رواية شهادة قيد الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم دودو محمد
رواية شهادة قيد الجزء التاسع والثلاثون
رواية شهادة قيد البارت التاسع والثلاثون

رواية شهادة قيد الحلقة التاسعة والثلاثون
جلس مهران على المقعد المجاور لسرير ذات، وظل يتابعها بحزن شديد، حيث شعر بحركة رأسها البطيئة التي كانت تعكس معاناتها العميقة. حبه لها كان أكبر من كل شيء، لكنه شعر بالعجز أمام الألم الذي يحيط بها كالعاصفة، فنهض سريعًا وجلس بجوارها، حرك يده بلطف على شعرها الناعم، في محاولة لتقديم بعض الراحة، متحدثًا بقلق:
“ذات، ردي عليا، سمعاني؟”
تألمت بشدة وحركت رأسها ببطء شديد، قائلة بدموع:
“أنا تعبانه أوي يا مهران.”
كانت كلماتها تحمل ثقل معاناتها وكأنها تحملت آلام الحياة كلها على عاتقها. ظل يحرك يده على شعرها ويداعب خصلاته برفق، متحدثًا بنبرة هادئة رغم الحزن الواضح فيها:
“معلش يا حبيبتي، استحملي شوية. أنتي قوية وهتعدي الصعب وترجعي ليا أحسن من الأول.”
لكن مشاعر القلق كانت تتزايد في قلبه، فهو كان يدرك تمامًا أنها في خضم معركة صعبة، ومع كل الدمعة التي تسيل، كان يشعر بأن روحه تتكسر قليلاً. انهالت دموعها بغزارة، وتكلمت بألم:
“أشمعنا أنا اللي بيحصل ليها كل ده؟ عارفة أني غلطت كتير وكنت بعصي ربنا، بس والله مع أول فرصة للتغيير اتغيرت، أول ما مديت أيدك ليا وسحبتني رحبت بده، وبعد عن السكه دي.”
تملكتها نوبة من البكاء، مضيفة:
“أنا تعبانه أوي، وخايفة أموت.”
حاول مهران التماسك، مبتسمًا بحنو، رغم أن قلبه كان يتألم على حالها، وقال:
“وليه متقوليش إن ربنا بيغسل ذنوبك علشان تبدأي صفحة بيضة جديدة؟ مريتي بكل ده علشان تدفعي ضريبة التوبة. أنتي شايفة أن اللي أنتي فيه ده شر، بس هو العكس، ده خير من عند ربنا بيرحب بيكي بس بطريقته. ربنا مافيش أحن منه على عبيده.”
صرخت بألم، وقالت بدموع:
“يارب ارحمني برحمتك، خفف عني الألم اللي حاسه بي، يارب أنا طمعانه في كرمك، أنا عبدك الضعيف، ألطف عليا بكرمك.”
وفي تلك الأثناء، انفتح الباب ودخلت مديحة، والدة مهران، مبتسمة بفرح عميق للأجواء المتوترة. ابتسم بسعادة ونهض سريعًا، محتضنًا إياها بحب، قائلاً:
“ماما! أنتي عرفتي أن أحنا هنا إزاي؟”
ردت عليه بنبرة هادئة:
“من أخوك ماهر لما سألته عليك.”
ثم ابتعدت عن مهران، ونظرت إلى ذات، فتوجهت نحوها وجلست بجوارها، واحتضنتها بحب قوي، كأنها تحاول أن تشاركها ذلك الألم. قائلة:
“واحشتيني أوي يا بنتي، ألف سلامة عليكي يا حبيبتي.”
تمسكت ذات بها بقوة، وانهمرت دموعها بغزارة، وقالت بألم:
“تعبانة أوي يا ماما، أبوس إيدك، ادعيلي ربنا يخفف عني، يمكن ربنا يستجيب منك.”
قبلت رأسها بحب، قائلة:
“بدعيلك يا حبيبتي والله، وأنتي متييأسيش من رحمة الله، ادعي واستغفري كتير، وربنا هيستجيب منك أكيد.”
تكلمت من بين شهقاتها، قائلة:
“بدعي والله العظيم وبستغفر طول ما أنا قاعدة، بس الألم صعب أوي، مش قادرة أستحمله.”
