روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل السابع والأربعون 47 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الفصل السابع والأربعون 47 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء السابع والأربعون

رواية ظننتك قلبي البارت السابع والأربعون

رواية ظننتك قلبي الحلقة السابعة والأربعون

« آثام الظنون …»
تأتي الظنون من أنفسنا وشيطانها، فلا يجب أن نلقي بالإتهام على الناس وأحاديثها، فإذا إبتليت بالظنون فلا تنتهي حتى تبعد شيطانك وتستعيذ، أصمت، تغافل، تسامح، إلتمس العذر، أحسن الظن وأترك للسيئون إثم الظنون …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
المعاملة بالمثل هي العدالة بحق ذاتها، لكن متى وأين تحق العدالة وتسقط عواقبها، فمن آثام الظنون مصاحبة الأفعى والظن بأنها لن تلدغك بسُمها …
بعد تناول وجبة غذاء دسمة، وتوقيع أوراق “باسم” كلها، قرر “باسم” إصطحاب “عتاب” لبيتهم للتأكد من تخلص “محب” من “وعد”، ومساندة “عتاب” بمواجهتها مع “محب” إذا لزم الأمر …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
إستقلا سيارة “باسم” وإتجها نحو بيت عائلة الأسمر مباشرة …
لم يكن بالوقت الطويل حتى وصلا للبيت، ترجلت “عتاب” من السيارة لتتقدم صوب مدخل البيت ذات البوابة المفتوحة ولحق بها “باسم” دون تلكع، صعدت للدور الأول وأخرجت مفتاحها لفتح الباب …
كانت عينا “باسم” تسابق جسد “عتاب” بالنظر نحو الداخل بفضول عارم، بينما دلفت “عتاب” بخطوات قليلة تطالع الأرجاء من حولها بأعين متعجبة من هذا السكون المريب الذي يعم المكان …
إلتفت نحو “باسم” هامسة بتوجس …
– إيه الهدوء الغريب ده، ده مفيش صوت خالص ؟؟!
رفع “باسم” حاجبيه وهو يثني شفتيه بعدم معرفة مجيبًا إياها بنبرة خافتة …
– مش عارف …
تقدمت بخطوات تكاد تُسمع وطأها على الأرض تتفحص غرفة المعيشة بتفرس، وقعت عيناها على كوبان فارغان وضعا فوق المنضدة، لتلتف بأعين متوهجة يملؤها الحماس والبهجة لكنها عقبت بنبرة خافتة للغاية …
– شكل “وعد” شربت العصير يا “باسم”، مش بقولك أنا مرتبة كل حاجة …
شاركها “باسم” إبتهاجها بذات النبرة …
– أكيد يا “توبة”، إنت مفيش منك، مبروك يا قلبي …
مالت شفتيها بإبتسامة جانبية معقبة بخيلاء وغرور …
– الله يبارك فيك، كدة مش باقي إلا إني أخلص من “محب” زي ما إتفقنا، وماما كدة كدة أمرها بقى سهل أوي …
كانت إجابته إيمائة تمثيلية كتحية لقدراتها وتفكيرها النافذ مثنيًا على خطتها المحكمة …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
طريق القاهرة الصحراوي …
القوة هي أن تقاتل هواك بعقلك وألا تترك لقلبك سلطان، فقوي الشكيمة من يستطيع كبح نفسه من أن تزل قدمه بضعف قلبه، فلا تترك للشامتين نقطة ضعف ..
بعد أن إنطلق “رحيم” بالسيارة في طريق العودة، كانت تسيطر على عقول كل منهما أفكار عِدة متخبطة، قطع الصمت تساؤل “شجن” بعد أن هدأت نفسها من مطاردة أبناء عمومة “أيوب” …
– إنت إيه بالضبط ..؟!!
لمحها “رحيم” الصامت بوجه مقتضب قبل أن يعود بعينيه لمطالعة الطريق بإنتباه أثناء قيادته …
– إيه، إزاي يعني، مش فاهم سؤالك …؟!!
لملمت “شجن” شفتيها دون أن تحيد بنظراتها عنه …
– يعني إنت طيب ولا خبيث، ملاوع ولا على نياتك، صادق ولا كذاب ..؟! ، إزاي تساعدني وتهربني من بين إيديهم وإنت حتى متعرفش أنا عملت إيه ؟!!!
تفهم “رحيم” سؤالها لترتسم إبتسامة هادئة تناسب طبعه الخجول، ثم أجابها بما زاد من إندهاشها …
– عارفة ليه ؟ لأني واحد إتربيت إني عمري ما أظلم حد لمجرد ظن، أنا يوم ما أتأكد إنك إنسانة مش كويسة صدقيني عمري ما حتعامل معاكِ تاني، لكن يمكن كل إللي جوايا من ناحيتك مجرد ظنون أنا مش متأكد منها، لكن إللي متأكد منه إني شوفت فيكِ بنت جدعة، قوية، بتفكري بعقلك و … دمك خفيف …
رغم أن حديثه يبدو نوع من الملاطفة الخجولة، إلا أنها تفاجئت من رقي تفكيره، ورجاحة عقله، كيف أنه مختلف عمن تعرفهم، لا يعطي للظنون بالًا، ولم يحكم عليها من مجرد ظن دون يقين، لكنها تساءلت بفضول …
– ظنون !!!! ظنون إيه يا “رحيم” إللي ظنيتها فيا ؟!!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
صمت “رحيم” لوهلة متفكرًا، فربما تلك فرصة لا تعوض للنقاش معها، ومعرفة حقيقة ظنونه التي إحتلت تفكيره منذ لقائهما، أجابها بتشوق لمعرفة إجابتها عن كل تلك الأسئلة التي تدور برأسه …
– عايزة تعرفي إيه الظنون إللي في بالي، أقولك، الصراحة وضعك في بيت راجل غريب، حتى لو كان قد أبوكِ، بس في النهاية بيت غريب وراجل غريب، مع ناس متعرفيهمش، معلش يعني، ليه، و نيتك إيه في وجودك هناك، وسايبة أهلك، ده أنا حتى مشوفتكيش مرة معاكِ تليفون تكلميهم ؟!!!!
رغم تساؤلاته المتلاحقة وصدقه بالسؤال أرادت بالفعل توضيح الأمر له، لكنها تذكرت هاتفها الذي خبأته أسفل مقعد السيارة لتهتف أولًا …
– أكلم أهلي !!!! التليفـــــون …
مدت ذراعها أسفل المقعد الذي تجلس عليه لتخرج الحقيبة التي وضعتها من قبل والتي وضعت بها أوراق “أيوب” وهاتفها المغلق …
إتسعت عينا “رحيم” بإندهاش لرؤيته لما أخرجته من أسفل المقعد …
– إيه ده ؟!! جبتي الشنطة دي منين ؟!!
ضحكت “شجن” بصوت عالٍ بضحكات متتابعة ثم أردفت تجيب عن تساؤلاته …
– حقولك، بس أرد الأول على سؤالك وظنك فيا، شوف يا سيدي، أنا ممرضة حالتنا المادية مش أوي بصراحة، كان لازم أشتغل وأساعد والدتي، عمي ومراته ظلمونا وبهدولنا، وأمي وأختي ضعاف جدًا، حصلت مشكلة ومرات عمي إتبلت علينا وإتهمت أختي بإتهامات باطلة، لكن من ضعف أمي وافقت على جواز أختي من إبن عمي، حاولت أقولهم بلاش ذل ومهانة لكن للأسف أمي خافت كالعادة، إضطريت إني أمشي عشان أضغط عليهم يرفضوا، ملقتش غير عم “أيوب” الراجل الطيب إللي عرض عليا أشتغل عنده، وجيت وقبلني في بيته وفتحهولي، أكرمني وأنا حبيته زي بابا الله يرحمه، فهمت بقى …
رغم سردها لقصتها بإيجاز إلا أنه تفهم بعض الأمور، ليتسائل متلمسًا بعض الإيضاح …
– طب ليه مبعدتوش عن عمك ومراته دول، ليه فضلتوا تستحملوا ذلهم إللي بتقولي عليه ؟!!
تنهدت ببطء وتجلت مشاعر الألم والمعاناة لسنوات طويلة، تعاسة رسمتها الأيام فوق ملامحها لم تستطع إخفائها بقناعها الضاحك، تحدثت ليشعر بمدى صدقها …
– أمي طيبة زيادة عن اللزوم، طيبة لدرجة إن حقنا مهدور، جدي الله يرحمه كان في بداية جواز والدي من والدتي كان رافض الجوازه دي لكن في الآخر والدي أصر وإتجوز ماما، إكمنها من عيلة فقيرة أوي، يمكن جدي مكانش غني ولا حاجة، بس كان عنده كِبر كدة، والله ما كان يملك إلا البيت إللي عايشين فيه، هو كمان ظلمنا كتير، لحد ما في يوم، بابا قبل ما يموت قال لماما إن جدي كتب لنا الشقة بيع وشراء عشان إحنا بنتين وملناش ورث، ومن يوم ما مات قلبنا الدنيا على عقد البيع ملقيناهوش، يا ريت كان معانا كنا بعنا الشقة ومشينا، وعشان أمي خوافه قبلت نعيش في البيت ونقبل كل عمايلهم عشان ملناش مكان نروح له …
صدقها أرجف مشاعره حتى أنه إلتفت نحوها دون الإنتباه للطريق، إنتفض قلبه من معاناتها وصوتها الحزين، ليس كل من يحمل الضحكات سعيدًا حقًا، فكم أخفت من حزن وألم محمل لسنوات من القهر والضيق بلحظات أوجزتها بكلمات، إنتفض على تنبيهها له ..
– خد بالك يا “رحيم” …
إعتدل ناظرًا نحو الطريق متشبثًا بمقود السيارة ليستمع لضحكتها التى رسمت بسمته الخجولة ..
– أنا بجاوبك على سؤالك عشان تعرف إني إخترت أعيش عيشة تانية بعيد عن عمي ومراته، مش عشان تقصف عمري النهاردة، خد بالك من السكة …
ضحك “رحيم” ليتابع حديثه معها، شعر بكم هي صافية نقية، أحب حديثها الواضح، بعيدًا عن صمت الظنون …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
سحبت “شجن” هاتفها لتفتحه بعد أن أغلقته طوال تلك الأيام الماضية، بدأ يصل لهاتفها عدة رسائل نصية توضح لها من حاول الإتصال بها، وبالطبع تكرر إسم “نغم” و والدتها ….
حاولت الإتصال بأمها لكن الهاتف كان مغلقًا، حاولت مرة أخرى الإتصال بـ”نغم” لكنه كان مغلق أيضًا، لم تجد بُد من الإتصال بـ”عهد”، لكنها لم تجب الإتصال …
شعرت بالحيرة الشديدة فجميعهن لم يجيبوا، توجست بتخوف من أن يكون مكروهًا قد أصاب إحداهن، لتطلب من “رحيم” بالتعجل ليصلوا سريعًا وتطمئن قلبها المتوجس …
لكن ذلك لم يمنع إستكمال حديث طال بينهم، فقد وجدت “شجن” بـ”رحيم” ملاذ لما تحمله من حديث بداخل نفسها عن حياتها وأمها وحياتها ببيت النجار، وكان “رحيم” شغوفًا بالإنصات إليها ومعرفتها عن قرب …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت النجار …
إتفاق وضيع تم بين “ريهام” و زوجها بإجبار “زكيه” وتهديدها بـ حُرية “نغم” للحصول على عقد ملكية البيت …
وصلت “ريهام” لبيت النجار، هذا البيت الذي لا تطيقه لكنه سيكون مكسبهم الذهبي بالتأكيد، نظرت نحو بوابته الحديدة لتعبر نحو الداخل صاعدة لشقة “زكيه” …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وبعد طرق الباب لعدة مرات دون إجابة وقفت “ريهام” تتأفف بتملل …
– راحت فين دي ؟! أووف …
إضطرت للنزول مرة أخرى لكنها أخذت تبحث عن طريقة للوصول لتلك السيدة التي لا تطيقها حقًا، وجدت أحد الجيران تجلس أمام عتبة منزلها لتتقدم نحوها تسألها …
– مشوفتيش “زكيه” هنا ولا هنا ؟!!
