رواية شهادة قيد الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم دودو محمد
رواية شهادة قيد الجزء الحادي والأربعون
رواية شهادة قيد البارت الحادي والأربعون

رواية شهادة قيد الحلقة الحادية والأربعون
هز مهران رأسه باستهزاء، وتحدث بنبرة لئيمة:
“وليه أكلف نفسي بآلة زمن وغيره؟ طيب، ما أنا أقدر أجيب أدلة حية يا مراد باشا، بس مين يا ترى؟ مين يا ترى؟ آه، زين سليم الزويدي، فكره؟”
تغيرت ملامح وجه مراد بصورة ملحوظة، إذ استقام بجسده واقترب من مهران، مُشعاً بالغضب، وقال:
“انت بتلعب بالنار يا مهران، وصدقني اللي انت بتعمله ده مش في صلحك.”
ابتسم مهران بابتسامة ساخرة، وزوايا فمه تحمل تهكماً، وتحدث قائلاً:
“مالك بس يا مراد باشا، شايفك خفت ومتوتر، وده مش لايق مع شخصيتك النرجسية.”
ضغط مراد على أسنانه بقوة وهو مُشتعل غضباً، وتحدث بتحذير صارم:
“افتكر أني قولتلك بلاش تلعب بالنار يا ابن الشرنوبي.”
أنهى كلامه وخرج من مكتبه، والغضب يحرق كل كيانه في خطواته. نظر مهران إلى أثر مراد وهو يغادر، شعور الضيق يسيطر عليه، فجلس على المقعد ووضع رأسه بين يديه، يلتقط أنفاسه الغاضبة. ثم تحدث ماهر بصوت مختنق، مفعم بالدهشة:
“هو اللي أنا سمعته دلوقتي ده صح؟ طيب ازاي؟ أنا كنت أخده قدوة ليا. ازاي اتخدعت فيه بالشكل ده؟”
هجوم من مشاعر الفوضى يزحف في داخله، فشعر كأنه في كابوس:
“أنا حاسس نفسي بحلم لا حاسس أنه كابوس وهصحى منه. رد عليا يا مهران، وقولي إن كل ده كدب.”
رفع مهران رأسه للأعلى، ونظر إليه بعينين حزينتين مكسورتين، وقال بحسرة:
“للأسف يا ماهر، كل اللي سمعته ده حقيقة؛ أبوك شغال مع المافيا، وهو وعاصم اللي قتلوا أهل ذات. أنا مش عارف هيكون إيه رد فعلها لما تعرف أن أبويا هو اللي قتل أهلها. هترضى تبص في وشي ازاي؟ هترضي تكمل حياتها معايا ولا لا؟ أبوك دمرنا كلنا يا ماهر.”
جلس ماهر على المقعد الآخر وقلبه منصهر، وتحدث بأنكسار:
“يعني أنا دلوقتي ابن مجرم، أيده متلوثه بدم بني آدمين، ليه مسلمتهوش وخليته يفلت من العدالة؟”
نظر مهران إليه بتعب، مفعماً بالتوضيح:
“علشان احنا محتاجين ليه في الفترة الجاية، هو اللي هيوقع عاصم من غير ما نطلب منه ده.”
نظر ماهر له بعدم فهم، متسائلاً:
“مش فاهم، ازاي يعني هيوقع عاصم؟”
تنهد مهران بضيق، ونظر أمامه بنظرة ذات مغزى، وكان في داخله بركان من المشاعر يعتمل. قائلاً…
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
جلست مهرة بجوار ذات على السرير، احتضنتها بحنان، وملست بلطف على شعرها، ثم تحدثت بنبرة مريحة تفيض بالأمل:
“أنا مبسوطه أوي يا زوزو! أخيرًا، الدنيا رجعت تتظبط تاني معانا. كنت يأست إن كل حاجة ترجع تاني زي الأول.”
تمسكت ذات بها وتكلمت بنبرة سعيدة تتراقص فيها فرحة العودة:
“والله يا ميهو، أنا كمان مبسوطه، بس مش عارفة ليه قلبي حاسس إن الدنيا مش هتعديها بسهولة كدة. حاسة إن ورا هدوئها مصيبة.”
نظرت مهرة إليها بضيق، وكأنها تريد أن تُخفف عنها ما تشعر به، قائلة:
“تصدقي إنك عيلة فقر؟ اهدي كده وخلينا نفرح يا شيحة. طيب، قوليلي بقى، إحساسك إيه وأنتي كلها كام يوم و هتبقى أنتي وأبيه في أوضة لوحدكم، وهيحصل ما بينكم كده يعني.”
نظرت لها بصدمه، وقد ارتسمت على وجهها تعبيرات مختلطة من المفاجأة والارتباك، وقالت:
“نهارك مش فايت، إيه اللي بتقوليه ده؟”
وفي تلك اللحظة، سمعوا صوت سارة تخاطبها بصوت مليء بالمزاح:
“لااا! اتعودي، هي دي مهرة، سفيرة قلة الأدب، تموت في أي حاجة فيها قلة أدب.”
تأملتهم مهرة بتهكم، وفكرت في كيف يمكن أن تكون لحظات الإحراج هذه فرحًا وخفة تضفي على صداقتهن لمسة من البهجة:
“بلاش أنتي، ياللي لحد دلوقتي جوزك ممسكش إيدك حتى.”
اعتدلوا على السرير، وجلست بجوارها سارة، مخاطبة إياها بمزاح:
“لا، بجد، أنتي ملكيش وصف. أنا خايفة على شريف منك الصراحة.”
ردت مهرة بنغمة حالمة وكأنها تطلق عنان خيالها:
“هيييح! إمتى يجي اليوم اللي هبقى في حضن شريف حبيبي وأخليه أسعد راجل في الدنيا كلها. هعيشوا أجمل الليالي الحمرا، هخليه ميشوفش واحدة غيري.”
نظرت ذات لها بصدمة، وكأنها تعيش لحظة غريبة بعيدة تمامًا عن تصوراتها، وقالت بعدم تصديق:
“دي مهرة؟ دي ملاك الرحمة! شكلك ميقولش إنك كده خالص.”
ضحكات سارة تعالت بينهن، واستمرت حتى بتلك الطريقة الصعبة:
“لااا، دي كده مؤدبة. اصبري بس وانتي هتشوفي موهبتها.”
تكلمت مهرة إليهم بضيق مزيف، كأنها تريد أن تستعيد تركيز الحديث على ما هو أكثر جديّة:
“فيه إيه يا بنات؟ غفر! طيب، أنا وحدة بحب الفرفشة وأدلع حبيبي علشان يحبني أكتر، وميشوفش غيري. خليكم كده لحد ما يزهقوا منكم، ويروحوا يدورا على غيركم.”
نظرت سارة وذات إلى بعض، ثم انفجروا في الضحك على كلمات مهرة، وكأنهم شهدوا لحظة عبقرية من المناقشة. تكلمت ذات بصعوبة، وعلامات السعادة تملأ عينيها:
“لا، لا، أنتي مشكلة بجد. تصدقي، أخواتك شايفينك غير كده خالص.”
أومأت مهرة برأسها بتأكيد حقيقي، بينما تأملتها ذات بفضول، وقالت:
“عارفة، بس أعمل إيه يا أخونا؟ بحب شريف ودماغي بتخدني في حتة سيكو سيكو خالص.”
وفي تلك اللحظة، سمعت صوت شريف يقول:
“وأنا زيك وأكتر، ربنا يقرب البعيد ياااارب.”
ضغطت مهرة على شفتيها بخجل، ولم تنظر له، وتحدثت بصوت متلعثم وكأن قلبها يرفرف:
“ش، شريف، انت هنا من أمتة؟”
اقترب منها، وتحدث بصوت هامس يعتبر همسات العشاق:
“من ساعة، دماغك اللي بتخدك لسيكو سيكو.”
احمرت وجنتيها من شدة الخجل، وتكلمت بضيق على أمل أن تعيد الأجواء لطبيعتها:
“ش، شريف! اتلم! ده كلام بنات، ملكش دعوة بنقول إيه.”
تعالت ضحكاته على خجلها، ثم نظر إلى ذات وكأن لديه أمراً هاماً ليخبره، وقال:
“اجهزي يلا يا ذات، مهران هيعدي عليكي كمان ساعة علشان يخدك، الدكتور كتب ليكي على خروج. الحمد لله، كل حاجة بقت تمام.”
نظرت ذات له بسعادة، وتحدثت بعدم تصديق:
“أخيرًا، هخرج! أنا مش مصدقة نفسي! الحمد لله يا رب.”
ابتسم شريف لها، وكأن قلبه يتراقص بفرح مع فرحتها:
“الحمد لله على السلامة يا ذات. هتخرجي من هنا إنسانة تانية جديدة، هتتجوزي أنتي ومهران، وهتبدأوا تكونوا أسرة. وإن شاء الله، ربنا هيكرمكم بأطفال، ولازم تكونوا قدوة ليهم.”
كان حديثه مليئًا بالأمل والتفاؤل، وكأنهما في بداية مرحلة جديدة من حياتهم.
“علشان كده، لازم نبدأ برنامج التأهيل النفسي والجسدي بعد شهر العسل على طول.”
أومأت برأسها بالموافقة، ولكن ملامح التوتر كانت واضحة في عينيها، وقالت بصوت مختنق:
“إن شاء الله يا شريف، مع أني متأكدة من نفسي، إن مستحيل أرجع أخد السم ده تاني، خصوصًا بعد ما شفت الموت بعيني بسببه.”
رد عليها مؤكدًا، وكأنما يحمل ثقتها في كلماته:
“وأنا واثق من ده يا ذات، بس زيادة تأكيد، كمان فيه حاجة تانية.”
نظرت له باستغراب، وسألته:
“حاجة إيه دي؟”
نظر باتجاه الباب، وكأنما يحمل شيئًا محوريًا في حديثه، وقال:
“يزيد، ابن عمك، عايز يدخلك.”
نظرت الاتجاه الآخر، والدموع تجمعت في عينيها، وكأن الماضي يحاصرها، وقالت بصوت مختنق:
“مش عايزة أشوفه، أرجوك يا شريف.”
تنهد شريف بهدوء، وخرجت كلمات دعم مريحة متحدثاً:
“أنا عارف يا ذات، إن اللي عمله معاكي مش سهل، بس هو اتغير فعلًا، واتبرع بالكلى ليكي، علشان يعتذرلك على اللي عمله معاكي.”
زفرت بضيق، لكن هناك شيئ في صوت شريف جعلها تشعر بالتردد، وأومأت برأسها موافقة، قائلة بصوت مختنق ولكن صارم:
“ماشي، خليه يدخل.”
تحرك شريف باتجاه الباب، وهتف على يزيد حتى يأتي لهم. تحرك يزيد بتوتر، وكأن ثقل العالم على كتفيه، ودلف إلى الداخل، ونظره معلق على الأرض لكنه كان مليئًا بالإحساس بالندم. تكلم بصوت مختنق، ونبرة آسف، وقال:
“حمد الله على السلامة يا بنت عمي.”
نظرت الاتجاه الآخر، وكأنها تنتظر اللحظة المناسبة، ولم تجب عليه. رفع نظره من الأرض ونظر لها بأسف عميق، قائلاً:
“أنا آسف يا بنت عمي. عارف إن مهما اعتذرت ليكي، مش هيكفي الندالة والحقارة اللي عملتها معاكي. بس أنا اتغيرت فعلاً، وندمان على كل اللي حصل مني. وتبرعي ليكي ده حاجة بسيطة جدًا علشان أعتذر بيها. أرجوكي، اقبلي أسفي علشان خاطر عمك اللي كان بيحبك وبيحميكي لآخر لحظة في عمره.”
نظرت له، والدموع تنهمر منها بغزارة، وكأنها تحمل ثقل الأيام، وقالت:
“أقبل أسفك، طيب، أقبله على إيه ولا إيه؟ أنت عملت جميع أنواع الندالة معايا. لمساتك لحد دلوقتي على جسمي قرفاني من نفسي. فاكر لما حاولت تعتدي عليا، لما ساعد عاصم يخطفني؟ فاكر كنت بصرخ إزاي وبترجاك تبعد عني؟ أنا لحد دلوقتي مش قادرة أتخيل جالك قلب تعمل كده ازاي. يااااه يا يزيد، مافيش حسنة واحدة أقدر أسامحك عليها. يمكن الحسنة الوحيدة ليك فعلاً هو أبوك، ولو هسامحك، فأنا هعمل كده علشان خاطره، علشان يكون مرتاح في نومته. روح يا يزيد، مسمحاك بس مش عايزة أشوفك تاني مهما حصل.”
نظر يزيد إلى الموجودين، وكأن عينيه تعكسان مشاعر متباينة متراكمة من الخجل والإحراج، ثم نظر إلى شريف، وابتسم له بأمتنان، وأخيرًا نظر إلى ذات، وقال:
“أنا مش هضايقك تاني أبدًا، وفي يوم لو محتاجة مني حاجة، هكون موجود جنبك، أخوكي اللي بيحميكي. أنا اتفقت مع مهران إننا هنتقابل عند المأذون كمان ساعة، علشان أكون وكيلك، ودي أكبر حاجة مفرحاني، إن هسلم بنت عمي وأختي لجوزها. ربنا يسعدك يا رب. عن إذنك، هروح أجهز نفسي علشان الحق الميعاد.”
أنهى كلامه، وخرج من عندها، وهو يشعر بارتياح كبير، وكأن عبئًا ثقيلاً عن كاهله قد زال. ابتسم شريف لها، وقال:
“الله ينور يا ذات، جدعة إنك سامحتيه. ربنا يباركلك يا رب. هروح أنا بقى، وأنتي اجهزي.”
ثم نظر إلى مهرة وقال:
“تعالي يا مهرة، عايزك، وخلي سارة تساعد ذات.”
ابتلعت ريقها بتوتر، ونظرت إلى ذات وسارة، اللتين وجدتهما يبتسمان لها بشماته،
نهضت من على السرير، وتحركت إلى الخارج، وتابعها شريف، وعندما أغلق الباب، انفجرت سارة وذات بالضحك على توتر مهرة، وكأنما يعكسان فرحة الاستعداد لمغامرة قادمة، ثم بدأوا في تجهيز أنفسهم للخروج، ملؤهم الأمل والترقب لمستقبل جديد مليء بالفرص.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»
دخل شريف ومهرة إلى إحدى الغرف، وعندما أغلق الباب، استدار إليها، نظر لها بنظرة تفوح منها كيمياء متأججة، وقال بلؤم:
“هو انتي كنتي بتقولي دماغك بتفكر في أيه؟”
احمرت وجنتاها بخجل، وتلعثمت بقولها:
“ع ع على فكرة انت غلس ع علشان المفروض كنت خبط قبل ما تدخل علينا.”
اقترب منها بشغف و عواطف مختلطة، وتكلم بمزاح:
“مهرة وكسوف مش لايقة الصراحة.”
ابتلعت ريقها بصعوبة وبتوتر، ردت:
“ع على فكرة أنا زي أي بنت بتكسف عادي، بس مع صحباتي بكون براحتي وبتكلم عادي.”
ضغط على شفتيه السفلى، واقترب منها حتى التصق بها على الحائط، نظر في عينيها بانفعال، وقال بأنفاس متلاحقة:
“طيب ما تعتبريني صحبتك واتكلمي براحتك خالص، وقوليلي أيه في دماغك.”
تعالت أنفاسها بصعوبة ردت:
“ش شريف، أنت ف فيه أيه؟ ما كنت محترم وعامل حساب الصحوبية اللي بينك وبين أبية مهران.”
اقترب أكثر، وكأن الفضاء من حولهم صار ضيقاً جداً، وهمس بصوت يشي بالشوق:
“اللي حصل ان شقاوتك جننتني، خلتني أفقد السيطرة على نفسي كل ما أشوفك. أنتي لعنة قلبي، عذابي الحلو. مهما حاولت أسيطر على مشاعري، بنهار من نظرة عيونك، من صوتك اللي بيشعل النار جوايا. أنتي على ما تبقى مراتي حلالي، هنهار منك يا بنت الشرنوبي.”
ارتجف قلب مهرة عند سماع كلماته، وكأن كل كلمة كانت تأخذها في رحلة عبر ذكرياتهم المشتركة، من الضحكات البسيطة إلى اللحظات المليئة بالتوتر. ابتسمت له بخجل، ولفت ذراعيها حول عنقه، وتحدثت بدلال محبب لقلبه، لتحسين الأجواء:
“يعني دي حاجه حلوه ولا وحشه؟”
نظر بعينيها بعمق، وكأنهما يتواصلان دون حاجة للكلمات، ثم تحدث بصوت هامس يملؤه الشغف:
“حلوه طبعا، شبه عيونك الحلوين.”
اقتربت منه أكثر، وتحدثت بصوت خافت، يكاد يكون همسة في الهواء:
“بحبك يا شريف.”
أغلق عينيه محاولاً ضبط نفسه قبل أن يتخبط في تلك العواصف، لكن صعب مع هذه الفتاة الشقية، اقترب من شفتيها والتهمهما في قبلة سرمدية، حاول أن يعبر عن كل ما في قلبه، بينما تمسكت به بقوة. بدأت تبادله القبلات بحماس، حتى شعرا بحاجتهما للهواء. ابتعد عنها، وأستند برأسه على رأسها، محاولاً استجماع أفكاره وأحاسيسه، وتحدث بأنفاس متلاحقة من فرط الإثارة:
“حرام عليكي، بتعملي فيا أيه؟ هتجنن منك يا مهرة.”
احمرت وجنتاها من شدة الخجل، فتراجعت عنه وقالت بصعوبة، ولم تستطع إخفاء ابتسامتها:
“أنت قليل الأدب.”
أنهت جملتها وخرجت تركض من أمامه، وكاد قلبها ينفطر من الخجل. نظر شريف إلى أثرها، حيث ارتسمت ابتسامة عذبة على ثغره، يتذكر تلك اللحظات المليئة بالشغف.
««««««««««««««»»»»»»»»»»
وصل مهران إلى ذات المستشفى، حيث كانت تنبعث من عينيه أشعة الحب عندما نظر إليها، همس قائلاً:
“وحشتيني.”
ابتسمت له بلطف، مشاعرها تنعكس على وجهها، وقالت:
“وأنت كمان واحشتني أوي. انت قولتلي عندي مشوار ساعة بالكتير وهكون عندك، وبقالك أكتر من تلت ساعات بحالهم، سيبني.”
ابتسم ابتسامة جميلة، أمسك يدها وقبلها بحب، قائلاً بأسف:
“حقك على قلبي يا بنت قلبي.”
نظرت إليه بعينيها اللامعتين وسألت بتردد:
“انت كنت عند نور؟”
رفع عينيه بملل وتحدث بنفاذ صبر:
“يا بنتي، بقى شيلي نور من دماغك. قولتلك مستحيل أروح عندها وانتي مش معايا. أمشي يلا علشان هنتأخر على المأذون.”
وقفت أمامه بسرعة، وبتوتر واضح، سألت:
“هو أنا ممكن أسألك سؤال؟”
نظر إليها باستغراب وأومأ برأسه بالموافقة، فرد:
“اسألي يا ذات.”
أخذت نفساً عميقاً، وبدأت تتحدث بتوتر:
“هو احنا لما نكتب الكتاب بعد كده، هروح فين؟”
أجابها سريعاً دون تفكير:
“طبعاً عندنا في القصر لحد يوم الفرح.”
اتسعت عيناها في صدمة، وارتعش جسدها بقلق شديد، ثم نطقت بخوف:
“القصر! عند أبوك؟ لا لا لا، أبوس إيدك يا مهران، بلاش. أنا خايفة منه.”
اقترب مهران منها، وكوب وجهها بين يديه، وتحدث بنبرة هادئة:
“ذات، اهدي يا حبيبتي، متخافيش طول ما أنا جنبك. أنا مستحيل أسمح لحد يلمس شعرة منك، وكده كده بعد ما نرجع من شهر العسل، هنعيش في القصر في أوضتي.”
محدقًا في عينيها بعناية، أضاف:
“محدش ليه عندنا حاجة، صدقيني يا ذات، أنا هحميكي من الدنيا بحالها، ثقي فيا.”
حركت رأسها بهستيريا، ونطقت بدموع:
“مش هتقدر تحميني منه يا مهران. ده مهما كان أبوك، وهو هيستغل الحتة دي ويعمل فيا اللي هو عايزه. انت مشوفتش عمل فيا إيه؟ ده عذبني بأبشع الطرق، بترجاك يا مهران، بلاش القصر. نعيش في أي مكان تاني، إنشالله اوضة على السطح، أنا راضية.”
اقترب منها وأخذها في أحضانه، ضمها بقوة حتى تشعر بالأمان وتستطيع أن تهدأ، وبدأ يمرر يده على ظهرها بحنو، وقال:
“شش، اهدي يا ذات. طيب، واللي انتي عايزاه هعمله، صدقيني، والله مش هغصبك على حاجة.”
تمسكت به بقوة، وبدأت تتحدث من بين شهقاتها:
“أنا خايفة أوي يا مهران. اللي شوفته الفترة اللي فاتت بشوفه في نومي على هيئة كوابيس. أصحى من نومي كل يوم وأنا خايفة أكون في مكان تاني تحت إيد حد فيهم، خايفة يخدوني منك تاني يا مهران.”
أغلق عينيه بغضب شديد، متوعداً لكل من أرعب ذات وأوصلها لهذه الحالة المزريّة، وكأنه يستشعر الألم الذي تعاني منه، ثم تحدث بنبرة هادئة تضمن لها الأمان:
“اطمني يا عمري كله، أنا جنبك ومش هسمح لحد يقرب منك. واللي إذاكي في يوم، هجبلك حقك منه تالت ومتلت. بس أهم حاجة، خليكي واثقة فيا، وهتشوفي بعيونك هعمل إيه علشانك.”
ابتعدت عن حضنه، ونظرت إليه بابتسامة هادئة رغم حزنها، وقالت:
“أنا واثقة فيك يا مهران. أو بمعنى أصح، أنا مش بثق بحد في الدنيا دي غيرك انت وبس.”
أزال بقايا الدموع من على وجهها، وتحدث بنبرة عاشقة:
“وربنا يقدرني وأكون قد الثقة دي يا روح وعمر مهران. يلا بقى، مستعجل أوي علشان تبقى مراتي راسمي نظمي فهمي.”
ابتسمت له بخجل وأومأت برأسها بالموافقة، وتحركت أمامه إلى الخارج. نظر إليها بقلق، وتنهد بتوتر، وتمنى في داخله أن تمر الأحداث القادمة على خير، وأن يجمعه معها قريباً. عاد من تفكيره على صوتها وهي تحسه بالتحرك معها، كأن كل خطى تقترب بهما نحو مستقبل مشترك. حمل الحقائب الخاصة بها وتحركوا إلى الخارج، تابعتهم مهرة وشريف وسارة وماهر، وصعد كل اثنان بالسيارة واتجهوا إلى المأذون، حيث بدأت خطوات جديدة في حياتهم تنتظرهم.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»
تم عقد القران، وانتهت جميع الإجراءات، وأصبحت ذات زوجة مهران الشرنوبي على سنة الله ورسوله. وقف أمامها، غارقًا في سعادة غامرة، وعيناه تعكسان عشقًا لا ينتهي. تكلم بنبرة مفعمة بالحب، قائلاً: “مبروك يا عمري، اللي راح وعمري اللي جاي نورتي حياتي من تاني يا ذاتي.”
خجلت ذات، ودعكت يديها ببعض، وأجابت بتوتر:
“الله يبارك فيك.”
قاطعتهم مهرة، وهي تمزح، تسحب الجميع إلى جو من المرح والضحك:
“شوف البت عاملة نفسها مكسوفة إزاي، أمال لو مكانتش دي تاني مرة تتجوزوا فيها!”
همس شريف بجوار أذن مهرة، قائلاً بصوت منخفض:
“ما بلاش، أنتي في الكسوف يا بتاعة يا قليل الأدب.”
نظرت ذات إليها بضيق مزيف، ثم فتحت عينيها ببراءة، وقالت:
“ايوه، تاني جواز لينا، بس أول مرة مشوفتش ولا كنت حاسة وقت ما اتجوزني، إنما دلوقتي حاسة بكل حاجة، يا ظريفة.”
نظر مهران إلى مهرة بضيق، لكن في أعماقه كان يشعر بالامتنان لوجودهم حوله في هذا اليوم الخاص. ردّ عليها:
“ما تخليكي في حالك، هو لازم حشر مناخير وخلاص؟”
تكلم شريف سريعًا، قائلاً بحماس:
“ما براحه يا عم، عليها مهرة قالت تفك الجو شوية بهزارها.”
رد مهران عليه بتهكم لكنه كان يبتسم:
“شكلي كده همنع علاقتكم دي ومافيش خطوبة هتم يا حبيب صاحبك.”
تنحنح شريف وتكلم بمزاح:
“هو انتي لازم يعني تحشري نفسك، راجل ومراته أيه دخلك بس.”
تعالت ضحكات الجميع، وكأن الزمان توقف في تلك اللحظة.
نظر ماهر إلى مهران بتساؤل كشف عن فضوله:
“آيه، يلا بينا على القصر؟”
نظر مهران إلى ذات، وجدها مزعورة وكأنها تعيش لحظات من القلق والتوتر، ثم عاد بنظره إلى ماهر وقال بخفوت:
“لا، هخدها ونروح نقعد في أي فندق لحد الفرح.”
تكلم ماهر باستغراب، متسائلًا:
“يا ابني، أنت مش قولت إنك هتجيبها تعيش في القصر؟”
أنهى كلامه بنظرة ذات معنى عميق، وكأنهما كانا يتشاركهما أحلامهما وآمالهما. انتبه مهران، وفهم معناها تمامًا، وحرك رأسه بالرفض، قائلاً:
“لا، هأجلها بعد شهر العسل، نبقى نرجع على القصر.”
تكلم شريف باستغراب:
“طيب، ما تروحوا على الشقة بتاعتك.”
أجابه مهران بتوضيح، وكأن كان يحاول أن يعبر عن مشاعره:
“لا، مش حابب نروح هناك ونور موجودة. وفي نفس الوقت، مش هينفع أقولها امشي. أنا هريح دماغي من كل ده، ونروح نقعد الفترة دي في أي فندق.”
أومأ شريف برأسه بتفهم، ونظروا إلى يزيد، وجدوا يقف يشاهدهم في صمت، وكأن أفكاره تتراقص حول مشاعره المتضاربة. سأل شريف بتساؤل:
“ساكت ليه يا يزيد؟”
تنحنح بتوتر، وقال بصوت مختنق:
“مش حابب اتطفل عليكم، علشان كده ساكت. مستني بس مهران ياخد مراته ويمشي، وأطمن عليهم، وبعد كده أمشي أنا كمان.”
اقترب مهران منه، وربت على كتفه، وتكلم بشكر وامتنان:
“شكرًا يا يزيد على كل حاجة عملتها. أنت أثبت إنك فعلاً اتغيرت. ومن هنا لحد ما نرجع، أنا و ذات من شهر العسل، الشركة في أمانتك، وأنا واثق أنك هتخلي بالك منها كويس أوي.”
ابتسم له يزيد بسعادة، ومشاعر الفخر تتدفق بينهما، وتكلم بوعد خالص من قلبه:
“متقلقش على الشركة، في عينيا، وإن شاء الله لما ترجعوا، تيجوا تنوروا مكاتبكم من جديد.”
نظرت ذات لهما باستغراب، والتساؤل يعكس على وجهها:
“هي الشركة لحد دلوقتي شغالة؟”
أومأ مهران برأسه بالتأكيد، وقال:
“ايوه، طبعًا، وأحسن من الأول كمان. من اللحظة اللي عمك مات فيها، واكتشفنا ده، اتفقنا أنا ويزيد إنه هيقول لامه إنك كتبتي الشركة باسمي، وأنا من وقتها بديرها ومشغلها كأنك فيها بالظبط. كنت متأكد إنك هترجعيلي وترجعي تنوريها من تاني.”
نظرت له بدموع الفرح واحتضنته بسعادة، وتكلمت بين شهقاتها:
“أنا بحبك أوي يا مهران. أنت العوض الجميل اللي ربنا عوضني بي.”
ربّت على ظهرها بحنو، ومع كل لفّة يديه، كان يشعر بعمق تلك الوحدة التي ستكون حاضرة في حياتهما. وقال:
“وأنا بعشقك، يا أجمل ما في حياتي.”
ثم تكلم بصوت هامس، وكأنها كانت سرًا بينهما:
“خلي الحضن ده لما نكون لوحدنا، علشان يبقى معاه شوية تحابيش.”
اتسعت عينا ذات بصدمة، وابتعدت عنه سريعًا، وتنحنحت بإحراج، وكأنها انتبهت أن الحياة تصنع لحظات خاصة تعيش في القلب. ولكن ما زاد إحراجها حين سمعت مهرة تقول لها بمزاح:
“قالك إيه في ودنك؟ بحب أنا أسمع الحاجات دي أوي.”
ضغط شريف بغضب على شفتيه، وتكلم بنفاذ صبر:
“اخرسي بقى، حشريتك دي هتيجي على دماغنا أنا وإنتي.”
تعالت ضحكاتهم، وكان الجو مليء بالسعادة، وتكلمت سارة بمزاح:
“يا جماعة، مدام مهرة اتكلمت بأريحية كده، يبقى أخدت عليكم أوي، وظهر وشها الحقيقي.”
رفع ماهر حاجبيه إلى الأعلى، وسأل بتساؤل:
“ليه، هي لها وش تاني إحنا ما نعرفهوش؟”
تكلمت مهرة سريعًا، بتوتر وسرعة، وكأن الكلمات تنطلق بلا حدود:
“مبروك عليكي عريسك الخفة يا عروسة يا زينة الزفة، مبروك عليكي. يلا يا عريس، خد عروستك، هتتأخروا على… مش عارفة على إيه، بس هتتأخروا وخلاص.”
وأطلقت زغروطة، وابتسمت لهم بتوتر، مما جعل الجميع ينهالون من الضحك على حركاتها المجنونة والمليئة بالحيوية. وتوجهوا إلى الخارج، وذهب كل واحد منهم إلى بيته، بينما أخذ مهران ذات واتجهوا إلى إحدى الفنادق، حيث سيبدأ فصل جديد من حياتهما مليء بالذكريات السعيدة والتحديات الجديدة.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
وصل مهران وذات إلى إحدى الفنادق، وحجز غرفة واحدة لهما. رغم رفض ذات في البداية، إلا أن مهران أصر على البقاء سوياً في غرفة واحدة، مؤكداً أنها زوجته حالياً، ولا يوجد ما يمنع ذلك. ترددت ذات قليلاً، لكنها وافقت في النهاية على مضض، شعرت بالقلق والتوتر يعتصران قلبها. صعدوا إلى الغرفة، ولما دلفوا إلى الداخل، أغلق مهران الباب خلفهم، بينما أغلقت ذات عينيها بتوتر، كأنها تحاول إقناع نفسها بأنها تخطو خطوة جديدة في حياتها. انتفضت مكانها عندما شعرت بذراع مهران يلتف حول خصرها، فابتعدت بسرعة وتلعثمت في الكلام:
“ا ا أيه انت بتعمل أيه؟”.
ابتسم مهران ابتسامة هادئة وتحدث بتوضيح مهدئ:
“متخافيش يا ذات، مش هيحصل حاجة بينا غير بعد الفرح. أنا بس كنت هحضنك أرحب بيكي في حياتي، مش أكتر.”
شعرت ذات بارتباك متزايد وسط تلك الأجواء الحميمية، لكنها ابتلعت ريقها بتوتر وقالت:
“م م ماشي، بس أعمل حسابك إنك هتنام على الكنبة.”
نظر لها ببراءة مصطنعة وتحدث بتحدي:
“أهون عليكي يا زوزو أنام على الكنبة؟ وبعدين هيحصل إيه يعني لو نمت جنبك على السرير؟ دي مش أول مرة تحصل، ما أنا كتير أوي كنت بنام جنبك في الشقة بتاعتي.”
كانت تلك الذكريات تتراقص في ذهنها، مما جعلها تشعر بمزيد من القلق، لكنها ردت عليه بتهكم:
“قال يعني كنت بتنام بأحترامك أوي؟ في إيه يا ريس هتمثل عليا؟ ده أنا حفظك صم.”
تعالت ضحكات مهران الرجولية، فاقترب منها ونظر لها بحب، وتحدث بنبرة هادئة، وكأن الكلمات خرجت من قلبه:
“أنا صحيح هموت عليكي، ونفسي ألمسك دلوقتي قبل شويه، بس هصبر لما أعملك الفرح اللي نفسك فيه، وتتزيني. بالفستان الأبيض زي أي بنت. وقتها هعمل اللي أنا عايزه، وهعيشك ليلة عمرك كله مش هتنسيها.”
شعرت بوجع مختلط بين الخجل والتوقع، نظرت إلى الأرض بخجل وأومات برأسها بتفهم.مال بجسده وحملها من على الأرض، متجهاً نحو الغرفة. جحظت عيناها بصدمة، وألقت نظرة على مهران وقالت بتوتر:
“م م مهران، أنت بتعمل إيه؟”
قبل وجنتها بحب وقال:
“هندخل الأوضة علشان نغير هدومنا وناكل لقمة ونام.”
أخفت وجهها في صدره، فالشعور بالأمان الذي عاشته معه كان كفيلًا بتخدير مخاوفها. تحدثت بخجل:
“أنا عارفة والله، مش هخلص من وقحتك. قال يعني أنا مليش رجل أمشي عليها يعني؟”
أنزلها على الأرض بعدما دخلا الغرفة وتحدث بنبرة عاشقة، تفيض بالحب:
“أمم، ليكي بس، طول ما أنا عايش في الدنيا هعيش علشان راحتك أنتي وبس يا زوزو. ويلا بقى، ادخلي غيري هدومك بدل ما أنا أساعدك في دي كمان.”
اتسعت عيناها بصدمه، فركضت سريعاً من أمامه ودلفت إلى المرحاض، لكن الفرح كان يتدفق في عروقها مع كل خطوة. تذكرت ملابسها، ففتحت الباب مرة أخرى وكادت أن تهتف على مهران، لكنها تفاجأت بأنه يقف أمامها ويعطيها ملابسها. نظرت له بتوتر، وحركت يدها ببطء لتأخذ الملابس، ثم أغلقت الباب مرة أخرى بعد أن تبادلا نظرات مليئة بالشوق. أسندت ظهرها على الحائط وابتسمت بسعادة على هذا العاشق المجنون، الذي قلب حياتها جراء لمسة واحدة.ثم بدأت تبديل ملابسها، وبعد أن انتهت، خرجت ونظرت حولها، لم تجد مهران. خرجت بحثاً عنه بالخارج، حيث وجدته يضع الطعام على الطاولة. وعندما رأها ابتسم بحب وقال:
“تعالي يا عمري، طلبت الأكل وجه أهو.”
أومأت برأسها بتوتر، وتحركت باتجاهه وجلست على الأريكة، وجلس مهران بجوارها. بدأوا يتناولون الطعام، ومن الحين للآخر يطعمها مهران بيده، مما جعل اللحظة أشبه بسحر خاص، يحيط بهما. ظلوا على هذا الوضع حتى انتهوا، ثم اتجهوا إلى الغرفة. تمددت مهران على السرير، ونظر لها بابتسامة هادئة وقال:
“يلا يا زوزو، أحسن هموت وأنام.”
نظرت له بتوتر وابتلعت ريقها بصعوبة، وقالت:
“ها…ل ل لا، خليك أنت نايم على السرير وأنا هنام على الكنبة.”
وقبل أن تتحرك، أمسك مهران يدها وأرغمها على التمدد بجواره، ثم أخذها داخل أحضانه. همس بجوار أذنيها قائلاً:
“قولتلك متخافيش مني يا ذاتي، يلا تصبحي على خير.”
شعرت ذات بدقات قلبها تتزايد من شدة الخجل، فبالرغم من أنها كانت دائماً تظهر أنها أكثر جرأة، إلا أنها كانت مجرد ستارة تخفي خلفها خجلها وضعفها. أغلقت عينيها حتى تهرب من هذا الخجل، وظلت على هذا الوضع حتى ذهبت في النوم. ظل مهران محتفظاً بها داخل أحضانه، وكأنها كنز ثمين يخشى عليه من الضياع. مرر يديه بحب على ذراعها، وظل ينظر لها بعشق خالص، وخرجت منه تنهيدة حارة وهو يفكر في الأحداث القادمة. ضمها أكثر داخل أحضانه وكأن الأفكار المخيفة من أذيتها تشبه وحوشاً تحاوطهما في غابة، ظل على هذا الوضع حتى أغلق عينيه مستسلماً لنوم عميق.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»
في صباح اليوم التالي…
بدأت ذات تحرك رأسها ببطء لتستعد للاستيقاظ، وفجأة شعرت بأنفاس ساخنة تهب على ذراعها. أغلقت عينيها بتوتر، ومع كل قبلة يضعها مهران على ذراعها كانت دقات قلبها تتسارع بشكل غير متوقع، وكأنما كان كل نبضة تعبر عن شغف جديد يتفتح بداخلها. وبصوت متقطع، نطقت بعبارات الصباح الباكر قائلة:
“ص ص صباح الخير.”
جاء رد مهران بصوت مفعم بالحب، حيث تحدث بأنفاس متهدجة:
“صباحك بلون القهوة، شبه لون عيونك الحلوين.”
ردت عليه بتلعثم، تحاول السيطرة على خجلها الذي ارتفع كما لو كان شمس الصباح تتسلل إلى قلبها:
“ا ا انت صاحي من بدري؟”
أومأ برأسه بتأكيد وهو يقبل ذراعها مجددًا، قائلاً بحماس:
“امم… يدوب عيوني غمضت ساعة، وريحتك فؤقتني، ومن وقتها مش قادر أنام تاني؟”
بتجاعيد من نفاذ الصبر وابتسامة خفيفة، تكلمت:
“م مهران، ك كفايه، وسيبني أقوم بقى.”
لكنه ضمها أكثر داخل أحضانه، وكانت دقات قلبهما تتناغم كأنها تعزف لحن حب أبدي. وتحدث بصوت هامس لطيف كنسيم الفجر:
“كفايه إيه يا زوزو؟ إحنا أصلاً لسه مبدأناش حاجة، انتي حلوة أوي يا ذات، كل حاجة فيكي مظبوطة ومفيهاش غلطة. أنا حاسس إني بحلم والله، هو أنا كان لازم الشهامة تخدني وأقولك مش هلمسك إلا بعد الفرح؟ اديني أهو بنهار من أول ليلة، أمال اللي باقى على الفرح هعمل إيه؟”
شعرت بالخجل، وأخفت وجهها بيدها كمن تخفي أسرارها العميقة، وردت عليه بهمس، ومع كل حرف كانت تتسلل دفقات من السعادة إلى قلبها:
“مهرران.” فابتسم هو بوضوح وتحدث بنفاذ صبر، وكأن كلماته تتراقص في الهواء:
“نعم يا غلب مهران، وقهرته.”
ابتسمت ذات على كلماته، قائلة بحرارة:
“أنت مش طبيعي على فكرة.”
أومأ برأسه بتأكيد، وكان في عينيه بريق من الشغف، وأضاف بشغف:
“ما أكيد مش طبيعي، واحد نايم جنبه لهطة القشطة دي ومراته، ومش قادر يلمسها علشان وعدها إنه مش هيقرب منها إلا بعد الفرح. بذمتك كده ابقى واحد طبيعي؟ ده أنا مجنون رسمي والله.”
تعالت ضحكات ذات على كلماته، فتحدثت بصعوبة، وكأن ضحكتها تحمل زفرة من الشعور بالحرية:
“طيب، سيبني أقوم يا مجنون.”
ولكن ضمها بقوة كما لو كان يحاول حمايتها من العالم الخارجي، كاد أن يكسر عظامها، وانفجر بصراخ فيه مزيج من الفرح والارتباك:
“يااااارب قويني على اللي حاسس بي.”
ومع انتهاء كلماته، تركها بسرعة ونهض من السرير كأنه طائر يرغب في الطيران، قائلاً:
“أنا لو قعدت ثانية واحدة هنا مش هقدر أسيطر على نفسي. أنا خارج أشم شوية هوا.”
انهى كلامه وخرج من الغرفة سريعًا، تاركًا خلفه شعلات من الحب والشغف.نظرت ذات إلى أثره بصدمة، ثم ابتسمت قائلة في سرها:
“ده طلع مجنون رسمي، بس بعشقه أوي.”
وفي تلك اللحظة، أعلن هاتفها عن وجود اتصال، مما أثار فضولها. نظرت إليه باستغراب، وكان رقمًا غير معروف، غريبًا عن دنيتها الحالمة. ضغطت على زر الإجابة، وقالت:
“السلام عليكم، مين معايا؟”
أتاها صوت رجولي ينطلق بخفة وسخافة: “مبروك يا عروسة، اشبعوا شويه من بعض قبل ما الموت يفرقكم.”
اتسعت عينا ذات بصدمة، وكأنها تلقت ضربة غير متوقعة، وقالت بدهشة: “عاااصم.”
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شهادة قيد)