ابتسمت لها ابتسامة هادئة، وتحدثت بنبرة حنونة:
“بنتي قوية وهتستحمل، وتخف بسرعة علشان أعملك أنتي ومهران أجمل فرح، وتجيبوا ليا الحفيد اللي نفسي فيه.”
نظرت لها بأمل، قائلة بتمني:
“نفسي أوي يا ماما، نفسي أخف وأرجع ذات بتاعت الأول، ونتجوز أنا ومهران، ونجيب عيال كتير شبهنا. بس أنا خايفة، خايفة أموت ومحققش كل اللي نفسي فيه، وأتحرم من مهران.”
أغلق مهران عينيه ليمنع عبراته من الهطول، وأخذ نفسًا عميقًا وأخرجه بهدوء ليستعيد قوته مرة أخرى، مشاعر متناقضة تتصارع في صدره، بين الأمل والخوف. حركت مديحة رأسها بالرفض، قائلة:
“الدنيا دي دنيا أمل وتفاؤل، اتفائلي بالخير وهتلاقيه إن شاء الله.”
ولكن تماسك ذات بدأ يتلاشى، فتمسكت بها بقوة من شدة الألم، وصرخت:
“يااارب، تعبانه والله، مش قادرة.”
أنهت كلامها وأغلقت عينيها، فاقدة الوعي من شدة الألم، كأنها سقطت في غياهب مظلمة. ركض مهران إلى الخارج، قلبه ينبض بسرعة، وأحضر الطبيب، الذي بدأ بفحص ذات، مشددًا في خطابه، حيث أكد لهم أنها دخلت في نوبة إغماء نتيجة الألم الشديد، وما يعرف بغيبوبة كلوية، ووجوب الإسراع في إجراء زرع الكلى لإنقاذ حياتها، مما زاد من حدة القلق في قلوبهم وأحلامهم المشتركة التي تضمها الأيام القادمة.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
ظلت نور تنظر إلى باب غرفة ذات بتوتر، تتابع ما يحدث بعينيها الواسعتين كأفراس النهر التي تنتظر في المياه الراكدة. كان قلقها يتسلل إلى قلبها كخنجر حاد، يترك جروحًا عميقة في روحها المهزومة، حتى لاحظ يزيد هذا واقترب منها، متسائلاً بصوت يحمل في طياته لمسة من الرهبة وكأنه يحاول أن يخفف عن كاهلها:
“مدام نور، أنتي كويسة؟”
استجمعت نور شجاعتها، ولكن الكلمات خرجت منها بتلعثم وكأنها تمشي على زجاج مكسور، تخاف من أي حركة قد تؤذي مشاعرها أكثر:
“ها، أيوه، كويسة بس قلقانة شوية على ذات.”
نظر يزيد إلى باب الغرفة، حيث كانت الظلال تتراقص بشكل مقلق في ضوء المصباح الخافت، حزنه يتسلل إلى صوته المختنق وكأنه يشتكي معاناته، وهو يقول:
“أنا السبب في كل اللي بيحصل ليها ده. لو مكنتش سلمت ذات لعاصم، مكنتش هترجع تاخد السم ده وكانت اتعالجت وبقت كويسة. ذات ضحية مجتمع فاسد، وأنا كنت أولهم. عاصم كان هو الرجل الوحيد القادر على انه يخلينا نحس بالعجز ونفقد الثقة في نفسنا.”
أومأت نور برأسها، مخنوقة بالعواطف، وتحدثت بصوت يشبه همس الرياح الهزيلة:
“أحنا كلنا ضحاياه لعاصم الدويري، منه لله.”
انتهى حديثها، وهي تحرك يدها بحزن على قدميها، وكأنها تحاول احتضان الألم الذي يملأ قلبها، وكأن هذه الحركات تمنحها بعض السكون النفسي. نظر يزيد إلى قدميها بتساؤل:
“هو عاصم كان ليه يد في اللي حصلك ده؟”
أومأت برأسها، والدموع تتلألأ في عينيها كالكواكب التي تنعكس على سطح الماء، وقالت بصوت مكسور يكسوه الألم:
“أيوه، هو السبب.”
تنفس يزيد بعمق، وزفر بحسرة وهو يعتذر بأسف يكشف عن ثقل ذكرياته:
“أنا آسف لو فتحت ليكي جروح الماضي.”
لكن نور حركت رأسها بالرفض، معبرةً عن قناعتها بأن تلك الجراح لم تُغلق أبداً:
“جراح الماضي متقفلتش أصلاً يا أستاذ يزيد، لأنها سايبة ندبة عمرها ما هتلم أبداً. أثرها هيفضل يفكرني بعبطي وساذجتي إن صدقت شيطان زي ده.”
نظر يزيد إليها نظرة مطولة، حيث اجتمع فيها تأملات عميقة ومشاعر متضاربة. كان يتأمل في المعاناة التي سببتها التجارب المؤلمة لكل منهما، معترفًا بندم عميق:
“مش لوحدك، عاصم عرف يستغل ساذجة كل واحد فينا. هو عارف أزاي يقلب الأمور لصالحه، ويوقعنا تحت تأثيره بشكل ماكر.”
التفت قليلاً بعيدًا، وكأن الذكريات الأليمة كانت تتلاعب فيه، تاركة آثارًا لا تُمحى.
“يوقع بس تحت ايدي، وانا هدفعه التمن غالي اوي.”
أنهى كلامه، تاركًا إياها بين ذكرياتها القاسية، بينما جلس على الأرض، مستشعرًا الثقل الذي يئن فوق صدره، حيث كان ألم فراق والده ينهش قلبه كطاعون لا يرحم، يكشف له مدى الضعف البشري في نظرته لهذه الحياة.
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»
مر يومين بألم شديد على ذات وألم أشد على مهران. ظلوا جميعًا بجوارهم، يقدمون لهم الدعم في أصعب أوقاتهم. إنها المحن التي تبرز الفرق بين الحبيب المخلص والعدو المتلصص، وتكشف أيضًا عن معاني الإنسانية والتضحية الحقيقية. اقترب شريف من مهران وتحدث بصوت هامس:
“نتايج التحاليل كلها طلعت وأكتر حد متوافق معاها يزيد ابن عمها.”
تجدد الأمل في قلب مهران بعد أن أطفأته أسابيع الانتظار؛ تحدث بسعادة وعدم تصديق:
“بجد يا شريف، يعني أخيرًا ذات هتعمل العملية وترجع لينا أحسن من الأول.”
كان صوته يحمل بين طياته شوقًا عميقًا وقلقًا متزايدًا، حيث تأمل في الأيام التي قضاها بعيدًا عن ابتسامة ذات. ربت شريف على كتفه وتحدث بنبرة هادئة:
“إن شاء الله يا صاحبي، يلا تعالى معايا علشان نبلغ يزيد بتوافق التحاليل بتاعته مع ذات.”
أومأ مهران برأسه بالموافقة وتحرك مع شريف نحو يزيد. عند وصولهم، ربت شريف على كتف يزيد وقال:
“يزيد، أنت اللي هتتبرع لذات بكليتك.”
انتشرت الابتسامة على وجه يزيد، وكأن جبالًا من على كاهله قد زالت، وتحدث:
“الحمد لله كده بقى ضميري هيرتاح، وزي ما أذيتها، هساعدها ترجع تاني للحياة حتى لو أنا هموت.”
كانت كلماته تشع بالأمل والإصرار، مما أضفى جوًا من الإيجابية على المكان.رد شريف بنبرة مطمئنة:
“متخافش يا يزيد، مش معني إنك هتنقص كلي هتموت. بالعكس، هتكون طبيعي خالص ومش هيأثر على أي حاجة عندك، لأن ما شاء الله الاتنين كويسين وزي الفل.”
تحدث شريف وكأنه يوجه رسالة لكل الحاضرين، أن الحياة تستمر وأن الأمل لا ينقطع. ابتسم يزيد وتحدث بتوضيح:
“على فكرة، أنا مش قلقان ولا خايف، بالعكس أنا مطمن جدًا وفرحان إن هساعد ذا… ”
تنحنح بتوتر ونظر إلى مهران، ثم استدرك:
“أقصد أني هساعد بنت عمي، وهكون سبب لرجوعها تاني للحياة بعد ما ظلمتها كتير وأذيتها.”
كانت كلماته تجسد شعورًا عميقًا بالندم والرغبة في تصحيح الماضي. نظر مهران لشريف وتساءل:
“كده هنعمل العملية أمتى يا شريف؟”
أجاب شريف بمهنية:
“مش أنا اللي هحدد ده يا مهران، الدكتور اللي متابع معاكم هو اللي هيحدد بعد ما يظبط كل حاجة عند الطرفين، علشان ميحصلش أي مضاعفات ليهم أثناء العملية.”
كانت لهجته تدل على الثقة والمهنية، مما ساهم في تقليل توتر الجميع. أومأ مهران برأسه بتفهم وقال بتمني:
“ماشي، بس يارب يكون في أسرع وقت. أنا ذات واحشتني أوي يا شريف، ونفسي أشوف ضحكتها على وشها زي زمان.”
كان صوته يحمل صدى الحب الذي يكنه لذات، وهي الأغلى في حياته. رد شريف بنبرة مطمئنة:
“إن شاء الله يا صاحبي، روح بقى خليك جنبها.”
تحرك مهران من أمام شريف ودخل الغرفة عند ذات، حيث كان يبث في قلبه الأمل والخوف في آن واحد. نظر شريف إلى مهرة، ورأى وجهها شاحبًا بشكل مثير للقلق، مما زاد من قلقه الشديد عليها؛ اقترب منها وسأل بقلق:
“مهرة، أنتي تعبانة؟”
كانت مشاعر الخوف وفيرة في صوته، كأنه يحاول أن يحمل عبء معاناتها. تنحنحت بخجل وحركت رأسها بالرفض، قائلة:
“ل، ل، لا، أنا كويسة يا شريف.”
كانت تستخدم هذه العبارة كدرع يحميها من الإدراك بأنها بحاجة للمساعدة. رد عليها بعدم اطمئنان:
“بس شكلك بيقول غير كده، تعالي معايا أخلي دكتورة هند تكشف عليكي.”
حركت رأسها سريعًا وقالت بتوتر:
“يا شريف، أنا كويسة، دول بس شوية إرهاق علشان بقالي كذا يوم منمتش.”
زفر بضيق وتحدث بغضب:
“بقولك إيه، بلاش مقاوحه. وشك باين عليه التعب، امشي معايا.”
نظرت حولها بخجل وتكلمت بصوت هامس:
“يا ابني، أنت افهم عندي تعب عادي من بتاع البنات.”
تنحنح شريف بإحراج، وقال:
“أه، ماشي هروح أجيب ليكي حاجة سخنة تشربيها.”
أنهى كلامه وتحرك بسرعة بعيدًا عنها.تكلمت مهرة بصوت همس، قائلة:
“بني آدم غبي، أقسم بالله.”
ابتسمت سارة على كلماتها، وقالت بصوت هامس:
“يا بنتي، اتلمي، يعني هو غلطان علشان قلقان عليكي، هو هيعرف منين اللي عندك؟”
زفرت بضيق، وأجابت بصوت مختنق:
“معرفش بقى، أنا تعبانه أوي، والمغص هيموتني، حاسّة إن الدنيا بتلف بيا.”
أشارت سارة إليها بإحدى المقاعد، قائلة:
“روحي اقعدي على الكرسي ده شويه، على ما يجيب ليكي حاجة سخنة تشربيها تريحك شوية.”
وفي ذلك الوقت، جاء شريف واقترب من ماهر، قائلاً:
“ماهر، هدخل مهرة الأوضة دي ترتاح شوية، علشان شكلها تعبان.”
كان القلق يملأ عينيه وهو يلاحظ معاناة مهرة. نظر ماهر إلى مهرة، فرأى أنها تجلس على المقعد وتضغط على بطنها، فاقترب منها وسأل:
“مهرة، مالك يا حبيبتي؟”
أغلقت عينيها بتوتر وتحدثت بصوت هامس:
“ادعي عليك بأيه يا شريف، يا ابن أم شريف، أقوله أيه أنا دلوقتي؟”
اقتربت سارة منهما وأمسكت بذراع ماهر، وهمست له بشيء في أذنه. أومأ ماهر برأسه بتفهم، وقال:
“تعالي يا حبيبتي، معايا ريحي شويه في الأوضة دي.”
ضغطت مهرة على أسنانها بضيق وتحدثت بصوت هامس:
“ده أنا اتفضحت فضيحت المطاهر يوم طهوره، مش ناقص غير مدير المستشفى يعرف اللي عندي.”
ثم نهضت مع ماهر وتحركت معه إلى الغرفة، جلست على السرير، وأعطاها شريف حبة دواء، قائلاً:
“خدي الحباية دي هتريحك شويه.”
أخذتها منه، وضعتها في فمها، وارتشفت قطرات الماء وراءها. ثم أعطاها شيئًا ساخنًا، وأضاف:
“واشربي ده، وهو كده هيريحك، ونامي شويه، هتصحي كويسة ومش حاسّة بحاجة.”
احمرت وجنتاها بخجل، وأومأت برأسها بتفهم. أخذت المشروب وبدأت تحتسيه تحت نظرات شريف العاشقة لها، التي تحمل الحب والقلق في آن واحد. تكلم ماهر بنفاذ صبر:
“طيب، إيه ناوي تبات هنا؟ مش يلا بقى نخرج ونسيبها، ترتاح.”
تنحنح شريف برجولية وتوتر، قائلاً:
“ها.. أه، يلا بينا.”
نظر ماهر إلى سارة وقال:
“خليكي يا حبيبتي معاها هنا علشان محدش يتسلل شبه الحرامية ويدخل ليها.”
أنهى كلامه بدفع شريف إلى الخارج. صرخ شريف بغضب مزيف:
“أشوف فيكم يوم يا ولاد الشرنوبي زي ما أنتوا مشحطفين قلبي عليها.”
أغلق ماهر الباب ونظر له مبتسمًا، قائلاً:
“محدش منعك عنها. تعالى، اتقدم ليها، واتجوزها، وبعد كده اعمل اللي أنت عايزه.”
تكلم شريف بضيق مزيف، ثم قال بتهكم:
“اللي ميعرفش يقول عدس.”
كانت مهرة وسارة يستمعون لكلماتهم، وتعالت ضحكاتهم على ما قاله شريف. تكلمت مهرة بعشق خالص:
“وأنا إيه مجنن أمي ومخليني هموت عليه غير حبه المجنون ودمه الخفيف ده.”
ابتسمت لها سارة بتمني، قائلة:
“ربنا يقرب ليكم البعيد ويسعدك يا رب يا حبيبتي.”
تذكرت مهرة ما فعلته سارة بالخارج، نظرت إليها بغضب، وقالت بنفاذ صبر:
“بقى أنا يا بنت العبيطة تفضحيني وتقولي لماهر عن اللي عندي؟ ده أنتي فضحتيني فضيحت المطاهر يوم طهوره.”
اتسعت عينا سارة بصدمه، وتحدثت بخجل:
“يا بنتي بقى، لمي لسانك اللي فيه حتة زيادة ده، وبعدين، أنا غلطانة يعني علشان أنقذتك من الموقف اللي كنتي فيه؟”
ردت عليها بتهكم:
“طيب، ما كنتي جيبتي ميكروفون وقولتي فيه بالمرة، وسمعتي المستشفى كلها. أقول عليكي إيه بس، وأنتي فيكي كل العبر؟ أنا هنام شويه زي ما حبيب قلبي قالي، شوفتي وهو خايف عليا.”
حدقت سارة بها بعدم تصديق، واكتفت بالجلوس على المقعد والصمت فقط.
تعالت ضحكات مهرة على رد فعل سارة عليها، وقالت:
“وربنا، أنتي ليكي الجنة علشان استحملتي صداقتنا السنين دي كلها.”
ابتسمت سارة على كلماتها، وقالت:
“بس على قلبي زي العسل. أصلاً لو مكانش منغشاتك دي معايا، مكانش هيكون لصداقتنا طعم.”
تثاءبت مهرة بنعاس، وقالت:
“بحبك يا بت.”
ثم أغلقت عينيها، وبعد وقت، استسلمت لنوم عميق. ظلت سارة تتابعها بابتسامة حتى اطمأنت عليها، وأغلقت عينيها هي الأخرى، وذهبت إلى نوم عميق.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
مر عدة أيام…
تجهزت ذات ويزيد لعملية نقل الكلى وجاء اليوم الموعود تجمع الكل أمام غرفة العمليات تحت قلقهم وخوفهم على ذات علمت والدة يزيد بما فعله وجاءت بغضب شديد نظرت لهم وقالت بغضب:
“انتوا ازاي تسمحوا لنفسكم تخدوا ابني وترغموه أن يدي كليته لمقصوفة الرقبة دي؟ ده أنا هوديكم فى ستين داهيه يا حرامين الاعضاء البشريه.”
ضغط مهران على أسنانه بغضب وتحدث بنفاذ صبر:
“ارغمنا ابنك؟! ليه صغير ولا نغه، ابنك ماضي على الورق بأيده وبكامل قواه العقلية يعني هو أتبرع بإراده محدش غصبه على حاجه، وحسك عينك تغلطي فى ذات تاني قسما عظما اسففك التراب فااااهمة.”
ارتعد اوصلها من شدة صراخه وتكلمت بكلمات متقاطعه وقالت:
“مبقاش أنا لو مكنتش دفعتكم التمن، ولو حصل لابني حاجه هوديكم فى ستين داهية.”
تكلم شريف بنبرة هادئه وقال:
“اهدي يا حاجه متخافيش عليه، ابنك هيكون زي الفل، وهيبقى طبيعي جدا مش هيكون ناقصه أي حجه.”
ضغطت على أسنانها بنفاذ صبر وقالت:
“حاجه فى عينك، والله العظيم ما هرحمكم اطمن بس على ابني وهتشوفوا.”
تحرك مهران واقترب منها حتى يصفعها على فمها لكن ماهر وقف امامه وتكلم بنبرة هادئه:
“اهدا يا مهران مش وقته هي برضه ام وقلقانه على ابنها.”
حرك أصابعه بتحذير وقال:
“اطمن بس على ذات وهعرفك ازاي تعلى صوتك بالشكل ده؟”
وعاد مره اخرى وقف أمام الباب ينتظر خبر سلامة ذات لترد روحه مره اخرى لجسده.
خرج الطبيب وتجمع حوله الكل وتكلم شريف بتساءل:
“طمنا يا دكتور ايه الاخبار؟”
نظر لهم بنظرات غير مطمئنه وتحدث بمهنية:
“والله احنا بنحاول نحافظ على أرواح الاتنين بس للاسف حصل نزيف عند المريضة ومؤشرات جسمها كلها وقفت وربنا يستر.”
حرك مهران رأسه بالرفض وتكلم بعدم تصديق:
“لا لا لا، ذات هتبقى كويسه أنا متأكد، اصل مش معقول تسيبني بسرعه كده ا احنا ملحقناش نشبع من بعض، لسه عندنا احلام كتير اوي هنعيشها فى المستقبل ونحققها مع بعض بترجاك يا دكتور أعمل ما فى وسعك وانقذها ابوس ايديك رجعلي ذات كويسه.”
نظر الطبيب له بأشفاق وربت على كتفه وقال:
“كثفوا دعائكم ليها واحنا بنعمل اللي علينا والباقي على ربنا، عن اذنكم.”
أنهى كلامه وعاد مرة أخرى إلى الداخل.
نظر مهران إلى شريف وتكلم بقلق وقال:
“يعني أيه يا شريف؟ ذات هتروح مني؟ أنا مقدرش أعيش من غيرها دي هي معني الحياة رد عليا يعني أيه كلام الدكتور ده يا شريف؟”
احتضنه شريف بقوه وربت على ظهره وتكلم بنبرة مطمئنة وقال:
“اهدا يا مهران صدقني مافيش مستحيل ربنا قادر على كل شئ ووارد جدا يحصل كده أثناء الجراحه وبتعدي والله العظيم والمريض بيبقى كويس وزي الفل، بس هو لازم الدكاترة تحطكم فى الصورة فى كل حاجه بتحصل علشان تبقوا مستعدين لاي نتيجه.”
تمسك مهران به بقوة وصرخ بما اودي من قوة بأسم ذات لعلها تستجيب لنداءه
يا للقدر وكأن صوته القشه التي انتشالتها من ظلامها انتهت العمليه الجراحيه بمعجزة إلهية فجفت الدماء وكأن لا شئ يكن وكأن حواسها تجاوبت مع نداء مهران لتعود له أمنة سالمه، خرج الطبيب وعلامة الذهول مرتسمة على وجه وقال بعدم تصديق:
“احنا كنا خلاص خارجين نبلغم بخبر وفاتها لكن حصلت معجزة إلهية غريبه مؤشرات جسمها اشتغلت تاني طبيعيه والنزيف وقف وكأن مكانش فيه أي حاجه.”
الدموع انهمرت من عين مهران لكن هذه المرة دموع الفرح لأنها استجابة لنداءه لأنها شعرت به حتى وهي فاقدة الوعي يالله كم الحب جميلا عندما يجتمع به شخصين بقلب واحد نظر إلى شريف وتكلم من بين شهقاته:
“حست بيا يا شريف سمعت صوت نداء عليها حتى وهي مش حاسه بحاجه ذات رجعتلي يا شريف.”
تكلم بسعادة وقال بعدم تصديق:
“حمدالله على سلامتها يا صاحبي قولتلك متخافش عليها ربنا كبير اوي يا مهران وان شاءالله هترجع احسن من الاول وتعيشوا اجمل ايام حياتكم سوا.”
تكلمت والدة يزيد بغضب شديد وقالت:
“ما تولع ذات مكان ما هي موجودة، طمني يا دكتور على ابني؟”
رد عليها الطبيب بضيق وقال:
“متقلقيش يا مدام ابنك كويس وزي الفل وهيخرج دلوقتي على اوضه علشان يكون تحت الملاحظه.”
كاد مهران يفترسها بغضب شديد لكن شريف منعه وقال:
“سيبك منها دي وليه صفرا.”
وبدأت التهاني لمهران على سلامة ذات وبعد عدة دقائق دخلت ذات إلى الغرفة الخاصه بها بالمشفى وجلس مهران بجوارها ينظر لها بحب واشتياق منتظر اللحظه التي ستشرق فيها بنظرة عينيها وتنظر له بحب.
«««««««««««»»»»»»»»»»»
باليوم التالي…
بدأت ذات تحرك رأسها، بصوتها الحزين تعزف بحروف مهران على لسانها، وكأنها تستنجد بمنقذها في هذه الحياة. اقترب منها بسرعة، أمسك يديها بلطف قبل أن يقبلها بحب، قائلاً:
“قلب وعمر مهران كله، حمدالله على السلامة يا قمري في سمايا.”
ابتلعت ريقها بصعوبة، ونطق صوتها الضعيف:
“أنا عملت العملية ولسه عايشة؟”
رد عليها بسعادة، عينيه يتلألأان بالأمل:
“عملتيها ورجعتي تاني لحضني. ربنا محبش يوجع قلبي عليكي، واستجاب لدعائي وقومك ليا بالسلامة.”
نظرت له بألم شديد، وفاجأته برغبتها في معرفة حال يزيد:
“يزيد عامل إيه دلوقتي؟ طمني.”
تكلم بضيق وغيرته باديتها، قائلاً:
“كويس، الدكتور طمّن أمه عليه.”
وضعت يدها على مكان الجراحة، وعبّرت عن ألمها بكلمات بسيطة:
“جنبي واجعني أوي يا مهران.”
ربت على يدها بحب بينما كان قلبه ينزف ألمها، قائلاً:
“معلش يا عمري، علشان لسه حاجة جديدة في جسمك على ما يتعود عليها بس.”
أومأت برأسها بتفهم، ولكن صراخ الألم كان يدعوها لشيء أكثر:
“ماشي، بس عايزة مسكن يا مهران يخفّف عني الوجع اللي حاسّة بيه ده.”
استقام بجسده، وعشقه يتردد في كلماته:
“حاضر يا حبيبتي، هروح أشوف حد يديكي مسكن.”
خرج من عندها، يبحث في أروقة المستشفى عن شخص يساعدها في تخفيف الألم. ثوانٍ معدودة، ودخل أحد الممرضين، وبهت برفقته مهدئاً، شعرت ذات بشيء غريب، وأحسّت أن هناك نقصاً:
“هو مهران فين؟”
أجابها الممرض، بينما كان يعد ما بيده بالمحلول:
“جاي ورايا، بيتكلم بس مع الدكتور.”
ثم بدأ يفرغ ما بيده في المحلول. نزعته ذات بقوة قبل أن يصل لها، وصوت الألم يصرخ في عروقها:
“أنت بتحط ليا إيه؟ ده مش مسكن، مهران يا مهررران.”
عندما بدأت ذات تهتف على مهران، ركض هذا الرجل نحو الباب، لكن في تلك اللحظة دقّت أبواب الغرفة وفتح مهران مع الممرضة. اصطدم هذا الرجل بصدره، دفعه بشدة، وركض سريعاً. تكلمت ذات بألم مفرط:
“عايز يموتني يا مهران.”
عزم مهران على الجري خلف هذا الرجل، وكاد أن يمسك به…
.««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شهادة قيد)