روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل السادس عشر 16 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الفصل السادس عشر 16 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء السادس عشر

رواية ظننتك قلبي البارت السادس عشر

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة السادسة عشر

لم نعيشُ بمنتصف الأحداث ، يُكتَب علينا العيش معلقين دون راحة ، لا نحب ما يحدث ولا يحدث ما نحب …!!!
حياة مفروضة على الجميع وعلينا تقبلها أو إظهار ذلك كذبًا ، لكن متى ينقشع الضباب وتظهر حقيقة النفوس وتقبل الأمر الواقع ..
بتلك الأمسيه إلتف الجميع حول منضدة الطعام ببيت “فخري النجار” لتناول طعام العشاء المميز والذى تحضره “صباح” على الدوام…
موعد تقليدي لتناول الطعام لكن زائرين متطفلين أصبح وجودهم أمرًا واقعً ، قلوب مزيفة متصنعى المودة التي ليس لها وجود بقلوبهم …
بصخب شديد تناول “فريد” و”حنين” وأبنائهم بالطبع طعام العشاء برفقة “فخري” و”صباح” و”راويه” دون سابق دعوة لوجودهم ..
إمتعاض وإستنكار لوجودهم وتطفلهم ، لكن ذلك لم يكن ليثينيهم عن فرض تواجدهم المتكرر لما يرونهم حق مكتسب لا يمكنهم التنازل عنه ..
بعد إنتهاء تلك الوجبة الشهية بأصنافها الدسمة عاد “فريد” و”حنين” لشقتهم بالدور الأرضي …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
دلفت “حنين” للداخل وهي تدب الأرض بقدميها بإنفعال و سخط شديد لتلقي بعبائتها وطرحتها فوق أحد المقاعد بإهمال ثم هتفت بحدة فجأة فور أن أصبحا بمفرديهما ، كما لو أن وجودهم بشقتهم هي إشارة لإخراج حقيقة ما بقلبها ، لم يكن “فريد” كذلك سوى الجانب المهترئ الذى تسقط عليه غضبها والسبب بالطبع أخته “راويه” …
– أختك دي بلوه ، محسساني إننا بنشحت منهم ، فيها ايه لما بنطلع نتعشى مع أبوك وأمك ، ما فيش مرة إلا لما تقول كلام زي السم ، ما تتلم بقى وتحط لسانها في بوقها … !!!
ضعف وإستكانه وتردد ذلك رد فعل “فريد” الدائم والمتوقع منه أمام غضب “حنين” العاصف كرياح أعاصير الشتاء ، غضب متكرر إعتاده “فريد” ليردف محاولًا تهدئتها قليلًا …
– بالراحة يا “نونه” ، هي أكيد ما تقصدش ، إنتِ عارفه ظروفها وحكاية إنها بقت عانس دي مخلياها مش طايقة نفسها …
حديثه المستفز كان إشارة لها لهياج وغضب أكبر زاده شعورها بالتقزز والنفور من “فريد” ، فلم تعد تطيق حديثه الخانع لترمقه شذرًا بنظراتها الحادة كمن وضع الحطب ليزداد لهيب النيران التى تسعر بداخل عيناها السوداء الساخطة عليه وعلى كل ما يخصه ، شهقت بقوه لتحتد نبرتها المستهزئة …
– ظروفها ، قال ظروفها قال ، ظروفها دي على نفسها مش عليا ، ده أنا “حنين السيد خلف” إللي وقفت الحارة دي كلها على رجل ، عايزاني أنا أشتغل بلقمتي ..!!!! طب إيه رأيك أنا حطلع كل يوم على العَشا ومش حاحط إيدي في أي حاجة وأقعد هانم ، وهي تيجي تِخَدم عليا كمان ، فااااااهم …
بمحاولة إسترضاء فاشلة أخرى أجابها “فريد” …
– طبعًا يا حبيبتي ، ولا تزعلي نفسك ، أنا بكره حكلملك ماما تظبُطها لك وتمشيها على العجين ما تلخبطوش …
عقصت انفها بقوة وهي ترج جسدها بإهتزاز غاضب مستهزئة بحديثه ، طالعته بدونية قبل أن تشيح وجهها عنه قائله …
– لا يا أخويا ، سيب الحكاية دي عليا أنا ، هو إنت بتعمل حاجة !!!
لها القدرة بثوانٍ قليلة بأن تقلب الدفة عليه ويظهر هو المخطئ من جديد ، فها هى سحابة من التأنيب والتوبيخ تخصه تبوح بأفق “حنين” يستطيع إدراكها جيدًا ، إمتعض وجهه بإستياء لكنه كان أجبن من إظهار ذلك ليردف بخنوع …
– وهو أنا عملت إيه بس ..؟!! ما أنا بعمل إللي إنتِ بتقوليلي عليه بالحرف الواحد ..
مالت “حنين” برأسها للأمام وهي تجحظ بعينيها بصورة مفزعة لنفس “فريد” الضعيفة ، رجفة من داخله دفعته للرضوخ منصاعًا لما تطلبه على الفور حين قالت …
– عشان كده عايزاك تسمعني كويس ، الظاهر الناعم مش نافع مع أبوك ، إنت لازم تاخد حقك غصب عن الكل …
أعجبته تلك النبرة فليس عليه البحث عن رضا والده و آن الأوان للتحرك بمفرده وما عليه إلا الإنصياع لأفكار “حنين” اللامعة …
– إزاي …. أعمل إيه …؟!!
جلست “حنين” وهي ترفع أنفها بغرور تظن أن أفكارها لا مثيل لها مطلقًا لتبدأ بالإيضاح لـ”فريد” لما يتوجب عليه فعله …
– طالما العِدل مش نافع … خلينا في الملفوف …
رفع “فريد” طرف شَفته العُليا وأنفه ببلاهة ليحرك رأسه بدون فهم متسائلًا …
– يعني أعمل إيه يعني … مش فاهم …؟؟؟
عبارة كانت كفيلة بإثارة حنقها لتضطر للشرح التفصيلي بما يتوجب عليه فعله من الآن فصاعدًا …
– شوف يا “فريد” طالما مش عارف تمسك تجاره أبوك يبقى لازم تعمل شغل من وراه … وإنت عارف السكك والتجار … ساعتها يبقى لك إسمك في السوق وتشتغل لحسابك وتعمل بيزنس يطلعنا من القمقم إللي ساكنين فيه ده …
لاحت بعيناه بريق متوهج فقد أثار الأمر إعجابه بقوة …
– لأ .. فهميني أكتر … يعني أعمل إيه بالضبط …؟؟!
مالت بفمها بغرور لتبدأ بالشرح المفصل فربما يفهم هذه المرة ..
– تعمل شغل من ورا أبوك بس بإسمه … يا إما يِنالك الهنا كله … يا إما يناله هو الأذى … وإنت تبقى بعيد عن كل ده …
إتسعت ابتسامة “فريد” إعجابًا بذكاء “حنين” ليشيد بها ، مما جعلها تزداد غرورًا وخيلاء …
– ده إنتِ ما فيش في دماغك اتنين .. تعالي بقى نفكر تيجي إزاي و أشتغل من ورا إزاى …؟!!
رفعت “حنين” كتفيها وأهدلتهما وقد زادت ثقتها بنفسها بعد تملق “فريد” لها …
بسيطة خالص “مأمون” أخوك كلها أسبوع ويسافر … إنت بقى تبدأ تعمل شغل بين التجار بحاجات صغيرة … لما تسلك نكبرها ولا من شاف ولا من دري … أنا كمان في دماغي فكرة حبقى أقولك عليها … دي لو نفعت حتودينا في حته تانيه وإبقى قول “حنين” قالت …
– وأنا من إيدك دي لإيدك دي يا “نونه” …
❈-❈-❈
شقة فخري النجار …
إنسحب “فخري” تجاه غرفته للنوم بعد تناول العشاء كالعادة لتبقى “صباح” و”راويه” بمفردهما فهو لم يعد يطيق بقائه لأكثر من ذلك معهما …
شحن للنفس مُعتاد عليه بهذا المكان لكن تلك المرة لم تكن “صباح” صاحبة إثارة الحنق ، بتذمر شديد وقفت “راويه” تحث والدتها على التصدي لـ”حنين” التي تستغل كل الفرص لتسيطر على تلك العائلة …
– يعني يا ماما ما شفتيش طريقتها … لازمن تقف عند حدها … خدامين أهلها إحنا …!!!
لم تكترث “صباح” بكل تلك المناوشات التي لن تفيدها بشيء رفعت ذراعها الثقيل لتمسح جبهتها مُصدرة صوت ضجيج أساورها المحبب المبهج لنفسها ثم أجابت “راويه” بإمتعاض لتفكيرها المحدود ..
– بقول لك إيه ….!!! بطلي خيابه يا بنت “فخري” شيلي “حنين” من دماغك دلوقتِ … أنا مش عارفه إنتِ حاطاها في دماغك ليه …!! خلينا في إللي أهم من “حنين” ….
مالت “راويه” برقبتها للأمام قليلًا وهي تعقد أنفها بضجر من تعليق أمها على غضبها من فرض سيطرة “حنين” ..
– أهم من “حنين” …!!!! هو في حاجة أهم من “حنين” …؟!!!
تجلت بعينيها السوداوتين نظرات ماكرة ليزداد وجهها إقتضابًا و سواد ، ليزيد قبحها النابع من داخلها وليس من سوء ملامحها …
مالت “صباح” بجذعها للأمام وهي ترفع عينيها تجاه السقف كما لو كانت تشير إليه مردفة بصوتٍ خفيض للغاية حتى لا ينتبه لها “فخري” …
– بنات الخدامة ..
مطت “راويه” شفتيها من ذِكر سيرتهم التي تُعكر صفوها قائله بحنق …
– مالهم تاني …؟!!!!!!!
نظرت “صباح” بداية نحو الممر المؤدي إلى الغرف لتتيقن بأن “فخري” ليس بالجوار لتعيد وجهها تجاه “راويه” قائله بهمس خبيث للغاية كالأفعى التي تسعى للإنقضاض على فريستها ….
– ما هو مش كل يوم والتاني يجي لهم عرسان … وبالعافيه أطفشهم مرة تصيب ومرة تخيب … أنا لازم أشوف حل نهائي للموضوع ده …
– أيوه إنتِ عايزة تعملي إيه يعني …؟!
– هو أنا جايباكِ عشان تسأليني أعمل إيه … ؟؟! هو إنتِ مُخك ده ما بيشتغلش خالص …!!!!!! قال على رأى المثل (دقت الطبلة وبانت الهبلة ) …
ضغطت “راويه” بعينيها تذمرًا من توبيخها المستمر …
– وبعدين معاكِ بقى … متقولي إنتِ عايزة إيه وخلاص …. أنا إيش عرفني …؟!!!
لم تشعر “رواية” بيوم من الأيام أن “صباح” تحبها وتسعى لمصلحتها بل كانت دائمًا تسبب لها الحيرة ، فهل ما تفعله نابع من محبة لها ؟؟ ، أم أنها لا تبالي بها ؟؟؟ ، هل تفعل ذلك مساعدة لها ؟!! أم أنها تنفذ رغبة داخلية إنتقامية تجاه “زكيه” وبناتها ..!!! ، سحبت “راويه” نفسًا عميقًا ثم زفرته ببطء قبل أن تردف بتملل …
– إنتِ في دماغك إيه بالظبط ..؟!!!
دارت “صباح” بعينيها السوداوتين دون الوصول لحل جذري يريح قلبها تجاه “زكيه” وبناتها …
– وهو أنا لو أعرف كنت سألتك يا آخر بختي …!!!
نهضت “راويه” من جلستها تشيح بكفها وهي تاركة أمها بمفردها مردفه بلا مبالاة …
– خلاص لما تعرفي إبقي قولي … أنا طالعه أقف فى البلكونه …
أخذت “صباح” تتذمر من إبنتها بليدة الإحساس فهي لن تنفعها بشيء الآن ، وأن عليها التفكير بمفردها بحل يريحها من شغل تفكيرها ببنات “زكيه” اللاتي يسببن لها هما ثقيلًا طيلة الوقت …
– أهو ده إللي فالحه فيه ..!!!!!!
❈-❈-❈
شقة زكيه …
أمسية شاقة على النفوس بعد يوم قاسٍ طويل ، وضعت “زكيه” الطعام بصمت لم تعتاده “نغم” و”شجن” فملامحها المقتضبة توحي بأن هناك أمر حل الضيق بقلبها
ربما لم تتفوه به “زكيه” لكن قلوبهن تشعر بأوجاع بعضهن البعض …
قلبتا نظراتهما نحو أمهم لتبدأ “نغم” بحسها المرهف تحاول حث “زكيه” على إخراج ما بقلبها ..
– مالك يا ماما مين مزعلك …؟!!
لحقها سؤال “شجن” بينما تجلت بعينيها وميض فراستها لتسألها بشك ..
– مين زعلك يا زوزو ..؟!!
تبسمت “زكيه” ببسمة حزينة رسمت فوق شفتيها ثم تنهدت ببطء ..
– ولا حاجة يا حبايبي … ولا حاجة …
مالت “شجن” برأسها قليلًا وهي تطالع والدتها بسوداوتيها المتوهجتان متسائله …
– وهو إحنا تايهين عنك يا زوزو … إيه إللي حصل ..؟!!
حيرة طلت من بين عينيها اللطيفتان وهي تطالع بناتها أتخبرهم بما فعلته “صباح” التي أصبحت أفعالها تطالهم بالأذى أم تكتفي بالصمت لتومئ رأسها بخفه قائله …
– طالما إنتوا بخير .. أنا بخير ..
هنا تأكد شك “شجن” بيقين تام أن الأمر له علاقه بهذا الطبيب الذي تقدم لخطبتها فلابد أن شيئا ما حدث وتراجع عن الأمر مثل كل مرة فيبدو أن “صباح” لن تكف عن أذيتهم …
أسرعت “نغم” ببراءتها المعهودة تظن أن الأمر لا يخرج عن ضيقة مالية أخرى تمر بها والدتها …
– لو على الفلوس يا ماما إحنا الإتنين بنشتغل دلوقتِ … بس نصبر لأول الشهر حنقبض ويبقى معانا فلوس كويسة أوي …
رغم إدراك “شجن” الأمر إلا أنها إبتسمت بسمة متضايقة تخفي بداخلها حنقها على “صباح” وأفعالها لكنها نظرت نحو والدتها بإشفاق فيكفيها ما يملأ قلبها من حزن الآن لتلتزم الصمت دون تعقيب أو عتاب لتشبث والدتها بالبقاء بهذا البيت …
رفعت “زكيه” بصرها تجاه “شجن” التي أخبرتها عيناها دون حديث بفهمها لما حدث لتزوغ بعينيها عنها تهربًا من ملامتها ، أجابت تساؤلهم بحديثها الكاذب مختلقة سبب واهي لحزنها الظاهر على ملامح الطيبة ..
– أه يا حبايبي هي الفلوس .. ربنا حيفرجها إن شاء الله …
عقبت “نغم” ببساطة لتخرج والدتها من همومها ..
– و إيه يعني يا ماما .. واحنا من إمتى بيهمنا الفلوس … إحنا طول عمرنا أغنياء ولا بيفرق معانا ولا ذهب ولا فلوس …
إبتسمت “زكيه” وهي تنظر إلى وجهيهما مردفه بفخر …
– إنتوا جواهر وأغلى من الذهب وأغلى من فلوس الدنيا كلها …
سحبتها “شجن” من ذراعيها قائله …
– يعني مش ناوية تعشينا النهاردة ولا إيه … أنا موت من الجوع … طول النهار ما بين المستوصف والمستشفى …
إلتفتت “زكيه” نحوها بتساؤل وفضول …
– صحيح إيه حكاية المستشفى دي …؟!! إيه إللي حصل …؟!!
جلس ثلاثتهم حول المنضدة لتناول الطعام وسرد أحداث يومهم ببساطة وحميمية ككل يوم لتخبرها “شجن” عن “أيوب” والحادث وتشبثه بها وبقائها معه لطمأنة قلبه الوحيد …
عقبت “زكيه” بتفاخر لمساندة شجن لهذا الرجل …
– طول عمرك طيبة وبتدوري على الخير وتعمليه … ربنا يوقف لك ولاد الحلال دايمًا في طريقك …
طالت “شجن” بنظرتها تجاه والدتها بنظرة قوية متمردة لتردف قائله بذكاء تخفي خلف كلماتها عتاب لوالدتها …
– الخير والطيبة مش في السكون والإستسلام بس يا ماما … ساعات الخير لما بيكون معاه القوة بيكون أكبر وأعظم …
بتهرب سألت “زكيه” إبنتها “نغم” حتى تتهرب من حديث “شجن” الذي تدري نهايته جيدًا …
– وإنتِ يا “نغم” مبسوطة في المكتبة …
ملأت “نغم” فمها بالطعام دون الإنتباه أنها ستشارك بهذا الحوار بينهم لترفع وجهها الممتلئ ببراءة مجيبة والدتها أثناء إبتلاعها للطعام …
– حلو جدًا … وأستاذ “بحر” متفهم أوى … والشغل هناك سهل ولذيذ ..
ضحكت “شجن” على طريقة “نغم” و وجنتيها الممتلئتان بالطعام ..
– هو إيه إللي لذيذ …!!! إرحمي بطنك شويه … الشغل إللي لذيذ ولا الأكل …
– فيه إيه يا “شجن” … جعانه .. الله …
إبتسمت “شجن” لتنظر تجاه والدتها قائله …
– إعملي حسابك يا ماما بكره هاخد معايا أكل لعم “أيوب” في المستشفى لما أروح أزوره …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بكرمها الزائد أجابتها “زكيه” …
– أكيد يا بنتي … واجب برده ححضر لك علبة أكل كويسه تاخديها معاكِ وإنتِ رايحه له ..أهو كله بثوابه …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
سويسرا …
منذ متى تصبح الحقيقة موجعة إلى هذا الحد ، أليست تلك التى تسعى إليها منذ تفتق ذهنها وعقلها على الحياة ، أليست هي من كانت تضرب بالأكاذيب عرض الحائط ولا تهتم سوى للحقيقة ، والحقيقة فقط …
لِمَ تتمنى الآن أن تكون مغفلة ، تغفل عن واقع يقسو فوق قلبها الوليد ، هل كان يجب عليها ألا تكون بهذا الذكاء ، هل الغباء الآن أصبح هو الميزة والمكافأة …
لو كان للمرء نقطة ضعف فهي تكمن بالأشياء التى يحبها ، ربما بوقت آخر وزمن آخر .. وشخص آخر ، لكان تقبلها لما حدث أهون بكثير ، لكنه موجع منه ، هو الذى ظنت أنه له بقلبها مكان لم يتمكن غيره من إقتحام حصونه أو حتى أن يدنو قربه …
لم تشعر بوخز موجع كما شعرت به الآن وهو يخبرها أن الأمر برمته ما كان إلا مهمة ، وقد أدى مهمته على أكمل وجه ، إنها لم تكن سوى (كبش فداء) لإنجاحها ، إن الأمر لم يتعدى مجرد تمثيلية متقنة للوصول لغايته …
لوهلة شعرت بضعفها كما لو أنها تقف بالعراء دون حامى أو سند ، شعرت بالدونية وقلة الشأن ، لو كان يدرى ماذا فعلت كلماته بها لصمت دهرًا دون حديث …
إرتجفت بنفس مهتزة تشعر بغصة شديدة بقلبها وجفاف بحلقها و … حرقة بمقلتيها …
(لا … لا يا عيناي أبدًا لن تضعفى … لن تنهزمي … وليس هنا … وليس أمامه ..)
هكذا أخذت “عهد” تزجر نفسها التى ضعفت و أوشكت على السقوط ، قبضت كفيها بقوة تبث بهما غضبها وضيقها ، أخفت إرتجافها وإهتزازها خلف هذا القناع الذى إعتادت إرتداؤه فلن تسقط ولن تنحنى ولن تقبل الهزيمة …
حركت رأسها تزيح أفكارها وهى تتشدق بعنقها بشموخ محاولة السيطرة على صدرها الناهج وعيناها المتأرجحتان …
– تمام يا حضرة الضابط …
قالتها بحدة ليشعر “معتصم” بهذا التغير بنبرتها ليميل وجهه متفرسًا ملامحها الثابتة بشكل يثير القلق …
– مالك يا “عهد” …؟!!
ضغطت بقوة على أسنانها المصكوكة قبل أن تردف بإقتضاب وجدية جديدة للغاية على مسامعه …
– المهم إن مهمتك كملت يا فندم … أنا مش مهم …
رفع حاجباه قليلًا لتشع عيناه بريق لماح حين فهم بفراسته فهمها الخاطئ ليتحفز بالرد عليها موضحًا الأمر …
– بلاش تاخدي الأمور بالحساسية دي … أنا برضه كنت معاكِ لحظة بلحظة ولا يمكن كنت حسيب أى خطر أو حاجة تصيبك …
أردفت بسخرية وهي مازالت ترفع من رأسها بتعالى ..
– لا والله كتر خيرك …!!!
نهض “معتصم” يقف قبالتها قائلًا بصرامة حتى لا يدع الشك يتوغل بقلبها …
– “عهد” … إنتِ أكبر من إن حد يقل منك … أنا …
لم تستطع “عهد” كبح غضبها وثورتها خاصة منه ومن اللعب بها وبمشاعرها حتى بعد إنتهاء المهمة لتضع وجهها بمجابهته وقد إتقدت عيناها بذات الشرر الذى طالما كانت تتحلى به ، هذا الإنفعال الذى لم يراه منها من قبل ، لتردف مقاطعة إياه عن إستطراده بحديثه الكاذب الخالي من الصحة …
– يقل مني …؟!! إنت شايف كدة …؟!! عندك حق … ما أنا الغبية إللي مليش قيمة … ترموها فى مهمة من غير ما تعرف عنها حاجة كأني مساويش أى حاجة ..!!! يولعوا فيها … يضربوها بالنار … يقتلوها … فى داهية … المهم الباشا يبقى بخير …!!!!!!
هتف “معتصم” بإنفعال لفكرها المحدود وإنفعالها المبالغ فيه ليحاول تبرئة نفسه وتهدئتها بذات الوقت …
– إنتِ إزاى فاهماها كدة …؟!!! “عهد” … فوقي .. ده شغل … ومتنسيش أنا كنت بحميكي كويس … أنا عرفت إن إنتِ إللي حتقومي بالمهمة .. بس معرفكيش شخصيًا … ومكنتش أقدر أوضح لك تفاصيل أنا معنديش أمر بإيضاحها … المهمة كانت عايزة كدة …
أغمضت عيناها لوهلة ربما هو محق بهذا الأمر وهي تسقط غضبها من “نظمي” ومجموعة عملها اللذين أخفوا هذه المعلومات الهامة عنها ، لكنه يظل من تصنع الإهتمام والإعجاب بها ما هو إلا إدعاء ، ما ظنته نهاية لليلها الطويل هو مجرد مهمة برع بتأديتها على أكمل وجه ، مهمة ليس للمشاعر دخل بها …
تمالكت إنفعالها الغير مبرر لكنها لم تسامح ، تلك كلمة لاغية تمامًا من قاموس حياتها ، فالمسامحة وطيبة القلب لا تخصها ، حاولت الرد بمهنية شديدة حتى لا تنساق بدرب خاطئ وتظهر ما لا تريد فضحه وعليها قتل هذا الشعور كما ولد بداخل أسوار قلبها …
– عندك حق … المهمة كانت عايزة كدة … كله عشان خاطر المهمة والشغل …
زادت طريقتها من حيرته فهل تقبلت الأمر أم مازالت نفسها حنقة على جهلها بالمعلومات ، لكن بكلا الأمرين ليس هذا ذنبه بالمرة فهو مثله مثلها تمامًا ينصاع وفقًا للتعليمات والخطوات تجنبًا للخطأ ، ليردف بعدم فهم …
– كل إيه …؟؟؟ قصدك إيه يا “عهد” …؟؟!!
رفعت عيناها تخصه بنظرة طويلة للغاية ، نظرة غير واضحة لكن بداخلها بعض الألم والمرارة أدركها على الفور لتنتهى نظرتها بعبارتها بنبرة جامدة …
– ولا حاجة … المهم إن المهمة كملت .. وكله تمام … أظن خلاص كدة … بما إننا رجعنا الكوخ وإنت جبت الجهاز … يبقى لازم نرجع مصر … أو بمعنى أدق … المهمة إنتهت …
تهدج صدر “معتصم” بتخبط فهل تقصد مهمتهم إنتهت أم ما ولد بينهم من مشاعر إقتحمت المخاطر لتدق قلوبهم ليردف بعبارة تحمل بعض الإستفهام …
– المهمة إنتهت … بس إحنا سوا …
إستقامت “عهد” للغاية تزيح عيناها عن عينيه المدقتتان بتعابير وجهها ثم أردفت بجمود تدعى به البرود التام …
– مفيش حاجة إسمها إحنا … دى كانت مهمة وخلصت يا حضرة الضابط … متضحكش على نفسك …
أسرع ينهر تفكيرها وعنادها الواضح …
– لا يا “عهد” .. مش مهمة وخلصت .. إسمعيني كويس .. اااا …
قاطعته بحدة ونبرة عدوانية للغاية فهى لن تسمح لقلبها بالإنزلاق بهذا المنحدر خلف مشاعر مزيفة …
– إنتهى يا فندم … وكل واحد فينا له طريق غير التانى … ومفيش أى حاجة حتجمعنا تانى سوا … كانت فرصة عظيمة إني قابلت ضابط مخضرم زيك … حقيقي أنا إتعلمت منك كتير …
إلتفتت بقوة تاركة إياه لتدلف بسرعة لداخل الكوخ حتى أنه لم يلحق بها من سرعتها ليتنهد بضيق فعليه ترك الأمور تهدأ قليلًا فيبدو أن تفاجئها بالأمر لم تتقبله بصدر رحب …
لكنه ظن أنه عليه أن يترك الأمر للوقت لتهدئة نفسها ، ليصدم حين وجدها تخرج مسرعة من باب الكوخ تحمل حقيبتها فوق ظهرها بسرعة فائقة كسحابة سوداء مرت من أمامه …
حاول ندائها لكنها لم تلتفت نحوه بالمرة ، ليقف بذهول متطلعًا نحو الفراغ الذى خلفته فيبدو أنه يتعامل مع إمرأة شرسة من نوع آخر ، إمرأة لا يمكن ترويضها بسهولة …
❈-❈-❈
بيت المستشار خالد دويدار …
أعمال تبدأ لتنتهي ويبقى السكن هو المنتظر والملتقى ، البيت هو الحضن الدافئ الذي يلجأ إليه المشتاق ، فهو ليس بجدران وحوائط فقط بل هو طمأنينة الروح والقلب …
بعودة “خالد” و”عيسى” إطمأنت “منار” بوجودهم فقد إنتظرت عودتهم بعد يوم عمل حافل لكل منهما ..
– اليوم كده طويل أوي عليكم … لازم تاخدوا راحه …
أجابها “عيسى” بهدوء رغم إنهاكه طوال اليوم …
– فعلًا يا ماما الواحد نفسه يرتاح …
تطلعت “منار” من خلف كتفي “عيسى” متسائله بإهتمام ….
– أمال فين “غدير” ما جتش معاكم ليه ..؟!!
جلس “خالد” يلتمس بعض الهدوء بطبعه الرزين متابعًا حوار “عيسى” مع والدته حينما أجابها “عيسى” …
– الظاهر في حاجه عند “موده” .. حتلاقيها دلوقتِ تيجي … مش حتتأخر أنا متأكد …
بيقين داخلي لعشقها له وما يملأ قلبه عشقًا لها كانت إجابته ، فحتى إن لم تُخبره بذلك فهي لن تستغرق وقت طويل بعيدة عنه ، خاصة و هي تدرك أنه عاد لعشهم الهادئ ، لم يخب ظنه حين دق جرس الباب بالعديد والعديد من دقاته معلنًا مجيء الصاخبة صاحبة الحياة المفعمة إلى حياتهم الهادئة لتعيد تهيئتها من جديد …
هذا الحماس الذي أطلق إبتسامة “منار” التي أسرعت نحو الباب لتفتحه بينما تراقص قلب “عيسى” بإدراكه أن يقينه صائب بمحله وأنها لم تتأخر عنه …
دلفت “غدير” بضحكتها الرنانة وإتساع إبتسامتها المميزة قائله بمرح …
– سالخير عليكو يا قطاقيط …
كانت “منار” أول من تجيبها …
– الحمد لله على السلامة يا غلباوية … إتأخرتِ ليه …؟؟؟
كان التساؤل من “منار” بينما تشدق “عيسى” بإهتمام لمعرفة سبب تأخرها ورفضها المجيء بمصاحبته هو ووالده … طقطقت “غدير” بأسنانها ببعض الحرج وهي تنظر تجاه “عيسى” المنصت لتردف بطريقة طفلة صغيرة …
– كنت مستنيه الكيكة تطلع من الفرن ..
أطلقت “منار” ضحكتها من عفوية “غدير” بينما أطبق “عيسى” شفتيه يتمالك ضحكته الساخرة منها غير مصدقًا لبراءة زوجته وحبها لهذا الكعك قائلًا …
– يعني إنتِ ما رضيتيش تيجي معايا وركبتي تاكسي لوحدك بالليل علشان كيكة يا “غدير” …!!!!
فغرت فاها وإتسعت عيناها بقوة وهي تبرر ذلك بجدية تامة …
– دي كيكه بالبرتقااااااال …. إنت بتتكلم إزاااي …!!!
– أنا برضه إللي بتكلم إزاي .. !!!
قالها “عيسى” بذهول رغم محاولته لإخفاء ضحكاته …
لم يكن ينقصهم سوى حضور “رؤوف” الذي دلف بالتو بعدما قام بإيصال “نيره” لبيتها لتكتمل جمعتهم السعيدة ، هنا دعتهم “منار” جميعًا …
– سيبكوا بقى من الكلام ده كله … أهو “رؤوف” جه هو كمان يلا بينا نتعشى قبل ما الأكل يبرد ..
قفزت “غدير” مسرعة نحو المقعد الخاص بطاولة الطعام تشتم أصناف الأكل الشهية قائله …
– ريحه الأكل تجنن … أنا جعانه مووووت تسلم إيدك يا “أم مجددددي” …
ضحكة عيونهم كانت إجابة على رد فعلها الطريف لكن ظل سؤالًا بداخل نفس “رؤوف” وهو يرى هذا التجمع العائلي الرائع ، شيء ما يحاول إيصاله لـ”نيره” ، أمر لم تستطع هي فهمه قط فلا شيء يعادل لمة العائلة …
دعاه “خالد” ولده الغير منتبه لهم لمشاركتهم الطعام …
– إيه يا دكتور .. مش حتيجي نتعشى ولا إيه …؟!!
إنتبه “رؤوف” لحديث والده لتزداد إبتسامته وهو يتخذ مقعده ناظرًا نحو الطعام أولًا قبل أن يثني على والدته بحديثه اللطيف …
– جاى أهو … تسلم إيدك يا ست الكل هو فيه زي أكلك في الدنيا … والله ده أنا لو أكلت أكل الدنيا كله ميجيش زي طبق من إللي بتعمليه بإيديكِ …
رفع “خالد” حاجبه بإستنكار قائلا …
– ما كفاية عسل بقى .. دي أمك مش خطيبتك ..!!!
رفع “رؤوف” كتفيه ممازحًا لتعليق والده الذي يكرره دومًا لشعوره بأن طريقته اللينة هي ضعف شخصية يحل به ..
– هو في زي ماما .. وبعدين الإتنين حبايبي ما أقولهمش يعني كلمة حلوة …؟!!!!
ضحكت “غدير” بقهقهه حتى إهتز جسدها لتستطرد ممازحة “رؤوف” فهي تعتبره كأخيها الأصغر كـ”موده” تمامًا …
– لا وإنت الصادق كل البنات حبايبك يا أبو قلب كبير …
ضحكوا جميعًا يشاركون “غدير” مزاحها حتى عقب “رؤوف” …
– حتى إنتِ يا “دورا” … ماشي حعديها لك عشان دمك إللي زي الشربات ده ..
ضربه “عيسى” بخفة بمؤخرة رأسه فقد إنتابته بعد الغيرة على حبيبته التي تخصه وحده حتى لو بمزاح أخيه الأصغر …
– بس يا أخويا … إنت فاكرها واحده من إللي بتعاكسهم … ما لكش دعوة بـ”غدير” خالص ..
ثم مال “عيسى” بأذنها هامسًا بنبرة عاشقة …
– على فكرة إنتِ بتاعتي أنا لوحدي …
كما لو كان توقف الزمان وخلى المكان ولم ترى سواه فقط أمام أعينها التي أشرقت بسعادة ونشوة ملأت قلبها ، فهمساته تكفي لتُغنيها عن العالم بأسره …
طأطات رأسها بصمت فقد نالت ما تستحقه اليوم بكلمة عشق من قلب “عيسى” …
إستكملوا تناول طعامهم فيما بدأت سهرتهم بغرفة المعيشة بتناول أكواب الشاي لتجدها “غدير” فرصة لحديث جاد لما تود طلبه من “رؤوف” …
– “رؤوف” … بقول لك إيه … هو ما ينفعش تشوف شغل عندكم في الشركة لـ”موده” … أحسن تِعبت من شغلها وسابته … وطبعًا الشركة عندكم أحسن … هي كمان كلها كم شهر وتتخرج وإنت عارف الشغل بالنسبة لها مهم إزاي … وهي دلوقتِ من غير شغل …
بمروءة شديدة أجابها “عيسى” أولًا قبل أن يتفوه “رؤوف” …
– و ليه تشتغل يا “دورا” …؟؟!! خليها تركز في مذاكرتها وما تشيلش هم أي مصاريف … إنتِ عارفة أنا ياما قلت لك بلاش أختك تشتغل وتتبهدل كده …
لحقه “خالد” مؤيد حديثه فيما يكنه بمحبة لتلك الصغيرة أيضًا …
– خلاص يا “غدير” قفلي على موضوع الشغل ده … خلي أختك في البيت وكل إللي تحتاجه يوصل لها .. دي بنتنا برضه …
حتى قبل إجابتها على كلا منهم لحقتهم “منار” التي تحدثت بقلب أم حنون تقصد كل كلمة تنطقها فهي ليست مجاملة بالمرة …
– خليها تيجي تقعد معانا يا “دورا” … ما ينفعش تقعد لوحدها هناك … أنا مش عارفه هي ليه مصممة تقعد في شقتكم لوحدها …؟!!
دارت “غدير” بعينيها الممتنتان بوجوههم جميعًا فهي لم تحظى بزوج محب فقط بل حظيت بأسرة مُحبة كاملة ، لمعت عيناها ببعض التأثر لإهتمامهم ورعايتهم لها ولأختها منذ خطت هذا البيت فهي لم تشعر بأنها زوجة أحد أبنائهم ، بل كانت دومًا تشعر أنها إبنة لهم ، عائلة كاملة عوضتها حرمانها من والديها …
تهدج صدرها وترقرقت دمعة خفية بمقلتيها وهي تردف بإمتنان بالغ لإهتمامهم وحنانهم …
– والله أنا لو ليا عيله … ما حتكون أحن عليا منكم … ربنا ما يحرمنيش منكم أبدًا …(ثم إستطردت ترفض طلبهم بلباقة) … بس “موده” دماغها ناشفة شوية ومش حترضى خالص بكده .. هي عايزة تشتغل وتعتمد على نفسها في مصاريفها وخالي “منير” جنبها برضه …
بتفهم ممتعض لإصرار “غدير” فهي عزيزة النفس كأختها تمامًا ، دائمًا ما كانت ترفض شعور أن يتصدقوا عليهم لكنها ممتنة بإهتمامهم …
حان وقت إجابه “رؤوف” الذي إنتظر أن ينتهوا جميعًا من عرضهم على “غدير” ، أجابها بثقة لمكانته بالشركة وقدرته على إقناع صاحبة الشركة بهذا الأمر البسيط …
– ولا تشغلي بالك يا “دورا” … أنا حكلم المديرة بتاعتنا وهي ممكن تشتغل كمتدربة في الأول لحد ما تخلص كليتها .. وبعدها ممكن تتثبت معايا … الموضوع ده سهل جدًا ما تشيليش هم فيه خالص …
تهلل وجه “غدير” بسعادة فبالتأكيد هذا عمل تتمناه “موده” ويعفيها من الحرج والدونية التي شعرت بهما بعد لقائها الأخير بـ”نيره” …
– يا ريت يا “رؤوف” … ده يبقى ليك جميل في رقبتي والله …
أغمض “رؤوف” جفناه بغرور وهو يهز رأسه بخيلاء ثم هتف بروحه المرحة …
– ما تقوليش كده يا “دورا” … أهو كله بثوابه …
إلى هنا إنتهى حد الجدية لدى “غدير” للتراجع عن دور التأثر الذي كانت تمر به لتعود إلى شخصيتها الصاخبة مرة أخرى ، لتطلع نحوه بإحتقار ممازحة إياه …
– إنت صدقت نفسك ولا إيه … !!! لاااا ما تاخدش على كده …
بعيون مرهقة وبسمة لم تفارق شفتيه سحبها “عيسى” من ذراعيها وهو ينهض من جلسته …
– مش يلا بينا نطلع شقتنا بقى ولا إيه …؟؟! أنا حموت و أنام … شطبت …
بدون أن تراجعه أو تثني كلمته وقفت “غدير” على الفور وهي تلوح لهم بشقاوتها المحببة …
– تصبحوا على خير يا كتاكيت …
تقدمت لخطوتين قبل أن تستدير مرة أخرى تجاههم قائله بنبرة خفيضة تعلم جيدًا أن “عيسى” يستطيع سماعها أيضًا …
– حبقى آجي لكم الصبح نفطر سوا لما عيسى يخلع …
ضحك “عيسى” من دهشته بمزاحها …
– سمعتك على فكرة …
قالها بمشاكسة لزوجته التي تعلم أنه إستطاع سماعها ، إلتفتت نحوه بفاه متسع وإشراقة قائله بصوتها العالي …
– حبيب قلبي …
كلماتها المازحة وضحكاتها بقلب هانئ كانت نهاية ليلتهم ببيت “خالد” ليصعدا إلى شقتهما وعشهما الهادئ لقضاء ليلتهما معًا
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
لم تكن ليلة هادئة على الجميع بل هناك صخب آخر بقلوب حائرة ، رغم شعوره بأنه لم يخطئ وأن الأمر لا يتعدى كونهُ مهمة تمت على أكمل وجه دون أخطاء ودون خسائر …
لكن شعوره الذي تعاظم بالخطأ لتسرعه بإخبارها بالأمر بهذه الطريقة …
أخذ “معتصم” ينظر لخيال “عهد” التي لم يكاد يلحقها عندما خرجت بإنفعال من الكوخ ، أسرع بخطواته يلحقها مناديًا إياها …
– “عهد” … يا “عهد”… إسمعي بس …!!
لم تقف ولم تلتفت بل أكملت طريقها ، بالطبع كان يقدر على اللحاق بها لكن رنين هاتفه معلنًا وصول رسالة نصية جعله يثبت بموضعه ليقرأها …
كانت فحواها بأن عليه البقاء بالكوخ لتسليم الجهاز الذي تَحَصل عليه من المقر الآمن لأحد مسؤولي الأمن لضمان سلامته وأمنه …
إقتضب وجهه بتجهم فلن يستطيع اللحاق بها وعليه تنفيذ الأمر والبقاء بالكوخ لحين حضور هذا المسؤول الأمنى …
زفر بقوة ليعود أدراجه لداخل الكوخ وقد تملكه شعور واحد فقط ، أنه مخطئ متسرع ، يا ليته صمت تمامًا وإنتظر عودتهم وترك الأمر يتضح لها بصورة أفضل مما حدث …
فبالتأكيد ظنت أنه إستغلها لسلامته فقط ، وأن ما أظهره لها من مشاعر لا تتعدى إدعاء لإقناع “كاتينا” لإيصاله للمقر الآمن ..
ليتها تدرك أنها زلزلت كيانه بوجودها وقدرت على ما لم يقدر عليه سواها ، نعم أتمت المهمة وسرقت قلبه معها …
❈-❈-❈
شقة عيسى دويدار …
تَصنعهُ الإرهاق و غلبة النوم كانت حُجة لا أكثر لينفرد بمغردتهِ وقطعة الشوكولاتة خاصته ، كم إشتاق لها تلك صاحبة الحياة ، أراد لو يستمد منها بعض الترياق ليكمل حياته الرتيبة لتجدد طاقته المقبلة على الحياة …
دلف “عيسى” و”غدير” لداخل الشقة يحاوطها بذراعه بحنان يستمد بقربها روحه لتسكن هي بدورها بإشتياق لقربه ليهمس “عيسى” أولًا …
– وحشتيني يا شوكولاته …
إستدارت “غدير” بمقابلته تتطلع نحو ملامحه المحفورة بقلبها قبل عينيها بنظراته الهائمة لكنها كعادتها أردفت ممازحة بإبتسامتها العريضة التي أظهرت أسنانها المميزة …
– تصدق أنا نفسي أعرف إيه حكاية الشيكولاتة دي …؟!!
ضم بسمته وهو يضغط بإصبعيه أسفل ذقنها قائلًا …
– عشان أنا أكتر حاجة في الدنيا بحبها هي الشيكولاته … عشان كده بحاول أدور على كلمه أوصفك بيها عندي مش بلاقي غيرها … عشان هي أكتر حاجة بحبها … فأنا عايز أقولك إن إنتِ أكتر حاجة بحبها …
رغم كلماته المتغزلة إلا أنها أوسعت عيناها عن آخرهما معقبة بمزاحها اللطيف وسط ضحكتها المقهقة التي تهتز لها جسدها كاملًا …
– طب ده أنا أحمد ربنا بقى إن إنت مش بتحب المكرونة ولا المحشى … ده أنا كان حيبقى إسمى حاجة مسخرة خالص …
ضحكة أخرى أخرجتها تلك المجنونة من قلبه قبل أن يضرب رأسها بخفة فقد أضاعت لحظته الرومانسية بمزاحها المتواصل …
– أه يا شعنونه …
مطت شفتيها بدلال …
– أنا برضه شعنونه …!!!
إبتسامه عريضة رسمت أخيرًا على محياه ، هو الذي تتوه منه ضحكاته لا تعرف لوجهه طريق إلا بحضورها فقط ، كما لو كانت لديها سحر خاص تجذبه به كالمسحور ، سحر يتمنى أن يظل منساق خلف عمره بأكمله ، نظر لعينيها بإشتياق قبل أن يردف …
– إنتِ مش بس شعنونه … إنتِ مجنونة … مجنونة جنان ما أقدرش أستغنى عنه … أنا نفسي قربت أتجنن …
إلتفتت “غدير” تجاهه بدهشة …
– تتجنن ليه كده ما إنت عاقل قدامي أهو …
ضحكة متهكمة أطلقها “عيسى”على حاله الذي أصبح لا يسيطر على نفسه مطلقًا فقد أوشك على الجنون بالفعل ، جنون بمعشوقته التي سرقت فؤاده بلا رحمة …
– تعرفي إني ببقى ماشي بدور على وشك في وشوش الناس … بدور على ملامحك فيهم … لو سمعت كلمة بتقوليها على لسان حد ببقى عامل زي الطفل الصغير إللي لقى أمه وأحس بالروح دبت فيا من تاني … أنا بضحك على كلامك لما بقعد لوحدي إنتِ في خيالي مش بتسيبيني يا “غدير” …
لم تقوى على تحمل عباراته المتغزلة وتظل بشقاوتها وخفة ظلها لتلتبسها روح الأنثى التى تسبح ببحور العشق والهيام تاركة العنان لتلك اللحظة التى لا تعوض برفقة حبيبها وزوجها …
هدأت ضحكاتها الصاخبة لتعلو ضربات قلبها وتصاعد أنفاسها بتلك السعادة التى تملكتها بقربه وكلماته التى تشدو بأذنيها كالألحان تعزف على أوتار قلبها الضعيف …
هامت بعيناه المثيرتان فهل يدرك أن ما يخبرها به لا يقرب من قطرة واحدة ببحور عشقها له ، تنهدت ببطء وهي تلملم شتات نفسها التى تبعثرت أمامه لتنفرج شفتيها عن كلماتها التى تأسر قلبه المتلهف لها …
– لو إنت بتدور عليا فى وشوش الناس … أنا أصلًا مش شايفه غيرك قدامي ، أنا بحب كل حاجة إنت فيها ، بحب أهلك عشانك ، بحب شكلك وملامحك ، بحب ريحتك ، هدومك ، كتبك ، أنا حتى بقيت بحب الأفلام إللي إنت بتحبها عشان إنت بتحبها ، بقيت بشوف الدنيا بعنيك إنت ، أنا يا “عيسى” بقيت إنت من غير ما أحس ، “غدير” خلاص بتروح منى ، وأنا راضية ومبسوطة ومش زعلانة ، متتصورش أنا مبسوطة قد إيه وأنا بتحول وأبقى نسخة منك إنت …
نفذت كلماتها العاشقة بقلبه المتيم ، فكم هو سعيد محظوظ بعشقها له ، فهي خير متاع الدنيا …
لكن على الرغم من لحظتهما الرومانسية تلك والتى من المفترض أن تكون سعيدة حالمة إلا أنه لاحظ بنهاية حديثها نظرة حزينة منكسرة حتى نبرة صوتها المرتجفة جعلته يقابل تهدل ملامحها ببعض الإقتضاب ليردف متسائلًا بنبرته الحنونة …
– مالك يا حبيبتي ، زعلانه ليه كدة … ؟؟؟
لم تكن تنتظر أكثر من سؤاله لتترك العنان لإحساسها الحقيقي الذى لا يُخفَى على قلب “عيسى” مطلقًا ، تلك “غدير” التى لا يعرفها سواه ، ضمت بأسنانها فوق شفتها السفلية تمنع نفسها من الإنسياق لداخل دوامتها الحزينة تمسك عيونها الواسعة عن الإنفلات بالبكاء …
سحبت نفسًا قويًا متهدجًا لداخل رئتيها المتعبتان لتحاول إخراج الكلمات بهدوء لأنها حزينة بالفعل ، أجابته ومازالت عيناها متشدقتان بوجهه الوسيم …
– نفسي يا “عيسى” أجيب بيبي ، نفسي يبقى ليا طفل منك ، بقالنا أكتر من عشر شهور متجوزين ومفيش حتى بوادر أى حمل ، أنا قلبي حاسس إن أنا فيا حاجة غلط ، حاسة إني مش حبقى أم …!!!
سحبت نفسًا متهدج آخر لتستكمل بنبرتها التى تذوب به عشقًا لكنها منكسرة للغاية …
– أنا مش عايزة غير إن أنا وإنت يبقى عندنا بيبي صغير ، مش عايزة أكون أم إلا لو منك إنت ، أنا بحبك أوى يا “عيسى” …
ضمها “عيسى” لصدره بحنو يملس فوق رأسها الصغير الذى إستكان فوق كتفه يتلقى به نفسها المهتزة ، إجابة أوقع و أحن من مجرد كلمات ، لكنه لم يكتفى بذلك ليجيبها بنبرته الهادئة …
– لسه بدرى أوى يا “دورا” ، لسه العمر جاى ، متزعليش كدة ، بكرة نجيب بيبي وإتنين وعشرة كمان لو حبيتي ، إحنا لسه فى أول حياتنا سوا …
إستطرد بصدق يهدئ به نفسها المضطربة بلا داعى …
– وحتى يا حبيبتي لو ربنا مرزقناش بأطفال ، إنتِ أصلًا كفاية عليا ، إنتِ حبيبتي ومراتي وبنتي ، أنا حاسس إني أخدت رزقي من الدنيا كلها فيكِ إنتِ ، ولو خيروني بين الدنيا بحالها وإنتِ ، حختارك إنتِ وبس ..
ضغطت بقوة تحيط خصره بذراعيها تتشبث بأحضانه بقوة فهو محق ، هو فقط يكفيها ولا تريد من الدنيا سواه ..
– حبيبى يا “إيسوووو” … أنا بحبك أوى ..
أغمض عيناه ليحاوطها بذراعيه دون حديث فحقًا يكفيه قربها ووجودها بحياته ، دغدغت أنفاسه رائحة اللافندر خاصتها ، تلك الرائحة الدافئة التى يشعر أنها لا تخص غيرها ، تنهد برفق وراحة لتلك السكينة التى تخصه وحده مع مالكة قلبه وحياته صاحبة أجمل قلب وأعذب إبتسامة …
❈-❈-❈
سويسرا (عهد) ..
كيف أرسم صورة بالألوان ولا أملك سوى قلم أسود ، كيف أصدق أنني للحظة كنت أستطيع ..
توقفت عجلات الزمان وهي تنظر لـ”معتصم” مدركة ما فعله ، مدركة لكونها لا شيء ، لم يتوجب عليها سوى أمر واحد فقط ، أن تنأى بكرامتها وعِزتها ..
حملت حقيبتها دون أدنى تفكير مُغادرة الكوخ بكل سرعة أوتيت لها ، لم تشعر بساقيها المتبادلتان وهما تقطعان الطريق دون تفكير ، لم تسمح لقلبها المرتجف من أن تقف أو تستدير ملبية ندائه إليها بصوته الشجى الذى خطف دقات قلبها …
إستكملت ركضها وإنزلاقها فوق الطريق الوحل بعتمة ليل قاس كقلبها تمامًا ..
هناك شئ محبوس داخل أضلاعها تمنعه من التحرر وعليها فقط الركض …
لا تدرى كم من الوقت ركضت لكنها شعرت بالإنهاك والتعب بعد أن وصلت أخيرًا للفندق الذى نزلت به فور وصولها …
صعدت مباشرة لغرفتها بحالتها الرثة غير عابئة بنظرات النزلاء لها حين أتت …
دلفت لخطوة واحدة إلى داخل الغرفة وأوصدت الباب ، بذات اللحظة والتى كانت تنتظرها منذ ساعات تحاملت بها على نفسها ، إنتظرت لحظة خلائها بنفسها والتى أعلنها صوت إغلاق الباب لتتهاوى قوى تحملها و تسقط فوق ركبتيها قاذفة حقيبتها عن كتفها لتنحنى تسمح لنفسها الأذن بالإنهيار …
تهدلت ملامحها القاتمة المتجهمة تاركة العنان لحزنها ليطفو فوق وجهها الناعم ، تحررت دموعها الحبيسة وصرخ قلبها المكتوم معلنه بإستسلام أنها حزينة …
إحساس قاهر لنفسها غير معتادة عليه …
دموع وشهقات وألم ، مزيج لم يمر عابرًا بها بسلام ، شعرت بالخيانة والحزن ، لماذا … لماذا فعل ذلك بها ..؟؟!
ليت قلبها لم ينبض من جديد ، لم تكن تدرى أن الآلام الروح مؤلمة لهذا الحد ..
بعد مرور بعض الوقت لم تدرى “عهد” كم مر على ذلك لكنها إنتهت …
دفعت جسدها الطويل لتقف بإستقامة فقد أفرغت شحنة حزنها التى إجتاحتها وعليها العودة ..
إنه مجرد عمل ، وعلى الأمر ألا يتخطى كونه كذلك ، وإن كانت بموضعه لفعلت مثل ما فعل تمامًا … هكذا قالت “عهد” لنفسها …
إبتلعت غصتها وإشرأبت بعنقها لتنمحى تلك النظرة المنكسرة وتعود لنفسها ونظراتها القديمة ، قوية شامخة لا تهتز ، صارمة لا تتأثر ، بل … ومتوحشة إذا لزم الأمر …
عليها من الآن فصاعدًا ترتيب أولوياتها وألا تكترث سوى لنفسها والعمل فقط …
عليها أن تعود لرتابة حياتها القاتمة السوداء مرة أخرى …
لكن كيف ..؟؟ كيف وقد شعرت بأن للحياة متعة أخرى ، كيف ستعود للموت الحي بعدما تيقنت أن لقلبها نبضات ودقات …
حركت رأسها بقوة تنفض عنها تلك الأفكار حتى لو أجبرت نفسها على ذلك ، فلن تُشعِر أحد بضعفها فهى القوية وستظل كذلك …
رفعت هاتفها ترسل رسالة نصية للقيادة …
[ تمت المهمة … سأعود ] ..
دقائق قليلة ودق هاتفها برسالة نصية …
[ في إنتظار عودتك … تم حجز موعد الطيران الخاص بكِ .. تلك صورة مرفقة لتذكرة العودة … ] ..
ألقت بهاتفها فوق الفراش بعدما إتطلعت على موعد إقلاع طيارتها بصباح الغد لتتجه نحو المرحاض لتغتسل من أثر إنهاكها وإسقاط كل ما حل بها من الخارج والداخل أيضًا …
❈-❈-❈
خطوات رزينة للغاية تتخذ مسارها بذلك الممر الطويل ، تصدر أصوات مقتربة رنانة فوق الأرضية الملساء بهذا الليل الساكن …
إقترب صوب الباب ليقبض بكفه السميك مقبضه ليفتحه مباشرة دون الإستئذان أولًا ..
ظهر بجسده الطويل الممتلئ أمام أعين “طه” الذى إنتفض فور رؤيته له لينهض واقفًا على الفور …
– سيادة اللواء … !!!
دلف “نظمى” لداخل المكتب قائلًا بصوته الخشن …
– سهران يعنى النهاردة يا “طه” ..؟؟؟
إبتلع “طه” ريقه بتوتر من مهابة هذا الرجل و تفاجئه بحضوره ..
– يعنى .. بتابع شوية شغل كدة …
مال ثغر “نظمى” بإبتسامة جانبية يشوبها بعض الخيلاء ….
– أحب أبشرك … المهمة إنتهت و”عهد” راجعه بكرة …
إتسعت عينا “طه” بقوة وهو يوارى إحساسه من الظهور جليًا على محياه …
– حضرتك بتتكلم جد …؟!!
إقتضب “نظمى” بقوة ليردف ناهرًا إياه …
– وهو أنا حهزر ولا إيه … ؟؟! أيوة طبعًا راجعه بكره …
طأطأ “طه” رأسه للأمام قليلًا قبل أن يستوضح بتوجس …
– والمهمة …؟؟؟ وهي … ؟؟! كله تمام …؟؟!
دفع “نظمى” بكتفيه للخلف بحركة يشوبها الثقة والغرور من إختياره الموفق لـ”عهد” للقيام بتلك المهمة …
– كله تمام … أنا مبعتش أى حد … أنا عارف كنت بعمل إيه …؟؟؟
رغم إمتعاضه لإختياره لـ”عهد” لتلك المهمة الإنتحارية دون حتى توضيح لها بطبيعة تلك المهمة إلا أن “طه” أظهر سعادته بعودتها قائلًا …
– الحمد لله … يا ريت تكون مقدر ضيقتي يا ريس … أنا كنت قلقان عليها تسافر فى الخطر ده .. خصوصًا وهي كمان متعرفش حاجة عن طبيعة المهمة أو الخطر اللي حتكون فيه …
نظرة غليظة حلت ملامح “نظمى” بلا شفقة ..
– وأهى خلصت … ومجرلهاش حاجة … أظن نقفل بقى على الحكاية دى … وبعدين إحنا مش فى روضة أطفال … إحنا أخطر جهاز فى الدولة … ولو هي عايزة شغل حنين .. تسيب شغلنا للناس إللي قدها …
كتم “طه” غيظه من هذا المتعجرف فهو بالنهاية رئيسه بالعمل كما أنه لا يود أن يطالها أذى بسببه ولن يتنازل عن لحظة سعادته بعودتها …
– طبعًا يا ريس .. هو فيه زى أفكارك .. وأكيد زمايلنا كانوا مأمنينها تمام …
– المفروض تكون واثق من كدة …
ثم أزاح “نظمي” رأسه قليلًا بلا إكتراث مستأنفًا …
– وحتى لو مش مأمنينها … مين يعنى إللي حيهتم بـ”عهد” … هي لها حد … ولا حتى بتخاف من حاجة …!!!
إلتزم “طه” الصمت يود لو يصرخ بوجهه القاسي يخبره بما يكنه لها من مشاعر وعشق يخفيه بقلبه …
– تمام يا ريس …
خرج “نظمى” من مكتب “طه” الذى كاد يقفز فرحًا من فرط سعادته بمعرفته بموعد عودتها وسلامتها محدثًا نفسه …
– المرة دى مش حسيبك إلا ودبلتك فى إيدى … ده أنا كان قلبي حيقف يا شيخه من قلقى عليكِ …
أسرع “طه” يرفع سماعة الهاتف قائلًا …
– أيوة يا إبنى … أمن لى المطار لحد ما “عهد” توصل البيت بالسلامة …
خفايا القلوب تدفعنا للظن بما لا نعلمه لتموج بنا الظنون بغير محلها ، لكن بعض الظن إثم …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بنهاية ليل طويل نظن أنه لن ينتهى ، لكن لكل ليل نهاية ولكل ظلام نهار يقشعه ليبدأ نهار جديد وطريق جديد ..
سويسرا ( الكوخ) …
بأعصاب تالفة إضطر “معتصم” البقاء حتى الصباح لتسليم الجهاز لمسؤول الأمن الذى تلقى أمرًا بتسليمه إياه ، أمر إستغرق عدة ساعات لم تكن بظاهرها بالفترة الطويلة ، لكنها بنفسه دهور عديدة …
تسلم المسؤول الجهاز لينطلق “معتصم” بطريقة نحو البلدة فعليه لقائها والتحدث إليها …
ركض مسرعًا بإتجاه الفندق آملًا أن تسمح له بفرصة لإيضاح الأمر لها خاصة عندما علم بموعد طائرتها صباح اليوم …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى