روايات

رواية شهادة قيد الفصل الثامن عشر 18 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الفصل الثامن عشر 18 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الجزء الثامن عشر

رواية شهادة قيد البارت الثامن عشر

شهادة قيد
شهادة قيد

رواية شهادة قيد الحلقة الثامنة عشر

بدأت مهره تحرك رأسها بألم شديد، وكأن عقلها يتعرض لضغوطات لا تُحتمل. فتحت عينيها بصعوبة، لكن الألم عصف برأسها، وكأنها تحارب موجات من الألم تتعالى في صدغها. نظرت حولها باستغراب، لتجد نفسها في غرفة مظلمة حالكة، كأنها محبوسة في كابوس لا يزول. حاولت جاهدة تذكر ما يحدث، وتعرف إلى حيث هي، وأدركت فجأة أنها وصديقتها سارة تعرضتا للخطف، مختطفات في مكان لا تعرف عنه شيئًا. تكلمت بصوت مرتعش، كمن يحاول استجماع قواه وسط الغيوم الداكنة التي تكتنف عقله:
“س س سارة، انتي هنا؟ ر ر ردي عليا وطمنيني.”
سمعت أنين خافت يأتي من الجانب الأيسر، كررت كلمتها مرتجفة، فنظرت بتوتر إلى تلك الجهة، وصرخت بعجلة متلهفة على سماع صوت صديقتها:
“سارة، انتي هنا صح؟”
بدأ صوت أنين سارة يرتفع، وكأنها تحاول محاربة قيودها التي كبّلتها بشدة، بينما كان هناك شيء على فمها يمنع صوت صراخها المتواصل، مما زاد من قلق مهره. انطلقت تنهدة عميقة من مهره، وعبّرت عن مخاوفها بصوت مختنق، وكأن الكلمات تنزلق من بين أصابعها:
“أنا خايفة أوي يا سارة. يا ترى عاصم ليه يد في كل اللي حصل لينا ده؟”
استمرت سارة في الاستغاثة بصوت مكتوم، كأن أنفاسها تتعانق مع حزنها، حتى تأكدت من مشاعر صديقتها، كما لو كانتا قد اتفقتا على البقاء معًا في بحر من الألم والخوف.
ردّت عليها بدموع تملأ عينيها:
“مين ده، وعايز مننّا إيه؟ وليه بيعمل معانا كده؟”
في تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة، وضوء ساطع أنار الغرفة بقوة، مما أجبر مهره على غلق عينيها بشدة خشيةً من الوهج الذي كسر ظلام احتياجهن. من بين خيوط الضوء، سمعت صوت ضحكات عاصم شيطانية، كأنه ينفث الشر في أجواء الغرفة. حاولت فتح عينيها بصعوبة، ونظرت إليه بحسرة، مخنوقة بالدموع التي تحرق وجنتيها:
“ا ا انت، عايز مننّا إيه؟ وليه خطفتنا؟ أنت شكلك واحد مجنون مش طبيعي.”
اقترب منها بخطوات ثقيلة، وكأن كل خطوة تحمل عبءًا من الظلام، وحرك أصابعه على شفتيها بغضب عارم، صرخ:
“لسان أمك ميغلطش، بدل ما أندمك على كلامك دلوقتي، فاااهمه.”
انتفضت بمكانها خوفاً، ونظرت له بدموع ترسم عذاباتها، وتكلمت بصعوبة وكأن الأعصاب تتقطع في حنجرتها:
“ا ا أبوس إيدك، سيبنا نمشي. احنا معملناش حاجة وحشة ليك، بترجاك يا عاصم، سيبنا نروح.”
أزال دموعها بأنامله، التي كانت تمتلك قبضة من الشر، وتقرب منها همس بجوار أذنيها كالشياطين الذين يتلاعبون بالعقول:
“لا بلاش دموع، ووفريها لكمان شوية. عشان عندي مفاجأة هتفرحك أوي بصراحة، عكس كل ما تتخيليه.”
أنهى حديثه، ثم ابتعد عنها متجهاً إلى الباب، وكأنما يعيد إليهما الخوف بعيدا عن ملامحه، وقال:
“شوية وهخدك، أفرجك على أجمل مشهد ممكن تشوفيه في حياتك، بس أتأكدي إنه مش زي الأفلام الخيالية.”
ثم خرج وأغلق الباب خلفه بحركة قوية، كأنه يتركهما في عتمة شديدة. تكلمت مهره بصوت مرتعش، وكأنها تعانق الخوف داخلها، ما زال صدا الصوت يرن في أذنيها:
“أنا خايفة أوي يا سارة. يا ترى ناوي يعمل فينا إيه؟ ه ه هيموتنا، و و ولا هيعتدي علينا؟ يا ربي بقى خلصنا من إيد المجنون ده.”
ظلت تنظر إلى الباب برعب شديد، كأن مصيرها المحتوم يتربص خلفه بانتظار اللحظة المناسبة للتحرك، كل ثانية تمر كأنها ساعة، وكل صوت يأتي من الخارج يزيد من حدة توترها.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»
في غرفة مظلمة، بدأت ذات تتحرك برأسها، وكأنها تعيد تنسيق أفكارها بعد فورة من العواطف. فتحت عينيها بصعوبة، وتذكرت اللحظات المرعبة التي مرت بها، تلك اللحظات التي كانت تعتقد أنها لن تنساها أبدًا. تساقطت الدموع على وجنتيها، متسارعة وكأنها تتسابق مع آلامها التي توغلت في أعماقها كخنجر يغرس في القلب. صرخت بصوت مرتفع:
“مهررررران.”
جاء صوت مهران المؤلم كنسيم حزين، يحمل معه عبق الأمل، إذ قال:
“اهدي يا ذات، أنا كويس ومعاكي متخافيش.”
سارعت بالتحدث، والدموع تتراقص على مقلتيها، قائلة:
“أنت كويس يا مهران؟ طمني عليك؟”
كان ردها تعبيرًا عن قلق عميق، آتٍ من أعماق روحها المرتجفة. جاءت كلمات مهران كحبل نجاة في بحر من الظلمات، بنبرة هادئة محاولاً تهدئتها:
“والله كويس يا حبيبتى، أهدي علشان خاطري، أقوي يا ذات إياكي تستسلمي لاي ضغوطات، حتى لو لاقتيهم بيموتوني قصادك، سامعه قولتلك أيه؟ أياكي تضعفي أبدًا، أنتي قوتي، وهستمد منك القوة فااااهمه.”
في تلك اللحظة، انبعث الضوء فجأة، وملأت تصفيق وضحكات عاصم أجواء الغرفة، كأصوات شيطانية تطفو على سطح الهمس المخيف. نظر له مهران بغضب شديد، ونبرته تخللتها السخرية والاحتقار:
“طول عمرك واطي وجبان، وعلشان كده بتتحامي فى شوية الخرفان اللى معاك.”
كان الغضب يتأجج في صدر مهران، كبركان على وشك الانفجار.
تحرك عاصم بخطوات ثقيلة نحو مهران، وفجأة، أمسك بشعره ودبّ الغضب في عينيه، قائلاً:
“مش عاصم الدويري، اللى يخاف من واحد شبهك، بدليل أن دي تاني جولة ليا، وكسبتك فيها، انت أضعف مخلوق على الأرض، ساذج وعبيط، وبيضحك عليك بأقل مجهود.”
عاصم، الذي كان يبتسم بلؤم، لم يكن يعي أن كبرياءه لن يقف طويلاً أمام عزم مهران الجبل الذي ولد محاربًا.
نظر له مهران بغضب شديد، وفاجأه بصق على وجهه، ثم ابتسم بسخرية وهو يقول:
“أنت لو راجل بجد، فكني وانا هعرفك مين مهران الشرنوبي، “القناص” عمره ما كان جبان وشغلي كله بأيدي مش بستني شوية خرفان يحموني.”
ضغط عاصم على أسنانه بغضب وعيناه تتقدان حقدًا، ثم قام بإزالة بقايا البصق من على وجهه. نظر إلى ذات، أقترب منها مد يده برفق على وجهها، ثم ابتسم بابتسامة شريرة وقال:
“أما أنتي بقى يا حلوة، عقابك عندي عقابين، أول عقاب علشان رفضك أن الشركه تشتغل معايا زي ما كان أبوكي وأمك وعمك بيعملوا معايا واللى انا قتلتهم بأيدي علشان فى الاخر نشفوا دماغهم معايا، وتاني عقاااب…
نظر اتجاه مهران وقال بشر:
“علشان اعرف حبيب القلب حدوده واوريه نهاية اللى بيلعب مع عاصم الدويري.”
وعندها صرخ مهران:
“ابعد ايدك الوسخه دي عنها، فكني يا كلب وانا هعرفك مقامك.”
أخرج ظرفاً يحتوي على مادة بيضاء وضعه أمام ذات، مضيفاً بشماتة:
“بس قبل أي حاجة، خدي ظبطي دماغك، أنا عارف أنك هتموتي عليه.”
كانت هذه الكلمات كالسيف المسنون، تخترق الجدران النفسية لعالمهم المظلم.
هز مهران رأسه بخوف وصرخ سريعاً:
“أوعي يا ذات لو بتحبيني بجد أوعي تسمعي كلامه.”
كان قلبه يتألم لدرجة أنه كاد يمزق أوردته، وكان الحب الذي يحمله لها يتجلى في كل كلمة.
نظرت ذات إلى يد عاصم ثم عادت تنظر إلى مهران بدموع، وهي تتحدث بصعوبة:
“أبعد يدك المقرفة دي، مش عايزه حاجه منك.”
كانت تلك الكلمات تتدفق كالصراخ من أعماق روحها، بينما كان القدر يتجه نحو منحنى مظلم.
ابتسم عاصم بابتسامة غاضبة، ثم أخرج سلاحه موجهًا إلى مهران، قائلاً:
“هتخدي الكيس ده كله دلوقتي ولا أخلص على حبيب القلب؟”
كانت نظراته مختلطة بالغضب والسخرية، كأن الموت لم يعد سوى مسرحية يلعبها.
هتف مهران بغضب شديد:
“ذات، متخافيش عليا، مش هيقدر يعملي حاجة… أوعي يا ذات تخديه، أنا لسه قايلك أنتي قوتي، لو ضعفتي، هقع.”
كان صوته يحمل في طياته تحديًا للأقدار، متمسكًا بأمل لم يكن ليؤمن به أحد.
نظر إلى عاصم وصاح بغضب:
“ابعد عنها، الزفت ده، يا حيوان! والله ما هرحمك!”
حاول فك قيوده، لكنه كان مقيدًا بسلاسل من حديد، كأنه أسير في قفص ظلمته الدامسة. تلك اللحظة كانت بمثابة اختبار لصمود حبه، واختبار للروح التي كانت تشتعل في قلبه.
في الوقت نفسه، ضحكات عاصم الشيطانية تجول في الغرفة. أمسك بشعر ذات وقال:
“أنا مبهددتش انا بنفذ على طول.”
ثم ابتعد عنها، وأطلق رصاصة على ساق مهران.
صرخ مهران بألم شديد، وتوسل:
“أقوي يا ذات علشان خاطري متضعفيش.”
بينما كانت الدموع تسيل على خديها، قالت ذات بترجي:
“أبوس أيدك كفايه حررررام عليك بقي.”
رد عاصم بغضب شديد:
“خدي الجرعة، اسمعي الكلام، الرصاصة الجاية هتكون في دماغه.”
حركت رأسها بالرفض، تكلمت بدموع:
“بترجاك سيبوا وانا هنفذلك كل اللى انت عايزه.”
صرخ مهران بغضب عنيف:
“لا، لا، لا، يا ذات، أوعي تعملي كده، حتى لو أخدي الجرعه هيموتني ده بيضحك عليكى، أسمعي الكلام ومتخديش الزفت ده.”
نظرت ذات إليه بدموع، ثم نظرت إلى الدماء المنسابة من قدمه المصابة، وكانت تلك اللحظة كالفصل الأخير في قصة حب مشبوهة. أغلقت عينيها محاولة المقاومة، كانت تأمل أن تجد قوة في العتمة.
صرخ عاصم بغضب على أحد رجاله، آمراً أن يحضر له مهرة.
اتسعت عيني مهران بصدمة:
“مهره، أختي؟! حسابك كبر معايا، يا عااااصم، يا ابن الكلب.”
اقترب منه عاصم مبتسمًا ابتسامة شيطانية، قائلاً:
“أختك مقضياها معايا أصلاً…”
ثم أخرج هاتفه وقدم الفيديو الخاص بمهرة، مما أثار الصدمة في قلب مهران.وقال بسخريه:
“شوفت اختك وهي فى حضني وعريانة.”
أغلق عينيه بغضب شديد، محاولًا الوقوف لكنه كان مقيدًا، وعاد ليقفز بغضب، متجاهلاً الألم من قدمه المصابة. صرخ مهددًا:
“فكني، يا ابن الكلب، وديني لأقتلك، هفصل راسك من على جسمك.”
وفي تلك اللحظة، أحضر الرجل مهره، وبدت ملامح الخوف والقلق معلقة على وجهها بشكل واضح، وعندما رأت مهران في هذا الوضع، لم تتمالك نفسها وصرخت بدموع: “م م مهررررران.”
كانت تلك الصرخة ملأى بالألم، وكأنها تعبر عن كل ما لم تستطع البوح به من مشاعر اليأس والذعر.
أمسكها عاصم بغضب، فتشنجت ملامح وجهه وكأن الغضب قد تسرب إلى عظامه. نظر إلى مهران بتحدٍ، ثم مزق ملابسها بوحشية. أمر أحد رجاله قائلاً:
“قزقزها قصادنا.”
وضج المكان بصمت مميت معبر عن الخوف، كأنما توقفت أنفاس الجميع للحظة واحدة منذرة بكارثة.
صرخ مهران بغضب:
“سيبها، يا ابن… سيبها، بقوووولك.”
كانت كلمات مهران مثقلة بالخيبة، وكأن قلبه ينفطر تحت وطأة عدم قدرته على حمايتها. كل صرخة كانت تبدو كصدى لعذابه، لا يدري كيف يمكنه إنقاذها في ظل هذا الظلم. كل ما استطاع رؤيته هو معاناة أخته تنتزع من بين ذراعيه.
ظلت مهره تصرخ بدموع مستنجدة بأخيها، وكأن صوتها يمكن أن يقطع الخيوط التي تقيدهم، وفي تلك الأثناء، سمعوا صوت ذات، تكلمت بدموع:
“كفاااية، سيبها، وأنا هنفذلك اللي أنت عايزه.”
أعطى إشارة لرجله ليتوقف عما يفعله، ونظر إلى ذات، قائلاً:
“خدي الجرعة كلها.”
كانت نظرتها تحمل مزيجًا من الاستسلام واليأس، وكأن الحياة قد أصبحت مجرد مباراة خاسرة في عينيها.
حرك مهران رأسه بدموع، وقال بتوسل: “بلاش، يا ذات، لو أخدتيها، يبقى خلاص، أنا وقعت.”
كانت كلماته تنغمس في جوف المعاناة، محاولًا أن ينقذها رغم عدم قدرته على إنقاذ نفسه.
نظرت له بدموع، وقالت بأسف:
“آسفة، يا مهران، لازم أعمل كده، علشان أنقذك أنت وأختك.”
كانت تتجاوز الحدود لتغطي الألم، ولكنها لم تستطع إخفاء الالتواءات في قلبها.
ثم مدّت يدها المرتعشة، وأمسكت المادة البيضاء، وضعتها على الطاولة بشكل طولي متساوي، ونظرت على مهره ومهران، مالت بجسدها قليلاً وبدأت تستنشق السم القاتل. كان هذا التصرف جريئًا ومدمرًا في آن واحد، كأنها تحمل عبء إنقاذ حياتهم على كاهلها حتى لو كلفها ذلك روحها.
صرخ مهران بغضب:
“ذااااااااات.”
كان الصراخ أشبه بصرخة مغلقة في زجاجة، لحظات حاسمة تتلاشى في غياهب النسيان.
رفعت رأسها، والمخدر الأبيض يحيط بأنفها، والدموع تتساقط منها، وعلى شفتيها خطّت كلمة واحدة: “آسفة.” عندما شعرت بالدوار وبدأ جسدها يتخدر، فقدت كل حواسها، وأصبح كل شيء حولها غامضاً، أنوار الحياة تضعف حتى تنطفئ.
ركضت مهره نحو أخيها، احتضنته بجسد مرتعش، أخفت رأسها وجسدها العاري داخل حضن مهران، وكأنها تبحث عن الأمان في قلب العاصفة، لكن الخوف كان احتلالًا مهيمنًا.
نظر مهران إلى ذات بدموع، ثم أغلق عينيه مستسلماً للظلام الذي سيطر على المكان، وكأن كل الأمل في إنقاذ حياتهم قد تحطم في لحظة، متجهين نحو مصير غير معلوم.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
عندما نظر شريف إلى ساعته، اجتاحت نوبة حادة من القلق قلبه بسبب غياب مهران. كانت دقات عقارب الساعة تتضاعف في ذهنه، وكأن كل ثانية تمضي كانت أكثر إرهاقًا من سابقتها. التقط هاتفه بسرعة، وكأن الاتصال الذي سيجريه قد يكون طوق النجاة له، وأجرى اتصالًا سريعًا، بينما كان ينتظر بقلق أن يرد عليه الطرف الآخر. كل لحظة تمر كانت كفيلة بإثراء مخاوفه، فالعالم من حوله يبدو كالساحة التي تجري فيها أحداث غير مألوفة، وكأن هناك الظل الذي يلوح فى الأفق يظلل كل شيء. عندما سمع الصوت الذي طال انتظاره، أطلق سراح كلمات متوترة من شفتين مرتعشتين قائلًا:
“ماهر، أخوك خرج من بدري هو و ذات ولحد دلوقتي مرجعش بحاول أتصل بي هو ومراته تليفوناتهم مقفولة.”
كانت هذه الكلمات تعبيرًا عن قلقه المتصاعد، وكأنما كان يحاول جاهدًا أن يعيد نفسه إلى وضع السيطرة وسط عاصفة من المشاعر المضطربة.
شعر ماهر بقلق عميق يتسلل إلى قلبه، وتحدث بصوت مختنق، كأن الكلمات تكاد تختنق في حلقه
“ربنا يستر وميكونش غيابهم ده، وراه عاصم، ما هو مش هيعدي اللى حصل ده على خير، اقفل طيب هتصل بالرجالة اللى ماشين وراه اطمن منهم.”
كان تعبيره يعكس محنته بشكل متزايد، فالعاصف الذي لا يهدأ بدا قريبًا من كل ما هو مألوف لديهم، ولأنه يعرف مدى الضغوطات التي تعرض لها مع مهران، تزايدت مشاعره المتناقضة حيال الوضع الراهن. وجوده في هذه اللحظة جعله يشعر بالعزلة، وكأنه في جزيرة نائية وسط بحر عاصف، محاط بالمخاوف والطرق المسدودة.
أنهى شريف المكالمة وهو يشعر بالقلق يتسلل إلى أعماق نفسه، حيث نظر أمامه بعيون مليئة بالأمل والتوجس، وتمتم بنوع من الصلاة:
“ربنا يستر، ويكونوا بخير قلبي مش مطمن.”
لم يستطع التغلب عليها، كأنما كانت تساؤلاته تتجول بلا هدف في عقله. بعد أن أنهى كلماته، حاول الاتصال بمهران مرة أخرى، ولكن دون جدوى. فكرة أن يكونا في خطر كانت تثير ضجيجًا داخليًا في صدره، تدفعه إلى إعادة التفكير في كل اللحظات والقرارات التي اتخذوها مؤخرًا، والخيارات التي ربما وضعتهم في هذا الموقف، مما دفعه لبلوغ ذروة القلق والإحباط.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
عندما أغلق ماهر الخط مع شريف، كان قلبه يضرب بعنف، وقبضة من القلق تشده، كأنما يواجه عاصفة من المشاعر المتضاربة. اتصل بأحد رجال أخيه ليبلغه بالتطورات المتسارعة، وبدت الثواني كالدهر. كان فكره مشغولًا بسلامة مهران وزوجته، وكيف يمكن أن تتدهور الأمور بهذه السرعة، سمع صوت الرجل المرتعش يتحدث بارتباك:
“ا ا ايوه يا ماهر باشا.”
بصوت متسارع غير مألوف، سأله:
“مهران ومراته فين دلوقتي؟”
كان يقوي الإلحاح في صوته، حيث تأرجح بين الأمل والخوف. تنحنح الرجل بقلق، ثم قال بتوتر:
“ا ا احنا بندور عليهم سعادتك. حصل هجوم عليهم، ولما حاولنا نتدخل…. هجموا علينا مجموعة وكتفونا وعلى ما عرفنا نتخلص كانوا خلصوا وخطفوهم بس حضرتك احنا مش ساكتين بنحاول نوصلهم.”
بغضبٍ شديد، صرخ به:
“أنت متخلف ازاى متبلغنيش بحاجه زى كده؟ اقفل يا غبي حسابكم معايا بعدين.”
أغلق ماهر الخط بحرقة، وكانت مشاعر الإحباط تتجمع داخله كعاصفة مدمرة، وظل يتجول في الغرفة، يبحث عن حل وسط فوضى الأفكار. ثم أجرى اتصالاً آخر، وعندما سمع صوتاً من الجهة الأخرى، قال بسرعة:
“شغل الإشارة بتاعة مهران بسرررررعة.”
بعد أن أغلق الخط، أمسك بجهاز لاسلكي، كان مثل القبض على خيط الأمل في ظلام حالك، وبدأ ينتظر الإشارة بفارغ الصبر. بعد ثوانٍ، سمع صوتاً يقول له:
“تمام يا فندم، الإشارة شغّالة.”
بصوت مفعم بالقلق، نادى:
“مهران، رد عليا، مهران يا مهران.”
سمع أنيناً خافتاً يأتي من زر صغير في ملابس مهران، علامة على محاولة للتواصل في حال حدوث أي طارئ. بقلقٍ مضطرب، قال:
“مهران، حاول تتكلم، رد عليا، قولي انتوا فين بالظبط علشان اقدر اجيب القوة وأنقذكم.”
كان صوت مهران خافتاً مثل همسة في عواصف الأيام القاسية:
“ذات ومهرة معايا يا ماهر، حاول توصل بسرعه من خلال الإشارة اللي هبعتها ليك، حدد المكان وتعالى.”
بغضب مكتوم، رد:
“ابن الكلب، بيلعب معانا بألاعيبة القذرة، ودخل اختنا ومراتك، كتير قولتلك يا مهران، أفعالك نار هتحرق الكل، انا هحاول اتابع الإشارة بسرعه وانت خليك معايا.”
وبصوت خافت لكن عازم، واصل مهران: “بسرعة يا ماهر، أنا مصاب وذات فاقدة الوعي، وأختك بتترعش وخايفه في حضني.”
أغلق ماهر الجهاز بإحباط، مظلماً بظلال الضغط المتزايد عليه، وكأن كل ضغوط العالم تتجمع فوق كاهله. ظل يتجول في المكان، يحاول جمع أفكاره المتشظية للعثور على حل في خضم الفوضى. في لحظة واحدة، أجرى اتصالاً آخر وقال:
“حدد النقطة اللي مهران فيها بسرعة، وابعتلي إشارة.”
كانت آماله متعلقة بكل صوت يأتي من تلك الخيوط الرقيقة التي تربطهم بأحبائهم.
مع إغلاق الخط، اندفع بفوضى خفية، حتى وصلته إشارة تحدد موقع مهران. ارتدى ملابسه بسرعة، كأنما الزمن يطلب منه التحرك قبل أن تضيع الفرصة، وضع أسلحته في أماكنها الصحيحة، وانطلق في سرعة نحو الأسفل. قاد سيارته كالريح، وأعطى إشارة إلى الفريق بالتجمع والتحرك وفقاً لتحركاته. وبعد فترة، تجمعوا أمام النقطة المحددة، وبدأ ماهر يعطي لهم إشارات متفق عليها. تحركوا بحذر، فتساءلوا جميعاً في صمت عن سبب عدم وجود أي اشتباكات. تسلل ماهر بحذر حتى وصل إلى إحدى الغرف، ركل الباب بقدمه وهو موجه السلاح أمامه، لكنه لم يجد أحداً سوى فتاة مكبلة. اقترب منها بسرعة، وأزاح ما كان على فمها، سائلاً بلهفة:
“مهران ومهرة وذات فين؟”
ردت بصعوبة، والخوف يملأ عينيها:
“أنا معرفش غير مهرة جه اخدها راجل من بدري ومعرفش راحوا فين.”
عاد واعتدل سريعاً بعد أن فك قيودها، قائلاً:
“خليكي هنا، اوعي تتحركي، لحد ما اشوف الباقي.”
نظرت إليه بخوف، ثم قالت:
“ا ا انت ماهر، اخو مهرة.”
أومأ برأسه مؤكداً، وقال:
“ايوه، متتحركيش من هنا، فاهمة؟”
كان نبرة صوته تعكس الأمل المعلق بأي خيط فقدوه في هذا المكان..
أنهى حديثه وخرج بسرعة، مغلقاً الباب بإحكام كي لا يتمكن أي شخص من الوصول إليها. انطلق يبحث في باقي الغرف، حتى وجد غرفة تضم مهران ومهرة وذات. اقترب بسرعة نحو أخيه وأخته، محاولاً الاطمئنان عليهم وسط الفوضى.
“مهران، أنت كويس؟”
أجاب مهران بصعوبة، وكان التعب والإرهاق يشفان عن صوتهم:
“كويس، فكني بسرعة، خليني أروح أطمن على ذات.”
فك ماهر قيود مهران وساعده على الوقوف، ثم اتجه نحو ذات الفاقدة الوعي، ربت على وجهها قائلاً:
“ذات، ردي عليا، ذات، بترجاكي، ردي عليا.”
شعر ماهر بجسد أخته المرتعش، خلع سترته ووضعها عليها، محاولاً إخفاء جسدها الظاهر في تلك اللحظات العصيبة. اقترب ماهر من مهران وذات، وانحنى ليحملها، لكن مهران صرخ بغضب:
“عندك، اياك تلمسها انا اللى هشلها.”
نظر له بنفاد صبر، قائلاً:
“ازاي وانت مش قادر توقف على رجلك؟”
مال مهران بجسده، وحمل ذات بين ذراعيه، متناسياً ألم ساقه، وقال:
“هات أختك ويلا.”
نظر ماهر حوله، سائلاً:
“فين هو؟”
ابتسم مهران بغضب شديد، وقال:
“اكيد اخد رجالته و هرب لما اتأكد انكم هتقدروا توصلوا ليا فى اي وقت، بس وديني ما هسيبه هدفعه التمن غالي أوي.”
انفجر ماهر بغضب:
“لحد هنا وكفايه، شيل ايدك يا مهران، واحنا هنعرف نشوف شغلنا معاه كويس اوي.”
نظر أمامه بتحدٍ، قائلاً:
“انتوا شوفوا شغلكم، وأنا كمان هشوف شغلي معاه.”
أنهى حديثه، بينما استمر في حركته بصعوبة، حاملاً ذات بين ذراعيه. نظر إلى أثره بنفاد صبر، ثم نقل نظره إلى أخته المرتعشة، مال بجسده وحملها، وتحرك خلف مهران. وضعها في السيارة، وتذكر الفتاة التي تركها، ثم عاد مرة أخرى إلى الداخل. فتح باب الغرفة، وأخذها معه، وصعدوا جميعاً إلى السيارة، وانطلق ماهر بهم نحو شقة مهران، كما طلب منه.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
وصل ماهر إلى أسفل البناية، حيث ترجل مهران من السيارة وهو يحمل ذات بين ذراعيه. تحرك بها إلى الأعلى، ثم حمل ماهر مهرة، وتابعهم سارة، وصعدوا جميعاً إلى الأعلى. كان الجو خانقاً وضبابياً، مليئًا بمشاعر القلق والذعر. الأضواء الباهتة في السلالم تعكس إحساس الخوف الذي يسكن قلوبهم، كأن الجدران نفسها تشعر بوطأة الموقف. وضع مهران ذات على السرير، ونظر إلى شريف بقلق عميق، وقال بصوت مختنق:
“الحقها يا شريف، اخدت جرعه كبيره من الهيروين.”
كان برودة الغرفة تجسّد برودة مشاعره في تلك اللحظة. نظر إلى مهرة بقلق شديد، ثم أعاد نظره إلى ذات، وتحدث بصوت يملؤه الحزن:
“للاسف دي المرة التالته اللى تنتكس فيها وفيه صعوبة من أنها تستجاب للعلاج المرادي وواضح جدا ان الجرعه دي مميته بالنسبه ليها.”
صرخ مهران بغضب، قائلاً:
“يعني إيه، ذات هتروح مني؟ مستحيل! اتصرف يا شريف.”
تحدث شريف بصوت مختنق، قائلاً:
“ذات لازم تدخل المصحة يا مهران، لأننا محتاجين نعمل ليها تحاليل ضرورية.”
حرك مهران رأسه بالرفض، وقال:
“مستحيل أسيبها تبعد عني وتكون لوحدها، يا شريف. ذات هتتعالج هنا، قدام عيوني، وأي تحاليل تتعمل لها هنا.”
في تلك اللحظة، أدرك مهران أنه يقف أمام لحظة حاسمة في حياته؛ إما أن يتخذ خطوة جريئة لإنقاذ زوجته أو أن يفقدها إلى الأبد. نظر شريف إلى الدماء السائلة من قدمه، وقال:
“تعالى بس الأول أعملك جرح رجلك، لأن كده مش كويس، أنت نزفت كتير.”
لكن مهران رد بغضب شديد، قائلاً:
“تولع رجلي! المهم دلوقتي هي ذات. بترجاك، أنقذها يا شريف. لو حصل ليها حاجة، أنا هموت، مش هقدر أعيش من غيرها.”
أومأ شريف برأسه بموافقة، وقال بنبرة هادئة:
“حاضر يا مهران، هعمل ما في وسعي علشان انقذها. لكن دلوقتي، اسمع الكلام، وتعالى أعملك الجرح اللي في رجلك.”
ثم نظر إلى مهرة الخائفة، التي كانت ممسكة بأخيها، وسأل:
“هو أيه وصله لمهرة؟”
نظر مهران إلى مهرة بغضب، وقال:
“أنا مش هتكلم دلوقتي عشان الحالة اللي إنتي فيها، لكن لما تهدي، عايز أفهم كل حاجه. الفيديو اللي شوفته ده حقيقي؟ وإزاي اتعرفتي عليه؟”
أمسكت مهرة بقوة في ماهر، وخبأت وجهها في صدره، وظلت تبكي بشدة. كان البكاء تدفقا من الألم والقلق، ورغبة في الهروب من واقع مرير. ربت ماهر عليها بحنان، وقال بصوت هادئ:
“اهدي يا حبيبتي، متخافيش. إنتي معانا دلوقتي، ومحدش هيقدر يقربلك.”
لم يتحمل شريف دموعها، فخرج سريعاً وأحضر حقنة مهدئة، وقال:
“لازم تاخد حقنة مهدئة، لأنها شكلها عندها انهيار عصبي.”
وبالفعل، أعطاها الحقنة، وسقطت في أحضان ماهر. حملها وتحرك بها إلى الغرفة، وضعها على السرير، ودس عليها الغطاء جيداً ثم أغلق الباب خلفه. وجد سارة تجلس بخوف شديد، فاقترب منها، وقال بنبرة هادئة:
“اهدي يا آنسة، إنتي في أمان دلوقتي. هطمن على مهران وهروحك.”
نظرت له بتوتر، وقالت بصوت مختنق: “ممكن أقول ليك حاجة؟”
أومأ برأسه بالتأكيد، وقال:
“طبعاً، قولي.”
نظرت في اتجاه الغرفة التي توجد فيها مهرة، وقالت بترجي:
“بلاش تيجوا على مهرة. احتويها، هي انضحك عليها لأنها طيبة وساذجة، بس هي لآخر لحظة كانت بتفكر فيكم وبتحاول تحافظ على شكلكم قدام الناس. هي محتاجة دلوقتي الاحتواء أكتر من أي حاجة.”
نظر إليها بابتسامة، وتحدث بنبرة هادئة:
“شكلك بتحبيها اوي. عموماً، متقلقيش عليها. مهرة مش أختي الصغيرة. لا، دي بنتي اللي بخاف عليها من الدنيا بما فيها. ومهما غلطت، بسامحها وأحاول أفهمها الصح فين.”
كانت تنظر له بإعجاب شديد، ثم انتبهت لحالها، فنظرت إلى الأرض بتوتر، وقالت:
“ط ط طيب، الحمد لله أني اطمنت عليها. م م ممكن أمشي بقى؟”
حرك رأسه بالرفض، وقال:
“ثواني، أطمن على مهران، وبعد كده أجي أوصلك لحد باب بيتك.”
أومأت برأسها بخجل، وجلست تنتظره.تحرك ماهر إلى الغرفة حيث يتواجد مهران، فوجد شريف يضمد جرح ساق مهران. جلس بجواره على الأريكة، وتحدث بنبرة هادئة:
“مهران، مش عايز تهور. شفت النتيجة كانت إيه. كل اللي حواليك اتأذوا. اهدا كده، وسيب الموضوع علينا. أنا أوعدك حقك انت ومراتك وأختنا هجيبهم من حباب عينيه.”
نظر إليه مهران بابتسامة تحمل خلفها الكثير، ولكنها كانت ابتسامة مفعمة بالألم والأمل في ذات الوقت، وقال:
“ربنا يسهل.”
حرك ماهر رأسه بنفاذ صبر، وتحدث:
“أنا عارف إنك بتخدني على قد عقلي، بس على الأقل عرفني بأي خطوة ناوي تعملها. علشان ميحصلش نفس اللي حصل ده ويحصل خساير كبيرة.”
ثم نظر إلى شريف، وقال بتساءل:
“مفعول الحقنة اللي أخدتها مهرة قد إيه؟”
أجابه شريف بصوت مختنق، قائلاً:
“لحد الصبح.”
أومأ رأسه بتفهم، وقال:
“ماشي، خليها نايمة هنا، ولو فيه أي حاجة جديدة، بلغوني على طول.”
أنهى كلامه ونظر نظرة مطولة إلى أخيه، وخرج، تاركاً إياهم. أخذ سارة وهبطوا إلى الأسفل حتى يوصلها إلى بيتها.نظر مهران إلى ذات بحزن شديد، ثم قال:
“شريف، أنا واثق فيك. بترجاك، أنقذ مراتي.”
أومأ شريف برأسه بالطاعة، وابتسم له بحزن، قائلاً:
“سيبها على ربنا، هو عنده الخير كله. وإن شاء الله، أقدر أخرجه من جسمها، وتستجيب للعلاج.”
أنهى كلامه وخرج من الغرفة، وأغلق الباب خلفه.نهض مهران بصعوبة من على الأريكة، واتجه إلى السرير حيث تمددت بجوار ذات. أخذها بين أحضانه، ضمها بقوة، وانهمرت دموعه بغزارة، مما جعل قلبه ينفطر بين مزيج من الحب والفقد، وقال بأسف:
“أنا آسف يا عمري، مقدرتش أحميكي. ضحيتي بنفسك علشان خاطرنا. ارجعيلي يا ذات، أنا مقدرش أعيش من غيرك.”
رغم الأضواء الخافتة والأصوات البعيدة، كان قلبه يشعر بكل ضجة وأنين الحياة التي تجري من حوله. ثم وضع رأسه على رأسها، وظل يبكي حتى غلبه النوم، ذاهباً إلى عالم مليء بالأماني، حيث لا وجود للألم، فقط هو وذات، معًا في سعادة أبديّة.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»»»

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شهادة قيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى