رواية شهادة قيد الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم دودو محمد
رواية شهادة قيد الجزء التاسع والعشرون
رواية شهادة قيد البارت التاسع والعشرون

رواية شهادة قيد الحلقة التاسعة والعشرون
أومأ مهران برأسه نحو ذات، محاولا تشجيعها على الحديث، وهو متوجس بكل حذر من أن ما ستقوله قد يكون من أقسى ما مرّ عليهما في حياتهما. فركت ذات يدها بتوتر، وتحدثت بصوت مختنق، كأنه يحمل أشواك الألم:
“ا… أنا… بحبك، ومستعدة أعمل أي حاجة علشانك، حتى لو هرمي نفسي في النار. إياك تزعل مني مهما حصل، وخليك عارف إنك هتفضل عايش في قلبي لآخر يوم في عمري.”
نظر مهران إليها بقلق وعدم فهم عميق، وتحدث بهدوء حذر:
“تقصدي إيه بكلامك ده يا ذات؟”
حركت رأسها بدموع جارية، وقالت بصوت يخنقه البكاء:
“مقصدش حاجة يا مهران.”
ثم استقامت بجسدها، ووضعت يديها على قلبها وقالت بنبرة مختنقة:
“أنا لازم أمشي دلوقتي. خلي بالك على نفسك يا مهران.”
قفز مهران واقفًا، وأمسك بذراع ذات بقوة، مؤكدًا شكوكه الغاضبة، وقال مخاطبًا إياها بشعور من الغضب:
“اتفق معاكي وطلب منك تبعدي عني، صح؟ سومك على حبنا؟ اتكلمي، يا ذات، اتفقتوا على إيه انتي وهو؟”
أجابت بصوت مملوء بالتوتر، متلعثمة:
“ه ه هو مين ده؟ قصدك إيه مش فاهمة.”
ضغط مهران على أسنانه بغضب، صارخًا:
“ذااااات، أنا مش عبيط ولا تلميذ، وفاهم أوي اللي بيحصل. قوليلي بابا طلب منك إيه بالظبط؟”
انهارت دموعها بغزارة، وهي تتحدث برجاء واضح:
“ارجوك، سيبني أمشي يا مهران، بترجاك.”
ضغط مهران بقوة أكبر على ذراعيها، مصممًا:
“مش هسيبك تتحركي من هنا غير لما تقوليلي كل حاجة.”
حركت رأسها بالرفض، وهي تشهق ببكاء مرير:
“وأنا مش هتكلم، يا مهران. متحاولش، أبوس أيدك، بترجاك، متصعبهاش عليا أكتر من كده.”
احتضنها مهران بقوة، متشبثًا بها كالأطفال الذين يخشون فقدان دفء حضن والدتهم. ربت على ظهرها بنبرة حانية، قائلًا:
“ذات، متسمحيش لحد يفرق ما بينا. لو بتحبيني بجد، ارفضي وخليكي واثقة فيا. وأنا أوعدك في أقرب وقت هخرج من هنا وأكون معاكي. أنا مقدرش أعيش من غيرك، أنتي أكسجين الحياة.”
تمسكت به بقوة، وهي تجهش في البكاء. ظلت على هذا الحال حتى شعرت بارتياح، ابتعدت عنه، ونظرت في عينيه، متوسلة:
“مستنياك، متتأخرش عليا.”
ثم طبعّت قبلة على خده، وغادرت المكان بسرعة، تاركةً خلفها هالة من الحيرة والقلق. صرخ مهران بقوة في أركان المكان، ثم دفع الطاولة بقدمه، وجلس على الأريكة، أنفاسه تتصاعد من شدة الغضب، مما زاد في عزيمته وإرادته فيما ينويه من خطوات مستقبلية.
«««««««««««««««»»»»›»»»»»»»»»
وصل شريف إلى الجامعة، متجهم الوجه، ينتظر خروج مهرة بفارغ الصبر. نظرت عينه إلى ساعة يده بدهشة، وقلق عاصف يتسلل إلى قلبه. لقد مر أكثر من نصف ساعة على انتهاء المحاضرة الأخيرة، وبدأت الوسواس تتسلل إلى ذهنه. هل حدث لها مكروه؟ هل تأخرت بسبب شيء غير متوقع؟ أم أنها فقط لا تعطي اهتمامًا لانتظاره؟ كانت هذه الأسئلة تدور في ذهنه كإعصار، تتضارب معها مشاعر الاحباط والغضب والقلق. أمسك هاتفه بيد مرتجفة، وأجرى اتصالاً بها، مفعماً بقليل من الأمل بمجرّد أن يسمع صوتها ليخفف من قلقه في انتظار الرد. بعد عدة ثواني، أجابته مهرة بصوت قلق، قائلة:
“شريف خير فيه حاجة؟”.
تحدث إليها بقلق، ونبرته تسللت إليها بوضوح، فتساءل:
“أنتي فين يا مهرة؟ المحاضرة خلصت من نص ساعة، وأنا مستني برة.”
كان لديه ذلك الشعور القوي بأنه كان بانتظارها لعمر كامل، أجابته بصوت متردد، مشوبة بأسف، مما زاد من همومه:
“أوه آسفه يا شريف، نسيت أتصل بيك. أخو سارة جه النهاردة وأخدها وصمم أنه يوصلني معاه في سكته. مرضتش اكسفه، وركبت معاهم، ولسه واصلة البيت دلوقتي حالًا.”
انفجر الغضب في صدره كبركان ثائر، وضغط على الهاتف بشدة ثم أغلقه دون أن يجيب، وألقى به بجواره، مركبًا سيارته بسرعة جنونية كمن يتحدى الزمن. كانت الرغبة في رؤية مهرة والحديث معها تدفعه إلى قيادة السيارة وكأنها طائرة، بعد دقائق معدودة، كان يقف أسفل المنزل، ترجل من السيارة سريعًا، وصعد الدرجات بخطوات متسارعة، كان قلقه يتزايد مع كل خطوة.طرق الباب بقوة، وهو يعلم أن تصرفاته هذه قد لا تكون أفضل طريقة للتعبير عن مشاعره، لكنه كان غاضبًا جدًا. فتحت مهرة الباب بقلق، وصوتها يرتعش:
“ف…فيه إيه يا شريف؟ بتخبط كده ليه؟ خضتني! وبعدين، إزاي تقفل السكة في وشي؟”.
كانت تلك اللحظة تحمل بين طياتها توترًا لم يكن في حسبان أي منهما.نظر إليها، وعينيه تشتعل شرراً، وضغط على أسنانه بغضب لم يستطع كبحه؛ فقد كانت مشاعره كاستغاثة محبوسة منذ زمن طويل. قال بهدوء حذر، رغم الاضطراب الذي يشعر به:
“إنتي أيه اللي خلاكي تتحركي من الجامعة؟ أنا مش قلتلك إني جاي أخدك؟”
كان يمكنه أن يشعر بقلقها، ولكن الغضب كان يحجب نظراته.ابتلعت ريقها بصعوبة، والكلمات خرجت متقطعة، كمن يحاول قهر دموعه:
“م…ما أنا قلتلك أخو سارة صمم أن أركب معاهم ويوصلني.”
صاح بها غاضبًا، وكأن العبء الذي يحمله أثقل على صدره:
“ما يولع أخو زفتة، مال أمه بيكي!؟”
كانت كلماته كالصاعقة التي تسقط في بحيرة ساكنة، مما جعلها تنتفض من شدة صراخه، وتلعثمت:
“ش… شريف، ب…بلاش أسلوبك ده، وياريت متغلطش في صاحبتي!”
أمسك ذراعها بغضب، وأطلق سبابًا لاذعًا على شقيق سارة، مما جعلها تشهق في صدمة، اتسعت عيناها بحيرة، وقالت بغضب:
“شريف، إيه اللي أنت بتقوله ده؟”
رد عليها، وعلامات الغضب تملأ وجهه:
“عايزاني أقولك إيه ها، أطبطب عليكي وأقولك براحتك يا حبيبتي؟ اعملي اللي انتي عايزاه واركبي عربيات مع الشباب عادي، ولا عايزاني أروح أشكره على العمل العظيم اللي عمله معاكي؟”
كانت هذه الكلمات كخطوط حمراء لا يجب تجاوزها بالنسبة له، فهو يشعر بأن كل عابر في حياته يمكن أن يأخذها بعيدًا عنه.نظرت له بعينيها المليئتين بالدموع، وقالت:
“لا ده ولا ده يا شريف، وأنا مركبتش عربيات مع شباب زي ما بتقول، دي عربية أخو صاحبتي وهي كانت معايا فيها. زيك، عادي لو لاقتها معايا كنت هتخليها تركب معانا وتوصلها. يعني هو عمل كده شهامة منه بما أني صاحبة أخته.”
وبعد أن أنهت كلامها، جلست على الأريكة، وظلت تبكي، كل دمعة تسقط كانت كمن يقتل جزءًا منها.زفر بضيق، وجلس بجوارها، ولانت نبرته قائلًا:
“ممكن تبطلي عياط؟”
كان يبحث عن تلك الأمور البسيطة التي تجعل لحظاتهما أكثر هدوءً.نظرت في الاتجاه الآخر، وتكلمت من بين شهقاتها:
“ممكن لو سمحت تسيبني لوحدي؟”.
أدار وجهها إليه، ونظر في عينيها بحزن، وتكلم بأسف:
“أنا آسف يا مهرة، غصب عني اتعصبت، أنا بحبك وبغير عليكي من نسمة الهوا اللي بتلمس وشك، ولما عرفت أنه اتكلم معاكي وركبتي معاه العربية، الدم فار في دماغي. عارف أني اتعصبت عليكي، وطريقة كلامي كانت صعبة شوية، بس صدقيني ماكنتش أقصد كل ده.”
أبعدت يده عن وجهها، ونظرت في الاتجاه الآخر، قائلة بصوت مختنق:
“أنت خوفتني منك يا شريف، أنا أول مرة أشوفك بالمنظر ده، ومحتاجة وقت علشان أنسى شكلك ده، وأرجع أتعامل معاك زي الأول من غير خوف.”
حرك رأسه بالرفض، واقترب منها، وأحاط خصرها بذراعيه، ونظر في عينيها همسًا:
“أنا مستحيل أسيبك تبعدي عني بعد ما صدقت أنك بقيتي ليا وبتاعتي. أنا آسف، سامحيني، وأنا أوعدك هحاول أتحكم في غضبي شوية، وأنتي كمان أوعديني أنك هتحترمي غيرتي عليكي ومش هتكلمي أي شاب، سواء في الجامعة أو برة. هكون أنا وأخواتك وأبوكي الرجالة الوحيدة اللي في حياتك يا مهرة.”
توترت من قربه إليها، وابتلعت ريقها بصعوبة، وقالت:
“ش…شريف، ابعد، مينفعش كده.”
اقترب إليها أكثر، وقال بنبرة عاشق مشتعلة:
“تعرفي أن أنا بسببك بكسر بوعدي لأخوكي، مهران. لو شم خبر بس أن اعترفتلك بحبي، هيقطع علاقتة بيا مدى الحياة، بس أعمل إيه بضعف قصاد عيونك دي، ومش بقدر أتحكم في مشاعري.”
أغلقت عينيها بتوتر شديد، وتعالت أنفاسها، وتكلمت بصوت متقطع:
“ش…شريف، انت اتجننت.”
أغلق عينيه حتى يتحكم في مشاعره ويبتعد عنها، لكن رغبته بها أقوى من أي وعود، اقترب من شفتيها، والتهمهما بشغف، لينبض في أعماق قلبها بفكرة اعتذاره وعشقه لها. حاولت أن تبعده عنها، لكنه كان متحكمًا بذراعه حولها، أمسكت به بقوة، تتأمل في مشاعرها الجياشة التي كانت تنفجر بداخلها، لكنها انتفضت على صوت ذات وهي تقول لهم بضيق:
“والله، وافرضوا لو كان مكاني دلوقتي ماهر، كنتوا هتعملوا إيه وقتها؟”.
ابتعدت مهرة عنه بخجل، ووقف شريف بتوتر، تخفت مهرة خلف ظهره بقلق شديد، محاولًا توصيل مشاعره دون حواجز.تكلم شريف بتوتر، قائلاً:
“ذات، متفهميش غلط، أنا بس كنت مزعلها وبصالحها، عارف أن غلط بس غصب عني اندفعت بمشاعري.”
اقتربت منهم، وتكلمت بضيق:
“أنا مش هلوم عليها لأنها مهما كان عيلة صغيرة ومش عارفة خطورة اللي بتعمله ده. إنما أنت يا كبير يا عاقل، دي أخت صاحبك اللي في زنقة ومحبوس، والمفروض تكون مكانه وتحمي أهل بيته. مش تدخله في غيابه وتعمل كده مع أخته، المفروض أنت كبير بما فيه الكفاية وعارف أن اللي بتعمله ده ميصحش.”
أغلق عينيه حتى يهدأ قليلاً، وتكلم بنبرة غاضبة:
“إنتي مش هتعرفيني الأصول إيه يا ذات. أنا عارف الأصول كويس أوي، وأنا طلبتها من أخواتها وموافقين بس مستنيين تخلص تعليم. أنا مش ملزم أوضحلك اللي حصل من شوية ده ليه، لأن ده حاجة تخصني أنا وهي. إنما تتهميني في صداقتي أنا ومهران، وأني بستغل غيابه علشان أعمل كده مع أهل بيته، ده اللى مش هسمحلك بي، واعتقد أنك من شوية كنتي في حضنه، ومافيش حاجة ما بينكم رسمي، فبلاش تعيشي الدور علينا علشان كلنا في الهوى سوا.”
أنهى كلامه، ونظر إلى مهرة، وتركهم، وهبط إلى الأسفل، وهو يشعر بأن كل كلمة قد خرجت كانت صراخًا من صميم ذاته.نظرت مهرة إلى ذات، وقالت بضيق:
“ليه يا ذات جرحتي شريف بالكلام؟ شريف راجل بجد، وبيعمل حساب كويس أوي لحرمة البيت. وكذا مرة رفض يدخل هنا، ومحدش موجود، بس اللي حصل النهاردة ده كان أول مرة، وغصب عننا، لأن أنا وهو كنا متخانقين. أنا متأكدة أنه هو دلوقتي بيلوم نفسه على اللي حصل ما بينا ده، بس برضه مشاعرنا مش بأيدينا. كان لسه بيقولي أنه بسببي بيخلف وعده مع صاحبه، وإنتي أكتر واحدة المفروض تحسي بمشاعرنا، لأنك عايشة نفس الحالة مع أبيه مهران.”
ردت عليها بضيق، قائلة:
“علشان أنت مسؤوليتي لحد ما أخوكي يرجع من حبسته، سابك أمانة معايا ولازم أحافظ عليها. أنا خايفة عليكي، بعز شريف، بس انتي عندي أهم. يمكن أه أنا ومهران ساعات بنتخطى الحدود، بس يمكن علشان اتقفل علينا باب واحد فترة كبيرة، وكان جوزي، ومشاعرنا في اللحظات اللي عشناها مع بعض الوقت ده، بنحس بيها لما بنكون جنب بعض، وده سبب أننا أوقات بيحصل ما بينا تجاوز، وده غلط، على فكرة، مقولتش أنه صح. إنما انتوا لسه مشاعركم سطحية، مشاعر شهوانية أكتر، وده طبيعي لأنكم في فترة تعارف، بس المفروض هو بحكم سنه وصداقته بمهران، يحترم ده، ويحط حدود لحد ما تبقي مراته من نصيبه، ويتقفل عليكم باب واحد. ومش ندمانة على اللي قولته، وهفضل محافظة عليكي لحد ما أخوكي يخرج، وبعد كده انتوا حرين مع بعض.”
أنهت كلامها، واتجهت إلى غرفتها، أغلقت الباب خلفها بقوة، وارتمت على السرير، وضعت يدها على وجهها، وظلت تبكي حتى تقطعت أنفاسها، وتكلمت من بين شهقاتها:
“أعمل إيه بس يا ربي دبرها من عندك، مش عارفة ألاحقها منين، بس ولا منين. تعبت، والله العظيم، تعبت.”
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
فتح شريف الباب بغضب شديد، مما جعل صرير المفصلات يتردد في أرجاء الغرفة. دلف إلى الداخل ثم دفع الباب بقوة، مغلقًا إياه خلفه. ظل يدور حول نفسه كعاصفة من الغضب، يلوم حاله على ما فعله. كان يدرك في أعماقه أن ذات لديها الحق فيما قالته، وأنه ضعيف أمام شهواته. لكن يعلم الله كم جاهد نفسه حتى لا ينجرف خلف مشاعره. جلس على الأريكة، ووضع يده على شعره، حيث انهمرت دموعه بأسف شديد. تكلم من بين شهقاته:
“أنا آسف يا صاحبي، أنا واحد خاين وضعيف، مستحقش صداقتنا دي. آسف.”
تعالت شهقاته كطفل صغير، وصرخات اعتذاره تملأ الغرفة التي بدت كأنها تضيق حوله. فكر في الأوقات التي قضاها مع مهران، الضحكات التي شاركوها، ولحظات الفرح التي أضأت حياتهم. ظل يبكي حتى هدأ قليلاً، وكانت الدموع تتساقط كأنها جداول من الألم والأسف. بعد أن استعاد أنفاسه، بدأ ينظر أمامه بهدوء تام، كمن يستكشف أعماق قلبه الممزق. كان قلبه مثقلاً بعبء القرارات التي كان عليه اتخاذها، ورغم قسوتها، بدا له أنها كانت الخيار الوحيد الممكن. إلا أنه حسم أمره، عازماً على الحفاظ على صداقته مع مهران، على الرغم من الكلفة العاطفية التي سيعانيها. تنهد بحزن، كأن ثقل العالم قد استقر على كاهله، ونهض من على مقعده، متجهاً إلى غرفته. غير ملابسه المتجعدة، وتولى نفسه إلى الفراش، بينما أعلن هاتفه عن وجود اتصال. نظر إليه بتردد، فعثر على اسم مهرة الذي كان ينير الشاشة في تلك اللحظة، لكن مشاعره المتناقضة أدت به إلى قرار مفاجئ. أغلق هاتفه نهائيًا ولم يجيب عليها، حيث أحس أن الحديث معها سيكون كإشعال نار جديدة في قلبه المكسور. أغمض عينيه محاولًا الهروب من ألم قلبه، وترك لارتماء الهموم في عالم الأحلام، حتى غرق في نوم عميق، يدعو الله أن يخمد آلامه، وأن يهديه إلى الطريق الصحيح.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
في صباح يوم جديد ومشرق، استيقظت سارة من نومها العميق على صوت رنين هاتفها الخاص، وكان الصوت الذي جاء منه عزيزتها مهرة، التي تبدو دائمًا أكثر حيوية في الصباح. ابتسمت سارة بابتسامة هادئة، تُحاكي شعاع الشمس الذي يتسلل من النافذة، وأجابت بتثاؤب يرافقه صوت ناعم، قائلة:
“يا صباح الإزعاج، أيه واحشتك بسرعة كده ولا أيه.”
توالت شهقات مهرة من خلال الهاتف، وتحدثت بصعوبة وكأن الكلام يشتبك في حلقها،
“شريف قفل تليفونه ومش عايز يكلمني يا سارة.”
جلست سارة في فزع، وكأن موجة من القلق اجتاحت ساحتها الهادئة، وتحدثت بلهجة حريصة،
“اهدي بس يا مهرة، وفهميني فيه أيه.”
فبدأت مهرة بالكلام بصعوبة، وسردت لها الأحداث المؤلمة التي مرّت بها بالأمس كأنها تحكي قصة درامية مؤلمة، ثم أضافت بحزن عميق:
“أنا عارفة أنه هيعمل كده خصوصا بعد كلام ذات ليه، هيأنب نفسه على اللي عمله. بس اللي حصل ده غصب عننا، مشاعرنا في الوقت ده اندفعت، ومكناش بنعمل كده بكامل إرادتنا. بس هو مش كده، والله، شريف وافي لصداقته لأبيه مهران جدًا، وعمره ما دخل الشقة طول ما محدش من أخواتي فيها. أنا خايفة يبعد عني ويسيبني، مقابل أنه يحافظ على صداقته مع أبيه.”
تحدثت سارة باعتذار، وبصوت مختنق كترف الأنسام في ليلة باردة،
“أنا آسفة يا مهرة لو مكنتش أنا وأخويا غصبنا عليكي تركبي معانا ونوصلك بالعربية، مكانش كل ده حصل. انتي كنتي رافضة تركبي معانا ومستنية شريف، أنا اللي غبية.”
ردت مهرة بصوت مختنق، بين شهقات التعثر في الكلمات:
“يا سارة، اللي حصل حصل خلاص. مش وقت الكلام ده، قوليلي أعمل أيه علشان شريف يسامحني، وميبعدش عني.”
تنهدت سارة، كأنها تحمل عبء العالم على كتفيها، وتحدثت بصوت مختنق،
“متعمليش أي حاجة يا مهرة، خليه ياخد وقته، ويفكر بهدوء. لأنه هو هيفضل حاسس بالذنب وبيأنب نفسه على اللي حصل بينكم. وكمان الظروف اللي إنتوا فيها حاليا متسمحش بالكلام في حاجه زي دي دلوقتي. اصبري، أبيه مهران يخرج من الحبس على خير، وبعد كده ابقي اتكلمي معاه، وتبقوا خدوا وقتكم تعيدوا حساباتكم.”
زفرت مهرة بضيق، وذكرت بدموع في عينيها، وكأن كل دمعة منها تحمل ثقل الأيام،
“صعبة عليا والله، مش هقدر أستحمل فكرة بعده عني.”
ردت سارة عليها بهدوء، كمن يحاول تهدئة عاصفة، قائلة:
“معلش يا حبيبتي، استحملي وربنا يعدي الفترة دي على خير.”
تحدثت مهرة بنبرة مختنقة،
“ماشي.”ثم سألت سارة،
“جايه الجامعة النهاردة ولا لا؟”
زفرت مهرة بضيق وقالت بعدم معرفة:
“مش عارفة يا سارة، لو هو مش هيوديني الجامعة يبقى مش هروح لوحدي.”
أجابتها سارة بتفهم، وهذا من طبيعتها:
“ماشي يا حبيبتي، قومي يلا اغسلي وشك واهدي كده، وسبيها على ربنا.”
ثم أغلقت الخط معها، وشعرت بخفقان في قلبها على تلك المسكينة. هي تعلم مدى عشق مهرة لشريف، ومدى طيشها، وأنها تفعل أشياء مجنونة في أغلب الأوقات. لكن قلبها أبيض، وتفعل الأشياء بعفوية. نظرت إلى الهاتف، وشعرت باحتياجها للحديث مع ماهر، وكأن قلبها يطلب منه بعض الأمان. أمسكت الهاتف بتردد، وكأن كل ضغطة على الشاشة تتطلب شجاعة كبيرة، وضغطت على الشاشة لتقوم بالاتصال. عندما سمعت صوت رنين الهاتف، شعرت وكأن قلبها سيتوقف من شدة الخجل، كما لو كانت أول مرة تعبر عن مشاعرها. وفي هذه الأثناء، سمعت صوته الرجولي يقول لها:
“صباح الخير يا سارة، أيه المفاجأة الحلوة دي؟”
ابتلعت ريقها بصعوبة، وتحدثت بتلعثم:
“ها…ا ا أصل متصلتش بيا إمبارح، ق ق قلقت عليك. قولت اتصل بيك أنا.”
تحدث بصوت مختنق، كأنه يعبّر عن أحمال همومه:
“كنت محتاج المكالمة دي أوي يا سارة، جات في وقتها فعلا. ربنا يخليكي ليا، وميحرمنيش من وجودكم في حياتي، يارب.”
ردت عليه بخجل، كأن الكلمات تتلعثم في فمها:
“ش ش شكراً، ط ط طمني عليك، عامل أيه.”
تنهد بحزن وتحدث بصوت مختنق، وكأن الكلمات تخرج كالأوراق المتساقطة:
“حاسس أني متكتف يا سارة. أخويا مقبوض عليه، ومش قادر أعمله حاجة. نظرت اللوم اللي بشوفها في عيونه ليا بتموتني. أنا مش عارف أعمل أيه، أنا حتى ماما لحد دلوقتي مقلتش ليها الخبر.”
تحدثت بنبرة هادئة، كما لو كانت تعبر عن أمل وسط الظلام:
“معلش يا ماهر، هو اختبار صعب شوية من ربنا، بس إن شاء الله هتعدي على خير. من رأيي تعرف طنط وتوصلها ليها بهدوء أحسن ما تعرف من بره وتتصدم. وانت لازم تهدا، طول ما أنت متوتر كده، دماغك هتوقف، مش هتعرف توصل للحقيقة بدل ما تفكر بسلبية كده. الأحسن تفكر في الأسباب، وابدأ اشتغل على القضية. أنا واثقة أنك قدها، وهتحلها وتخرج أبيه مهران قريب أوي.”
تراقص قلبه بعشقها، ابتسم بهدوء، وكأن الكلمات تأخذ صدى جديد في قلبه،
“إنتي رزق كبير أوي من ربنا ليا، بحبك أوي يا سارة، ووجودك في حياتي فارق جداً فيها.”
تنحنحت بتوتر، وكأنها تحاول السيطرة على مشاعرها،
“أ أنا لازم أقفل دلوقتي علشان أجهز للجامعة، باي.”
أغلقت الخط معه، وشعرت أن دقات قلبها سوف تخترق صدرها من شدة حبها له. تنهدت بسعادة، ودعت:
“يارب اجمعني بي على خير، يااااارب.”
ثم نهضت واتجهت إلى المرحاض لتستعد لذهابها إلى الجامعة، عازمة على أن تكون أكثر قوة وإيجابية، رغم كل ما يحدث من حولها.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
بدأت ذات تحرك رأسها ببطئ شديد، شعرت ببرودة تسري بجسدها وكأنها تنسج خيوطًا من العزلة والسكون حولها. فتحت عينيها بتردد، ونظرت إلى الأعلى، كانت تأمل بشدة أن كل ما عاشته مجرد كابوس، ربما من تأليف مخيلتها المثقلة بالهموم،. دمعه فرت من عينيها، لكنها مسحتها سريعًا بالتأكيد على قرارها الصارم، وحركت رأسها بالرفض، متحدية نفسها بعبارات من القوة الداخلية، وقالت:
“مش وقت دموع يا ذات، انتي لازم تقوي مهران، فعلاً يستحق منك كده، كان الإيد العون وقت ضياعك. حان الوقت اللي أرد ليه جزء صغير من الجميل ده، حتى لو الجزء ده هيكون حياتي. وأنا عارفة إن اللي داخلين عليه محتاج قوة إضافية علشان أكمل للآخر.”
أنهت كلامها، واستقامت بجسدها، وحسمت الأمر في عقلها. اتجهت إلى المرحاض، نزعت ملابسها ووقفت تحت الماء، كما لو كانت تعيد ترتيب أفكارها. أغلقت عينيها بعمق، وانسابت المياه على جسدها لتزيل آثار الماضي، وكأنها تحاول غسل الذكريات المؤلمة. ارتسمت ابتسامة على ثغرها عندم شغلت مخيلتها بصورة مهران وهو يتحدث إليها بكلمات دفء، لحظات سعيدة مرت في خيالها، صاحبتها دمعه دقيقة هربت منها لتندمج مع المياة، وكأنها تخلق سينفونيا على أوتار قلبها الممزق.أغلقت المياه بعد قليل، وارتدت البورنس الخاص بالاستحمام، وخرجت من المرحاض. وقفت تمشط شعرها، ومع كل قطرة مياه تتناثر من خصلات شعرها، كانت تتبعها دمعه من عينيها وهي تستذكر مغازلة مهران لها في تلك الأوقات الحالمة.بدأت ترتدي ملابسها من جديد، وفي وقت مناسب، أدت فرضها بتركيز، كما لو كانت تعيد إشعال روحها من جديد. خرجت من غرفتها، متوجهة نحو غرفة مهرة. طرقت الباب، ثم فتحته لتجدها تجلس على السرير، والدموع تجري على وجهها. تنهدت بضيق، وتحركت إلى الداخل لتجلس بجوارها، محتضناها. وتكلمت بتساؤل:
“ممكن أفهم أنتي بتعيطي ليه دلوقتي؟”
نظرت لها مهرة بحزن، ثم تكلمت بصوت مختنق وهي تبذل جهدًا كبيرًا لتتماسك:
“علشان شريف من امبارح قافل تليفونه ومش عايز يكلمني.”
أغلقت عينها لفترة قصيرة حتى تهدأ، ثم تحدثت بتوضيح:
“هو ملهوش حق أن يزعل منك على فكرة. المفروض العكس، بس طبعًا، علشان انتي عبيطة ومندفعة بمشاعرك، عايزة تجري عليه وتتأسفي لية، وهو ما هيصدق يعيش دور المظلوم ويزيد فيها. ومش هتقدري تقوليله لا على حاجة بعد كده. أبقي شيلي شيلتك بعد كده، علشان كل مرة هتتخانقوا فيها هيستنى منك انك انتي اللي تصالحي وتتأسفي، حتى لو هو الغلطان. مش معنى كلامي ده بقولك أن شريف وحش ولا عايزه اولعها ما بينكم، بس الرجالة كلها طبع واحد لما يلاقوا الواحدة تحايل وتتأسف على الفاضي والمليان في النهاية بيسوقوا فيها. وفي كل مرة هيستنوا أسفك حتى من غير ما تغلطي. خليكي قوية عندك شخصية، متبقيش مرمية عليه طول الوقت، وخلّيكي غالية عليه جدًا لدرجة إنه يتعب على ما يوصلك، أنتي أختي الصغيرة يا مهرة، وعايزه مصلحتك صدقيني.”
تكلمت مهرة من بين شهقاتها، وفرت لبضع ثوان محاولة استيعاب الموقف:
“بس انا بحبه يا ذات، ومقدرش أعيش من غيره لو سابني.”
ابتسمت ذات بتهكم، وهي تحاول أن تجعل مهرة تدرك حقيقة الموقف:
“وهو بيحبك أوي كمان. هو هيموت لو سابك، بس خلي خطوة الجري عليه هو مش عليكي أنتي، خلية يتعب أوي على ما يصالحك، علشان بعد كدة يفكر مليون مرة قبل ما يزعلك. وخلي بالك، هيديكي دلوقتي الوش الخشب والتجاهل، ولا تبيني ليه إنك زعلانه ولا مقهورة خالص. اتعاملي عادي جدًا وبطبيعتك. لازم تخليه يستغرب ويقلق إنك ممكن تروحي من بين أيديه. ولو عمل شوية عليكي وقالك انسي اللي ما بينا، هعتبرك أختي الصغيرة وأخت صاحبي، قوليله مافيش مشكله يا أبيه. كده أحسن برضه، صدقيني. وقتها هيتجنن وهيخاف إنك فعلاً تروحي من أيديه.”
نظرت له بتوتر، وظهر عليها القلق، وسألت بتساءل:
“طيب افرضي نفذ كلامه وبعد عني بجد؟”
تكلمت ذات بنفاذ صبر متزايد:
“يااااختي اطلع من هدومي منك. ما قولتلك بيحبك وبيموت فيكي، بس سي السيد عنده في أعلى مستوياته. ولازم ننزله بسقف طموحه، ونعرفه إنك مش أمينة. لو فعلاً سابك، يبقى هو مكانش بيحبك بجد، وكان عايز البنت الشقيه اللي كل حاجة متاحة عندها. ووقتها تبقى انتي الكسبانة، لأن الحب من طرف واحد هيكون صعب جدًا عليكي. يلا، قومي اغسلي وشك وتعالي نفطر، قبل ما أروح الشركه. ولو كده، أجّهزي أوصلك الجامعة على سكتي.”
نظرت لها بتوتر، ثم قالت:
“ا ا أنا مش هقدر أروح الجامعة إلا لما هو يوصلني.”
حركت رأسها بنفاذ صبر، نهضت من مقعدها وقالت:
“تصدقي، بأيه حلال فيكي اللي بيعمله معاكي ده، انتي حره بقى. أنا نصحتك، وانتي وراحتك، يلا، هروح احضر الفطار.”
أنهت كلامها، وخرجت من الغرفة. نظرت مهرة إلى أثرها بتوتر، وفكرت فيما قالته لها. أخذت نفسًا عميقًا، وتحدثت بعزيمة وإرادة:
“استني عليا يا سي شريف، لو مكنتش علمتك الأدب علشان تعرف تقفل تليفونك كويس أوي.”
ثم لانت نبرتها، وقالت بتوتر:
“ب ب بس ربنا يستر وميبعدش عني بجد.”
أنهت كلامها، واستقامت بجسدها، وبدأت تحضر نفسها للذهاب إلى الجامعة. بعد عدة دقائق، كانوا الإثنان يجلسون حول مائدة الطعام. كانت ذات تنظر لها بابتسامة، وتحدثت بتساءل:
“ها قررتي هتيجي أوصلك، ولا هتستني سي شريف؟”
نظرت لها بتوتر، وأجابت:
“ل ل لا، هنزل معاكي.”
تعالت ضحكات ذات، وتحدثت بصعوبة:
“أحبك يا شرس انت، أيوه كده معندناش بنات تكون ضعيفة ومرمية على رجالة.”
ابتسمت مهرة على كلماتها، ثم قالت:
“الله يكون في عون أبيه مهران منك.”
نظرت لها ذات بفخر، وقالت:
“والله يا بنتي أنا لا فاهمة أخوكي ولا عارفه هو إيه. أوقات بحسه متكبر وعصبي، وأوقات بحسه طيب أوي وهادي ورومانسي. وأوقات بحس إنه نرجسي شوية، وأوقات بحس إنه طفل صغير، وأوقات بحسه شاب طايش وقليل الأدب، وأوقات بحسه جد أوووي ومش بيضحك لرغيف السخن. وأهو، أديني ماشيه بتعامل مع كل شخصية شوية، بس متخافيش على أختك بعرف برضه أجننه وأخلية يفقد السيطرة.”
تعالت ضحكاتهم، وفي ذلك الوقت سمعوا صوت جرس الباب. نظرت مهرة بقلق إلى ذات. نهضت ذات وفتحت الباب، وجدت شريف يقف بوجه متجهّم، وتحدث بنبرة جادة:
“صباح الخير، لو مهرة جاهزة خليها تيجي.”
ذوت بين حاجبيها بملل، وتكلمت بمزاح:
“ده على أساس أن أنا كده هخلي البت تنزل معاك بشكلك ده.”
زفر بضيق، وتكلم بنبرة غاضبة:
“ذاااات، نادي عليها، خليني أوصلها، وأخلص ورايا حاجات مهمة.”
عقدت ذراعيها على صدرها وقالت بتحدي:
“روح شوف اللي وراك وملكش دعوة بمهرة، أنا هوصلها على سكتي.”
ضغط شريف على أسنانه بغضب، وتكلم بنفاذ صبر:
“قولتلك خليها تيجي يا ذات، أخوها هو اللي طلب مني كده، أوصلها الجامعة وأجيبها منها.”
رفعت عينيها بعدم تصديق، وقالت:
“أداءك أوڤر أوي يا شريف، عموماً البت هتنزل معاك، اياك تقرب منها ولا تزعلها، فاااهم.”
تكلم شريف بضيق، وقال بتهكم:
“تصدقي إنك رذلة، شبه ما جمع إلا ما وفق.”
ابتسمت على كلماته، وهتفت لمهرة قائلة:
“يلا يا مهرة، صاحب أخوكي مهران هيوصلك زي ما هو طلب منه.”
ضغط شريف على أسنانه بغضب، وقال:
“شبر ونص بس، دماغك شغالة، ربنا يكفينا شرك.”
تعالت ضحكات ذات، وأتت مهرة بتوتر، ونظرت له بعتاب. لكنه أبعد عينه عنها، ونظر في الاتجاه الآخر، وتكلم بنبرة جادة:
“اتفضلي يلا انزلي.”
تجمعت الدموع في عيني مهرة، لكنها رأت ذات تقترب من أذنيها، وقالت همسًا: “اجمدي ومتنسيش اللى قولتلك عليه، علشان طلع كلامي اللي قولته كله صح.”
أومأت رأسها بالموافقة، وتحركت من أمامه، وهبطت إلى الأسفل. كانت ستصعد بالسيارة على المقعد الأمامي، لكنه تكلم سريعًا وقال:
“لا اركبي وراه.”
دفعت الباب بغضب، وصعدت بالمقعد الخلفي، وجلست بوجه متجهم، كأن كل أحلامها قد تبددت في لحظة.صعد شريف إلى السيارة أمام المقود، وأدار السيارة متجهًا نحو الجامعة. وظل الصمت سائد بينهما حتى تكلم بأمر متجهم:
“هاجي في ميعاد خروجك، هخدك، إياكي تتحركي من هنا، فاهمة.”
تكلمت مهرة بضيق، متسألة:
“ممكن أفهم أنت بتتعامل معايا كده ليه؟”
أوقف السيارة بطريقة مفاجئة، وتحدث بصوت مختنق:
“مهرة، أنا عايزك تنسي أي حاجة اتقالت ما بينا أو حصلت. لأن علاقتنا من الأساس كانت غلط. أول حاجه فرق السن ما بينا كبير جدًا، ومش هينفع نكون مع بعض، وبعدين أنا مقدرش أخسر صاحب عمري علشان علاقة زي دي. أنا هعتبرك أختي الصغيرة، وياريت انتي كمان تعتبريني أخوكي زي مهران.”
غصب عنها هربت دمعه من عينيها، لكنها أزالتها بيدها سريعًا، وتذكرت كلام ذات لها. تكلمت بنبرة قوية بعض الشيء:
“أوك يا أبيه، مافيش مشكله. أنا برضه رأي من رأيك.”
اتسعت عين شريف بصدمه عندما قالت له “أبية”، ونظر إلى انعكاسها في المرآة، وقال بعدم تصديق: “أبية!؟”
أومأت مهرة رأسها بالتأكيد، وقالت:
“أيوه أبيه، مش أنت دلوقتي في مقام أخويا، وأنا بقول لأخويا يا أبيه مهران، وانت صاحبه، علشان كده هقولك زي ما بقوله.”
ضغط على أسنانه بغضب، وقال:
“تمام، اللى يريحك.”
وحرك السيارة بسرعة جنونية، متجهاً إلى الجامعة، وكأن الطريق يسير بسرعة أكبر من مشاعره. شعرت بلهفة الانتصار وهي ترى غضبه منها، واستطاعت كيده كما قالت لها ذات، وكأنها احترمت حدودها في تلك اللحظة، لكنها أيضاً شعرت بمرارة بعد تلك الكلمات القاسية منه، وكأنه مزق قلبها إلى أشلاء، كجسد يهمس للروح أن الحب ليس هيناً لكنه يصبح عبئاً رهيباً أحياناً.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
اجتمع أصدقاء ماهر في المكتب الخاص به، حيث انتشرت أجواء القلق بينهم وهم يتابعون ما يحدث بقلق شديد. جاء مراد مندفعاً، دافعاً الموجودين من أمامه، حتى وصل أخيرًا إلى الأريكة حيث كان الطبيب يفحص مهران. كان مراد يتابع الحالة بقلق عميق، وقد تسارعت دقات قلبه مع كل لحظة تمر. أحس بأن الزمن توقف، وكأن العالم من حوله ضاع في ضباب الحيرة. تحدث مراد بصوت مرتعش، مملوء بالقلق:
“طمني يا دكتور، مهران ماله؟”
أجاب الطبيب بمهنية واضحة، موضحًا أسباب إغماء مهران:
“الواضح كده إنه أكل أو شرب حاجة مسممة. مادة السم دي شديدة، ودقات القلب ضعيفة جداً. لازم يتنقل حالاً المستشفى.”
شهق جميع الأصدقاء في نفس الوقت، كما لو أنهم شعروا باللسعة المفاجئة للخطر الذي يهدد صديقهم.رد ماهر، وقد اجتاحت دموعه وجهه:
“انقله، مستني إيه، لسه هتسأل؟”
عندما نظر مراد له بغضب، متحدثًا بتحذير:
“حسك عينك تنطق طول ما أنا واقف، فاهم؟”
التوتر في صوته استدعى الانتباه، وكأن كل ما يجري حولهم قد تحوّل إلى مشهد درامي غير متوقع.نظر إلى الأرض بأسف وقال:
“أسف يا بابا.”
كانت كلماته تمتزج بالحسرة، وكأن الندم ترافقه في كل لحظة تأخير.التفت مراد إلى الطبيب، متحدثًا بتساؤل عميق:
“مينفعش يتعالج وهو هنا في المكتب؟”
كان صوته مليئًا باليأس، وكأن أي خيار آخر غير نقل مهران إلى المستشفى كان مستحيلًا في عقله. حرك الطبيب رأسه رافضًا، قائلاً:
“لا طبعًا، مينفعش. لازم نعمل تحاليل الأول ونعرف نوع السم إيه، وبعد كده نقوم معاه بالإجراءات اللازمة.”
كانت كلماته صائبة، لكنها كرّست الخوف الذي كان قد تجذر في قلوبهم جميعًا.لكن الطبيب توقف عن الكلام فجأة عندما شعر بنبضات مهران اختفت. وضع يده على عنقه دون استجابة، فتسعت عينا الطبيب، وسقطت يد مهران بجواره. كانت تلك اللحظة بمثابة الصاعقة التي أضربت بين أصدقائه، حيث أدركوا أن كل محاولاتهم لإنقاذه قد تواجه فشلاً ذريعًا. نظر الطبيب إلى مراد بأسف عميق، وكأن كلمات التعزية لم تعد كافية، وبدأ الكابوس يتشكل في عالمهم الآمن. كانت الأذهان مشغولة برؤى الحياة بدون مهران، وهو الشخص الذي لطالما كان مصدر ضحكاتهم وأفراحهم، فكيف يمكن للقدر أن يكون قاسياً إلى هذه الدرجة؟
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شهادة قيد)