روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني والعشرون

رواية ظننتك قلبي البارت الثاني والعشرون

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة الثانية والعشرون

أبحث عمن يفهمني وأفهمه ، عمن يغنيني عن نصف آلامي وثلثي تفكيري وثلاثة أرباع حيرتي ويهبني طمأنينة كاملة …
ربما تلك أمنية أسعى إليها منذ وعى عقلي لتلك الحياة القاسية فلا أريد منها سوى طمأنينة قلبي …
المخابرات العامة (الجهاز) ..
مكتب معتصم ..
تباحث “معتصم” مع “عمر” أمر هذا التعاون فيما بينهم لكن من داخله كان يترقب وقت بدء الإجتماع بتحفز شديد ، بدقة متناهية دقت الساعة الواحدة وحان الموعد المرتقب …
عمل لا يعرف التدلل ولا الرعونة بل كل ما به يُحسب بالدقيقة والثانية ، ففي الموعد تمامًا دقات علت باب المكتب لتسمح بطارقها للدخول ، تعلقت أعين كلًا من “عمر” و “معتصم” بالباب لكن ترقب عيون الصقر التى تضئ كالياقوت الأسود كانت تخص هذا الشرس الحاد وهو ينتظر وجه واحد فقط يبحث عنه بين كل الحضور …
دلف بعض الأشخاص بقوة وجسارة ثم تلتهم هي ، بخطواتها الثابتة ونظراتها الحادة وشموخ روحها دلفت لداخل المكتب لا يهزها أى مشاعر خفية ولا توتر بين الرجال فكانت هي أنثاهم الوحيدة لكن ذلك لم يهز بها شعره واحدة ، إنتهى دخول المجموعة بقدوم “طه” الذى أغلق الباب من خلفه إستعدادًا لبدء الإجتماع …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
لم تثتثني عينا “معتصم” البراقتان غيرها بل ثبتت نظراته نحوها لتطالعه هي أيضًا بنفس الثبات والحدة كما لو تخبرة بأنها قادرة على التحدي ولن يتغلب عليها مطلقًا …
لم تكن “عهد” بعيون “معتصم” سوى .. خائنة ، لا يدرى لم ينظر إليها تلك النظرة وإحساسه بالسخط والغضب من فكرة زواجها مِن سواه جعلته لا يحُكم على الأمور بمنطقية ، فلقد ظن أنها خدعته حينما لم تخبره بأمر خطبتها من “طه” ، يشعر بأنها خانتهُ بعدم وضوحها ، مشاعر مضطربة ومشوشة لم يُدرك بها حقيقة واحدة بأنه لا يتقبل فكرة أحقية آخر بها ، كما لم يدرك كم عشق تلك الفتاة وسقط ببحور الهوى دون رغبته …
بدأ الإجتماع حينما إتخذ كل فرد في المجموعة مقعده ليبدأ “عمر” بالتوضيح لهم بينما إلتزم “معتصم” الصمت يقرأ الوجوه خاصة وجهها المتحجر …
وقف “عمر” بالصدارة قائلًا …
– أهلًا بيكم جميعًا … إحنا حندخل فى الموضوع على طول … المعلومات إللي إحنا جمعناها فى أمن الدولة إن فيه مجموعة بيتاجروا فى بعض المهربات ومنها سلاح وغيره … لحد هنا ده كان شغل أمن الدولة … لكن وصلتنا معلومات إن المجموعة دي لها فكر متطرف وبيخططوا لإغتيالات متعددة لناس مهمة جدًا في الدولة … وكان لازم يكون فيه تعاون بين الجهازين عشان نوقع الشبكة دي قبل ما تبدأ عملها الإرهابي ده …
إهتمامهم جميعًا بما يسرده “عمر” شغل تركيزهم جميعًا إلا “معتصم” الذى كان يتابع ملامح “عهد” الجادة المتحفزة للأمر ، حماس داخلي إنتابه بقربها زاده إحساس بدقات متعالية لهذا الثائر بين ضلوعه فكم كانت جذابة بصورة تطيح بالعقل ، جميلة بفطرتها دون رتوش مصطنعة ، إنها تحفة فنية دقيقة الصُنع ، كما لو أن كل ما بها خُلق بعناية فائقة لتظهر بجمال ساحر جعل قلبه يرتجف ، صورة بقية أعضاء المجموعة أخذت تتلاشي من عيناه لتبقى هي وفقط …
حلقت به بدنيا الخيال أراد قربها وبشدة ، إنه سقط متيم بعشق تلك المتوحشة ، سقطت عيناه المتفحصة على تقاسيم وجهها ببطء بينما هي غافلة مستمعة بإنصات لرفيقة الذى أخذ يستكمل طبيعة المهمة لكل عضو متواجد بالمكتب …
عيناها الناعستان وبشرتها الناعمة الملساء وشفاهها الوردية ، قنبلة حُسن على مقربة منه ولا يستطع الوصول إليها …
تذكر غيظه منها فكيف سمحت لنفسها بالإرتباط بسواه ، لا يمكنه قبول ذلك ، إنها لا تستحق سواه ولا يتمنى غيرها …
لولا أن إستفاق على صوت “عمر” مناديًا إياه لكان تخطى كل الحدود بجاذبيتها التى سلبته تفكيره الرزين فلم يعد هناك ثبات بحضرتها …
تنحنح “معتصم” مستكملًا بقتامة أخفت تخبطه الداخلي …
– إحم … زي ما فهمتوا من حضرة الضابط “عمر” … إحنا مهمتنا التعاون مع جهاز الشرطة والتوصل لأفراد المجموعة دي والقبض عليها … طبعًا العملية دي تحت قيادتي … وإشراف الرائد “عمر” طبعًا … وحنبدأ بتقسيم نفسنا مجموعتين عمل … النص حيكمل مع “عمر” باشا في الرصد المعلوماتي … والبقية معايا فى المراقبة العامة …
إلتف نحو أهم أهدافه الآن ليردف بصيغة آمرة …
– حضرة الضابط “طه” و “عهد” و “حليم” و “عبد الرحمن” معايا … و”مطاوع” و”محمد” و “شادي” مع “عمر” باشا … حنبدأ الترتيب والشغل من يوم الخميس بعد بكرة إن شاء الله …
إقتضب وجهها الناعم بقسوة فهي لن تنصاع بتلك السهولة لأوامره حتى لو كانت صحيحة لتنهض هاتفه بحنق شديد …
– لحظة واحدة … هو إيه إللي دول هنا ودول هنا … إحنا مش خرفان … إحنا لينا حق الإختيار …
رغم إستهجان “معتصم” لمعارضتها له إلا أن النشوة الخاصة بمشاكساتها له عادت مرة أخرى ليشعر بسعادة بالغة لذلك ، سعادة لم يظهر منها ولو لمحة بسيطة فقد إستطاع بحرفية إخفائها بقتامة وجهه وتعبيراته الحادة …
– أفندم …!!!!
شرر تطاير بالأفق يعلن بداية إندلاع النيران بين قطبان متنافران ، إرتجف “طه” وهو يرى زمجرة “معتصم” الشرسة حين دنا من “عهد” مستكملًا بنبرة غاضبة …
– إيه إللي بتقوليه ده يا حضرة الضابط …!!!!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بوقفة تحدي إستعدت لها “عهد” وهي تواجهه بذات الشراسة وعيون حادة النظرات دون الإكتراث بوضعه أو بمكانته …
– إللي إنت سمعته … إحنا مش خرفان ولينا حق الإختيار … مش يمكن أشتغل مع حضرة الضابط “عمر” … ليه بتفرض عليا رأيك وبس …
إنصات متوتر بين بقية المجموعة فلا داعي لهذا العنف والمشادة التى قامت بها “عهد” مع ضابط كبير ومخضرم مثل “معتصم” لينتظر الجميع بتوجس نهاية تلك المشادة …
رفع “معتصم” رأسه بشموخ وتعالي رافعًا حاجبه بحدة ..
– إللي قلته أمر … ولازم يتنفذ …
لحقته بمثيل لفعله كما لو أنها تخبره كما ستفعل سأفعل …
– وأنا بقولك لأ …
تحدي صامت بين عينان متوهجتان ينظر كلًا منهما للآخر كإختبار لثبات كلًا منهما ، قطعه ترجي من “طه” لـ”معتصم” …
– معلش يا “معتصم” باشا … أكيد “عهد” متقصدش … هي بس كانت بتسأل لو ممكن هي تختار تبقى فين يعني …
تفاجأ “طه” بكلاهما يناظرانه بسخط ثم صرخا بوجهه كلاهما بنفس اللحظة بحنق …
– مالكش دعوة إنت …
كما لو أن كلًا منهما يحمل ثقلًا بقلبه تجاه هذا المستفز الذى إنتفض بفزع لهجومهما الضاري عليه ليتراجع بصمت وهو يومئ بإرتباك …
عاد كلاهما يناظر الآخر بحلبة مصارعتهم لإثبات من الأقوى إنتهت بتدخل “عمر” لينهي هذا الأمر …
– خلاص يا حضرة الضابط … لو مش مرتاحة لتقسيم القائد … إتفضلي إنضمي لمجموعتي وبلاش الحدة دي في التعامل … المفروض إن إللي حصل ده يبقى فيه جزا لأن الأمر لا يناقش …
تراجعت عيونهما عن حدتهما فهو لا يريدها أن تتعرض للجزاء ، وهي لا تريد الإبتعاد عنه لتكتفي بأنفاس متهدجة متلاحقة بضيق ثم أردفت وهي تخرج من الباب ترمق “معتصم” بنظراتها إيهامًا له ولها بأنها المنتصرة …
– لا خلاص … أنا حنفذ كلام الـ …. قائد …
رغم خروجها المشحون إلا أن شبح إبتسامة تعلق بشفتي “معتصم” الممتلئتان بنشوة فقد بدأت الحرب للتو ، حرب يحب الإستمتاع بها ليهمس بنبرة لا تكاد تُسمَع …
– ولسه يا بنت “مسعود” … والله ما أنا سايبك …
لحقها خروج بقية الضباط ليبقى “عمر” و “معتصم” لدراسة الأمر بكافة جوانبة وتقسيم أطراف المهمة التى ستبدأ بعد غد الخميس وسط تشوق الجميع لتلك البداية الجديدة …
❈-❈-❈
بيت عائلة الأسمر ( شقة وعد) …
سيل من الكلمات الحانية التى طالما تتوقت لسماعها فهل ستحقق مساعيها أخيرًا ، هل “محب” هو فرصة ذهبية لحصولها على السعادة …
تفكرت لبعض الوقت بطلبه للزواج منها ، وبعد تردد كبير ومقابلتها لـ”عهد” كانت أفكارها تتأرجح بين الرفض تارة والبقاء برفقة أختها تهتم لأمرها ، لكن بالمقابل ستؤجل مرة أخرى إهتمام “عهد” بحياتها المؤجلة ، وبين أن توافق على طلب “محب” وتتزوجه ويصبح مسؤولًا عنها وعن إبنها …
لكنه حَسم الأمر حين نطق كلمة (أحبك) ليصبح الأمر منتهى تمامًا لتردف بإيجاب …
– أنا موافقة يا “محب” …
تكاد تجزم أن بريق السعادة التى لمعت بمقلتيه البنيتان لم ترهما من قبل حتى بموافقتها بالزواج من “عاطف” من قبل …
كم هو رائع شعور أنكَ مرغوب بِك ، وأن هناك شخص يُحبُك ويتتوق لقُربك بهذه الدرجة …
تهدج صدر “محب” بقوة معقبًا …
– ياااه .. أخيرًا نطقتيها … كنت حاسس إني مش حسمع موافقتك دي أبدًا …
إبتسمت “وعد” بخجل وهي تنكس رأسها مبتعده بعينيها عن خاصتيه اللاتي يراوغونها بقوة لتردف بهمس خجول …
– وأديني قولتها …
وضع سبابته أسفل ذقنها ليرفع وجهها الملائكي للأعلى متمعنًا بزرقاوتيها الساحرتين …
– من النهاردة مش عاوزك تنزلي وشك فى الأرض … إرفعي دايمًا عيونك لفوق … بحب عينيكِ …
تاهت عيونها بهذا الحالم العاشق أمامها وهي تناظره مباشرة ، إرتجاف سرىَ بجسدها فقد شعرت للتو بأنها مع إنسان آخر غير ما عاهدته من “محب” ، فكيف يتحول بتلك السرعة لشخص يماثل إسمه تمامًا (محب) ، فمتى وأين دق قلبه لها ، وما هذا الشعور الغريب الذى يجتاحها ، هل هو مجرد إحتياج للمحبة والحنان التى يغدقهما عليها ، أم أن شرر الحب قد بدأ بإلقاء أسهمه …
طالت نظراتهم حتى همس “محب” …
– حضري نفسك يا ملاكِ … فرحنا يوم الخميس …
لو لم تكن تدرك تمامًا ما مرت به وسبب تلك الزيجة لظنت أنها عاشقة لهذا الرجل سعيدة بهذا الخبر ، دق قلبها فرحًا تاركه مشاعرها تنساب تجاهه فيبدو أنها ستقع بالحب دون أن تدرى ….
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
عيسى دويدار …
قبل أن يعود لمكتبه مر بهذا البيت المتهالك الخالي من السكان ليبحث عن تلك الورقة التى أخبره بها “رمزي” ، وسط بعض الركام وجد صندوق مخفي تمامًا عن الأعين قد خبأه “رمزي” قبل القبض عليه كما أخبره اليوم بالسجن …
حاول “عيسى” إنتشال هذا الصندوق من بين الركام فاتحًا إياه ليجد مبتغاه ، إنها قائمة بأسماء بعض من كبار المسؤولين والمستثمرين مدون أمام كل إسم منهم مبالغ مالية وأرقام حسابات البنوك خاصتهم ليهتف “عيسى” بحماس …
– أيوة كدة … هو ده الخيط إللي بدور عليه …
وضع الورق بجيب سترته ليتجه لمكتبه على الفور فعليه العمل لإنهاء تلك القضية …
❈-❈-❈
عطارة النجار …
ليوم جديد شعر به “فريد” بفرض سيطرته على تجارة والده لغياب أخيه وإنشغال والده ، كم هو لأمر مثير للنفس وهو يرى نفسه مالكًا لهذا المكان ، أليس هذا هو ما يسعى إليه …
وصل “حامد” بعد قليل فى الموعد المتفق عليه ليتجه مباشرة نحو “فريد” فهو ليس من طبعه أن يهدر الوقت …
– مساء الخير … ها .. حضرت الورق …؟!!
كان سؤاله مباشرًا ليجيبه “فريد” بذات الطريقة …
– كله تمام … دى مواعيد الشحنات وأماكنها … يا ريت ننجز أوام أوام عشان محدش ياخد باله …
أومأ “حامد” بعجالة وهو يستقيم مغادرًا الوكالة …
– يلا سلام … أنا ماشي … حبقى أكلمك أبلغك باللي حيحصل … ويا ريت منتقابلش هنا تاني زي ما قلنا ..
بإيماءات متكررة حرك “فريد” رأسه بتفهم ..
– اه طبعًا فاهم فاهم …
– يلا سلام عشان محدش ياخد باله …
كما جاء غادر حتى لا يلفت الأنظار إليه ، لكنها فرصة جيدة للغاية لتهريب الممنوعات التى سيجلبها ويربح منها بشكل يدفعه للثراء دفعة واحدة مستغلًا ذكاء “فريد” المحدود …
على الفور رفع “فريد” هاتفه متصلًا بـ “حنين” يزج لها بآخر التطورات فهي العقل المدبر لكل شيء ولا يستطيع إنجاز أمر بمفرده …
❈-❈-❈
بيت النجار …
إستراق السمع يبدو أنه سيصبح له لذة و متعة بعد الآن ، فقد تحفزت “صباح” بعد عودتها من بيت الشيخ “كرامه” لسماعها ما يطرب أذنيها ويشفي نفسها بمعرفتها بما سيصيب “زكيه” وبناتها …
رغم عدم قدرتها على سماع شيء مختلف إلا أن ملامحها المتحفزة أثارت إمتعاض ملامح إبنتها التى تراقبها منذ لحظات قبل أن تهتف ..
– مالك يا ماما … مش على بعضك ليه من الصبح …؟!!
رجعت “صباح” حيث مقعدها بالصالون لتجلس ببطء معجيبة إياها …
– مستنيه أى خبر يريح قلبي من المصيبة إللي فوق دي هي وبناتها …
قضبت “راوية” جبهتها بتساؤل …
– هو خلاص … الشيخ خلص العمل …؟!!
تنهدت “صباح” براحة …
– أيوة … خلصه خلاص … وقالي أستني كام يوم والعمل حيعمل عمايله كلها …
قوست “راوية” شفتيها للأسفل معقبة …
– يمكن … أنا مش مصدقة إنه ممكن يعمل حاجة …
لوحت “صباح” بكفها بقوة في الهواء لتصدر أساورها الذهبية أصوات ضجيج عالٍ ساخرة من إبنتها …
– وإنتِ إيش فهمك إنتِ … ده راجل سره باتع … وحتشوفي …
رفعت “راوية” كتفيها وأهدلتهما لتعقب أثناء مغادرتها …
– خلينا ورا الكداب … أنا طالعة البلكونة …
نادتها أمها بقسوة تنهرها بتعسف …
– ما كفاية بقى واقفة في البلكونة … جايبة لنا الفقر بوقفتك دى … إنتِ إيه جبلة مش سقعانة حتى …!!!!
رمقتها “راوية” بإمتعاض بجانب عينيها مستكملة طريقها نحو الشرفة …
– لأ … مش سقعانة … وسيبيني في حالي أعمل إللي انا عاوزاة …
مصمصت “صباح” شفتيها بقوة معقبة …
– روحي جتك داهية … قال يعني حد حيعبرها من واقفة البلكونة …
أغمضت “راوية” عيناها للحظات بضيق لتتنهد بيأس من تلك العائلة التى تتمنى لو أنها لم تولد فردًا منها ، إتجهت نحو الشرفة لتقضي بعض الوقت بعيدًا عن الأجواء الخانقة بالداخل فصبرها على تحملهم أوشك على النفاذ …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
مكتب عيسى للمحاماة …
ها هو الظافر الفائز يصل لمكتبة بحماس لإستكمال بقية دراسة القضية فهو قاب قوسين من حل القضية …
دلف لداخل المكتب بينما كانت تلك الحسناء بإنتظاره بتلهف ، وقفت “سندس” ببهجة لرؤيته أو ربما لرؤيتها إشراقة وجهه التى تعشقها …
ألقى التحية برسمية ..
– السلام عليكم …
أجابته بتحفز شديد …
– وعليكم السلام … شكلك وصلت لحاجة يا أستاذ “عيسى” …
إحساسه بأن سعادته مكشوفة ظاهرة للعيان جعله ينتبه لنفسه ليعيد ضبطها دون إظهار ذلك مردفًا بغموض …
– لا متحطيش في بالك …
لم تكن كلمته ستمنعها من معرفة سبب بهجته الظاهرة لكنها مؤقتًا إلتزمت الصمت …
بخطواته الرزينة دلف لداخل حجرة مكتبه جالسًا مباشرة فوق مقعدة الجلدي ليسحب ملف قضية “رمزي” دون تباطؤ ، أخرج الأوراق التى توصل إليها متمعنًا النظر بها مرة أخرى وهو يحفظها مع مثيلاتها بداخل الملف فتلك هي ورقته الرابحة …
كما لو أن “عطية” يعلم بأن “عيسى” توصل أخيرًا لمفتاح ربح تلك القضية حين تعالى رنين هاتف “عيسى” ليجيبه دون تأخير …
– أستاذ “عطيه”… والله إبن حلال .. كنت لسه حكلمك …
– خير يا متر … فيه أخبار جديدة …؟؟!
نبرة صوته المبتهجة أجابته قبل الأيضاح حين إستكمل “عيسى” …
– أنا كنت عند أخوك “رمزي” في زيارة النهاردة … وعايز أقولك إطمن خالص … أنا دلوقتِ معايا الكارت إللي حنثبت بيه براءة أخوك …
تهلل “عطيه” بسعادة بالغة ليستفهم عن الأمر ..
– والله بجد … طب إزاى … إيه إللي حصل …؟!!
رفع “عيسى” إحدى الأوراق للأعلى يناظرها بتمعن أثناء إستكماله للمكالمة …
– وصلت لورق فيه أسماء الناس إللي ورطوا أخوك .. والرشاوي إللي أخدوها … وبالتفصيل … دليل زى ده يبرأ ساحة أخوك و إنه كان كبش فداء عشان ميبلغش عنهم …
شعر بسعادة غامرة إحتلت هذا الرجل عبر الهاتف كما لو كان يقفز فرحًا …
– اللهم صل على النبي … أنا قلت كدة .. محدش حيخلص القضية دي غيرك يا بيه …
تمالك “عيسى” هدوئه وثباته ليردف بتروى …
– لازم نتقابل عشان أوضح لك حنعمل إيه بالضبط …
– تمام يا متر … أنا جاي لك المكتب بالليل بعد العِشاء .. نتكلم في كل حاجة …
أومأ “عيسى” بخفة لينهى هذا الإتصال مغلقًا الهاتف وهو يدقق بالورقة التى يحملها بيده …
كصائم أنهكه العطش وطال صبره لكأس من الماء ليروى ظمأه ، ينبوع حياته التى تسقى روحه بوجودها ، بعد أن إنتهى من تفكيره بعمله لاحت بشقاوتها وبسمتها على مخيلته متذكرًا إعيائها منذ الأمس ..
أراد لو يطمئن عليها ليرفع الهاتف بين كفه لكن قبل أن يضغط بالأزرار ليتصل بها ترائى له بأن مرورًا بالبيت الآن لهو أمر مُلح فلن يكتفي بالسؤال عنها عبر الهاتف بل عليه الإطمئنان بنفسه …
تحرك على عجاله خارجًا من المكتب محدثًا نفسه …
– تليفون إيه بس … أنا لازم أطمن عليها بنفسي … تعبها بقى يزيد أوى الفترة الأخيرة دي …
خرج من المكتب متجهًا نحو سيارته ليستقلها للبيت للإطمئنان على “غدير” والعودة للمكتب مرة أخرى …
❈-❈-❈
بيت عائلة دويدار (شقة عيسى) ….
قلب مُثقل وأنفاس متهدجة ورغبة مُلحة في البكاء ، هكذا كانت “غدير” تنتظر بألم مرور “مودة” بها بعد إنتهاء عملها بالشركة …
بعد محاولات عديدة منها بإقصاء والدة زوجها “منار” و “أم مجدي” للبقاء مع أختها بمفردهما إضطرت “منار” ومساعدتها لترك “غدير” على راحتها حين علمن بأن “مودة” بالطريق ..
دق هاتف “غدير” لتلتقطة بتعجل مجيبة إياه …
– إنتِ فين … ؟؟؟ إتأخرتي أوى كدة ليه …؟؟؟
أجابتها “مودة” بقلق ..
– أنا خلاص تحت البيت أهو .. مالك يا “غدير” قلقتيني …؟؟؟؟
تحشرجت أنفاسها المتألمة والتى تخرج من صدرها بصعوبة ..
– إطلعي على طول … يلا متتأخريش …
بعجالة شديدة ركضت “مودة” درجات السلم صاعدة لشقة “غدير” بعد أن أقلقتها بمكالمة هاتفية منذ بعض الوقت تطلب منها الحضور على الفور …
زاد قلقها حين صعدت ووجدت “غدير” تقف بإنتظارها بباب شقتها لتضغط “مودة” عينيها بتوجس …
– قلقتيني أوى يا “دورا” … إنتِ تعبانه …؟؟ الأزمة جت تاني …؟؟؟؟
سحبتها “غدير” نحو الداخل بسرعة ثم أغلقت الباب من خلفها مما أثار شك “مودة” بأن بالأمر لشئ عظيم للغاية …
– لاااا … ده كدة الموضوع ميطمنش …!!!!
تطلعت “مودة” بوجه “غدير” الشاحب وإرتجاف جسدها المضطرب لتتسائل بقلق …
– فيكِ إيه …؟؟!! شكلك مش طبيعي أبدًا …
تقوست شفتي “غدير” للأسفل ، تلك اللاتى إعتادت الضحكات أعلنت اليوم إستيائها وضيقها لتردف بأنفاس متقطعة …
– أنا شفت “رشيد” إمبارح …؟؟؟
إتسعت عيني “مودة” بإندهاش مردفة بتفاجئ …
– “رشيـــد” …!!!! إيه إللي جابه تاني ده …؟؟! ده إنتِ بقالك ييجي أكتر من سنه ونص مشوفتيش وشه … ؟؟؟ وعايز منك إيه تاني …؟؟؟
بقلب مرتجف أجابتها “غدير” …
– مش عارفه ….مش عارفه …!!! أنا لقيته في وشي فجأة مش عارفه طلع لي منين … وعمال يقولي وحشتيني … ومش عارف إيه … أنا خوفت يا “مودة” .. خوفت أوى …
أخذت “غدير” تسعل بقوة لتنتفض “مودة” من جلستها تبحث عن الدواء الخاص بأزمة التنفس الخاصة بأختها ..
– طيب بالراحة … بالراحة .. فين الدواء …؟!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
أشارت “غدير” نحو الداخل بيدٍ مرتعشة لتلبي “مودة” فهمها للأمر لتذهب باحثة عن الدواء ، عادت تحمل إحدى أقنعة التنفس لتدنو بها تجاه “غدير” هاتفة بها ..
– خدي بس البخاخة دي الأول وبعدين إتكلمي … على مهلك …
وضعت “غدير” القناع فوق أنفها تستنشق بعض الهواء الممزوج بالدواء ليريح صدرها المنقبض قليلًا ثم إستكملت …
– أنا خايفه منه … أنا نسيته يا “مودة” … طالع لي في حياتي تاني ليه …؟!! أنا خايفه يخرب لي حياتي إللي بحبها …
مالت “مودة” بفمها بضجر من هذا الشاب الأرعن مردفة بإستياء لظهوره بحياة أختها مرة أخرى ..
– طلع لنا من أنهي داهية تاني ده … مش كنا إرتحنا منه …!!!!
تغلبت “غدير” على أنفاسها المتحشرجة بصعوبة قائله بندم …
– أنا كنت صغيرة وعبيطة … مكنتش فاهمة حاجة .. لا لينا أب ولا أم يقولوا لنا كدة غلط … حتى خالي ومراته عايشين في دنيا تانيه .. مكنتش فاكره يا “مودة” إني بعمل حاجة غلط … كنت فاكره إني بحبه وإنه حيتقدم لي ونتجوز … أنا مش وحشة … أنا كنت ظنيت إنه راجل محترم … أنا عارفه إن كلامي معاه كان غلط .. بس أنا مكنتش أعرف .. كنت ساذجة وعبيطة …
ضغطت “مودة” موازرة أختها …
– إنتِ ولا عبيطة ولا حاجة … إنتِ كنتِ مصدقاه وواثقة فيه … هو مكنش قد الثقة دي وإتهرب منك وإختفى لما قولتي له يا تتقدم لي رسمي يا منشوفش بعض .. كفاية لوم لنفسك … إنتِ مغلطتيش … وربنا عوضك بـ “عيسى” …
بحزن شديد عقبت “غدير” …
– ما هو ده إللي أنا خايفه منه … خايفه يحصل حاجة تبوظ حياتي وتبعده عني … أنا مقلتلهوش أى حاجة عن “رشيد” … خايفة لو عرف يزعل مني ولا يبعد عني …
أسرعت “مودة” بإجابة شافية لهذا التوتر ولوم النفس الذى حل بأختها لتضمها بقوة بعناق طويل قائلة بهمس ..
– خلاص .. خلاص .. شوفتيه مرة ومش حتتكرر تاني … إهدي بقى … عشان الأزمة تعدي … محصلش حاجة .. تمام …
حاولت “غدير” الإستكانة والتنفس بصورة طبيعية لكن الأمر مؤلم بشكل كبير ولا يمكنها العودة لطبيعتها بسهولة …
صمت دام لبعض الوقت لتستعيد “غدير” هدوئها قبل أن تحضر لها “مودة” مشروبًا ساخنًا يهدئ من ألمها قليلًا …
إرتشفت “غدير” بضع رشفات منه حين إستكملت “مودة” حديثها …
– قالك إيه لما شوفتيه إمبارح ….؟!!
أجابتها “غدير” بهدوء بعد إنتظام تنفسها قليلًا …
– قالي وحشتيني … وأنه غلطان إنه بعد عني … وندمان … ومش مهم إني إتجوزت … مش فارق معاه موضوع جوازي من “عيسى” … عايزنا نرجع …
بجمود تام وأعين مصدومة غير مصدقًا بالمرة إتسعت عينا “عيسى” هاتفًا بذهول …
– ليه …؟؟! ليه كدة …!!!!!!
أن أكون ذات قيمة لهو أسمى المشاعر التى يمكن الشعور بها ، بينما المُخزى أن يكون لي ثمن ، فشتان بين القيمة والثمن فلست سلعة تباع وتشترى ، لست أبدًا بهذا الرخص ..
أزمة صحية معتادة لكن زادها حِدة مقابلتها مع “رشيد” التى أثارت تخوفها وزعزعة ثبات نفسها ، بعد أن هدأت نفسها وإنتظم تنفسها تحت أنظار أعين أختها القلقة والتى تساءلت عما حدث بلقائها بهذا المتطفل بالأمس ، كانت إجابة “غدير” تحمل أكثر من معنى لمن لا يدرك الأمر وبدايته …
– قالي وحشتيني … وأنه غلطان إنه بعد عني … وندمان … ومش مهم إني إتجوزت … مش فارق معاه موضوع جوازي من “عيسى” … عايزنا نرجع …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بجمود تام وأعين مصدومة غير مصدقًا بالمرة إتسعت عينا “عيسى” هاتفًا بذهول …
– ليه …؟؟! ليه كدة …!!!!!!
فور خروج “عيسى” من مكتبه متجهًا للبيت للإطمئنان أولًا على صحة “غدير” توقف فجأة ليتذكر الملف الذى كان وضعه فوق المكتب فهو لم يعيده لموضعه حفاظًا على أهمية الأوراق التى به خاصة الورق الذى أحضره اليوم وبه إثبات براءة موكله …
عاد أدراجه بعجالة مرة أخرى إلى المكتب ليفاجئ بـ”سندس” تقف خلف مكتبه تتطلع نحو الملف وتقلب به لتقرأ فحواه …
نظرة مندهشة علت عينا “عيسى” ينهر بحدة إسلوب “سندس” المتعدى لحدودها قائلًا بنبرة غاضبة …
– إنتِ بتعملي إيه عندِك ..؟!! ليه كدة … هي دي الأمانة إللي أنا مستأمنك عليها …؟!!
إضطربت “سندس” بقوة لتستقيم بوقفتها تبتلع ريقها الجاف من مفاجئة “عيسى” لها بعودته مرة أخرى لتجيبه بحشرجة ..
– أنا … ااا … أنا … أصل اااا …
عقص وجهه بقوة ليردف بذات الحدة والإنفعال فقد طفح الكيل من تطفلها طيلة الوقت …
– أصل إيه يا شيخة … دي بقت حاجة تقرف … إنتِ متفهميش أى حاجة عن الأمانة … !!!!
إرتجف جسدها تحاول الدفاع عن نفسها من جانب مهني وبالطبع من إحساسها المغرم به فهي لا تود إشعال غضبه منها …
– والله يا أستاذ “عيسى” هو الفضول بس .. كان نفسي أعرف عملت إيه …
تقدم “عيسى” تجاه المكتب يغلق الملف بحركة منفعلة ليحمله معه معنفًا إياها …
– وفضولك ده مسيره في يوم يقتلك … لولا إنك كدة من يوم ما خطيتي المكتب ده لكنت قولت عنك كلام تاني … لكن أنا بحذرك يا أستاذه “سندس” لو الأمر ده إتكرر تاني مش حصبر أكتر من كدة وحيكون آخر يوم ليكِ فى المكتب عندي … فاهمه …
إرتجف قلبها قبل جسدها فهي لا تريد ذلك ، هي كالسمك يعيش ببحوره التى يغرق بها لا يمكنها أن تعيش خارج أمواجه ومياهه ، لن تقدر على الحياة بدون “عيسى” لتومئ بقوة توافق على ذلك فقط حتى لا يبعدها عنه …
حدجها “عيسى” بنظرة مشمئزة قاسية قبل أن يترك المكتب حاملًا للملف الذى بحوذته فسيتركه بالبيت كأمان له حتى موعد الجلسة بعد شهر كامل ….
هوت “سندس” جالسة بعد مغادرة “عيسى” فقد كادت أعصابها المنهكة أن تتحطم من هول فجعتها بعودة “عيسى” دون أن تنتبه لها …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بهذا الوقت هدأت “غدير” تمامًا فما كانت تحتاج لأكثر من قلب حنون كقلب قمرها “مودة” التى بقيت معها تهدئ من روعها حتى عودة “عيسى” ، الذى لم يخيب ظن “غدير” به حين إستمعت لصوت مفتاحه يفتح الباب ليدلف نحو الداخل بتلهف وقلق على قطعة الشيكولاته خاصته …
– “دورا” … عامله إيه دلوقتِ حبيبتي .. ؟!
تطلعت نحوه بعيون مشتاقة وربما ممتنة لوجوده بحياتها فكيف تستبدل هذا الغالي الذى لا يقدر بثمن بهذا الرخيص الذى ظهر لها من العدم بعد أن كادت على نسيانه ، فقيمة “عيسى” وقلبه لا يمكنها أن تقارن بشئ آخر فمكانة “عيسى” بقلبها بموضع لا يمكن لغيره المساس به بينما الجميع فى مكان آخر بعيدًا عنه للغاية ، فقد تفوق على الجميع وملك قلبها كاملًا دون منازع …
أجابته بهمس متعب …
– الحمد لله …
ترك كل ما بحوذته بعيدًا ليدنو من مالكة قلبه ليجلس إلي جوارها متحولًا لـ”عيسى” آخر يملك حنان الكون كله ساحبًا رأسها الصغير بلطف ليسكنه فوق صدره محيطًا بذراعه إياه قبل أن يقبل رأسها القابع فوق قلبه حيث تتربع عرشه …
– سلامتك يا شيكولاته …
إبتسمت “غدير” براحة لم يتمكن “عيسى” رؤيتها فملامحها إختبأت بين أحضانه فهذه اللحظة لا يمكنها أن تبدل بما هو أدنى ، إنها الفائزة الوحيدة به وبقلبه ولن تترك ما حصلت عليه مهما حدث ، لن تنساق خلف أوهام تخسرها حبيبها “عيسى” ، إنها تتبع قلبها لليقين الوحيد بحياتها ولن تدع الظن يتمكن منها لتخسر عشق لن يُكرر إذا خسرته ، ستحارب لحبه وقربه حتى لو ستحارب نفسها …
ما كان من “مودة” إلا الإنسحاب بتلك اللحظة فقد وصل مُطمئنها الذى لن يعادله أحد الآن ، غبطة تمنت لو تحظى بمثيلتها يومًا مع من ملك قلبها ، لكن ذلك أمر مستحيل فلا داعى لأن تترك الظنون تهيئ لها ذلك ، عليها هي أيضًا أن تحيا بالواقع وليس بالخيال فـ”رؤوف” ليس لها ولا حق لها به ، عادت لبيتها لتكمل يومها بوحدتها المعتادة متفكره بأحداث اليوم كاملة ….
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت عائلة الأسمر …
(عتاب) …
بعد حثها لأخيها بالصعود لـ”وعد” وإنهاء تلك الحالة من الترقب والإنتظار لموافقتها على الزواج من “محب” ، حاولت أن تستمع لحديثهم لكنها كانت تشعر بالغيظ فأصواتهم الهامسة كانت خفيضة للغاية ولم تستطع إدراك عما يتحدثون …
بعد مرور بعض الوقت هبط “محب” الدرج بخفة حتى ظهر أمامها بطوله الفارع الذى تمتاز به تلك العائلة ليستكمل طريقه متوقفًا بالنهاية أمامها دون التفوه حتى بسؤال عن سبب وجودها خارج الشقة ..
لكنها بادرت بسؤاله بفضول شديد …
– هاااا … عملت إيه …؟؟! كلمتها …؟؟؟
طال النظر إليها لبضع لحظات قبل أن يردف بهدوئه القاتل …
– وافقت ..
سحبت “عتاب” نفسًا طويلًا لتهلل بسعادة بالغة …
– أخويا بصحيح … جدع … وحددت معاها معاد ولا لسه …؟؟!
أجابها بذات الهدوء الذى يصل لدرجة البرود …
– الخميس … بعد بكره …
نظرت نحو الفراغ كما لو كانت تحدث نفسها بينما كانت تستكمل حديثها معه …
– حلو أوى .. أهو كدة نبدأ الشغل على أصوله … خصوصًا إننا ملقيناش أى ورق بملكية الواد لأملاكنا … يعنى هي أكيد معاها ومخبياهم … بس مش حنسيب حقنا أبدًا لها ولإبنها المفعوص … ( ثم وجهت نظراتها نحو “محب” الهادئ قائله ) … مش كدة ولا إيه …؟؟؟
– مظبوط .. مظبوط …( ثم إلتف نحو الدرج ليتحرك مغادرًا منهيًا حديثها معه ) … أنا رايح المعرض … سلام …
ودعته وهي تستكمل حديثها لنفسها …
– سلام يا أخويا … كدة تبقى إترسمت صح … لما أدخل لماما أقولها ….
دلفت لداخل الشقة لتعبر الردهة الطويلة تاركة بناتها الثلاث يلعبون بغرفة المعيشة لتتجه لغرفة والديها أو بمعنى أدق الغرفة التى تستلقي بها والدتها بالوقت الحالي ..
لم يكن مرورها بها للإطمئنان على وضعها الصحي بل كان لأمر آخر ..
توقفت “عتاب” بمقدمة التخت تناظر والدتها بنظرات قاسية متجبرة لم تحمل أى نوع من الشفقة والحنان كما كانت مع والدها من قبل ، كيف نُزعت الرحمة من قلبها لتصبح بهذا الجفاء ، أم أن هذا بالتأكيد نتيجة لتنشئة قاسية تفرق بين معاملة والديها بينها وبين أخويها الذكور خاصة “عاطف” …
رفعت رأسها الطويل لتطالع والدتها بأعين فارغة دون أي إحساس قائله بنبرة جافة للغاية …
– “محب” كلها كام يوم وينفذ إللي قلت له عليه ويتجوز “وعد” .. وبعدها هي وإبنها يبقوا زي العجينة في إيدي زي “محب” بالضبط … أنا يا “قسمت” بقيت صاحبة الأمر هنا … الدنيا دي ماشيه بإشارة مني … أنا الملكة … ( ثم ضحكت بسخرية من وضع والدتها تتشفى بمرضها وعدم قدرتها على الحركة ) … ده مكانك … مشلولة ولا بتتكلمي ولا بتتحركي … أنا إللي حمشي الدنيا دي وأخد كل حاجة … أنا البنت إللي دايمًا كنتوا ترموا لها الفتافيت … وكل تفكيركم فى رضا “عاطف” و”محب” … أهو واحد مات … والتاني ضعيف تحت طوعي ميقدرش يقول لي لأ … شوفتي بقى إن أنا إللي كسبت في الآخر …
ألقت بكلماتها السامة تاركة “قسمت” تصارع القهر المكتوم بقلبها لتخرج وقد تعالت ضحكاتها المتفاخرة بفوزها بأول خطوة بإسترجاع المال والإستحواذ عليه …
خرجت لتجد إحدى السيدات تنتظرها بالخارج ، إنها الممرضة المرافقة التى إتفقت معها على رعاية والدتها فهي لا طاقة لها بتلك الأعمال فهي الملكة الآمرة صاحبة التملك و قريبًا جدًا الأملاك …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
الليل رغم تجليه بالسواد إلا أن هناك قمر يتخلله ليبث بعض النور تمامًا كجرح القلوب فبعضها ينفذ النور من خلاله ليضئ عتمة ليل القلب المفطور فيشعر بدقات و وخزات توقظه من غفلته ..
بيت عائلة دويدار (شقة عيسى) …
إنه وقت راحة الأبدان حين إستلقى “عيسى” ليرتاح من عناء يوم عمل طويل ليستغرق بالنوم على الفور لشدة إنهاكه ، بينما جلست “غدير” إلى جواره يجفو عيونها النوم لتنظر بدقة لتقاسيم “عيسى” الهادئة المستسلمة للراحة لتتنهد طويلًا بحزن أشبه بإنكسار وتحسر …
غابت ضحكاتها عنها اليوم فهذا اليوم حزين للغاية بقلبها المتوجس …
همست بصوت لا يسمعه سواها تُحدث هذا النائم الغافل عما يتنازع بداخلها …
– قلبي خايف أوي لا في يوم تبعد عني … حاسة إن اليوم ده قريب … أصل السعادة إللي أنا عايشه فيها دي أنا مش واخده عليها … أنا عارفة إن في يوم من الأيام حتتمنى طفل ولو مكنتش إنت حيبقى أهلك ، أكيد نفسهم يشوفوا حفيدهم ، وعندهم حق ( تنهدت بقوة لتستكمل محدثه نفسها ) ، لو ربنا يمن عليا وأحمل نفسى فى بيبي منك (رفعت نظرها للأعلى بتمنى وإبتهال) ، يا رب إرزقني بطفل أفرح بيه ويفرح بيا “عيسى” و أفرح قلبه ويقوى حياتنا بوجودة أحسن ما يتدخل واحد زي “رشيد” ده ويخربها لي … يا رب …
همهم “عيسى” بأعين ناعسة يغلبها النوم بقوة …
– بتقولي حاجة يا “دورا” …؟؟؟
إنتبهت له “غدير” بتوجس خشية من أن يكون قد سمعها …
– لأ لأ .. مفيش حاجة … أنا حنام أهو … تصبح على خير …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
أسرعت “غدير” بالإستلقاء مدعية النوم لكن مازال قلبها الخاشع يدعو بما تتمناه نفسها حتى لا تخسر قلب محب كـ”عيسى” ….
❈-❈-❈
بيت النجار (شجن) …
يوم يبدأ مبكرًا وينتهي مبكرًا أيضًا لتبقى “شجن” بغرفتها المشتركة مع “نغم” مستيقظة لإنشغال فِكرها بهذا الرجل المقعد الذى لا يتمكن من مساعدة نفسه وإضطراره للرحيل ، تنهدت بضيق قائله بإستياء …
– بس أنا مكنش ينفع أروح معاه … وأسيب ماما و”نغم” لمين …!!! هم ليهم حد غيري .. كمان موضوع “نغم” ده لازم أشوف له حل … “مأمون” مينفعش نهائي … وهي ساذجة وخايبة أوى …
ثم عادت أفكارها لهذا الرجل الوحيد …
– والله صعبان عليا يا عم “أيوب” … بس غصب عني والله … يا رب حد ياخد باله منه … ده راجل طيب وشكله غلبان وعايش لوحده … ملهوش حد ….
نظرت تجاه “نغم” التى زادت برائتها حينما إستغرقت بالنوم لتشعر بكم هائل من الضغط والمسؤولية تجاه تلك الساذجة حتى لا تلقي بنفسها بمشاكل هي بغنى عنها ….
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
لم تقتصر أفكار تلك الليلة على هؤلاء الحائرات بل شاركهم هذا العاشق الذى ربما يتجدد وصاله بمحبوبته بعد غياب ، خاصة بهذا الليل الساتر على أفكارنا وظنوننا ليبقى متيقظًا يحلم بلقاء جديد …
تمدد “رشيد” هائمًا بملامح “غدير” التى إشتاق إليها كثيرًا متذكرًا لقائهم الأخير ، كم كان متلهفًا على لقائها وإشباع روحه لحرمانه من وجودها بحياته ، حدث نفسه قائلًا …
– أنا غلطت إني سبتك وعرفت غلطي … أنا كنت فاكر إني مش بحبك وإنك زي أى واحدة عرفتها في حياتي .. لكن لما غبتي عني فهمت وعرفت إني مقدرش أستغنى عنك أبدًا وإني كنت غبي لما قلت لك إحنا مينفعش نكمل مع بعض .. بس بسيطة … طالما رجعت يبقى لازم ألاقى طريقة عشان ترجعيلي تاني … أنا بحبك يا “غدير” … بحبك أوى …
❈-❈-❈
لمرور الأيام سرعة لا يمكننا حسابها فهي كغمضة عين ، حتى لو ظننا أن الأيام ثقال تهلك القلوب لكن الزمن رغمًا عن حزننا وفرحنا يمر …
يومان مرا بأحداثهم الهادئة لنصل ليوم جديد ، يوم مرتقب … إنه يوم الخميس …
بدأ اليوم بشروق جديد رغم الأجواء الشتوية الباردة ، ومع حلول الموعد الثابت لإستيقاظ “عهد” فهي تعيش بروتينية لا تود مطلقًا تغييرها بل تبحث دومًا عن إستقرار جمود حياتها دون تغيير …
إستيقظت بالصباح بإستعداد تام ليوم عمل بالمجموعة الجديدة ومهمة جديدة عليها أدائها حتى لو كانت كارهة لذلك …
دق هاتفها بمكالمة صباحية لتتنهد بضيق قبل أن تجيبها بنفس مقتضبة …
– ألو … أيوة يا “وعد” …
تلقت “وعد” صوتها بهدوئها الحالم وحنوها المعتاد …
– صباح الخير يا حبيبتي …
لملمت “عهد” شفاهها التى كادت تنفلت منها كلماتها وسؤالها الذى يشغل بالها عن أحوالها بين جحر الثعابين لكنها إلتزمت الصمت بينما أكملت “وعد” بتساؤل …
– النهاردة الخميس يا “عهد” .. مش حتيجي برضة كتب كتابي على “محب” …؟!!
إنفلتت أعصابها التى بالكاد تحملت تماسكها …
– مش حقدر أشوفك بتقعي قدام عيني و أقف أتفرج … مش حقدر يا “وعد” … لو إنتِ راضية ترمي نفسك في النار … أنا ميهونش عليا أشوفك بتولعيها بإيدك …
زفرت “وعد” مطولًا تتمنى بأن يكون تخوف “عهد” ما هو إلا هواجس وأن لحياتها القادمة سعادة مخفية بين قلب “محب” وقلبها لتردف بنيتها الطيبة …
– يمكن “محب” يكون غيرهم … ويكون هو العوض … بلاش تشاؤم يا “عهد” …. أنا لسه مشفتش منه حاجة وحشة ….
بطبعها المتوجس القلق طيلة الوقت عارضتها “عهد” …
– أنا غيرك … أنا مبعرفش أطمن لحد على طول كدة … لازم أشك فيه وفي نواياه ناحيتي … محدش بقى يتضمن الأيام دي … أنا مش ساذجة يتضحك عليا بسهولة …
تفاخرت “وعد” بأختها متمنية أن تكون يومًا مثلها …
– إنتِ مفيش زيك بجد … يا ريتني شبهك … بس أنا وإنتِ مختلفين في كل حاجة … لكن قلبنا واحد …
صدقت تلك النقية بحديثها فقلوبهن هشة للغاية لا تتحمل لوعة فراق أو عذاب محب ، قلوب عانت الحرمان وتتوقت للحنان والصدق ليخلق نقيضين إحداهما لينة الطباع سهلة المعشر وأخرى قاسية متحجرة لكن يتشاطران القلوب الصافية معًا …
بعد جمود و صمت دام للحظات وجدت “عهد” نفسها تنطقها بصعوبة لكنها بالنهاية أخرجت الكلمة من بين شفتيها التى لا تخرج سوى كلماتها اللاذعة …
– مهما كان … خدي بالك من نفسك .. ( لين لم تعتاده جعلها تنهي المكالمة سريعًا ) .. أنا حقفل ورايا شغل مهم ومش عايزة أتأخر …
عقبت “وعد” بتفهم …
– ربنا معاكِ حبيبتي … أشوفك على خير .. إنتِ كمان خدي بالك من نفسك …
أومأت بخفة لم تراها “وعد” بالطبع كما لو أنها كانت تنتظر تلك الكلمة الحانية بقلب متلهف أيضًا …
بعد أن أنهت المكالمة عادت لغرفتها لتؤدي فريضتها قبل أن تنتهي من إرتداء ملابسها الرسمية السوداء وتغادر متجهة لـ(لجهاز) لبدء معركة جديدة مع هذا المتغطرس قائدها المغوار (معتصم) …
❈-❈-❈
بيت محفوظ الأسمر (وعد) …
مكالمة كانت تستمد منها طاقة قد نفذت منها لتحاول البدء من جديدة ، يقال أن للنهايات صعوبات فكيف هي صعوبة البداية التى تشعر بها الآن فمنذ اليوم سيعلنها زوجة لـ”محب” الذى لم تكن لتتخيل ذلك من قبل …
بسمة غريبة علت ثغرها الرقيق وهي تتذكر كلماته المحبة و حنوه الغير معتاد عليها لتشعر بأن ربما تلك البداية هي طريق جديد لحياة هانئة سوف تزج بها ….
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت النجار ( شقة زكيه) …
الصادقون يوفون بالوعود ، لا يقتصر الوفاء على من يشعر بالراحة بل هناك متعبين مجهدين للغاية هم أسرع وفاءً من غيرهم …
قطعت “زكيه” ورقة أخرى من روزنامة الحائط المعلقة تتأمل هذا الرقم الذى إنتظرته ليال طويلة وأيام قاسية ، إنه اليوم المنتظر …
إستدارت تجاه بناتها اللاتى يتناولن فطورهن خلفها قائله بنبرة يملؤها الأمل …
– أخيرًا يا بنات النهاردة أول الشهر … ياااه ده أنا حاسه إنه بقاله كتير أوى لحد ما جه …
رغم توتر قلبها من تصريح “بحر” لها إلا أنها أكملت بالعمل بالمكتبة لأجل هذا اليوم ، يوم قبض راتبها الذى تعلق عليه كل آمالها بسداد ديون والدتها ، ساعدها أيضًا على بقائها بالعمل أن “بحر” تجنبها بشكل ملحوظ وإلتزم الصمت تمامًا رغم أن نظراته نحوها لا تؤكد ذلك لكنها تصنعت عدم الإنتباه له …
هتفت “نغم” براحة …
– أول الشهر … ده إحنا مستنيينه بقالنا سنة … إن شاء الله نقبض النهاردة ونجيب لك الفلوس عشان نسد دين طنط “خيرية” …
مصمصت “زكيه” شفاهها بإشفاق …
– اه والله … حتى أشوفها وأقعد معاها .. غلبانة ووحدانيه ملهاش حد … وأنا لما بستلف منها الفلوس بتكسف أوى أروح لها من غير ما أسد إللي عليا …
ببسمتها المعتادة عقبت “شجن” ببعض التفاؤل …
– وأهو خلاص يا ست الكل إن شاء الله نقبض النهاردة وتروحي تديها فلوسها وميبقاش علينا حاجة …
بنظرة متحسرة وتنهيدة طويلة أجابت “زكيه” …
– معلش يا بنات … أول قبض ليكم حاخده منكم عشان نسد السلف … ياما كان نفسي أسيبهولكم تفرحوا بيه .. بس أنا وعدت … ووعد الحر دين عليه …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
قفزت الفتاتان يحيطان والدتها بحنان يماثل ما تغدقهما به ..
– ولا يهمك يا ماما … المهم تبقى دايما راسنا مرفوعة .. ومحدش ليه عندنا حاجة …
ربتت “زكيه” بكفيها على إبنتيها المعلقتان بأحضانها فربما لم تمتلك المال لكنها إمتلكت فتاتان لا يثقلان بالذهب فهم أغلى ما رأت عيناها …
❈-❈-❈
(شقة فخري النجار ) ….
شياطين الإنس يجب الحذر منهم أكثر من شياطين الجن ، فمن تأمنه ربما يكون هو الحقد والشر بحد ذاته ، ربما يخدعوننا بمظهر ليس لهم وربما لا نظن أن الضغينة قد طغت بقلوبهم لتصبح بهذا السواد ، نفوس مظلمة تحرق بروحها قبل الآخرين …
جلست “صباح” تقضم شفاها بغيظ فقد مر عدة أيام ولم ترى أثر لتلك الأسحار التى حضرها الشيخ “كرامه” بعد …
لم تجد ضالتها سوى بإبنتها لتفرغ بها ضيقها لتصرخ بندائها بصوتها الخشن …
– إنتِ يا إللي تنشكِ … يا بقرة سايبة ملهاش حاكم …
دبت خطوات “راويه” المنفعلة تتقدم نحو والدتها بإنفعال …
– إيه .. جرى إيه … ؟! مالك على الصبح .. حد كلمك ولا هو جر شكل وخلاص …!!!
توسطت “صباح” خصرها بكفيها بسخرية …
– ليه … هو أنا قلت غير الحقيقة … هو إنتِ وراكِ غير الأكل والوقفة فى البلكونة …
رفعت “راويه” عيناها بسخط نحو الأعلى قائله بفراغ صبر …
– أستغفر الله العظيم …
أشارت “صباح” نحو المطبخ تلقى بتعليماتها الصباحية …
– روحي على المطبخ حضري الفطار لأبوكِ قبل ما ينزل … أهو تعملي حاجة ليها فايدة …
عادت “راويه” للمطبخ وهى تغمغم بضيق …
– طيب ما أنا كنت في المطبخ … ولا هو أى حاجة عايزة تطلعي فيها غلك فيا وخلاص …
عقبت “صباح” بصوت خافت للغاية لا يكاد يخرج من شفتيها الغليظتان …
– غل … ده أنا مغلولة … لحد دلوقتِ محصلش حاجة من إللي قال عليها الشيخ … ولا هم ولا زعل ولا مرض ولا فراق ولا أى حاجة … هو إيه .. ضحك عليا … !!!
لتتوعد لهذا الرجل الذى يبدو أنه خدعها قائله ..
– طب والله لو ما شفت منه حاجة النهاردة لأروح له بكرة وأمرمط بكرامته الأرض سي “كرامة” ده …
سمعها “فخري” دون إستيضاح ما تقول فقد إستيقظ للتو …
– بتقولي إيه …؟!!
إعتدلت “صباح” وهي ترقق من صوتها مصطنعة بعض اللين فربما تجذبه تجاهها فهو دائم النفور منها ..
– أبدًا يا أخويا … دي البت “راويه” معكساني شويه …
هز رأسه بلا إهتمام ليتجه نحو غرفة المعيشة لينتظر إنتهاء “راويه” من تحضير الإفطار ، بينما إمتعضت “صباح” من معاملة “فخري” التى لن تتبدل مهما حاولت ، لكن يكفيها أنه إلى جوارها حتى الآن رغم إحساسها بكرهه لمعيشته معها …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
المخابرات العامة (الجهاز) …
لم تكاد تضع موطئ قدمها بالممر الأرضي لمبني الجهاز حتى وجدت “معتصم” يقف بمواجهتها كما لو كان ينتظرها من قبل …
أهي مجرد صدفة أم أنه يقصد ذلك بالفعل ؟!!
هكذا تساءلت بداخلها وهي تنظر نحوه بأعين مقتضبة تريد فهم ماذا يريد منها بتكرار مناوشاته معها …
وصل “معتصم” الجهاز قبلها متعمدًا فقد علم مدى إلتزامها بمواعيد العمل فقرر الحضور مبكرًا لتنفيذ رغبة بداخله لبدأ مهمته الجديدة برفقتها …
إنتظر قدومها بأحد المكاتب بالطابق الأرضي والذي سيسهل عليه رؤيتها عند حضورها للعمل …
رؤيتها تتقدم بالممر كنخلة شامخة مرفوعة الرأس قوية لها مهابة برغم من كونها أنثى ، إنها سارقة قلبه ولن يتواني حتى يستعيده بطريقته الخاصة بالطبع ، هب على الفور يقف بمجابهتها كمن جاء من العدم ليتفرس بملامح وجهها المتجهمة يملئ عيناه المشتاقة لها قبل أن يهتف بلهجة آمره قوية مغايرة لهذا النابض بين ضلوعه معلنة إشتياق قلبه لمتوحشته …
– ما لسه بدري …!!! إتفضلي معايا يا حضرة الضابط …
أشار بكفه نحو الخارج منتظرًا أن تنصاع لأمره ، لكنها خالفت ذلك ببقائها على نفس وضعها دون أن تهتز منها شعره واحدة ، بل عقدت ذراعيها أمام صدرها بتحدي وهي ترفع حاجبها الأيمن بإستنكار لتجيبه بتساؤل ممتعض …
– أتفضل معاك فين …؟؟! إنت عاوز إيه …؟!!
كاد يطيح بغرورها أرضًا ويعنفها صارخًا لم أنتِ غاضبة مني إلى هذا الحد ؟؟ لكنه أجاب بحدة دون إيضاح …
– تعالي معايا على الفيلا .. بسرعة مش عاوز دلع أنا ….
كلمة إستفز بها القوة الكامنة بداخلها فلن تدع “معتصم” أو غيره يقلل من قدرتها ومساواتها لزملائها الذكور لتستدير تاركة إياه متجهة نحو الخارج دون معرفة وجهتها أو ما هي هذه الفيلا وما شأنها بها وأين هي …
إبتسم “معتصم” لاحقًا بها فكم أحب رؤية شراستها وهجومها الدائم حين يستفزها …
بخطوات سريعة توقفت “عهد” أمام درج البناية تنتظر أن تلمح بجانب عينيها أين سيذهب لترافقه لتجده إتجه نحو إحدى السيارات المصفوفة بجانب الفناء ليستقلها لتتخذ خطواتها نحو السيارة وبدون إستئذان ركبت بالمقعد الخلفي ناظرة من النافذة دون أن تحيد بعيناها عن الطريق …
رغم إمتعاضة لتصرفها إلا أنه أدار محرك السيارة لينطلق بها نحو طريق بعيد قليل المارة لتبدأ بشعورها بالتوجس ، إنتظرت قليلًا حتى دلف لمجمع هادئ للغاية من الفيلات المتشابهة متوزعة على الجانبين لا يفرق بينهم سوى أرقام لكل بناية مستقلة عن الأخرى …
دارت بعيناها بالجانبين ليثير هذا الهدوء القاتل غريزة غريبة بداخلها وهي التخوف فيبدو أن لا أحد سواهما هنا …
توقف “معتصم” بالسيارة بهذا المكان المقلق لتستدير نحوه “عهد” بأعين حادة ..
– إنت وقفت هنا ليه …؟!!
بإستمتاع شديد إلتف نحوها “معتصم” ليدنو منها بوجهه قليلًا يتلذذ بتلك النبرة المهاجمة رغم التخوف الذي إستشعره بداخلها …
– إيه .. خايفه مني .. ده إحنا حتى كنا عايشين فى كوخ واحد ومخوفتيش زى دلوقتِ ..!!!
تهدج صدرها بقلق من طريقته الغريبة وتلميحه المفزع لكنها أعلت من رأسها بإعتزاز متحلية بقوة …
– أنا مش بخاف من أى حاجة .. أنا بسأل إحنا فين وبنعمل إيه هنا …
ببسمة جانبية تتسم بالغرور أجابها …
– رايحين الفيلا دي .. إنزلي ..
تطلعت “عهد” نحو الفيلا المجاورة لهم بإستغراب لهذا الهدوء القاتل الذي يدب الرجفة من داخلها لكن عنادها جعلها تفتح الباب بلا إكتراث لتخوفها لتثبت له مدى قوتها …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ترجلت من السيارة وإتجهت نحو الداخل فيما لحق بها “معتصم” يعبث بأعصابها وثباتها ..
– نورتي الفيلا يا حاج “فتحي” …
تطلعت بعيون متوجسة من سبب إصطحابه لها إلى هنا ، تلاقت قاتمتاه بعينيها الناعسة فلم التشبث بالعناد بين كلًا منهما ، حتى فتح الباب لتتسع عيناها ذهولًا مما وقع عيناها عليه بالداخل ….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى