رواية ظننتك قلبي الفصل السادس والأربعون 46 بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء السادس والأربعون
رواية ظننتك قلبي البارت السادس والأربعون
رواية ظننتك قلبي الحلقة السادسة والأربعون
« السراب ..»
لا تتمسك بما لا يريدك وبشدة، فمن المؤسف أن تتعلق بمن يريدك وقت حاجته، يضعك بزاوية قلبه وأنت تفرغ له حجرات فؤادك جميعها، لا تظن أن خسارتك أن تخسر من أحببته، بل خسارتك الكبرى هي أن تفقد نفسك، فمن أشجع القرارات أن تتخلى عمن يؤذي روحك أولًا، ظننتك أنا و روحي و عقلي، ظننتك قلبي، لكن يبدو أنني كنت أتشبث بالسراب وأبكي ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
مكتب عيسى للمحاماة …
لست أرى غدير الماء الذي كنت منه أرتوى، فما عدت أرى سوى السراب، لن أخدع نفسي لأكثر من ذلك، فلم أعد أصدق كذبها، من تلك التي أمامي، إنها شخص مجهول لا أعرفه، لا أصدق حديثها؛ فأي الروايتين صادقة …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وقف “عيسى” ساخرًا رغم غضبه المنفعل، إلا أنه تهكم على كذبتها الجديدة حين أخبرته أنها ليست حامل …
– لأ بجد !!! وأنا المفروض أصدق ..؟!!! أنا حامل يا “عيسى” !!!! و”عيسى” يصدق …!!!! أنا مش حامل يا “عيسى”!! و “عيسى” يصدق !!! حد قالك إني مغفل ؟!!!!!!
أنهى عبارته مستنكرًا بغضب أخاف “غدير” لتنكمش حول نفسها من ثورته الجديدة كليًا عليه، لتسحب بعض الهواء بصعوبه بصدرها المتألم، وهي تحاول الإعتراف بالحقيقة …
– والله، ما بكذب عليك، أنا قلت إني حامل عشان خوفت تسيبني و دلـ…
قاطعها “عيسى” بحدة فقد شوه الكذب كل شئ جميل، إنها كاذبة، كاذبة، لن يصدقها فهي ليست “غدير” التي يعرفها ويحبها، إنها شخص آخر لا يعرف عنها شيئًا …
– إنتِ إيه ..؟!! لقيتي إن خيانتك إتكشفت وعرفت إني عقيم مبخلفش يبقى أوام تبدلي كذبه بكذبه، وتقوليلي إنِك مش حامل !!!!!!
زاغت عيناه الغاضبتان بعينيها اللاتي تستعطفانه لـ ألا يفعل ذلك، ألا يضحي بها وبعشقهما وحياتهما الهانئة، إنها أخطأت، بالتأكيد أخطأت، لكنها ليست خائنة أو كاذبة متلونة، لقد وضعتها الظروف السيئة وتفكيرها المحدود بهذا الوضع ..
لحظات صامته أنهاها “عيسى” مقاطعًا إياها قبل أن تحاول خداعه من جديد …
– من اللحظة دي، وأنا من سكة وإنتِ من سكة، لا عايز أشوفك ولا أسمع صوتك تاني، كل واحد مننا في طريق …
حاول من تكرار كلماته أن يتلفظ كلمة الإنفصال عنها وتطليقها، لكنها كانت ثقيلة للغاية على نفسه وقلبه الذي يرجوه بين ضلوعه بألا يفعل، رؤيتها بهذا التأثر لا تساعده على إبتعاده، ليضطر بإجبار نفسه على المغادرة بسرعة دون التفوه بها، فهو لم يقوى على التلفظ بتلك الكلمة مطلقًا ..
غادر “عيسى” دون أن يفهم ما حدث، دون أن تشرح سبب كذبتها أو توضح ما حدث مع “رشيد”، لقد غادر من إقتلع قلبها وإمتلكه، عشق بدأ بكلمة وإنتهى بموقف …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وقفت “غدير” في ذهول تناظر الباب الذي خرج منه، تطالع بفاه مفغور وصدر ناهج الفراغ الذي خلفه وراءه، صدمة بُهتت لها ملامحها وشحب وجهها بقوة هاربة منه الدماء …
أفاقت “غدير” بعد لحظات لتنظر حولها نحو “سندس” الواقفة بصمت تام من جانب، ومن “شاكر” ساعي المكتب الذي ينظر نحوها مشفقًا على خلافها مع “عيسى”، نظراتها كانت دعوة لمساندتها واللحاق بها، كما لو كانت تستنجد بهما لمحاولة إرضاء “عيسى” الذي غادر …
أشارت “غدير” بوجه شاحب وشفاه زرقاء نحو الباب لتخرج كلماتها بصوت هامس أشبه بهمهمة متخبطة ..
– “عيسى” ، مشي، “عيسى”، إلحقوه، قولوله لأ ، مش “غدير” لأ ، أنا بحبه، أنا مزعلهوش كدة، أنا مقـ…..
وقبل أن تنهي كلماتها المتألمة الظاهرة بنبرتها المصدومة المترجية، سقطت مغشيًا عليها فلم تقوى على الصمود …
وقفت “سندس” للحظة تناظر “غدير” الملقاة أرضًا بإندهاش لتلتف حول المكتب لتقف إلى جوارها تتطلع نحوها دون أي رد فعل، لكن الساعي أسرع هاتفًا …
– ست “غدير”، يا ست “غدير” ( نظر نحو “سندس” يطالبها بالتدخل)، إلحقيها يا أستاذة، أنا حتصل بالإسعاف حالًا …
جثت “سندس” ببطء جانب “غدير” تحاول ضرب وجنتها بضعف شديد …
-“غدير” !!!!! “غدير” ……
لكنها كانت في عالم آخر لا تدري عن محاولتهم الفاشلة شيئًا، وصلت سيارة الإسعاف بعد قليل لتضطر “سندس” لمرافقتها رغمًا عنها إلى المستشفى خاصة بعد دفع “شاكر” لها بإلحاح لبقائها معها فمن غير المقبول تركها وحيدة بتلك الحالة …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
مر الوقت سريعًا بينما كانت “عتاب” تنتقل من موضوع لآخر بتفاخر لما إستطاعت فعله وإنجازه، إظهار نفسها بأنها المرأة الخارقة القادرة على التصرف والوصول لمبتغاها جعلها تنساق بحديثها التلقائي مع “باسم” دون حواجز أو تفكير ..
ظل “باسم” يتابعها بالإبتسام تارة، وبالإندهاش تارة، لكنه كان بالفعل منتصت جيد لأحاديثها التي لا تنتهي …
حتى عادت لنقطة البداية، “وعد” و”محب”، أخذت تنظر لعقارب ساعتها بتيقن لما سيتم …
– عارف يا “باسم”، زمان “محب” إدى السِم لـ”وعد”، ياااه، إنت مش متخيل أنا سعيدة قد إيه، وإن كلها كام ساعة و أخلص منهم هم الإتنين، هي تشرب السِم، وهو يدخل السجن بتهمة قتلها ….
تلمس “باسم” ياقة قميصه المنمق بحركة تلقائية مرددًا بإعجاب …
– بس بجد مكنتش متخيل إنك ترتبي كدة، ولوحدك، من غير ما تسأليني …
إتسعت إبتسامتها بغرور …
– أمال إيه، ده إنت لسه حتشوف مني كتير، أنا دماغي دي مش سهلة أبدًا …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أكد “باسم” ذلك، فبعد ما سردته له منذ قليل فهي ليست بتلك السهولة مطلقًا …
– طبعًا يا “توبه”، ما أنا عرفت …
تفكر “باسم” لبعض الوقت قبل أن يطلب منها بهدوء …
– بس أنا عاوز أكون معاكِ لحظة ما تتهمي “محب”، أنا برضه محامي وليا طريقتي، أحسن يعمل حاجة يورطك فيها …
تمعنت “عتاب” بطلب “باسم” لتردف بإيجاب محبذة الأمر …
– تصدق صح، خلاص، إحنا نتغدى ونروح سوا على البيت، عشان تكون معايا وقت ما أقابل “محب”، أحسن تحصل حاجة كدة ولا كدة مكنتش عاملة حسابها …
– مظبوط يا حبيبي، نخلص أكلنا ونروح البيت سوا …
بقلب بارد إنتظرت “عتاب” تناول طعامها برفقة “باسم” دون الإكتراث بجريمة ستنفذ بتحريضها بنفس التوقيت، فآمالها ستتحق قريبًا بحصولها على كل شيء، ولا تدرك أنها تتعلق بالسراب …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت محفوظ الأسمر …
كما لو أن الساعات لم تمر على هذا البيت، فكل شيء توقف تمامًا عن التقدم، فمنذ أن تركت “عتاب” البيت وقد قضى “محب” وقت طويل برفقة والدته فاليوم لم تأتي الطبيبة والمساعدة أيضًا، حتى “وعد” بقيت لبعض الوقت بغرفة “محب” تتابع ولدها الصغير الذي يقضي اليوم بمفرده معها بعد أن ذهبت بنات “عتاب” بتلك الرحلة المفاجئة …
بعد مرور بعض الوقت خرجت “وعد” من الغرفة للبحث عن “محب” فهو لم يذهب للمعرض اليوم فترى ماذا يؤخره عنها حتى الآن …
بحثت هنا وهناك حتى إقتربت من المطبخ لتفاجئ به بالداخل، إستقامت بتعجب فهو ليس من عادته أن يحضر شيئًا بنفسه، دلفت بخطواتها الخفيفة نحو الداخل قائله …
– إنت بتعمل إيه يا “محب” …؟؟
إلتف نحوها هذا المحب يطالعها ببطء متفحصًا ملامحها الناعمة ببسمته التي إستطاع أن يسرق بها قلبها، مشاعرها تجاه “محب” بالآونة الأخيرة أكدت لها أن قلبها لم يدق من قبل، لقد أحبته وتعلقت به وبوجوده، هذا أمر لا خلاف عليه …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وضع “محب” أكواب العصير فوق صينية صغيرة ثم إتجه نحوها دون أن يحيد عن خضراوتيها يناظرها بعشق، تلك النظرات التي أصبحت “وعد” تتوق إليها كلما نظرت إليه، همس “محب” وهو يدنو منها بهدوء …
– تعرفي إنك أجمل واحدة شافتها عيني …
زاغت عينا “وعد” بين مقلتيه لكنها أجابت بنبرة متضايقة …
– مش عارفه بتقول إيه ؟؟ نفسي أسمعك …
رفع كفه ليلمس وجنتنا بظهر كفه بروية ليشعرها بما يود قوله ولا تستطيع سماعه، حركة تلقائية جعلتها تغمض عينيها بسكينة تستقبل كلماته التي لا ينطقها …
أمسك بكفها متشبثًا به بقوة بطريقة أثارت تساؤلها، شعرت بأن هناك أمر ما يود لو يخبرها به، لكن إدراكها لكلماته كقبضها على سراب بين يديها …
لحظة تشبث كما لو كان له معنى غريب، كما لو كان وداعًا صامتًا، أو أن هناك أمر مخفي لا تدركه …
ترك كفها بهدوء وهو يحمل صينية الأكواب قائلًا …
– تعالي يا “وعد” نشرب العصير …
فهمت مقصده ليخرجا سويًا من المطبخ نحو غرفة المعيشة لإحتساء هذا المشروب الشهي الذي أعده “محب” بنفسه لها …
جلست “وعد” تناظر “محب” بنظرات مختلفة عما كانت عليه من قبل، لقد كانت تشعر بالفعل بأن هناك عاطفة تجتاحها تجاهه، تيقنت بأن قلبها تحرك وتعالت دقاته له فقط، لقد وقعت بالحب من هذا المحب …
حمل “محب” كوبا العصير وهو يقدم إليها خاصتها ومازالت نظراته تحوى نفس الغموض، لكنه ظل يطالعها بأنفاس مضطربة وقلب منفعل …
لم يكن يدرك هل تستطيع إدراك ما يقول أم لا، لكنه إستطرد حديثه دون توقف ..
– مش عارف يا “وعد” لو مكنتيش في حياتي كنت عملت إيه، ومش عارف إيه إللي ممكن يحصل بعد كدة، بس كل ده لازم و ضروري، لازم كل حاجة تنتهي، أنا مش قادر أعيش، عايز أعيش حياتي إللي وقفت، أنا مضطر، كان لازم أعمل كدة، سامحيني …
جفلت “وعد” بعينيها وهي تناظره دون رد، لكنها إكتفت بإبتسامتها العذبة التي تُعذِبهُ دومًا، رفعت الكوب تجاه شفتيها لترتشف منه أول رشفة، تعلقت بها عيني “محب” وهي تتابع إحتساء كوبها كاملًا حتى النهاية وقد رسمت إبتسامة رائعة فوق شفتيها، لتنهي حالة الترقب التي يناظرها بها “محب” قائله بإمتنان …
– تسلم إيدك يا حبيبي …
رفع “محب” عيناه بتفاجئ صادم حين نطقتها لأول مرة (حبيبي)، ليضطرب تنفسه هامسًا بتساؤل غير مصدق لما سمعته أذنيه للتو …
– حبيبي !!!!
نكست رأسها بخجل وتوردت وجنتيها، تهربت من نظراته المعلقة بها حتى أنها تجزم أنها بدأت تشعر بالدوار والتخبط وربما غثاء نفس أيضًا …
تيبس “محب” بموضعه وإكتفى بالتطلع بـ”وعد” بترقب شديد، وقلق أيضًا …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت النجار (شقة زكيه) …
تملل ظاهر أو ربما قلق جعل “زكيه” تقطع الصالة بخطواتها مجيئًا وذهابًا عدة مرات، خرجت نحو الشرفة مرة أخرى لتنظر نحو الحي فربما تكون “عهد” قد أتت كما أخبرتها، تجهمت ملامح وجهها قائله …
– إتأخرتي أوي يا “عهد”، أنا قلبي واكلني أوي على “نغم” ومش قادرة أصبر كل ده …
عادت نحو الداخل لتنظر لتلك الساعة المكسورة رغم أنها كانت تنظر إليها منذ بضعة دقائق لا أكثر ثم أردفت …
– ده كدة بقالها ساعتين مكلماني، معقول كل ده في الطريق ؟؟!!!
قلبها الحنون المتوجس بقلق لم يمهلها الكثير، فهي تريد الإطمئنان على “نغم” بأي شكل، ولا يمكنها الإنتظار لأكثر من ذلك، لتحدد أمرها …
– هم عشر دقايق كمان، لو “عهد” مجتش أروح أنا العطارة للحاج “فخري” أسأله على عنوان “مأمون”، يمكن “عهد” تكون إنشغلت ولا حاجة، حفضل مستنية وأنا قلقانة كدة …
لم تكن دقيقة بمواعيدها كمثل هذا الموعد، فبعد مرور العشر دقائق تحديدًا إتخذت “زكيه” قرارها بعدم الإنتظار لأكثر من ذلك لتتجه نحو العطارة لمقابلة “فخري” …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت النجار (شقة صباح) ….
قلوبنا أوعية نملأها كيفما نشاء خيرًا أو شرًا، فمن إستباح أذيتك عمدًا لا تثق به مهما ظننت، فالطباع غالبًا لا تتغير، فالبعض بالأرواح الطيبة يرزق، والبعض بالشرور هم عاقدي العزم …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
تعاظم غيظها فمنذ علمت بإطلاق سراح “زكيه” وهي تنفث غضبها بكل ما تلقاه حولها، تارة تجلس فوق مقعد الصالون الأحمر خاصتها وتارة تلف بأرجاء الشقة وهي تلعن وتسب بـ”فخري” و “زكيه” وكل ما يتطاير بذهنها، حتى إبنتها الوحيدة الباقية برفقتها لم تتركها في ركنها الهادئ الذي تلجأ إليه …
دلفت “صباح” بإندفاع لداخل الشرفة وقد إلتهمت نيران صبرها كل ما تستطيع فعله بالإنتظار، صاحت بهياج زاد من خشونة صوتها …
– جرى إيه يا بنت “فخري”، هو إحنا مفيش ورانا إلا قاعدة البالكونات ؟!!!! ده أنا لو كنت مربيه بقرة كانت نفعتني يا ***** ..
صياح وسُباب وهجوم بدون داعي سبب لـ”راويه” نوع من الإرتعاب من رد فعل أمها، لكنها برغم ذلك تلعثمت قليلًا بكلماتها وهي تناطحها بكلماتها الغير متقبلة لكل تلك الإهانات …
– هو إنتِ كل شوية تطلعي غلك فيا، أنا مالي، ما أنا سايبه لك البيت كله وقاعدة في البلكونة، أروح فين تاني !!!!!
كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير، السبب الواهي لتَصُب غضبها عليها معللة ذلك داخل نفسها بتأديبها لتطاولها عليها …
– أنا يا بت !!!! أنا تكلميني كده، ما خلاص، مش باقي إلا العرر إللي ملهمش لازمة يردوا على إللي خلفوهم …
تهدجت أنفاس “راويه” بإنفعال لتهتف بها …
– كفاية بقى، إنتِ إيه، مش كفاية كدة، الكل سابك ومشي، مش باقي غيري، عايزة تعملي فيا إيه أنا كمان …
هوت “صباح” بكفها الغليظ فوق وجنتة “راويه” الممتلئة …
– إخرسي، قطع لسانك، بكرة أجيبهم كلهم تحت رجليا هنا …
وضعت “راويه” كفها فوق وجنتها المتوهجة بعد صفع “صباح” لها، لتدلف نحو غرفتها تدب الأرض بقوة لتتجنب والدتها تمامًا …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
صدحت دقات متلاحقة بباب الشقة لتعود “صباح” بحركتها البطيئة لتفتح الباب، كان كالعادة زائرها المتكرر “صاصا” قابلته “صباح” بترقب شديد …
– إدخل يا “صاصا” …
– مساء الخير يا ستنا …
أغلقت “صباح” الباب من خلفه لتستدير بتلهف، فقد تمزقت أعصابها من الإنتظار …
– بلا مساء الخير، بلا مساء الزفت، جبت الأمانة ؟!!!
ربت “صاصا” على حقيبة بلاستيكية يحملها بين يديه …
– كله تمام التمام يا ستنا …
مد يده بتلك اللفافة تجاهها، لتسحبها “صباح” بعجالة وقد لمعت مقلتيها السوداوتين بوميض كراهية ممزوجة بالإنتقام ..
– جدع يا واد( أخرجت لفافة مالية أخرى لتمدها نحوه)، خد دول كمان، بس حسك عينك حد يعرف بحاجة …
بإيمائة خفيفة أثناء مغادرته أجابها “صاصا” …
– عيب يا ستنا، أستأذن أنا بقى، وأي حاجة تعوزيها شيعي لي على طول …
غادر “صاصا” لتبقى “صباح” وقد توهجت برأسها أفكارها للإنتقام من “فخري” و “زكيه” فليست هي من تهمش وتترك بتلك الصورة لتحل محلها تلك الخادمة ….
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
رغم هوسي بالإتزان إلا إني قد مِلتُ إليك، أنت من تضاربت له أحكامي، وسيطر قلبي على عقلي، لقد ظننت أنني أقوى من أن أرضخ لبعض المشاعر، لكن بعض الظن إثم …
ضربت “شجن” بكفيها فوق (تابلوه) السيارة تحثه على التحرك بأقصى سرعة …
– دَوَّر العربية بسرعة، مفيش وقت …
رغم إنصياعه لها دون فِهم حين ركبت السيارة، حاول “رحيم” إدارة محرك السيارة للتحرك بها إلا أنه حين يشعر بالإرتباك لا يُحسن التصرف نهائيًا …
– طيب، طيب …
إلتفت “شجن” نحو الخلف تطالع أبناء عمومة “العم أيوب” وهم يركضون تجاه السيارة؛ لتستدير بتخوف صارخة بـ”رحيم” بنبرتها المفزوعة …
– بسرعة يا أخي، حتودينا في داهية !!!!!
إلتف “رحيم” بأنفاس مضطربة ينظر نحو هؤلاء الثلاث اللذين يركضون تجاه السيارة، ثم عاد ببصره تجاه “شجن” وقد علت تساؤلات عديدة عيناه المندهشة …
– فيه إيه ؟؟! إنتِ عملتِ إيه ؟!!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
نظرت له “شجن” تأمره بحِدة وهي تدير مفتاح السيارة بيدها لتعجلها قبل أن يمسكوا بها …
– إنت لسه حتسأل، إطلع بالعربية بقولك …
بأصابع مرتجفة أدار “رحيم” السيارة بتوتر وهو يحاول الدفع بِقَدَمِهِ المتشنجة على مكبح الفرامل فتعود السيارة بالتشبث مكانها مرة أخرى، مما جعل “شجن” تضرب فخذيها بكفيها بإنفعال …
– وبعديـــــــــن !!!! إنت قاصد بقى ….!!!
إقترب “جميل” من باب السيارة المجاور لـ”شجن” ليمد يده تجاه المقبض ليفتحه وقد تعلقت عيناها لحركته بهلع فقد وقعت بشرور أعمالها وسيتم الإمساك بها في الحال …
أسرع “رحيم” بإغلاق زر قفل السيارة فلم يتمكن “جميل” من فتح الباب، دارت “شجن” تناظر “رحيم” بإندهاش شديد فقد أنقذها بفعلته …
فغرت فاها بغير تصديق لتجده ينطلق بالسيارة خارجًا من بيت العم “أيوب” دون أن توضح له ما حدث وماذا فعلت …
مع حركة السيارة أسرع أقارب “أيوب” باللحاق بالسيارة بينما حاول أحدهم إيقاف إحدى السيارات للحاق بهم حتى لا تهرب منهم “شجن”، لتبدأ مطاردة بين كلا السيارتين …
بعد مرور بعض الدقائق كان “رحيم” منطلقًا بالسيارة ولم يستطع أقارب “أيوب” الإمساك بهم، لكن ذلك لم يخفي تلك النظرة المندهشة من عيني “شجن” لتقطع الصمت بعد فترة طويلة متسائلة بريبة …
– إنت إيه بالضبط ..؟؟!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
شقة مأمون الجديدة …
بحثتُ عن مَهرَب من هذا المحبس الذي وقعت به بإختياري وإرادتي، لكني وجدت نفسي أقبض على السراب بين يدي، لم أكن أعلم أن ما كنت أظنه حُلمًا ورديًا يُسعد قلبي، هو كابوس لا يمكنني الهرب منه أو التعايش معه، ليتني لم أظن فبعض الظن إثم …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بعد أن حاولت “نغم” البحث عن وسيلة للهرب من هذه الشقة، إلا أنها فشلت، فشلت برائتها وسذاجتها أمام مكر ودهاء هذا الـ”مأمون” الذي جهز هذا المكان النائي المغثي للنفس بقضبان من حديد وباب موصود، لم يكن طوال الوقت يجهز عُش للزوجية، بل كان يجهز سجن لها …
جلست “نغم” تحاول التفكير بطريقة تهرب بها من بين يدي “مأمون” و “زوجته”، نظرت بعينيها الواسعتين بكل الإتجاهات بحثًا عن مهرب، لكن الأمر أشبه بأمر يستحيل عليها، لتضطر للبقاء بإستسلام …
بلحظة سكونها وإستسلامها كانت “ريهام” تجلس بأحد الأركان برفقة “مأمون” وهي تميل هامسة إلى جوار أُذنه حتى لا تنتبه لها “نغم” …
– وأخرتها يا “مأمون”؟؟! كل إللي خططنا ليه حيروح ولا إيه ؟؟
تطلع “مأمون” بـ”نغم” وهو يزمجر بغيظ …
– يعني إيه كل حاجة تروح ..!!!! ده أنا أصور قتيل فيها دي، ده أنا بقالي شهور بوقع في الغبية دي عشان أمسكها تحت إيدي ومحدش فيهم يفكر يرفض يديني العقد ويكتبوا التنازل، أنا خلاص حياتي وقفت عند بيع البيت ده، الراجل حيدفع ملايين يا “ريهام”، أنا ظبطت نفسي عليهم …
ضمت “ريهام” شفتيها الرفيعتين تكتم غيظها …
– طب إيه الحل بقى ؟!! أنا كمان عاوزة الفلوس دي، نفسي أعيش زي الناس المرتاحة، أنا كمان عاوزة الفلوس دي بأي شكل …
قبض “مأمون” بكفيه فوق مسندي المقعد يهم أن يتحرك تجاه “نغم” مغمغمًا …
– والله أقوم أخلص عليها البلوة دي ..
جذبته “ريهام” من ذراعه بقوة لتجبره على الجلوس مرة أخرى …
– إستنى بقى بلاش تهور، إحنا صبرنا كتير ولازم نلاقي لها حل، أنا مش مصدقاها إنها مش عارفة مكان العقد …
زفر “مأمون” بقوة ليجفل بعينيه بالإيجاب قبل أن يستطرد …
– طبعًا، دي شكلها بنت لئيمة مش سهلة زي ما كنت فاكر، أنا قلت بجوازي منها ححطها في جيبي وأساومها هي وأمها على العقد وإنهم يمضوا التنازل عن البيت، بس الظاهر الدنيا مش سهلة زي ما أنا كنت فاكر …
لزمت “ريهام” الصمت قليلًا متفكرة بحل يجعلهم يحصلون على عقد البيت والتنازل عنه مقابل تحرير “نغم”، لتردف بالنهاية ببعض الغرور …
– إستنى يا “مأمون”، لقيتها …
إعتدل “مأمون” بمواجهتها ليسألها بفضول …
– إيه بقى ؟!
همست “ريهام” نحوه ..
– أنا عرفت إنهم سابوا أمها النهاردة وطلعت من الحجز، يبقى مفيش غيرها، أروح لها البيت وأقولها لو عايزة بنتك ترجع لك هاتي العقد وإمضي التنازل، ها، إيه رأيك ؟!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لمعت عيناه ببريق مبتهج مردفًا بسعادة …
– الله عليكِ، صح كدة، روحي لها البيت، وأنا كمان حخلي البنت دي تمضي على تنازل هي كمان، بس بقولك إيه، أمها لو عملت قصة هي كمان وقالت لك العقد ضايع، يبقى متزعلش على اللي حعمله في بنتها، قوليلها كدة …
أكدت عليه “ريهام” بقوة …
– حيحصل، خليك إنت معاها هنا، وأنا حروح لـ”زكيه” البيت …
تخطيط آخر لم تعلم به تلك الساذجة لتبقى بإنتظار معجزة لإنقاذها بينما جلست بإستسلام لمصيرها لبقائها معهم، لكن سرعان ما غادرت “ريهام” تاركة “نغم” بمفردها برفقة “مأمون”، لتظن أن الأمر أصبح يسيرًا ويمكنها إقناعه بأن يطلق سراحها …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير …
” من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من ساء به الظن” فكل بفعله يُحدد مقامه، نحن من يختار أن يشيد القمم أو السقوط بالقاع، فلا داعي إلقاء اللوم على الظروف ….
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وقف “فوزي” بالممر يطالع بعينيه الحائرتين هنا وهناك ثم أخرج هاتفه ليجري مكالمته بصوته الخفيض …
– ألو، أنا جاهز، معايا شنطة الفلوس أهي ورايح له المكتب، أظن كدة أنا عملت إللي عليا، إوعوا أروح في الرجلين …
– متقلقش يا “فوزي”، ده إنت الراجل بتاعنا …
رغم قلقه إلا أنه إستكمل …
– أنا حدخل له المكتب، وحفضل أعطل فيه لحد ما تبلغوا البوليس، بس أنا بقولكم تاني أهو، إوعوا أروح أنا في داهية، أنا ماليش دعوة، لو وقعت حوقع الكل …
– قلت لك متقلقش، هي ساعة زمن وتكون حكاية “خالد” دي خلصت خالص، دي قضية رشوة ويتقبض عليه متلبس، يعني مش حيقدر يخرج منها، وبعدين هو المقصود مش إنت يا “فوزي” متخافش، عقبال ما تقعد وترغي معاه شوية وتديله الفلوس نكون بلغنا وحصل المراد …
زفر “فوزي” بتوتر مردفًا …
– ماشي، أنا داخل له المكتب أهو، ساعة زمن والبوليس ييجي، ده حويط أوي، مقدرش أشغله أكتر من كدة أحسن ياخد باله …
– متقلقش …
أنهى “فوزي” مكالمته ليتجه صوب مكتب “خالد دويدار” بوجه مبتسم ماكر يخفي ما يحاك لهذا الرجل في الخفاء، فهو بكل الحالات سوف يستفيد بمبلغ مالي لا يحلم به …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
هلل بطريقته المعتادة …
– الباشا،أخبارك يا “خالد باشا” …
خلع “خالد” نظارته الطبية الخاصة بالقراءة لينظر نحو “فوزي” الذي دلف لمكتبه للتو، ثم ألقى نظرة خاطفة على ساعته، فقد حان الوقت المتفق عليه بالفعل …
– أهلًا يا “فوزي” …
جلس “فوزي” بأريحية وهو يرفع حقيبة المال فوق سطح المكتب قائلًا …
– أنا جيت في معادنا مظبوط، بس ده ميمنعش نشرب لنا حاجة في الجو الرايق ده، تصدق الشركة حلوة أوي وهي فاضية …
أنهى عبارته متجهًا نحو البراد ليخرج علبتين من العصير بأريحية شديدة، تابع بالثرثرة بعدة مواضيع لا علاقة لها بما سوف يتبادلانه، بل كان يشغل الوقت حتى تمر الساعة ليتبادل وقتها المال مع الأوراق ويسقط “خالد” في بؤرة الشرك الذي نُصب إليه …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت المستشار خالد دويدار …
لم يكذب السراب ويضللنا، نحن فقط من رأيناه ماء، تضيع الفرص لتثبت لنا أننا كنا على خطأ، فلم نكن سندرك قيمة أنفسنا إلا حين ننتبه …
حملت “منار” و “أم مجدي” بقية أطباق طعام الغذاء المتأخر الخاص بـ”رؤوف” لتغادرا الغرفة منذ قليل، أعاد “رؤوف” رأسه للخلف يستند به على السرير مغمضًا عيناه ببعض الراحة فجلسته لتناول الطعام مازالت تؤلم جرحه قليلًا …
إنتبه على دقات متواصلة بهاتفه ليسحبه ينظر نحوه قبل أن يجيب الإتصال، إنكمشت ملامحه بتجهم حين رأى هذا الإسم الذي كاد أن ينسى وجوده ليهمس بإندهاش …
– “نيره”….!!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
ظل ينظر للإسم لبعض الوقت متحيرًا بين الإجابة من عدمها، لكنه حسم الأمر بالنهاية بدافع الفضول لا أكثر للرد …
– ألو …
على الفور سمع صوتها بالطرف الآخر تتحدث بنبرة هادئة منخفضة على غير المعتاد منها …
– إزيك يا “رؤوف” ..؟!!
إختبار جديد وُضع به دون أن يستعد له، إختبار الإشتياق، رغم مشاعره الواضحة تجاه “موده” إلا أنه قبل أن يستمع لصوت “نيره” ظن لوهلة بتخوف أنه قد يميل مرة أخرى تجاهها، لكن مع سماعه لصوتها شعر بأمر تعجب له تمامًا، لقد شعر باللا شيء، كما لو كانت غريبة عنه، لم تهتز لها ذرة بكيانة، وهذا بالفعل أمر أسعده …
رفع رأسه متحدثًا بأريحية لما شعر به تجاهها، فقد عادت غريبة كما كانت من قبل …
– الحمد لله، إنتِ إزيك يا “نيرة” ..؟!!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بذات الوقت تمللت “موده” من إنتظار عودة “غدير” التي تأخرت بالفعل، لتظن أنها ربما تصالحت مع “عيسى”، لهذا لم تأتي حتى الآن …
قررت أن تمر بـ”رؤوف” مرة أخرى بدلًا من بقائها بشقة “غدير” بمفردها، لكن حظها السئ جعلها تتواجد بنفس الوقت الذي تابع به “رؤوف” مكالمته مع “نيره” ..
إنشغلت “منار” بالمطبخ برفقة “أم مجدي”، وقد طلبت من “موده” أن تسبقها لغرفة “رؤوف” وستلحق بها على الفور …
قبل أن تدنو من غرفة “رؤوف” إخترقت أذنيها عبارته [ إزيك يا “نيره”]، تيبس جسدها عن الحركة لتقف بموضعها دون حراك وقد بُهتت ملامحها وفغرت فاها بصدمة وهو يستكمل …
– سكتي يعني ؟!!!
إستطردت “نيره” بخزي من تخليها عنه بمحنته …
– أنا عرفت إنك عملت العملية، قلت أقول لك حمد الله على السلامة …
بمجاملة تلقائية ومشاعر خاوية تمامًا …
– الله يسلمك …
لملمت”نيره” كلماتها المبعثرة، فكم تشعر بالندم لما فعلته، لتردف بصوت منخفض للغاية …
– أنا عارفه إنك زعلان مني، بس كنت حط نفسك مكاني، أنا يا “رؤوف” ……
قاطعها “رؤوف” على الفور فلا داعي لهذا الحديث الآن …
– أنا مش زعلان منك يا “نيره”، أنا ….
لم تحتمل “موده” أن تستمع لعتابه لها لأكثر من ذلك لتتقدم بخطوات ثقيلة للغاية وقد هربت الدماء من عروقها لتشحب تمامًا، تباطئ تنفسها و إرتكز سندان من حديد فوق صدرها …
توقف “رؤوف” عن الكلام حين رأى “موده” تناظره بأعين معاتبة، نظرات لوم وإتهام هو برئ منه، إنها لم تستمع إلا للحديث الظاهر بأنه يطمئن عليها ويخبرها أنه ليس غاضب منها ..
لم تفهم مقصده وإتهمته بسوء ظنها دون أن تدرك الحقيقة، فقد أعماها سوء الظن …
نظرة حزينة يملؤها اللوم ثم تراجعت تمامًا لتسرع بخطواتها نحو الخارج، بينما ألقى “رؤوف” الهاتف غير عابئ بـ”نيره” وحديثها، لكنه لم يستطع اللحاق بها فمازال جرحه لا يمكنه من التحرك بعد …
هتف مناديًا “موده” كما لو كان ينادي روحه التى تقتلع منه …
– إستني يا “موده”، “مـــــــــــوده”، إفهمي الأول …
لكن طيفها غاب تمامًا، ليتهدل “رؤوف” بإحباط شديد فهو لن يتحمل خسارتها، يجب أن تستمع إليه لكنها تركت عنان ظنونها دون تيقن، يا ليتها تدرك أن بعض الظن إثم …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
المستشفى التخصصي ..
غيمة ظللت تلك السماء لتبكي، كما لو كانت تعلم الأوجاع التى تحتل قلبي، فلينادي الجميع بجهور صوته يخبره، من لي سواه وهو سلامتي وحصني، أخبروه أني وسط الأمواج أغرق، أبحث عن شاطئيه لأنجو، لكني حين وصلت شاطئه؛ وجدت نفسي فوق اليابسة أغرق …
أفاقت “غدير” بوهن غلب ملامحها المنكسرة، بعد أن ضاعت ضحكتها في تشتت الظنون والأكاذيب، نظرت حولها بتجهم تحاول إدراك أين هي وما الذي أتى بها لهذا المكان …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
حاولت رفع جذعها بروية لتدرك أنها بالمستشفي، لكنها تفاجئت بمن تصاحبها هنا، همست بإندهاش …
– “سندس” ….!!!
قرع طبول الحرب كانت تتصارع بداخل “سندس”، لكنها رغم ذلك أجابتها بهدوء …
– حمد الله على السلامة، إنتِ كويسة دلوقتِ ؟!!
تقوست شفتيها بتعاسة، لم تفكر فيمن تخبره بالأمر، لكن ما بداخلها من حزن أرادت مشاركته مع من يمر فقط أمامها، لقد أثقلها الحزن و بُعدها عن حبيبها، أرهقها الخصام والتجاهل، أرادت فقط العودة إليه، وجدت “غدير” نفسها تستطرد دون توقف رغم ألآم أزمتها التنفسية الجديدة …
– حبقى كويسة إزاي، و”عيسى” زعلان مني كدة، عارفه، لو أنا وحشة وعملت كدة، مكنش حيهمني، بس والله أنا بريئة أنا بحب “عيسى” ولا يمكن أخونه أبدًا …
جذب إنتباه “سندس” كلمة -خيانة- لتسحب أحد المقاعد تسألها بفضول شديد …
– لأ، واحدة واحدة كدة وإحكيلي الحكاية من الأول …
مطت “غدير” شفتيها وهي تتذكر ذلك اليوم الذي قابلت به “رشيد” …
– أنا غلطت إني مقولتش لـ”عيسى” على “رشيد”، أنا زمان أوي كنت فاكره إني بحب “رشيد”، ووقت الجد إتهرب مني ومرضيش ييجي يخطبني من خالي، بعدت عنه وقابلت “عيسى”، ومن يوم ما عرفته نسيت “رشيد” والأيام دي كلها خالص، مرضتش أحكي لـ”عيسى” عليه عشان من كتر حبه فيا بيغير عليا أوي، وفي يوم قابلني “رشيد” وحاول يقولي إنه ندمان وعايزني أرجع له، ده حتى جاب لي خاتم هدية شكله غالي أوي، وأنا زعقت له وضربته بالشنطة كمان …
تنهدت بتحسر ثم أردفت تستكمل حديثها وسط تحفز “سندس” لسماع كافة التفاصيل …
– كنت فاكره إنه بعد عني وسابني في حالي، من كام يوم رحت أزور أختي، وأنا في الشارع حد رمى عليا مياه مش نظيفة خالص خالص، طلعت آخد دش …
صمتت لوهلة تتذكر تلك المواجهة القاسية على قلبها ثم أكملت …
– فجأة سمعت حد بيخبط على الباب لبست البرنس بتاع “موده”، ويا ريتني ما طلعت، لقيته “عيسى”، قال إيه بيقولي إن أنا إللي بعت الورق بتاعة بخاتم، لما طلعه من جيبه عرفت إنه هو هو خاتم “رشيد”، ويا ريت كدة وبس، ده بيتهمني ويظن فيا إني خونته معاه، مش عارفه إيه إللي حصل، بس الظاهر “رشيد” وقعني في ملعوب خلى “عيسى” يصدق إني خاينة …
بنظرات مترجية ودموع متلاحقة إستقرت مقلتي “غدير” نحو “سندس” قائله …
– والله ما خاينة، ولا كذابه، أنا فعلًا قلت له إني حامل، بس عشان ميتهورش ويطلقني، قوليلي أعمل إيه، أنا بحبه ومقدرش أعيش يوم من غيره، ده هو روحي وحياتي …
بعد صمت طويل من “سندس” وهي تستمع لكافة التفاصيل بتمعن نطقت أخيرًا …
– إهدي طيب، الأمور حتتصلح، نامي إنتِ بس دلوقتي عشان شكلك تعبان أوي …
هزت “غدير” رأسها برفض وقد تعالت شهقاتها ودموعها الساخنة، فقد خرجت كل الأمور عن السيطرة، ولن يعود “عيسى” إليها مطلقًا، خاصة بعد تيقنه من كذبها مرة تلو الأخرى ….
بعد فترة من الوقت غفت “غدير” مرة أخرى، لتنهض “سندس” وقد لاحت بأفكارها فكرة ما جعلت عينيها تشع بلمحة ماكرة، وعليها البحث بالمستشفى عمن يسهل لها مساعيها …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بعد إنتظار طويل وساعات مرت دون أن تأتي “عهد” كما وعدت خالتها، إضطرت “زكيه” بالذهاب لمحل العطارة الخاص بـ”فخري” لسؤاله عن “مأمون” و “نغم” ….
وقفت “زكيه” بتوتر أمام المحل فهي قلقة للغاية على إبنتها الصغيرة، ويكفي سلبية حتى الآن عليها البحث عنها بنفسها فلن تنتظر أن يساعدها أحد …
دلفت بخطواتها الهادئة نحو الداخل ليقابلها “فريد” بالبداية مرحبًا بها …
– معقول، حمد الله على سلامتك يا مرات عمي …
– الله يسلمك يا “فريد” …
إنتبه “فخري” لوجود “زكيه” فأسرع بالنهوض من خلف مكتبه متجهًا صوبها بترحاب …
– يا أهلًا يا “أم شجن”، وأنا بقول المحل نور …
– تشكر يا “أبو فريد”، كنت جايه أسألك سؤال بس …
أشار “فخري” نحو المكتب يدعوها للجلوس أولًا…
– وده إسمه كلام، تعالي إقعدي الأول وبعدين نتكلم …
تقدمت “زكيه” لتتخذ مقعدًا تبعها “فخري” و”فريد”، تسائلت دون إنتظار فقد إحترق صبرها …
– كنت عايزة أعرف عنوان شقة “مأمون” يا سي “فخري”، أحسن نفسي أطمن على “نغم” …
بأريحية شديدة أشار “فخري” لـ”فريد” …
– بس كدة، روح وصل مرات عمك يا “فريد” لشقة اخوك إللي في شارع سيد النعماني …
قاطعته “زكيه” بالمعارضة …
– لا يا أخويا، مش دي، أنا رحت هناك، ملقتش حد، والناس بتقول إنه ساب البيت ده …
تراجع “فخري” بجذعه للخلف وقد إقتضب وجهه بإستنكار …
– ساب البيت !!!! سابه وراح فين ؟!! ومقالش ليه إنه سابه ؟!!!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بدأ التخوف يدب بقلب “زكيه” فقلبها هو مستشعرها الذي أوصل لها هذا الإحساس منذ أن بحثت عن شقتهم، فهي تشعر بأن هناك أمر لا يدعو للراحة …
– يعني إيه يا سي “فخري” ؟!!!! هو إنت مش عارف قاعدين فين ؟!!!!
أجابها بالنفي التام …
– لا والله، أنا معنديش خبر بحكاية إنه ساب الشقة دي، (ثم نظر لـ”فريد” يسأله عن ذلك)، إنت تعرف يا “فريد” ؟!
أجابه “فريد” بإندهاش …
– لأ خالص يا حاج، “مأمون” مقالش إنه ساب الشقة، حتى يوم الفرح محدش وصلهم، هم طلعوا بالعربية على طول، ومنعرفش شقتهم فين …
نهضت “زكيه” تهتف بفزع …
– لأ، أنا قلبي مش مطمن أبدًا، بنتي راحت فين بالضبط ….؟!!
توجس قلبها من هذا الإهتمام الزائد عن الحد، ترى هل كان “فخري” يخدعها بقناع الندم والطيبة، هل هو متواطئ بأمر ما سيؤذي إبنتها؟!!!
دارت بها الظنون ولكنها لن تترك بنتها هذه المرة، يكفيها إستسلام وخنوع، ستبحث عنها وتعيدها إلى أحضانها مهما لزم الأمر …
– أنا عايزة بنتي دلوقتِ حالًا، أنا مش مرتاحه للي بيحصل ده، بنتي فين يا “فخري”، هات لي بنتي إللي إبنك أخدها …
تفهم “فخري” قلق “زكيه” على إبنتها ليهدئ من إنفعالها بهدوء …
– طيب إهدي بس، وحنحاول نوصل لهم حاضر، متقلقيش يا “زكيه”، ده “مأمون” برضه، ده إبن عمها قبل ما يكون جوزها، يعني مش حيأذيها، أقعدي بس، وأنا حوصلك ليها حاضر …
زمت “زكيه” شفتيها بإمتعاض لتصر على البقاء بموضعها حتى يأتي لها بعنوان إبنتها …
– أنا لا حقعد ولا حرتاح، هات لي بنتي الأول يا “فخري” …
مال “فخري” بإستياء تجاه أذن “فريد” هامسًا …
– تقب وتغطس وتعرف لي أخوك أخد بنت عمك فين ؟!!!
نظر نحوه “فريد” بقلة حيلة …
– وأنا أعرف منين يا حاج …؟!! هو “مأمون” حد يعرف عنه حاجة ؟!!
– أهو كدة، إتصرف وخلاص ….
تركهم “فريد” ليحاول البحث عن طريقة يعرف بها عنوان “مأمون” لكن الأمر كان أشبه بالمستحيل فلا أحد يعلم إلى أين إصطحب “نغم” بعد زفافهم، كما لو كان الأمر سرًا خفيًا لا يعلمه أحد، لقد كان يبحث عن السراب دون الوصول لنتيجة ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت النجار (شقة صباح) …
بتوعد وغمغمة لزوجها وغريمتها لم ينقطعا منذ أن أخبرها “صاصا” بأمر خروج “زكيه”، بدلت ملابسها بعباءة سوداء مطعمة باللون النحاسي والذهبي بشكل ملفت، سحبت “صباح” تلك اللفافة التي أحضرها “صاصا” عاقدة العزم على الإنتقام …
خرجت من شقتها متجهة نحو محل العطارة الخاص بزوجها أولًا فلن تتركه يهنأ من بعدها، وبالتأكيد ستعود للقائها بتلك الكريهة فيما بعد لتلقى عقابها عليها ويرتاح قلبها المتقد …
لم تكتفي بالسير بخطواتها المنفعلة بل ظلت تسبهم بسخط طوال الطريق القريب …
– ماشي يا “فخري”، ما هو طالما إنت إخترت، يبقى تستحمل بقى يا ******، وهي كمان وربنا المعبود ما أنا سايباها، إما خليتها تبكي بدل الدموع دم بنت الـ**** مبقاش أنا “صباح الجزار” …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
هو الفارس الذي لا يعرف الرضوخ، هو القائد الذي سيتذكره التاريخ، لن يتراجع ولن يتهاون لتلك التهديدات الفاشلة، سيصمد ويحارب حتى يحق الحق مهما كلفه الأمر ….
بقلم رشا روميه قوت القلوب
صف “معتصم” سيارته بموضعها أمام مبنى الجهاز قبل أن يترجل منها بخفته ورشاقته، إتخذ خطواته الواثقة متقدمًا بطريقه لكن إستوقفه رنين هاتفه …
أبطأ من حركته ليجيب عن تلك المكالمة من هذا الرقم المجهول، أجاب بصوته الأجش ….
– ألو …
صوت غريب كما كان الرقم، أجاب على الفور دون التعريف عن نفسه …
– معاك حاجة تخصنا، حنتصل بيك تاني عشان تسلمها لنا، وتخرج بره مهمتك دي نهائي، وإلا ….
أجاب “معتصم” بغرور ساخرًا …
– مال قلبك جامد أوي كدة، بص يا بابا، أنا مبتهددش، وإللي عندك إعمله، وقول للي مشغلك، إنه خلاص وقع، ونهايته على إيدي إن شاء الله …
أثارت ضحكة مُتحدثه العالية ساخرًا بإستفزاز الغيظ بنفس “معتصم”، كما لو كان لا يكترث له ولا يزن له مقدار، ثم قال …
– لأ لأ، بالراحة على نفسك يا باشا لا يجرى لك حاجة، إسمع الكلام مني عشان دي آخر مرة حقولهالك، سلم إللي معاك وسيب المهمة، وإلا ااااا ….
صاح به “معتصم” بإستهزاء …
– أيوه، وإلا إيه بقى إللي عمال تقولها من الصبح دي ..؟؟
أجابه بكلمات تميل للحدة …
– بص يا حضرة الضابط، إنت قدامك إختيار من إتنين، وإنت حر تلحق واحد فيهم، لأن اللعب مع الباشا بتاعنا له عقابه برضه، وإللي إنت عملته في رجالته مش حيعدي بالساهل، قدامك ساعة واحدة بس عشان تنقذ حد من الإتنين إللي تحبهم ويهموك أوي …
فور سماع “معتصم” لكلمة (تنقذ) شعر بالتخوف على كل أحبائه، فيا ليته هو المقصود ما كان سيكترث، لكن يبدو أن هذا الوضيع إختار مسلكًا آخر لتهديده بأحبائه …
بدون أن يظهر قلقه أجاب “معتصم” بثبات …
– إنت قصدك إيه ؟!! إخلص أنا مش فاضي لك ؟؟!
أجابه بإيضاح شديد …
– بقى كدة، ماشي يا حضرة الظابط، عمومًا إحنا كنا حنزعلك في حد من حبايبك، بس الظاهر إن حظنا حلو، وبالصدفة طلع قدامنا من غير تعب إن حد تاني من حبايبك ممكن نضربك بيه، والدك يا “معتصم” باشا …
هتف به “معتصم” بإنفعال …
– ماله والدي، إنطق أحسن أفرمك تحت إيدي …
بضحكته المستفزة أكمل…
– حيلك، حيلك، مش تعرف الحكاية الأول، والدك الأستاذ العظيم المستشار “خالد باشا دويدار”، متظبطاله قضية رشوة إنما إيه، عنب، كلها ساعة بالضبط والشرطة تكون عنده في الشركة بتلبسه الأساور متلبس، وخد بالك ولا تليفون حينفع ولا حد حيقدر ينقذه غيرك، لو رحت هناك وتلحقه قبل ما يتقبض عليه ويقضي بقية عمره في السجن، بتهمة الرشوة وساعتها حتسيب إنت كمان مكانك يا ضابط يا عظيم …
زاغت سوداوتيه بغير تصديق فوالده مثال للإلتزام والشرف، كيف يسقط ببئر الحرام، ليهتف “معتصم” بإنكار …
– لأ طبعًا، والدي لا يمكن يعمل كدة أبدًا …
أجابه المجهول بنبرة تحدي …
– أنا قلت لك وإنت حر، لو ملحقتهوش خلاص، يدخل السجن، وساعتها حتحس كل يوم بالذنب إنك مساعدتهوش ولحقته قبل ما يتقبض عليه …
تهدج صدر “معتصم” بإنفعال ليكز أسنانه بغيظ، فقد تخبط بين أن يكون الأمر صحيحًا بالفعل ويتم القبض عليه، أو يكون الأمر ما هو إلا كذبه ويتنازل عن معركته لأجل تهديد فارغ …
لم يكتفي المجهول بذلك فأكمل يضرب الحديد وهو ساخن فقد شعر بإرتباك “معتصم” فضربة والده كانت قوية للغاية …
– بس، ااا، مش عايز أفكرك إنك لازم تختار بين “خالد” باشا، وحد تاني …
صمت “معتصم” هذه المرة يحاول تخمين من الشخص الآخر الذي سيفاضل بينه وبين والده، فوالده لن يقارن بآخر وعليه إنقاذه من تلك الكارثة، إستطرد المجهول قائلًا …
– الشخص التاني في مكان تاني بعيد أوي، عشان يبقى قدامك إختيار واحد بس، وتشيل ذنب التاني بقية عمرك، ما هو إللي عملته مع الباشا له عقابه برضه ومش حيعدي بالساهل، لازم تخسر حاجة يا حضرة الظابط، الإختيار التاني حيوصلك في فيديو وإنت عليك تختار، قدامك فرصة وحكلمك تاني …
أغلق المجهول المكالمة لتصل رسالة واردة على الفور، أسرع “معتصم” بفتحها ليرى بم يهدده هذا الحقير …
سرعان ما تبدلت ملامحه المنفعلة لأخرى مصدومة دون تصديق لما تراه عيناه، ليهتف بصدمة …
– عهد …..!!!!!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)