روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل التاسع عشر 19 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الفصل التاسع عشر 19 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء التاسع عشر

رواية ظننتك قلبي البارت التاسع عشر

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة التاسعة عشر

أحيانًا نتمنى ألا نفهم ، أن نترك الأمور على سجيتها يُفهم ما يُفهم و يُترَك ما يُترَك ، أن نتغافل عن الثقوب والأخطاء وأن نبقى على سكوننا بدون أى رد فعل ، كما لو أن رد الفعل سيمحو الضرر الذى سيلحق بنا …
إدراكنا للحقيقة مُجهد للعقول مؤلم للقلوب ، مؤذى للنفس … ففي بعض الأحيان نفضل ألا نصدق …
❈-❈-❈
المخابرات العامة …
ليس من السهل أن يمر بهذا التخبط ، هو من لا يهزمه شئ يشعر بالألم و الإنهزام ، خرج “معتصم” من مكتب “نظمي” هاربًا من وجوده مع “طه” ، هذا الذي أعلن دون إدراك فوزه عليه وحصوله على قلب و فِكر “عهد” ..
( إنها ليست له ) .. هكذا قالها لنفسه بألم شديد ، دلف لداخل مكتبه المغلق منذ فترة طويلة لينعزل عن البقية مغلقًا بابه تاركًا لتعبيراته المتألمة بالظهور أخيرًا على ملامحه الجامدة …
لحظة من عدم التصديق مغمضًا عيناه بقوة فإحساسه بالنجاح والإفتخار بما وصل إليه تلاشى تمامًا فور سماعه خبر زواجها ..
لم يجد سوى نفسه ليتحدث معها ..
– يعني إيه …؟!! مخطوبة …!!! حتتجوز …!!! طب إمتى … وإزاى …؟؟! واللي أنا حسيته منها فى الكوخ …!!! كان إيه … وهم … أنا شفت الألم فى عنيها … شفت الإهتمام فى روحها …!!! معقول كل ده كان عشان المهمة وبس …؟؟!!
بصدر منفعل وقلب مفعم بالإنكسار وقف “معتصم” بذهول مستكملًا …
– ماشى يا “عهد” … أنا حشوف أخرتها إيه معاكِ … ومع إللي إسمه “طه” ده كمان … مش خلاص حتبقوا تحت قيادتي … مش حعدى الحكاية دى بالساهل …
توعده لها و لـ”طه” لم يكن سوى رد فعل عنيف لشعوره بالضيق والألم الذى حل بقلبه الذى لم يحصل على فرصته بإحساس العاطفة والحب لأول مرة ، خُذل قلبه وإنتهت قصته قبل أن تبدأ …
إنتبه لطرقات تدق بابه ليتراجع عن تلك اللحظة الإنهزامية ويعود للامبالاته وجموده المعتاد ..
– إدخل …
طل شاب متوسط الطول ذو وجه دائري وشعر أسود خشن وشارب عريض غطى على بقية ملامحه اليونانية متقدمًا بإبتسامة ..
– سيادة الرائد … حمد الله على السلامة …
إنتبه له “معتصم” مرحبًا …
– “عمر” …!!! إيه اللي جابك عندنا …؟!!
تقدم “عمر” تجاه الداخل وهو يغلق الباب من خلفه بإحكام …
– وحشتني قلت أجيلك …
تطلع به “معتصم” بفراسة وإرتياب مازح …
– وحشت مين …؟؟! هو أنا مش عارفك … إخلص … قول جاي ليه …؟؟!
ضحك “عمر” من طريقته المكشوفة مع “معتصم” ليردف بإيضاح …
– لأ بجد … أنا كنت جاي أرتب شوية شغل هنا عرفت إنك رجعت … قلت أسلم عليك …
جلس “معتصم” فوق حافة المكتب ليسند يديه مخالفتين فوق ساقه بحركة مميزة واثقة للغاية …
– قول كدة … ما هو إنت مش بتاع عواطف ووحشتني والكلام ده …
جلس “عمر” فوق الأريكة بجانب المكتب بأريحية قبل أن يستطرد حديثه …
– هو شغلنا ده فيه عواطف … بس ميمنعش إنك لك وحشه والله …
أهدل “معتصم” يديه ليلحق بصديقه جالسًا إلى جواره …
– متشكرين يا حضرة الضابط …
إعتدل “عمر” بجدية محت تمامًا هزليته منذ قليل قائلًا …
– لما ترتاح وتبدأ … عاوزك فى عمليه … الموضوع كبير ومحتاج مننا شغل تعاون بينا وبينكم …
تناسى “معتصم” ما شغل فِكره منذ قليل ليتسائل بمهنية وإحترافية شديدة …
– من غير راحة … إدخل فى الموضوع على طول …
– أقولك يا سيدي …
بدأ “عمر” بإيضاح محتوى ملفه الذى يعرضه عليه وما يتوجب من تعاون مشترك بين جهاز الشرطة والمخابرات العامة ليتضافر جهودهما لمصلحة الوطن بالنهاية …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
أنت أكبر أخطائي بل أنت جميعها ، إن غاب الصبر فلا يلومنني إن أحرقت الموانئ لا السفن ….
سكوني وهدوئي لم يبشرا بالجنون الذى لاح بي ، فلم يتوقع أحد ثورة إمراة ناعمة …
إنتفضت “عهد” في ذهول مما سمعته أذناها للتو ، لحظات صامته صادمة للغاية كان رد فعلها قبل أن تعيد ما قالته “وعد” منذ قليل بغير تصديق ..
– إنتِ إللي قتلتي “عاطف” …!!!!! إزاى ده …؟؟!!
لم تقدر “وعد” على تمالك إنهيارها فعندما تتساقط حصونها لا تتمالك القوة إلا بعد وقت طويل فقلبها مُرهف للغاية ، بدأت “وعد” بإيضاح الأمر بكل تفاصيله لأختها التى لا تعلم عما حدث مطلقًا …
– بعد وفاة حمايا عم “محفوظ” … “عاطف” إتغير خالص … بقى يشرب ويسكر ويسهر … بقى يخوني يا “عهد” … ويا ريته حتى يخوني مع حد عليه القيمة .. لأ .. دول ستات كلهم شمال … إستحملت كلامهم ورسايلهم ليا … عارفة ليه …؟!!
بأعين مندهشة حركت “عهد” رأسها بالنفي لتستكمل “وعد” دون إنتظار رد “عهد” …
– عشان أنا قلبي إتقفل من ناحيته … مبقتش قادرة أحبه … مبقتش شايفاه راجل وسند … مبقاش يهمني … أنا إتقفلت من ناحيته … عارفه … أنا مش بس بقيت مش بحس ناحيته بأى حاجة … لأ … أنا بدأت أكرهه …
أثار إحساسها تساؤل “عهد” متعجبة بشدة …
– ولما إنتِ كرهتيه ومش طايقاه وهو خاين وتعامله معاكِ هو وأهله زى الزفت … قعدتي ليه … ؟؟! قبلتي الإهانة وقلة القيمة ليه …؟؟! فهميني ليه الضعف ده …؟!!!
بإرتجاف لم يتركها أكملت “وعد” بإستسلام …
– عشان “زين” … عمرهم ما كانوا حيسيبوني أمشى بيه … “زين” روحي يا “عهد” مقدرش أعيش يوم من غيره …
لم تستطع “عهد” أن تشفق عليها لأكثر من ذلك لتردف بحدة …
– وبعدين طيب … عملك إيه تاني ..؟؟!!
سحبت “وعد” نفسًا طويلًا ثم أجابتها …
– أنا بقيت عايشه فى شقتي مليش دعوة بحد .. حتى هو مبقتش طايقة أقرب منه ويقرب مني … منعت نفسي عنه كأني فى دنيا غير دنيته … هو كمان بعد .. مكانش بيتكلم معايا أو بيتعامل معايا … إتنين أغراب جمعهم مكان واحد …
سحبت نفسًا مطولًا قبل أن تستطرد مستكملة بألم …
– لحد الليلة السودا دى … لقيته داخل عليا يتطوح وريحه نفسه تقرف من الهباب إللي بيشربه ده .. وقف قدامي وهو بيبص لي بنظرة غريبة أوى خفت منها … لقيته داخل بيهددني ويقولي … أنا خلاص حتجوز … أنا مهمنيش حاجة … ولا حتى حسيت إني زعلانه … بالعكس … لكن لما قالي إنه حياخد مني “زين” وإن إللي حتربيه الست إللي عاوز يتجوزها دي وإن أنا ماليش لازمة فى حياته كنت حتجنن … محستش بنفسي ….جسمي كله كان بيتنفض من الخوف … كله إلا “زين” يا “عهد” … كله إلا إبني …
عقبت “عهد” بإستنكار لضعف أختها …
– كان يتجوزها ويغور … طالما إنتِ مش طايقاه …
هنا تذكرت “وعد” ما حدث بعد ذلك و تسبب بوفاته لتنهار ببكاء هستيري …
– أيوة أنا قلت له كدة … قلت له أنا لا طايقاك ولا عايزاك … لما لقاني مش متأثرة بموضوع جوازه ده قالي إنه كان بيعمل كدة عشان يستفزني ويغيظني … أنا عشان بعدت عنه ومنعت نفسي عنه بقى مش قادر يستحمل كده … قالي إنه عمل كل ده عشان بس أتحرك و أغِير عليه … ساعتها بس قالي إنه بيحبني .. لكن أنا كنت خلاص مش عاوزاه …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
تهدجت أنفاسها بقوة وهي تستعيد إستحضارها للمشهد وإنفعال “عاطف” عليها وقد أثارت غضبه وثورته ، فقد لمعت عيناه بجنون ليدفعها نحو الخلف متمسكًا بمرفقيها ليصرخ بها بإنفعال شديد …
– قرب مني ومسكني جامد من دراعي وقعد يقولي إني باردة مش بحس … أنا خوفت منه أوي يا “عهد” … وبعدين هو يفيد بإيه بعد كل الإهانة دي ييجي يقولي بيحبني … كان فين الحب ده لما كنت محتاجاه … جه متأخر أوى …
زاغت عيناها لوهلة تتمالك بعض دموعها المنهمرة ثم أكملت …
– قعد يضغط عليا … إننا لازم نرجع زي زمان وننسى كل حاجة .. بس أنا حسيت إني خلاص مش قادرة أستحمل أكتر من كدة … لقيت نفسي مرة واحدة بطلب منه يطلقني …
لمعت عينا “عهد” بوهج لإستفاقة “وعد” أخيرًا من غفلتها …
– أخيرًا … كويس … وقالك إيه …؟؟!
إرتعشت شفتي “وعد” بتأثر مجيبة إياها …
– إتعصب أكتر وقعد يصرخ فيا ويضرب برجله فى أى حاجة يطولها … قعد يزعق و يقولي لأ … لا يمكن أسيبك … إنتِ بتاعتي أنا … لا يمكن أطلقك مهما حصل … ومن كتر إنفعاله قعد يضرب فيا مبقتش عارفه الضرب جاى منين ولا منين .. لا قادرة أحوشه عني ولا قادرة أحمى نفسي منه ولا قادرة أوقفه … خوفت … خوفت أوى أوى يا “عهد” …
أشارت نحو الفراغ بينما أخذ جسدها ينتفض بقوة كما لو أن الأمر حدث بالأمس ..
– زقيت إيده و جريت على باب الشقة وفتحته عاوزة أهرب منه بس لحقني ووقف قدامي عشان مهربش … ملقتش قدامي إلا إني أصرخ يمكن أمه ولا إخواته يلحقوني … رفع إيديه لرقبتي عشان يخنقني .. عنيه كانت بتلمع بشر يخوف … حسيت إن اليوم ده آخر يوم فى عمري … لكن ….
إنتبهت لها “عهد” فيبدو أن تلك هى اللحظة الحاسمة لتستطرد “وعد” …
– لكن غصب عني زقيته … مفوقتش من إللي عملته إلا لما وقع من فوق السلم … مقدرتش ألحقه … مقدرتش …
أخفت “وعد” وجهها بين كفيها لتجهش بالبكاء والنشيج القوي …
– مات … ماااات يا “عهد” … أنا قتلت “عاطف” … أنا إللي قتلته ….
صمتت “عهد” تطالع أختها بوجه مقتضب فمازالت لم تفهم بعد لم إتخذت هذا القرار الغبي ….
❈-❈-❈
حي النعماني (المكتبة) …
تدب كل الأصوات بسمعي إلا صوتك فقط يدق في قلبي ، جميلة أنتِ كلؤلؤة تتلألأ وسط الرمال القاحلة ، فريدة مميزة سارقة للأنظار والقلوب …
أنهى “بحر” تدوين أسماء الكتب بالفهرس الخاص بها ليجلس بهدوء متابعًا “نغم” التى إنهمكت بكتابة فهرس آخر كان قد كلفها به …
أراد لو يجد فرصة مناسبة ليوضح لها مشاعره تجاهها ، لكنه لم يدري أنه ينثر مشاعره سدى فمحبوبته قلبها مشغول بآخر …
نظر “بحر” للفهرس خاصتها قائلًا …
– تحبي أساعدك …؟!!
رفعت وجهها الطفولي الناعم تجاهه مجيبة إياه بإمتنان …
– شكرًا يا أستاذ “بحر” … أنا تقريبًا خلصت …
بإثارة لموضوع جديد ليستمع لصوتها العذب مرة أخرى …
– باقي حوالي أسبوع على بداية الشهر الجديد … حتعملي إيه بقى بأول مرتب …؟؟؟
وضعت الورقة عن يدها لتجيبه بتلقائية دون تفكير …
– معروفه يعني … حاخد المرتب أديه لماما … أصلها إستلفت فلوس من جارتنا عشان نكمل الشهر .. ولازم طبعًا نرد الدين …
أشفق على ضيق حالهم فهو له قلب رقيق لا يتحمل التأزم والمشاكل …
– لا حول ولا قوة إلا بالله … ربنا يجعلكم دايمًا سند لها …
– عارف … ماما دى جدعه أوى … بس برضة خوافه أوى …
تمنى لو يعرفها عن قرب ليردف بفضول …
– نفسى أقابلها جدًا … لو ممكن أبقى آجى أزوركم وأتعرف عليها …
إتسعت عينا “نغم” السوداوتين بتخوف لتردف برفض قاطع …
– لأ لأ … إوعى … إوعى تيجى عندنا إحنا مش ناقصين مشاكل …
بإستغراب شديد عقب “بحر” …
– مشاكل عشان أزوركم … ليه …؟!!
زاغت عيناها بتوتر لتجيبه بتهرب …
– هاه … لا يعنى … هو كدة وخلاص … متجيش عندنا أبدًا … أبدًا …
أراد لو يستكمل حديثه معها لكن كالعادة هلت “صبا” مرة أخرى إلى داخل المكتبة تتصيد فرصة أخرى للتقرب من “بحر” لتقطع حديثهم بوجودها ، قابلها “بحر” بوجه قاس جامد حين هتفت “صبا” …
– صباح الخير يا أستاذ “بحر” …
تطلع نحوها “بحر” للحظات بجمود قبل أن ينهض مستأذنًا للمغادرة …
– صباح الخير … بعد إذنك يا “نغم” … أنا عندي مشوار مهم وراجع …
أومأت له “نغم” بتفهم لتستكمل هي طلب “صبا” بدلًا منه …
– أفندم يا أنسه “صبا” … محتاجة حاجة …؟!!
لوت “صبا” فمها بإستياء قائله بضجر …
– لأ مفيش … شكرًا …
غادرت “صبا” المكتبة فلم يعد لها حاجة بداخلها بدون “بحر” …
لم تهتم “نغم” بها أو به لتستكمل كتابة الفهرس دون الشعور بتلك المشاعر الفياضة التى حاول أن يشعرها بها لكنها كانت فى غياهب غرام آخر …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
المستشفى …
كوقت راحة إتخذته “شجن” من عملها بالمستوصف ذهبت به لزيارة لـ “أيوب” كمرور إعتادت عليه بالأيام الأخيرة الماضية …
دلفت لغرفته بعد إستئذانها بوجه بشوش وبسمة عريضة قائله …
– صباح الخير يا عم “أيوب” …
أشرق وجه هذا الكهل حتى ظنت “شجن” أن تجاعيد وجهه تلاشت بالفعل حين وقعت عيناه عليها …
– صباح الخير يا بنتي …
تقدمت “شجن” لتدنو من فراشه المدد عليه بسكون ثم جلست بخفة متسائله …
– عامل إيه النهاردة … شكلك رايق خالص …
أجابها برضا كطبعه المتقبل …
– نحمده … فى نعمة يا بنتي …
مالت برأسها المستدير حتى تحركت خصلات شعرها القصيرة المميزة قائله بفضول …
– برضه مكلمتش حد من أهلك يا عم “أيوب” …؟!!! لازم تقولهم إنك فى المستشفى …!!!
سحب “أيوب” نفسًا طويلًا محبطًا للغاية …
– يا بنتي أنا ماليش حد … كل قرايبي بعيد عني … محدش بيحب يجيلي أو يسأل عليا … أنا بقالي سنين طويلة عايش لوحدي …
فهمت “شجن” أن هذا الرجل الوحيد يبدو أنه ليس لديه زوجة ولا أولاد ، رق قلبها بشفقة على حاله ووحدته لتردف بتأثر …
– مفيش حتى جار ولا صاحب .. ؟!! أى حد ياخد باله منك …؟!!
كان سؤالها إشارة لما يود أن يخبرها به ، ليردف بتوجس …
– مفيش يا بنتي … عشان كدة … أنا كان ليا عندك طلب … وفكري فيه كويس قبل ما تردي عليا …
– طلب إيه …؟؟؟
ألقى بكلماته دفعة واحدة حتى لا يترك مجالًا للتراجع عما يريده منها …
– الصراحة أنا عاوزك تيجي تشتغلي عندي وتقعدي معايا وتونسيني … مش إنتِ ممرضة برضه … وأنا محتاج ممرضه تعيش معايا بعد حالتي دي … ها قولتي إيه ..؟؟!
صدمت “شجن” بعرضه للعمل معه وطلبه منها الإقامة معه لتردف برفض تام …
– لأ طبعًا صعب أوى يا عم “أيوب” … أولًا لأن إنت ساكن بعيد زى ما قولت لي … ثانيًا انا مقدرش أسيب أمي وأختي لوحدهم …
تأثر “أيوب” بحزن لرفضها ليترك لها فرصة للتفكير ربما تغير رأيها ، فهو بالفعل بحاجة لها لتهتم له وترعاه وتؤنس وحدته …
– بلاش ترفضي من دلوقتِ فكري بالراحة ومعاكِ رقم تليفوني … لو غيرتي رأيك في أى وقت كلميني … أنا محتاجك أوي يا بنتي …
رغم رفضها القاطع إلا أنها أومأت له بالموافقة إرضاء له ولحزنه الذى تجلى على ملامحه ..
– ماشي يا عم “أيوب” حفكر … بس موعدكش إني حوافق …
– يمكن يا بنتي تغيري رأيك … بين يوم ويوم يتأتي عجايب …
بإشفاق على حاله رددت …
– أنا نفسي أساعدك بجد … بس مش حعرف خالص …
– والله يا بنتى أنا إرتحتلك زي ما تكوني بنتي تمام … شوفي ظروفك يمكن تعرفي …
تفكرت قليلًا بصمت قبل أن تجيبه ..
– وإنت كمان والله بتفكرني ببابا الله يرحمه .. بس مش حقدر أسيب ماما وأختي أبدًا .. يا ريت يبقى لها حل …
– يا ريت … عمومًا خدي وقتك ولو عرفتي تيجي في أى وقت كلميني … أنا محتاجلك جدًا يا بنتى …
– حفكر يا عم “أيوب” …
ضمت “شجن” بسمتها ببعض التوجس فهي تود بالفعل مساعدته لكن أمر سفرها معه لأمر مستحيل للغاية ، فكيف ستترك والدتها وأختها وسط أعاصير “صباح” وأبنائها دون حماية فهم أبسط وأضعف من مواجهتها …
بينما كان “أيوب” يأمل أن تغير “شجن” رأيها وترافقه لبلدته …
❈-❈-❈
بيت النجار …
لا خير في ود متلون يميل حيث تميل الرياح ، إدراكنا للخطأ ينبع أولًا من إحساسنا وليس بإدراك الصواب والخطأ …
على عجالة دلفت “حنين” لداخل شقتها تطمئن على أن أولادها لم ينتبهوا لغيابها لتدور بين أرجاء الشقة تتأكد بأن كل شئ على ما يرام …
ألقت بوشاحها فوق المقعد وهي تزفر براحة …
– كويس أوى … كل حاجة تمام …
جلست فوق المقعد لتخرج محفظتها من حقيبة يدها الصغيرة لتتطلع نحو تفاصيلها الخاوية وهي تمصمص شفاهها تحسرًا …
– عيني على بختي … دايمًا كدة …
رفعت حاجبها بإستعلاء وهي تنظر تجاه السقف كما لو أنها أدركت أمرًا لتهمس بمكر …
– هي الست حماتي … أطلع لها يمكن أعرف أطلع منها قرشين بدل الفلس إللي أنا فيه ده …
على الفور غادرت شقتها متجهة نحو شقة والدا زوجها بالدور العلوي تاركة باب شقتها مفتوحًا كالمعتاد …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
شقة فخري …
إنتهت مهمتها بجلب ما تحتاجه والدتها لعمل هذا السحر لتكتفي بذلك وأسرعت “راويه” بالهرب من نفسها أولًا ومكثت بموضعها المحبب بالشرفة تتابع القادم والآتي فهناك حياة الحرية التى تتمنى يومًا أن تحظى بها ، وكأن الحياة تكمن خارج جدران هذا البيت …
أحضرت “صباح” لفافة كبيرة ووضعت بها الحقيبة البلاستيكية التى تحتوي ملابس “زكيه” وبناتها حتى لا تثير شك من يقع عيناه عليهم حتى ذهابها للشيخ “كرامة” …
طرقات مزعجة دقت بابها لتمتعض بفمها تذمرًا فعليها التحرك نحو باب الشقة فـ”راويه” إنزوت بالشرفة كالعادة …
– طيب طيب .. ما بالراحة ياللي تنشك فى إيدك … هي الدنيا طارت …
فور أن فُتح الباب وطلت “حنين” بوجهها النحيل أمامها وقد رمقتها “صباح” بسخط قائله بإنزعاج …
– “حنين” …!! جرى إيه على الصبح … إيه الخبط والرزع ده …؟؟؟
بإبتسامة مزيفة أجابتها “حنين” …
– جيت أصبح عليكِ يا غالية يا أم الغالي …
إستدارت “صباح” بجسدها الثمين دون الإهتمام لحديث “حنين” وتملقها قائله أثناء تقدمها نحو الداخل …
– إقفلي الباب وراكِ وإنتِ داخله … بيتي مش زى الزريبة إللي إنتِ عايشه فيها تحت فاتحاها على البحري ليل ونهار …
عقصت “حنين” ملامحها بنفور وهي تدفع بكفيها فى الهواء بسخط من تلك المرأة من خلف ظهرها ثم أغلقت الباب كما طلبت تمامًا لكنها تحدثت بود شديد غير ما تشعر به من بغض تمامًا …
– وهو أنا حخاف على إيه تحت … لكن إنتِ واعية يا ماما “صباح” …
لم تصدق “صباح” تملق “حنين” لكنها تتلذذ بسماعها له ، جلست فوق مقعد الصالون خاصتها مستطردة …
– أمك جابت الإسورة الدهب إللي خدتها منك في الفرح ولا ضربت عليها …؟!!
إهانة ضمنية لها فقد تكرر الأمر مع والدتها التى دائمًا ما تقترض منها أغراضها الثمينة ولا تعيدها ، غضب داخلي جعلها تزداد بغضًا لتلك الوقحة لكنها عليها التغاضي عن ذلك لأجل مصلحتها الآن …
– طبعًا يا ماما “صباح” … وهي تقدر تتأخر .. ده حتى جابتلك معاها شوية حلويات بالسمنة البلدي إنما إيه … حالًا حنزل أجيلهملك …
لم تكن “صباح” ذات ذكاء متقد لكنها تستطيع فهم مكر “حنين” بسهولة ، فربما تجد نفسها وشبابها بها ، حدجتها من أعلى رأسها لأسفل قدميها ثم عقبت بإشمئزاز …
– أقعدي أقعدي … هو أنا من إمتى باكل من إيد أى حد … خصوصًا أمك … قال سمنة بلدي قال … دى آخرها زيت العربيات …
إبتلعت “حنين” إهانة والدتها للمرة الثالثة لأجل حاجتها فقط …
عادت للجلوس إلى جوار “صباح” مرتديه قناع الطيبة والتذلل …
– بقولك إيه يا ماما “صباح” … البت “شهد” عاوزة تجيب شوية حاجات للمدرسة وإنتِ عارفه يعنى الفلوس إللي “فريد” بياخدها من عمى “فخري” بتكفي بالعافية … والدنيا بقت غالية نار … وأهى برضه حفيدتك حبيبتك … الفلوس مش حتروح لحد غريب …
رفعت “صباح” طرف أنفها بإحتقار ثم أجابتها بهجوم شرس كاد لون بشرتها الأسمر يشتعل توهجًا من شدة إنفعالها …
– نعــــــــــــم … !!!! فلوس … أنا مبديش حد فلوس … روحي يا أختى لجوزك إنتحنحي له وإتمرقعي عليه وخدي إللي إنت عاوزاه … ماليش فيه … قال فلوس قال … جاية تقلبني بنت “لواحظ” …
لمعت عين “حنين” بغيظ مكتوم لم تستطع إظهاره أنقذها من شلال الإهانات التى كانت ستتلقاه طرقات أخرى على باب شقة “صباح” ….
قفزت “حنين” بخفة مبتعدة عن “صباح” ولسانها السليط لتلبي الطارق ظنًا منها أنها بذلك تهرب من ضيق نفس بوجودها إلى جوارها ، لكنها فوجئت بمن يكتم أنفاسها كمن يسحب الهواء من حولها …
رفعت “حنين” حاجبيها وإتسعت عيناها بذهول قبل أن تفغر فاها قائله …
– “ريهام” ….!!!!
أحيانًا نتمنى ألا نفهم ، أن نترك الأمور على سجيتها يُفهم ما يُفهم و يُترَك ما يُترَك ، أن نتغافل عن الثقوب والأخطاء وأن نبقى على سكوننا بدون أى رد فعل ، كما لو أن رد الفعل سيمحو الضرر الذى سيلحق بنا …
إدراكنا للحقيقة مُجهد للعقول مؤلم للقلوب ، مؤذى للنفس … ففي بعض الأحيان نفضل ألا نصدق …
بيت النجار ( شقة فخري) …
لمعت عين “حنين” بغيظ مكتوم لم تستطع إظهاره أنقذها من شلال الإهانات التى كانت ستتلقاه طرقات أخرى على باب شقة “صباح” ….
قفزت “حنين” بخفة مبتعدة عن “صباح” ولسانها السليط لتلبي الطارق ظنًا منها أنها بذلك تهرب من ضيق نفس بوجودها إلى جوارها ، لكنها فوجئت بمن يكتم أنفاسها كمن يسحب الهواء من حولها …
رفعت “حنين” حاجبيها وإتسعت عيناها بذهول قبل أن تفغر فاها قائله …
– “ريهام” ….!!!!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
منذ بدأ خلافاتها مع “مأمون” لم تخطي “ريهام” بيت العائلة ، بل ظنت “حنين” أنها تخلصت نهائيًا من وجودها ورؤيتها ، تلك المتعالية التى كادت تسرق كل الأضواء منها ، فما الذى أتى بها إلى هنا اليوم ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بطرف عيناها الواسعتان رمقتها “ريهام” بتقزز لتعبر من جوارها دون الإكتراث حتى بإلقاء السلام عليها …
خطوات متمايلة متغنجة وهي تدلف نحو الداخل لتميل برأسها فى خيلاء لتتحرك خصلات شعرها العسلية المموجة تكيد بجمالها تلك الواقفة إلى جوار الباب من خلفها …
شابة تتمتع بحسن طبيعي بيضاء البشرة وفم رفيع وأعين صغيرة لكنها تتمتع بجاذبية شديدة لدلالها وتغنجها الدائم فهي معجبة بحُسنها لدرجة الغرور ، تدرك أن الأبصار تتجه صوبها فور تواجدها بأى محل تنزل به …
تقدمت نحو “صباح” الجالسة بالصالون لتلقى تحيتها وهي تجلس دون دعوة صاحبة البيت لها …
– صباح الخير …
إعدلت “صباح” جسدها المائل بإهتمام بالغ لم تظهره يومًا لغير تلك المرأة …
– “ريهام” … !!! إزيك يا حبيبتي …
ضمت “ريهام” شفتيها الرقيقتين وهي تلقى بنظرة أخيرة على “حنين” كما لو كانت تخبرها أن وجودها ليس مرغوب به لتعود ببصرها الكامل تجاه “صباح” لتجيب تحيتها …
– كويسة … اوووى …
قالتها تكيد بـ”حنين” صاحبة المشكلات والإستفزاز لها حينما كانت تقطن هنا بهذا البيت ..
لم تتحمل “حنين” وجود “ريهام” فحتى مع غيابها إلا أنها تظل الأجمل وسارقة كل الإهتمام رغم المشاكل والقضايا بينها وبين “مأمون” ، هتفت “حنين” بعجالة دون إنتظار …
– طب أنا حنزل أشوف العيال تحت … حبقى أجيلك بعدين يا ماما “صباح” …
خرجت على الفور وهي تسحب الباب من خلفها فقد فشلت مساعيها اليوم وإنتهى أيضًا برؤيتها لغريمتها زوجة “مأمون” السابقة …
بحفاوة غير معتادة أخذت “صباح” ترحب بـ”ريهام” بشدة …
– ليكِ وحشه والله يا “ريهام” … بس مش كنتِ تقولي إنك جايه عشان نحضر لك غدا محترم …
أعادت “ريهام” جذعها للخلف بعنجهية وهي ترفع ساقها فوق الأخرى قبل أن تجيب …
– وهو أنا غريبة … أنا صاحبة بيت يا حماتي …
بسمة مهتزة إحتلت ملامح “صباح” وهى تردد كما لو كانت مجبرة على الترحيب بها …
– طبعًا يا حبيبتي … طبعًا …
دارت “ريهام” بعيناها بداخل الشقة تكشف ما بها متسائله …
– أمال فين “راويه” و عمي “فخري” …؟!!
– عمك “فخري” فى الوكالة … و “راويه” فى البلكونة … أناديها لك …؟!!
أنهت عبارتها وهي تدفع بجذعها الثقيل تحاول النهوض من فوق الأريكة ، لكن كف “ريهام” أوقفها قائله بلا إهتمام …
– لالالالأ … خليها خليها …. أنا جيالك إنتِ …
توجست “صباح” من زيارتها لتهتف بترقب …
– خير …!!!
أجفلت “ريهام” بعينيها الصغيرتين بتعالي ثم أردفت تطلب ما جائت لأجله بنبرة آمره …
– عايزة فلوس … “مأمون” كل ما أكلمه يطنش … فقلت آجى لك … أنا عايزة فلوس … كتير … الولاد عايزين حاجات ضرورية أوى … ومش حستنى لما المحكمة تحكم ..
هبت “صباح” تلبي طلبها والذى رفضت مثيلهُ منذ قليل ، لكنها لا تقوى على رفض طلب “ريهام” …
– بس كدة … من عيني … ثواني ورجعالك …
دلفت لغرفة نومها لتخرج بعد قليل من الوقت تحمل رزمة من الأوراق المالية تأشر بها تجاه “ريهام” …
– خدي يا حبيبتي … كله إلا ولاد “مأمون”…. وأمهم حبيبة قلبي …
بسمة متكلفة علت ثغر “ريهام” وهي تضع المال بحقيبتها الحمراء قبل أن تقف إستعدادًا للمغادرة فقد تمت مهمتها ولا داعي لبقائها هنا …
– طيب … سلام بقى …
رغم توجهها لباب الشقة إلا أن “صباح” هتفت مجاملة …
– ما تخليكِ نتغدى سوا …
أجابتها “ريهام” بتعجل ..
– لأ … بعدين … سلام يا حماتي …
تنفست “صباح” الصعداء بعد مغادرة “ريهام” فهي الوحيدة التى تحسب لوجودها ولطلباتها ألف حساب …
إنتبهت لأن الوقت يمر بها وعليها الذهاب للشيخ “كرامه” قبل عودة “فخري” من الوكالة لتدلف لغرفتها لتبدل عبائتها بأخرى لتقضى هذا الأمر بعجالة …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
(نيره إستور) لمستحضرات التجميل …
جمال الشئ يكمن في بقائه سرًا ، وليس علينا البوح بكل ما يحدث لنا ولا يبقى لأنفسنا حلاوة نخفيها عن الأعين والآذان …
فلقضاء حواجئنا يجب علينا أن نستعين بالكتمان ، حياتنا الخاصة سميت خاصة لأنها تخُصنا وحدنا لا دخل فى المحيطين بها …
بجلسة معتادة بين “نيره” و “إسراء” بالمتجر الخاص بـ”نيره” أخذت “نيره” تقص على مسامع صديقتها كل ما حدث بالأمس بالتفصيل بينها وبين “رؤوف” وكيف غضبت منه ومحاولته لإرضائها …
دفعت “إسراء” خصلة شعرها الصفراء المصبوغة للخلف بتفكير قبل أن تجيب صديقتها …
– حلو جدًا … بس إوعي إللي حصل ده يخليكِ تسمعي الكلام ومتروحيش الشركة عنده تاني … لأن هو ده إللي هو عاوزه … عمل الزعلة دى مخصوص عشان تخافي تروحي له هناك تاني …
كالمغيبة تمامًا أردفت “نيره” بإقتناع فقد أصبحت الآن كالقطة الوديعة التى تنصت لكل ما تقوله “إسراء” بينما تعترض كل ما يقوله “رؤوف” طيلة الوقت …
– معاكِ حق … هو كدة حيتطمن … لأ … أنا لازم أروح … عشان يبقى عامل لي حساب فى كل مكان …
– برافو عليكِ … خليكِ واعية كدة …
دارت “إسراء” بعيناها الجاحظتان قبل أن تتردد في سؤالها …
– بس إنتِ مقولتيليش … أمه وأبوه أخبارهم إيه معاكِ ؟!! … الناس دى لازم تكسبيها …
إمتعضت “نيره” قليلًا فهي ليست ذات شخصية مُحبة إجتماعيًا لتردف بثقل …
– عمو “خالد” مشغول فى الشركة إللي بيشتغل فيها … وطنط “منار” ما بين المستشفى والبيت … بصراحة أنا مش ببقى عارفه أقول إيه يخليهم يحبوني … ( ثم لوت فمها بإستياء مستكملة ) … كفاية عليهم حبيبتهم “غدير” … واكله عقلهم بصورة غريبة …
أجابتها “إسراء” بتحفيز …
– لأ … لازم تبقى زيها وأكتر … لازم يحبوكِ أكتر منها …
– طيب قوليلي أعمل إيه ..؟!
تفكرت “إسراء” قليلًا ثم أجابتها …
– نفكر …
❈-❈-❈
شركة بيكو للأدوية …
سيكون الإنتظار غايتي إلى أن يقسم الله لنا أن نلتقى ، فقربه يعنى لي الحياة والحياة هي هو فقط …
بقلب مضطرب وأحاسيس مربكة دلفت “مودة” بخطوات متباطئة لداخل الشركة تبحث عن وجه وحيد تكتفي به من الدنيا كلها …
كقطة وديعة أخذت تطالع الأجواء من حولها ببعض المكاتب وأرفف الأدوية وبعض الشحنات المغلقة لعقاقير أخري ، موظفون هنا وهناك وجوه عديدة ليس بهم وجه من تأمل رؤيته …
نجمة لامعة وسط ليل طويل وقفت بتشتت لبعض الوقت دون إدراك إلى أين تتجه …
تقدم نحوها شاب متوسط الطول وقد ملأت إحدى إبتساماته المتصيدة لتلك الحسناء قائلًا بلباقة …
– تحت أمرك يا آنسه …
تطلعت “مودة” بوجهه فليس هو من تقصده لكن ربما يساعدها للوصول إليه ، أجابته بهدوء ..
– لو سمحت كنت عايزة الدكتور “رؤوف دويدار” …
سنحت له فرصة حديث مع فتاة جميلة ليجيبها الشاب بتساؤل مازح ..
– “رؤوف” … !! مكنتش أعرف إن له معارف حلوين كدة …
هي ليست ساذجة لتدرك أن هذا الشاب يتغزل بها ، نظرت له مطولًا بصمت لتجعله يضطرب من نظرتها التى أشعرته بحقارة تصرفه ليتنحنح مستطردًا …
– إحم … أسف … “رؤوف” فى المكتب بتاعه .. إتفضلي من هنا …
أشار نحو أحد الإتجاهات بتعقل لتتخذ “مودة” طريقها نحو المكتب الذى أشار إليه ليتبعها بدافع الفضول لمعرفة هوية تلك الحسناء ذات الشخصية المتفردة …
طرقت “مودة” باب المكتب لتسمع صوته الحماسي من الداخل يرحب بالزائر …
– إتفضل … إتفضل …
دلفت “مودة” وقد تغيرت نظرتها الجدية لأخرى متشوقة للغاية ، فهو دقات القلب وحنينها …
– صباح الخير …
إنتفض “رؤوف” بحماس مهللًا فور رؤيتها ليتقدم مرحبًا بقدومها …
– “مودة” … أهلًا أهلًا نورتي … تعالي إدخلي …
تقدمت بهدوء تتأمل تفاصيل ملامحه التى تعشقها وتذوب بعذوبته و لطافته ..
– أنا جيت فى المعاد زى ما “غدير” قالت لي …
تمسك “رؤوف” بظهر أحد المقاعد الجلدية يطالبها بالجلوس …
– طب مش نقعد الأول ونرتاح كدة وبعدين نتكلم فى الشغل … هو ينفع الجميل يفضل واقف على الباب …
كم تعشق إسلوبه الساحر وضحكته المشرقة ، نظرت بتعمق لوجهه المرحب وهى تبتسم بخفة لتجد نفسها لا إراديًا تجلس حيث أشار دون إثناء عيناها عنه …
– شكرًا …
إلتف “رؤوف” تجاه صديقه الذى مازال واقفًا بالباب يتابع إستقبال “رؤوف” لزائرته الحسناء ..
– مالك يا “حمدي” … واقف زى العمود كدة ليه …؟؟!!! ما تدخل ..
كانت تلك إشارة لمشاركتهم جلستهم ليتجه صوب المقعد المقابل لـ”مودة” متأملًا بصمت وجهها الطفولي الساحر وبراءة عيناها السوداوتين …
– أوى أوى …
بدأ “رؤوف” بتعريف بعضهما البعض …
– ده بقى “حمدي الكاتب” زميلنا هنا فى الشركة … دى بقى “مودة” … أخت “غدير” مرات “عيسى” … حتشتغل معانا من النهاردة …
هلل “حمدي” بإستحسان وحماس شديد ..
– هو ده الكلام … نورتي الشركة يا آنسة “مودة” …
لم تستساغ “مودة” طريقة هذا الرجل لكنها أومأت بخفة مجاملة له …
– شكرًا …
أحضر “رؤوف” إحدى عُلب العصير ثم مد يده تجاه “مودة” التى ترددت لقبولها فهي لا تحب أى من المأكولات و المشروبات الغريبة خاصة تلك المعلبة ، لكنها أول شئ يقدمه لها فحتى لو لم تتناوله ستأخذه من يده …
– إتفضلي يا “مودة” … دى حلاوة أول يوم .. تخيلي بقى لو كل يوم معانا …
تمنت أن تهتف بسعادة (يا ليت) لكنها إكتفت بإبتسامة خجولة ..
خجلها وبسمتها العذبة سرقا قلب “حمدي” الذى كان يترصد بردود أفعالها الرقيقة بينما أخذ “رؤوف” بإيضاح عملها وما يتطلب منها ، كادت أن تحلق بسعادة لقربها منه وإختصاصها بحديث حتى لو عن العمل ..
كل تفاصيلك لها بعيوني مكان ، سيكون قربي غايتي ولا أريد سوى هذا القرب …
هل يمكن أن يحلق المرء وهو ساكن دون حراك ، هل يمكن أن يحلق ومازالت قدميه تطأ الأرض …
يكفيني إحساس السعادة هذا فلا أريد شيئًا بعد …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
شقة عهد …
لم تكن لحظة غضب بل كان تراكم من الكتمان ، إهتزاز وإرتجاف وأصوات صاخبة تمامًا كبركان ثائر بداخل نفسها …
لكن آن الأوان لأن تهدأ وتخرج ما أخفته بقلبها فاليوم يوم الإعتراف …
صمت لاح بين كلاهما بعد إنهيار “وعد” وإنتظار “عهد” لفهم كل شيء ، فرصة للهدوء سمحت بها “عهد” أخيرًا حتى تستطيع فهم ما سبب قرار “وعد” الأعمى …
بعد أن هدأت نفسها قليلًا نظرت “وعد” تجاه تلك العينان العسليتان اللاتى تحدقان بها تتوق لإدراك ما يثور بداخلها …
لأول مرة منذ سنوات طويلة “عهد” تستمع بإنصات دون إنفعال ودون غضب …
جلست بهدوء تنتظر صافرة البدء وعيناها معلقتان بأختها المنهارة تمامًا …
ضمت “وعد” شفتيها المرتعشتان قائله …
– خليكِ جنبي يا “عهد” … أنا ماليش غيرك …
لم يرهف قلبها لها الآن ؟!! أليست هي القوية !!! ، ألهذه الدرجة تغيرت دون أن تدري ؟؟ هي من تتعامل بالصواب والخطأ وإعمال العقل ، أصبح قلبها يرهف لبعض المشاعر والشفقة …!!!
تهدج صدرها ببطء وهي تومئ بخفة شديدة ربما تخشى أن يلاحَظ لينها الذى لم تعتاده ، لكن أختها تستحق ذلك ، تستحق أن تشعر ببعض الأمان ، هنا أردفت “عهد” بيقين تام …
– أنا معاكِ فى أي حاجة حتعمليها … بس فهميني … لما إنتِ خلصتي من البني آدم ده وربنا فكك منه … بتعملي فى نفسك ليه كدة … إنتِ غاوية عذاب وتعب …؟!!!
إستطردت “وعد” توضح الأمر من بقية الجوانب لها حتى تتفهم لم إتخذت هذا القرار …
– ساعة ما “عاطف” وقع .. أنا خوفت أوى … حسيت إن قلبي وقع معاه … أنا فاكره اليوم ده كأنه إمبارح … مش من خمس شهور …
تذكرت “وعد” المشهد كاملًا أمام مرآها كما لو كانت تعيش تلك المأساة مرة أخرى …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
فلاش باك …
﴿ إختل توازن “عاطف” ليسقط من فوق درجات السلم يتخبط هنا وهناك حتى إختفى عن أعينها وقفت مذهولة متيبسة دون حراك كما لو أنها أصبحت تمثال من صخر ، إرتعد جسدها فزعًا لكن دون حركة …
لم تفق من شتاتها إلا بسماعها صرخات من “عتاب” بالأسفل لتحرك ساقيها المتيبستان تهبط درجات السلم بتخوف وتشتت …
مالت “عتاب” على أخيها الساكن بلا روح وهي تصارخ ببكاء يهز جوف “وعد” الفزعة …
– أااااااه يا أخويا … اااه … يا حبيبي يا “عاطف” … اااه يا “عاطف” …
صرخاتها كانت كفيلة بإيقاظ الغافلين حولهم لتقف “قسمت” أسفل الدرجات تنظر بهلع نحو ولدها الساكن وإبنتها الصارخة لتفهم ما حدث على الفور ، فقد مات “عاطف” ولدها البِكر وأحب أبنائها لقلبها ..
لم تقوى على التقدم أو الإبتعاد كما لو أن الزمن توقف هنا ، ما تراه حقيقة بعينيها يصعب عليها تصديقه ، فإن تحملت وفاة زوجها لا تقوى على تحمل فقدان إبنها الغالي …
سقطت “قسمت” أرضًا فقد إنهارت حصونها القوية معلنة الإستسلام والهزيمة …
رفعت “عتاب” رأسها نحو “وعد” التى تتطلع نحو “عاطف” بصدمة وقد بُهت لونها الأبيض حتى كادت تشبه الأموات ، صرخت بها “عتاب” بكلماتها القاسية الجارحة ووجه متعنت متوعد لها …
– قتلتيه …!!! قتلتي أخويا …
سُحِب الهواء من رئتي “وعد” وإرتجف جسدها الضعيف لتتسند بالجدار الذى يجاورها لتتهاوى جالسة وقد إتسعت خضراوتيها بغير تصديق ، حركت رأسها بعنف تنفى تصديقها لما حدث لتشاهق بالبكاء وقد إرتعد جسدها بقوة تخفى بكفيها هول ما تراه بأعينها …
قبعت “عتاب” و “وعد” إلى جوار “عاطف” بينما مازالت “قسمت” ملقاة أرضًا لا تدري عن الواقع شيئًا …
خطوات رزينة تقدمت نحوهم ليطل “محب” بوجه مقتضب دون فهم …
– إيه إللي حصل …؟؟! ماله “عاطف” …؟؟؟
بوجه برئ تمامًا رفعت “عتاب” رأسها لتظهر دموعها الغزيرة التى غطت وجنتيها النحيلتان قائله بحسرة …
– أخوك مات … ماااات يا “محب” …
لم تكتفي بحديثها المشؤوم بل إستطرت مستكملة إتهامها لـ”وعد” …
– هي إللي موتته … هي اللي زقته من فوق السلم …
قلب “وعد” الضعيف لا يتحمل رؤيته بهذه البشاعة فكيف ستتحمل فكرة أنها السبب بفقدانه حياته ، رفعت “وعد” رأسها تجاه “محب” تود لو تنفى ما حدث وأن ليس لها علاقة لكنها لا تقدر ، شهقاتها اليائسة كانت إجابة عما حدث …
أسرع “محب” تجاه “عاطف” محاولًا إسعافه فربما مازال هناك أمل لكن قدر الله قد نفذ ليشيح بوجهه الحزين المتجهم فخلال شهور قليلة فقد أبيه وأخيه فما أقسى مصابه وأصعب فراقهم …
حاولت “وعد” أخيرًا النطق فقد تلاشت منها الكلمات وجف حلقها تمامًا …
– والله ما … أقصد .. غصب عني … هو … هو .. كان بيخنـ .. بيخنقني .. بعدته عني … وقع … والله ما قصدت … ووو … والله ما قصدت …
تركت “عتاب” رأس “عاطف” لتهب تجاه “وعد” تعنفها بقسوة وهى ترجها من بين يديها كعصفور مرتعد …
– لأ تقصدي … إنتِ لا بقيتي طايقاه ولا عايزاه … هو ياما إشتكالي منك … إنتِ كنتِ عايزة تخلصي منه … إنتِ زقتيه بالقصد … إنتِ قتلتيه يا مجرمة … أنا حبلغ الشرطة … لازم تتسجني … لازم تدفعي تمن إللي عملتيه فى أخويا …
تشتتها بين “عتاب” و”عاطف” الملقى أرضًا جعلها تنتحب بقوة فما تقوله “عتاب” سيجعلها تُحاسَب على جريمة لم تقصدها ، ستخسر حياتها وإبنها …
لاح صوت جهوري غير معتاد أخرس كلتاهما حين صدح صوت “محب” بنبرة مغايرة تمامًا لما إعتادوه منه …
– خلاص … إنتهى … إطلعي شقتك يا “وعد” … وإنتِ خدي أمك إللي واقعه في الأرض دى ودخليها جوه … وعلى الله أسمع الكلام ده تاني … أخويا وقع قضاء وقدر … لا حد زقه … ولا حد وقعه … الكلام منهي .. مفيش شرطة ولا بلاغات … أخويا مات قضاء وقدر …
حدجهما بنظرات قوية لازعة تلجمت لها ألسنة كلاهما لتصعد “وعد” راكضة نحو شقتها بينما حاولت “عتاب” حمل والدتها بصعوبة نحو الداخل تاركين الأمر لـ “محب” …
ليلة عصيبة إنتهت بهدوء لم تتوقعه “وعد” وقضى الأمر بأنه حادث قضاء الله وقدره ولم يوجه لـ”وعد” أى إتهام كما قال “محب” …﴾
عادت “وعد” لواقعها برفقة “عهد” التى كانت تنتظر مرة أخرى إجابة عن تساؤلها الذى لم تجيبه “وعد” …
– أيوة … برضه أنا مش فاهمة … “عاطف” الله يرحمه مات من خمس شهور … والحكاية خلصت قضاء وقدر زى ما قولتي ومحدش إتهمك بحاجة … إنتِ ليه برضه مكملة فى بيتهم … وليه حتعملي المصيبة اللي عاوزه تعمليها دى ….؟؟!!!
نكست “وعد” عينيها لتجيبها بصوتها الناعم الحزين …
– يمكن وقتها محدش إتهمني بحاجة وده عشان “زين” طبعًا … عشان ميخسرش أبوه وأمه مرة واحدة .. لكن كان دايمًا الإتهام بإني أنا إللي قتلته .. والتهديد إنهم حيبلغوا الشرطة عني …
بفراسة إستطاعت “عهد” فهم كيف دار الأمر بعد ذلك لتعقب هي متخيلة بقية الأحداث ببراعة إندهشت لها “وعد” على الفور …
– اااه … فهمت … يبقى عشان خوفك على “زين” هم إستغلوا النقطة دي و بقوا يهددوكِ يا إما تمشي على مزاجهم وتعملي إللي يقولوا لك عليه … يا إما يبلغوا عنك … صح … بس يا ترى مين فيهم إللي أجبرك … حماتك ؟!! … لأ … حماتك من يوم ما “عاطف” مات وهي فى دنيا غير الدنيا ومش حاسة باللي حواليها … “محب” ..؟؟! لأ مظنش برضه لأن دي مش دماغه … يبقى مفيش غيرها الحقودة الغلاوية “عتاب” … هي إللي هددتك صح …؟؟!
أومأت “وعد” بالإيجاب بإندهاش من ذكاء وفراسة أختها مجيبة إياها بإستكانة ..
– أيوة .. مظبوط ..
وقفت “عهد” ليظهر طولها وهى تشد من تشدقها للأعلى قائله بجدية …
– بس أنا مش عاوزاكِ تخافي .. مهما حصل … سيبي لهم الدنيا كلها وتعالي أقعدي هنا … أنا قادرة أحميكِ ..
إضطرب تنفس “وعد” ولاحت علامات التخوف على ملامحها الرقيقة لتردف مجبرة …
– مش حينفع يا “عهد” .. أنا الأسلم لـ”زين” إني أوافق على إللي قالولي عليه …
جذبتها “عهد” من مرفقها لتفيقها من غفلتها …
– متخافيش … مش لازم توافقي … مش حيقدروا يعملوا حاجة …
سكنت “وعد” بعينيها بترجي …
– إللي أنا عاوزاه إن إنتِ بس متزعليش مني … أنا مش عاوزاهم ياخدوا “زين” مني … أنا عشان خاطره أعمل أى حاجة …
هتفت بها “عهد” بإشفاق لكن نبرتها كانت جافة للغاية …
– عشان إبنك … ترمي روحك فى النار … عشان إبنك … تتجوزي “محب” …!!!!!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى