رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء الرابع والثلاثون
رواية ظننتك قلبي البارت الرابع والثلاثون
رواية ظننتك قلبي الحلقة الرابعة والثلاثون
« إلا أنت …!!!! »
لك مني ما أراه منك ، وكيف ذلك إن كنت أرى بعينيك أنت ، أود لو أن تعمى عيناي ويبقى قلبي فقط هو من أستمع إليه …
لقد كَذَّبتُ كل شيء و صدَّقتك ، كانت كل الإشارات واضحة لكنني فضلت ألا أرى ، توقعتها من الجميع إلا أنت …
❈-❈-❈ــ
بالتأكيد هناك شيء خاطئ ، شيء غير مفهوم بل كاذب ، هكذا شعر “عيسى” وهو يحملق بخاتم الألماس الذى وجده بحقيبة “غدير” ، ظل يومئ بالنفي لعدة مرات قبل أن يتنفس الهواء المكتوم بصدره وهو يخرج كلماته المتحشرجة بحلقة بصعوبة …
– لأ لأ ، لالالالالالالا ، أكيد فيه حاجة غلط ، إستحالة لأ ، دي “غدير” ، عمر “غدير” ما تعمل فيا كدة ، عمرها ما تبيعني !!!! “غدير” !!! “غدير” بتحبني ، لا يمكن تعمل كدة ، لا يمكن !!!!
أهذه أمنية قلب أم أنها الحقيقة !!! أمر غير مُدرَك مطلقًا وهو يمسك تلك القطعة النفيسة الرخيصة بيده ، تهدج صدره بصعوبة قبل أن يرفع عيناه المقتضبتان نحو الأعلى فلن يترك الأمر للظنون ، سيسألها عنه ، والآن …
إستدار “عيسى” بعجالة مغادرًا البيت على الفور ذاهبًا لشقة “موده” للقاء “غدير” وفهم الأمر بدلًا من هذا التخبط ….
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
بيت موده …
صعدت “غدير” نحو الطابق العلوي تشعر بالخجل من ملابسها المبتلة بهذا الماء المتسخ تشعر بالتقزز والإشمئزاز من نفسها لتغمغم بقوة …
– منك لله ، الواحد بقى شبه إللي واقع في البلاعة ، أعوذ بالله …
دنت من إصيص النبات الموضوع بجانب الدرج لترفع بعد الحصى بأصابعها وترفع مفتاح الشقة الذى أخفته “موده” ، لتثني “غدير” عليها معجبة بذكاءها …
– أروبة يا بت يا “دودااا” …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
فتحت الباب بعجالة وأغلقته بنفس السرعة فعليها الإغتسال على الفور فلم تعد تطيق نفسها …
لحق “رشيد” بـ”غدير” دون أن ينتبه أحد لتسلله ليصعد درجات السلم مراقبًا “غدير” وهي تبحث عن المفتاح ليستعد للحاق بها إلى داخل الشقة لكنها فور أن دلفت أغلقت الباب بسرعة حتى أنه لم يلحق بالإقتحام لتغلق الباب بوجهه مباشرة …
عقص “رشيد” وجهه بقوة فلم يستطع تنفيذ ما خطط له ليدق الباب بطرقات خفيفة بإنتظار أن تفتح له “غدير” الباب لإقتناص تلك الفرصة وهي بمفردها بالداخل …
طرقاته الخفيفة حتى لا ينتبه له أحد من الجيران لم تصل لمسامع “غدير” التى دلفت إلى المرحاض مباشرة لتغتسل أثر تلك المياه والقاذورات التى علقت بها ، بينما ظل “رشيد” واقفًا بباب الشقة فعليه تنفيذ الخطة بأكملها فهي فرصته لإستعادة “غدير” وإن لم يحدث ذلك فهي أيضًا فرصته للإنتقام منها …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
مقر المخابرات العامة (الجهاز) …
طالت القوة والصبر لسنوات وسنوات وتأتي الغيرة بساعة واحدة تهدمه ، فلقد برهنت للتو بأنها عاشقة متيمة تغار على قلب رجل تملكته ، لا عاد للظنون حديث لقد أظهرت اليقين كاملًا …
من هذا الذى يتحمل غضب إمرأة إذا غارت ، فهو شعور مؤلم يقتل صاحبه ويساعده على قتل غيره إن لزم الأمر …
وقفت “عائشة” بذهول من هجوم “عهد” المباغت عليها لكن أرضاها إختيار “معتصم” لها ، فيبدو أنه يكن لها بعض الإعجاب كما تشعر هي بذلك نحوه ، ومن تقدر على مقاومة سِحر هذا الغامض محطم الأعصاب والقلوب …
نهضت “عهد” من فوق مقعدها تود لو تهدد “معتصم” بالإختيار بينها وبين “عائشة” لكنها تراجعت عن التفوه بذلك فهذا سيفضح الأمر أمام أعين الجميع المترقبة لينهي “معتصم” تلك الحالة من التحفز …
– إتفضلوا دلوقتِ و”شادي” حيبلغكم مهماتكم بالضبط ، “عائشة” لو سمحتِ حضري نفسك بكرة الصبح لبداية مهمتك معانا (ثم إلتف أخيرًا نحو تلك التى كادت تنفث الدخان من رأسها المشتعل) ، “عهد” إستنيني لحظة ، إتفضلوا على مكاتبكم …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
خرج الجميع من المكتب تحت أنظار “عهد” التى توهج وجهها بحُمرة مشتعلة من شدة غضبها منه فلِمَا يتسم بهذا البرود كما لو كان يتعمد هذا الأمر ، كانت ستلحق بالبقية فلن تبقى معه ولو للحظة واحدة بعد الآن فهي ليست لُعبة يوجهها كما يشاء لكن إعتراضه لخروجها من المكتب أوقفها بموضعها …
بمشاكسة لطيفة بدأ “معتصم” يزيد من حنق “عهد” …
– مالك يا “عهد” ، حاجة ضايقتك ؟!!
حدجته “عهد” بقوة لتلف أصابعها بإنفعال إشارة عن الجنون وهي تجيبه بخشونة …
– إنت مجنون !!!!!!
تظاهر بعدم الفهم ليزيد من إثارتها لجعلها تعترف ولو لمرة واحدة أنها قد وقعت بالعشق وبحوره …
– ليه بس !! إيه إللي حصل ؟!! شايفك متضايقة ، قولي على طول مين إللي ضايقك ، وشوفي أنا ممكن أعملك فيه إيه ..!!!
كورت قبضتها بغيظ حتى كادت تلكمه بقوة فهو يتعمد ذلك ، لتبتر كلماتها لكن إنفعالها كان على أهبة الإنفجار …
– مفيش …
مال بعينيه الثاقبتين يخترق عسليتيها بقوة متسائلًا بمشاكسة …
– متأكدة ؟؟!!
إعتدلت بوقفتها تهاجمه بشراسة بينما كان يتحلى بثبات أشبه بالبرود وهو يتلقى غضبها بإبتسامته الهادئة حين هتفت بحدة …
– أنا مش عارفه إنت متعمد تغيظني ولا عايز إيه بالضبط !!!!!! إنت فاهم وعارف إيه إللي حصل ، فبلاش نستعبط على بعض …
أجابها ببرود تام ..
– لأ ، مش عارف إيه إللي حصل ، قوليلي ، إيه مضايقك ..؟؟
زاغت عيناها قليلًا فلن تعترف بغيرتها لتهتف بمغالطة ..
– لازمتها إيه تدخلها في المجموعة ، ما إحنا إللي بدأنا الشغل وإحنا نقدر نخلصه ، مش محتاجين خدماتها في حاجة …
– هو ده بقى إللي مضايقك !!!! إني دخلت “عائشة” المجموعة ….؟!!!
مجرد ذِكره لإسمها بين شفتيه جعلها تنتفض بغضب أشد لتقضم شفاهها وهي تردف من بين أسنانها …
– أيوة زفته !!! لازمتها إيه تحشرها ، ولا إنت مبسوط بالمُحن والمياصة دي …!!!
نطقتها وهي منفعلة ولم يعد لديها القدرة على التراجع لتشعر بجثامة ما نطقت به خاصة وهي ترى توهج عيناه حين لحقها بسؤال كانت لا تود سماعه مطلقًا …
– “عهد” ، إنتِ غيرانه ؟!!!
تهدج صدرها صعودًا وهبوطًا لتلتزم الصمت لبعض الوقت تحاول الهرب مما فهمه وأدركه ، لقد خانها لسانها وأخرج ما تخبئه بقلبها ، إبتلعت ريقها بتوتر لتزيغ بعينيها عنه قائله …
– إيه التخاريف دي ، غِيره إيه وكلام فاضي إيه ، أنا بتكلم عن المُهمة …
إن كانت هي ستنكر فهو لن يتراجع عن هدف يسعى إليه ، وقد أصبحت بحد ذاتها هدف سامي يتتوق للوصول إليه ، همس نحوها بنبرته الشجية بهدوء يخترق قلبها كالسهام لينفذ إليه دون عناء …
– قلت لك كل الناس في مكان إلا إنتِ في قلبي يا “عهد” ، إنتِ غيرهم كلهم ، خليكِ واثقة من ده ، بس ده ميمنعش إني سعيد أوي وأنا شايفك غيرانه عليا ، مش بيقولوا إللي يحب بيغير …
كانت ستهتف وترفض وتتهرب كالعادة لكنه أنهى ذلك حين أكمل …
– مش عايزك تقولي حاجة ، بلاش تهربي بأي كلام ، لأني مش حصدقه ، وأنا مستني اليوم إللي حسمع منك كلمة بحبك فيه ، وصدقيني اليوم ده حيكون بعمري كله …
إكتفت “عهد” بالصمت فلم تجد ما تنطق به بعد حديثه العاشق فبرغم كل تلك المناوشات إلا أن بداخل قلبها سعادة لا توصف لكنها مازالت مختبئة بداخل جنباته تُحتم عليه الإختباء فلن تعترف بتلك السهولة ، فمازالت لم تطمئن بعد …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
بيت النجار (شقة فريد)
بعد تخبط دام لبعض الوقت لم تجد “حنين” بفكرها سوى أمر واحد فقط ، أن تتخلص من “فريد” قبل أن يؤذيها …
لابد وأن تتخلص منه نهائيًا قبل أن يفكر بأن يؤذيها ، عليها أن تستغل ضعفه وذكائه المحدود الذي بالطبع سيحاول إنتظار لحظة غفلة منها فهو أضعف من مواجهتها ، وبذلك ستكون تخلصت منه قبل أن تتاح له الفرصة للتخلص منها …
مر وقت كانت تنتظر به “حنين” بترقب لمجيئه ، دلف “فريد” بهدوء ظاهري على النقيض تمامًا مما يثور بداخل نفسه ، وقف قليلًا يناظر “حنين” دون التفوه بكلمة واحدة ، تلك النظرات المُبهمة التى لم تستطع “حنين” إدراك مغزاها فكم كان غامضًا مثيرًا للشكوك …
حدثت نفسها بحيرةٍ ..
-( هو ماله ده ، ساكت كدة ليه ، وبيبص ناحيتي كدة ليه ؟؟! يبقى صح ، هو أكيد شافني عند “حودة” ، بس ده ولا إتكلم ولا نطق ، إيه !!! حيعمل نفسه مخدش باله ولا كأنه مشافش حاجة ؟!!) …
خيال برأسها كله يدور حول سلبية “فريد” وتخوفه من أن ينفعل عليها أو يفكر بأذيتها ، ذلك السكون الذى جعلها تطمئن لضعفه وقلة حيلته ، بل تمادت بما هو أكثر من ذلك ، فأصبحت لا تكترث وتتبجح بالأمر لتنطق بتقزز …
– إيه ، مالك مبحلق لي كدة ليه ؟!! أول مرة تشوفني يا “فريد” …!!!!!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لأول مرة يشعر بأنه يراها على حقيقتها ، لقد أزيلت الغشاوة عن عينيه وأصبح يرى بشاعتها وقمائتها الدنيئة ، تلك الخائنة البشعة ..
بعد تحديق طال لعدة دقائق خرج “فريد” عن صمته بملامح معقودة وغضب مكبوت …
– كنتِ فين يا “حنين” ؟!!
جفلت عيناها نحو الأعلى لتدرك أنه بالفعل رآها لكن يبدو أنها أعطت للأمر أكثر من حجمه فهو أضعف من مواجهتها …
– حكون كنت فين يعني ؟!! ما تخلص وتقول عاوز إيه !!! أنا تعبانه وعايزة أنام …
خرجت ضحكة قصيرة متهكمة معقبًا بغموض ..
– حتنامي ، متقلقيش ، حترتاحي أوي …
دب شعور بالإرتياب والفزع بداخلها فلمَ هو هادئ بهذا الشكل وماذا يقصد بأنها سترتاح ؟!!!! ، إهتزت نبرة صوتها وإختل ثباتها قليلًا وهي تدلف لداخل المطبخ …
– طب غير هدومك ، ححضر لك الأكل …
إحساسها بأنه لا يتصرف بشكل طبيعي أخذ يزداد بقوة مما زاد تخوفها وقلقها ، أوقفها عن حركتها صوت “فريد” الغاضب حين صرخ بها …
– إستني عندك هنا …
توقفت برجفة فمن أين أتى بتلك القوة فهو الضعيف الخاضع لها ولسيطرتها ، إلتفت نحوه بجسد مضطرب وقلب فزع لتقفز منتفضة حين صرخ بها مرة أخرى …
– كنتِ فين يا “حنين” ؟؟!
سؤاله بتلك القوة ونبرته الممتلئة بالتهديد جعلها تجيبه بإضطراب …
– حكون كنت فين يعني ، روحت عند بيت أبويا شوية و ….
قاطعها “فريد” يكشف كذبها …
– كدابة ، أنا لسه جاي من عندهم ، ومكنتيش هناك ، إنتِ مرحتيش هناك من أصله ، ها ، حتقولي لوحدك ، ولا أقولك أنا كنتِ فين …!!!
إبتلعت “حنين” ريقها المتحجر فلم تكن تظن يومًا أنها ستخشى غضبه ، إنها لم تعتده رجلًا يؤخذ في الإعتبار ، بل ظنت أنه ضعيف خانع لها ولأوامرها ، لن يخرج عن طوع يديها ، لم تظن أنه ذئب له أنياب بل لم يتعدى فرخ بحظيرة طيورها …
لكن ها هي الشراسة ظهرت جلية واضحة وسُنت الأنياب إستعدادًا للإنقضاض ، تهدج صدرها بقوة لتتلعثم حروفها قائله …
– “فريد” ، مالك بس ؟؟! إنت زعلان ليه كدة يا حبيبي ؟!!
تيقنت بأنها لن تستطيع التخلص منه عن طريق “حامد” فلتحاول خداعه للتملص من هذا الغضب الجديد عليه ، مدت كفها تربت برفق فوق عضده تستجديه للهدوء …
– وحد الله كدة و ….
نفض يدها بعنف لتمسك قبضته السمينة بمرفقها النحيل وهو يُدني وجهه قرابة وجهها صارخًا بغضب …
– إيدك ده متلمسنيش ، ولا إنتِ فاكرة إنك حتضحكِ عليا بحركاتك دي !!! لاااااا ، “فريد” القديم مات ، مات وإتدفن يوم ما شفتك بعيني في شقة “محمود” يا خاينة يا بنت الـ*** ….
ترك مرفقها وسط ذهولها من غضبه وصراخه الهادر بها ، لكن لم تلبث إلا لحظات من الدهشة حتى تلقت أول صفعة من كفه الثقيل فوق وجنتها وهو يصرخ …
– يا خاينة ، يا ***** ، إما وريتك مبقاش أنا “فريد النجار” ..
لم يمهلها فرصة للرد أو الصدمة بل تابع صفعاته واحدة تلو الأخرى دون إنقطاع ، ضربات متتالية يخرج بها ثورته الكامنة بداخله ليشعر لأول مرة بأن له قوة وقدرة على الرد ، وأنها ليست بهذا الحجم الذى كان يراها به ، بل هي مجرد ضئيلة لا تقوى على مواجهته أو التصدي له …
شعور بالإعتداد بالنفس والقوة ممزوجًا بألم لخيانتها وغضب يشعل النيران بدمائه الثائرة ، لم يشعر بأنه ضعيف كالعادة ، بل قوي ، قوي بشكل مخيف فقد ظن نفسه أحقر وأدنى من أن يكون مثل بقية الرجال …
لكنه اليوم يثبت لنفسه قبل أي شيء أنه قادر وبقوة على مواجهة أيًا كان …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لم تجد “حنين” سوى صرخاتها وسيلة لتعبر بها عن آلامها إثر صفعات “فريد” وهي تستجديه لأن يسامحها ويعفو عنها ..
– بالله عليك يا “فريد” ، خلاص ، خلاص ، إرحمني …
نظرات تعيسة باكية إحتلت أعين أبنائه اللذين وقفوا بأحد الزوايا يطالعون مشهد لن ينسى بين والدهم ووالدتهم جعلته يتوقف عن صفعها ليرمقها بحدة وسط تلاحق أنفاسه الثائرة مطلقًا كلماته التى كانت أقوى من طلقات الرصاص …
– إنتِ طالق يا “حنين” ، طالق ، طالق ، طالق قدامك ساعة واحدة أرجع البيت ملاقيش خيالك فيه ، لأني لو رجعت ولقيتك قدامي معرفش ساعتها ممكن أعمل فيكِ إيه ….
تعالت شهقاتها وهي تخفى وجهها بين كفيها لتجثو بالأرض في حالة إنهيار تام ، إتجه “فريد” نحو أبنائه قائلًا …
– تعالوا معايا …
لن يترك أبنائه لتلك الخائنة مطلقًا بل عليها إستكمال حياتها وحيدة منبوذة محرومة من أبنائها وزوجها ورخاء معيشتها التى كانت تحتقره ، أعاد “فريد” تحذيره وهو يوليها ظهره أثناء مغادرته بأبنائه …
– ساعة وراجع ، مشوفش وشك هنا …
خرج من الباب ليصفقه بقوة دبت بقلبها لتنتفض إثرها ، جلست لبعض الوقت تبكي وتشاهق لا تدري لم هي حزينة ، ألم تكن تمقت “فريد” ولا تطيق وجوده بحياتها ، لم تشعر الآن بأنها خسرت شيء عظيم للغاية …!!!!
لم لا نشعر بقيمة ما بحوذتنا إلا عند خسارته …
ساعة واحدة كانت آخر ما يربطها ببيت النجار وبتلك الحياة التى لم تعتاد غيرها ، ساعة واحدة هي نهاية علاقتها بـ”فريد” وأبنائها وعليها الرحيل ، كانت تظن أن خسارتها لـ”فريد” لأمر مبهج للنفس وأنها لن تحزن يومًا على فقدانه أو خسارته ، لقد ظنت فقط لكنها لم تدرك أن بعض الظن إثم …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
بيت “مودة” ….
لم تستمتع “غدير” بهذا الماء الساخن المنهمر فوق رأسها وجسدها كعادتها ، بل كانت تغمغم بسخط لسوء حظها اليوم فما كانت لتظن مطلقًا أنها تتحمم ببيت أختها وبهذا الطقس البارد …
– كان مستخبيلك فين يا “دورا” كل ده ، حُمايه ولا على البال وعلى الخاطر …
شعورها بالبرد جعلها تبقى لأطول فترة ممكن تحت الماء الساخن ، حتى أن رذاذ الماء المتساقط أخذ يصدر بعض الضجيج الذى منعها من الإستماع لتلك الطرقات الضعيفة المتتالية بالزجاج الخاص بباب الشقة …
وقف “رشيد” يطرق بأطراف أصابعه فوق الزجاج خوفًا من أن يثير إنتباه الجيران فلابد أن يكون بالداخل الآن ، فوجوده خارج الشقة يفسد الأمر بأكمله …
توقف “عيسى” بسيارته بالقرب من بيت “موده” وفي داخله مناديًا بألا يصعد ويواجه “غدير” فما بقلبه يشفع لها أى خطأ ، عشقه لها أقوى من مجرد مال وعمل ، وربما لم يكن هذا ما يوده بل خشيته من أن يتأكد من أن ما يظنه صحيحًا فلن يتحمل أن تغدر به، فـ”غدير” ليست غادرة ، لكنه بالنهاية ترجل من السيارة فهاتفها مغلق ولا يستطيع التوصل إليها وعليه التأكد من سبب وجود خاتم باهظ الثمن كهذا بحقيبة يدها …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
دلف “عيسى” لداخل البناية القديمة لتصدر خطواته المتصاعدة صوتًا متتاليًا لوضع أقدامه بدرج السلم ، تلك الأصوات الخفيفة التى جعلت “رشيد” ينتبه لصعود أحدهم نحو الطابق الأعلى …
على عجالة لم يجد سوى حل واحد فقط ، فتح أزرار قميصه ليظهر مقدمة جسده العاري ثم عبث بخصلات شعره السوداء ليثيرها بفوضاوية ، إنتظر للحظة حاسمة وهي إقتراب “عيسى” من الطابق الذى به شقة “موده” ليثير بنفسه الشك بأنه قد خرج للتو منها …
كإنتظار عقارب الساعة لتدق بتنبيهها لوقت محدد ، إنتظر “رشيد” بترقب تام كما لو كان سينفذ أمر غاية في الخطورة والدقة ، لحظات يعد بها عداد عكسي للإنطلاق ..
وفجأة دقت ساعة الحسم ليسحب الباب المغلق من الأساس كما لو أنه أغلقه للتو مصدرًا صوت ضحيج واضح حين ضربه “رشيد” بقوة ، ثم تحرك لخطوة متقدمًا بها إلى بداية الدرج مُلمًا قميصه ليظهر كما لو أنه يهرب دون اللحاق بإرتداء ملابسه كاملة …
لقاء بين “عيسى” و “رشيد” لتظهر بعيني “عيسى” نظرات حادة محاولًا ربط من أين أتى هذا الشاب ، هل بالفعل خرج من الشقة أمامه ، حدجه بقوة ملاحظًا تفكك أزرار قميصه وهيئته المشعثة وإرتباكه الملحوظ لحظة رؤيته ، حتى أن “رشيد” أشاح بوجهه بإضطراب واضح للغاية جعل “عيسى” يشعر بالريبة من هذا الشاب …
تخطى “رشيد” لـ”عيسى” قبل أن تتسع عينا الأخير بتوهج حين تيقن أنه هو نفسه الشاب الذى كانت “غدير” تقف معه تلك الليلة ، قبل أن يمسك به “عيسى” أسرع “رشيد” راكضًا كمجرم يفلت من فعلته …
وجود “رشيد” بهذا المشهد وخروجه للتو من شقة “موده” التى لا يتواجد بها سوى “غدير” وهروبه بهذا الشكل لحظة رؤيته جعلت “عيسى” يلتفت نحو الشقة بنفس ثائرة حتى أن الدماء تصاعدت لرأسه وتوهجت بضراوة ولم يعد بعقله سوى ظن واحد فقط ( الخيانة ) …
تناسى أمر الورق والخاتم وكل ما دار برأسه هو مشهد خيانة يشطر قلبه بخنجر بارد ويثير الدماء بعروقه …
قفز بخطوة واحدة نحو باب الشقة يطرقه بإنفعال لعدة مرات متتالية بقوة لا تضاهي ومضة مما يعتمل بداخله …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
“غدير” ..
مع سماعها لضربة عنيفة ضربت باب الشقة ظنت أنها ربما تكون “موده” قد عادت من الشركة ، أغلقت صنبور الماء لترتدي مأزر الحمام الخاص بـ”موده” والمعلق خلف باب المرحاض تاركة شعرها المبلل تتساقط منه قطرات الماء لتخرج نحو الصالة قائله بمزاح …
– عايزة حاجه ألبسها عشان ….
نظرت حولها لم تجد سوى نفسها تتوسط الصالة فلا أثر لـ”موده” على الإطلاق ، رفعت “غدير” كتفيها وأهدلتهما وهي تقلب شفتيها بمعنى لا أدري لتتجه نحو غرفة النوم لتبحث بنفسها عن ملابس مناسبة لإرتدائها …
لكنها سمعت طرقات عنيفة متتالية بباب الشقة جعلتها تستدير بتوجس متجهة نحو الباب لتتسائل من خلفه بقلق …
– مين ؟!!
إنها “غدير” بنفسها وليس غيرها ، هي من تتواجد بالداخل ليته يحلُم ، سيتحمل كل أنواع الألم إلا هذا ، لا يستطيع تخيل أن “غدير” خائنة ، إلا “غدير” !!!
تهدج صدره بقوة وعلقت بحلقه غصة مؤلمة ليجيب سؤالها بصعوبة للغاية …
– أنا “عيسى” …
تهلل وجه “غدير” بسعادة ، فكم من مشاعر متناقضة بين كلاهما ، عاصفتان مختلفتان تمامًا فإحداهما تتطاير بها أجنحة السعادة وأخرى موجات من النيران الضارية …
– “إيسوووو” …
فتحت الباب على الفور فممن ستتوارى وتختبئ إنه زوجها مالك قلبها وعقلها ، تصرف عفوي حين قابلت “عيسى” بهيئتها المبللة مرتدية هذا المأزر المثير …
هكذا ظنت بينما ماجت ظنون أخرى برأسه وهو يناظرها بصدمة حين دلف لداخل الشقة ، تيبس عن الحركة وتسلطت عيناه المنصدمة بها لتتخبط رأسه بعاصفة عاتية فلم الظنون وما يراه يثبت بما لا يدعى بالشك ، إنها حقًا خائنة …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
بيت محفوظ الأسمر …
جلسة مطولة كانت بين “محب” وتلك الطبيبة التى بدأت بعلاج والدته ليتفهم منها حالتها ومعرفة التقدم بها فقد طالت فترة مرضها بدون إستجابة ليتسائل بشك …
– يعني قصدك إنها حتفضل كدة ؟؟!
أجابته الطبيبة بتوضيح أكثر …
– زي ما قلت لحضرتك ، هي كل مشكلتها نفسية مش عضوية خالص ، أه إحنا بنساعد بالعلاج الطبيعي لكن لازم حاجة تخليها تتمسك بالحياة عشان تبدأ تتعامل بطبيعية …
زاغت عينا “محب” تجاه الباب ليعاود سؤالها بحرص شديد …
– أنا عاوز إجابة محددة ، لو أنا طلبت منها تعمل لي حاجة مش حتعمل صح !!! يا ريت تكون عندك طريقة تخليها تتفاعل معايا …
إمتعضت الطبيبة بشفتيها بأسف …
– حقيقي والله يا أستاذ “محب” ، وضع والدتك صعب تقييمه ، خصوصًا إن مفيش تقدم في حالتها خالص ، زي ما يكون فيه حاجات بتفكرها كل شوية ، الإنسان في العادة بيتعود على الفقدان وبيبدأ يتأقلم ، لكن هي كل جلسة زي ما يكون أول مرة …
تنهد “محب” بقوة ليومئ متفهمًا للأمر …
– ماشي ، متشكر يا دكتورة ، تقدري تروحي إنتِ دلوقتِ …
غادرت الطبيبة بيت محفوظ ليدلف لغرفة والدته ليبقى معها لبعض الوقت كما إتفق مع “عتاب” التى تمللت من بقائها معها طوال الوقت لتنتهز تلك الفرصة للترفيه عن نفسها لبعض الوقت …
جلس “محب” بغرفة والدته يحدثها كما لو كان يحدث نفسه فلا تأثر ولا رد …
– يعني إنتِ عاجبك كدة !!! وضعك بالشكل ده مبقاش مريحنا ، حاولي تفهمي كويس إن الدنيا مكانش فيها “عاطف” بس ، فيها كمان “محب” …
جفل بعينيه لوهلة قبل أن يستطرد ممددًا ساقه بجلسة مريحة بشكل ملحوظ فوق هذا المقعد الطويل من القطيفة الرمادية بالغرفة …
– أنا لحد دلوقتِ مش عايز أخسر “عتاب” وعارف إن إللي في دماغها أكبر بكتير من إنها تدور على الورق ، بس لحد دلوقتِ ملقتهوش ، عايزك تفوقي وتردي عليا ، أنا مكمل عشان أنا كمان محبش أخسر ، وإللي أنا عاوزه لا يمكن حتنازل عنه وإنتِ عارفه كدة كويس …
حملق بالسقف لبعض الوقت مستكملًا …
– أنا خسرت مرة ، ولا يمكن أخسر تاني ، حاولي معايا أكيد حتقدري ، بلاش السلبية دي ، الدنيا موقفتش على “عاطف” بس …
ظل يتحدث ويتحدث لكن إن أجابه الحائط كانت “قسمت” ستجيب فقد أصبحت كالصخر تمامًا لا شعور ولا حديث …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
بأحد الكافيهات الراقية جلست “عتاب” ترتشف قهوتها بإستمتاع فكم تعشق تلك الحياة المترفة التى ترضي بها غرورها وهدوئها النفسي ، حياة البذخ التى كانت تحلم بها منذ تفتقت عيناها للدنيا …
تحملت زوج بعد آخر لأجل هذا المال ، حاربت وستحارب كل عائلتها للحصول على الأموال التى تجعلها سعيدة هانئة …
وضعت فنجانها بهدوء وهي تبتسم بتعالى بوجه هذا الرجل الذى يجلس بمقابلتها لتردف بهدوء …
– ولو معرفتش أوصل للورق ده يا متر ، حيبقى إيه الحل …؟!!
بعد نظرة مطولة لـ”عتاب” بدأ هذا الرجل الأربعيني ذو الوجه المثلث واللحية المنمقة الممزوجة شعيراتها بين اللونين الأبيض والأسود إستكمل حديثًا كان قد قطعة …
– هو كل قاعدتنا حتبقى على مرات أخوكِ والورث إللي حياخده الولد الصغير …
لملمت “عتاب” نظراتها بغرور فيبدو أن هذا الوسيم له رأى آخر بحياتها الرتيبة ، فكم إشتاقت لأن تكون موضع إهتمام وتغزل أحدهم …
– أستاذ “باسم” !!! عايز تقول إيه ؟!!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
نظرات ماكرة من هذا المحامي المتمكن تطلع بها نحو خبيثة النوايا فكلاهما مثال للطيور على أشكالها تقع ، لكن يا ليتها طيور إنها ثعابين متآلفة ، أنهى نظرته بتلك التى تظهر إعجابًا بفاتنته …
– “عتاب” ، أنا معاكِ من بداية القصة دي ومكمل معاكِ للنهاية ومش عايزك تقلقي ، الفلوس حتاخديها حتاخديها ، وكلها كمان ، حتى أخوكِ بس يعمل إللي بتقوليله عليه وهو نفسه مش حيطول حاجة وأنا معاكِ لكن اااا …
إنتبهت بقلق لتتسائل بتوجس …
– لكن إيه ؟!! فيه مشكلة …؟؟؟
زم “باسم” شفتيه يتمالك إبتسامة واثقة من قدراته …
– مشكلة !!!!! وأنا موجود ، ليه ، مش واثقة فيا !!!! أنا بس عشان أطمنك ، أنا ممكن أمسحهم لك كلهم من الدنيا دي ، أشطبهم من دفتر الوجود ، ده أنا “باسم المحمدي” إنتِ مستقليه بيا ولا إيه ، أنا مش عاوزك تقلقي خالص ، أنا بتكلم في نقطة تانية خالص …
هزت رأسها تصطنع عدم الفهم متحلية بدلال لا يليق بها …
– حاجة تانية !! زي إيه ؟؟!
– زي جوازنا إللي بتأجليه !!! “عتاب” أنا داخل من الباب وشاريكِ ، مستنية إيه ؟!!!
حركت كتفها بتغنج وهي تملس بجانب شعرها الأسود تشعر بالرضا لطلبه بينما تظهر عكس ذلك كنوع من الرزانة وعدم الإكتراث …
– مش وقته يا “باسم” ، أرجع فلوسي الأول ، أنا هاين عليا أمسك الواد المفعوص ده وأخلص منه ، بس برضه مش حطول الفلوس …
أعاد “باسم” جذعه لمسند المقعد بثقة مردفًا بما يطمئنها …
– خليكِ ماشية على الخطة بالضبط وفي أقل من شهر كل حاجة حتبقى بإسمك ، وساعتها أظن إن مش حيبقى فيه حاجة تمنع جوازنا …
إبتسمت “عتاب” بخجل لا يناسب قلبها المتحجر ليشعر “باسم” بالإطراء لرؤية قبولها الظاهر فيبدو أنه أيضًا على مقربة من تحقيق حلمه ومكسبه الذى لم يكن يحلم به مطلقًا ، فقد أتت إليه تلك المغفلة لتوقع بجميع عائلتها لتحصل على أموالهم ليخطط لها هذا الماكر الأمر الذى سيمكنها من الحصول عليه وبسهولة للغاية سيصل هو للمال بدهائه وخداع تلك الطامعة ..
فكم من نفوس تصارعت تحت بريق الطمع لتهدم ذاتها وتتحسر بالخسارة فلا ربح ناله طامع …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
بيت المستشار خالد دويدار …
كيف يكون مريض وهو يشعر بأنه يطير فوق السحاب يتألق بلمسات لتلك النجوم ، من يرى حاله بالأمس حين علم “رؤوف” بتخوفهم من أن يكون مريضًا وتعاسته التى ضاقت بصدره لا يتوقع سعادته البالغة اليوم …
أنهى “رؤوف” عمله ليتجه صوب البيت وقد تملكه الحماس لإخبارهم بقراره بالزواج من “موده” ، نقية القلب لطيفة المعشر ، تلك التي أخفتها غشاوة عينيه عن رؤيتها وإختيار “نيره” المسيطرة الأنانية …
حينما دلف من الباب كان يتوقع يومًا إعتياديًا إنشغل فيه والديه بالعمل لكنه وجدهم بإنتظاره وقد إرتسمت على وجوههم علامات القلق ، أدركها “رؤوف” على الفور خاصة حين بادر “خالد” سؤاله …
– إتأخرت ليه يا “رؤوف” !! إنت كويس ؟!!
نظرات والدته القلقه وإنتظارها لإجابته جعلته يبتسم بسعادة فمحظوظ من يكون نصيبه بالدنيا والدان كوالديه وحب يشمله بتلك الصورة …
أقبل يقبل كفيهما وهو يتوسط جلستهما قائلًا بصدق …
– لو تصدقوا لما أقولكم إن النهاردة بالذات هو أكتر يوم في حياتي أنا كويس ومبسوط فيه …
كان لوقع كلماته راحة وسكينة غمرت قلبيهما لتتسائل “منار” بفضول …
– وإشمعنى بقى النهاردة ؟!!
حاوطهما “رؤوف” بذراعيه الممدودتين فوق كتف كل منهما …
– يعني لما الاقيكم مستنيني بالصورة دي ، وكل الحب والإهتمام والقلق إللي في عيونكم ده ، كل إللي بتعملوه عشاني وحبكم ليا ، مكونش مبسوط ، ده غير كمان فيه حاجة كدة عاوز أقولكم عليها …
دلف “معتصم” يضع كفيه بجيبي بنطاله ليقف شامخًا أمامهم قاطعًا حديثهم …
– طب ما تقول وتفرحنا معاك …
إتسعت إبتسامة “رؤوف” المميزة وظهرت أسنانة اللطيفة وقد تملكه الحماس لإخبارهم …
– أنا عاوز أقولكم إني عاوز أتجوز “موده” أخت “غدير” …
دارت عيونهم بين بعضهم البعض بحيرة وإستنكار قبل أن تتسائل “منار” بالبداية بإندهاش وإمتعاض …
– “موده” !!!! طب و”نيره” ؟؟! إيه إللي غير رأيك كدة يا “رؤوف” !!! هي بنات الناس لعبة يا إبني !!!!
سؤال بديهي ومتوقع كان “رؤوف” في أتم الإستعداد للإجابة عنه ليسحب شهيقًا طويلًا قبل أن يردف بهدوء …
– “نيره” طلبت مني إن كل واحد فينا يروح لحاله ، هي مش قادرة تكمل مع واحد مريض وشايفه إني لو طلبت منها كدة حتبقى أنانية مني ، وفى نفس الوقت لقيت “موده” عايزة تكون جنبي ومتمسكة بيا حتى في مرضي ، أنا في الفترة الأخيرة حسيت بمشاعر تجاه “موده” لكن مكنتش أقدر أكسر قلب “نيره” وإحنا خلاص بنرتب للفرح والعفش ، إحساس قتلته جوايا وكأني معرفش عنه حاجة ، لكن بعد ما “نيره” قررت تبعد لقيت “موده” شكل تاني ، عكس “نيره” في كل حاجة…
طأطئ رأسه متذكرًا إحتمال إصابته بالمرض ليردف بنبرة منكسرة بائسة …
– أنا عارف إني إحتمال كبير أكون مريض وطلبت من “موده” تبعد وبلاش أظلمها معايا ، لكن لقيتها مُصرة إننا نكمل ونبقى مع بعض وتقف جنبي في وقتي الصعب ، لولا تعبي ولا كنت حعرف تخلي “نيره” عني ولا كنت حقرب من “موده” ، زي ما يكون الموضوع ده حصل عشان أعرف حقيقة كل واحدة فيهم ، وأتأكد مين إللي بيحبني ومين إللي بيحب نفسه ، أنا نفسي إتفاجئت قد إيه أنا بحب “موده” ….
نبرته المتألمة وحديثه المتأثر جعلهم لا يعارضون الأمر خاصة بعد تخلي “نيره” عنه ، كما أن “موده” فتاة رائعة كـ”غدير” تمامًا …
شعورهم بأنه بحاجة لوجودها بتلك الفترة العصيبة كان يبعث بداخلهم رغبة بالموافقة فهو يستحق السعادة رغم كل شيء ، إشفاقهم على حالته جعلهم يرددون بدون شك …
– ربنا يسعدكم يا إبني ، طالما مظلمتهاش وهي إللي إختارت يبقى تعمل إللي يريحك …
شرد “خالد” بذهنه لبعض الوقت لينتبه لموافقة “منار” معقبًا …
– زي ما تشوف يا “رؤوف” ، أنا عمري ما حأجبرك تاني ، على راحتك يا إبني …
إبتسم “رؤوف” ليحرك رأسه بإيمائة خفيفة بينما عقب “معتصم” برزانة …
– مبروك يا “رؤوف” بس يا ريت تكون متأكد من مشاعرك ناحية “موده” ، هي كمان مش لازم تظلمها معاك …
– متقلقش من الناحية دي …
لحظات من الصمت وتشتت الذهن قطعها “خالد” مطالبًا “منار” …
– ما تقومي تحضري لنا لقمة مع “أم مجدي” ولا حتسيبونا جعانين كدة …
نهضت “منار” على الفور ملبية طلبه …
– لا إزاى طبعًا ، دقايق والعشا يبقى جاهز …
فور أن غابت “منار” عن أعينهم مال “معتصم” بنظرته الكاشفة تجاه والده قائلًا …
– إيه يا سيادة المستشار ، قومت ماما عشان تقول لنا إيه ؟!!!
بإنبهار شديد لا يخلو من الدهشة نظر “خالد” بوجه “معتصم” الذى إستطاع أن يفهم بفراسته أنه يريد الإختلاء بهما ليجيبه بشكل متواري …
– أمكم بتتعامل مع الأمور بعاطفة عشان كدة عاوزكم تفكروا بشكل عملي ، إنتوا خلاص بقيتوا رجاله يعتمد عليكم ، لكن خلي في بالكم العيلة أهم حاجة ، ولازم لما تكونوا عيلة تكونوا واثقين في نفسكم وفيهم حتى لو الظنون لعبت في دماغكم إفتكروا إن بعض الظن إثم ، إمشوا ورا قلبكم وإللي ربيتكم عليه ، فاهمين …
أومأ كلاهما بتفهم ليعيد “خالد” الأمر بصورة جادة للغاية …
– فاهمين قصدي كويس ؟؟!
رغم أن حديث والدهم كان كلامًا مرسلًا لم يستطع “رؤوف” فهم مقصده بالفعل لكنه أجاب بالتفهم …
– فاهمين طبعًا …
بينما إكتفى “معتصم” بالتطلع بوجه والده الذى يبدو أنه يخفى عنهم شيء عظيم ولا يود التصريح به ، فإصراره على ذكر أن إهتمامهم الأول يكون بالعائلة والثقة بها بالطبع له صلة ما بهذه التوصية الآن …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
إشتقت إليك ولم أتركك بعد ، فكم كان قلبي متلهفًا لهذا اللقاء ، لكن لغتي هربت مني جميعها حين سقطت عيناي ببحور عيناك …
تراقص قلب “موده” الصغير فرحًا فما حدث اليوم لهو درب من الخيال وحلم بعيد الوصول ، لكن اليوم قد إنتهى وعادت من عملها بقلب زخم بعشق طال تحمله والآن فقط سيخرج للنور ، فالجميع بشر إلا أنت نجم متلألئ بسماء قلبي …
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أسرعت بخطواتها تدلف لداخل الحي للحاق بـ”غدير” حتى تُبلغها بأعظم خبر مر بحياتها ، ستتزوج “رؤوف” مُهجة الفؤاد و حياته …
خطت لداخل بنايتهم القديمة لتصعد الدرج بحماس وقلب طفلة لن تخفي سعادتها عن نصف قمرها بل ستسرع لمشاركتها إياه …
صدمة وإتهام واضح وصريح بالخيانة لم يتفوه به “عيسى” وهو يناظر تلك الواقفة أمامه بهيئتها التى لا تناسب زيارتها لبيت أختها فمنذ متى تأتي كزائرة لعدة ساعات وينتهي بها المطاف بالإستحمام والخروج بمأزر الحمام بداخل الشقة ، إنه لوضع مريب مثير للشك و مُعظِّم للظنون التى أخذت تعبث برأسه …
نظر نحو “غدير” مطولًا وقد إحتدت نظراته نحوها تصفعها بقسوة دون أن ينطق بكلمة أو يتحرك لخطوة ، فقط يناظرها بصورة غير معتادة ، فأين حنانه الذى يغدقها به ، وأين لُطفه معها دون سواها …
مجرد لحظات صامته جعلت “غدير” تشعر بغرابة بالأمر فلمَ أتى الآن ولم يبدو عليه الغضب ، إحساسها بأنه ليس على طبيعته جعلتها تسأله بنبرة مترددة وصوت منخفض …
– مالك يا “عيسى” ؟!!!
تعالت أنفاسه وهو مازال يحدق بها بقوة ليثير بنفسها الإضطراب فهو غير طبيعي بالمرة ، أعادت سؤالها بنبرة تميل للقلق …
– فيه إيه يا “عيسى” ، مالك ساكت أوي كدة ؟!!
زاغت مقلتيه كما لو أن هناك العديد والعديد من الكلمات تدور برأسه دون النطق بها ، فقد كان يتوقع الخيانة من الجميع إلا هي …
هل بالفعل هي خائنة ؟!! وإن لم تكن فمن هذا الرجل وماذا كان يفعل هنا ؟!! لم كان مضطربًا يرتدي قميصه بعجالة كما لو أدرك وجوده فهرب قبل حضوره !!! لم بدلت ملابسها وإرتدت مأزر الحمام فأين ملابسها ؟!! لم تتواجد ببيت أختها وهي ليست به !!! أليس من المفترض أنها جائت لزيارتها ..؟!!
كلها أسئلة مؤلمة دارت بعقله بنفس اللحظة ، كما أنه لم ينسى أمر الخاتم أيضًا …
إبتلع ريقه بصعوبة وهو يحاول إخراج ولو سؤالًا واحد فقط من كل تلك الأسئلة فربما إجابتها تريح قلبه المُنهك ، إنه لا يود أن يعرف ، لا يود أن يُصدم ، قلبه الخائن يحبها …
بعد صمت دام للحظات نطق “عيسى” أخيرًا وهو يسحب العلبة القطيفة ذات اللون الأرجواني ليخرجها أمام عيناها الحائرتان ليظهرها بشكل واضح …
– إيه العلبة دي يا “غدير” ، وإيه إللي جابها في شنطتك …؟!
أهدلت نظراتها المتعلقة بعينيه نحو العلبة التى لم تنتبه لها للوهلة الأولى بل إنشغلت بجديته وحدته اللاتي لم تعتاد عليهما منه ، نظرت نحو العُلبة لتتذكر تلك العُلبة الغريبة ، إنها نفسها التى كانت بحوذة “رشيد” لتشعر ببرودة تجتاح جسدها دفعة واحدة ، حتى ضربات قلبها أخذت بالتزايد بحدة ، فمن أين أتى بها ، وماذا ستخبره الآن !!!!
تعلُق عينيها بتلك العلبة جعل مقلتيها تتسعان بفزع حتى أن جسدها أخذ ينتفض بشدة وضيق تنفسها أخذ بالظهور بأزمة جديدة قادمة بالطريق ، همهمت بحشرجة شديدة لم تظهر كلماتها بوضوح …
– جبت العلبة دي منين ؟!!
لم تنتظر طلبه للتوضيح لتسعل بقوة تسمح لمخارج حروفها بالظهور لتعيد كلماتها …
– جبت دي منين يا “عيسى” ؟؟!
رفع رأسه للأعلى منتصبًا بهامته وهو يكظم شفتيه بقوة ، فإضطرابها لا يعني إلا شيء وحيد أنها تخفي أمر ما ، أجابها بإقتضاب …
– من شنطتك السوداء ، طلعت الخاتم ده من شنطتك يا “غدير” ، جبتيه منين ؟!!
رفعت عينيها الواسعتين تناظره بتشبث ألا يظن بها السوء ، ترى لم بحث بأغراضها ليخرجه وهذا ليس من شيمه مطلقًا !! هل أخبره “رشيد” بذلك ليفسد علاقتهما وحياتهما الهانئة …؟!
إبتلعت ريقها وهي تدفع بنفسها للتحدث مدافعة عن نفسها وتمسكًا به ، فمهما حدث لن تترك “رشيد” يفوز بإفساده لحياتها ..
– ده اااا ، ده اااا ، “عيسى” متفهمش غلط ، أنا مش عارفه جه منين وإزاي !!! مش بتاعي ، مش بتاعي والله ….
تمنى من داخله أن تكون صادقة ، لكن إهتزازها النفسي يوحي بالنقيض ، إن نبرتها وإرتجافها يخبره بأنها كاذبة ، كم يود تصديقها لكنها كاذبة ، قلبه لا يطيعه بالغضب فهي الحبيبة وساكنة فؤاده ، لكنه رجل حر ولن يقبل بخائنة مهما تعلق بها قلبه …
دنا منها لعدة خطوات يريد الصراخ بها ، يعنفها ويقسو عليها ، لكن نبرته كانت تلتمس منها ولو إجابة واحدة صادقة ، كم هو مؤلم إتهام قلبك ونفسك ، إنها روحه وسكنه فكيف يستطيع الغضب من قلبه …
عيناه حملت توسل للصدق ، نبرته إهتزت بتألم لسؤاله وما سيتفوه به لسانه ، لكنه مجبر ، يريد سماع كلمة واحدة تبرئها ليلقى بما في جعبته دفعة واحدة …
– إنتِ بعتيني يا “غدير” ؟!! غدرتي بيا وبعتي الورق بخاتم ألماظ !!!! الورق إختفى وجت لي رسالة إنك إنتِ إللي أخدتيه وده المقابل ….
أخذ يلوح بعُلبة الخاتم وهو يقبض عليها بقوة لينتفض جسده بإنفعال شديد رغم محاولته الفاشلة بتمالك نفسه …
قبل أن يكمل ظنونه حركت “غدير” رأسها بالنفي وهي ترفع سبابتها تشير بـ”لا” ، إنهمرت دموعها متلاحقة بشدة ، ليس لإتهامه لها بل لتلك النظرة خائبة الرجاء التعيسة التى حلت بعينيه ، لن تكون أبدًا من تسبب له هذا الألم ، أردفت بنبرة حزينة للغاية لكنها تدفع بهذا الإتهام عن نفسها …
– لا يا “عيسى” ، متقولش عليا كدة ، مش أنا إللي أعمل فيك كدة ، مش أنا إللي أوجعك كدة أبدًا أبدًا ….
نحى هذا الأمر الذى أصبح تافهًا تمامًا الآن عن رأسه لتتجلى ظنونه الكبرى ليلقي بعُلبة الخاتم أرضًا كما لو كانت قذارة بين يديه ليتمسك بمرفقيها وقد لاحت دمعة خفية بمقلتيه شعرت بهما “غدير” على الفور ، تحدث بنبرة مهتزة منهزمة تموج بها حزن وتعاسة لم تراها به من قبل …
– إيه إللي جابك هنا و أختك مش هنا ؟!! ليه لابسه روب الحمام وشعرك مبلول كدة ؟؟؟!!
فتحت فاها لتجيبه بصدق عما حدث لكنه إستكمل بكلمات تعثرت للغاية للخروج من شفتيه بطبيعية فقد كاد يبكي من أثر تلك الغصة التى ظهرت بكلماته حين إستكمل ملقيًا إتهامه الموجع لها …
– مين إللي كان نازل من عندك ده ؟!!!!!!!!!!!!!! مين ده إللي بتقابليه هنا من ورايا ؟؟!!!!!!!!! إنتِ بتخونيني يا “غدير” ؟!!!!!
إتسعت عيناها أكثر وأكثر فما نطق به مفزع للغاية ، إتهام لا يصدق ولا يمكن أن يفكر به مطلقًا ، أجابته وسط بكائها بتساؤل مستنكر …
– إنت بتقول إيه يا “عيسى” ؟؟!! أنا !!!!!!! أنا أخونك ، أنا ؟!!!!!!!!!!!!
تهدج صدره بإنفعال وإهتزاز ليشعر بالضعف ، إحساس لم يمر به من قبل ، يتمنى لو كان كل ذلك مجرد ظنون ، لكن الأدلة تشير لخيانتها ، إنه رجل قانون والأدلة دليل إثبات واضح ، أعلى من صوته رغم ملامحه المتأثرة …
– أنا شايفه بعيني خارج من عندك هنا ، وشايفه معاكِ يوم ما جيت أخدك من هنا يوم المطره ، كفاية بقى متكدبيش عليا ، لما إنتِ مش عايزاني ومش بتحبيني مكملة معايا ليه ، بتخونيني وتوجعي قلبي ليه ، ليه ، ليــــــــــــــه !!!!!!!
أدركت “غدير” أنه يتحدث بالفعل عن “رشيد” ، ذلك الكريه الذي يبدو أنه قد نصب إليها مكيدة لتهوى بها ، سيُخسرها حياتها وحبها ، لكنها لا ، لن تستسلم ستظل تدافع وتتمسك بـ”عيسى” مهما كلفها الأمر ، لن تترك الظنون تفسد حياتهم وتخسرها حبهم وتفاهمهم ، لتصرخ موضحة لكنها كانت تتخبط بصورة عشوائية بحديثها …
– لالالا ، أنا عمري في حياتي أبدًا ما أخونك ، أنا بحبك يا “عيسى” ولا يمكن أحب غيرك ، ده كداب ، ده واحد عاوز يوقع بيني وبينك ، أنا مكانش فيه حد معايا ، لأ ، والله ما حصل ، أنا فيه مياه مش نظيفة إتكبت عليا وطلعت آخد دش ، والله ما خونتك ، أنا بحبك يا “عيسى” ، لا يمكن أعمل كدة ، إسأل “موده” ، أنا كلمتها ، شوف حتى أى حد وإسأله ، أنا معملش كدة …
أحنى رأسه وهو يغمض عيناه بقوة محاولًا تحمل فكرة خيانتها ، وأن الحياة بينهم لا يمكن أن تستمر ، إنها تدرك من هو ، تدرك هذا الكريه المقصود ، إنها تنفى أمر لا يمكنها إنكاره ، إنها تكذب ، ولا يكذب إلا من يخفى سر ، وها هو أدرك ما تخفيه …
ترك مرفقيها متراجعًا بجمود ليردف دون النظر نحوها حتى لا يُضعفه قلبه المتيم بها …
– يعني إنت عارفه هو مين كويس ، إنتِ بتكدبي عليا ، وطالما بتكدبي يبقى فيه حاجة غلط ، إنتِ فعلًا بتخو………
قاطعته “غدير” قبل أن ينطق بها لتضع كفها فوق فمه تمنعه من الإستطراد بالأمر لتردف وسط بكائها وشهقاتها التى لم تستطع السيطرة عليها فلا تدرك كيف تثبت له أنها بريئة من إتهامه لها ، ليتها أخبرته كل شيء ولم تخفي عنه شيئًا ، لو كانت أخبرته بالحقيقة وما حدث منذ ليلة لقائها بـ”رشيد” لما وصل الأمر لهذه الظنون والإتهامات ، لم تجد سوى حل واحد تمنعه من أن يبتعد عنها حتى تثبت له أنها لم تخونه قط ولم تعشق سواه ، نطقتها بتسرع دون تفكير …
– إوعى تقولها ، إوعى تبعد عني ، أنا ، أنا ، أنا حامل يا “عيسى” ….
رفع بنيتاه بصدمة يناظرها بإتساعهما فتلك مفاجأة تغير كل ما كان ينوي فعله …
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)