نظرت لها تلك السيدة بإستغراب، فـ”ريهام” دومًا ما كانت مغرورة متعالية لم تُحدث إحداهن يومًا، لكنها رغم ذلك أجابتها …
– أه يا حبيبتي، شوفتها رايحة ناحية شارع السلام، ناحية العطارة بتاعة جوزك وحماكِ …
لم تشكرها ولو بإيمائة حتى بل تحركت نحو العطارة للبحث عن “زكيه” لتنهي هذا الأمر قبل أن يفقد “مأمون” صبره مع الساذجة “نغم” …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
شقة مأمون الجديدة …
بعض الأشخاص رزق، وبعضهم دروس نتعلم منها كيف هي الحياة، فبعض المواقف تظهر بالصدفة لتبين لنا الحقائق المخفية …
بعد مغادرة “ريهام” بقيت “نغم” بموضعها بتخوف تنظر تجاه باب الشقة الموصود تتمنى لو تستطيع الركض والهرب، لكن الأمر غاية بالصعوبة، فالمفتاح يملكه “مأمون” فقط …
جلست بإستكانة كما لو كان حُكم عليها بالسجن وتنتظر تنفيذ الأحكام، كم شعرت بضئآلة “مأمون”، من كانت تراه بطل مغوار لا يُهزم، كم كان يشبه والدته بحقارتها وليس بملامحها، لقد أدركت الآن أنه ولدها حقًا …
جال بتفكيرها مقارنة غريبة للغاية، فقد رأت “بحر” الذي حاول بإستماتة إبعادها عن “مأمون”، تذكرت تمسكه بها وعشقه الظاهر بكل ملامحه، دفاعه عنها، كم كانت مغيبة، إختارت من يَحُط من قدرها وتركت من كان يتمنى فقط قربها …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
ظلت تتطلع نحو “مأمون” بصمت، فقد ظنته يشبهها، أحبته ووثقت به، لم تفكر يومًا أنه هو من سيخذلها، لكن بعض الظن إثم …
عندما طالت بنظراتها نحوه بشرود، إنتبه “مأمون” لتحديقها به، ذلك التحديق الذي لم يتحمله فقد نفذ صبره، وضاقت نفسه من طول الإنتظار، حلمه الذي بدأ يتلاشى، ومن السبب ؟؟ تلك عديمة الجدوى التى تحدق به بعينيها الواسعتين …
هتف بها “مأمون” بحنق …
– إيه، بتبحلقي فيا كدة ليه ..؟!! بصي على قدك …
تعالى صدرها بإنفعال، وقد أوشكت على البكاء مرة أخرى، لمَ يفعل ذلك معها وهي لم تعشق سواه … ؟؟؟!!!! ، ماذا إقترفت لتنال هذا العقاب القاسي.. !!!، وجدت نفسها تسأله مباشرة، خرجت عن صمتها فقد أفاقت من غفلتها فاليوم أبصرت ما لم تكن تراه من قبل ..
– ليه ؟!! عملت فيك إيه عشان تعمل فيا كدة، طلقني وسبني أروح لحالي !!!
أثارت حنقه بتلك الكلمات، ألا يكفي خسارته حتى الآن بعد هذا الصبر الطويل، نهض “مأمون” وقد إتسعت عيناها القاتمة وإحتدت نظراته تجاهها، تبدلت ملامح من كانت تظنه هادئ الطباع مأمون الإنفعال، إنه ليس مثالي بأجنحة ملائكة كما كانت تظن، تجلى وجهه القبيح أخذ يزمجر بغضب وهو يدنو منها يحمل بأعينه نظرات بُغض وكراهية …
– عملتِ فيا إيه ..!!! سنين مستحمل قرفكم، بس عشان أوصل للعقد، وما صدقت لقيت بيعه حتوصلني لكل إللي بحلم بيه، حلم عمري، وإنتِ جايه تستعبطي وتقولي مفيش معاكم ورق، لا يا بنت “زكيه”، حتطلعوا العقد إللي مخبيينه وإلا إنتِ إللي حتدفعي التمن كله لوحدك ….
تراجعت “نغم” بجذعها نحو الخلف وقد توسعت حدقتيها بهلع من هيئة “مأمون”، حاولت التحلي ببعض شجاعة “شجن”، أو خشونة “عهد”، فيبدو أنهن كانتا على حق، يجب أن تكون أقوى وأشرس، إبتلعت ريقها الجاف وهي تحفز نفسها الضعيفة على الرد …
– اااا، أنا أفتخر إني بنت “زكيه” على فكرة، الفقر مش …، مش عيب، بس في الأول، وفي الآخر، أنا، أنا إسمي بنت عمك …
ضرب “مأمون” مسندي المقعد الذي تجلس عليه “نغم” بقوة، إنتفضت لإثرها بموضعها، ليدني من وجهه المزمجر أمام وجهها البرئ، يلفح بأنفاس غضبه أمامها …
– عمي إللي سرقنا، و ضحك على جدي، لحد ما كتب له البيت بحاله، إنسي، ده بيتي وأنا حاخده، بالذوق بالعافية حاخده …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
إبتلعت ريقها بتخوف مجددًا، لتحفز نفسها للقوة مرة أخرى، هي لم تتعلم بعد طمتى يمكنها الرد، ومتى يجب عليها السكوت …
– إحترم نفسك، بابا مش حرامي، إنت إللي حرامي، وعايز تاخد بيتنا بالعافية، إنت إللي مجرم وخدعتني وإتجوزتني عشان تضغط على ماما تديك العقد …
أشعلت ثورته التى حاول كبحها منذ الصباح، لم يقدر على تمالك نفسه وغضبه بعد تطاولها، هاج يدفع بالأثاث من حوله مما زاد من فزع “نغم” لتركض مسرعة تجاه باب الشقة تحاول الهرب …
حاولت فتح الباب لكنه كان موصود بالمفتاح، باءت محاولاتها بالفشل لتستدير بجسدها بإرتعاب وهي تناظر هجوم “مأمون” كضبع شرس ينقض على فريسته بأعين ممتلئة بالغضب والشرور …
– أنا حرامي ….!!! إنتِ بتقوليلي أنا الكلام ده …؟!!!!
تضاربت أنفاسها وتعالت ضربات قلبها، ليس عشقًا هذه المرة بل فزع منه ومما سيفعله به، خشيت أن يؤذيها فلم تجد سوى الصراخ لعل أحدهم يسمعها ويسارع بنجدتها …
– إلحقــــــــــــوني، “مأمـــــــــون” حيموتنـــــــي …..
أسرع “مأمون” بغيظ و إنفعال يهم تجاهها بكفه لكنها إنحنت لقصر قامتها وأثنت جذعها للأمام ثم ركضت من جانبه ولم تطولها ذراعه الطويلة، لكن ذلك لم يكن كاف، ليستدير “مأمون” لاحقًا بها ليدفعا للأمام لتسقط فوق الأريكة متعثرة بخطواتها …
تملك الغضب منه وأعمى عيناه ليستكمل إنقضاضه عليها حين إلتفت تناظره بخوف وترجي أيضًا أن يتركها ولا يلحق بها الأذى ..
مد كفيه حول عنقها الصغير ليحاول خنقها والخلاص منها، إشتدت قبضتاه لتمنع الهواء من المرور لرئتيها وتحول لونها للأزرق وهي تلوح بأطرافها كمحاولة منها للهرب، لكن قوته لم تضاهي ضعفها، حتى إستكانت عينيها وإرتخى جسدها تمامًا بين يديه …
رفع جسده يستقيم بوقفته مناظرًا لما إقترفته يديه غير مصدق لأنه قتلها، أخذ ينقل بصره بذهول وصدمة بين كفيه و”نغم” الملقاة فوق الأريكة بعشوائية، حتى إنتبه أنه عليه الهرب …
– أنا قتلتها ولا إيه، رحت في داهية يا “مأمون”، أنا لازم أهرب حالًا، أيوة، محدش يعرف عنواني هنا، أنا أهرب قبل ما حد يعرف حاجة ….
إتجه نحو باب الشقة ليفتحه بالمفتاح لتتسع عيناه بهلع لما يراه أمام عينيه …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
عطارة النجار …
إن محو الأمية ليست مجرد تعلم الكتابة والقراءة، بل هي إدراك للذات، فهم قدرات مخفية بداخل النفوس، التيقن من أننا نستطيع، فلن نعيش حياتنا نتخبط بآثام الظنون …
يمر الوقت دون التوصل لشقة “مأمون” فحتى هاتفه مغلق و لا يمكنهم الوصول إليه، كل الأصابع تشير لظن وحيد، أن هناك أمر مقلق بهذا الأمر …
لم تستطع “زكيه” الجلوس بإطمئنان لتقف برفقة “فخري” و “فريد” بأعين زائغة وقلق كاد يفتك بقلبها الحنون …
– بالله عليك يا “أبو فريد” شوفلي حل، أنا قلبي بياكلني على البنت، “مأمون” وداها فين !!!
زم “فخري” شفتيه ليهتف بإنفعال فقد ضاقت يداه ولم يجد ردًا لتساؤل “زكيه” …
– يا “فريـــــــــد”، برضه ملقتش عنوان أخوك .. ؟!!!
أجابه “فريد” بتوتر …
– دوخت والله يا حاج، مش عارف بجد راحوا فين …!!!
ضرب “فخري” كفيه بعضهما البعض، ثم حاول تهدئة “زكيه” التي نهشها التخوف والقلق …
– بنتك في رقبتي يا “زكيه”، متقلقيش، ده مهما كان “مأمون”، وإنتِ عارفاه، راجل مفيش منه …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وضعت كفها فوق عينيها تمنع نفسها من الإنخراط بالبكاء من شدة تخوفها على صغيرتها، فقلبها مؤشر يصرخ من بين ضلوعها ويخبرها أن هناك أمر مقلق وغير طبيعي …
– أنا حاسه إن بنتي فيها حاجة، إنتوا عملتوا في بنتي إيه ..؟!!
مد “فخري” يده بمحرمة ورقية تجاه تلك الباكية وقد لانت نبرته بشكل واضح …
– وحدي الله بس، بلاش تشاؤم، ده مفيش أجدع من “مأمون”، إنتِ بس إللي لسه أعصابك تعبانة …
مشهد مؤثر بين كلاهما وسط أنظار العاملين بالعطارة خاصة وهم يقفون بباحة المتجر أمام أعين الجميع، لكن هناك من رأى هذا المشهد بعيون تتقد بالنيران تكاد تحرقهم جميعًا …
وصلت “صباح” للمتجر لتجد غريمتها تتدلل على زوجها بشكل منفر، و زاد الطين بلة رؤيتها له يتعاطف معها ويحدثها بحنو ولين، نبرة لم يخصها بها ولو مرة واحدة منذ معرفتها به …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
إن كانت قد شعرت بالغضب من قبل، فالآن تتوهج بلهيب حارق، فقد تضاعف غضبها بشراسة، تود الإنقضاض عليهم وتمزيقهم بأسنانها، هتفت بصوتها الغليظ وزمجرتها الخشنة …
– الله الله، وإيه كمان، قسم وإشجيني ….
تسلطت الأعين على تلك السمينة الثائرة التى تقف بمقدمة المتجر وقد عقدت ملامحها بغضب شديد ينبئ بإعصار قادم لا محالة …
تعلقت بـ”صباح” أعين “فخري” المستاءة من وجودها، و أعين “زكيه” الفزعة، فلتلك المرأة رهبة بداخل نفسها تراكمت لسنوات قاسية …
وها هي تبدو الآن على أعتاب ثورة هياج من تلك المتحفزة التى تقلب سوداوتيها المشعتان بوميض مخيف تجاهما …
– إنتوا إللي جنيتوا على روحكم، مش “صباح الجزار” اللي تترمي، وتيجي واحدة متساويش تعلم عليا وتاخد جوزي وتخرب بيتي …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
إصرار تام بإنهاء المسألة قبل أن يدرك أحدهم الأمر وتنكشف خدعتهم، أسرعت “ريهام” تجاه متجر العطارة للبحث عن “زكيه” ….
دلفت بخطواتها المتعجلة تبحث بعينيها عن “زكيه” فقط، وحين رأتها تقف على بُعد أمتار قليلة، إتجهت نحو هدفها مباشرة دون حيد حتى أنها لم تنتبه لمن يقف برفقتها …
خطواتها كانت سريعة للغاية لتقتحم هذا الحوار بين الواقفين دون الإكتراث بما يفعلونه، كانت محددة الأهداف ولن تتواني عن تهديد “زكيه” لتحضر لها عقد ملكية البيت مقابل حرية “نغم” ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بيت المستشار خالد دويدار …
لن أنجرف تحت وطأة الظنون، ولن أترك سعادتي تفلت من بين يدي، سأحارب لو لزم الأمر، حتى لو لم يكن في إستطاعتي، فلقد إخترتُ لقلبي ما يليق مقامة، ولن أتنازل عنه …
خروج “مودة” بهذا الإنفعال حتى أنها لم تجب على “منار” حين إتجهت نحوهم عائدة لغرفة “رؤوف”، رؤية “موده” تخرج بهذا الشكل نبأ “منار” بأن هناك خطب ما أصاب تلك الفتاة …
أسرعت بخطواتها نحو غرفة “رؤوف” الذي وجدته مقتضب على غير العادة، بل كان مكفهر الوجه، تعيس الملامح، لم يكن الأمر يحتاج لفراسة لتتيقن بأن هناك سوء فهم بين هذان الصغيران ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
دنت من ولدها تتفرس بملامحه بهدوء ثم قالت …
– إنت إللي زعلتها ولا هي إللي زعلتك ..؟؟!
زفر “رؤوف” بإنفعال حتى إختنقت نبرة صوته …
– والله ما زعلتها، هي فهمت غلط والله، أنا حاولت ألحقها بس مش عارف أقوم، الجرح لسه بيوجعني، مش عارف أعمل إيه وأنا مش قادر أتحرك كدة ؟!!
شعور بالعجز لكنه ليس عليه المرور بتجربة قاسية أخرى ليشعر بأنه يمكنه إصلاح الأمر، عقبت “منار” بحكمة رغم شفقتها على حالته …
– لا يا حبيبي، أنا حتصرف، حخليها ترجع هنا وتفهم منك، ولو كنت غلطان في حقها أنا حاخد حقها منك، ولو هي فهمت غلط، إنت لازم توضح لها وتصالحها، متقلقش …
رفع “رؤوف” رأسه بإمتنان لتدخل والدته الحكيم …
– ماشي، أنا موافق …
أمالت برأسها بخفة قائله …
– أنا حطلع لها فوق عند “غدير” وأجيبها وآجي …
– ربنا يخليكِ لينا يا ماما …
تركت “منار” تحضير الطعام لمساعدتها “أم مجدي” بينما صعدت للدور العلوي للتحدث مع “موده” فلا يجب عليهم ترك سوء الفهم ينهش بقلوبهم الصغيرة، فأفضل وسيلة للتقارب هي الوضوح والصراحة والنقاش …
دقائق قليلة وكانت “منار” تدق باب شقة “عيسى” لتفتح لها “موده” الباب، شفاة مقلوبة وأعين حزينة يملؤها مزيج من الضيق والغضب بذات الوقت …
– أهلًا يا طنط، إتفضلي …
نظرت “منار” مطولًا وقد لاحت بعض اللين بملامحها لتخفي بسمتها الواضحة قائله …
– زعلانة !!! وهو يوم ما تزعلي تسيبي مكانك وتمشي، ولا تقفي وتوضحي وتدافعي وتهاجمي كمان ؟!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
طأطأت “موده” رأسها بخجل من مشاعرها المكشوفة أمامها لتردف بتبرير …
– يا طنط ده لو كان مكاني أصلًا ..!!!
لم تفهم “منار” مقصدها فلم يوضح لها “رؤوف” سبب سوء الفهم، ولم تشأ التدخل بينهم خاصة ببداية علاقتهم، فعليهم إصلاح أمورهما بنفسهما …
– قصدك إيه ..؟! أنا مش فاهمة …
مطت “موده” شفتيها بضيق وعناد قائله …
– أنا مغلطتش، وبعدين مفيش لزوم خلاص يا طنط، إتفضلي الأول جوه، أنا أسفه ما أخدتش بالي …
شعرت “منار” بأن خلافهم لابد وأن يتفاهما به بدون تدخل، لكن عليها توضيح أمر هام أولًا، لتستكمل بجدية رغم رفقها بـ”موده” …
– شوفي حبيبتي، كل واحدة فينا بتبقى عايزة تعيش كل لحظة حلوة مع إللي تحبه، بس لما بتحصل مشكلة وتسمح للعناد يدخل ما بينهم بيخسروا كتير أوي، وهو كمان، لو مفهمش إزاي يحتوي حبيبته عمره ما حيكون بينهم تفاهم، البيت إللي بيتبني على إن كل طرف يتنازل عن عناده عشان التاني، هو اللي بيقف على رجله ويكمل، هي مش منافسة بين إتنين كل واحد يبين مين الصح ومين الغلط، أنا معاكِ إن ممكن يكون “رؤوف” غلطان، وممكن تكوني إنتِ الغلطانة، بس حالة “رؤوف” للأسف متسمحش إنه ييجي لحد عندك وتتفاهموا سوا، فلو ممكن إنتِ تيجي وراسك فوق طبعًا، تتفاهمي معاه وتفهمي منه سوء الفهم ده جه منين، ولو ليكِ حق أنا إللي حجيبهولك منه، ها إيه رأيك …؟!!
رغم أن حديث “منار” كان حكيمًا للغاية، إلا أنها تذكرت مكالمته لـ”نيره”، وأنها إن ذهبت إليه فإنها تحط من كرامتها وتفرض نفسها عليه، لهذا ظنت أن حفظًا لكرامتها عليها البقاء فلا داعي للحديث بعد الآن فالأمر واضحًا تمامًا …
– معلش يا طنط، سيبيني براحتي …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
نظرت لها “منار” بنظرة حانية ثم أنهت حديثها بعبارة وحيدة قبل مغادرتها …
– براحتك حبيبتي، بس لو حبيتي تدي نفسك و “رؤوف” فرصة أخيرة تسمعوا بعض من غير عناد، خصوصًا إنه ميقدرش يطلع لك وإلا كان أكيد هنا دلوقتِ، تعالى وأقعدي، حتى لو معجبكيش كلامه، إسمعي اللي قدامك قبل ما تحكمي عليه من مجرد ظن، حبيبتي لازم تعرفي، إن بعض الظن إثم …
كلمات رنانة ألقتها “منار” على مسامع “موده” لتعود بعدها لشقتها، بينما كانت “موده” تهيم بحيرة من حديثها، ومازالت نفسها ترغمها على الرفض …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
المستشفى التخصصي …
من قال أن الصامتون لا يتحدثون، فأحاديث الصامتون بأعينهم، خاصة إذا إلتزم الصمت بالهدوء وعدم فضح ما تكتمه الأفواه …
إستكانت “غدير” غافية بفراشها بعد أن أفاضت بحديثها مع “سندس”، لتخرج الأخيرة من الغرفة بعد فترة لا بأس بها برفقة “غدير” الثرثارة، سحبت باب الغرفة بصمت وهدوء شديدين حتى أن عيناها لم تغيب عن “غدير” أثناء إغلاقها إياه …
إلتفت “سندس” بهدوء تبحث بين أروقة المستشفى عمن يساعدها، تحدثت مع أحد الممرضات لبعض الوقت وهي تنظر لساعة يدها بتعجل، إبتسمت “سندس” بعدم تقبل لتلك الممرضة لتتركها متجولة مرة أخرى داخل الأروقة وهي تخرج هاتفها لتجري أحد المكالمات بهمس شديد ..
غابت “سندس” لبعض الوقت لتعود بعد ذلك لغرفة “غدير” لكن تلك المرة كانت تسير بخطى حفيفة للغاية كما لو أنها تحاول ألا يُسمع صوت خطواتها وهي تدلف للداخل، دارت بعينيها أولًا أن لا أحد يلاحظ وجودها مرة أخرى بغرفة “غدير” …
إقتربت من تلك النائمة بهدوء لتناظرها بأعين متجهمة لبعض الوقت، زفرت “سندس” بقوة متخذة قرارها دون تردد …
أخرجت من حقيبتها حقنة بها سائل شفاف لترفع ذراعها الطويل تجاه المغذي المعلق بيد “غدير” لتفرغ محتواها كاملًا به …
ألقت نظرتها الهادئة مرة أخرى على “غدير” قبل أن تغادر الغرفة بذات الهدوء والتسلل كما ولجت تمامًا ….
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
كلاهما خاطئ، من المستحيل الإختيار إن كان كلا الجانبين يتوطن بداخلك، خاسر بكل تأكيد حتى وإن أحسنت الإختيار، الآن فقط أدركت لماذا يكتب الكبار بأقلام من الحبر، فأخطاء الكبار لا تنمحي …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بصدر متهدج ووجه متجهم إبتلع “معتصم” ريقه بغصة، فهذا الإحساس الذي تولد بهذه اللحظة لم يمر به مطلقًا -الشعور بالهزيمة- هُزم حتى قبل أن يلج لتلك المعركة، قُيدت حركته وكُسرت شوكته حتى قبل أن يشهر سيفه …
ضم شفتيه الممتلئتان بقهر وغيظ، تعاظم غضبه ليصرخ بقوة، فتلك لحظة لا يمكنه التعبير بغير ذلك …
– ااااااااه …
ربما كان بمفرده لكنه يشعر أن العالم بأسره إجتمع على إعلان هزيمته، ضرب مؤخرة رأسه بمقعد السيارة عدة مرات صارخًا لا يسمعه سوى نفسه وقلبه المنهزم …
– ليــــه، ليــــه، ليـــــه ….
خُير بأن يختار أحدهما فقط لإنقاذه، إما من دق إليها فؤاده، وسلبت روحه، تلك التى كانت تنتظره قوة وسند، تلك التى تتوق للحماية والأمان …
وبين والده، قامته الكبرى، وعضده النافذ، لا يمكنه هذا الإختيار المجحف، لا يمكنه أن ينقذ أحدهم ويبقى بقية عمره يشعر بالخزي والتحسر لفقدان الآخر، إنه بكلا الإختيارين خاسر …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
هتف بحنق وقد علقت غصة الإنهزام بنبرته المتألمة، التى خرجت من داخل كيانه المزعزع لأول مرة بحياته، فقد كُبل النمر ليسقط ببراثن صياد خسيس ولا يمكنه الإفلات من قبضته …
– ليـــه بس يا ربي، مقدرش أختار، ومقدرش أخسر حد فيهم، أه يا ملعون، لعبتها صح وعرفت تلوي دراعي، يعني أختار بابا الراجل النزيه إللي عمره ما عرف الغلط، ولا أسيبه يدخل السجن بتهمة الرشوة اللي مظبطينها له السفلة دول، أبويا اللي طول عمره ما زعل ولا ضايق حد فينا، إللي افضاله عليا لو عمري كله وحياتي كلها فداه مش حتأخر ومقدرش أسددها، مقدرش أسيبه يقع الوقعة دي، ده بابا، إزاي أسيبه، لا يمكن أبدًا …
ثم إستطرد برجفة قلب متيم بتلك الساحرة الشرسة التى سرقت قلبه قبل إحساسه …
– ولا “عهد” ..!!! “عهد” إللي حبيتها ومقدرش أخذلها، مقدرش أشوفها بين إيديهم وأسيبها، ده أنا أول مرة أحس إن ليا قلب معاها، يعني الوقت اللي هي محتاجاني فيه حقيقي أسيبها، أتخلى عنها، يارب، إلهمني الصواب يا رب، أعمل إيه، أنا كدة خسران أبويا، وكدة خسران قلبي وحبي، وحياة أغلى الناس عندي ….
ليت قلبه لم يعشق لكان تيسر عليه الإختيار، لكنه قلبه لم يعد يمتلكه، لقد ظن أنه يتحكم بقلبه، ولا تهزمه المشاعر، فارس ليس لديه نقطة ضعف واحدة، لكنه يخسر كل شيء الآن، ليته لم يحب، لقد ظن أنه يملك قلبه بينما قلبه هو من ملكه، إن بعض الظن إثم …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
حيرة شغلته ولم يعد هناك الوقت الكافي، فعليه التحرك بأحد الإتحاهين، إما له، وإما لها، هل سيختار والده الذي على شفا حفرة من الجمر، أم يتركه يصارع مصيره ويذهب لـ”عهد” التي يحتجزها هذا الخسيس …
وصله فيديو آخر لـ”عهد” زاد من حيرته وهمه أيضًا، ليقوم بمكالمته الأخيرة قبل أن يتخذ قراره بالتحرك …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
بأحد الساحات الكبيرة الخاصة بإعدام السيارات المتهالكة …
توسط المدعو “أحمد علام” بعض رجاله المسلحين الذين أحاطوا به من كل جانب، ليظهر مدى قوتهم وإخافتهم لمن يواجههم، عُصبة قوية يحتمي بها هذا الرجل ذو النفوذ والسلطة والمال …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بعنجهية فارغة تطلع “أحمد علام” بتلك المكفهرة التى لم تهدأ حركتها للحظة منذ أن أتى بها رجاله إلى هنا، تعالت ضحكته قائلًا بسخرية …
– هو إنتِ حتفضلي تتحركي كتير كدة، إهدي شوية …
لم تكن “عهد” قد بدلت ملابسها عن تلك التى إرتدتها بالصباح،كنزة سماوية وبنطال أسود، خصلات شعرها الناعم تتطاير بعشوائية بفعل الهواء الذي يلفح بها من كل الإتجاهات وهي تتلوي بحركات ثائرة تود التخلص من تلك القيود التى قيدها بها هؤلاء المجرمين …
فقد قيدت ذراعيها من الخلف بحبال سميكة، وإلتف حول خصرها بالكامل عقد سميكة من تلك الحبال الغليظة، لتعلق منها بأحد الروافع الهيدروليكية بهذه الآلة التى تُسقط قطع السيارات المتهالكة لتلك المفرمة بالأسفل …
ثائرة بحركتها وصراخها بهذا المتعجرف دون الإكتراث بوضعها وتقييد حريتها بهذه الصورة …
– إنت حيوان، نزلني بقولك، نزلني أحسن لك، أحسن والله أكسر لك دماغك المكورة دي …
ضحك “أحمد” مستهزئًا من تلك سليطة اللسان برغم تقييدها بهذه الصورة …
– تكسري دماغ مين !!! إنتِ مش شايفه نفسك، إنتِ بإشارة واحدة مني تنزلي المفرمة وتنتهي، لمي لسانك أحسن لك …
زمجرت فوق أسنانها بشراستها المعهودة …
– أقسم بالله حخلي وشك شوارع، نزلتي بقولك …
ضرب كفيه بعضهما ببعض، فكيف مازالت تناطحهم وتراوغهم وهي بموقف الضعف هذا، يا ليتها من فتاة فريدة متمردة، لكنه مع ذلك حاول أن يكسر شوكتها ليشير لسائق الرافعة بعينيه للتحرك …
على الفور أطاع السائق الأمر ليضغط فوق زر الرافعة فبدأ الحبل يتدلي بـ”عهد” لتدنو تجاه أسنان المفرمة الحادة أسفل قدميها …
هلع أصابها لكنها تماسكت دون إظهار ذلك وهي ترفع بساقيها عن تلك الأسنان الحديدية الحادة …
تعالت ضحكات رجالية مقهقهة بتهرب “عهد” كما لو كانوا يشاهدون أحد عروض السيرك وليس تهديد لحياة إنسانه بريئة من أفعالهم …
أشار “أحمد” مرة أخرى للسائق ليقوم برفعها كما لو كان يعبث بأعصابها وتحملها، للحظات ظنت “عهد” أنها ستسقط بين تلك المخالب الحديدية وستصارع الألم حتى الموت …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
يا له من شعور مفجع أخذ يكرره معها هذا النذل لكن ذلك لم يكن يقارن بما سمعته بمكالمة “أحمد علام” منذ قليل، حين أخبر “معتصم” بأنها بحوزته وعليه الإختيار بينها وبين إنقاذ والده …
أطاح بها إحساس بالتخلي والوحدة، فـ”علام” هذا يخيره بينها وبين والده، الذي بالتأكيد يعلم كم يكن له من محبة وإلا لما وضع كلاهما بكفة ميزان لن ترجح تجاهها مقارنة بوالده …
لكنها تذكرت فارق كبير بين والده و والدها، فشتان بين مقارنتهما ببعضهما البعض، تذكرت حين أنهت مكالمتها مع خالتها “زكيه” وقد سمعت صوتًا من خلفها، هذا الصوت الذي جعلها تستدير نحو صاحِبُه بإنفعال قائله …
– إنت تاني ؟!! جاي عاوز مني إيه تاني !!!!
تطلع “مسعود” ببسمته السمجة وطريقته المتصابية …
– عاوز إيه، عاوز الهنا كله، إيه ماليش نفس …
رفعت “عهد” بمقلتيها الناعستين نحو الأعلى بتملل …
– اللهم طولك يا روح، بقولك إيه، مش خلصنا من الموال ده، مالهوش لزوم مجيتك هنا تاني، أحسن لك خد بعضك من هنا وإتكل على الله، وسيبك من سِكة الحنية دي مش راكبة عليك أصلًا …
أسقط “مسعود” قبعته أرضًا بعد دفعها بكفه لينحني ليلتقطها وقد تابعت “عهد” إنحنائته، حتى مع إدراكها لأنانيته ولا مبالاته تجاههم إلا أنها لم تتوقع منه أسوء من ذلك -الغدر- فقد كانت تلك الإنحنائة هي إشارة لهجوم من جميع الإتجاهات نحو “عهد” بهؤلاء المتربصين لها أثناء غفلتها وإنشغالها بمن يسمى والدها، قيد إثنان حركتها بينما سارع ثالثهما بكتم أنفاسها بقطعة من القماش تحتوي على مخدر قوى جعل قواها تخر بلحظات ليسقط جسدها بإرتخاء بفعل المخدر …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
فتحت عيونها على وضعها المشين وتقييدها بهذه الرافعة، مكبلة الأيدي معلقة بالهواء تتأرجح هنا وهناك أمام هؤلاء المجرمين ورئيسهم “أحمد علام” …
تألمت بقهر لغدر والدها بها، فـ إلى متى سيظل سبب لكل معاناتها سواء بمقتبل عمرها، والآن أيضًا …
إنه نقطة سوداء بحياتها، بل هو كل السواد بها، أظهر نقطة ضعفها ووحدتها، لن تسامحه مهما مر الدهر، لن تُطلق عليه لقب -أب- مطلقًا، فكيف يقارن بوالد “معتصم” الذي لم يدخر جهدًا لأبنائه …
تلك المفارقة جعلتها تتيقن أنها ليست الأولى بإختيار أحدهم، إنها مهمشة ضعيفة، ستخسر حياتها بسبب والدها، وستخسر قلبها بسبب إختيار “معتصم” الذي بالتأكيد لن يرجح كفته لها …
دق هاتف “أحمد علام” ليجيبه وقد سلط عينيه تجاه “عهد” يحطم ما تبقى من ثباتها بنوع من التشفي …
– أهلًا أهلًا “معتصم” باشا، ها، وصلت لقرار …
أعلى “أحمد علام” من صوته ليُسمع “عهد” ما يخبره به على الطرف الآخر …
– طبعًا يا باشا، الأب ميتعوضش أبدًا ولا بكل كنوز الدنيا، الأمانة بتاعتنا تتسلم الأول ..
مكالمة قصيرة بدأت وإنتهت على مرأى ومسمع من تلك المعلقة بالحبال، ربما كانت تنتظر مسارعته نحوها ولو بنسبة ضئيلة للغاية، لكن حتى بتمنيها خُذلت تمامًا ..
تكاد تجزم أن ترنحها كان من دوار رأسها، فقد ظنت أن لها مكانة أخرى بقلب “معتصم”، لكن هيهات أن تكون أول إختيار بحياة أحدهم، حتى هو، خاب ظنها بالجميع، ربما كان لقائهما صدفة، لكن رحيله كان إختيار، لم يعد لديها سوى الصمت والخزلان خاصة حين خابت بها الظنون …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير …
بعد مرور ما يقرب من الساعة بحديث ثرثار ممل من “فوزي”، تبادل “خالد” الأوراق معه، ليعطيه “فوزي” حقيبة ممتلئة بالمال كمقابل لمساعدته بالحصول على تلك الأوراق والتسهيلات التى طلبها منه …
صمت أحاط بهم فجميع العاملين بالشركة قد غادروا بموعد إنتهاء دوام عملهم وأصبح المكان متاح لكل صفقاتهم المشبوهة دون أن يلاحظهم أحد …
أخفى هاتف “خالد” بين طيات سترته ليمنع أي تواصل مع “خالد”، بينما كان رجال “أحمد علام” يحاصرون الشركة لمنع أي مساعدة ستصل لـ”خالد” حتى يستطيع الضغط على “معتصم” …
أصر “فوزي” على أن يعد “خالد” النقود أمامه للتأكد من المبلغ …
– عدهم يا “خالد” باشا، عشان نبقى على نور …
قضب “خالد” جبهته بإستنكار …
– ملهوش لزوم يا “فوزي” …
وضع “فوزي” كفه فوق الحقيبة يقسم بإصرار على ذلك …
– وربنا لا إنت عاددهم، الله، مش تطمن …
زفر “خالد” بقلة حيلة وهو ينظر تجاه عقارب ساعته فقد تأخر الوقت …
– الأمر لله، طيب يا “فوزي” …
إنشغل “خالد” بعد النقود بينما إبتعد “فوزي” قليلًا مرسلًا رسالة نصية بغفلة من “خالد” …
-[ كله تمام، الفار وقع في المصيدة ..] …
كانت تلك الرسالة إشارة لإقتحام الشرطة لمقر الشركة والقبض على “خالد” …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بالقرب من مقر الشركة بما يبعد حوالي الخمس عشرة دقيقة، بدأت قوات الشرطة بالتحرك للقبض على متلقي الرشوة كما تربصوا تمامًا، فقد حانت ساعة الصفر ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ــ
قال أحدهم “إن الهجر لا يقتل، وبكى !!!”، مهما تغلفت القلوب بقسوة مؤقتة؛ إلا أنه حين الإختلاء بالنفس يتجلى الإحساس الحقيقي، مهما بالغت في إدعاء القسوة، إلا أن للقلب أحكام ..
هارب من نفسه قبل أن يهرُب منها، إستقل “عيسى” سيارته دون وجهة، فقط أراد الإبتعاد بأقصى قدرة ممكنة، رؤيته لها جاءت بوقت خاطئ تمامًا، لولا سيطرته على مشاعره لكان عنفها وصرخ بها وأفرغ بها غضبه؛ ثم جذبها لداخل أحضانه يلتمس راحة لقلبه المتعب منها ومن أفعالها وكذباتها …
توقف بالسيارة بمكان غريب بعد أن أفاق من إنفعاله وثورة غضبه، يلتمس بعض الهواء بصدره الناهج، يشعر كما لو كان يلتف كفوف غليظة حول عنقه تمنعه من التنفس …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
تهدلت قواه بإرتخاء بعد أن أدرك إنه بمفرده، خانته دمعة حارة سقطت من عينه، كان رجلًا قويًا لا يغلبه أحد، لا يهزمه شئ، حتى جاءت هي لتحطم قوته، وتكسر شوكته …
ود لو إستطاع الصراخ لينفث عن قلبه الملكوم، لكن أمر ما حال دون ذلك، أحببتك ووثقت بك، لم أظن يومًا أنكِ من سيخذلني، لكن بعض الظن إثم ….
أغمض “عيسى” عيناه بإنهاك، ليمد ذراعيه فوق المقود، ثم مال برأسه فوقهما بصمت تام …
لا يدري كم بقى بتلك الوضعية، لكن نغمة رسالة واردة جعلته ينتبه ويعتدل يسحب هاتفه من المقعد المجاور له ….
نظرات هلعة جعلت عيناه تتسعان بقوة حتى شعر بألم بمحجريه من هول الصدمة، ليعيد قراءة الرسالة مرات ومرات دون التصديق، تلجم لسانه عن النطق، ليظل مناظرًا لفحوى الرسالة دون حراك ….
-[ حاولنا الإتصال بك ولم نتمكن، توفت زوجتك، رجاء الحضور للمستشفى التخصصي على الفور …] …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى