رواية طوفان الدرة الفصل السادس عشر 16 بقلم سعاد محمد سلامة
رواية طوفان الدرة البارت السادس عشر
رواية طوفان الدرة الجزء السادس عشر

رواية طوفان الدرة الحلقة السادسة عشر
فهمت جود تلميح والدة حاتم، كانت تقصدها هي بوضوح حين قالت “وش النحس”.
شعرت بوخزات في قلبها، وخزات قاسية كأنها تخترق صدرها… للحظة كادت ترد، أن تنفي عنها هذا الظن، أن تُخبرها بأن لها ابنًا قُتل منذ أشهر، من جلب عليهم النحس وقتها، لكن تربيتها منعتها… لم تعتد أن تجرح أحدًا في وجعه، حتى لو بدأت تُشكّ أن تلك الأم لا يتوجع قلبها حقًا لفقد أحد ولديها…
لو كانت حزينة عليه كأمٍ بحق، لأشترت راحة ابنها الآخر بأي ثمن…
لكنها، رغم قصر الأيام التي عاشتها معها، بدأت تكتشف خِصالها؛
كالطمع…
يكفي أنها سألتها عن تلك النقود التي أُعطيت لها كنقوط من أخيها ووالدتها وبعض الأقارب، وطمعها في الذهب الخاص بها ، حتى أنها لمحت وإن لم تُصرح بأنها يمكن أن تعطيه لها تحتفظ لها به “احتياطًا”، بحجة أن البيت مليء بالشرفات، وسهل أن يتسلل إليه لص…
لم تقلها حرفيًا، لكنها فهمتها… أو بدأت تفهمها… بدأت تنزع عنها ذلك القناع الرقيق الزائف سريعًا….
كذالك حاتم الذي يبدوا أنه مُشتت أو يسير بلا إرادة، أيام مجرد أيام وبدأت تتلاشي صورة الرومانسية الكاذبة أمامها، فقط إنتقلت من منزل كانت أميرة مُدللة فيه، الى منزل خادمة مُهمشة فيه من البداية، ولا تعلم كيف ستستمر، لا كم من الوقت ستتحمل ذلك… كذالك الجفاء الواضح من حاتم.
❈-❈-❈
بذلك المكان بين الأراضي هلع دب فى قلب زينة وهي ترا تلك النظرات الفجة الوقحة من وليد لها، ليس فقط من نظراته بل من إقترابه منها بخطوات بطيئة وهي جسدها يتحرك لا إراديًا حتى لم تنتبه وتعرقلت بأحد جذوع الشجر الجافة، سقطت أرضًا لسوء حظها إنحصار ثيابها عن ساقيها اللتان إنكشف سترهما حتى المنتصف وظهرا عاريان أمام عيني ذلك الوضيع…
الذي تجمدت نظراته عليهما، بإشتهاء قذر… كأن الزمن توقف للحظة، قبل أن تزفر زينة أنفاسها المرتجفة وتُسرع بتغطية ساقيها المرتجفتين بارتباك، وقد علا وجهها لون الخجل والذعر معًا… لم يكن وليد بعيدًا بما يكفي، وكانت نظراته ما تزال مسمرة عليها، جامدة،مُشتهيه… لا تخفي ما بها من جرأة مستفزة ومزيج غريب من رغبة التملُك…
تحاملت على نفسها تنهض وقد قبضت على أطراف ثوبها بقوة، كأنها تحاول أن تستر به خوفها قبل جسدها… قالت بصوت مرتجف حاولت أن تجعله حازمًا:
إبعد عني يا وليد… كفاية اللى حصل قبل إكده.
لكنه لم يتحرك.. يقف كتمثال من نار، عيناه ما تزالا تحومان حولها، حتى قالت مجددًا وقد ارتفع صوتها قليلًا:
قولتلك إبعد عني الله يخليك، سيبني فى حالي.
حينها فقط، تقدم خطوة أخرى، لكنها كانت مختلفة، ليست كتلك الخطوات البطيئة الأولى، بل كان فيها تردد، صراع ما يدور بداخله… رفع يده كأنه يوشك أن يلمسها، ثم أنزلها فجأة قائلًا بصوت أجش وحاد ومُهين:
أوعي تفكري إنك إتخلصتي مني،تعرفي مش عارف فيكِ إيه بيشدني،يمكن لما…..
نظراته كانت وقحة ومخيفة، زرعت الهلع فى قلبها وهي تنظر حولها ربما تجد من ينجدها من ذلك المتوحش…
شهقت زينة ببكاء كأن كلماته صفعتها… شعرت بالخوف، بالضعف أمام رجل متوحش، لا يمت للرجولة، بل ذئب وضيع.
قالت برجاء وهي تتراجع خطوة للخلف:
حرام عليك هتكسب إيه من أذيتي.
تجمد عقله عند فكره واحده فقط ، ونظر لها طويلًا بوقاحة، قبل يصبح أمامها مباشرةً يهمس بوعيد :
مكنش لازم تعرفي… إنك نقطة ضعفي… وأنا مستحيل أضعف و…
نجدة إلاهية أنقذتها… رنين هاتفها الجوال فى البداية أربكه، كذالك سماعه لصوت صهيل أحد الخيول … كذالك تلك الصرخة التى خرجت من زينة تتبعتها بكلمات إستغاثة، وما كان ذلك الصهيل سوا من الفرس الخاص به والذي صهل بسبب وقوف إحد الحشرات الطائرة فوق أنفه
تحكمت طبيعته الجبانة استدار صعد فوق الفرس يضرب بطنه بساقيه بقوة… يهرب مثل السارق.. وكبلحظات غاب بين الأشجار، تاركًا إياها واقفة ، تكاد تختنق من ذلك الرماد الذي خلفه سيقان الجواد… ترتجف البرد بسبب سيلان العرق من جسدها بغزارة.. كذالك الخوف الذي كاد قلبها يتوقف بسببه…
وقفت للحظات مكانها، تستمع لصمت الأشجار الثقيل، رغم صمت الأشجار لكن كل نسمة هواء ثقيلة تحمل معها تهديدًا خفيًا… عضت على شفتها السفلى بقوة، عيناها تتلفتان حولها بارتباك، وقلبها يقرع صدرها كطبول إنذار
تهزي:
هو مشي خلاص … لا… أنا ليه حاسة إنه لسه هنا… يمكن مستخبي… بيراقبني من ورا الشجر.
وضعت يدها على صدرها تحاول تهدئة ضرباته، لكنها لم تستطع… تقدّمت بخطوات حذرة، كأن الأرض تحت قدميها قد تنشق في أية لحظة ويعود يظهر أمامها تحاول إستعاب عقلها… فكرت فى العودة لكن مازال عقلها مذهول:
ما ينفعش أرجع دلوقتي… طب أرجع منين أصلاً أنا دخلت الطريق ده لوحدي، وهو كان ورايا… يمكن لسه ورايا…
التفتت حولها بسرعة، تنفست بعمق عندما لم ترَ أحدًا، لكنها لم تقتنع والهزيان يزداد:
نظراته دي ما كانتش طبيعية… كانت جريئة، مُريبة… ودي مش أول مرة أحس إنه بيراقبني من بعيد… بس النهاردة… النهاردة قرب أكتر من اللازم… لو جولت لأبوي…
صمتت بل شبكت يديها في بعضها فوق فمها، وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها، ليست من البرد، بل من إحساس دفين… بأنها لم تعد بمأمن بعد خروج وليد من السجن…تتمني لو كانوا أعدموه فهو يستحق ذلك.
❈-❈-❈
بالمطار
نظر طوفان نحو دُرة التي تبدلت ملامحها من شبه مُضجرة الى مُتحفزة، وهي تنظر الى تلك السيدة التى تبسمت قائلة:
طوفان مهران… وكيل النيابة.
مد يده يُصافحها ببسمة قائلًا:
للآسف وكيل النيابة سابقًا لأني قدمت إستقالتي من سنتين ونص تقريبًا.
-خسارة
قالتها تلك السيدة ثم أعقبتها بمديح له:
النيابة خسرت وكيل نيابة عنده شجاعة وضمير وقلبه مش بيخاف، مش بيهمه غير تحقيق العدالة.
تهكمت دُرة بسخط ولم تتحدث، بينما نظرت تلك السيدة الى دُرة وتبسمت حين رأت يدها بقبضة يد طوفان وتحدثت بسؤال أولًا:
الجميلة دي تبقى مراتك.
اومأ مُبتسمّ، بينما عادت تلك السيدة للحديث بمديح:
جميلة أوي ولايقين على بعض.
تنهدت دُرة بدأت تشعر بشبة إختناق من تلك التي تمدح بجمالها تارة… وتارة أخري بـشجاعة طوفان… من تكون، وللآسف طوفان نفسه لا يتذكرها..
ابتسم طوفان ابتسامة باهتة، وعيناه تشتتان النظر في وجهها كمن يحاول تذكر ملامح غابت عنه في زحام السنوات والقضايا.
عادت تنظر له قائلة:
أكيد ممكن تكون ناسي أنا مين، أنا والدة الشاب اللى كان متهم فى قضية طعن وإنت كنت بتحقق فيها.
تنهد بتروى وقد خفت ابتسامته:
قضية إيه بالضبط؟ سامحيني… الوجوه عندي كتير.
رفعت حاجبيها بنبرة أقرب للمرارة، رغم ثباتها الظاهري:
قضية طعن شاب كان إبن سياسي معروف… ابني اتهم فيها ظلم، وانتَ كنت وكيل النيابة اللي ماسك التحقيق… يمكن ناسي، بس أنا مش ممكن أنسى.
شعرت دُرة بانقباض في قلبها، نظرت نحو طوفان تنتظر منه ردًا، لكن وجهه بات جامدًا، يحمل مزيجًا من الدفاع والتحفُظ.
قال أخيرًا، بصوت خفيض لكنه واضح:
أه إفتكرت حضرتك دلوقتي… أكيد كان عندي شك وقتها إن ابنك بريء، لكن الأدلة كانت كلها ضده،بس كان فى ثغرة فى القضيه قدرت من خلالها أتحرى الحقيقه وقدمت رأيي بكل ضمير… وسبت الباقي للمحكمة اللى أيدت براءة إبن حضرتك.
هزّت رأسها ببطء، وقالت بابتسامة إمتنان تخفي نارًا قديمة:
عارفة… وعلشان كده أنا جيت أقولك شكرًا … بسببك إبني ظهرت برائته ومضاعش مستقبله فى السجن ظلم… بس يا خسارة فعلًا اللى زيك مكنش لازم يسيب النيابة… بس أكيد عندك أسباب قوية… لما شوفتك حبيت أشكرك، إبني النهاردة بقى محاسب فى شركة سياحة هنا.
سادت لحظة صمت، توترت فيها أنفاس دُرة،تشعر بغضب فى قلبها وهي تتذكر قضية والدها التى ضاع الحق بها…
بينما تحدثت تلك السيدة وهي تهمّ بالانصراف:
بجد بشكرك وهفضل دايمًا أقول إن فى أشخاص ضميرهم بيبقي السبب فى إنقاذ أبرياء، بتمنالك السعادة مع زوجتك اللى واضح إنها بتحبك، إنت تستحق كُل خير، وآسفه إن كُنت تطفلت عليكم.
تركتهم ومضت، بينما نظرت دُرة إلى طوفان، همست:
واضح إن الست دي مغشوشة فيه متعرفش إنه السبب المباشر فى ضياع حق قتل إتنين.
ظنت دُرة أنها همست لنفسها، لكن سمع طوفان همسها، غص قلبه بقوة، وأظهر فعلًا أنه لم يسمع همسها، إبتلع ريقه قائلًا بثبات:
بينادوا على طيارتنا، خلينا نروح مكان الطيارة.
بعد قليل جلس الإثنين بمقعديهما بالطائرة، كان الصمت بينهم، وضعت دُرة رأسها على زجاج شباك الطائرة المجاور لرأسها… نظرت الى السحاب وهي تمُر، ذكرتها تلك المرأة بما حدث قبل سنوات…
بالعودة
” كانت بالسابعة عشر وقتها
بكلية الحقوق بجامعة القاهرة
كان إحتفال التخرُج السنوي،وتكريم أوائل الدفعة…والذي كان من ضمنهم طوفان
طوفان الذي كان،يشعر بوخزات مؤلمة فى صدره وهو يرا معظم زملائه محاطين من ذويهم، أبائهم وأمهاتهم وأخواتهم، بينما هو كان وحيدًا
حتى شاهر صديقه،أو بالأصح كان سبب صداقتهما هو مُختار غُنيم والد دُرة…
والدته وأخيه الأكبر،والمفاجأة التى كانت سببً فى تخفيف مرارة ما يشعر به من وِحدة
بسمتها وإقترابها من شاهر الذي ضمها وهو يضع على رأسها تلك القُبعة الخاصة بالخريجين،جعلت طوفان يشعر بالغِيرة من شاهر ود خطفها من هنا والذهاب بعيدًا،تحمل ذلك غصبً حتى إقتربت منه مدت يدها تصافحه،نظر الى تلك اللمعة بعينيها كان لها بريقًا خاص بها،هي تميمة قلبه،لإندفاع إحد زميلاته دفعت دُرة نحوه أصبحت بحضنه سُرعان ما إبتعدت تشعر بخجل كذالك كادت تنحني وتأتي بتلك القُبعة التي وقعت من على رأسها،لكن هو سريعًا وضع القُبعة الخاصة به فوق رأسها وتبسم ثم إنحني وألتقط القُبعة الأخري ألقاها نحو شاهر الذي إلتقطها وإبتسم غامزًا له…
بعد وقت بمنزل والدة شاهر
كانت جلسه بسيطه بين طوفان وشاهر و دُرة ووالدة شاهر التى تحدثت بفخر وهي تنظر نحو طوفان قائلة بسؤال:
ها يا طوفان قولي،ناويت على إيه بعد ما إتخرجت بتقدير.
إبتسم لها بينما أجاب عنه شاهر قائلًا:
هيكون ناوي على إيه بعد التقدير ده،طبعًا هيشتغل فى النيابة…ده مش بعيد يلاقي جواب التعيين بكره،إبن نوح مهران بقي…إنما أناغلبان،هكمل شُغل مع المحامي اللى كنت شغال معاه أهو أخد خِبرة كويسة قبل ما أفتح مكتب مُحاماة خاص بيا.
تبسمت والدته قائلة بتقدير:
طوفان اتخرج بتقدير عالي،لكن إنت يا دوب مقبول.
ضحك شاهر وهو يضع يده على كتف دُرة قائلًا:
شايفه جدتك يا دُرة فى صف طوفان عليا، وإنت بقي يا بنت أختي ناوية لما تخلصي الثانوية العامة تدخلي كلية إيه.
-طب عيون.
قالتها بإبتسامة، بينما تسائل طوفان:
وإشمعنا طب العيون.
أجابته:
عشان تيتا دايمًا تقولي العيون مستحيل تكذب يمكن اللسان والقلب يكذبوا لكن العيون دايمًا بتفضح صاحبها.
حقًا ذلك نظرات العيون تفضح العاشق، هذا ما لاحظه شاهر على صديقه طوفان إتجاه دُرة…
بعد قليل نهضت والدة شاهر لطهي الطعام وشاهر للرد على الهاتف، ظلت دُرة التي أصبحت صبية تشعر بالخجل حين
نهض طوفان من مكانه وجلس جوارها مجرد سنتيميرات ما تبعد بينهما، حديث عفوي،حين قالت له:
أوعي فى يوم تظلم برئ يا طوفان، تيتا دايمًا تقول دعوة المظلوم مفيش بينها وبين ربنا حجاب.
أومأ لها بوعد من عينيه، لكن كان هنالك وعدًا آخر بعينيه … ومشاعر تدخل فى حيز جديد، وقرار يأخذه طوفان بمجرد أن تنتهي دُرة من دراسة الثانوية سيتقدم لخطبتها ولن ينتظر،يخشي أن يخفق قلبها لأحدًا غيره،لن يتحمل ذلك.”
عـــــــــــــودة
حين طرق طوفان على ذلك الزجاج جوار رأسها، رفعت عينيها تنظر له كان واقفً يبتسم قائلًا:
لحقتي تنعسي دي المسافة يا دوب ساعه… وصلنا القاهرة والطيارة وقفت والرُكاب بدأوا فى النزول.
نظرت له نظرة غير مفهومه ركزت نحو عيناه، هل ما أخبرتها به جدتها سابقًا أن العيون لا تكذب وتفضح صاحبها كان كذبً فبعض العيون أصبحت تُجيد المكر والخداع وهي وقعت بمكر بتلك العيون أولها عيني طوفان الذي يخفيهما الآن خلف نظارة تحجب الشمس، وآخرها عيني
“حسام” التي إحتارت في تفسير نظراته بين، وبين ولم تفهم مغزى لنظراته، عكس نظرة عين طوفان حين ينظر لها بأوقات الصفاء، ترى بهما حكاية لم تُروَ، وطمأنينة تُشبه حضن الغائب بعد غياب، ترى فيهما صدقًا أحيانًا يُربكها أكثر مما يريحها، وكأن صمتهما ينطق بما يعجز لسانه عن قوله…
تلك النظرات تُربكها وتُثير في قلبها سكونًا صاخبًا، كأنها على شفا اعتراف لم يُقال، أو وعد لم يُعقد بعد…
ومع كل رمشة من عينيه، كانت تشعر أن شيئًا ما يُزاح عن قلبه بصمت، شيئًا يخصها… يخصهما.
لكنها ادركت، أو تتظاهر بأنها أصبحت تُدرك، أن العيون وحدها لا تكفي، وأن حتى أعذب النظرات قد تُضلل إن لم يسندها الفعل…
يُقارن عقلها…
حين كانت تغض بصرها خجلاً أو حذرًا، كانت تشعر بثقله يظلّ معلقًا بها، وكأنه لم يغضّ طرفه عنها قط…
هل يحبّها حقًا… أم فقط يُجيد التمثيل
سؤال ظلت تحمله بين ضلوعها كجمرة، تخمد حينًا وتشتعل حينًا، خاصة حين يُقابلها بالصمت في اللحظة التي كانت تنتظر فيها كلمة، أو حتى ابتسامة تكسر تلك الحيرة.
لكنها لم تنسَ… أن طوفان، حين أحب، لم يقل، بل فعل… وتقدم لخطبتها باكرًا… لكن وقتها هل واجه رفض والده لذلك… أم إستسلم.
فاقت مره أخري حين توقفت تلك السيارة… وضع طوفان يده على كتف دُرة قائلًا:
وصلنا مالك من وقت ما ركبنا الطيارة حاسس إنك سرحانه.
نظرت ليده على كتفها، كانت يده اليسار، رأت ذلك الخاتم بدلًا عن خاتم الزواج، خاتم ذو طابع قديم، كان لوالده… لكن لأول مره تنتبه أن هنالك خاتم آخر أسفل ذلك الخاتم خاتم زواج… قبل أن تسأله كان ترجل من السيارة… ترجلت هي الأخرى قائلة بإستغراب:
ده بيت تيتا.
أجابها ببسمة:
أيوة طنط وحشتني هسلم عليها وأسيبك معاها للمسا هرجع أخدك نروح الفيلا بتاعتي هنا.
صمت كأنه قبول…بالفعل صعد معها لمنزل جدتها بالكاد سلم عليها وترك دُرة معها وغادر
جلست دُرة بحُضن جدتها، ضمتها قائلة:
من زمان مقعدتيش فى خضني كده من يوم…
توقفت قبل ان تقول منذ يوم وصول خبر مقتل “مختار وحسام”بعد أن كانت شبة فقدت الوعي غير مُصدقة ذلك الخبر الذي بدل حياتها جذريًا.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان بالبلدة
الخبر السيء قد ينتظر
بغرفة وجدان شعور بالقلق لا تعلم سببه قلبها اصبح مُعلق دائمًا بـ جود تُعطي تفسيرًا لذلك أنها كانت دائمًا أمامها معظم الوقت، بكنفها، ربما تشعر هكذا لوقت ويزول ذلك الشعور مع الوقت وتتعود أن جود أصبحت لها حياة خاصة بمكان بعيد عنها تنهدت وجدان، محاولة طرد ذاك الشعور الغامض الذي ظل ينهش قلبها دون تفسير واضح، وكأن قلبها يُدق على باب لا تدري ما وراءه…
تُقنع نفسها أن الأمر طبيعي، أن التعلق بجود ما هو إلا عادة تراكمت على مدار الأيام والسنين، لا أكثر…
لكن في أعماقها، كانت تعرف أن التعود على هذا الغياب ليس بهذه البساطة.
فوجئت بدخول شكرية عليها تلهث قائلة:
كويس إنك لسه صاحيه.
نظرت لها وجدان بلهفه سائلة:
مالك بتنهجي كده ليه، مش كنتِ فى حِنة بنت أختك الحِنة حصل فيها حاجه.
أجابتها شكريه بعدما إرتشفت القليل من المياة:
لاء الحمد لله الحِنة مرت بخير، أنا سمعت من واحدة تبقي جارة دار بدرية أم حاتم، إنها شافته داخل الدار على عكاز يعرج وكمان فى لازق على جبينه.
خفق قلب وجدان وإنتفضت واقفه تقول:
هيكون حصل له إيه، هلبس ونروح نشوف فى إيه.
بصعوبة أقنعتها شكرية:
الوقت بقينا بعد العشا بعشا تانية، إتصلي على جود وإعرفي.
وافقتها وجدان أنفاسها ضاقت فجأة، وكأن نبض قلبها أصبح في سباق مع الوقت.
فتحت العاتف سريعًا وضغطت على اسم “جود” دون تفكير، الهاتف يرن، وكل ثانية تمر كانت كضربة مطرقة على رأسها.
مرت لحظات بدت لها دهرًا حتى جاءها صوت جود على الطرف الآخر، هادئًا بعض الشيء، لكن متعبًا:
مساء الخير يا ماما.
بتسرُع منها تحدثت:
جارتكم كان فى الحِنه قالت إنها شافت حاتم داخل يعرج وفي لازق على جبينه، هو كويس.
ساد صمت لثوانٍ… كأن جود تُفكر ثم أخبرتها:
آه… كان فى مهمة شغل وإتصاب بس إصابة مش قوية،كام يوم وهيبقي كويس.
تفوهت وجدان بهدوء سائلة:
طب الحمد لله إديه الموبايل أسلم عليه.
توترت جود فماذا ستقول، أنه ظل ماكثًا جوار والدته التى تبكي بين الحين والآخر… تمسك به بخوف حقيقي.
تعلثمت قائلة:
حاتم أخد العلاج ونام.
تفهمت وجدان ذلك قائلة:
تمام، ربنا يشفيه هتصل الصبح يكون صحي، تصبحي على خير.
– وإنتِ من أهله يا ماما.
أغلقت الهاتف ظلت جالسه للحظات قبل أن تشهق بخضة حين سمعت حديث حاتم الذي دخل الى الغرفة وسمع نهاية حديثها مع وجدان لكن تسائل:
كنتِ بتكلمى مين؟.
تهكم من خضتها وإستطردت حديثه بسخرية:
مالك بتشهقي كده ليه شوفتي عفريت.
نهضت من فوق الفراش قائلة:
لاء منتبهتش لدخولك فكرتك هتفضل تحت مع مامتك.
كأنه شعر بسخريه من نبرة حديثها، وهذا غير صحيح لكن عقله مع حديث والدته عنها يوحي له بذلك، فتحدث بحِدة:
لاءهفضل هنا لو مكنش ده يضايقك.
نبرة صوته الغليظه مفهومة لكن إبتلعتها حين جلس على الفراش وضع تلك العصا الطبيه جانبًا، ورفع ساقه السليمه، حاول رفع الأخري لكن تألم، شفق قلبها ذهبت نحوه رفعت ساقه فوق الفراش، ليس هذا فقط، بل نزعت الحذاء من قدميه، تعجب من ذلك ونظر لها بذهول، لم يتوقع منها ذلك بعدما سمع من والدته أنها مُتكبرة، لكن تحكم سوء الظن أنها تفعل ذاك رياءً أمامه لا أكثر.
❈-❈-❈
بصباح
اليوم التالي
بـ ڤيلا بمنطقة راقية
استيقظ طوفان على صوت رنين هاتفه.
فتح عينيه بتثاقل، لكن ابتسامة هادئة ارتسمت على وجهه حين وجد دُرة بين ذراعيه، غافية كطفلة تشعر بالأمان…
لحظات ظل قريبًا منها، يستنشق من أنفاسها الهادئة، وكأن سكينتها تغسل قلبه من صخب العالم… لكن بدأت تتململ بسبب صوت الهاتف، غصبً إبتعد وجذب الهاتف، تبسم حين رأي هوية المتصل وأجلي صوته من النوم وقام بالرد:
صباح الخير يا ماما.
تخدثت معه بهدوء ثم أخبرته أن حاتم قد أصيب ولابد من عودته كي يقوم بزيارته كواجب أخوي مع زوج أخته.
تعجب قائلًا:
وإنصاب إمتي، مش المفروض أنه واخد أجازة عشان جوازه.
أجابته:
معرفش أنا وصلي خبر، ولما اتصلت على جود أكدت الخبر، خلينا نعمل الواجب ونروح نطمن عليه عشان خاطر جود.
أمتثل بهدوء قائلًا:
تمام يا ماما أنا المسا هرجع المنيا.
-توصل بالسلامه وسلم لى على دُرة.
أغلق الهاتف، سمع صوت تثاؤب دُرة نظر نحوها وتبسم بينما هي سمعت نهاية حديثه وتسألت بفضول:
إحنا هنرجع المنيا النهارده.
نظر لها بعين لامعة بالعشق وضع قُبلة على شفاها بنعومة ثم ترك شفاها حين رفعت يديها تدفعه قائلًا بإبتسامة:
صباح الخير.
خاولت التنفُس بهدوء قائلة:
بقولك هنرجع المنيا.
كاد يراوغ لكن زجرت له فابتسم وهو يجذبها له يضمها مُشاغبً، قائلًا:
أيوه هنرجع المسا، تفتحت ملامحها وكادت تدفعه عنه لكنه حاصرها بجسده الذي أصبح فوقها يضع رأسه بعنقها يدغدغ مشاعرها التى تستجيب له بعد إلقائه كلمات هيام وغرام ولمسات حنونه وهمساته تتسلل كالعطر الدافئ في عروقها، ارتعشت أنفاسها وهي تحاول أن تحافظ على تماسكها، لكن لا مفر من تأثيره ، ولا من ضعفها الذي يتسلل إليها كسحرٍ قديم تعرفه جيدًا، وتخشاه أكثر…
شعرت بقلبها يدق بعنف، وكل محاولة منها لردعه كانت تتكسر على صخرة حنانه الماكر.
إنتهت جولة الغرام، حاولت سحبت نفسها من بين ذراعيه برفق، تحاول جمع شتات أنوثتها، بينما نظراته تتبعها بشغف واضح ورضا رجلٍ انتصر دون قتال.
قالت بصوت خافت، تحاول التهرب من سطوة اللحظة:
هنرجع إمتي.
فهم أنها تتهرب من ما حدث بينهما، فضمها بقوة يأثرها بين ذراعية هامسًا:
هنرجع المسا، عندي شوية شغل صغيرين فى مقر الشركة هخلصهم على بعد الضهر وبعدها نرجع المنيا، اللى إنتِ مستعجله نرجع لها.
إرتبكت من لهجته التي تمزج بين الجد والدلال، وشعرت بسيل من المشاعر المتضاربة يتخبط بداخلها. حاولت أن تخفي توترها فخفضت عينيها،ابتسم ابتسامة صغيرة، كأنه يقرأ ما بين سطورها، ثم قال وهو يمرر أنامله على خصلات شعرها:
أنا فاهمك كويس يا دُرة.
ثم ساد صمت لطيف بينهما، أدي الى قُبلات ولمسات إنتهت بصوت رنين الهاتف،بضجر تنحي طوفان عنها،وجذب الهاتف وهو يُزيح الدثار عنه قائلًا:
هاخد شاور عالسريع وأروح الشركة
هبعتلك عربية بعد الضهر.
تسرعت قائلة:
أنا هروح عند تيتا ابعتها على هناك.
أومأ مُبتسمً
بعد وقت أمام مقر الشركة إبتسم طوفان، وهو يصعد الى تلك السيارة، لم يرا تلك التى تقف بسيارتها خلف سيارته، حتى أنه لم يسمع ندائها عليه.
❈❈-❈-❈
بعد وقت
بشقة حاتم
بعد إستقباله الفاتر لكل من طوفان و وجدان
اللذان لاحظا ذلك لكن لم يهتما بذلك فرضا أنها قد تكون طبيعة حاتم عدم التألف السريع، لكن إنتفض طوفان واقفً حين مدت جود يدها له بكوب من القهوه،قبض على يدها يتمعن النظر لها، تأكد من ذلك الإحمرار الظاهر على يدها تسأل بعنف:
إيه سبب إحمرار إيدك بالشكل ده.
آنت بألم فخفف قبضة يده عليها، ونظر لها ينتظر إجابتها لاحظ نظرتها نحو حاتم الذي نظر لها بتحفُز لإجابتها التى كانت غير مُرضية لعقل طوفان ولا وجدان:
وقع عليها ماية سخنه بدون إنتباة مني.
إجابه واهيه لكن إبتلعها طوفان مؤقتً.
❈-❈-❈
بعد وقت دلف طوفان الى غرفة النوم كانت شبه مُظلمة، ضوء خافت نظر نحو الفراش كانت دُرة غافية تبسم رغم غصة قلبه من منظر يد جود…تنهد يبدوا أن دُرة مريضة بداء النوم منذ أمس بالطائرة، حتى حين عاد مساءً لمنزل جدتها وجدها نائمة، كذالك بالطريق نعست، والآن غافية…
تنهد وهو ينزع ثيابه وضعها على آريكه بالغرفه ثم تمدد على الفراش، وضع يديه أسفل رأسه، تنهد يسحب الهواء يُفكر بيد جود، حتى لمعة عيناها شعر بإنطفائها، هل هذا لسبب أم أنها أصبحت بعيده عنه، لكن لا حتى مرحها ودلالها عليه كان مُنعدمً عكس عادتها معه…
زفر نفسه بـضيق يزم نفسه هل بسبب إستكمال زواجه من دُرة تهاون ولم ينتبة على وترك جود لمصير غير معلوم…
فكر لو كان والده مازال حيًا كان من المستحيل أن يوافق على ذلك، وذكري بعيده حين أخبر والده رغبته بالزواج فإنشرح وجهه لكن حين أخبره أن الذي يود منها هي “دُرة، إبنة مُختار غُنيم” كان الرفض منه قاطعًا حاسمً وبلا جِدال.
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية طوفان الدرة)