفسيتي، كل حاجة فيا اتكسرت! وانت بتلومني علشان خايفة على بنتي خايفة يأذينى فيها خايفة يبعدنى عنكم تانى ؟!”
– “أنا مش بلومك إنك خايفة… أنا بلومك إنك بتعيشى وسط تهيؤات هتقضى علينا وعلى سعادتنا! ودي مش أول مرة!!”
انهارت وهي تصرخ:
– “لأنك مش مصدقني! دايمًا بتقولي إني بتوهم، وإني بخاف من خيالي! بس أنا حاسة، أنا متأكدة إن ده كان هو! وأنا لو غلطانة، فغلطتي إني لسه عايشة على أمل إنك تبقى جنبي وتفهمني…”
سكت أحمد قليلًا، ثم قال بصوت منخفض:
– “أنا جنبك… بس تعبت، والله تعبت يا أمنية. مش قادر أكون السند وإنتي شايفاني عدو.”
سقط الصمت بينهما كجدار من الجليد، ولم يعد هناك سوى صوت بكاء مكتوم… وطفلة نائمة لا تدري أن شرارة الماضي ما زالت تهدد حُلم الأمان.
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عاشق بدرجة مجنون)